فصل: الموشحات والأزجال للأندلس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الموشحات والأزجال للأندلس:

وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم وتهذبت مناحيه وفنونه وبلغ التنميق فيه الغاية استحدث المتأخرون منهم فنا منه سموه بالموشح ينظمونه أسماطا أسماطا وأغصانا أغصانا يكثرون من أعاريضا المختلفة ويسمون المتعدد منها بيتا واحدا ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتاليا فيما بعد إلى آخر القطعة وأكثر ما تنتهى عندهم إلى سبعة أبيات ويشتمل كل بيت على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد وتجاروا في ذلك إلى الغاية واستظرفة الناس جملة الخاصة والكافة لسهولة تناوله وقرب طريقه وكان المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدم بن معافرالفريري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني وأخذ ذلك عنه أبو عبد الله أحمد بن عبد ربه صاحب كتاب العقد ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر وكسدت موشحاتهما فكان أول من برع في هذا الشأن عبادة القزاز شاعر المعتصم بن صمادح صاحب المرية وقد ذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع أبا بكر بن زهير يقول: كل الوشاحين عيال على عبادة القزاز فيما أتفق له من قوله:
بدر تم شمس ضحا ** غصن نقا مسك شم

ما أتم ما أوضحا ** ما أورقا ما أنم

لا جرم من لمحا ** قد عشقا قد حرم

وزعموا أنة لم يسبقه وشاح من معاصريه الذين كانوا في زمن الطوائف وذكر غير واحد من المشايخ أن أهل هذا الشأن بالأندلس يذكرون أن جماعة من الوشاحين اجتمعوا في مجلس بأشبيلية وكان كل واحد منهم اصطنع موشحة وتأنق فيها فتقدم الأعمى الطليطلي للإنشاد فلما افتتح موشحته المشهورة بقوله:
ضاحك عن جمان ** سافر عن بدر

ضاق عنه الزمان ** وحواه صدري

صرف ابن بقي موشحته وتبعه الباقون وذكر الأعلم البطليوسي أنه سمع ابن زهر يقول: ما حسدت قط وشاحا على قول إلا ابن بقي حين وقع له:
أما ترى أحمد ** في مجده العالي

لا يلحق أطلعه الغرب ** فأرنا مثله يا مشرق

وكان في عصرهما من الموشحين المطبوعين أبو بكر الأبيض وكان في عصرهما أيضا الحكيم أبو بكر بن باجة صاحب التلاحين المعروفة ومن الحكايات المشهورة أنه حضر مجلس مخدومه ابن تيفلويت صاحب سرقسطة فألقى على بعض قيناته موشحته التي أولها:
جرر الذيل أيما جر ** وصل الشكر منك بالشكر

فطرب الممدوح لذلك لما ختمها بقوله:
عقد الله راية النصر ** لأمير العلا أبي بكر

فلما طرق ذلك التلحين سمع ابن تيفلويت صاح: واطرباه: وشق ثيابه وقال: ما أحسن ما بدأت وختمت وحلف بالأيمان المغلظة لا يمشي ابن باجة إلى داره إلا على الذهب فخاف الحكيم سوء العاقبة فاحتال بأن جعل ذهبا في نعله ومشى عليه وذكر أبو الخطاب بن زهر أنه جرى في مجلس أبي بكر ابن زهير ذكر أبي بكر الأبيض الوشاح المتقدم الذكر فغص منه نعض الحاضرين فقال كيف تغص ممن يقول:
ما لذي شراب راح على رياض الأقاح ** لولا هضيم الوشاح إذا أسا في الصباح

أو في الأصيل أضحى يقول: ** ما للشمول لطمت خدي؟

وللشمال هبت فمال ** غصن اعتدال ضمه بردي

مما أباد القلوبا يمشي لنا مستريبا ** يا لحظة رد نوبا ويا لماه الشنيبا

برد غليل صب عليل ** لا يستحيل فيه عن عهدي

ولا يزال في كل حال ** يرجو الوصال وهو في الصد

واشتهر بعد هؤلاء في صدر دولة الموحدين محمد بن أبى الفضل بن شرف قال الحسن بن دويدة: رأيت حاتم بن سعيد على هذا الافتتاح:
شمس قاربت بدرا ** راح ونديم

وابن بهرودس الذي له:
يا ليلة الوصل والسعود ** بالله عودي

وا بن مؤهل الذي له:
ما العيد في حلة وطاق ** وشم وطيب

وإنما العيد في التلاقي ** مع الحبيب

وأبو إسحاق الرويني قال ابن سعيد: سمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول: إنه دخل على ابن زهير وقد أسن وعليه زي البادية إذ كان يسكن بحصن سبتة فلم يعرفة فجلس حيث انتهى به المجلس وجرت المحاضرة فانشد لنفسه موشحة وقع فيها:
كحل الدجى يجري من مقلة ** الفجر على الصباح

ومعصم النهر في حلل ** خضر من البطاح

فتحرك ابن زهير وقال أنت تقول هذا؟ قال: اختبر! قال: ومن تكون فعرفة فقال ارتفع فوالله ما عرفتك قال ابن سعيد وسابق الحلبة الذي أدرك هؤلاء أبو بكر بن زهير وقد شرقت موشحاته وغربت قال: وسمعت أبا الحسن سهل بن مالك يقول قيل لابن زهير لو قيل لك ما أبدع وأرفع ما وقع لك في التوشيح قال كنت أقول:
(ما للموله من سكره لا يفيق... يا له سكران من غير خمر ما للكئيب المشوق يندب الأوطان...هل تستعاد... أيامنا بالخليج وليالينا...أو نستفاد... من النسيم الأريج مسك دارينا...أو هل يكاد... حسن المكان البهيج أن يحيينا؟...روض أظله... دوح عليه أنيق مورق الأفنان والماء يجري وعائم وغريق من جنى الريحان).
واشتهر بعده ابن حيون الذي له من الزجل المشهور قوله:
يفوق سهمه كل حين ** بما شئت من يد وعين

وينشد في القصيد:
خلقت مليح علمت رامي ** فليس تخل ساع من قتال

وتعمل بذي العينين متاعي ** ما تعمل يدي بالنبال

واشتهر معهما يومئذ بغرناطة المهر بن الفرس قال ابن سعيد ولما سمع ابن زهر قوله:
لله ما كان من يوم بهيج ** بنهر حمص على تلك المروج

ثم انعطفنا على فم الخليج ** نفض في حانه مسك الختام

عن عسجد زانه صافي المدام ** ورداء الأصيل ضمه كف الظلام

قال ابن زهر: أين كنا نحن عن هذا الرداء وكان معه في بلده مطرف أخبر ابن سعيد عن والده أن مطرفا هذا دخل على ابن الفرس فقام له وأكرمه فقال: لا تفغل! فقال ابن الفرس: كيف لا أقوم لمن يقول:
قلوب تصاب بألحاظ تصيب ** فقل كيف تبقى بلا وجد

وبعد هذا ابن خزمون بمرسية ذكر ابن الرائس أن يحيى الخزرجي دخل عليه في مجلسه فأنشده موشحة لنفسه فقال له ابن حزمون: لا يكون الموشح بموشح حتى يكون عاريا غن التكلف قال على مثل ماذا؟ قال على مثل قولي:
يا هاجري هل إلى الوصال ** منك سبيل

أو هل ترى عن هواك سالي ** قلب العليل

وأبو الحسن سهل بن مالك بغرناطة قال ابن سعيد كان والدي يعجب بقوله:
إن سيل الصباح في الشرق

عاد بحرا في أجمع الأفق

فتداعت نوادب الورق

أتراها خافت من الغرق

فبكت سحرة على الورق

واشتهر بأشبيلية لذلك العهد أبو الحسن بن الفضل قال ابن سعيد عن والده سمعت سهل ابن مالك يقول: له يا ابن الفضل لك على الوشاحين الفضل بقولك:
واحسرتا لزمان مضى ** عشية بأن الهوى وانقضى

وأفردت بالرغم لا بالرضى ** وبت على جمرات الغضى

أعانق بالفكر تلك الطلول ** وألثم بالوهم تلك الرسوم

قال وسمعت أبا بكر بن الصابوني ينشد الأستاذ أبا الحسن الدباج موشحاته غير ما مرة فما شنمعتة يقول له لله درك إلا في قوله:
قسما بالهوى لذي حجر ** ما لليل المشوق من فجر

جمد الصبح ليس يطرد

ما لليلي فيما أظن غد

إصح ياليل إنك الأبد

أو قفصت قوادم النسر ** فنجوم السماء لا تسري

ومن محاسن موشحات ابن الصابوني قوله:
ما حال صب ذي ضنى واكتئاب ** أمرضة يا ويلتاه الطبيب

عامله محبوبه باجتناب ** ثم اقتدى فيه الكرى بالحبيب

جفا جفوني النوم لكنني ** لم أبكه ألا لفقد الخيال

وذا الوصال اليوم قد غرني ** منه كما شاء وشاء الوصال

فلست باللائم من صدني ** بصورة الحق ولا بالمحال

واشتهر ببر أهل العدوة ابن خلف الجزائري صاحب الموشحة المشهورة:
يد الاصباح قدحت زناد ** الأنوار في مجامز الزهر

وابن خرز البجائي وله من موشحة:
ثغر الزمان موافق ** حباك منه بابتسام

ومن محاسن الموشحات للمتأخرين موشحة ابن سهل شاعر أشبيلية وسبتة من بعدها فمنها قوله:
هل درى ظبي الحمى أن قد حمى ** قلب صب حله عن مكنس

فهو في نار وخفق مثل ما ** لعبت ريح الصبا بالقبس

وقد نسج على منواله فيها صاحبنا الوزير أبو عبد الله ابن الخطيب شاعر الأندلس والمغرب لعصره وقد مر ذكره فقال:
جادك الغيث إذا الغيث همى ** يا زمان الوصل بالأندلس

لم يكن وصلك إلا حلما ** في الكرى أو خلسة المختلس

إذ يقود الدهر أشتات المنى ** ينقل الخطو على ما يرسم

زمرا بين فرادى وثنا ** مثل ما يدعو الوفود الموسم

والحيا قد جلل الروض سنى ** فثغور الزهر فيه تبسم

وروى النعمان عن ماء السما ** كيف يروي مالك عن أنس

فكساه الحسن ثوبا معلما ** يزذهي منه بأبهى ملبس

في ليال كتمت سر الهوى ** بالدجى لو لا شموس الغرر

مال نجم الكأس فيها وهوى ** مستقيم السير سعد الأثر

وطر ما فيه من غيب سوى ** أنه مر كلمح البصر

حين لذ النوم منا أو كما ** هجم الصبح هجوم الحرس

غارت الشهب بنا أو ربما ** أثرت فينا عيون النرجس

أي شيء لامرئ قد خلصا ** فيكون الروض قد مكن فيه

تنهب الأزهار فيه الفرصا ** أمنت من مكره ما تتقيه

فإذا الماء يناجي والحصا ** وخلا كل خليل بأخيه

تبصر الورد غيورا برما ** يكتسي من غيظيه ما يكتسي

وترى الآس لبيبا فهما ** يسرق الدمع بأذني فرس

يا أهيل الحي من وادي الغضا ** وبقلبي مسكن أنتم به

ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا ** لا أبالي شرقه من غربه

فأعيدوا عهد أنس قد مضى ** تنقذوا عانيكم من كربه

واتقوا الله احيوا مغرما ** يتلاشى نفسا في نفس

حبس القلب عليكم كرما ** أفترضون خراب الحبس

وبقلبي منكم مقترب ** بأحاديث المنى وهو بعيد

قمر أطلع منه المغرب ** شقوة المغرى به وهو سعيد

قد تساوي محسن أو مذنب ** في هواه بين وعد ووعيد

ساحر المقلة معسول اللمى ** جال في النفس مجال النفس

سدد السهم فأصمى إذ رمى ** بفؤادي نبلة المفترس

إن يكن جار وخاب الأمل ** وفؤاد الصب بالشوق يذوب

فهو للنفس حبيب أول ** ليس في الحب لمحبوب ذنوب

أمره معتمل ممتثل ** في ضلوع قد براها وقلوب

حكم اللحظ بها فاحتكما ** لم يراقب في ضعاف الأنفس

ينصف المظلوم ممن ظلما ** ويجازي البر منها والمسي

ما لقلبي كلما هبت صبا ** عادة عيد من الشوق جديد

كان في اللوح له مكتتبا ** قوله إن عذابي لشديد

جلب الهم له والوصبا ** فهو للأشجان في جهد جهيد

لاعج في أضلعي قد أضرما ** فهي نار في هشيم اليبس

لم يدع من مهجتي إلا الدما ** كبقاء ألصبح بعد الغلس

سلمي يا نفس في حكم القضا ** واعتبري الوقت برجعى ومتاب

واتركي ذكرى زمان قد مضى ** بين عتبى قد تقضت وعتاب

واصرفي القول إلى المولى الرضى ** ملهم التوفيق في أم الكتاب

الكريم المنتهى والمنتمى ** أسد السرج وبدر المجلس

ينزل النصر عليه مثلما ** ينزل الوحي يروح القدس

وأما المشارقة فالتكلف ظاهر على ما عانوه من الموشحات ومن أحسن ما وقع لهم في ذلك موشحة ابن سناء الملك التي اشتهرت شرقا وغربا وأولها:
حبيبي ارفع حجاب النور ** عن العذار

تنظر المسك على كافور ** في جلنار

كللي يا سحب تيجان الربى ** بالحلى واجعلي

سوارها منعطف الجدول

ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيها إعرابا واستحدثوا فنا سموه يالزجل والتزموا النظم فيه على مناحيهم لهذا العهد فجاءوا فيه بالغرائب واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة.
وأول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية أبو بكر بن قزمان وإن كانت قيلت قبله بالأندلس لكن لم يظهر حلاها ولا انسبكت معانيها واشتهرت رشاقتها إلا في زمانه وكان لعهد الملثمين وهو إمام الزجالين على الإطلاق قال ابن سعيد: ورأيت أزجاله مروية ببغداد أكثر مما رأيتها بحواضر المغرب قال: وسمعت أبا الحسن بن جحدر الأشبيلي إمام الزجالين في عصرنا يقول:
ما وقع لأحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لابن قزمان شيخ الصناعة وقد خرج إلى منتزه مع بعض أصحابه فجلسوا تحت عريش وأمامهم تمثال أسد من رخام يصب الماء من فيه على صفائح من الحجر متدرجة فقال:
وعريش قد قام على دكان ** بحال رواق

وأسد قد ابتلع ثعبان ** من غلظ ساق

وفتح فمه بحال إنسان ** بيه الفراق

وانطلق من ثم على الصفاح ** وألقى الصياح

وكان ابن قزمان مع أنه قرطبي الدار كثيرا ما يتردد إلى إشبيلية ونيتاب نهرها فاتفق أن اجتمع ذات يوم جماعة من أعلام هذا الشأن وقد ركبوا في النهر للنزهة ومعهم غلام جميل الصورة من سروات أهل البلد وبيوتهم وكانوا مجتمعين في زورق للصيد فنظموا في وصف الحال وبدأ منهم عيسى البليدي فقال:
يطمع بالخلاص قلبي وقد فاتو ** وقد ضمني عشقو لشهماتو

تراه قد حصل مسكين محلاتو ** يغلق وكذاك أمر عظيم صاباتو

توحش الجفون الكحل إن غابو ** وذيك الجفون الكحل أبلاتو

ثم قال أبو عمرو بن الزاهر الأشبيلي:
نشب والهوى من لج فيه ينشب ** ترى ايش دعاه يشقى ويتعذب

مع العشق قام في بالوان يلعب ** وخلق كثير من ذا اللعب ماتوا

ثم قال أبو الحسن المقري الداني:
نهار مليح يعجبن أوصافو ** شراب وملاح من حولي قد طافوا

والمقلين يقول من فوق صفصافو ** والبوري أخرى فقلاتو

ثم قال أبو بكر بن مرتين:
الحق تريد حديث بقالي عاد ** في الواد النزيه والبوري والصياد

لسنا حيتان ذيك الذي يصطاد ** قلوب الورى هي في شبيكاتو

ثم قال أبو بكر بن قزقان:
إذا شمر كمامو يرميها ** ترى البوري يرشق لذاك الجيها

وليس مرادو أن يقع فيها ** إلا أن يقبل بدياتو

وكان في عصرهم يشرق الأندلس محلف الأسود وله محاسن من الزجل منها قوله:
قد كنت منشوب واختشيت النشب ** وردني ذا العشق لأمر صعب

حتى تنظر الخد الشريق البهي ** تنتهي في الخمر إلما تنتهي

يا طالب الكيميا في عيني هي ** تنظر بها الفضة وترجع ذهب

وجاءت بعدهم حلبة كان سابقها مدغليس وقعت له العجائب في هذه الطريقة فمن قوله في زجله المشهور:
ورذاذ دق ينزل ** وشعاع الشمس يضرب

فترى الواحد يفضض ** وترى الآخر يذهب

والنبات يشرب ويسكر ** والغصون ترقص وتطرب

وتريد تجي إلينا ** ثم تستحي وتهرب

ومن محاسن أزجاله قوله:
لاح الضيا والنجوم حيارى ** فقم بنا ننزع الكسل

شربت ممزوج من قراعا ** أحلى هي عندي من العسل

يا من يلمني كما تقلد ** قلدك الله بما تقول

يقول بان الذنوب تولد ** وأنه يفسد العقول

لارض الحجاز موريكن لك أرشد ** ايش ما ساقك معي في ذا الفضول

مر أنت للحج والزيارا ** ودعني في الشرب منهمل

من ليس لو قدره ولا استطاع ** النية أبلغ من العمل

وظهر بعد هؤلاء بأشبيلية ابن جحدر الذي فضل على الزجالين في فتح ميورقة بالزجل الذي أوله هذا:
من عاند التوحيد بالسيف يمحق ** أنا بري ممن يعاند الحق

قال ابن سعيد لقيتة ولقيت تلميذة المعمع صاحب الزجل المشهور الذي أوله:
يا ليتني ان رأيت حبيبي ** أفتل اذنو بالرسيلا

ليش أخذ عنق الغزيل ** وسرق فم الحجيلا

ثم جاء من بعدهم أبو الحسن سهل بن مالك إمام الأدب ثم من بعدهم لهذه العصور صاحبنا الوزير أبو عبد الله بن الخطيب إمام النظم والنثر في الملة الإسلامية غير مدافع فمن محاسنه في هذه الطريقة:
امزج الأكواس واملالي تجدد ** ما خلق المال إلا أن يبدد

ومن قوله على طريقة الصوفية وينحو منحى الششتري منهم:
بين طلوع وبين نزول ** اختلطت الغزول

ومضى من لم يكن ** وبقي من لم يزول

ومن محاسنه أيضا قوله في ذلك المعنى:
البعد عنك يا بني أعظم مصايبي ** وحين حصل لي قربك سببت قاربي

وكان لعصر الوزير ابن الخطيب بالأندلس محمد بن عبد العظيم من أهل وادي آش وكان إماما في هذه الطريقة وله من زجل يعارض به مدغليس في قوله:
لاح الضياء والنجوم حيارى

بقوله:
حل المجون يا أهل الشطارا ** مذ حلت الشمس في الحمل

تجددوا كل يوم خلاعا ** لا تجعلوا بينها ثمل

إليها يتخلعوا في شنبل ** على خضورة ذاك النبات

وحل بغداد واجتياز النيل ** أحسن عندي من ذيك الجهات

وطاقتها أصلح من أربعين ميل ** ان مرت الريح عليه وجات

لم تلتق الغبار امارا ** ولا بمقدار ما يكتحل

وكيف ولاش فيه موضع رقاعا ** إلا ونسرح فيه النحل

وهذه الطريقة الزجلية لهذا العهد هي فن العامة بالأندلس من الشعر وفيها نظمهم حتى أنهم لينظمون بها في سائر البحور الخمسة عشر لكن بلغتهم العامية ويسمونه الشعر الزجلي مثل قول شاعرهم:
دهر لي نعشق جفونك وسنين ** وأنت لا شفقة ولا قلب يلين

حتى ترى قلبي من أجلك كيف رجع ** صنعة السكة بين الحدادين

الدموع ترشرش والنار تلتهب ** والمطارق من شمال ومن يمين

خلق الله النصارى للغزو ** وأنت تغزو قلوب العاشقين

وكان من المجيدين لهذه الطريقة لأول هذه المائة الأديب أبو عبد الله اللوشي وله فيها قصيدة يمدح فيها السلطان ابن الأحمر:
طل الصباح قم يا نديمي نشربو ** ونضحكو من بعدما نطربو

سبيكة الفجر أحكت شفق ** في ميلق الليل فقم قلبو

ترى عيارها خالص أبيض نقي ** فضة هو لكن الشفق ذهبو

فتنتفق سكتوا عند البشر ** نور الجفون من نورها يكسبو

فهو النهار يا صاحبي للمعاش ** عيش الغني فيه بالله ما أطيبو

والليل أيضا للقبل والعناق ** على سرير الوصل يتقلبو

جاد الزمان من بعدما كان بخيل ** ولش ليفلت من يديه عقربو

كما جرع مرو فما قد مضى ** يشرب بيننو وياكل طيبو

قال الرقيب يا أدبا إيش ذا ** في الشرب والعشق ترى ننجبو

وتعجبوا عذالي من ذا الخبر ** فقلت يا قوم من ذا تتعجبوا

نعشق مليح الا رقيق الطباع ** علاش تكفروا بالله أو تكتبوا

ليش يربح الحسن إلا شاعر أديب ** يفض بكرو ويدع ثيبو

أما الكاس فحرام نعم هو حرام ** على الذي ما يدري كيف يشربو

ويد الذي يحسن حسابه ولم ** يقدر يحسن الفاظ أن يجلبوا

وأهل العقل والفكر والمجون ** يغفر ذنوبهم لهذا إن أذنبوا

ظبي بهي فيها يطفي الجمر ** وقلبي في جمر الغضى يلهبو

غزال بهي ينظر قلوب الأسود ** وبالوهم قبل النظر يذهبوا

ثم يحييهم إذا ابتسم يضحكوا ** ويفرحوا من بعدما يندبوا

فميم كالخاتم وثغر نقي ** خطيب الأمة للقبل يخطبو

جوهر ومرجان أي عقد يا فلان ** قد صففه الناظم ولم يثقبو

وشارب أخضر يريد لاش يريد ** من شبهه بالمسك قد عيبو

يسبل دلال مثل جناح الغراب ** ليالي هجري منه يستغربوا

على بدن أبيض بلون الحليب ** ما قط راعي للغنم يحلبوا

وزوج هندات ما علمت قبلها ** ديك الصلايا ريت ما أصلبو

تحت العكاكن منها خصر رقيق ** من رقتو يخفي إذا تطلبوا

أرق هو من ديني فيما تقول ** جديد عتبك حق ما أكذبو

أي دين بقا لي معاك وأي عقل ** من يتبعك من ذا وذا تسلبوا

تحمل ارداف ثقال كالرقيب ** جين ينظر العاشق وحين يرقبو

ان لم ينفس عدر أو ينقشع ** في طرف ديسا والبشر تطلبو

يصير إليك المكان حين تجي ** وحين تغيب ترجع في عيني تبو

محاسنك مثل خصال الأمير ** أو الرمل من هو الذي يحسبو

عماد الأمصار وفصيح العرب ** من فصاحة لفظه يتقربو

بحمل العلم انفرد والعمل ** ومع بديع الشعر ما أكتبو

ففي الصدور بالرمح ما أطعنه ** وفي الرقاب بالسيف ما أضربو

من السماء يحسد في أربع صفات ** فمن يعد قلبي أو يحسبو

الشمس نورو والقمر همتو ** الغيث جودو والنجوم منصبو

يركب جواد الجود ويطلق عنان ** الاغنيا والجند حين يركبوا

من خلعتو يلبس كل يوم بطيب ** منه بنات المعالي تطيبوا

نعمتو تظهر على كل من يجيه ** قاصد ووارد قط ما خيبوا

قد أظهر الحق وكان في حجاب ** لاش يقدر الباطل بعدما يحجبو

وقد بنى بالسر ركن التقى ** من بعد ما كان الزمان خربو

تخاف حين تلقاه كما ترتجيه ** فمع سماحة وجهو ما أسيبو

يلقى الحروب ضاحكا وهي عابسة ** غلاب هو لا شي في الدنيا يغلبو

إذا جبد سيفه ما بين الردود ** فليس شيء يغني من يضربو

وهو سمي المصطفى والاله ** للسلطنة اختار واستنخبو

تراه خليفة أمير المؤمنين ** يقود جيوشو ويزين موكبو

لذي الإمارة تخضع الرؤوس ** نعم وفي تقبيل يديه يرغبوا

ببيته بقى بدور الزمان ** يطلعوا في المجد ولا يغربوا

وفي المعالي والشرف يبعدوا ** وفي التواضع والحيا يقربوا

والله يبقيهم ما دار الفلك ** وأشرقت شمسه ولاح كوكبو

وما يغني ذا القصيد في عروض ** يا شمس خدر مالها مغربو

ثم استحدث أهل الأمصار بالمغرب فنا آخر من الشعر في أعاريض مزدوجة موشح نظموا فيه بلغتهم الحضرية أيضا وسموه عروض البلد وكان أول من حدثه فيهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس يعرف بابن عمير فنظم قطعة بطريقة الموشح ولم يخرج فيها عن مذاهب الإعراب إلا قليلا مطلعها:
اني بشاطي النهر نوح الحمام ** على الغصن في البستان قريب الصباح

السحر يمحو مداد الظلام ** وماء الندى يجري بثغر الاقاح

جرت الرياض والطل فيها افتراق ** كثير الجواهر في نحور الجوار

مع النواعير ينهرق انهراق ** يحاكي ثعابين حلقت بالثمار

بالغصون خلخال على كل ساق ** ودار الجميع بالروض دور السوار

الندى تخرق جيوب الكمام ** ويحمل نسيم المسك عنها رياح

الصبا يطلى بمسك الغمام ** وجر النسيم ذيلو عليها وفاح

ويطير الحمام بين الورق في القضيب ** قد ابتلت ارياشو بقطر الندى

تنوح مثل ذاك المستهام الغريب ** قد التف من توبو الجديد في ردا

ولكن بما أحمر وساقو خضيب ** ينظم سلوك جوهر ويتقلدا

جلس بين الأغصان جلسة المستهام ** جناحا توسد والتوى في جناح

وصار يشتكي ما في الفؤاد من غرام ** منها ضم منقاره لصدره وصاح

قلت يا حمام احرمت عيني الهجوع ** أراك ما تزال تبكي بدمع سفوح

قال لي بكيت حتى صفت لي الدموع ** بلا دمع نبقى طول حياتي ننوح

على فرخ طار لي لم يكن لو رجوع ** ألفت البكا والحزن من عهد نوح

كذا هو الوفا وكذا هو الزمام ** انظر جفون صارت بحال الجراح

وأنتم من بكى منكم إذا تم عام ** يقول عناني ذا البكا والنواح

قلت يا حمام لو خضت بحر الضنى ** كنت تبكي وترثي لي بدمع هتون

ولو كان بقلبك ما بقلبي أنا ** ما كان يصير تحتك فروع الغصون

اليوم نقاسي الهجر كم من سنا ** حتى لا سبيل جمله تراني العيون

ومما كسا جسمي النحول والسقام ** أخفاني نحولي عن عيون اللواح

لو جتنى المنايا كان يموت في المقام ** ومن مات بعد يا قوم لقد استراح

قال لي لو رقدت لاوراق الرياض ** من خوفي عليه ودا النفوس للفؤاد

وتخضبت من دمعي وذاك البياض ** طوق العهد في عنقي ليوم التناد

أما طرف منقاري حديثو استفاض ** بأطراف البلد والجسم صار في الرماد

فاستحسنه أهل فاس وولعوا به ونظموا على طريقته وتركوا الإعراب الذي ليس من شأنهم وكثر سماعه بينهم واستفحل فيه كثير منهم ونوعةه أصنافا إلى المزدوج والكازي والملعبة والغزل واختلفت أسماؤها باختلاف ازدواجها وملاحظاتهم فيها فمن المزدوج ما قاله ابن شجاع من فصولهم وهو من أهل تازا:
المال زينة الدنيا وعز النفوس ** يبهي وجوها ليس هي باهيا

فها كل من هو كثير الفلوس ** ولوه الكلام والرتبة العاليا

يكبر من كثر مالو ولو كان صغير ** ويصغر عزيز القوم اذ يفتقر

من ذا ينطبق صدري ومن ذا تغير ** وكاد ينفقع لولا الرجوع للقدر

حتى يلتجي من هو في قومو كبير ** لمن لا أصل عندو ولا لو خطر

لذا ينبغي يحزن على ذي العكوس ** ويصبغ عليه ثوب فراش صافيا

اللي صارت الاذناب أمام الرؤوس ** وصار يستفيد الواد من الساقيا

ضعف الناس على ذا وفسد ذا الزمان ** ما يدروا على من يكثروا ذا العتاب

اللي صار فلان يصبح بو فلان ** ولو رأيت كيف يرد الجواب

عشنا والسلام حتى رأينا عيان ** أنفاس السلاطين في جلود الكلاب

كبار النفوس جدا ضعاف الاسوس ** هم ناحيا والمجد في ناحيا

يرو أنهم والناس يروهم تيوس ** وجوه البلد والعمدة الراسيا

ومن مذاهبهم قول ابن شجاع منهم في بعض مزدوجاته:
تعب من تبع ذا الزمان ** اهمل يا فلان لا يلعب الحسن فيك

ما منهم مليح عاهد إلا وخان ** قليل من عليه تحبس ويحبس عليك

يهبوا على العشاق ويتمنعوا ** ويستعمدوا تقطيع قلوب الرجال

وان واصلوا من حينهم يقطعوا ** وان عاهدوا خانوا على كل حال

مليح كان هويتو وشت قلبي معو ** وصيرت من خدي لقدمو نعال

ومهدت لو من وسط قلبي مكان ** وقلت لقلبي اكرم لمن حل فيك

وهون عليك ما يعتريك من هوان ** فلا بد من هول الهوى يعتريك

حكمتوا علي وارتضيت بو أمير ** فلو كان يرى حالي اذا يبصرو

يرجع مثل در حولي بوجه الغدير ** مرديه ويتعطس بحال انحرو

وتعلمت من ساعا بسبق الضمير ** ويفهم مرادو قبل أن يذكرو

ويحتل في مطلو لوان كان ** عصر في الربيع أو في الليالي يريك

ويمشي بسوق كان ولو باصبهان ** وايش ما يقل يحتاج لو يجيك

حتى أتى على آخرها.
وكان منهم علي بن المؤذن بتلمسان وكان لهذه العصور القريبة من فحولهم بزرهون من ضواحي مكناسة رجل يعرف بالكفيف أبدع في مذاهب هذا الفن ومن أحسن ما علق له بمحفوظي قوله في رحلة السلطان أبي الحسن وبنى مرين إلى أفريقية يصف هزيمتهم بالقيروان ويعزيهم عنها ويؤنسهم بما وقع لغيرهم بعد أن عيبهم على غزاتهم إلى إفريقية في ملعبة من فنون هذه الطريقة يقول في مفتتحها وهو من أبدع مذاهب البلاغة في الأشعار بالمقصد في مطلع الكلام وافتتاحه ويسمى براعة الإستهلال:
سبحان مالك خواطر الامرا ** ونواصيها في كل حين وزمان

ان طعناه أعظم لنا نصرا ** وان عصيناه عاقب بكل هوان

إلى أن يقول في السؤال عن جيوش المغرب بعد التخلص:
كن مرعى قل ولا تكن راعي ** فالراعي عن رعيته مسؤول

واستفتح بالصلاة على الداعي ** للإسلام والرضا السني المكمول

على الخلفاء الراشدين والاتباع ** واذكر بعدهم اذا تحب وقول

أحجاجا تخللوا الصحرا ** ودوا سرح البلاد مع السكان

عسكر فاس المنيرة الغرا ** وين سارت بوعزايم السلطان

أحجاج بالنبي الذي زرتم ** وقطعتم لو كلاكل البيدا

عن جيش الغرب حين يسألكم ** المتلوف في افريقيا السودا

ومن كان بالعطايا يزودكم ** ويدع برية الحجاز رغدا

قام قل للسد صادف الجزرا ** ويعجز شوط بعدما يخفان

ويزف كر دوم تهب في الغبرا ** أي ما زاد غزالهم سبحان

لو كان ما بين تونس الغربا ** وبلاد الغرب سد السكندر

مبنى من شرقها إلى غربا ** طبقا بحديد أو ثانيا بصفر

لا بد الطير أن تجيب نبا ** أو يأتي الريح عنهم بفرد خبر

ما أعوصها من أمور وما شرا ** لو تقرا كل يوم على الديوان

لجرت بالدم وانصدع حجرا ** وهوت الخراب وخافت الغزلان

أدرلي بعقلك الفحاص ** وتفكر لي بخاطرك جمعا

ان كان تعلم حمام ولا رقاص ** عن السلطان شهر وقبله سبعا

تظهر عند المهيمن القصاص ** وعلامات تنشر على الصمعا

الا قوم عاريين فلا سترا ** مجهولين لا مكان ولا امكان

ما يدروا كيف يصوروا كسرا ** وكيف دخلوا مدينة القيروان

امولاي أبو الحسن خطينا الباب ** قضية سيرنا إلى تونس

فقنا كنا على الجريد والزاب ** واش لك في اعراب افريقيا القوبس

ما بلغك من عمر فتى الخطاب ** الفاروق فاتح القرى المولس

ملك الشام والحجاز وتاج كسرى ** وفتح من افريقيا وكان

رد ولدت لو كره ذكرى ** ونقل فيها تفرق الاخوان

هذا الفاروق مردي الاعوان ** صرح في افريقيا بذا التصريح

وبقت حمى إلى زمن عثمان ** وفتحها ابن الزبير عن تصحيح

لمن دخلت غنائمها الديوان ** مات عثمان وانقلب علينا الريح

وافترق الناس على ثلاثة أمرا ** وبقي ما هو للسكوت عنوان

اذا كان ذا في مدة البرارا ** اش نعمل في أواخر الازمان

وأصحاب الحضر في مكناساتا ** وفي تاريخ كأنا وكيوانا

تذكر في صحتها أبياتا ** شق وسطيح وابن مرانا

ان مرين إذا تكف براياتا ** لجدا وتونس قد سقط بنيانا

قد ذكرنا ما قال سيد الوزرا ** عيسى بن الحسن الرفيع الشان

قال لي رأيت وأنا بذا أدري ** لكن إذا جاء القدر عميت الأعيان

ويقول لك ما دهى المرينيا ** من حضرة فاس إلى عرب دياب

أراد المولى بموت ابن يحيى ** سلطان تونس وصاحب الأبواب

ثم أخذ في ترحيل السلطان وجيوشه إلى آخر رحلته ومنتهى أمره مع أعراب إفريقية وأتى فيها بكل غريبة من الإيداع وأما أهل تونس فاستحدثوا فن الملعبة أيضا على لغتهم الحضرية إلا أن أكثره رديء ولم يعلق بمحفوظي منه شيء لرداءته.