فصل: الخبر عن غمارة من بطون المصامدة وما كان فيهم من الدول وتصاريف أحوالهم.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن غمارة من بطون المصامدة وما كان فيهم من الدول وتصاريف أحوالهم.

هذا القبيل من بطون المصامدة من ولد غمار بن مصمود وقيل غمار بن مسطاف ابن مليل بن مصمود وقيل غمار بن أصاد بن مصمود.
ويقول بعض العامة أنهم عرب غمروا في تلك الجبال فسموا غمارة وهو مذهب عامي وهم شعوب وقبائل أكثر من أن تحصر والبطون المشهورة منهم بنو حميد ومثيوه وبنو فال وأغصاوه وبنو وزروال ومجكسة وهم آخر مواطنهم يعتمرون رحاب الريف بساحل بحر الدر من عن يمين بسائط المغرب من لدن غساسة فتكرر فبادس فتبكيساس فتيطاوين فسبتة فالقصر الى طنجة خمس مراحل أو أزيد أوطنوا منها جبالا شاهقة اتصل بعضها ببعض سياجا بعد سياج خمس مراحل أخرى في العرض إلى أن يتخطى بسائط قصر كتامة ووادي ورغة من بسائط المغرب ترتد عنها الأبصار وتنزل في حافاتها الطيور لا بل الهوام وينفسح في رؤوسها وبين قننها الفجاج سبل السفر ومراتع السائمة وفدن الزراعة وأدواح الرياض.
ويتبين لك أنهم من المصامدة بقاء هذا النسب المحيط سمة لبعض شعوبهم يعرفون بمصمودة ساكنين ما بين سبتة وطنجة وإليهم ينسب قصر المجاز الذي يعبر منه الخليج البحري إلى بلد طريف ويعضده أيضا اتصال مواطنهم بمواطن برغواطة من شعوب المصامدة بريف البحر الغربي وهو المحيط إذ كان بنو حسان منهم موطنين بذلك الساحل من لدن آزغر وأصيلا إلى أنفى من هنالك تتصل بهم مواطن برغواطة ودوكالة إلى قبائل درن من المصامدة فما وراءها من بلاد القبلة فالمصامدة هم أهل الجبال بالمغرب الأقصى إلا قليلا منها وغيرهم في البسائط ولم تزل غمارة هؤلاء بمواطنهم هذه من لدن الفتح ولم يعلم ما قبل ذلك.
وللمسلمين فيهم أزمان الفتح وقائع الملاحم وأعظمها لموسى بن نصير وهو الذي حملهم على الإسلام واسترهن أبناءهم وأنزل منهم عسكرا مع طارق بطنجة وكان أميرهم لذلك العهد يليان وهو الذي وفد عليه موسى بن نصير وأعانه في غزو الأندلس وكان منزله سبتة كما نذكره وذلك قبل استحواء تاتكور وكانت في جميع غمارة هؤلاء بعد الإسلام دول قاموا بها لغيرهم وكان فيهم متنبئوون ولم تزل الخوارج تقصد جبالهم للمنعة فيها كما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن سبتة ودولة بني عصام بها.

كانت سبتة هذه من الأمصار القديمة قبل الإسلام وكانت يومئذ منزل يليان ملك ارة ولما زحف إليه موسى بن نصير صانعه بالهدايا وأذعن للجزية فأقره عليها سترهن ابنه وأبناء قومه وأنزل طارق بن زياد بطنجة للجزية وضرب عليهم العسكر للنزول معه.
ثم كانت إجازة طارق إلى الأندلس فضرب عليهم البعوث كان الفتح لا كفاء له كما مر في موضعه ولما هلك يليان استولى العرب على مدينة سبتة صلحا من أيدي قومه فعمروها ثم كانت فتنة ميسرة الحقير وما دعا إليه من سلالة الخارجية وأخذ بها الكثير من البرابرة من غمارة وغيرهم فزحف من برابرة طنجة إلى سبتة وأخرجوا العرب منها وسبوها وخربوها فبقيت خلاء وأنزل بها ماجكس من رجالاتهم ووجوه قبائلهم وبه سميت مجكسة فبناها ورجع فيها الناس وأسلم وسمع من أهل زمانه إلى أن مات فقام بأمره ابنه عصام ووليها هرا ولما هلك قام بأمره ابنه مجير فلم يزل واليا عليها إلى أن هلك ووليها أخوه رضي ويقال إنه ابنه وكانوا يعطون لبني إدريس طاعة مضعفة كما نذكره ولما سما الناصر أمل في ملك المغرب وتناول حبله من أيدي بني إدريس المالكين ببلاد لهبط وغمارة حين أجهضتهم كتامة وزناتة عن ملكهم بفاس وقاموا بدعوة الناصر وبثوها في أعمالهم نزلوا حينئذ للناصر عن سبتة وأشاروا له إلى تناولها من بني عاصم فسرح إليها عساكره وأساطيله مع قائده نجاح بن غفير فكان فتحها سنة تسع عشرة وثلثمائة ونزل له الرضي بن عصام عنها وآتاه طاعته وانقرض أمر بني عصام وصارت سبتة إلى الناصر حتى استولى عليها بعد حين بنو حماد واستحدثوا بعدها دولة أخرى كما نذكره.

.الخبر عن بني صالح بن منصور ملوك نكور ودولتهم في غمارة وتصاريف أحوالهم.

لما استولى المسلمون أيام الفتح على بلاد المغرب وعمالاتها واقتسموا وأمدهم الخلفاء بالبعوث إلى جهاد البربر وكان فيهم من كل القبائل من العرب وكان صالح بن منصور الحميري من عرب اليمن في البعث الأول وكان يعرف بالعبد الصالح فاستخلص نكور لنفسه وأقطعه إياها الوليد بن عبد الملك في أعوام إحدى وتسعين من الهجرة قاله صاحب المقياس وبلد نكور ينتهي من المشرق إلى زواغة وجراوة ابن أبي الحفيظ مسافة خمسة أيام وتجاوره من هنالك مطماطة وأهل كدالة ومرنيسة وغساسة أهل جبل مزك وقلوع جاره التي لبني ورتندي ولميد وزناتة وينتهي من المغرب إلى مروان من غمارة وبني حميد إلى مسطاسة وصنهاجة ومن ورائهم أوربة حزب فرحون وبني ولميد وزناتة وبني يرنيان وبني واسن حزب قاسم صاحب صا والبحر جوفي نكور على خمسة أميال فأقام صالح هنالك لما اقتطع أرضها وكثر نسله واجتمع إليه قبائل غمارة وصنهاجة مفتاح وأسلموا على يده وقاموا بأمره وملك تكسامان وانتشر الإسلام فيهم ثم ثقلت عليهم الشرائع والتكاليف وارتدوا وأخرجوا صالحا وولوا عليهم رجلا من نفزة يعرف بالرندي ثم تابوا وراجعوا الإسلام وراجعوا صالحا فأقام فيهم إلى أن هلك بتلمسان سنة اثنتين وثلاثين ومائة وولي أمره من بعده ابنه المعتصم بن صالح وكان شهما شريف النفس كثير العبادة وكان يلي الصلاة والخطبة لهم بنفسه.
ثم هلك لأيام يسيرة وولي من بعده أخوه إدريس فاختط مدينة نكور في عدوة الوادي ولم يكملها وهلك سني ثلاث وأربعين ومائة وولي من بعده ابنه سعيد واستفحل أمره وكان ينزل مدينة تكسامان ثم اختط مدينة نكور لأول ولايته ونزلها وهي التي تسمى لهذا العهد المزمة بين نهرين أحدهما نكور مخرجه من بلاد كزنارية ومخرجه من مخرج وادي ورغة واحد والثاني غيس ومخرجه من بلد بني ورياغيل يجتمع النهران في آكال ثم يفترقان إلى البحر ويقال نكور من عدوة الأندلس بزليانة.
وغزا المجوس نكور هذه في أساطيلهم سنة أربع وأربعين ومائة فغلبوا عليها واستباحوها ثمانيا ثم اجتمع إلى سعيد البرانس وأخرجوهم عنها وانتقضت غمارة بعدها على سعيد فخلعوه وولوا عليهم رجلا منهم اسمه مسكن وتزحفوا فأظهره الله عليهم وفرق جماعتهم وقتل مقدمهم واستوسق أمره إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين ومائة لسبع وثلاثين من أيامه وقام بأمره ابنه صالح بن سعيد فتقبل مذهب سلفه في الاستقامة والاقتداء وكان له مع البربر حروب ووقائع إلى أن هلك سنة خمسين ومائتين لاثنتين وسبعين سنة من ملكه.
وقام من بعده ابنه سعيد بن صالح وكان أصغر ولده فخرج إليه أخوه عبد الله وعمه الرضي وظفر بهما بعد حروب كثيرة فغرب أخاه إلى المشرق ومات بمكة وأبقى على عمه الرضي لذمة صهر بينهما وقتل سائر من ظفر به من عمومته وقرابته وأنهض لهما سعادة الله بن هرون منهم ولحق ببني يصليتن أهل جبل أبي الحسن ودلهم على عورته وبيتوا معسكره واستولوا عليه وأخذوا الآلة وقتل منهم خلقا ونجا سعادة الله بتلسمان وتقبض على أخيه ميمون فضرب عنقه.
ثم سار سعادة الله إلى طلب الصلح فأسعفه وأنزله معه مدينة نكور ثم غزا سعيد بقومه وأهل إيالته من غمارة بلاد بطوية ومرنيسة وقلوع جاره ورتندي وأصهر بأخيه إلى أحمد بن إدريس بن محمد بن سليمان صاحبه وأنزله مدينة نكور معه وتوطأ الأمر لسعيد في تلك النواحي إلى أن خاطبه عبد الله المهدي يدعوه إلى أمره وفي أسفل كتابه لهم:
وإن تستقيموا أستقم بصلاحكم ** وإن تعدلوا عني أرى قتلكم عدلا

وأعلوا بسيفي قاهرا لسيوفكم ** وأدخلها عفوا وأملوها قتلا

فكتب إليه شاعره الأحمس الطليطلي بأمر يوسف بن صالح أخي الأمير سعيد:
كذبت وبيت الله ما تحسن العدلا ** ولا علم الرحمن من قولك الفضلا

وما أنت إلا جاهل ومنافق ** تمثل للجهال في السنة المثلى

وهمتنا العليا لدين محمد ** وقد جعل الرحمن همتك السفلى

فكتب عبد الله إلى مصالة بن حبوس صاحب تاهرت وأغزى إليه فغزاه سنة أربع وثلثمائة لأربع وخمسين من دولته فغلبهم سعيد وقومه أياما ثم غلبهم مصالة وقتلهم وبعث برؤسهم إلى رقادة طيف بها وركب بقيتهم البحر إلى مالقة فتوسع الناصر في إنزالهم إجارتهم واستبلغ في تكريمهم وأقام مصالة بمدينة نكور ستة أشهر ثم قفل إلى تاهرت وولى عليها دلول من كتامة فانفض العسكر من حوله وبلغ الخبر إلى بني سعيد بن صالح وقومهم بمالقة وهم إدريس والمعتصم وصالح فركبوا السفن إليها وسبق صالح إليها منهم فاجتمع البربر بمرسى تكسامان وبايعوه سنة خمس وثلثمائة ولقبوه القيم لصغره وزحفوا إلى دلول فظفروا به وبمن معه وقتلوهم وكتب صالح بالفتح إلى الناصر وأقام دعوته بأعماله وبعث إليه الناصر بالهدايا والتحف والآلة ووصل إليه إخوته وسائر قومه وأتوا طاعة.
ولم يزل على هدى أوليه من الاقتداء إلى أن هلك سنة خمس عشرة وثلاثمائة وولي بعده ابنه عبد البديع ولقب المؤيد وزحف إليه موسى بن أبي العافية القائم بدعوة العبيديين بالمغرب فحاصره وتغلب عليه فقتله واستباح المدينة وخربها سنة سبع عشرة وثلثمائة ثم راجع إليها وقام بأمرهم أبو نور إسماعيل بن عبد الملك بن عبد الرحمن بن سعيد بن إدريس بن صالح بن منصور وأعاد المدينة التي بناها صالح بن منصور وعمرها وسكنها ثلاثا.
ثم أغزى ميسور مولى أبي القاسم بن عبد الله صندلا مولاه عندما أناخ على فاس فبعث عسكرا مع صندل هذا فحاصر جراوة ثم عطف على نكور وتحصن منه إسمعيل بن عبد الملك بقلعة اكدى وبعث إليه صندل رسله من طريقه فقتلهم فأغذ السير وقاتله ثمانية أيام ثم ظفر به فقتله واستباح القلعة وسباها واستخلف عليها من كتامة رجلا اسمه مرمازو ووصل صندل إلى فاس فترافع أهل نكور وبايعوا الموسى بن المعتصم بن محمد بن قرة بن المعتصم بن صالح بن منصور وكان عند أبي الحسن عند يصليتن وكان يعرف بابن رومي.
وقال صاحب المقياس: هو موسى بن رومي بن عبد السميع بن رومي بن إدريس بن صالح بن إدريس بن صالح بن منصور وأخذ مرمازو معه وضرب أعناقهم وبعث برؤوسهم إلى الناصر ثم ثار عليه من أعياص بيته عبد السميع بن جرثم بن إدريس بن صالح بن منصور فخلعه وأخرجه عن نكور سنة تسع وعشرين وثلثمائة ولحق موسى بالأندلس ومعه أهله وولده وأخوه هارون بن رومي وكثير من عمومته وأهل بيته فمنهم من نزل معه المرية ومنهم من نزل مالقة ثم انتقض أهل نكور على عبد السميع وقتلوه واستدعوا من مالقة جريح بن أحمد بن زيادة الله بن سعيد بن إدريس بن صالح بن منصور فبادر إليهم وبايعوه سنة ست وثلاثين وثلثمائة فاستقامت له الأمور وكان على مذهب سلفه في الاقتداء والعمل بمذهب مالك إلى أن مات آخر سنة ستين وثلثمائة لخمس وعشرين سنة من ملكه واتصلت الولاية في بنيه إلى أن غلب عليهم أزداجة المتغلبون على وهران وزحف أميرهم يعلى بن أبي الفتوح الأزداجي سنة ست وأربعمائة وقتل سنة عشر فغلبهم على نكور وخربها وانقرض ملكهم بعد ثلثمائة سنة وأربعة عشر سنة من لدن ولاية صالح وبقيت في بني يعلى بن أبي الفتوح وأزداجة إلى أعوام ستين وأربعمائة والله مالك الأمور لا إله إلا هو.