فصل: شهادة الأعمى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.لا شهادة إلا بعلم:

ولا يحل لاحد أن يشهد إلا بعلم.
والعلم يحصل بالرؤية أو بالسماع أو باستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا بدونها والاستفاضة هي الشهرة التي تثمر الظن أو العلم.
وتصح الشهادة بالاستفاضة عند الشافعية في النسب والولادة والموت والعتق والولاء والولاية والوقف والعزل والنكاح وتوابعه والتعديل والتجريح والوصية والرشد والسفه والملك.
وقال أبو حنيفة: تجوز في خمسة أشياء: النكاح والدخول والنسب والموت وولاية القضاء.
وقال أحمد وبعض الشافعية: تصح في سبعة: النكاح والنسب والموت والعتق والولاء والوقف والملك المطلق.

.حكمها:

وهي فرض عين على من تحملها متى دعي إليها وخيف من ضياع الحق، بل تجب إذا خيف من ضياعه ولو لم يدع لها لقول الله تعالى: {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} وقوله {وأقيموا الشهادة لله} وفي الحديث الصحيح: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» وفي أداء الشهادة نصره.
وعن زيد بن خالد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخير الشهداء؟...الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها!».
وإنما تجب متى قدر على أدائها بلا ضرر يلحقه في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله لقول الله تعالى: - {ولا يضار كاتب ولا شهيد}.
ومتى كثر الشهود ولم يخش على الحق أن يضيع كانت الشهادة في هذه الحالة مندوبة فإن تخلف عنها لغير عذر لم يأثم.
ومتى تعينت فانه يحرم أخذ الاجرة عليها إلا إذا تأذى بالمشي فله أجر ما يركبه، أما إذا لم تتعين فإنه يجوز أخذ الاجرة.

.شروط قبول الشهادة:

يشترط في قبول الشهادة الشروط الاتية:

.1- الإسلام:

فلا تجوز شهادة الكافر على المسلم إلا في الوصية أثناء السفر عند الإمام أبي حنيفة فإنه جوزها في هذه الحال هو وشريح وإبراهيم النخعي وهو قول الاوزاعي لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الاثمين فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين} وكذلك أجاز الأحناف شهادة الكفار بعضهم على بعض لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين بشهادة اليهود عليهما بالزني.
وعن الشعبي: أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء هذه ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة وأتيا الاشعري - هو أبو موسى - فأخبراه، وقدما بتركته ووصيته.
فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا، وانها لوصية الرجل وتركته فأمضى شهادتهما.
قال الخطابي فيه دليل على أن شهادة أهل الذمة مقبولة على وصية المسلم في السفر خاصة.
وقال أحمد: لا تقبل شهادتهم الا في مثل هذا الموضوع للضرورة. اهـ.
وقال الشافعي ومالك: لا تجوز شهادة الكافر على المسلم لا في الوصية أثناء السفر ولا في غيرها. والآية منسوخة عندهم.
شهادة الذمي للذمي: أما شهادة الذمي للذمي فهي موضع اختلاف عند الفقهاء.
قال الشافعي ومالك: لا تقبل شهادة الذمي لا على مسلم ولا على كافر.
قال أحمد: لا تجوز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض.
وقال الأحناف: شهادة بعضهم على بعض جائزة والكفر كله ملة واحدة.
وقال الشعبي وابن أبي ليلى واسحاق: شهادة اليهودي على اليهودي جائزة ولا تجوز على النصراني والمجوسي لأنها ملل مختلفة.
ولا تجوز شهادة أهل ملة على ملة أخرى.

.2- والعدالة:

صفة زائدة عن الإسلام ويجب توافرها في الشهود بحيث يغلب خيرهم شرهم، ولم يجرب عليهم اعتياد الكذب لقول الله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله}.
وقوله تعالى: {ممن ترضون من الشهداء}.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} وقول الرسول صلى الله عليه وسلم في رواية أبي داود: «لا تجوز شهادة خائن ولاخائنة ولازان ولازانية» فلا تقبل شهادة الفاسق ولا من اشتهر بالكذب أو بسوء الحال وفساد الاخلاق هذا هو المختار في معنى العدالة.
أما الفقهاء فقالوا: إنها مقيدة بالصلاح في الدين وبالاتصاف بالمروءة.
أما الصلاح في الدين فيتم بأداء الفرائض والنوافل واجتناب المحرمات والمكروهات وعدم ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة.
أما المروءة فهي أن يفعل الإنسان ما يزينه ويترك ما يشينه من الاقوال والافعال.
وهل تقبل شهادة الفاسق إذا تاب؟
اتفق الفقهاء على قبول شهادة الفاسق إذا تاب.
إلا أن الإمام أبا حنيفة قال: إذا كان فسقه بسبب القذف في حق الغير فإن شهادته لاتقبل، لقول الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون}.

.3، 4- البلوغ والعقل:

ولما كانت العدالة شرطا في قبول الشهادة فإن البلوغ والعقل شرط في العدالة.
فلا تقبل شهادة الصغير - ولو شهد على صبي مثله - ولا المجنون ولا المعتوه لأن شهادتهم لا تفيد اليقين الذي يحكم بمقتضاه.
وأجاز الإمام مالك شهادة الصبيان في الجراح ما لم يختلفوا ولم يتفرقوا كما أجازها عبد الله بن الزبير.
وكذلك عمل الصحابة وفقهاء المدينة بشهادة الصبيان على تجارح بعضهم بعضا، وهذا هو الراجح.
فإن الرجال لا يحضرون معهم في لعبهم، ولو لم تقبل شهادتهم وشهادة النساء منفردات لضاعت الحقوق وتعطلت وأهملت مع غلبة الظن أو القطع بصدقهم، ولاسيما إذا جاءوا مجتمعين قبل تفرقهم ورجوعهم إلى بيوتهم وتواطأوا على خبر واحد، وفرقوا وقت الاداء واتفقت كلمتهم، فان الظن الحاصل حينئذ من شهادتهم أقوى بكثير من الظن الحاصل من شهادة رجلين، وهذا مما لا يمكن دفعه وجحده، فلا نظن بالشريعة الكاملة، الفاضلة المنتظمة لمصالح العباد في المعاش والمعاد أنها تهمل مثل هذا الحق وتضيعه مع ظهور أدلته وقوتها، وتقبله مع الدليل الذي هو دون ذلك.

.5- الكلام:

ولا بد أن يكون الشاهد قادرا على الكلام، فإذا كان أخرس لايستطيع النطق فان شهادته لاتقبل، ولو كان يعبر بالاشارة وفهمت اشارته إلا إذا كتب الشهادة بخطه، وهذا عند أبي حنيفة وأحمد والصحيح من مذهب الشافعي.

.6- الحفظ والضبط:

فلا تقبل شهادة من عرف بسوء الحفظ وكثرة السهو والغلط لفقد الثقة بكلامه، ويلحق به المغفل ومن على شاكلته.

.7- نفي التهمة:

ولاتقبل شهادة المتهم بسبب المحبة أو العداوة.
وخالف في ذلك عمر بن الخطاب وشريح وعمر بن عبد العزيز والعترة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في أحد قوليه وقالوا: تقبل شهادة الولد لوالده والوالد لولده ما دام كل منهما عدلا مقبول الشهادة: أفاده الشوكاني وابن رشد. فلا تقبل شهادة العدو على عدوه إذا كانت العداوة بينهما عداوة دنيوية لوجود التهمة. أما إذا كانت العداوة دينية فإنها لا توجب التهمة لأن الدين ينهي عن شهادة الزور. فلا توجد التهمة في هذه الحالة. وكذلك لا تقبل شهادة الاصل كالولد يشهد الوالده وشهادة الفرع كالوالد يشهد لولده ولكن تجوز الشهادة عليهما. ومثل ذلك الأم تشهد لابنها والابن يشهد لامه.
والخادم الذي ينفق عليه صاحب البيت، فإن الشهادة في هذه الحال لا تقبل لوجود التهمة ولما روته السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاتقبل شهادة خائن ولا خائنة ولاذي غمر على أخيه المسلم. ولا شهادة الولد لوالده ولا شهادة الوالد لولده».
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولاذي غمر على أخيه ولا تجوز شهادة القانع لاهل البيت والقانع الذي ينفق عليه أهل البيت»، رواه أحمد وأبو داود قال في التلخيص لابن حجر: وسنده قوي.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل شهادة خصم على خصمه» اعتمد الشافعي هذا الخبر.
قال الحافظ: ليس له إسناد صحيح لكن له طرق يتقوى بعضها ببعض.
أفاده الشوكاني.
ويدخل في هذا الباب شهادة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها لأن الزوجية مظنة للتهمة إذ الغالب فيها المحاباة.
وفي بعض روايات الحديث: «لاتقبل شهادة المرأة لزوجها ولا شهادة الزوج لامرأته».
وأخذ بهذا مالك وأحمد وأبو حنيفة. وأجازها الشافعي وأبو ثور والحسن.
أما شهادة الاقرباء من غير هؤلاء كالاخ لاخيه فإنها تجوز.
وما ورد في بعض الأحاديث من عدم صحة شهادة القريب لقريبه فقد قال الترمذي: لايعرف هذا من حديث الزهري إلا من هذا الوجه ولا يصح عندنا إسناده وكذلك تجوز شهادة الصديق لصديقه.
وقال مالك: لاتقبل شهادة الاخ المنقطع إلى أخيه والصديق الملاطف.

.شهادة مجهول الحال:

والظاهر أن شهادة مجهول الحال غير مقبولة.
فقد شهد عند عمر رضي الله عنه رجل فقال له عمر: - لست أعرفك، ولا يضرك أن لا أعرفك، ائت بمن يعرفك فقال رجل من القوم: أنا أعرفه.
قال: بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل.
قال: هو جارك الادنى الذي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قال: لا.
قال: فعاملته بالدينار والدرهم اللذين يستدل بهما على الورع؟ قال: لا.
قال: فرافقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الاخلاق؟ قال: لا.
قال: لست تعرفه.
ثم قال للرجل: ائت بمن يعرفك.
قال ابن كثير رواه البغوي بإسناد حسن.

.شهادة البدوي:

ذهب أحمد وجماعة من أصحابه وأبو عبيد وفي رواية عن مالك إلى عدم قبول شهادة البدوي على القروي لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية». روه أبو داود وابن ماجه. ورجال إسناده احتج بهم مسلم في صحيحه.
والبدوي هو ساكن البادية الذي يرتحل من مكان إلى مكان. والقروي الحضري الذي يسكن القرية وهي المصر الجامع. والمنع من شهادته من أجل جفائه وجهله وقلة شهوده ما يقع في المصر فلا تكون شهادته موضع الثقة. والصحيح جواز شهادته إذا كان عدلا مرضيا وهو من رجالنا وأهل ديننا، والعمومات في القرآن الدالة على قبول شهادة العدول تسوي بين البدوي والقروي. وكونه بدويا ككونه من بلد آخر.
وإلى هذا ذهب الشافعي وجمهور الفقهاء.
وأما الحديث المتقدم فيحمل على الجاهل ولا يشمل كل بدوي بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل شهادة البدوي في ثبوت الهلال.

.شهادة الأعمى:

شهادة الاعمى جائزة عند مالك وأحمد فيما طريقه السماع إذا عرف الصوت، فتجوز شهادته في النكاح والطلاق والبيع والاجارة والنسب والوقف والملك المطلق والاقرار ونحو ذلك، سواء كان تحمله وهو أعمى أو كان بصيرا أثناء التحمل ثم عمي.
قال ابن القاسم: قلت لمالك: فالرجل يسمع جاره من وراء الحائط - ولا يراه - يسمعه يطلق امرأته فيشهد عليه وقد عرف الصوت.
قال مالك: شهادته جائزة.
وقالت الشافعية: لا تقبل شهادة الاعمى إلا في خمسة مواضع: النسب، والموت، والملك المطلق والترجمة وعلى المضبوط وما تحمله قبل العمى.
وقال أبو حنيفة: لاتقبل شهادته أصلا.