فصل: حدود الحرم المكي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.صيد الحرم وقطع شجره:

يحرم على المحرم والحلال صيد الحرم، وتنفيره وقطع شجره الذي لم يستنبته الادميون في العادة، وقطع الرطب من النبات، حتى الشوك إلا إلاذخر والسنا، فإنه يباح التعرض لهما بالقطع، والقلع، والاتلاف ونحو ذلك.
لما رواه البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة - «إن هذا البلد حرام، لا يعضد شوكه، ولا يختلى خلاه ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف» فقال العباس: إلا الاذخر، فإنه لا بد لهم منه، فإنه للقيون والبيوت! فقال: «إلا الاذخر».
قال الشوكاني: قال القرطبي: خص الفقهاء الشجر المنهي عنه بما ينبته الله تعالى، من غير صنيع آدمي.
فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه: فالجمهور على الجواز.
وقال الشافعي: في الجميع الجزاء، ورجحه ابن قدامة.
واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول.
فقال مالك: لا جزاء فيه، بل يأثم.
وقال عطاء: يستغفر.
وقال أبو حنيفة: يؤخذ بقيمته هدي.
وقال الشافعي: في العظيمة بقرة، وفيما دونها شاة.
واستثنى العلماء الانتفاع بما انكسر من الاغصان.
وانقطع من الشجر من غير صنيع الادمي، وبما يسقط من الورق.
قال ابن قدامة: وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم، من بقل، وزرع، ومشموم، وأنه لا بأس برعيه واختلائه.
وفى الروضة الندية: ولا يجب على الحلال في صيد حرم مكة ولا شجره شئ، إلا مجرد الاثم.
وأما من كان محرما فعليه الجزاء الذي ذكره الله عزوجل، إذا قتل صيدا.
وليس عليه شيء في شجر مكة، لعدم ورود دليل تقوم به الحجة.
وما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في الدوحة الكبيرة إذا قطعت من أصلها بقرة» لم يصح.
وما روي عن بعض السلف لا حجة فيه.
ثم قال: والحاصل أنه لا ملازمة بين النهي عن قتل الصيد، وقطع الشجر، وبين وجوب الجزاء، أو القيمة.
بل النهي يفيد بحقيقته التحريم.
والجزاء والقيمة، لا يجبان إلا بدليل.
ولم يرد دليل إلا قول الله تعالى، {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} الآية.
وليس فيها إلا ذكر الجزاء فقط، فلا يجب غيره.

.حدود الحرم المكي:

للحرم المكي حدود تحيط بمكة، وقد نصبت عليها أعلام في جهات خمس.
وهذه الاعلام أحجار مرتفعة قدر متر، منصوبة على جانبي كل طريق.
فحده - من جهة الشمال التنعيم وبينه وبين مكة 6 كيلو مترات.
وحده من جهة الجنوب أضاه بينها وبين مكة 12 كيلومترا.
وحده من جهة الشرق الجعرانة بينها وبين مكة 16 كيلو مترا.
وحده من جهة الشمال الشرقي وادي نخلة بينه وبين مكة 14 كيلو مترا.
وحده من جهة الغرب الشميسي بينها وبين مكة 15 كيلو مترا.
قال محب الدين الطبري: عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: نصب إبراهيم أنصاب الحرم يريه جبريل عليه السلام.
ثم لم تحرك حتى كان قصي، فجددها.
ثم لم تحرك حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم.
فبعث عام الفتح تميم بن أسيد الخزاعي فجددها.
ثم لم تحرك حتى كان عمر، فبعث أربعة من قريش.
محرمة بن نوفل، وسعيد بن يربوع، وحويطب بن عبد العزى، وأزهر ابن عبد عوف فجد دوها ثم جددها معاوية ثم أمر عبد الملك بتجديدها.

.حرمة المدينة:

وكما يحرم صيد حرم مكة وشجره، كذلك يحرم صيد حرم المدينة وشجره.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة، ما بين لابتيها، لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها» رواه مسلم.
وروى أحمد، وأبو داود، عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة: «لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، إلا لمن أشاد بها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن تقطع فيها شجرة، إلا أن يعلف رجل بعيره».
وفي الحديث المتفق عليه: «المدينة حرم، ما بين عير إلى ثور».
وفيه عن أبي هريرة: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة، وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى واللابتان مثنى لابة واللابة الحرة، وهي الحجارة السود.
والمدينة تقع بين اللابتين: الشرقية، والغربية.
وقدر الحرم باثني عشر ميلا، يمتد من عير إلى ثور وعير جبل عند الميقات، وثور جبل عند أحد، من جهة الشمال.
ورخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل المدينة قطع الشجر لاتخاذه آلة للحرث، والركوب، ونحو ذلك مما لا غنى لهم عنه، وأن يقطعوا من الحشيش ما يحتاجون إليه لعلف دوابهم.
روى أحمد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حرام ما بين حرتيها، وحماها كلها، لا يقطع شجرة إلا أن يعلف منها».
وهذا بخلاف حرم مكة، إذ يجد أهله ما يكفيهم.
وحرم المدينة لا يجد أهله ما يستغنون به عنه.
وليس في قتل صيد الحرم المدني، ولا قطع شجره جزاء، وفيه الاثم.
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المدينة حرم، من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث، من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
ومن وجد شيئا في شجره مقطوعا حل له أن يأخذه.
فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه، فسلبه.
فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم ما أخذ منه.
فقال: معاذ الله، أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يرد عليهم رواه مسلم.
وروى أبو داود، والحاكم، وصححه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رأيتموه يصيد فيه شيئا فلكم سلبه».
هل فيه حرم آخر؟ قال ابن تيمية: وليس في الدنيا حرم، لا بيت المقدس، ولا غيره، إلا هذان الحرمان، ولا يسمى غيرهما حرما كما يسمي الجهال فيقولون: حرم المقدس، وحرم الخليل، فإن هذين وغيرهما، ليسا بحرم، باتفاق المسلمين.
والحرم المجمع عليه: حرم مكة.
وأما المدينة فلها حرم أيضا عند الجمهور كما استفاضت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يتنازع المسلمون في حرم ثالث، إلا وجاء، وهو واد بالطائف.
وهو عند بعضهم حرم، وعند الجمهور ليس بحرم.
تفضيل مكة على المدينة ذهب جمهور العلماء: إلى أن مكة أفضل من المدينة.
لما رواه أحمد، وابن ماجه والترمذي، وصححه، عن عبد الله بن عدي ابن الحمراء، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت».
وروى الترمذي، وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك».
دخول مكة بغير احرام يجوز دخول مكة بغير إحرام، لمن لم يرد حجا ولا عمرة، سواء أكان دخوله لحاجة تتكرر - كالحطاب والحشاش والسقاء والصياد وغيرهم - أم لم تتكرر، كالتاجر والزائر، وغيرهما، وسواء أكان آمنا أم خائفا.
وهذا أصح القولين للشافعي، وبه يفتي أصحابه.
وفي حديث مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء، بغير إحرام.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه رجع من بعض الطريق فدخل مكة غير محرم.
وعن ابن شهاب قال: لا بأس بدخول مكة بغير إحرام.
وقال ابن حزم: دخول مكة بلا إحرام جائز.
لان النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل المواقيت لمن مر بهن، يريد حجا أو عمرة.
ولم يجعلها لمن لم يرد حجا ولا عمرة.
فلم يأمر الله تعالى قط، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، بأن لا يدخل مكة إلا بإحرام.
فهذا إلزام ما لم يأت في الشرع إلزامه.

.ما يستحب لدخول مكة والبيت الحرام:

يستحب لدخول مكة ما يأتي:
1- الاغتسال:
فعن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يغتسل لدخول مكة.
2- المبيت بذي طوى في جهة الزاهر.
فقد بات رسول الله صلى الله عليه وسلم بها.
قال نافع: وكان ابن عمر يفعله، رواه البخاري، ومسلم.
3- أن يدخلها من الثنية العليا ثنية كداء.
فقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم من جهة المعلاة.
فمن تيسر له ذلك فعله، وإلا فعل ما يلائم حالته، ولا شيء عليه.
4- أن يبادر إلى البيت بعد أن يدع أمتعته في مكان أمين، ويدخل من باب بني شيبة - باب السلام - ويقول في خشوع وضراعة: «أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله، اللهم صل على محمد وآله وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك».
5- إذا وقع نظره على البيت، رفع يديه وقال: «اللهم زد هذا البيت تشريفا، وتعظيما، وتكريما، ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه، أو اعتمره، تشريفا وتكريما وتعظيما، وبرا». «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام».
6- ثم يقصد إلى الحجر الاسود، فيقبله بدون صوت. فإن لم يتمكن استلمه بيده وقبله. فإن عجز عن ذلك، أشار إليه بيده.
7- ثم يقف بحذائه ويشرع في الطواف.
8- ولا يصلي تحية المسجد، فإن تحيته الطواف به، إلا إذا كانت الصلاة المكتوبة مقامة، فيصليها مع الإمام. لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة». وكذلك إذا خاف فوات الوقت، يبدأ به فيصليه.

.الطواف:

.كيفيته:

1- يبدأ الطائف طوافه مضطبعا محاذيا الحجر الاسود مقبلا له أو مستلما أو مشيرا إليه، كيفما أمكنه، جاعلا البيت عن يساره، قائلا: «بسم الله، والله أكبر، اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم».
2- فإذا أخذ في الطواف، استحب له أن يرمل في الاشواط الثلاثة الأولى، فيسرع في المشي.
ويقارب الخطا، مقتربا من الكعبة. ويمشي مشيا عاديا في الاشواط الأربعة الباقية.
فإذا لم يمكنه الرمل، أو لم يستطع القرب من البيت لكثرة الطائفين، ومزاحمة الناس له، طاف حسبما تيسر له.
ويستحب أن يستلم الركن اليماني. ويقبل الحجر الاسود أو يستلمه في كل شوط من الاشواط السبعة.
3- ويستحب له أن يكثر من الذكر والدعاء، ويتخير منهما ما ينشرح له صدره، دون أن يتقيد بشئ أو يردد ما يقوله المطوفون.
فليس في ذلك ذكر محدود، الزنا الشارع به.
وما يقوله الناس: من أذكار وأدعية في الشوط الأول والثاني، وهكذا، فليس له أصل.
ولم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك، فللطائف أن يدعو لنفسه، ولاخوانه بما شاء، من خيري الدنيا والاخرة.
واليك بيان ما جاء في ذلك من الادعية:
1- إذا استقبل الحجر قال: «اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك، بسم الله والله أكبر».
2- فإذا أخذ في الطواف قال: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله» رواه ابن ماجه.
3- فإذا انتهى إلى الركن اليماني دعا فقال: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار» رواه أبو داود، والشافعي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
4- قال الشافعي: وأحب - كلما حاذى الحجر الاسود - أن يكبر، وأن يقول في رمله: «اللهم اجعله حجا مبرورا، وذنبا مغفورا، وسعيا مشكورا».
ويقول في الطواف عند كل شوط: «رب اغفر وارحم، واعف عما تعلم وأنت الاعز الاكرم، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الاخرة حسنة، وقنا عذاب النار».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يقول بين الركنين: «اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف علي كل غائبة بخير». رواه سعيد بن منصور، والحاكم.