فصل: الأدلة القاطعة على تحريم التصوير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام



.الأدلة القاطعة على تحريم التصوير:

النص الأول: روى البخاري ومسلم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله».
النص الثاني: روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن اصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيو ما خلقتم».
النص الثالث: روى البخاري ومسلم وأحمد عن أبي زُرعة قال: دخلتُ مع أبي هريرة دار مروان بن الحكم، فرأى فيها تصاوير وهي تُبنى، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عزّ وجلّ: «ومن أظلم ممّن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرّة، أو فليخلقوا حبة، أو فليخلقوا شعيرة».
النص الرابع: روى البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال له: إني أصوّر هذه الصور فأفْتني فيها، فقال له: ادن مني فدنا، ثم قال: ادن مني فدنا، حتى وضع يده على رأسه وقال: إنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: «كلّ مصوّر في النار، يُجعل له بكل صورة صوّرها نفس فيعذبه في جهنم».
قال ابن عباس: (فإن كنت لا بدّ فاعلاً فصوّر الشجر، وما لا روح فيه).
وفي رواية أخرى عنه: سمعته يقول: «من صوّر صورة فإنّ الله يعذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبداً» ثم قال له ابن عباس: (إن أبيت إلاّ أن تصنع، فعليك بهذه الشجر، كل شيء ليس فيه روح).
النص الخامس: روى الشيخان وأصحاب السنن عن عائشة رضي الله عنها أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل، قالت: فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت يا رسول الله: أتوب إلى الله ورسوله ماذا أذنبت؟ فقال: ما بال هذه النمرقة؟ قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتَوَسّدها، فقال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وقال: إنّ البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة.
النص السادس: روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي عليّ رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألاّ تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلاّ سويته).
النص السابع: (روى الستة عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فأخذت نمطاً فسترته على الباب، فلما قدم ورأى النمط عرفت الكراهة في وجهه، فجذبه حتى هتكه وقال: «إنّ الله لم يأمرنا أن نكسوا الحجارة والطين!!» قالت عائشة: فقطعت منه وسادتين وحشوتهما ليفاً، فلم يعب ذلك عليّ).
النص الثامن: روى الشيخان والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بعضُ نسائه كنيسةً يقال لها (مارية) وكانت أم سلمة، وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فرفع صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجلُ الصالحُ، بنوا على قبره مسجداً، ثمّ صوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرارُ خلق الله».
أقول: هذه النصوص وأمثَالها كثير، تدل دلالة قاطعة على حرمة التصوير، وكلُ من درس الإسلام علِمَ عِلْمَ اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم حرّم التصوير، واقتناء الصور وبيعها، وكان يحطّم ما يجده منها، وقد ورد تشديد الوعيد على المصوّرين، واتفق أئمة المذاهب على تحريم التصوير لم يخالف في ذلك أحد، ولبعض العلماء استثناء شيء منها، سنذكره فيما بعد، كما نذكر علة التحريم، ونعرّج بعد ذلك على حكم التصوير الشمسي (الفوتوغرافي) وننقل آراء العلماء فيه على ضوء النصوص الكريمة.

.العلة في تحريم التصوير:

يظهر لنا من النصوص النبوية السابقة، أنّ العلة في تحريم التماثيل والصور، هي (المضاهاة) والمشابهة لخلق الله تعالى، يدل على ذلك:
أ- حديث: «أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله».
ب- وحديث: «إن أصحاب هذه الصور يُعذّبون... يقال لهم: أحيوا ما خلقتم».
ج- وحديث: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي... فليخلقوا حبة، أو فليخلقوا شعيرة».
فالعلة هي إذاً: التشبه بخلق الله، والمضاهاة لصنعه جل وعلا.
كما أن الحكمة أيضاً في تحريم التصوير هي: البعد عن مظاهر الوثنية، وحماية العقيدة من الشرك، وعبادة الأصنام، فما دخلت الوثنيّة إلى الأمم الغابرة إلاّ عن طريق (الصور والتماثيل) كما دل عليه حديث أم سلمة وأم حبيبة السابق وفيه قوله عليه الصلاة والسلام: «أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجداً، ثمّ صوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار خلقِ الله يوم القيامة».
وقد روي أن الأصنام التي عبدها قوم نوح (وَدّ، وسُوَاغٌ، ويغُوثُ، ويعُوقُ، ونسْرُ) التي ذكرت في القرآن الكريم، كانت اسماءً لأناسٍ صالحين من قوم نوح، فلما ماتوا اتخذ قومُهم لهم صوراً، تذكيراً بهم وبأعمالهم، ثمّ انتهى الحال آخر الأمر إلى عبادتهم.
ذكر الثعلبي عن ابن عباس: في قوله تعالى: {وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح: 23] أنه قال: هذه الأصنام أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلمَّا هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً، وسموها بأسمائهم تذكروهم بها، ففعلوا، فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك، ونُسخ العلم عبدت من دون الله.
قال أبو بكر ابن العربي: والذي أوجب النهي في شريعتنا- والله أعلم- ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يصوّرون ويعبدون، فقطعَ اللَّهُ الذريعة، وحَمَى الباب.
قال ابن العربي: وقد شاهدت بثغر الإسكندرية، إذا مات ميّت صوّروه من خشب في أحسن صورة، وأجلسوه في موضعه من بيته وكسوه بزيّه إن كان رجلاً، وحليتها إن كانت امرأة، وأغلقوا عليه الباب، فإذا أصاب واحداً منهم كرب أو تجدّد له مكروه، فتح الباب عليه وجلس عنده يبكي ويناجيه، حتى يكسر سورة حزنه بإهراق دموعه، ثمّ يغلق الباب عليه وينصرف، وإن تمادى بهم الزمان تَعْبدوها من جملة الأصنام.

.أنواع الصور:

قسم العلماء الصّور إلى قسمين:
أ- الصور التي لها ظل وهي المصنوعة من جبس، أو نحاسٍ، أو حجر أو غير ذلك وهذه (التماثيل).
ب- الصور التي ليس لها ظل، وهي المرسومة على الورق، أو المنقوشة على الجدار، أو المصوَّرة على البساط والوسادة ونحوها وتسمى (الصور).
فالتمثال: ما كان له ظل، والصورة: ما لم يكن لها ظل، فكل تمثال صورة، وليس كل صورة تمثالاً.
قال في (لسان العرب): والتمثال: الصورة، والجمع التماثيل، وظلّ كل شيء تمثاله، والتمثال: اسم للشيء المصنوع مشبّهاً بخلقٍ من خلق الله، وأصله: من مثّلت الشيء بالشيء إذا قدّرته على قدره، ويكون تمثيل الشيء بالشيء تشبيهاً به، واسم ذلك الممثّل تمثال.
وقال القرطبي: قوله تعالى: {وتماثيل} جمع تمثال، وهو كلّ ما صُوّر على مثل صورة من حيوان، وقيل: كانت من زجاج، ونحاس، ورخام، وذكر أنها صور الأنبياء والعلماء، وكانت تصوّر في المساجد ليراها الناس، فيزدادوا عبادة واجتهاداً.
فإن قيل: كيف استجاز الصور المنهيّ عنها؟
قلنا: كان ذلك جائزاً في شرعه، ونسخ ذلك بشرعنا.

.ما يحرم من الصور والتماثيل:

يحرم من الصور والتماثيل ما يأتي:
أولاً: التماثيل المجسّمة إذا كانت لذي روح من إنسان أو حيوان يحرم بالإجماع للحديث الشريف: «إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، ولا صورة، ولا تماثيل، ولا جنب».
ثانياً: الصورة المصوّرة باليد لذي روح: حرام بالاتفاق لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم» ولحديث: «من صوّر صورة أُمر أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ».
ثالثاً: الصورة إذا كانت كاملة الخلق بحيث لا ينقصها إلا نفخ الروح حرام كذلك بالاتفاق لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: «أُمِرَ أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ».
ولحديث عائشة: (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرامٍ فيه صورة، فتلوّن وجهه ثم تناول الستر فهتكه، ثم قال: «إنّ أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يُشبّهون خلق الله» قالت عائشة: فقطعته فجعلت منه وسادتين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرتفق بهما).
فهتْكُه عليه السلام للستر يدلُّ على التحريم، وتقطيع عائشة له وجعله وسادتين بحيث انفصلت أجزاء الصورة ولم تعد صورة كاملة يدل على الجواز، فمن هنا استنبط العلماء أن الصورة إذا لم تكن كاملة الأجزاء فلا حرمة فيها.
رابعاً: الصورة إذا كانت بارزة تشعر بالتعظيم، ومعلّقة بحيث يراها الداخل حرام أيضاً بلا خلاف لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان له ستر فيه تمثال طائر، وكان الداخل إذا دخل استقبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حوّلي عني هذا، فإني كلّما رأيته ذكرتُ الدنيا).
ولحديث أبي طلحة عن عائشة قالت: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فأخذت نَمَطاً فسترته على الباب، فلما قدم ورأى النّمَط عرفت الكراهية في وجهه، فجذبه حتى هتكه وقال: إنّ الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين، قالت: فقطعت منه وسادتين وحشوتهما ليفاً، فلم يعب ذلك عليَّ).

.ما يباح من الصور والتماثيل:

ويباح من الصور والتماثيل ما يأتي:
أ- كل صورة أو تمثال لما ليس بذي روح كتصوير الجمادات، والأنهار والأشجار، والمناظر الطبيعية التي ليست بذات روح فلا حرمة في تصويرها لحديث ابن عباس السابق حين سأله الرجل إني أصوّر هذه الصور فأفتني فيها؟... فأخبره بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له ابن عباس: (إن كنت لا بدَ فاعلاً فصوّر الشجر، وما لا روح له).
ب- كل صورة ليست متصلة الهيئة كصورة اليد وحدها مثلاً، أو العين، أو القدم، فإنها لا تحرم لأنها ليست كاملة الخلق، لحديث عائشة: (فقطتعها فجعلت منها وسادتين فلم يعب صلى الله عليه وسلم ذلك علي) وقد تقدم.
ح- ويستثنى من التحريم (لعب البنات) لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين، وزُفَت إليه وهي بنت تسع ولُعَبُها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة سنة.
وروي عنها أنها قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسرّبُهنّ إليّ فيلعبن معي.
قال العلماء: وإنما أبيحت لعب البنات للضرورة إلى ذلك، وحاجة البنات حتى يتدربن على تربية أولادهنّ، ثم إنه لا بقاء لذلك، ومثله ما يصنع من الحلاوة أو العجين لا بقاء له، فرُخّص في ذلك والله أعلم.

.أقوال العلماء في التصوير:

قال القاضي ابن العربي: مقتضى الأحاديث يدل على أن الصور ممنوعة، ثم جاء: إلاّ ما كان رقماً في ثوب فخُص من جملة الصور، ثمّ ثبتت الكراهية فيه بقوله عليه السلام لعائشة في الثوب المصوّر، «أخّريه عني فإني كلما رأيته ذكرت الدنيا» ، ثمّ بهتكه الثوب المصوّر على عائشة منع منه، ثمّ بقطعها له وسادتين تغيّرت الصورة وخرجت عن هيئتها، فإنّ جواز ذلك إذا لم تكن الصورة فيه متصلة الهيئة، ولو كانت متصلة الهيئة لم يجز، لقولها في النّمرقة المصورة: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوَسّدها، فمنع منه وتوعدّ عليه، وتبيّن بحديّث الصلاة إلى الصور أن ذلك جائز في الرقم في الثوب، ثم نسخه المنع منه، فهكذا استقرّ الأمر فيه.
وقال أبو حيان: والتصوير حرام في شريعتنا، وقد ورد تشديد الوعيد على المصورين، ولبعض العلماء استثناء في شيء منها، وفي حديث (سهل بن حنيف): لعن الله المصورين، ولم يستثن عليه السلام، وحكي أن قوماً أجازوه، قال ابن عطية: وما أحفظ من إئمة العلم من يجوّزه.
وقال الألوسي: الحقُّ أنَّ حرمة تصوير الحيوان كاملاً لم تكن في شريعة سليمان عليه السلام، وإنما هي في شرعنا، ولا فرق عندنا بين أن تكون الصورة ذات ظل، أو لا تكون كذلك كصورة الفرس المنقوشة على كاغد، أو جدارٍ مثلاً، وقد ورد في شرعنا من تشديد الوعيد على المصوّرين ما ورد، فلا يُلْتفت إلى غيره، ولا يصح الاحتجاج بالآية.
وقال القرطبي: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المصورين ولم يستثن، وقال: «إن أصحاب هذه الصور يعذَّبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم»
وفي الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خرج عُنق من النار يوم القيامة، له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق يقول: إني وكّلت بثلاث: بكلّ جبَّارٍ عنيد، وبكلّ من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصورين».
وفي البخاري: «أشدُّ الناس عذاباً يوم القيامة المصوّرون» يدل على المنع من تصوير أيّ شيء كان.
وقال الإمام النووي: إنَّ جواز اتخاذ الصور إنما هو إذا كانت لا ظل لها، وهي مع ذلك مما يوطأ ويداس، أو يمتهن بالاستعمال كالوسائد.
وقال العلامة ابن حجر في شرحه للبخاري: حاصل ما في اتخاذ الصور إنها إن كانت ذات أجسام حَرُمَ بالإجماع، وإن كانت رقماً في ثوب فأربعة أقول:
الأول: يجوز مطلقاً عملاً بحديث إلا رقماً في ثوب.
الثاني: المنع مطلقاً عملاً بالعموم.
الثالث: إن كانت الصورة باقية بالهيئة، قائمة الشكل حرم، وإن كانت مقطوعة الرأس، أو تفرقت الأجزاء جاز، قال: وهذا هو الأصح.
الرابع: إن كانت مما يمتهن جاز وإلاّ لم يجز، واستثني من ذلك لعب البنات. اهـ.