فصل: حكمة الزواج:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.الزواج:

الزوجية سنة من سنن الله في الخلق والتكوين، وهي عامة مطردة، لا يشذ عنها عالم الإنسان، أو عالم الحيوان أو عالم النبات: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون}.
{سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون}.
وهي الأسلوب الي اختاره الله للتوالد والتكاثر، واستمرار الحياة، بعد أن أعد كلا الزوجين وهيأهما.
بحيث يقوم كل منهما بدور إيجابي في تحقيق هذه الغاية: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى}.
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء}.
ولم يشأ الله أن يجعل الإنسان كغيره من العوالم، فيدع غرائزه تنطلق دون وعي، ويترك اتصال الذكر بالأنثى فوضى لا ضابط له.
بل وضع النظام الملائم لسيادته، والذي من شأنه أن يحفظ شرفه، ويصون كرامته.
فجعل اتصال الرجل بالمرأة اتصالا كريما، مبنيا على رضاهما.
وعلى إيجاب وقبول، كمظهرين لهذا الرضا.
وعلى إشهاد، على أن كلا منهما قد أصبح للاخر.
وبهذا وضع للغريزة سبيلها المأمونة، وحمى النسل من الضياع، وصان المرأة عن أن تكون كلاء مباحا لكل راتع.
ووضع نواة الاسرة التي تحوطها غريزة الأمومة وترعاها عاطفة الابوة فتنبت نباتا حسنا، وتثمر ثمارها اليانعة.
وهذا النظام هو الذي ارتضاه الله، وأبقى عليه الإسلام، وهدم كل ما عداه.
الانكحة التي هدمها الإسلام فمن ذلك: نكاح الخدن: كانوا يقولون: ما استتر فلا بأس به وما ظهر فهو لؤم.
وهو المذكور في قول الله تعالى: {ولا متخذات أخدان}.
ومنها: نكاح البدل: وهو أن يقول الرجل للرجل: أنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك رواه الدار قطني عن أبي هريرة بسند ضعيف جدا.
وذكرت عائشة غير هذين النوعين فقالت: كان النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء:
1- نكاح الناس اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته، فيصدقها ثم ينكحها.
2- ونكاح آخر: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها، أرسلي إلى فلان فاستضعي منه، ويعتزلها زوجها حتى يتبين حملها فإذا تبين، أصاب إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ويسمى هذا النكاح الاستبضاع.
3- ونكاح آخر: يجتمع الرهط ما دون العشرة على المرأة فيدخلون، كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت، ومر عليها ليال، أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم ما كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل.
4- ونكاح رابع: يجتمع ناس كثير، فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها - وهن البغايا - ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما، فمن أرادهن دخل عليهن.
فإذا حملت إحداهن ووضعت، جمعوا لها، ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك.
فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق، هدم نكاح الجاهلية إلا نكاح الناس اليوم.
وهذا النظام الذي أبقى عليه الإسلام، لا يتحقق إلا بتحقق أركانه من الايجاب والقبول، وبشرط الاشهاد.
وبهذا يتم العقد الذي يفيد حل استمتاع كل من الزوجين بالاخر على الوجه الذي شرعه الله.
وبه تثبت الحقوق والواجبات التي تلزم كلا منها.

.الترغيب في الزواج:

وقد رغب الإسلام في الزواج بصور متعددة الترغيب. فتارة يذكر أنه من سنن الانبياء وهدى المرسلين.
وأنهم القادة الذين يجب علينا أن نقتدي بهداهم: {ولقد أرسلنا مرسلا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية}.
وفي حديث الترمذي عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من سنن المرسلين: الحناء، والتعطر، والسواك، والنكاح».
وتارة يذكر في معرض الامتنان: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات}.
وأحيانا يتحدث عن كونه آية من آيات الله: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون}.
وقد يتردد المرء في قبول الزواج، فيحجم عنه خوفا من الاضطلاع بتكاليفه، وهروبا من احتمال أعبائه.
فيلفت الإسلام نظره إلى أن الله سيجعل الزواج سبيلا إلى الغنى، وأنه سيحمل عنه هذه الاعباء ويمده بالقوة التي تجعله قادرا على التغلب على أسباب الفقر: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم} وفي حديث الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة حق على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الاداء، والناكح الذي يريد العفاف».
والمرأة خير كنز يضاف إلى رصيد الرجل.
روى الترمذي وابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه، قال لما نزلت: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}.
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذهب والفضة، فلو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: «لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه».
وروى الطبري بسند جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من أصابهن فقد أعطي خير الدنيا والاخرة: قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وبدنا على البلاء صابرا، وزوجة لا تبغيه حوبا في نفسها وماله».
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدنا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة».
وقد يخيل للانسان في لحظة من لحظات يقظته الروحية، أن يتبتل وينقطع عن كل شأن من شؤون الدنيا، فيقوم الليل، ويصوم النهار، ويعتزل النساء، ويسير في طريق الرهبانية المنافية لطبيعة الإنسان.
فيعلمه الإسلام أن ذلك مناف لفطرته، ومغاير لدينه، وأن سيد الانبياء - وهو أخشى الناس لله وأتقاهم له - كان يصوم ويفطر، ويقوم وينام، ويتزوج النساء.
وأن من حاول الخروج عن هديه فليس له شرف الانتساب إليه.
روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا - كأنهم تقالوها - فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لاخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».
والزوجة الصالحة فيض من السعادة يغمبر البيت ويملؤه سرورا وبهجة وإشراقا.
فعن أبي أمامة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما استفاد المؤمن - بعد تقوى الله عز وجل - خيرا له من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله» رواه ابن ماجه.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة: من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء» رواه أحمد بسند صحيح.
ورواه الطبراني، والبزاز، والحاكم وصححه، وقد جاء تفسير هذا الحديث في حديث آخر رواه الحاكم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة من السعادة: المرأة الصالحة، تراها تعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة تلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، وثلاث من الشقاء: المرأة تراها فتسوءك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفا فان ضربتها أتعبتك، وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق».
والزواج عبادة يستكمل الإنسان بها نصف دينه، ويلقى بها ربه على أحسن حال من الطهر والنقاء.
فعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الباقي» رواه الطبراني والحاكم وقال: صحيح الاسناد.
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر» رواه ابن ماجه وفيه ضعف.

قال ابن مسعود: «لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها، ولي طول النكاح فيهن، لتزوجت مخافة الفتنة».

.حكمة الزواج:

وإنما رغب الإسلام في الزواج على هذا النحو، وحبب فيه لما يترتب عليه من آثار نافعة على الفرد نفسه، وعلى الأمة جميعا، وعلى النوع الإنساني عامة:
1- فإن الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز وأعنفها، وهي تلح على صاحبها دائما في إيجاد مجال لها، فما لم يكن ثمة ما يشبعها، انتاب الإنسان الكثير من القلق والاضطراب، ونزعت به إلى شر منزع.
والزواج هو أحسن وضع طبيعي، وأنسب مجال حيوي لارواء الغريزة وإشباعها.
فيهدأ البدن من الاضطراب، وتسكن النفس من الصراع، ويكف النظر عن التطلع إلى الحرام، وتطمئن العاطفة إلى ما أحل الله.
وهذا هو ما أشارت إليه الآية الكريمة: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك لايات لقوم يتفكرون}.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه» رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي.
2- والزواج هو أحسن وسيلة لانجاب الأولاد وتكثير النسل، واستمرار الحياة مع المحافظة على الانساب التي يوليها الإسلام عناية فائقة، وقد تقدم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الانبياء يوم القيامة».
وفي كثرة النسل من المصالح العامة والمنافع الخاصة، ما جعل الأمم تحرص أشد الحرص على تكثير سواد أفرادها بإعطاء المكافات التشجيعية لمن كثر نسله وزاد عدد أبنائه، وقديما قيل: إنما العزة للكاثر. ولا تزال هذه حقيقة قائمة لم يطرأ عليها ما ينقضها.
دخل الاحنف بن قيس على معاوية - ويزيد بين يديه، وهو ينظر إليه إعجابا به - فقال: يا أبا بحر ما تقول في الولد؟ فعلم ما أراد، فقال: يا أمير المؤمنين، هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، وقرة أعيننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم الخلف منا لمن بعدنا فكن لهم أرضا ذليلة، وسماء ظليلة، إن سألوك فأعطهم، وان استعتبوك فأعتبهم، لا تمنعهم رفدك فيملوا قربك، ويكرهوا حياتك، ويستبطئوا وفاتك. فقال: لله درك يا أبا بحر، هم كما وصفت.
3- ثم أن غريزة الابوة والأمومة تنمو وتتكامل في ظلال الطفولة، وتنمو مشاعر العطف والود والحنان، وهي فضائل لا تكمل إنسانية إنسان بدونها.
4- الشعور بتبعة الزواج، ورعاية الأولاد يبعث على النشاط وبذل الوسع في تقوية ملكات الفرد ومواهبه.
فينطلق إلى العمل من أجل النهوض بأعبائه، والقيام بواجبه.
فيكثر الاستغلال وأسباب الاستثمار مما يزيد في تنمية الثروة وكثرة الانتاج، ويدفع إلى استخراج خيرات الله من الكون وما أودع فيه من أشياء ومنافع للناس.
5- توزيع الاعمال توزيعا ينتظم به شأن البيت من جهة، كما ينتظم به العمل خارجه من جهة أخ رى، مع تحديد مسؤولية كل من الرجل والمرأة فيما يناط به من أعمال.
فالمرأة تقوم على رعاية البيت وتدبير المنزل، وتربية الأولاد، وتهيئة الجو الصالح للرجل ليستريح فيه ويجد ما يذهب بعنائه، ويجدد نشاطه، بينما يسعى الرجل وينهض بالكسب، وما يحتاج إليه البيت من مال ونفقات.
وبهذا التوزيع العادل يؤدي كل منهما وظائفه الطبيعية على الوجه الذي يرضاه الله ويحمده الناس، ويثمر الثمار المباركة.
6- على أن ما يثمره الزواج من ترابط الاسر، وتقوية أواصر المحبة بين العائلات، وتوكيد الصلات الاجتماعية مما يباركه الإسلام ويعضده ويسانده.
فإن المجتمع المترابط المتحاب هو المجتمع القوي السعيد.
7- جاء في تقرير هيئة الأمم المتحدة الذي نشرته صحيفة الشعب الصادرة يوم السبت 6 / 6 / 1959م أن المتزوجين يعيشون مدة أطول مما يعيشها غير المتزوجين سواء كان غير المتزوجين أرامل أم مطلقين أم عزابا من الجنسين.
وقال التقرير: إن الناس بدءوا يتزوجون في سن أصغر في جميع أنحاء العالم، وان عمر المتزوجين أكثر طولا.
وقد بنت الأمم المتحدة تقريرها على أساس أبحاث وإحصائيات تمت في جميع أنحاء العالم خلال عام 1958 بأكمله، وبناء على هذه الاحصاءات قال التقرير: انه من المؤكد أن معدل الوفاة بين المتزوجين - من الجنسين - أقل من معدل الوفاة بين غير المتزوجين، وذلك في مختلف الاعمار.
واستطرد التقرير قائلا: وبناء على ذلك فإنه يمكن القول بأن الزواج شيء مفيد صحيا للرجل والمرأة على السواء.
حتى أن أخطار الحمل والولادة قد تضاءلت فأصبحت لا تشكل خطرا على حياة الأمم.
وقال التقرير: إن متوسط سن الزواج في العالم كله اليوم هو 24 للمرأة و27 للرجل.
وهو سن أقل من متوسط سن الزواج منذ سنوات.