فصل: ولاية محمد باشا راقم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 ولاية محمد باشا راقم

وفـي أثنـاء ذلك ورد الخبر بوصول محمد باشا راقم إلى سكندرية فأرسلوا له الملاقار وحضر إلى مصر وطلع إلى القلعة في غرة ربيع الثاني سنة 1181‏.‏

وفي حادي عشر جمادى الأولى أجتمعوا بالديوان وقلدوا حسن بك رضوان دفتر دار مصر‏.‏

وفي خامس عشرة قلدوا خليل بك بلعيه أمير الحاج وقاسم إغا صنجقًا وكتبوا فرمانا بطلوع التجريدة إلـى قبلـي ولبـس صـاري عسكرهـا حسيـن بيـك كشكـش وشرعـوا فـي التشهيـل وأضطرهـم الحـال إلـى مصـادرة التجـار وأحضر خليل بيك النواخيد وهم منلا مصطفى وأحمد أغا الملطيلي وقرأ إبراهيم وكاتب البهار وطلب منهم مال البهار معجلًا فاعتذروا فصرخ عليهم وسبهم فخرجـوا مـن بيـن يديـه وأخـذوا فـي تشهيـل المطلـوب وجمـع المـال مـن التجـار وبـرز حسيـن بيك خيامه للسفر في منتصف جمادى الأولى وخرج صحبته ستة من الصناجق وهم حسن بيك جوجو وخليل بيك السكران وحسن بيك شبكة واسمعيل بيك أبو مدفع وحمزة بيك وقاسم بيك وأسرعوا في الارتحال‏.‏

وفـي عشرينـه أخـرج خلفهـم أيضـًا خليـل بـك تجريدة أخرى وفيها ثلاثة صناجق ووجاقلية وعسكر مغاربـة وسافـروا أيضـًا في يومها وبعد ثلاثة أيام ورد الخبر وقوع الحرب بينهم ببياضة تجاه بني سويـف فكانـت الهزيمـة علـى حسيـن بـك ومـن معـه وقتـل علـي أغـا الميجـي وخلافه‏.‏

وقتل من ذلك الطـرف ذو الفقـار بـك ورجـع المهزومـون فـي ذلـك ثانـي يـوم الأحـد طلعـوا إلـى أبـواب القلعـة وطلبـوا من الباشـا فرمانـا بالتجريـدة علـى الكثـرة وهـو يـوم السبـت رابـع عشرينـه وهـم في اسأ حال‏.‏

وأصبحوا يـوم علي بك وصالح بك ومن معهم وطلبوا مائتي كيس من الميري يصرفوها في اللوازم فامتنع الباشـا مـن ذلـك وحضـر الخبر يوم الاثنين بوصول القادمين إلى غمازة وكان الوجاقلية وحسن بك جوجو ناصبين خيامهم جهة البساتين فارتحلوا ليلًا وهربوا وتخبل عقل خليل بك وحسين بك ومـن معهمـا وتحيـروا فـي أمرهم وتحققوا الأدبار والزوال وأرسل الباشا إلى الوجاقلية يقول لهم كل وجاق يلازم بابه‏.‏

وفي سابـع عشرينـه حضـر علـي بـك وصالـح بـك ومـن معهـم إلـى البساتيـن فـازداد تحيرهـم وطلعـوا إلـى الأبواب فوجدوها مغلوقة فرجعوا إلى قراميدان وجلسوا هناك ثم رجعوا وتسحب تلك الليلة كثير من الأمراء والأجناد وخرجوا إلى جهة علي بك وكان حسن بك المعروف بجوجو ينافق الطرفين ويراسل علي بك وصالح بك سرًا ويكاتبهما وضم إليه بعض الأمراء مثل قاسم بك خشداشـه واسمعيـل بـك زوج هانـم بنـت سيدهـم وعلـي بـك السروجـي وجن علي وهو خشداش إبراهيم بك بلغية وكثير مـن أعيـان الوجاقليـة ويرسلـون لهـم الـأوراق فـي داخـل الأقصـاب التـي يشربـون فيها الدخان ونحو ذلك‏.‏

وفي ليلة الخميس تاسع عشرين جمادى الأولى هرب الأمراء الذين بمصر وهم خليل بك شيخ البلد وأتباعه وحسين بك كشكـش وأتباعـه وهـم نحـو عشـرة صناجـق وصحبتهـم مماليكهـم وأجنادهـم عـدة كثيـرة وأصبـح يـوم الخميـس فخـرج الأعيـان وغيرهـم لملاقـاة القادميـن ودخل في ذلك اليوم علي بك وصالح بك وصناجقهم ومماليكهم وأتباعهم وجميع من كان منفيًا بالصعيد قبل ذلـك مـن أمـراء ووجاقليـة وغيرهم وحضر صحبتهم علي كتخدا الخربطلي وخليل بك السيوطي وقلده علي بك الصنجقية مجددًا وضربت النوبة في بيته ثم أعطاه كشوفية الشرقية وسافر إليها‏.‏

وفـي يـوم الأحـد ثانـي شهـر جمـادى الثانيـة طلـع علـي بـك وصالح بك وباقي الأمراء القادمين والذين تخلفوا عن الذاهبين مثل حسن بك جوجو واسمعيل بك زوج هانم وجـن علـي وعلـي بـك السروجـي وقاسـم بـك والاختياريـة والوجاقليـة وغيرهـم إلـى الديـوان بالقلعة فخلع الباشا على علي بـك وأستقر في مشيخة البلد كما كان وخلع علي صناجقه خلع الأستمرار أيضًا في أماراتهم كمـا كانوا ونزلوا إلى بيوتهم وثبت قدم علي بك في إمارة مصر ورئاستها في هذه المرة وظهر بعد ذلك الظهور التام وملك الديار المصرية والأقطار الحجازية والبلاد الشامية وقتل المتمردين وقطـع المعانديـن وشتـت شمـل المنافقيـن وخـرق القواعد وخرم العوائد وأحزب البيوت القديمة وأبطل الطرائق التي كانت مستقيمة ثم أنه حضر سليمان أغا كتخدا الجاويشية وصناجقه إلى مصر وعزم على نفي بعض الأعيان وأخراجهم من مصر فعلم أنه لا يتمكن من أغراضه مع وجود حسن بك جوجو وأنم ما دام حيًا لا يصفو له الحال فأخذ يدبر على قتله فبيت مع أتباعهم علـى قتلـه فحضـر حسـن بـك جوجـو وعلـي بـك جن علي عند علي بك وجلسوا معه حصة من الليل وقام ليذهب إلى بيته فركب وركب معه جن علي ومحمد بك أبو الذهب وأيوب بك ليذهبـا أيضـًا إلـى بيوتهمـا لأتحـاد الطريـق فلما صاروا في الطريق التي عند بيت الشابوري خلف جامع قوصون سحبوا سيوفهم وضربوا حسن بك وقتلوه وقتلوا معه أيضا جن علي ورجعوا وأخبروا سيدهم علي بك وذلك ليلة الثلاثاء ثامن شهر رجب من سنة 1181 وأصبح علي بك مالكـًا للأبـواب ورسـم بنفـي قاسـم بـك واسمعيـل بـك أبـي مدفـع وعبـد الرحمـن بـك واسمعيـل بـك كتخدا عزبان ومحمد كتخدا زنـور ومصطفـى جاويـش تابـع مصطفـى جاويـش الكبيـر مملـوك إبراهيم كتخدا وخليل جاويش درب الحجر‏.‏

وفي حادي عشر شهر شوال أخرج أيضًا نحو الثلاثين شخصًا من الأعيان ونفاهم في البلاد وفيهم ثمانية عشر أميرا من جماعة الفلاح وفيهم علي كتخدا وأحمد كتخدا الفلاح وإبراهيم كتخدا مناو وسليمان أغا كتخدا جاووشان الكبير وصناجقه حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وخلافهم مقادم وأوده باشية فنفى الجميع إلى جهة قبلي وأرسل سليمان أغا كتخدا الجاويشية إلى السويس ليذهب إلى الحجاز من القلزم وأستمر هناك إلى أن مات‏.‏

وفيـه قبـض علـي بـك علـى الشيـخ يوسـف بـن وحيش وضربه علقة قوية ونفاه إلى بلده جناج فلم يـزل بهـا إلى أن مات‏.‏

وكان من دهاة العالم وكان كاتبًا عند عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وله شهرة وسمعة في السعي وقضاء الدعاوى والشكاوى والتحيلات والمداهنات والتلبيسات وغير ذلك‏.‏

فـي شهـر الحجـة وصلـت أخبـار عـن حسيـن بـك كشكـش وخليـل بـك أنهـم لمـا وصلـوا إلـى غـزة جمعـوا جموعـًا وأنهـم قادمـون إلـى مصـر فشرع علي بك في تشهيل تجريدة عظيمة وبرزوا وسافروا‏.‏

ثم ورد الخبر بعد ثلاثة أيام أنهم عرجوا إلى جهة دمياط ونهبوا منها شيئًا كثيرًا ثم حضروا إلى المنصورة ونهبوا منها كذلك فأرسل علي بك يأمر التجريدة بالذهاب إليهم وأرسل لهم أيضًا عسكرًا من البحر فتلاقوا معهم عند الديزس والجراح من أعمال المنصورة عند سمنود فوقع بينهـم وقعـة عظيمـة وانهزمـت التجريـدة وولـوا راجعيـن‏.‏

وقتـل فـي هـذه المعركـة سليمـان جربجـي باش اختيار جمليان وأحمد جربجي طنان جراكسه وعمر إغا جاووشان أمين الشون وكانوا صدور الوجاقـات ولـم يزالـوا فـي هزيمتهـم إلـى دجـوة‏.‏

فلمـا وصـل الخبـر بذلـك إلـى علـي بـك أهتـم لذلـك ونـزل الباشا وخرج إلى قبة باب النصر خارج القاهرة وجمع الوجاقلية والعلماء وأرباب السجاجيد وأمـر الباشـا بـأن كـل مـن كـان وجاقيـًا أو عليـه عتامنـة يشهل نفسه ويطلع إلى التجريدة أو يخرج عنه بـدلًا وأجتهـد علـي بـك فـي تشهيـل تجريـدة عظيمة أخرى وكبيرها محمد بك أبو الذهب وسافروا فـي أوائـل المحـرم واجتمعـوا بالتجريـدة الأولـى وسـار الجميـع خلـف حسين بك وخليل بك ومن معهم وكانـوا عـدوا إلـى بـر الغربية بعد أن هزموا التجريدة فلو قدر الله أنهم لما كسروا التجريدة ساقوا خلفهـم كمـا فعـل علـي بـك وصالـح بـك لدخلـوا إلـى مصـر من غير مانع ولكن لم يرد الله تعالى لهم ذلك‏.‏

وانقضت هذه السنين وما وقع بها‏.‏

من مات في هذه الأعوام من أكابر العلماء وأعاظم الأمراء مات الشيخ الإمام الفقيه المحدث الشريف السيـد محمـد بـن محمـد البليـدي المالكـي الأشعـري الأندلسي حضر دروس الشيخ شمس الدين محمد بن قاسم البقري المقري الشافعي في سنة 110 ثـم على أشياخ الوقت كالشيخ العزيزي والملوي والنفراوي وتمهر ثم لازم الفقه والحديث بالمشهد الحسيني فراج أمره وأشتهر ذكره وعظمت حلقته وحسن اعتقاد الناس فيه وانكبوا على تقبيل يده وزيارته وخصوصا تجار المغاربة لعلة الجنسية فهادوه وواسوه واشتروا له بيتـا بالعطفـة المعروفـة بـدرب الشيشينـي وفسطـوا ثمنـه علـى أنفسهـم ودفعـوه مـن مالهـم‏.‏

فلـم يـزل مقبـلًا علـى شانه ملازما على طريقته مواظبًا على أملاء الحديث كصحيح البخاري ومسلم والموطـأ والشفـاء والشمائل حتى توفي ليلة التاسع والعشرين من رمضان سنة ست وسبعين ومائة وألف‏.‏

ومات الأستاذ المعظم ذو المناقب العلية والشجايا المرضية بقية السلف السيد مجد الدين محمد أبـو هـادي بـن وفـي ولـد سنـة 1151 ومـات والـده وهـو طفل فنشأ يتيمًا وخلف عمه في المشيخة والتكلم وأقبل على العلم والمطالعة والأذكار والأوراد وولى نقابة الأشراف بمصر في الأثناء فسـاس فيهـا أحسـن سياسـة وجمـع لـه بيـن طرفـي الرياسـة وكان أبيض وسيمًا ذا مهابة لا يهاب في الله أمارا بالمعروف فاعلًا للخير توفي يوم الخميس خامس ربيع الـأول سنـة 1176 وصلـي عليه بالأزهر في مشهد عظيم حضره الأكابر والأصاغر وحمل على الأعناق ودفن بزاويتهم بالقرب من عمه رضي الله عنه وتخلف بعده السيد شهاب الدين أحمد أبو الأمداد‏.‏

ومات أيضًا في هذا الشهر والسنة الصدر الأعظم المغفور له محمد باشا المعروف براغب وكان معدودا من أفاضل العلماء وأكابر الحكماء جامعًا للرياستين حويا للفضيلتين وله تأليف وأبحاث في المعقول والمنقول والفروع والأصول وهو الذي حضر إلى مصر واليًا في سنة 1159 ووقع له ما وقع مع الخشاب والدمايطة كما تقدم ورجع إلى الديار الرومية وتولى الصدارة ثم توفي إلى رحمة الله تعالى في رابع عشرين شهر رمضان سنة 1176‏.‏

ومات الشيخ المجذوب علي الهواري كان من أرباب الأحوال الصادقيـن والأوليـاء المستغرقيـن وأصلـه مـن الصعيـد‏.‏

وكان يركب الخيول ويروضها ويجيد ركوبها ولذلك لقب بالهواري‏.‏

ثم أقلع من ذلك وأنجذب مرة واحدة وكان للناس فيه اعتقاد حسن وحكى عنه الكشف غير واحد ويـدور فـي الأسـواق والنـاس يتبركـون بـه‏.‏

مـات شهيـدا بالرميلـة أصابتـه رصاصـة مـن يد رومي فلتة في سنة 1176 وصلوا عليه بالأزهر وأزدحم الناس على جنازته رحمه الله‏.‏

ومات الشيخ المسند بن أحمد بن عقيل الحسيني المكي الشافعي الشهير بأسقاف ابن أخت حافـظ الحجاز عبد الله سالم البصري وأسقاف لقب جده الأكبر عبد الرحمن من آل باعلوي‏.‏

ولد بمكة سنة 1102 وروى عن خالد المذكور وعن الشيخين العجمي والنخلي والشيخ تاج الديـن المفتـي وسيـن بـن عبـد الرحمـن الخطيـب ومحمـد عقبلـة وإدريـس بـن أحمـد اليماني والشيخ عيد وعبد الوهاب الطنتدائي ومصطفى ابن فتح الله الحنفي وسمع الأولية عاليا عن الشهاب أحمد البناء بعناية خاله سنة 1110 ومهر وأنجب واشتهر صيته وسمع منه كبار الشيوخ وأجازهم كالشيخ الوالد والشيخ أحمد الجوهري وعندي إجازته للوالد بخطه وكذلك أجاز عبد الله بن سالم البصري والشيخ محمد عقيلة ومحمد السندي وذلك بمكة سنة 1157 وبه تخرج شيخنا السيد محمد مرتضى في غالب مروياته وسمعت منه أنه أجتمع به بالمدينة المنورة عند باب الرحمة أحد أبـواب الحـرم الشريـف وسمـع منـه وأجـازه إجـازة عامـة وذلـك فـي سنـة 1163 ولازمه بمكة سنة 1164 وسمع منه أوائل الكتب الستة وأباح له كتب خاله يراجع فيها ما يحتـاج إليـه وسمـع مـن لفظـه المسلسـل بالعيـد بالحـرم المكي في صحبة سلالة الصالحين الشيخ عبد الرحمن المشرع وأجازهما توفي في سنة 1174‏.‏

ومـات العمـدة العلامـة المفـوه النبيـه الفقيـه الشيـخ محمـد العـدوي الحنفـي تفقه على كل من الأسقاطـي والسيـد علـي الضريـر والشيخ الزيادي وغيرهم‏.‏

وضر في المعقول على أشياخ الوقف كالملوي والعماوي وتصدر للإفادة والإقراء وكان ذا شكيمة وشجاعة نفس وقوة جنان ومكارم أخلاق‏.‏

توفي في ثالث الحجة سنة 1175‏.‏

ومات الإمام العلامة الفقيه المتقن الشيخ محمد بن عبد الوهاب الدلجي الحنفي وهو ابن خال الوالد أشتغل بالعلوم والفقه على أشياخ الوقت ودرس وأفتى وأقتنى كتبـًا نفيسـة فـي الفقـه وجميعها بخط حسن وقابلها وصححها وكتب عليها بخطه الحسن وكانت جميع كتبه الفقهيـة وغيرهـا فـي غاية الجودة والصحة يضرب بها المثل ويعتمد عليها إلى الآن‏.‏

وكان ملازمًا للإفادة والإفتـاء والتدريـس والنفـع علـى حالـة حسنـة ودماثـة أخلـاق وحسـن عشـرة ولم يزل حتى توفي في شهر رجب سنة 1177‏.‏

ومات الفقيه الصالح الخير الدين حسن بن سلامة الطيبي المالكي نزيل ثغر رشيد تفقه على شيخـه محمـد بـن عبـد اللـه الزهيـري وبـه تخـرج وأجـازه محمـد بـن عثمـان الصافي البرلسي في طريقة البراهمـة وسيـدي أحمـد ابـن قاسـم البوتـي حين ورد ثغر رشيد في الحديث ودرس بجامع زغلول وأغتى ودرسه أكبر الدروس وكان لديه فوائد كثيرة‏.‏

توفي سنة 1176‏.‏

ومـات المغتـي الفاضـل النبيـه زيـن الديـن أبـو المعالـي حسـن بـن علـي بـن علـي ابن منصور بن عامر بن ذئـاب شمـة الفـوي الأصـل المكـي ينتهـي نسبـه إلـى الولـي الكامـل سيـدي محمد بن زين النحراوي ومن أمـه إلى سيدي إبراهيم البسيوني ولد بمكة سنة 1142 بها نشأ وأخذ العلم عن الشيخ عطاء بـن أحمـد المصـري والشيـخ أحمـد الأشبولي وغيرهما من الواردين بالحرمين وأتى إلى مصر فحضر دروس الشيخ الحفني وله أنتسب وأجازه في الطريقـة البرهاميـة بلديـة الشيـخ منصـور هديـة وألـف وأجـاد وكـان فصيحـًا بليغـًا ذكيًا حاد الذهن جيد القريحة له سعة اطلاع في العلوم الغريبة وظـم رائـق مـع سرعـة الأرتجـال وقـد جمـع كلامـه فـي ديـران هـو علـى فضلـه عنـوان وسكـن فـي الأخر بولاق بها توفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان سنة 1146‏.‏

ومات الشيخ الإمام الفقيه المحدث المحقق الشيخ خليل بن محمد المغربي الأصل المالكي المصري أتى والده من المغرب فتدير مصر وولد المترجم بها نشأ على عفة وصلاح وأقبل على تحصيل المعارف والعلوم فأدرك منها المروم وحضر دروس الشيخ الملوي والسيد البليدي وغيرهما من فضلاء الوقت إلى أن استكمل هلال معارفه وأبدر وفاق أقرانه في التحقيقات واشتهر وكان حسن الإلقاء للعلوم حسن التقرير والتحرير حاد القريحة جيد الذهن إماما في المعقولات وحلالا للمشكلات وولي خزانة كتب المؤيد مدة فأصلح ما فسد منها ورم ما تشعث وأنتفع به جماعة كثيرون من أهل عصرنا وله مؤلفات منها شرح المقولات العشر‏.‏

توفي يـوم الخميـس خامـس عشرين المحرم سنة 1177 بالري وهو منصرف من الحج‏.‏

ومات السيد الأديب الشاعر المفنن عمر بن علي الفتوشي التونسي ويعرف بابن الوكيل ورد مصـر فـي سنـة أربـع وخمسيـن فسمـع الصحيـح علـى الشيـخ الحفنـي وأجـازه في ثاني المحرم منها ثم توجـه إلـى الإسكندريـة وتديرهـا مـدة ثـم ورد فـي أثنـاء أربـع وسبعيـن وكـان ينشـد كثيرًا من المقاطع لنفسه ولغيره وألف رسالة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خرج صيغها بالدور الأعلـى للشيـخ الأكبـر وتولـى ينابة القضاء بالكاملية وكان إنسانًا حسنًا لطيف المحاورة كثير التودد والمراعاة بشوش الملتقى مقبلًا على شأنه توفي في ثاني ذي الحجة 1175‏.‏

ومات الأستاذ الذاكر الشيخ محفوظ الفوي تلميذ سيدي محمد ابن يوسف من ورم في رجليه في غرة جمادى الثانية سنة 1178‏.‏

ودفن يومه قريبًا من مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها‏.‏

ومات العالم الفقيه المحدث الأصولي الشيخ محمد بن يوسف بن عيسـى الدنجيهـي الشافعـي بدمياط في سادس شعبان سنة 1178‏.‏

ومـات الجنـاب المكـرم الصالح المنفصل عن مشيخة الحرم النبوي عبد الرحمن آغا في ثامن شوال سنة 1179 ودفن بجوار المشهد النفيسي‏.‏

ومـات الجنـاب المكـرم محـب الفقـراء والمساكيـن الأميـر إبراهيـم أوده باشـه غالم فجأة في ثامن جمادى الأولى سنة 1177 ودفن بمقبرتهم عند السادة المالكية‏.‏

ومات أيضًا العمدة الشيخ عبد الفتاح المرحومي بالأزبكية في تاسع شوال سنة 1178‏.‏

ومات الأجل المكرم الحاج حسن فخر الدين النابلسي عن سن عالية وكان من أرباب الأموال رابع عشرين جمادى الأولى سنة 1178‏.‏

ومـات الأميـر الأجـل المحتـرم صاحـب الخيـرات والمحبـب إلـى الصالحات علي بن عبد الله مولى بشير آغا دار السعادة ولي وكالة دار السعادة فباشر فيها بحشمة وافرة وشهامة باهرة‏.‏

وكان منزله مورد الوافدين من الآفاق مظهر التجليات الأشراق مع ميله إلى الفنون الغريبة وكماله في البدائع العجيبة من حسن الخط وجودة الرمي وأتقان الفروسية‏.‏

ومدحته الشعراء وأحبته العلماء وألقت إليه الرياسة قيادها فأصلح ما وهن من أركانها وأزال فسادها ولقد عزل عن منصبه ولم يأفل بدر كماله وأستمر ناموس حشمته باقيًا على حاله وأقتنـى كتبـًا نفيسـة وكـان سموحـًا باعإرتهـا وكـان عنـده مـن جملتها البرهان القاطع للتبريزي في اللغة الفارسية على ثيئة القاموس وسفينة الراغب وهي مجموعة جامعة للفوائد الغربية ومنها كشف الظنون في أسمـاء الكتـب والفنـون لمصطفـى خليفـة وهـو كتـاب عجيـب‏.‏

توفـي يـوم الاثنيـن ثامـن عشـر شهـر صفـر سنة 1176 وصلى عليه بسبيل المؤمن ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي ولم يخلف بعده مثله في المروءة والكرم رحمه الله تعالى وقد رثاه الشعراء بمراث كثيرة‏.‏

ومـات الإمـام العالـم والمدقق الفهامة الشيخ يوسف شقيق الأستاذ شمس الدين الحفني أخذ العلم عن مشايخ عصره مشاركا لأخيه وتلقى عن أخيه ولازمه ودرس وأفاد وأفتى وألف ونظـم الشعر الفائق الرائق وله ديوان شعر مشهور فكتب حاشية عظيمة على الأشموني هي مشهورة يتنافس فيها الفضلاء وحاشية علـى مختصـر السعـد وحاشيـة علـى شـرح الخزرجيـة لشيـخ الإسلام وحاشية على جمع الجوامع لم تكمل وحاشية على الناصر وابن قاسم وشرح شرح الأزهريـة لمؤلفهـا وشـرح علـى شـرح السعـد لعقائـد النسفي وحاشية الخيالي عليه‏.‏

توفي في شهر سفر سنة 1178‏.‏

ومـات الإمام الفصيح المفرد الأديب الماهر الناظم الناثر الشيخ علي ابن الخبر بن علي المرحومي الشافعي خطيب جامع الحبشلي وفي ليلة الجمعة سادس ذي القعدة سنة 1178‏.‏

ومـات الإمـام العلامـة السيـد إبراهيـم بـن محمـد أبـي السعود بن علي بن علي الحسيني الحنفي ولد بمصـر وقـرأ الكثيـر علـى والـده وبـه تخـرج فـي الفنـون ومهـر فـي الفقه وأنجب وغاص في معرفة فروع المذهـب وكانـت فتاويـه في حياة والده مسددة معروفة ويده الطولى في حل لا أشكالات العقيمة مذكورة موصوفة رحل في صحبة والده إلى المنصورة فمدحهما القاضي عبد الله بن مرعي المكـي وأثنـى عليهمـا بمـا هـو مثبـت فـي ترجمتـه ولـو عـاش المترجـم لتـم به جمال المذهب‏.‏

توفي يوم الأحد سابع عشر جمادى الآخرة سنة 1179‏.‏

ومـات الفقيـه الزاهـد الـورع العالـم المسلـك الشيـخ محمـد بـن عيسـى ابـن يوسف الدمياطي الشافعي أخذ المعقول عن السيد على الضرير والشيخ العزيزي والشيخ إبراهيم الفيومي والفقه أيضًا عنهما وعن الشيخ العياشي والشيخ الملوي والحفني وطبقتهم وأجتمع بالسيد مصطفى البكري وأخذ عنه الطريقة الخلوتية ولقنه الأسماء بشروطها وألف حاشية على المنهج ونسبها لشيخه السيد مصطفى العزيزي وله حاشية على سلم الأخضري في المنطق وحاشية علي السنوسيـة وغير ذلك‏.‏

توفي في ثامن رمضان سنة 1178 وكانت جنازته حافلة وصلى عليه بالأزهـر ودفـن ببستـان المجاوريـن وبنـوا علـى قبـره سقيفـة يجتمـع تحتهـا تلامذته في صبح يوم الجمعة يقرأون عنده القرآن ويذكرون وأستمروا على ذلك مدة سنين‏.‏

ومات الإمام العلامة الناسك الشيخ أحمد بن محمد السحيمي الشافعي نزيل قلعة الجبل حضر دروس الأشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وبه أنتفع وتصدر للتدريس بجامع سيدي سارية وأحيا الله به تلك البقعة وأنتفع به النسا جيلا بعد جيل وعمر بالقرب من منزله زاوية وحفر ساقية بذل عليها بعض الأمراء بأشارته مالا حفيلا فنبع الماء وعد ذلك من كراماته فأنهم كانـوا قبـل ذلـك يتعبـون مـن قلة الماء كثيرًا وشغل الناس بالذكر والعلم والمراقبة وصنف التصانيف المفيـدة فـي علـم التوحيـد على الجوهرة وجعله متنا وشرحه مزجًا وهي غاية في بابها وله حال مع الله وتؤثر عنه كرامات أعتنى بعض أصحابه بجمعها وأشتهر بينهم أنه كان يعرف الأسم الإعظم وبالجملة فلم يكن في عصره من يدانيه في الصلاح والخير وحسن السلوك على قدم ومات الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن صالح ابن أحمد بن علي بن الأستاذ أبي السعود الجارحي الشافعي ويقال لـه السعـودي نسبـة إلـى جـده المذكـور حضـر دروس الشيخ مصطفى العزيزي وغيره من فضلاء الوقت‏.‏

وكان أماما محققًا له باع في العلوم وكان مسكنـه فـي بـاب الحديـد أحـد أبـواب مصـر وحضـر السيـد البليـدي فـي تفسيـر البيضـاوي وكـان الشيخ يعتمده في أكثر ما يقول ويعترف بفضله ويحسن الثناء عليه‏.‏

توفي في شعبان سنة 1179‏.‏

ومات السيد الأجل المحترم فخر أعيان الأشراف المعتبر بن السيد محمد بن حسين الحسيني العادلي الدمرداشي ولد بمصر قبل القرن بقليل وأدرك الشيوخ وتمول وأثرى وصار له صيت وجاه وكان بيته بالأزبكية ويرد عليه العلماء والفضلاء وكان وحيدا في شأنه وكلمته مقبولة عنـد الأمـراء والأكابـر‏.‏

ولمـا تولـى الشيـخ أبو هادي الوفائي رحمه الله تعالى كان يتردد إلى مجلسه كثيرًا توفي سنة 1178‏.‏

ومـات الشيـخ الفاضـل الناسـك الكاتـب الماهـر البليـغ سليمـان بـن عبـد الله الرومي الأصل المصـري مولـى المرحوم علي بك الدمياطي جود الخط على حسن أفندي الضيائي وأنجب وتميز فيه وأجيز وكتب بخطه الفائق كثيرًا من الرسائل والأحزاب والأوراد وكانت له خلوة بالمدرسة السليمانية لإجتماع الأحباب وكان حسن المذاكرة لطيف الشمائل حلو الفاكهة يحفظ كثيرًا من ومـات السيـد العالـم الأديـب الماهـر الناظـم الناثـر محمـد بـن رضوان السيوطي الشهير بابن الصلاحي ولـد باسيـوط علـى رأس الأربعين ونشأ هناك وأمه شريفة من بيت شهير هناك ولما ترعرع ورد مصر وحصل العلوم وحضر دروس الشيخ محمد الحفني ولازمه وأنتسب إليه فلاحظته لوناره ولبستـه أسراره ومال إلى فن الأدب فأخذ منه بالحظ الأوفر وخطه في غاية الجودة والصحة‏.‏

وكتب نسخة من القاموس وهي في غاية الحسن والأتقان والضبط وله شعر عذب يغوص فيه على غرائب المعاني وربما يبتكر ما لم يسبق إليه‏.‏

وتوجه بآخر أمره إلى بلده وبه توفي سنة 180 رحمه الله‏.‏

ومـات الإمـام الصوفـي العـارف الناسـك الشيـخ محمد سعيد بن أبي بكر بن عبد الرحيم بن مهنا الحسينـي البغـدادي ولـد بمحلـة أبـي النجيـب مـن بغداد وبها نشأ وأخذ عن الشيخ عبد العزيز بن أحمد الرحبي وحسن ابن مصطفى القادري وآخرين وحج وقطن المدينة مدة وأجازه الشيخ محمـد حيـوة السنـدي والشيـخ حسن الكوراني‏.‏

ورد مصر سنة 1171‏.‏

فنزل بقصر الشوك قرب المشهـد الحسينـي وكـان له في كلام القوم عرفان إلى الغاية يورده على طريقة غريبة بحيث يرسخ في ذهن السامع ويلتذ به وكان يذهب لزيارته الأجلاء من الأشياخ مثل شيخنا السيد علي المقدسي والسيد محمد مرتضى والشيخ الفيفي وبالجملة فكان من أعاجيب دهره وكان الشيخ العفيفـي ينـوه بشأنـه ويقـول فـي حقـه أنـه مـن رجـال الجضـرة وأنـه ممـن يرى النبي صلى الله عليه وسلم عيانا‏.‏

وتوجه إلى الديار الرومية ثم عاد إلى المدينة ثم ورد أيضًا إلى مصر بعد ذلك ونزل قـرب الجامـع الأزهـر‏.‏

ثـم توجه إلى الديار الرومية وقطن بها‏.‏

وظهرت له هناك الكرامات وطار صيتـه وعلـت كلمتـه وصـار لـه أتباع ومريدون ولم يزل هناك على حالة حسنة حتى وافاه الأجل المحتوم في أواخر الثمانين وخلف ولده من بعده رحمه الله تعالى وسامحه‏.‏

ومات الفقيه الصالـح العلامـة الفرضـي الحيسوبـي الشيـخ أحمـد بـن أحمـد السبلـاوي الشافعـي الأزهري الشهير برزة كان أمامًا عالمًا مواظبًا على تدريس الفقه والمعقول بالجامع الأزهر وكان يحتـرف بيـع الكتب وله حانوت بسوق الكتبين مع الصلاح والورع والديانة ملازما على قراءة ابن قاسم بالأزهر كل يوم بعد الظهر أخذ عن الأشياخ المتقدمين وأنتفع به الطلبة وكان إنسانا حسنًا بهي الشكل عظيم اللحية منور الشيبة معتنيًا بشأنه مقبلًا على ربه‏.‏

توفي سنة 1180‏.‏

ومات الأجل المكرم الفاضل النبيه النجيب الفقيه حسن أفندي ابن حسـن الضبائـي المصـري المجود المكتب ولد كما وجد بخطه سنة 1092 في منتصف جمادى الثانية وأشتغـل بالعلـم على أعيان عصره وأشتغل بالخط وجوده على مشايخ هذا الفن في طريقتي الحمدية وابن الصائغ‏.‏

أما الطريقة الحمدية فعلى سليمان الشاكري والجزائري وصالح الحمامي وأما طريقة ابن الصائـغ فعلـى الشيـخ محمـد بـن عبـد المعطـي السملـاوي فالشاكري والحمامي جودا على عمر أفندي وهـو علـى درويـش علـي وهـو علـى خالـد أفنـدي وهـو علـى درويش محمد شيخ المشايخ حمد الله بـن بيـر علـي المعـروف بابـن الشيـخ الأماسي وأما السملاوي فجود على محمد ابن محمد بن عمار وهو على والده وهو علي يحيى المرصفي وهو علي اسمعيل المكتب وهو علي محمد الوسمي وهـو علـي أبـي الفضـل الأعـرج وهـو علـي ابـن الصائـغ بسنـده‏.‏

وكـان شيخًا مهيبًا بهي الشكل منور الشيبـة شديـد الأنجمـاع عـن النـاس ولـه معرفـة فـي علم الموسيقى والأوزان والعروض‏.‏

وكان يعاشر الشيخ محمد الطائي كثيرًا ويذاكره في العلوم والمعارف وبكتب غالب تقاريره على ما يكتبه بيده من الرسائل والمرقعات وقد أجاز في الخط لأناس كثيرًا ويجتمع في مجالس الكتبة مع صرامة وشهامة وعزة نفس‏.‏

توفي في منتصف ذي الحجة سنة 1180‏.‏

ومات الإمام العالم أحد العلماء الأذكياء وافراد الدهر البحاث في المعضلات الفتاح للمقفلات الشيخ عبد الكريم بن علي المسيري الشافعي المعروف بالزيات لملازمته شيخه سليمان الزيات حضر دروس فضلاء الوقت وأنضوى إلى الشيخ سليمان الزيات ولازمـه حتـى صـار معيـدًا الدروسـة ومهر وأنجب وتضلع في الفنون ودرس وأملى‏.‏

وكان أوحد زمانه في المعقولات ولازم أخيرًا الشيخ دروس الشيخ الحفني وتلقن منه العهد ثم أرسله الشيخ إلى بلاد الصعيد لأنه جاءه كتاب من أحد مشايخ الهوارة ممن يعتقد في الشيخ بأن يرسل إليهم أحد تلامذته ينفع الناس بالناحية فكان هو المعين لهذا المهم فألبسه وأجازه ولما وصل إلى ساحل بهجورة تلقته الناس بالقبول التام وعين له منزل واسع وحشم وخدم وأقطعوا له جانبا من الأرض ليزرعها‏.‏

فقطـن بالبهجـورة وأعتنـى بـه أميرهـا شيـخ العـرب اسمعيـل بـن عبد الله فدرس وأفتى وقطع العهود وأقام مجلس الذكر وراج أمره وراش جناحه ونفع وشفع وأثرى جدًا وتملك عقارات ومواشي وعبيدًا وزروعات ثم تقلبت الأحوال بالصعيد وأوذي المترجم وأخذ ما بيـده مـن الأراضـي وزحرحـت حالـه فأتـى إلـى مصـر فلـم يجـد مـن يعينـه لوفاة شيخه‏.‏

ثم عاد ولم يحصل على طائل وما زال بالبهجورة حتى مات في أواخر سنة 1181‏.‏ ومات