فصل: استيلاء شرف الدولة بن عضد الدولة على فارس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  استيلاء عضد الدولة على بالد الهكارية وقلعة سندة

كان عضد الدولة قد بعث عساكره إلى بلاد الأكراد الهكارية من أعمال الموصل فحاصر قلاعهم وضيق عليهم وكانوا يؤملون نزول الثلج فترحل عنهم العساكر‏.‏وتأخر نزوله فاستأمنوا ونزلوا من قلاعهم إلى الموصل واستولت عليها العساكر وغدر بهم مقدم الجيش فقتلهم جميعاً‏.‏وكانت قلعة بنواحي الجبل لأبي عبد الله المري مع قلاع أخرى وله فيها مساكن نفيسة‏.‏وكان من بيت قديم فقبض عليه عضد الدولة وعلى أولاده واعتقلهم وملك القلاع ثم أطلقهم الصاحب ابن عباد فيما بعد واستخدم أبا طاهر من ولده واستكتبه وكان حسن الخط واللفظ‏.‏

  وفاة عضد الدولة وولاية ابنه صمصام الدولة

ثم توفي عضد الدولة ثامن شوال سنة اثنتين وسبعين لخمس سنين ونصف من ولايته العراق وجلس ابنه صمصام الدولة أبو كليجار المرزبان للعزاء فجاءه الطائع معزياً‏.‏وكان عضد الدولة بعيد الهمة شديد الهيبة حسن السياسة ثاقب الرأي محباً للفضائل وأهلها وكان كثير الصدقة والمعروف ويدفع المال لذلك إلى القضاة ليصرفوه في وجوهه‏.‏وكان محباً للعلم وأهله مقرباً لهم محسناً إليهم ويجلس معهم ويناظرهم في المسائل فقصده العلماء من كل بلد وصنفت الكتب باسمه كالإيضاح في النحو والحجة في القراءات والملكي في الطب والتأخي في التواريخ وعمل البيمارستانات وبنى القناطر‏.‏وفي أيامه حدثت المكوس على المبيعات ومنع من الاحتراف ببعضها وجعلت متجراً للدولة‏.‏ولما توفي عضد الدولة اجتمع القواد والأمراء على ابنه أبي كاليجار المرزبان وولوه الملك مكانه ولقبوه صمصام الدولة فخلع على أخيه أبي الحسن أحمد وأبي ظاهر فيروز شاه وأقطعهما فارس وبعثهما إليها‏.‏

  استيلاء شرف الدولة بن عضد الدولة على فارس

واقتطاعها من أخيه صمصام الدولة كان شرف الدولة أبو الفوارس شرزيك قد ولاه أبوه عضد الدولة قبل موته كرمان وبعث إليه فلما بلغه وفاة أبيه سار إلى فارس فملكها وقتل نصر بن هارون النصراني وزير أبيه لأنه كان يسيء عشرته وأطلق الشريف أبا الحسن محمد بن عمر العلوي كان أبوه حبسه بما قال عنه وزيره المظهر بن عبد الله عند قتله نفسه على البطيحة‏.‏وأطلق النقيب أبا أحمد والد الشريف الرضي والقاضي أبا محمد بن معروف وأبا نصر خواشادة وكان أبوه حبسهم‏.‏وقطع خطبة أخيه صمصام الدولة وخطب لنفسه وتلقب بأخي الدولة ووصل أخوه أبو الحسن أحمد وأبو ظاهر فيروزشاه اللذان أقطعهما صمصام الدولة بشيراز فبلغهما خبر شرف الدولة بشيراز فعادا إلى الأهواز‏.‏وجمع شرف الدولة وفرق الأموال وملك البصرة وولى عليها أخاه أبا الحسين‏.‏ثم بعث صمصام الدولة العساكر مع ابن تتش حاجب أبيه وأنفذ مشرف الدولة مع أبي الأغر دبيس بن عفيف الأسدي والتقيا بظاهر عقرقوف وانهزم عسكر صمصام الدولة وأسر ابن تتش الحاجب واستولى حينئذ الحسين ابن عضد الدولة على الأهواز وراء هرمز وطمع في الملك‏.‏

  وفاة مؤيد الدولة صاحب أصفهان والري وجرجان وعود فخر الدولة إلي ملكه

ثم توفي مؤيد الدولة يوسف بن بويه بن ركن الدولة صاحب أصفهان والري بجرجان سنة ثلاث وسبعين واجتمع أهله للشورى فيمن يولوه فأشار الصاحب إسماعيل بن عباد لإعادة فخر الدولة إلى ملكه لكبر سنه وتقدم إمارته بجرجان وطبرستان فاستدعوه من نيسابور وبعث ابن عباد من استخلفه لنفسه وتقدم إلى جرجان فتلقاه العسكر بالطاعة وجلس على كرسيه‏.‏وتفادى ابن عباس من الوزارة فمنعه واستوزر والتزم الرجوع إلى إشارته في القليل والكثير‏.‏وأرسل صمصام الدولة وعاهده الاتحاد والمظاهرة‏.‏ثم عزل الأمير نوح أبا العباس تاش عن خراسان وولى عليها ابن سيجور فانتقض تاش ولقيه ابن سيجور فهزمه فلحق بجرجان فكافأه فخر الدولة وترك جرجان ودهستان وأستراباذ وسار عنها إلى الري وأمده بالأموال والآلات وطلب خراسان فلم يظفر بها فأقام بجرجان ثلاث سنين‏.‏ثم مات سنة سبع وتسعين كما ذكرنا في أخبار بني سامان‏.‏

  انتقاض محمد بن غانم علي فخر الدولة

قد تقدم لنا ذكر غانم البرزيكاني خال حسنويه وأنهم كانوا رؤساء الأكراد‏.‏إنه مات سنة خمسين وثلاثمائة وكان ابنه دلسيم مكانه في قلاعه فستتان وغانم أبا وملكها منه أبو الفتح بن العميد‏.‏ولما كان سنة ثلاث وسبعين انتقض محمد بن غانم بناحية كردون من أعمال قم على فخر الدولة ونهبت غلات السلطان وامتنع بحصن الفهجان واجتمع إليه البرزيكاني وسارت العساكر لقتاله في شوال فهزمها مرة بعد أخرى إلى أن بعث فخر الدولة إلى أبي النجم بدر بن حسنويه بالنكير في ذلك فصالحه أول أربع وسبعين‏.‏ثم سارت إليه العساكر سنة خمس وسبعين فقاتلها وأصيب بطعنة ثم أخذ أسيراً ومات بطعنته‏.‏تغلب باد الكردي على الموصل من يد الديلم ثم رجوعها إليهم قد تقدم لنا استيلاء عضد الدولة على الموصل وأعمالها وتقدم لنا ذكر باد الكردي خال بني مروان وكيف خان عضد الدولة لما ملك الموصل وطلبه فصار يخيف در بكر ويغير عليها حتى استفحل أمره‏.‏وملك ميافارقين كما ذكرنا ذلك كله في أخبار بني مروان‏.‏وأن صمصام الدولة جهز إليه العساكر مع أبي سعيد بهرام بن أردشير فهزمه باد وأسر أصحابه فأعاد صمصام الدولة إليه العساكر مع أبي سعيد الحاجب وفتك باد في الديلم بالقتل والأسر‏.‏ثم اتبع سعيد خانور الحسينية من بلد كواشي فانهزم سعيد الحاجب إلى الموصل وثارت العامة بالديلم‏.‏وملك باد سنة ثلاث وسبعين الموصل وحدث نفسه بملك بغداد وأخرج الديلم عنها واهتم صمصام الدولة بأمره وبعث زياد بن شهراكونه من أكبر قواد الديلم لقتاله واستكثر له من الرجال والعدد والمال وسار إلى باد فلقيه في صفر سنة أربع وسبعين وانهزم باد وأسر أكثر أصحابه ودخل زياد بن شهراكونه الموصل‏.‏وبعث سعيد الحاجب في طلب باد فقصد جزيرة وجمع باد الجموع بديار بكر وكتب صمصام الدولة إلى سعد الدولة بن سيف الدولة بتسليم ديار بكر له فبعث إليها عساكره من حلب وحاصره وميافارقين وخاموا عن لقاء باد فرجعوا عن حلب ووضع سعيد الحاجب رجلاً لقتل باد فدخل عليه وضربه في خيمته فأصابه وأشرف على الموت منها فطلب الصلح على أن يكون ديار بكر والنصف من طور عبدين فأجابه الديلم إلى ذلك وانحدروا إلى بغداد‏.‏وأقام سعيد الحاجب بالموصل إلى أن توفي سبع وسبعين أيام مشرف الدولة فتجرد الكردي وطمع في الموصل وولى شرف الدولة عليها أبا نصر خواشادة وجهزه بالعساكر‏.‏ولما زحف إليه باد الكردي كتب إلى مشرف الدولة يستمد العساكر والأموال فأبطأ عليه المدد فاستدعى العرب من بني عقيل وبني نمير وأقطعهم البلاد ليدافعوا عنها وانحدر باد واستولى على طور عبدين ولم يقدر على النزول على الصحراء وبعث أخاه في عسكر لقتال العرب فهزموه وقتلوه‏.‏ثم أتاهم الخبر بموت مشرف الدولة فعاد خواشادة إلى الموصل وأقامت العرب بالصحراء يمنعون باد من النزول وينتظرون خروج خواشادة لمدافعة باد وحربه وبينما هم في ذلك جاء إبراهيم وأبو الحسين ابنا ناصر الدولة بن حمدان فملكا الموصل كما ذكرنا في أخبار دولتهم‏.‏

  استيلاء صمصام الدولة على عمان ورجوعها لمشرف الدولة

كان مشرف الدولة استولى على فارس وخطب له بعمان وولى عليها أستاذ هرمز فانتقض عليه وصار مع صمصام الدولة وخطب له بعمان فبعث مشرف الدولة إليه عسكراً فهزموا أستاذ هرمز وأسروه وحبس ببعض القلاع وطولب بالأموال وعادت عمان إلى مشرف الدولة‏.‏

  خروج أبي نصر بن عضد الدولة على أخيه صمصام الدولة وانهزامه وأسره

كان أسفار بن كردويه من أكابر قواد الديلم واستوحش من صمصام الدولة فمال عن طاعته إلى أخيه مشرف الدولة وهو بفارس وداخل رجال الديلم في صمصام الدولة وأن ينصبوا بهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة نائباً عن أخيه مشرف الدولة حتى يقدم من فارس‏.‏وتمكن أسفار من الخوض في ذلك فمرض صمصام الدولة وتأخر عن حضور الدار وراسله صمصام الدولة أنه لا ذنب له لأنه كان صبيباً فاعتقله مكرماً وسعى إليه بابن سعدان وزيره أوهواه كان معهم فعزله وقتله ومضى أسفار إلى أبي الحسن بن عضد الدولة بالأهواز ومضى بقية العسكر إلى مشرف الدولة بفارس‏.‏

  استيلاء القرامطة على الكوفة بدعوة مشرف الدولة ثم انتزاعها منهم

كان للقرامطة محل من البأس والهيبة عند أهل الدول وكانوا يدافعونهم في أكثر الأوقات بالمال وأقطعهم معز الدولة وابنه بختيار ببغداد وأعمالها وكان يأتيهم ببغداد أبو بكر بن ساهويه يحتكم بحكم الوزراء فقبض عليه صمصام الدولة وكان على القرامطة في هجر ونيسابور مشتركان في إمارتهما وهما إسحق وجعفر فلما بلغهما الخبر سارا إلى الكوفة فملكاها وخطبا لمشرف الدولة‏.‏وكاتبهما صمصام الدولة بالعتب فذكرا أمرهما ببغداد وانتشر القرامطة في البلاد وجبوا الأموال ووصل أبو قيس الحسن بن المنذر من أكابرهم إلى الجامعين فسرح صمصام الدولة العسكر ومعهم العرب فعبروا الفرات وقاتلوه فهزموه وأسروه وقتلوا جماعة من قواد القرامطة ثم عاودوا عسكراً آخر‏.‏ولقيتهم عساكر صمصام الدولة بالجامعين فانهزم القرامطة وقتل مقدمهم وغيره وأسروا منهم العساكر وساروا في اتباعهم إلى القادسية فلم يدركوهم‏.‏

  استيلاء مشرف الدولة على الأهواز

ثم على بغداد واعتقال صمصام الدولة ثم سار مشرف الدولة أبو الفوارس بن عضد الدولة من فارس لطلب الأهواز وقد كان أخوه أبو الحسين تغلب عليها عند انهزام عساكر صمصام الدولة سنة اثنتين وسبعين‏:‏ وكان صمصام الدولة عندما ملك بعث أبا الحسين وأبا ظاهر أخويه على فارس كما قدمناه فوجدا أخاهما مشرف الدولة قد سبقهما إلى ملكها‏.‏وعندما ملك فارس والبصرة ولاهما على البصرة‏.‏فلما انهزمت عساكر صمصام الدولة أمام عسكر مشرف الدولة بعث أبا الحسين على الأهواز فملكها وأقام بها‏.‏واستخلف على البصرة أخاه أبا ظاهر فلما سار مشرف الدولة هذه السنة إلى الأهواز قدم إليه الكتاب بأن يسير إلى العراق وأنه يقره على عمله فشق ذلك على أبي الحسين وتجهز للمدافعة فعاجله مشرف الدولة عن ذلك وأعد السير إلى أرجان فملكها ثم رامهرمز وانتقض أجناده ونادوا بشعار مشرف الدولة فهرب إلى عمه فخر الدولة بالري وأنزله بأصفهان ووعده بالنصر وأبطأ عليه فثار في أصفهان بدعوة أخيه مشرف الدولة فقبض عليه جندها وبعثوا به إلى الري فحبسه فخر الدولة إلى أن مرض واشتد مرضه فأرسل من قتله في محبسه‏.‏ولما هرب أبو الحسين من الأهواز سار إليها مشرف الدولة وأرسل إلى البصرة قائداً فملكها وقبض على أخيه أبي ظاهر وبعث إليه صمصام الدولة في الصلح وأن يخطب له ببغداد وسارت إليهما الخلع والألقاب من الطائع وجاء من قبل صمصام الدولة من يستحلفه‏.‏وكان معه الشريف أبو الحسن محمد بن عمر الكوفي فكان يستحثه إلى بغداد‏.‏وفي خلال ذلك جاءته كتب القواد من بغداد بالطاعة وبعث أهل واسط بطاعتهم فامتنع من إتمام الصلح وسار إلى واسط فملكها وأرسل صمصام الدولة أخاه أبا نصر يستعطفه بالسلافة فلم يعطف عليه‏.‏وشغب الجند على صمصام الدولة فاستشار صمصام الدولة أصحابه في طاعة أخيه فنهوه‏.‏وقال بعضهم نصعد إلى عكبرا ونتبين الأمر وإن دهمنا ما لا ننوي عليه سرنا إلى الموصل وننتصر بالديلم وقال آخرون‏:‏ نقصد فخر الدولة بأصفهان ثم نخالفه إلى فارس فنحتوي على خزائن مشرف الدولة وذخائره فيصالح كرهاً فأعرض عنهم وركب صمصام الدولة إلى أخيه مشرف الدولة في خواصه فتلقاه بالمبرة‏.‏ثم قبض عليه وسار إلى بغداد فدخلها في رمضان سنة ست وسبعين وأخوه صمصام الدولة في اعتقاله بعد أربع سنين من إمارته بالعراق‏.‏

  أخبار مشرف الدولة في بغداد مع جنده ووزرائه

لما دخل مشرف الدولة بغداد كان الديلم معه في قوة وعدد تنتهي عدتهم إلى خمسة عشر ألفاً والأتراك لا يزيدون على ثلاثة آلاف فاستطال الديلم بذلك وجرت بين اتباعهم‏.‏لأول دخولهم بغداد مصاولة آلت إلى الحرب بين الفريقين فاستظهر الديلم على الترك وتنادوا بإعادة صمصام الدولة إلى ملكه فارتاب بهم مشرف الدولة ووكل بصمصام الدولة من يقتله إن هموا بذلك‏.‏ثم أتيحت الكرة للأتراك على الديلم وفتكوا فيهم وافترقوا واعتصم بعضهم بمشرف الدولة‏.‏ثم دخل من الغد إلى بغداد فتقبله الطائع وهنأه بالسلامة‏.‏ثم أصلح بين الطائفتين واستحلفهم جميعاً‏.‏وحمل صمصام الدولة إلى قلعة ورد بفارس فاعتقل بها وكان نحرير الخادم يشير بقتله فلا يجيبه أحد‏.‏واعتقل سنة تسع وسبعين وأشرف على الهلاك‏.‏ثم أشار نحرير في قتله أو سمله فبعث لذلك من يثق به فلم يقدم على سمله حتى استشار أبا القاسم بن الحسن الناظر هناك فأشار به فسمله‏.‏وكان صمصام الدولة يقول إنما أعماني العلاء لأنه في معنى حكم سلطان ميت‏.‏ولما فرغ مشرف الدولة من فتنة الجند صرف نظره إلى تهذيب ملكه فرد على الشريف محمد بن عمر الكوفي جميع أملاكه وكانت تغل في كل سنة ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم ورد على النقيب أبي أحمد والد الرضي جميع أملاكه وأقر الناس على مراتبهم وكان قبض على وزيره أبي محمد بن فسانجس وأفرج عن أبي منصور الصاحب واستوزره فأقره على وزارته ببغداد‏.‏وكان قراتكين قد أفرط في الدولة والضرب على أيدي الحكام فرأى أن يخرجه إلى بعض الوجوه وكان حنقاً على بدر بن حسنويه لميله عمه فخر الدولة فبعثه إليه في العساكر سنة سبع وسبعين فهزمه بدر بوادي قرمسين بعد أن هزمه قراتكين أولاً‏.‏ونزل العسكر فكر عليهم بدر فهزمهم وأثخن فيهم ونجا قراتكين في الفل جسر النهروان حتى اجتمع إليه المنهزمون ودخل بغداد واستولى بدر على أعمال الجبل‏.‏ولما رجع قراتكين أغرى الجند بالشغب على الوزير أبي منصور بن صالحان فأصلح مشرف بينه وبين قراتكين وحقدها له فقبض عليه بعد أيام وعلى جماعة من أصحابه واستصفى أموالهم‏.‏وشغب الجند من أجله فقتله وقدم عليهم مكانه طغان الحاجب‏.‏ثم قبض سنة ثمان وسبعين على شكر الخادم خالصة أبيه عضد الدولة وخالصته وكان يحقد عليه من أيام أبيه من سعاياته فيه‏:‏ منها إخراجه من بغداد إلى كرمان تقرباً إلى أخيه صمصام الدولة بإخراجه‏.‏فلما ملك‏.‏مشرف الدولة بغداد اختفى شكر فلم يعثر عليه وكان معه في اختفائه جارية حسناء فعلقت بغيره وفطن لها فضربها فخرجت مغاضبة له‏.‏وجاءت إلى مشرف الدولة فدلت عليه فأحضره وهم بقتله وشفع فيه نحرير الخادم حتى وهبه له‏.‏ثم استأذن في الحج وسار من مكة إلى مصر فاختصه خلفاء الشيعة وأنزلوه عندهم بالمنزلة الرفيعة‏.‏

  وفاة مشرف الدولة وولاية أخيه بهاء الدولة

ثم توفي مشرف الدولة أبو الفوارس سرديك بن عضد الدولة ملك العراق في منتصف تسع وسبعين لثمانية أشهر وسنتين من ملكه ودفن بمشهد علي ولما اشتدت علته بعث ابنه أبا علي إلى بلاد فارس بالخزائن والعدد مع أمه وجواريه في جماعة عظيمة من الأتراك وسأله أصحابه أن يعهد فقال‏:‏ أنا في شغل عن ذلك فسألوه نيابة أخيه بهاء الدولة ليسكن الناس إلى أن يتستفيق من مرضه فولاه نيابته‏.‏ولما جلس بهاء الدولة في دست الملك ركب إليه الطائع فعزاه وخلع عليه خلع السلطنة وأقر بهاء الدولة أبا منصور بن صالحان على وزارته ، ^? قد تقدم لنا أن صمصام الدولة اعتقله أخوه مشرف الدولة بقلعة ورد قرب شيراز من أعمال فارس عندما ملك بغداد سنة ست وسبعين‏.‏فلما مات مشرف الدولة وكان قد بعث ابنه أبا علي إلى فارس ولحقه موت أبيه بالبصرة فبعث ما معه في البحر إلى أرجان وسار إليها في البر مخفاً‏.‏والتف عليه الجند الذين بها وكاتبه العلاء بن الحسن من شيراز بخبر صمصام الدولة فسار إلى شيراز واختلف عليه الجند وهم الديلم بإسلامه إلى صمصام الدولة فتحرك الأتراك وقاتل الديلم أياماً‏.‏ثم سار إلى نسا والأتراك معه فأخذوا ما بها من المال وقتلوا الديلم ونهبوا أموالهم وسلاحهم‏.‏وسار أبو علي إلى أرجان وبعث الأتراك إلى شيراز فقاتلوا صمصام الدولة والديلم ونهبوا البلد وعادوا إليه بأرجان‏.‏وجاءه رسول عمه بهاء الدولة من بغداد بالمواعيد الجميلة ودس مع رسوله إلى الأتراك واستمالهم فحسنوا لأبي على المسير إلى عمه بهاء الدولة فسار إليه ولقيه بواسط منتصف ثمانين وثلاثمائة وقد أعد له الكرامة والنزول‏.‏ثم قبض عليه لأيام وقتله وتجهز للمسير إلى فارس‏.‏

  مسير فخر الدولة صاحب الري وأصفهان وهمذان إلى العراق وعوده

كان الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة ابن ركن الدولة يحب العراق ويريد بغداد لما كان بها من الحضارة واستئثار الفضائل‏.‏فلما توفي مشرف الدولة سلطان بغداد رأى أن الفرصة قد تمكنت فدس إليه فخر الدولة من يغريه بملك بغداد حتى استشاره في ذلك فتلطف في الجواب بأن أحاله على سعادته فقبل إشارته وسار إلى حمدان ووفد عليه بحر بن حسنويه ودبيس بن عفيف الأسدي وشاوروا في المسير فسار الصاحب ابن عباد وبدر في المقدمة على الجادة وفخر الدولة على خوزستان ثم ارتاب فخر الدولة بالصاحب ابن عباد خشية من ميله مع أولاد عضد الدولة فاستعاده وساروا جميعاً إلى الأهواز فملكها فخر الدولة وأساء السيرة في جندها وجنده وحبس عنهم العطاء فتخاذلوا‏.‏وكان الصاحب منذ اتهمه ورده عن طريقه معرضاً عن الأمور ساكتاً فلم تستقم الأمور بإعراضه‏.‏ثم بعث بهاء الدولة عساكره إلى الأهواز فقاتلوهم وزادت دجلة إلى الأهواز وانفتقت أنهارها فتوهم الجند وحبسوها مكيدة فانهزموا وأشار عليه الصاحب بإطلاق الأموال فلم يفعل فانغضت عنه عساكر الأهواز وعاد إلى الري وقبض في طريقه على جماعة من قواد الديلم والري وعادت الأهواز إلى دعوة بهاء الدولة‏.‏

  مسير بهاء الدولة إلى أخيه صمصم الدولة بفارس

ثم سار بهاء الدولة سنة ثمانين إلى خوزستان عازماً على قصد فارس وخلف ببغداد أبا نصر خواشادة من كبار قواد الديلم ومر بالبصرة فدخلها وسار منها إلى خوزستان وأتاه نعي أخيه أبي ظاهر فجلس لعزائه ودخل أرجان وأخذ جميع ما فيها من الأموال وكانت ألف ألف دينار وثمانية آلاف ألف درهم‏.‏وهرعت إليه الجنود وتفرقت فيهم تلك الأموال كلها‏.‏ثم بعث مقدمته أبا العلاء بن الفضل إلى النوبندجان فهزموا بها عسكر صمصام الدولة فأعاد صمصام الدولة العساكر مع فولاد بن ماندان فهزموا العلاء بمراسلة وخديعة من فولاد كبسه في أثرها فعاد إلى أرجان مهزوماً ولحق صمصام الدولة من شيراز بفولاد‏.‏ثم ترددت الرسل في الصلح على أن يكون لصمصام الدولة بلاد فارس وأرجان ولبهاء الدولة خوزستان والعراق ويكون لكل منهما إقطاع في بلد صاحبه فتم ذلك بينهما وتحالفا عليه وعاد بهاء الدولة إلى الأهواز‏.‏وبلغه ما وقع ببغداد من العيارين وبين الشيعة وأهل السنة وكيف نهبت الأموال وخرجت المساكين فأعاد السير إلى بغداد وصلحت الأحوال‏.‏

  القبض على الطائع ونصب القادر للخلافة

قد ذكرنا أن بهاء الدولة وقد شغب الجند عليه لقلة الأموال وقبض وزيره فلم يغن عنه‏.‏وكان أبو الحسن بن المعلم غالباً على هواه فأطمعه في مال الطائع وزين له القبض عليه فأرسل إليه بهاء الدولة في الحضور عنده فجلس على العادة ودخل بهاء الدولة في جمع كبير وجلس على كرسيه وأهوى بعض الديلم إلى يد الطائع ليقبلها‏.‏ثم جذبه عن سريره وهو يستغيث ويقول‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏واستصفيت خزائن دار الخلافة فمشى بها الحال أياماً ونهب الناس بعضهم بعضاً‏.‏ثم أشهد على الطائع بالخلع ونصبوا للخلافة عمه القادر أبا العباس أحمد المقتدر استدعوه من البطيحة‏.‏وكان فر إليها أمام الطائع كما تقدم في أخبار الخلفاء وهذا كله سنة أحد وثمانين وثلثمائة‏.‏رجوع الموصل إلى بهاء الدولة كان أبو الرواد محمد بن المسيب أمير بني عقيل قتل أبا طاهر بن حمدان آخر ملوك بني حمدان بالموصل وغلب عليها وأقام بها طاعة معروفة لبهاء الدولة وذلك سنة ثمانين كما مر في أخبار بني حمدان وبني المسيب‏.‏ثم بعث بهاء الدولة أبا جعفر الحجاج بن هرمز من قواد الديلم في عسكر كبير إلى الموصل فملكها آخر إحدى وثمانين فاجتمعت عقيل مع أبي الرواد على حربه وجرت بينهم عدة وقائع وحسن فيها بلاء أبي جعفر بالقبض عليه فخشي اختلاف أمره هناك وراجع في أمره وكان بإغراء ابن المعلم وسعايته‏.‏ولما شعر الوزير بذلك صالح أبا الرواد وأخذ رهنه وأعاده إلى بغداد فوجد بهاء الدولة قد نكب ابن المعلم‏.‏

  أخبار ابن المعلم هو أبو الحسن بن المعلم

قد غلب على هوى بهاء الدولة وتحكم في دولته وصدر كثير من عظائم الأمور بإشارته فمنها نكبة أبي الحسن محمد بن العلوي وكان قد عظم شأنه مع مشرف الدولة وكثرت أملاكه‏.‏فلما ولي بهاء الدولة سعى به عنده وأطمعه في ماله فقبض عليه واستصفى سائر أملاكه ثم حمله على نكبة وزيره أبي منصور بن صالحان سنة ثمان واستوزر أبا نصر سابور بن أردشير قبل مسيره إلى خوزستان ثم حمله على خلع الطائع واستصفى أمواله وحمل ذخائر الخلافة إلى داره ثم حمله على نكبة وزيره أبي نصر سابور واستوزر أبا القاسم عبد العزيز بن يوسف وبعد مرجعه من خوزستان‏.‏قبض على أبي خواشادة وأبي عبد الله بن ظاهر سنة إحدى وثمانين لأنهما لم يوصلا لابن المعلم هداياهما فحمل بهاء الدولة على نكبتهما‏.‏ولما استطال على الناس وكثر الضجر منه شغب الجند على بهاء الدولة وطالبوه بإسلامه إليهم وراجعهم فلم يقبلوا فقبض عليه وعلى سائر أصحابه ليسترضيهم بذلك فلم يرضوا إلا به فأسلمه إليهم وقتلوه‏.‏ثم اتهم الوزير أبا القاسم بمداخلة الجند في الشغب على الوزير فقبض عليه واستوزر مكانه أبا نصر سابور وأبا نصر بن الوزير الأولين وأقاما شريكين في الوزارة‏.‏

  خروج أولاد بختيار وقتلهم

كان عضد الدولة قد حبس أولاد بختيار فأقاموا معتقلين مدة أيامه وأيام صمصام الدولة من بعده‏.‏ثم أطلقهم مشرف الدولة وأحسن إليهم وأنزلهم بشيراز وأقطعهم‏.‏فلما مات مشرف الدولة حبسوا في قلعة ببلاد فارس فاستمالوا الموكل الذي عليهم والجند الذي معه من الديلم فأفرجوا عنهم وذلك سنة ثلاث وثمانين واجتمع إليهم أهل تلك النواحي وأكثرهم رجالة‏.‏وبلغ الخبر إلى صمصام الدولة فبعث أبا علي بن أستاذ هرمز في عسكر فافترقت تلك الجموع وتحصن بنو بختيار ومن معهم من الديلم وحاصرهم أبو علي وأرسل أحد الديلم معهم فأصعدهم سراً وملكوا القلعة وقتلوا أولاد بختيار‏.‏استيلاء صمصام الدولة على الأهواز ورجوعها منه ثم انتقض الصلح سنة ثلاث وثمانين بين بهاء الدولة صاحب بغداد وأخيه صمصام الدولة صاحب خوزستان وذلك أن بهاء الدولة بعث أبا العلاء عبد الله بن الفضل إلى الأهواز وأسر إليه أن يبعث العساكر متفرقة فإذا اجتمعوا عنده صدم بهم بلاد فارس فسار أبو العلاء وتشاغل بهاء الدولة عن ذلك وظهر الخبر فجهز صمصام الدولة عسكره إلى خوزستان واستمد أبو العلاء بهاء الدولة فتوافت عساكره والتقى العسكران‏.‏وانهزم أبو العلاء وأخذ أسيراً فأطلقته أم صمصام الدولة وقلق بهاء الدولة لذلك وافتقد الأموال فأرسل وزيره أبا نصر سابور إلى واسط وأعطاه جواهر وأعلاقاً يسترهنها عند مهذب الدولة صاحب البطيحة فاسترهنها ولما هرب الوزير أبو نصر استعفى ابن الصالحان من الانفراد بالوزارة فأعفي‏.‏واستوزر بهاء الدولة أبا القاسم علي بن أحمد ثم عجز وهرب‏.‏وعاد أبو نصر سابور إلى الوزارة بعد أن أصلح الديلم‏.‏ثم بعث بهاء الدولة طغان التركي إلى الأهواز في سبعمائة من المقاتلة فملكوا السوس ورحل أصحاب صمصام الدولة عن الأهواز وانتشرت عساكر طغان في أعمال خوزستان وكان أكثرهم من الترك فغص الديلم بهم الذين في عسكر طغان فضل الدليل وأصبح على بعد منهم ورآهم الأتراك فركبوا إليهم وأكمن ألوفاً واستأمن كثير منهم وأمنهم طغان حتى نزلوا بأمر الأتراك فقتلوهم كلهم‏.‏وانتهى الخبر إلى بهاء الدولة بواسط وسار إلى الأهواز وسار صمصام الدولة إلى شيراز وذلك سنة أربع وثمانين وأمر صمصام الدولة بقتل الأتراك في جميع بلاد فارس سنة خمس وثمانين فقتل منهم جماعة وهرب الباقون فعاثوا في البلاد ولحقوا بكرمان ثم ببلاد السند حتى توسطهم الأتراك فأطبقوا عليهم واستلحموهم‏.‏

  استيلاء صمصام الدولة على الأهواز

ثم علي البصرة ثم بعث صمصام الدولة عساكره الديلم سنه خمس وثمانين إلى الأهواز وكان نائب بهاء الدولة قد توفي وعزم الأتراك على العود إلى بغداد فبعث بهاء الدولة مكانه أبا كاليجار المرزبان بن سفهيعون وأنفذ أبا محمد الحسن بن مكرم إلى رامهرمز ممداً لنائبها لفتكين وقد انهزم إليها أمام عسكر صمصام الدولة فترك أبا محمد بن مكرم بها‏.‏ومضى إلى الأهواز وسار إلى خوزستان فكاتبه العلاء بن الحسن يخادعه‏.‏ثم سار إلى رامهرمز وحارب ابن مكرم ولفتكين وبعث بهاء الدولة ثمانين من الأتراك يأتون من خلف الديلم فشعروا بهم وقتلوهم أجمعين وخام بهاء الدولة عن اللقاء فرجع إلى الأهواز‏.‏ثم سار إلى البصرة ونزل بها وانتهى خبره إلى أبن مكرم فعاد إلى عسكر مكرم واتبعه العلاء والديلم فأجلوه عنها إلى كرب تستر‏.‏وتكررت الوقائع بين الفريقين فكان بيد الأتراك من تستر إلى رامهرمز وبيد الديلم من رامهرمز‏.‏ورجع الأتراك واتبعهم العلاء فوجدهم قد سلكوا طريق واسط فرجع عنهم وأقام بعسكر مكرم‏.‏ورجع بهاء الدولة إلى بغداد وكان مع العلاء قائد من قواد الديلم اسمه شكراستان فاستأمن إليه من الديلم الذين مع بهاء الدولة نحو من أربعمائة رجل فاستكثر بهم وسار إلى البصرة وحاصرها ومال إليهم أبو الحسن بن جعفر العلوي من أهل البصرة وكانوا يحملون الميرة‏.‏وعلم بهاء الدولة فأنفذ من يقبض عليهم فهربوا إلى ذلك القائد وقوي بهم وجمعوا له السفن فركبها إلى البصرة وقاتل أصحاب بهاء الدولة وهزمهم وملك البصرة واستباحها‏.‏وكتب بهاء الدولة إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة بأن يرتجعها من يد الديلم ويتولاها فأمده عبد الله بن مرزوق وأجلى الديلم عنها ثم رجع للقاء شكراستان‏.‏وهجم عليها في السفن فملكها‏.‏وكاتب بهاء الدولة بالطاعة والضمان فأجابه وأخذ ابنه رهينة وكان يظهر طاعة بهاء الدولة وصمصام الدولة‏.‏