فصل: الإمام العلامة الفقيه المعمر الشيخ أحمد بن محمد الحماقي الحنفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 الإمام العلامة الفقيه المعمر الشيخ أحمد بن محمد الحماقي الحنفي

كان أبوه مـن كبـار علماء الشافعية فتحنف هذا بأذن الإمام الشافعي والشيخ أحمد البنوفري والشيخ سليمـان المنصوري وغيرهم وتصدر رضي الله عنه لرؤيا رآها وكان يخبر بها من لفظه وتلقى عن أئمة عصره كالشيخ أحمد الدقدوسي والشيخ علي العقدي ومحمد عبد العزيز الزيادي والشيخ أحمد البنوفري والشيخ سليمان المنصوري وغيرهم وتصدر للإقراء والتدريس بالجامع الأزهر مـدة سنيـن ثـم تولـى مشيخـة إفتـاء الحنفيـة بعد موت الشيخ حسن المقدسي‏.‏

وكان إنسانًا حسنًا دمـث الأخلـاق حسـن العشـرة صافـي الطوية عارفًا بفروع المذهب لين الجانب لا يتحاشى الجلوس فـي الأسـواق والقهـاوي وكـان إخوانـه مـن أهـل العلـم ينقمـون عليـه في ذلك فلا يبالي باعتراضهم ولم يزل حتى توفي في سحر ليلة الجمعة خامس عشرى صفر من السنة رحمه الله‏.‏

ومـات الإمـام الفقيه العلامة المحدث الفرضي الأصولي الورع الزاهد الصالح الشيخ أحمد بن محمد بن محمد بن شاهين الراشدي الشافعي الأزهري ولد بالراشدية قرية بالغربية سنة 1118 وبها نشأ وحفظ القرآن وجوده وقدم الأزهر فتفقه على الشيخ مصطفى العزيزي والشيخ مصطفى العشماوي وأخذ الحساب والفرائض عن الشيخ محمد الغمري وسمع الكتب الستة على الشيخ عيـد النمرسـي بطرفيهـا وبعضهـا علـى الشيخ عبد الوهاب الطندتاوي وسيدي محمد الصغير وله شيوخ كثيرون‏.‏

ورافق الشيخ الوالد وعاشره مدة طويلة وتلقى عنه وهو أحد أصحابه من الطبقة الأولى ولم يزل محافظًا على وده وتردده ومؤانسته ويتذكر الأزمان السالفة والأيام الماضية ولـه شيـوخ كثيـرون‏.‏

وكـان مـن جملـة محفوظاتـه البهجـة الوردية وقد انفرد في عصره بذلك واعتني بالكتب الستة كتابة ومقابلة وتصحيحًا وكان حسن التلاوة للقرآن حلو الأداء مع معرفته بأصول الموسيقـى ولذلـك ناطـت بـه رغبـة الأمـراء فصلـى إمامـًا بالأمير محمد بك ابن اسمعيل بك مع كمال العفة والوقار والانجماع عن الناس حتى أن كثيرًا منهم يود أن يسمع منه خربًا من القرآن فلا يمكنه ذلك ثم أقلع عن ذلك وأقبل على إفادة الناس فقرأ المنهج مرارًا وابن حجر على المنهاج مرارًا وكان يتقنه ويحل مشكلاته بكمال التؤدة والسكينة فاستمر مدة يقرأ دروسه بمدرسة السنانيـة قـرب الأزهـر ثـم انتقـل إلـى زاويـة قـرب المشهـد الحسيني وكان تقرير مثل سلاسل الذهب فـي حسـن السبـك وقـد انتفـع به كثير من الأعلام ولما بنى المرحوم محمد بك أو الذهب المدرسة تجـاه الجامـع الأزهر في هذه السنة راوده أن يكون خطيبًا بها فامتنع فألح عليه وأرسل له صرة فيها دنانير لها صورة فأبى أن يقبل ذلك ورده فألح عليه فلما أكثر عليه خطب بها أول جمعة وألبسه فروة سمور وأعطاه صرة فيها دنانير فقبلها كرهًا ورجع إلى منزله محمومًا يقال فيما بلغنـي أنـه طلـب مـن اللـه أن لا يخطـب بعـد ذلـك فانقطـع في منزله مريضًا إلى أن توفي ليلة الثلاثاء ثاني شوال من السنة وجهز ثاني يوم وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بالقرافة الصغرى تجاه قبة أبي جعفر الطمحاوي ولم يخلف بعده في جمع الفضائل مثله‏.‏

وكان صفته نحيف البدن منور الوجه والشيبة ناتئ الجبهة ولا يلبس زي الفقهاء ولا العمامة الكبيرة بل يلبس قاووقـًا لطيفـًا فتلـي ويركـب بغلـة وعليهـا سلـخ شـاة أزرق‏.‏

وأخـذ كتبـه الأميـر محمد بك ووقفها في كتبخانته التي جعلها بمدرسته وكان لها جرم وكلها صحيحة مخدومة وسرق غالبها‏.‏

ومات الشيخ الصالح سعد بن محمد بن عبد الله الشنواني حصل في مباديه شيئًا كثيرًا من العلوم ومال إلى فن الأدب فمهر فيه وتنزل قاضيًا في محكمة باب الشعرية بمصر وكان إنسانًا حسنًا بينه وبين الفضلاء مخاطبات ومحاورات وشعره حسن مقبول وله قصائد ومدائح فـي الأوليـاء وغيرهـم أحسن فيها ولم أعثر على شيء منها وجدد له شيخنا السيد مرتضى نسبة إلـى الشيـخ شهـاب الديـن العراقـي دفيـن شنـوان‏.‏

توفـي يـوم السبـت خامس جمادى الثانية من السنة وقد جاوز السبعين رحمه الله‏.‏

ومـات العلامـة الفقيه الصالح الدين الشيخ علي بن حسن المالكي الأزهري قرأ على الشيخ علي العـدوي وبـه تخـرج وحضر غيره من الأشياخ ومهر في الفقه والمعقول وألقى دروسًا بالأزهر ونفع الطلبـة وكان ملازمًا على قراءة الكتب النافعة للمبتدئين مثل أبي الحسن وابن تركي والعشماوية في الفقه وفي النحو الشيخ خالد والأزهرية والشذور وحلقة درسه عظيمة جدًا وكان لسانه أبدًا متحركًا بذكرى الله‏.‏

توفي ليلة الخميس منتصف ربيع الأول من السنة ودفن بالمجاورين‏.‏

ومـات الشيـخ الإمـام المحـدث البـارع الزاهـد الصوفـي محمـد بـن أحمـد ابـن سالـم أبـو عبد الله السفريتي النابلسـي الحنبلبـي ولـد كما وجد بخطه سنة 1114 تقريبًا بسفارين وقرأ القرآن في سنة إحدى وثلاثيـن فـي نابلـس واشتغـل بالعلم قليلًا وارتحل إلى دمشق سنة ثلاث وثلاثين ومكث بها قدر خمـس سنوات فقرأ بها على الشيخ عبد القادر التغلبي دليل الطالب للشيخ مرعي الحنبلي من أولـه إلـى آخـر قراءة تحقيق والإقناع للشيخ موسى الحجازة وحضره في الجامع الصغير للسيوطي بيـن العشائيـن وغيـره مما كان يقرأ عليه في سائر أنواع العلوم وذاكره في عدة مباحث من شرحه على الدليل فمنها ما رجع عنها ومنها ما لم يرجع لوجود الأصول التي نقل منها وكان يكرمه ويقدمـه علـى غيـره وأجـازه بمـا فـي ضمـن ثبتـه الـذي خرجه له الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزى في سنة خمس وثلاثين وعلى الشيخ عبد الغني النابلسي الأربعين النووية وثلاثيات البخاري والإمـام أحمـد وحضـر دروسـه فـي تفسيـر القاضـي وتفسيـره الذي صنفه في علم التصوف وأجازه عمومًا بسائر ما يجوز له وبمصنفاته كلها وكتب له إجازة مطولة وذكر فيها مصنفاته وعلـى الشيخ عبد الرحمن المجلد ثلاثيات البخاري وحضر دروسه العامة وأجازه وعلى الشيخ عبد السلـام ابن محمد الكاملي بعض كتب الحديث وشيئًا من رسائل أخوان الصفا وعلى ملا الياس الكوراتي كتب المعقول وعلى الشيخ اسمعيل بن محمد العجلوني الصحيح بطرفيه مع مراجعة شروحه الموجودة في كل رجب وشعبان ورمضان من كل سنة مدة إقامته بدمشق وثلاثيات البخاري وبعض ثلاثيات أحمد وشيئًا من الجامع الصغير مع مراجعة شرحه للمناوي والعلقمي وشيئًا من الجامع الكبير وبعضًا من كتاب الإحياء مع مراجعة تخريج أحاديثه للزيـن العراقـي والأندلسية في العروض مع مطالعة بعض شروحها وبعضًا من شرح شذور الذهب وشرح رسالة الوضع مع حاشيته التي ألفها وحاشية ملا الياس وأجـازه بكـل ذلـك وبمـا يجـوز لـه روايتـه وعلـى الشيـخ أحمـد بـن علـي المنيني شرح جمع الجوامع للمحلى وشرح الكافية لملا جامي وشـرح القطـر للفاكهـي وحضـر دروسـه للصحيـح وشرحـه علـى منظومـة الخصائـص الصغرى للسيوطي وقد أجازه بكل ذلك إجازة مطولة كتبها بخطه وعلى الشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي بعضًا من شرح ألفية لعراقي لزكريا وأول سنن أبي داود وعلى قريبه الشيخ أحمد الغزي غالب الصحيح بالجامع الأموي بحضرة جملة من كبار شيوخ المذاهب الأربعة وعلى الشيـخ مصطفـى بـن سـوار أول صحيـح مسلـم وعلـى حامـد أفنـدي مفتـي الشـام المسلسـل بالأوليـة وثلاثيات البخاري وبعض ثلاثيات أحمد وحج سنة ثمان وأربعين فسمع بالمدينة على الشيخ محمد حياة المسلسل بالأولية وأوائل الكتب الستة وتفقه على شيخ المذهب مصطفى بن عبد الحـق اللبـدي وطـه بن أحمد اللبدي ومصطفى بن يوسف الكرمي وعبد الرحيم الكرمي والشيخ المعمـر السيـد هاشـم الحنبلي والشيخ محمد السلقيني وغيرهم ومن شيوخه الشيخ محمد الخليلي سمـع عليـه أشيـاء والشيـخ عبـد اللـه البصـروي سمـع عليـه ثلاثيـات أحمـد مع المقابلة بالأصل المصحح والشيـخ محمد الدقاق أدركه بالمدينة وقرأ عليه أشياء واجتمع بالسيد مصطفى البكري فلازمه وقرأ عليه مصنفاته وأجازه بما له وكتب له بذلك وله شيوخ أخر غير من ذكرت وله مؤلفات منهـا شـرح عمـدة الأحكـام للحافـظ عبـد الغنـي فـي مجلدين وشرح ثلاثيات أحمد في مجلد ضخم وشـرح نونيـة الصرصـري الحنبلـي سمـاه معـارج الأنـوار فـي سيـرة النبي المختار وبحر الوفا في سيرة النبي المصطفى وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب والبحور الزاخرة في علوم الآخـرة وشـرح الـدرة المضيـة فـي اعتقـاد الفرقـة الأثريـة ولوائـح الأنـوار السنيـة فـي شرح منظومة أبي بكر بن أبي داود الحائية وكان المترجم شيخًا ذا شيبة منورة مهيبًا جميل الشكل ناصرًا للسنة قامعًا للبدعـة قـوالًا بالحـق مقبـلًا علـى شأنـه مداومـًا على قيام الليل في المسجد ملازمًا على نشر علوم الحديث محبًا في أهلـه ولا زال يملـي ويفيـد ويجيـز مـن سنـة ثمـان وأربعيـن إلـى أن توفـي يـوم الاثنيـن ثامـن شوال من هذه السنة بنابلس وجهز وصلي عليه بالجامع الكبير ودفن بالمقبرة الزاركنية وكثر ومات العمدة المبجل الفاضل الشيخ أحمد بن محمد بن عبد السلام الشرفي المغـرب الأصـل المصري المولد وكان والده شيخًا على رواق المغاربة بالجامع الأزهر ومن شيوخ الشيخ أحمد الدمنهوري وولده هذا كان له معرفة بعلم الميقات ومشاركة حسنة وفيه صداقة ود وحسن عشرة مع الإخوان ومكارم أخلاق ويدعو الناس والعلماء في المولد النبوي إلى بيته بالأزبكية ويقدم لهم الموائد والحلوى وشراب السكر وكان لديه فوائد وآثر حسنة توفي سابع عشر ربيع الأول من السنة وقد جاوز السبعين رحمه الله‏.‏

ومـات العمـدة الفاضـل الشيـخ زيـن الديـن قاسـم العبـادي الحنفـي تفقه على الشيخ سلمان المنصـوري والشيـخ أحمـد بـن عمـر الاسقاطـي إلـى أن صـار يقـرأ درسـًا فـي المذهـب ولم يزل ملازمًا شأنه حتى توفي ثالث عشر الحجة من السنة وقد ناهز الثمانين رحمه الله‏.‏

ومات العمدة المعمر الشيخ عبد الله الموقت بجامع قوصون وكان يعرف بالطويل وكان إنسانًا صالحًا ناسكًا ورعًا توفي فجأة في الحمام ثاني عشر الحجة عن سبع وثمانين سنة‏.‏

ومات العمدة الفاضل الأديب الماهر الشيخ علي بن أحمد بن عبد الرحمن ابن محمد بن عامر العطشي الفيومي الشافعي وهو أخو الشيخ أحمد العطشي وكان له مذاكرة حسنـة وحضـر على الشيخ الحنفي وغيره وكان نعم الرجل توفي في جمادى الآخرة‏.‏

ومات السيد الشريف المعمر محمد بن حسن بن محمد الحسني الوفائي باش جاويش السادة الأشراف أخـذ عـن الشيـخ المعمـر يوسـف الطولونـي وكـان يحكـي عنـه حكايـات مستحسنـة وغرائـب وكـان متقيـدًا بالسيـد محمـد أبـي هـادي الوفائـي فـي أيـام نقابتـه على الأشراف ولديه فضيلة وفوائد توفي هذه السنة عن نحو ثمانين سنة‏.‏

ومات الشيخ الصالح سليمان بن داود بن سليمان بن أحمد الخربتاوي وكان من أهل المروءة والدين توفي ثامن عشرى المحرم من السنة في عشر الثمانين‏.‏

ومات الجناب المكرم الأمير أحمد أغا البارودي وهو مـن مماليـك إبراهيـم كتخـدا القازدغلـي وتـزوج بابنتـه التـي مـن بنـت البـارودي وسكـن معها في بيتهم المشهور خارج باب سعادة والخرق وولد له منها أولاد ذكور وإناث ومنهم صاحبنا إبراهيم جلبي وعلي ومصطفى وهو أستاذ محمـد أغـا الآتـي ذكـره‏.‏

تقلـد المترجـم فـي أيـام علـي بـك مناصـب جليلـة مثـل أغاوية المتفرقة وكتخدا الجاويشية وكان إنسانًا حسنًا صافي الباطن لا يميل ضبعه لسوى عمل الخير ويحب أهل العلم وممارستهـم وكـان لـه ميـل عظيـم واعتقـاد حسـن فـي المرحـوم الشيخ الوالد ويزوره في كل جمعةة مع غاية الأدب والامتثال ومما شاهدته من كمال أدبه وشدة اعتقاه وحبه أنه صادفه مرة بالطريق وهو إذ ذاك كتخدا الجاويشية وهو راكب في أبهته وأتباعه والشيخ راكب على بغلته فعندما رآه ترجل ونزل عن جواده وقبل يده فأنكر عليه فعله واستعظمه واستحى منه والتمس منه أن يقيد به بعض الكلبة ليقرئه شيئًا من الفقه والدين فقيد به الشيخ عبد الرحمن العريشي فكان يذهب إليه ويطالع له القدوري وغيره وكان يكرمه ويواسيه ولم يزل على حسن حالته حتى توفي في سابـع جمـادى الأولـى مـن السنـة وكـان لـه فـي منزلـه خلـوة ينفـرد فيهـا بنفسـه ويخلـع ثيـاب الأبهـة ويلبس كساء صوف أحمر على بدنه ويأخذ سبحة كبيرة يذكر ربه عليها‏.‏

ومات الأمير الصالح خليل أغا مملوك الأمير عثمان بك الكبير تابع ذي الفقار وهو أستاذ الأمير علـي خليل توفي ببلد له بالفيوم وجيء به ميتًا في عشية نهار السبت حادي عشرين جمادى الثانية من السنة فغسل وكفن ودفن بالقرافة وكان إنسانًا دينًا خيرًا محبًا للعلماء والصلحاء‏.‏

ومات الأمير اسمعيل أفندي تابع المرحوم الشريف محمد أغا كاتب البيورلدي وكان إنسانًا خيرًا صالحًا توفي يوم الأحد ثاني عشرين جمادى الثانية‏.‏

ومات السيد المعمر الشريف عبد اللطيف أفندي نقيب الأشراف بالقـدس وابـن نقبائهـا عـن تسعين سنة تقريبًا وولى بعده أكبر أولاده السيد عبد الله أفندي رحمه الله‏.‏

ومات الأمير المبجل محمد أفندي جاوجان ميسو وكان حافظ لكتاب الله موفقًا وفيه فضيلة وفصاحة ويحب العلماء والأشراف ويحسن إليهم‏.‏

توفي ليلة الاثنين عشرين ربيع الأول وصلى ومات الأمير مصطفى بك الصيداوي تابع الأمير علي بك القازدغلي‏.‏

وكان سبب موته أنه خـرج إلـى الخـلاء جهـة قصـر العينـي وركـض جـواده فسقـط عنـه ومـات لوقتـه وحمـل إلـى منزله بدرب الحجر وجهز وكفن ودفن بالقرافة وذلك في منتصف ربيع الأول من السنة‏.‏

ومات الأمير علي أغا أبو قوره من جماعة الوكيل سادس عشر ربيع الأول سنة تاريخه‏.‏

ومات الأمير محمد أفندي الزاملي كاتب قلم الغربيـة وكـان صاحـب بشاشـة وتـودد وحسـن أخلـاق‏.‏

توفـي رابـع عشريـن صفـر مـن السنـة وخلـف ولـده حسـن أفنـدي قلفـة الغربيـة الآتـي ذكره في سنة 1202‏.‏

ومات الخواجا المكرم الحاج محمد عرفات الغزاوي التاجر وهو والد عبد الله ومصطفى‏.‏

توفي يوم الثلاثاء ثامن صفر من السنة والله تعالى أعلى‏.‏

سنة تسع وثمانين ومائة وألف فيها عزم محمد بك أبو الذهب على السفر والتوجه إلى البلاد الشامية بقصد محاربة الظاهر عمر واستخلاص ما بيده من البلاد فبرز حاميه إلى العادلية وفـرق الأمـوال والتراحيـل علـى الأمراء والعساكر والمماليك واستعد لذلك استعدادًا عظيمًا في البحر والبـر وأنـزل بالمراكـب الذخيـرة والجبخانـة والمدافع والقنابل والمدفع الكبير المسمى بأبو مايلة الذي كان سبكه في العام الماضـي‏.‏

وسافـر بجموعـه وعساكـره في أوائل المحرم وأخذ صحبته مراد بك وإبراهيم بك طنان واسمعيـل بـك تابـع اسمعيـل بـك الكبيـر لا غيـر وتـرك بمصـر إبراهيـم بـك وجعلـه عوضـًا عنـه فـي إمارة مصـر واسمعيـل بـك وباقـي الأمراء والباشا بالقلعة وهو مصطفى باشا النابلسي وأرباب العكاكيز والخـدم والوجاقليـة‏.‏

ولـم يـزل فـي سيـره حتـى وصـل إلـى جهـة غزة وارتجت البلاد لوروده ولم يقف أحد في وجهه وتحصن أهل يافا بها وكذلك الظاهر عمر تحصن بعكا فلما وصل إلى يافا حاصرها وضيق على أهلها وامتنعوا عم أيضًا عليه وحاربوه من داخل وحاربهم من خارج ورمى عليهم بالمدافع والمكاحل والقنابر عدة أيام وليالي فكانوا يصعـدون إلـى أعلـى السـور ويسبون المصريين وأميرهم سبًا قبيحًا‏.‏

فلم يزالوا بالحرب عليها حتى نقبوا أسوارها وهجموا عليها من كل ناحية وملكوها عنوة ونهبوها وقبضوا على أهلها وربطوهم في الحبال والجنازير وسبـوا النسـاء والصبيـان وقتلـوا منهـم مقتلة عظيمة‏.‏

ثم جمعوا الأسرى خارج البلد ودوروا فيهم السيـف وقتلوهـم عـن آخرهـم ولـم يميـزوا بيـن الشريـف والنصرانـي واليهـودي والعالم والجاهل والعامي والسوقي ولا بين الظالم والمظلوم وربما عوقب من لا جنى وبنوا من رؤوس القتلى عدة صوامع ووجوههـا بـارزة تنسـف عليهـا الأتربـة والرياح والزوابع ثم ارتحل عنها طالبًا عكا فلما بلغ الظاهر عمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج من عكا هاربًا وتركها وحصونها فوصل إليها محمد بك ودخلها من غير مانع وأذعنت له باقي البلاد ودخلوا تحت طاعته وخافـوا سطوتـه وداخـل محمـد بـك مـن الغـرور والفرح ما لا مزيد عليه وما آل به إلى الموت والهلاك‏.‏

وأرسل بالبشائر إلى مصر والأمراء بالزينة فنودي بذلك وزينت مصر وبولاق القاهرة وخارجها زينة عظيمة وعمل بها وقدات وشنكات وحراقات وأفراح ثلاثة أيام بلياليها وذلك في أوائل ربيع الثاني‏.‏

فعند انقضاء ذلك ورد الخبر بموت محمد بك واستمر في كل يوم يفشو الخبر وينمو ويزيد ويتناقل ويتأكـد حتـى وردت السعـاة بتصحيـح ذلـك وشـاع فـي النـاس وصـاروا يتعجبون ويتلون قوله تعالى‏:‏ حتـى إذا فرحـوا بمـا أوتـوا أخذناهـم بغتـة فـإذا هم مبلسون‏.‏

وذلك أنه لما تم له الأمر وملك البلاد المصريـة والشاميـة وأذعـن الجميـع لطاعتـه وقـد كان أرسل اسمعيل أغا أخا علي بيك الغزاوي إلى إسلامبول يطلب أمرية مصر والشام وأرسل صحبته أموالًا وهدايا فأجيب إلى ذلك وأعطوه التقاليد والخلع والبرق والداقم وأرسل له المراسلات والبشائر بتمام الأمر فوافاه ذلك يوم دخوله عكا فامتلأ فرحًا وحم بدنه في الحال فأقام محمومًا ثلاثة أيام ومات ليلة الرابع ثامن ربيع الثاني‏.‏

ووافى خبر موته اسمعيل أغا عندما تهيأ نزل في المراكب يريد المسير إلى مخدومه فانتقض الأمر وردت التقاليد وباقي الأشياء‏.‏

ولما تم له أمر يافا وعكا وباقي البلاد والثغور فـرح الأمـراء والأجنـاد الذيـن بصحبته برجوعهم إلى مصر وصاروا متشوقين للرحيل والرجوع إلى الأوطـان‏.‏

فاجتمعـوا إليـه فـي اليوم الذي نزل به ما نزل في ليته فتبين لهم من كلامه عدم العود وأنـه يريد تقليدهم المناصب والأحكام بالديار الشامية وبلاد السواحل وأمرهم بإرسال المكاتبـات إلـى بيوتهم وعيالهم بالبشارات بما فتح الله عليهم وما سيفتح لهم ويطمنوهم ويطلبوا احتياجاتهم ولوازمهم المحتاجين إليها من مصر‏.‏

فعند ذلك اغتموا وعلموا أنهم لا براح لهم وإن أملـه غيـر هـذا وذهـب كل إلى مخيمة يفكر في أمره قال الناقل‏:‏ وأقمنا على ذلك الثلاة أيام التي تمرض فيها وأكثرنا لا يعلم بمرضه ولا يدخل إليه إلا بعض خواصه ولا يذكرون ذلك إلا بقولهم في اليـوم الثالـث أنـه منحـرف المـزاج‏.‏

فلمـا كـان فـي صبـح الليلـة التـي مـات بهـا نظرنـا إلـى صيوانـه وقـد انهدم ركنه وأولاد الخزنة في حركة ثم زاد الحال وجردوا على بعضهم السلاح بسبب المـال وظهر أمر موته وارتبك العرضي وحضر مراد بيك فصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع كبراءهم وتشاوروا في أمرهم وأرضى خواطرهم خوفًا من وقوع الفشل فيهم وتشتتهم في بلاد الغربة وطمـع الشامييـن وشماتتهم فيهم‏.‏

واتفق رأيهم على الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم ولما تحقـق عندهـم أنهم إن دفنوه هناك في بعض المواضع أخرجه أهل البلاد ونبشوه وأحرقوه فغسلوه وكفنوه ولفوه في المشمعات ووضعوه في عربة وارتحلوا به طالبين الديار المصرية‏.‏

فوصلوا في ستة عشر يومًا ليلة الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني أواخر النهار فأرادوا دفنه بالقرافة‏.‏

وحضر الشيخ الصعيدي فأشار بدفنه في مدرسته تجاه الأزهر فحفروا له قبرًا في الليوان الصغير الشرقي وبنوه ليلًا ولما أصبح النهار عملوا له مشهدًا وخرجوا بجنازته من بيته الذي بقوصون ومشـى أمامـه المشايـخ والعلمـاء والأمـراء وجميـع الأحـزاب والـأوراد وأطفـال المكاتـب وأمام نعشه مجامر العنبر والعود سترًا على رائحته ونتنه حتى وصلوا به إلى مدفنه وعملوا عنده ختمات وقراءات وصدقـات عـدة ليـال وأيـام نحـو أربعيـن يومـًا‏.‏

واستقـرأ تباعـه أمـراء ورئيسهم إبراهيم بيك ومراد بيك وباقيهم الذين أمرهم في حياته ومات عنهم يوسف بيك وأحمد بيك الكلارجي ومصطفى بيك الكبير وأيوب بيك الكبير وذو الفقار بيك ومحمد بيك طبـال ورضـوان بيـك والذين تأمروا بعده أيوب بك الدفتردار وسليمان بيك الأغا وإبراهيم بيك الوالـي وأيـوب بيـك الصغيـر وقاسـم بيـك الموسقـو وعثمـان بيـك الشرقـاوي ومـراد بيـك الصغيـر وسليم بيك أبو دياب ولاجين بيك وسيأتي ذكر أخبارهم‏.‏

من مات في هذه السنة من الأعيان مات الإمام الهمام شيخ مشايخ الإسلام عالم العلماء الأعلام إمام المحققين وعمدة المدققين الشيخ علـي بـن أحمـد بـن مكـرم اللـه الصعيـدي العـدوي المالكـي ولـد ببني عدى كما أخبر عن نفسه سنة 112 ويقال له أيضًا المنفيسي لأن أصوله منها وقدم إلى مصر وحضر دروس المشايخ كالشيخ عبد الوهاب الملوى والشيخ شلبي البرلسي والشيخ سالم النفراوي والشيخ عبد الله المغربي والسيد محمد السلموني ثلاثتهم عن الخرشي وأقرانه وكسيدي محمد الصغير والشيخ إبراهيم الفيومي ومحمـد بن زكريا والشيخ محمد السجبيني والشيخ إبراهيم شعيب المالكي والشيخ أحمد الملوى والشيـخ أحمـد الديربـي والشيخ عيد النمرسي والشيخ مصطفى العزيزي والشيخ محمد العشماوي والشيخ محمد ابن يوسف والشيخ أحمد الأسقاطي والبقرى والعماوي والسيد علي السيواسي والمدابغي والدفري والبليدي والحفني وآخرين وبآخرة تلقن الطريقة الأحمدية عن الشيخ علي بن محمد الشناوي ودرس بالأزهر وغيره‏.‏

وقد بارك الله في أصحابه طبقة بعد طبقة كما هو مشاهد وكان يحكي عن نفسه أنه طالما كان يبيت بالجوع في مبدأ اشتغاله بالعلم وكان لا يقدر على ثمن الورق ومع ذلك إن وجد شيئًا تصدق به‏.‏

وقد تكررت له بشارات حسنة منامـًا ويقظـة ولـه مؤلفـات دالـة علـى فضلـه منهـا حاشيـة على ابن تركي وأخرى على الزرقاني على العزية وأخرى على شرح أبي الحسن على الرسالة في مجلدين ضخمين وأخرى على الخرشي وأخرى على شرح الزرقاني على المختصر وأخرى على الهدهدي على الصغرى وحاشيتان علـى عبـد السلـام على الجوهرة كبرى وصغرى وأخرى على الأخضري على السلم وأخرى على بن عبد الحق على بسملة شيخ الإسلام وأخرى على شرح شيخ الإسلام على الفية المصطلح للعراقي وغير ذلك‏.‏

وكان قبل ظهوره لم تكن المالكية تعرف الحواشي على شروح كتبهم الفقهية فهو أول من خدم تلك الكتب بها وله شرح على خطبة كتاب إمداد الفتاح على نور الإيضـاح فـي مذهـب الحنفيـة للشيـخ السرنبلالـي وكان رحمه الله شديد الشكيمة في الدين يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وإقامة الشريعة ويحب الاجتهاد في طلب العلم ويكره سفاسف الأمور وينهـى عـن شـرب الدخـان ويمنـع مـن شربـه بحضرتـه وبحضـرة أهـل العلـم تعظيمًا لهم‏.‏

وإذا دخل إلى منزل من منازل الأمراء ورأى من يشرب الدخان شنع عليه وكسر آلته ولو كانت في يد كبير الأمراء‏.‏

وشاع عنه ذلك وعرف في جمع الخاص والعام وتركوه بحضرته فكانوا عندما يرونه مقبـلًا مـن بعيـد نبه بعضهم بعضًا ورفعوا شبكاتهم وأقصابهم وأخفوها عنه وإن رأى شيئًا منها أنكـر عليهـم ووبخهـم وعنفهم وزجرهم حتى أن علي بك في أيام إمارته كان إذا دخل عليه في حاجة أو شفاعة أخبروه قبل وصوله إلى مجلسه فيرفع الشبك من يده ويخفوه من وجهه وذلك مع عتوه وتجبره وتكبره‏.‏

واتفق أنه دخل عليه في بعض الأوقات فتلقاه على عادته وقبل يده وجلـس فسكت الأمير مفكرًا في أمر من الأمور فظن الشيخ إعراضه عنه فأخذته الحدة وقال يـا ميـن يا مين يا من هو غضبك ورضاك على حد سواء بل غضبك خير من رضاك‏.‏

وكرر ذلك وقام قائمًا وهو يأخذ بخاطره ويقول‏:‏ أنا لم أغضب من شيء ويستعطفه‏.‏

فلم يجبه ولم يجلـس ثانيـًا وخـرج ذاهبـًا‏.‏

ثـم سـأل علـي بـك عـن القضيـة التـي أتـى بسببهـا فأخبـروه فأمر بقضائها‏.‏

واستمر الشيخ منقطعًا عن الدخول إليه مدة حتى ركب في ليلة من ليالي رمضان مع الشيخ الوالـد فـي حاجة عند بعض الأمراء ومرا ببيت علي بك فقال له ادخل بنا نسلم عليه فقال يا شيخنـا أنـا لا أدخـل فقـال لا بـد مـن دخولك معي‏.‏

فلم تسعه مخالفته وانسر بذلك علي بك تلك الليلـة سـرورًا كثيـرًا‏.‏

ولمـا مـات علـي بـك واستقل محمد بك أبو الذهب بإمارة مصر كان يجل من شأنـه ويحبـه ولا يـرد شفاعتـه فـي شـيء أبـدًا وكل من تعسر عليه قضاء حاجة ذهب إلى الشيخ وأنهى إليه قصته فيكتبها مع غيرهـا فـي قائمـة حتـى تمتلـئ الورقـة ثـم يذهـب إلـى الأميـر بعـد يوميـن أو ثلاثة فعند ما يستقر في الجلوس يخرج القائمة من جيبه ويقص ما فيها من القصص والدعاوى واحدة بعد واحدة ويأمره بقضاء كل منها والأمير لا يخالفه ولا ينقبض خاطره في شيء من ذلـك‏.‏

ولمـا بنـى الأميـر المذكـور مدرستـه كـان المترجـم هـو المتعيـن فـي التدريـس بهـا داخـل القبـة على الكرسـي وابتـدأ بهـا البخـاري وحضـره كبار المدرسين فيها وغيرهم ولم يترك درسه بالأزهر ولا بالبرديكيـة‏.‏

وكـان يقـرأ قبـل ذلـك بمسجـد الغريـب عنـد بـاب البرقيـة فـي وظيفـة جعلهـا لـه الأمير عبد الرحمن كتخدا وكذلك وظيفة بعد الجمعة بجامع مرزه ببولاق‏.‏

وكان على قدم السلف في الاشتغال والقناعة وشرف النفس وعدم التصنع والتقـوى ولا يركـب إلا الحمـار ويؤاسـي أهلـه وأقاربه ويرسل إلى فقرائهم ببلده الصلات والأكسية والبز والطرح للناس والعصائب والمداسات وغير ذلك‏.‏

ولم يـزل مواظبـًا علـى الإقـراء والإفـادة حتـى تمـرض بخـراج فـي ظهـره أيامـًا قليلـة وتوفـي فـي عاشر رجب من السنة وصلي عليه بالأزهر بمشهد عظيم ودفن بالبستان بالقرافة الكبرى رحمه الله ولم يخلف بعده مثله ولم أعثر على شيء من مراثيه‏.‏

ومـات الإمـام العلامـة الفقيـه الصالـح الشيـخ أحمـد بـن عيسى بن أحمد ابن عيسى بن محمد الزبيري البراوي الشافعي ولد بمصر وبها نشأ وحفظ القرآن والمتون وتفقه على والده وغيره وحضر المعقـول وتمهـر وأنجـب ودرس فـي حيـاة والده وبعد وفاته تصدر للتدريس في محله وحضره طلبة أبيه واتسعت حلقة درسه مثل أبيه واشتهر ذكره وانتظم في عداد العلماء‏.‏

وكان نعم الرجل شهامـة وصرامـة وفيـه صداقـة وحـب للإخـوان‏.‏

توفي بطندتا ليلة الأربعاء ثالث شهر ربيع الأول فجـأة إذ كـان ذهـب للزيـارة المعتـادة وجـيء بـه إلـى مصـر فغسـل في بيته وكفن وصلي عليه بالجامع الأزهر ودفن بتربة والده بالمجاورين‏.‏

ومات الإمام الفاضل المسن الشيخ أحمد بن رجب بن محمد البقري الشافعـي المقـري حضـر دروس كل من الشيخ المدابغي والحفني ولازم الأول كثيرًا فمسمع منه البخاري بطرفيه والسيرة الشامية كلها وكتب بخطه الكثير من الكتب الكبار وكان سريع الفهم وافر العلم كثير التلاوة للقرآن مواظبًا على قيام الليل سفرًا وحضرًا ويحفظ أورادًا كثيرة وأحزابًا ويجيز بها وكان يحفظ غالـب السيـرة ويسردهـا مـن حفظـه ونعـم الرجـل كـان متانـة ومهابـة‏.‏

توفـي وهو متوجه إلى الحج في منزلة النخل آخر يوم من شوال من السنة ودفن هناك‏.‏

ومات عالم المدينة ورئيسها الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان ولد بالمدينة ونشأ في حجر والده واشتغل يسيرًا بالعلم وأرسله والده إلى مصر في سنة 1174 فتلقته تلامذة أبيه بالإكرام وعقـد حلقـة الذكـر بالمشهد الحسيني وأقبلت علي الناس ثم توجه إلى المدينة‏.‏

ولما توفي والده أقيم شيخًا في محله ولم يزل على طريقته حتى مات في رابع الحجة من السنة عن ثمانين سنة‏.‏ ومات