فصل: المبحث الثالث: إستراتيجية إسرائيل في الثمانينات والتسعينات من خلال تقرير المنظمة الصهيونية العالمية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قراءة في فكر علماء الإستراتيجية (نسخة منقحة)



.المبحث الثالث: إستراتيجية إسرائيل في الثمانينات والتسعينات من خلال تقرير المنظمة الصهيونية العالمية:

المفكر الفرنسي جارودي يعرض الإستراتيجية الإسرائيلية في الثمانينات والتسعينات من خلال: تقرير صادر عن المنظمة الصهيونية العالمية.
التقرير يكشف الأساليب التي تنوى إسرائيل اتباعها، من أجل التدخل المنظم ضد أنظمة الحكم في جميع البلدان العربية، بغية تفتيتها، وذلك بتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية. التقرير يذكر أن حلم إسرائيل الكبرى يستلزم: استعادة سيناء بثرواتها، وأنه من السهل أن يتم ذلك في 24 ساعة، وأن أسطورة مصر زعيمة العالم العربي قد ماتت.
التقرير يكشف هدف الصهاينة وهو: تقسيم مصر (*) والسودان وليبيا والسعودية وبقية العالم العربي إلى أقاليم جغرافية متباينة.
المفكو الفرنسي يؤكد أن التعاون وثيق بين الجيش الإسرائيلي والجيش الأمريكي، وأن أمريكا تدعم الإستراتيجية الإسرائيلية.
لقد نشرت مجلة كيفونيم الإسرائيلية مقالاً للمنظمة الصهيونية العالمية بالقدس تحت عنوان الخطط الإستراتيجية لإسرائيل في الثمانينات، جاء فيه عرض لإستراتيجية إسرائيل في الثمانينات والتسعينات ويعلق جارودي علي هذا التقوير بقوله: وفي هذا النص كشف واضح للأساليب التي تنوى إسرائيل اتباعها، من أجل التدخل المنظم والعام ضد أنظمة الحكم في جميع البلدان العربية، بغية تفتيتها، مما يتجاوز نطاق كل الاعتداءات السابقة.
ومما ورد في التقرير يتضح أن هذا المشروع الصهيوني لا يتعلق فقط بجزء محدود من العالم، ولكنه يهدد الشعوب جميعاً، والنص الذي نستشهد به يدل على أن زعماء الصهيونية ينوون تنفيذه، وهذه التطلعات الاستعلائية النابعة من جنون العظمة خطيرة جداً؟ لأنه قد اتضح وثبت حتى الآن أن دولة إسرائيل تنفذ ما سبق أن أعلنت عزمها على السير فيه.
وسنعرض فيما يلي فقرات أخرى ذات دلالة هامة وردت في ذلك المقال الصادر عن المنظمة الصهيونية، والذي يكشف عن آفاق المستقبل بالنسبة للحلم المغرق في القدم، حلم إسرائيل الكبرى: ومن هذه الفقرات:
استعادة سيناء بثرواتها هدف ذو أولوية، ولكن اتفاقات كامب ديفيد تحول الآن بيننا وبين ذلك... لقد حرمنا من البترول وعائداته، واضطررنا للتضحية بأموال كثيرة في هذا المجال، ويتحتم علينا الآن استرجاع الوضع الذي كان سائداً في سيناء قبل زيارة السادات المشؤومة، وقبل الاتفاقية التي وقعت معه في 1979.
الوضع الاقتصادي في مصر، وطبيعة النظام الموجود بها، وسياستها العربية كل هذا سيؤدى إلى مجموعة ظروف تدفع بإسرائيل إلى التدخل.. فمصر، بسبب نزاعاتها الداخلية، لم تعد تشكل بالنسبة إلينا مشكلة إستراتيجية، ومن السهل أن نجعلها تعود خلال 24 ساعة إلى الوضع الذي كانت عليه بعد حرب يونيو 1967، لقد ماتت أسطورة مصر- زعيمة العالم العربي- وفقدت مصر 50% من قدرتها، وسنستطيع بعد أجل قصير أن نستفيد من استرجاع سيناء، ولكن ذلك لن يغير من ميزان القوى، ومصر كبناء موحد أصبحت جثة هامدة، وبخاصة إذا أخذنا في الاعتبار المجابهة المتزايدة والمتصاعدة بين المسلمين والمسيحيين بها ويجب أن يكون هدفنا هو تقسيمها إلى أقاليم جغرافية متباينة في التسعينات، على الجبهة الغربية، فإذا ما تمت تجزئة مصر، وإذا فقدت سلطتها المركزية، فلن تلبث بلدان مثل: ليبيا والسودان، وبلدان أخرى أن يصيبها التحلل.
ويعتبر تشكيل حكومة قبطية في صعيد مصر، وإقامة كيانات صغيرة إقليمية، هو مفتاح الحل لتطور تاريخي يؤخره حاليا اتفاق السلام، ولكنه تطور آت لا محالة على الأجل الطويل.
ومشكلات الجبهة الشرقية أكثر وأشد تعقيدا من مشكلات الجبهة الغربية، وهذا على عكس ما يبدو في الظاهر، وتقسيم لبنان إلى خمسة أقاليم.. يوضح ما سيحدث في البلدان العربية كلها، وتفتيت العراق وسوريا إلى مناطق تحدد على أساس عنصري أو ديني، يجب أن يكون هدفاً ذا أولوية بالنسبة إلينا، على الأجل الطويل، وأول خطوة لتحقيق ذلك هي تدمير القوة العسكرية لتلك الدول العراق وسوريا.
والتشكيل السكاني لسوريا يعرضها لتمزق قد يؤدى إلى إنشاء دولة شيعية على طول الساحل، ودولة سنية في منطقة حلب، وأخرى في دمشق، وإنشاء كيان درزي قد يرغب في تشكيل دولته الخاصة به على أرض الجولان التابعة لنا، تضم الحوران وشمال المملكة الأردنية.. ومثل هذه الدولة ستكون على المدى الطويل ضماناً للأمن والسلام في المنطقة، وهذا الهدف في متناولنا فعلاً تحقيقه.
وأما العراق فهي غنية بالبترول، وفريسة لصراعات داخلية، وسيكون تفككها أهم بالنسبة لنا من تفكيك سوريا؟ لأن العراق يمثل على الأجل القصير أخطر تهديد لإسرائيل، وقيام حرب سورية عراقية، سيساعد على تحطيم العراق داخليا، قبل أن يصبح قادراً على الانطلاق في نزاع كبير ضدنا، وكل نزاع داخلى عربي سيكون في صالحنا، وسيساعد على تفكك العرب... وربما ساعدت الحرب العراقية الإيرانية على ذلك الانحلال والضعف في صفوف العرب.
وشبه الجزيرة العربية بأسرها، مهيأة لهذا اللون من التحلل تحت ضغوط داخلية وهذا صحيح بالنسبة للسعودية بصفة خاصة؟ لأن اشتداد الصراعات الداخلية، وسقوط النظام يتمشيان مع منطق التركيبات السياسية الحالية فيها.
والأردن هدف إستراتيجي في التو واللحظة، ولن يشكل أي خطر لنا على الأجل الطويل، بعد تفككه ونهاية حكم الملك حسين، وانتقال السلطة إلى أيدي الأغلبية الفلسطينية، وذلك أمر يجب أن يسترعى انتباه السياسة الإسرائيلية، فمعنى هذا التغير هو حل مشكلة الضفة الغربية ذات الكثافة السكانية العربية الكبيرة... فهجرة هؤلاء شرقاً- إما بالسلم أو بالحرب- وتجميد نموهم الاقتصادي والسكاني، هي الضمانات الأكيدة للتحولات المقبلة، وعلينا أن نبذل قصارى جهدنا للإسراع بتلك العملية وينبغي رفض خطة الحكم الذاتي، وأية خطوة أخرى تتضمن حلاً وسطا أو تعايشا، وتصبح بالتالي عقبة في سبيل فصل الأمتين.
ويجب أن يفهم العرب الإسرائيليون- أي الفلسطينيون- أنه لا يمكن أن يكون لهم وطن إلا في الأردن... ولن يعرفوا الأمن إلا بالاعتراف بالسيادة اليهودية على كل ما يقع بين البحر ونهر الأردن... ولم يعد ممكناً- ونحن على مشارف العهد النووي- أن نرضى بوجود ثلاثة أرباع السكان اليهود مركزين في ساحل مزدحم بالسكان ازدحاماً كبيرا. وتوزيع هؤلاء السكان هو من أول واجباتنا في سياستنا الداخلية. فيهودا والسامرة والجليل، هي الضمانات الوحيدة لبقائنا على قيد الحياة كأمة، وإذا لم تصبح لنا الأغلبية في المناطق الجبلية فسيكون مصيرنا كمصير الصليبيين الذين فقدوا هذه البلاد.
وينبغي أن نعمل على إعادة التوازن إلى المنطقة في المستويات السكانية والإستراتيجية والاقتصادية، وأن يكون ذلك على رأس ما نصبو إليه. ويتضمن هذا الأمر الإشراف على الموارد المائية بالمنطقة، من بئر سبع إلى الجليل العليا، وهى منطقة خالية من اليهود تقريباً اليوم.
وما تنوى السياسة العنصرية الاستعمارية الصهيونية عمله، بعد طرد العرب الفلسطينيين واغتصاب أراضيهم، واتباع سياسة القمع معهم، وبعد سلسلة من الحروب العدوانية في الشرق الأدنى، هو أن تحطم كل الدول العربية، مما يشكل خطراً على سلام العالم.
وقد يبدو عجيبا أن يستطيع بلد ضيق المساحة، قليل السكان، أن يلعب مثل هذا الدور في السياسة العالمية. ولكي نفهم الأمر لا يكفى أن نذكر موقع إسرائيل الإستراتيجي، رغم أهميته عند ملتقى القارات الثلاث، وقد أصاب حاييم وايزمان حينما لوح لمحادثيه البريطانيين بأن فلسطين اليهودية ستكون ضماناً لبريطانيا، وبخاصة فيما يتعلق بقناة السويس. وإذا كان الوضع قد تغير الآن فلم تعد إسرائيل تعمل لحساب بريطانيا، فإنها بعد تغير السيطرات في العالم، أصبحت تعمل لحساب الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح دور إسرائيل كشرطي في الشرق الأوسط أشد إلحاحاً بالنسبة للولايات المتحدة منذ سقوط الشاه، وزوال قواعدها في إيران. يمكن إذن لإسرائيل وحدها أن تشرف لا على قناة السويس فحسب، ولكن على المنطقة البترولية، وأن تقدم قواعد في منطقة البحر المتوسط الشرقي، ولم تعد الولايات المتحدة قادرة على أن تؤدى هذا الدور بنفسها؟ لأن تجربة فيتنام قد تركت أثرها في أمريكا، فيما يتعلق بالتدخل المباشر في دول العالم الثالث فهي إذن تقوم بمهامها عن طريق وسيط هو إسرائيل، وتقدم لها عوناً غير مشروط وغير محدود، وأصبح الوضع بالنسبة لها أيسر وأفضل، ومن الممكن أن توافق أمريكا من وقت إلى آخر على إدانة شفهية لإسرائيل، ولكنها تحميها بواسطة حق الاعتراض- الفيتو- من كل عقوبة حقيقية قد تعوق عملها، كما أنها تقدم لها كل ما يلزمها من مال وسلاح، لمساعدتها على القيام بهذه المهام الحيوية، والحفاظ على مركز الولايات المتحدة في التوازن العالمي.
ومما يسترعى النظر حقا أن الولايات المتحدة تقدم لإسرائيل أحدث الأسلحة. وقد جاء في جريدة انترناشيونال هرالدتربيون، عدد 22 يوليو 1982، أن الحكومة الإسرائيلية أنفقت خلال ذلك العام خمسة مليار دولار ونصف على التسلح، وثلث هذا المبلغ تدفعه الخزانة الأمريكية وكل التجهيزات الحربية تقريبا في الجيش الإسرائيلي قد تم الحصول عليها، بموجب برنامج المساعدة العسكرية الأمريكية للخارج، وحصلت إسرائيل وحدها على 15 مليار من 28 مليار دولار وزعت على العالم بأسره منذ 1951، ومن بين إلى 567 طائرة التي كانت لدى إسرائيل عشية الغزوة اللبنانية، كان منها 457 طائرة اشتريت من الولايات المتحدة بقروض مقدمة من واشنطن، ولم يحدث أي تأجيل في تسليم السلاح الأمريكي إلى إسرائيل، باستثناء القنابل الانشطارية، وقد أصبح الإسرائيليون اليوم قادرين على صنعها، ووفقا لما تقوله وزارة الدفاع بأمريكا، بل وأقوال الإسرائيليين أنفسهم، فإن الخمس عشرة طائرة إف 15، ستسلم في مواعيدها، وكذلك الصواريخ الموجهة عن بعد، والشاحنات، ب والعربات المصفحة الأخرى.
والتعاون الوثيق بين الجيشين الأمريكي والإسرائيلي، وبين صناعة السلاح في البلدين، يجعل أي مشروع لاتخاذ عقوبات ضد إسرائيل أمراً غير مرغوب، وتصل للبنتاجون معلومات مفصلة من إسرائيل بشأن أنواع الأداء لمختلف أنواع الأسلحة، والتي لم تستخدم بعد- في بعض الأحيان- في الجيش الأمريكي ذاته، وسيحدث نفس الشيء بالنسبة لطائرة الاستطلاع عين الصقر التي استخدمت فعلاً لرصد أهداف بعيدة بسوريا، في المرحلة الأولى من حرب لبنان، وهكذا يستطيع الجيش الأمريكي تجربة أسلحته المتقدمة، تجربة حقيقية في جيش إسرائيلي أكثر فعالية بكثير من أي قوة أمريكية ترسل لمثل تلك الأغراض....
(دور جنوب إفريقيا في التحالف الصهيوني):
وقد عالج جارودي هذا بقوله: ومن الناحية الجغرافية- السياسية كما كان يقول الهتلريون- تستطيع جنوب إفريقيا وحدها وهى المشرفة على الطريق الآخر نحو آسيا- رأس الرجاء- وتمارس ضغطاً على إفريقيا، أن تؤدى خدمات مماثلة للولايات المتحدة الأمريكية، ولو أن تلك الخدمات أقل جداً من خدمات إسرائيل....
وهذا التكامل بين إسرائيل وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى القرابة بين نظامين عنصريين، وإلى تماثل في أوضاع البلدين- فكل منهم في صراع مع الشعوب المحلية: جنوب إفريقيا ضد العالم الأسود، وإسرائيل ضد العالم العربي- يؤدى إلى تضامن وثيق بين البلدين.
وفى عام 1967، حددت مجلة الشؤون اليهودية ذلك التكامل الإستراتيجي، فقالت: تعتبر جنوب إفريقيا أن الشرق الأوسط- حيث تقوم إسرائيل بمهمة حارس بسيط، ولكن لا يمكن أن يوجد له بديل- هو الخط الأمامي لدفاعها، وبعبارة أخرى: تحمى إسرائيل وستحمى أطول وقت ممكن مدخل الممر الذي قد يصبح أكبر طريق يعبره المعتدون... ومستقبل الممر بين البحر المتوسط والمحيط الهندي أمر بالغ الأهمية لإسرائيل، وكذلك بالنسبة لجنوب إفريقيا، ولطريق رأس الرجاء الصالح نفس الأهمية، ولو وقعت هذه المنطقة في أيد معادية، فسيصبح الطريق البحري لرأس الرجاء في خطر، وتصبح مشاكل الأمن بالنسبة لجنوب إفريقيا عسيرة جداً. وبالنسبة لإسرائيل يعتبر وجود دولة- في أقصى الطرف الجنوبي لإفريقيا- يقظة وقوية اقتصادياً عاملاً أساسياً لإستراتيجية فعالة تؤمن خطوطها الخلفية.
وهذه العلاقة الوثيقة بين جنوب إفريقيا وإسرائيل لا تظهر فقط في زيارات هامة مثل رحلة فورستر إلى إسرائيل في 1976، ولكنها تظهر أيضا في التعاون الوثيق في المجالات العسكرية والتجارية والثقافية. ومما هو جدير بالذكر بمناسبة زيارة رئيس الوزراء فورستر لإسرائيل، فإن هذا الرجل كان برتبة جنرال أثناء الحرب في منظمة مناصرة للنازي- تدعى أوساوا براندواج- وقد كتبت الصحيفة الإسرائيلية ها آرتس في عدد 26 أبريل 1976 بمناسبة تلك الزيارة، فقالت: لقد كنا دائماً ننقب في ماضي أفراد أقل أهمية من فورستر، لنعلم ماذا كان تصرفهم أثناء الحرب العالمية الثانية، فكيف نغض الطرف الآن عن ماضي فورستر؟ هل لأن المصلحة القومية لإسرائيل أهم من ذكرى ستة ملايين (*) من ضحايا المذبحة النازية؟.
ومنذ المباحثات الأولى 1975 بين شيمون بيريز وبوتا وزير دفاع جنوب إفريقيا، ازدادت العلاقات بين البلدين توثيقاً. وتتخذ الشركات التابعة لجنوب إفريقيا من إسرائيل سبيلاً للتخلص من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من بقية العالم، ويتيح الاتفاق- المبرم بين السوق المشتركة وإسرائيل- لجنوب إفريقيا أن تدخل منتجاتها لبلدان السوق المشتركة عن طريق إسرائيل....
ولكن بالإضافة إلى كل العلاقات بين البلدين، تعتبر العلاقات العسكرية بينهما أساس الصداقة بين البلدين.
وتعانى جنوب إفريقيا- بسبب الحظر على الأسلحة- من الحصول على أسلحة حديثة، وإسرائيل من البلدان القليلة التي تمدها بذلك النوع من السلاح، كما أنها تفيدها بتجاربها التي اكتسبتها من حربها ضد العرب... وفي السنوات الأخيرة ازداد التشابه بين البلدين، والتماثل في كثير من الأمور حتى قيل: إن النظامين متشابهان تماماً.
وقد أرسل رئيس المؤتمر اليهودي خطاباً إلى أمين عام الأمم المتحدة في 1976، قال فيه: إنه لاحظ- مع الأسف- أن إسرائيل مدرجة بين البلدان التي تقدم السلاح إلى جنوب إفريقيا.
و العملة الصعبة المتوفرة لدى جنوب إفريقيا هو عنصر الأورانيوم، وهو مطمع ترنو إليه إسرائيل، وقد كان لديها في نوفمبر 1976 ترسانة ذرية تحوى من 13 إلى 20 قنبلة من طراز قنبلة هيروشيما.
ولقد شدد شلومو أهارونسون على ضرورة إعادة النظر في الوضع الإستراتيجي- السياسي الإسرائيلي، وأضاف قائلاً: السلاح الذرى الذي هو أحد الوسائل التي يمكن أن تقلب آمال العرب من نصر نهائي على إسرائيل.. فوجود عدد كاف من القنابل الذرية يمكن أن يسبب خسائر فادحة في كل العواصم العربية، وأن يدمر خزان أسوان... ولو أن لدينا عددا أكبر من القنابل الذرية لاستطعنا أن نصيب المدن العربية المتوسطة والمنشآت البترولية... وفي العالم العربي حوالي مائة هدف، لو دمرت لفقد العرب كل المزايا التي جنوها من حرب الغفران....
جارودي يتساءل ويجيب كيف استطاعت دولة إسرائيل الصهيونية أن تحصل على مثل هذه الأهمية في الإستراتيجية الكلية للدول الكبرى، بحيث تستطيع اليوم أن تعرض السلام العالمي للخطر؟
سبق أن قال هرتزل في كتابه الدولة اليهودية ما يلي: إننا هنا في فلسطين ونعتبر بالنسبة إلى أوربا الحارس ضد البربرية، ولكن منذ ذلك الحين تغير الوضع، ولم تعد دولة إسرائيل وكيلة الاستعمار الغربي فحسب، ولكنها صارت بالنسبة للولايات المتحدة بصفة خاصة سلاحاً قويا تستخدمه على الصعيد العالمي.
ويعرف الزعماء الصهيونيون كيف يستفيدون بكل مهارة من هذا الوضع، وفي المقال الذي نشرته مجلة كيفونيم، وسبقت الإشارة إليه، يستخدم الزعماء الصهيونيون الموضوعات الكبرى في الحرب الباردة: كمحاولة الاتحاد السوفيتي تحقيق أحد أهدافه الكبرى بهزيمة الغرب، عن طريق الاستيلاء على الموارد الضخمة في الخليج الفارسي، وفي جنوب إفريقيا، حيث تتركز أغلب الموارد المعدنية العالمية.
وهذا الاستغلال للعداء للشيوعية في مستوى رجل مثل مناحم بيجن هو من الأشياء المميزة للصهيونية السياسية. وهى تستطيع- دون أن تغير جوهرها- التعبير بطريقة أدق من خلال رجل مثل شيمون بيريز الذي يقدم السم في الدسم. وإحلال بيريز محل بيجن هو أمل من آمال ريجان، الذي ينوى متابعة نفس السياسة، ولكن في صورة أقل بشاعة.
لم تجد وقاحات بيجن وغطرسته شيئا، فاعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة اعتماد تام في النواحي المالية والعسكرية.
بعد إعلان إسرائيل ضمها للجولان رداً على بعض مآخذ شفهية لحكومة ريجان، أرسل بيجن إلى سفير الولايات المتحدة مذكرة جاء فيها:، (مرة أخرى تعلنون عن نيتكم في معاقبة إسرائيل... فما معنى هذه العبارة، هل إسرائيل بلد تابع لأمريكا؟ هل نحن من جمهوريات البلدان منتجة الموز؟.
وليس لهذه الوقاحة من جانب بيجن أي خطر على إسرائيل؟ لأن السياسة الصهيونية الإسرائيلية مطابقة تماماً لأهداف الولايات المتحدة العالمية، ولها دور فيها لا يمكن لغيرها أن يؤديه؟ بحيث إن إسرائيل كلي ثقة لن يصيبها أذى، ولهذا فهي تقول ما تشاء، ومالية إسرائيل تكشف لنا عن طبيعة هذه الدولة.
وإذا أخذنا في الحسبان المعونة الأمريكية وحدها، نجد أنه في الفترة من 1945 إلى 1967 أعطت الولايات المتحدة لكل إسرائيلي 435 دولاراً، ولكل عربي 36 دولاراً... وأهم ما في هذه المعونة السنوية هو كميات الأسلحة المقدمة إلى إسرائيل، والتي أراد الكونجرس أن يخفى ضخامتها، وأن يتجنب نقد الجماهير لها، فقرر أسلوب تمويل خاص بها، كما ورد في قرار الإشراف على تصدير السلاح، عام 1976.
وهكذا تم في عام 1980 المالي، بيع أسلحة لإسرائيل تقدر ثمنها بمليار دولار، وفور تسليم الصفقة تقرر حذف 500 مليون دولار، وأضيف الـ 500 مليون دولار الأخرى إلى دين إسرائيل لحكومة أمريكا. وهذا الدين يتمتع بفترات سماح تمتد إلى أكثر من 10 سنوات.
وأكثر من هذا، فإنه نظراً للوضع الاقتصادي المتدهور دائماً في إسرائيل منذ 1973.
فإن هذه التسديدات لا تتم، لأنها تعوض فوراً بمعونة سنوية جديدة مضافة من جانب الولايات المتحدة.
وحتى قبيل العدوان الإسرائيلي في عام 1956، كان السلاح المقدم من أمريكا يمثل كمية ضخمة، ولقد كتب الصهيوني ميشيل بار زوهار: ابتداء من شهر يونيو، بدأت تنهال على إسرائيل كميات ضخمة من الأسلحة بموجب اتفاق سرى جداً، وهذه الكميات لن تعرف في واشنطن ولا في الهيئة الإنجليزية الفرنسية المكلفة برقابة تعادل القوى في الشرق الأوسط، لن تعرفها كذلك الخارجية الفرنسية التي تعارض التقارب مع إسرائيل، لأنه قد يعرض للخطر ما بقى من علاقات بين فرنسا وعملائها العرب.
وتزداد هذه المعونة بسبب العقود من الباطن، وبخاصة في مجال الطيران- على سبيل المثال، تحصل مؤسسة صناعة الطيران في إسرائيل على عقود لصناعة أجزاء من طائرات إف-4 إف- 15.
وأخيراً تشمل المعونة الاقتصادية تيسيرات تمنح للصادرات الإسرائيلية للولايات المتحدة الأمريكية وتتمتع بالأفضلية الجمركية التي تمنح للبلدان النامية، مما يتيح لإسرائيل أن تحصل على إعفاءات جمركية تصل 96% من صادراتها إلى أمريكا، وهكذا تتلاشى كثير من الأساطير، وأولها وأخطرها أسطورة إسرائيل الصغيرة الضعيفة، إسرائيل التي تتعرض بصفة مستمرة إلى خطر عارم، من جانب الدول العربية، إسرائيل التي فرض عليها القتال، من أجل بقائها على قيد الحياة على حين أنها تملك- بفضل الولايات المتحدة- إمكانات تعطيها القدرة على أن تبلغ خلال 48 ساعة دمشق، أو بغداد، أو عمان، أو القاهرة كما بلغت بيروت. تلك أسطورة إسرائيل المعرضة للخطر والتدمير، بينما هي مصدر الخطر الدائم على جميع جيرانها.
الدولة الصهيونية بإسرائيل، تجثم بكل الثقل الأمريكي على صدر منطقة الشرق الأوسط، التي تتلاقى فيها القارات الثلاث. ا. هـ.
تعليق:
يمكن أن نقول اليوم (أكتوبر 1998) وقطعت جهيزة قول كل خطيب فهل أفقنا؟ هل وعينا؟ أم على قلوب أقفالها؟
أسطورة الملايين الستة الهولوكوست:
تحت عنوان: أسطورة الملايين الستة (الهولوكوست)، كتب جارودي:
إن الهدف من هذه الأسطورة التبرير الأيديولوجي لإنشاء دولة إسرائيل، وقد علق على ذلك الناشر حمدان جعفر رحمه الله في كتاب الأساطير، الطبعة الثانية، فقال: يذكر المفكر الفرنسي روجيه جارودي في كتابه ماركسية القرن العشرين أن الأساطير نوعان: أساطير مغلقة، وأخرى مفتوحة، وهذه الأخيرة وحدها هي الأساطير الحقيقية.. فهل كان جارودي يتنبأ بأنه سوف يأتي يوم يتناول فيه أشد الأساطير انغلاقا، وهى المتعلقة بأسطورة الصهيونية، وأسطورة إنشاء دولة إسرائيل، وأسطورة تعرض اليهود للاضطهاد من قبل ألمانيا النازية؟ وهل كان يتنبأ أن تجنى عليه الأسطورة الإسرائيلية المغلقة، وهو يتناول هذا الموضوع الشائك في كتابه الحالي الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية؟.
يُعرف جارودي الأسطورة بمعناها الحقيقي بأنها دعوة لكي نتجاوز حدودنا. ويبدو أنه عندما تناول أشد الأساطير انغلاقا بالنسبة للزعم القائل: إن ألمانيا في عهد هتلر قد أبادت وأحرقت ستة ملايين يهودي قد فتح عليه نار الجحيم، ففي فرنسا وعاصمتها باريس مدينة النور يوجد قانون يعرف باسم قانون (جيشو) صادر عام 1990، وهو يقضى بالسجن على كل من يشكك في رقم الستة ملايين يهودي الذين يقال: إن هتلر وأعوانه قد أبادهم.
لقد اتهمه اللوبي اليهودي في فرنسا بأنه معاد للسامية، وتطرفوا في هذا الصدد حتى إنه لم يتمكن من طبع كتابه إلا على نفقته الخاصة، وهو الذي كانت كبريات دور النشر الفرنسية تتسابق على نشر مؤلفاته، وجارودي في كتابه الحالي يعد التطرف المرض الفتاك للإنسانية في نهاية القرن العشرين.
والنقطة الشائكة في كتابه، هي تشكيكه في أن هتلر أباد بالفعل ستة ملايين يهودي، واللوبي الصهيوني يرفض التشكيك في هذا، حتى يضمن للصهيونية أن تدعو لإنشاء دولة إسرائيل، وتحل الأسطورة السياسية العرقية محل الأسطورة الدينية. وهو يرسم مقارنة بين تضخيم اليهود لرقم إبادتهم في الحرب العالمية الثانية وبين الإبادات الفعلية لغيرهم من الأجناس، ويقول: إذا كان الصهاينة بتضخيم الرقم يصفون هذه الإبادة بأنها أكبر عملية إبادة جماعية، فقد نسى هؤلاء أن هناك ستين مليون هندي أمريكي تعرضوا للإبادة، وأكثر من مائة مليون من السود الأفارقة تعرضوا للقتل من جزاء تجارة الرق، كما أن هناك 17 مليون من السلاف قتلوا في الحرب العالمية الثانية، وأوضح جارودي هدفه من كتابه بأنه يريد فضح هذه الخدعة الأيديولوجية التي تم تخليقها للتمويه، وأن اللوبي الصهيوني هو الذي صنع هذه الأسطورة المزيفة، خاصة أن معسكرات الاعتقال النازية كانت تضم بجانب اليهود البولنديين والسوفيت، وأن الوفيات التي حدثت فمن جرّاء سوء التغذية.
ويقول جارودي: (إنه لا توجد وثائق يقينية بأنه تمت إبادة ستة ملايين يهودي في معسكرات الإبادة والاعتقال أيام حكم النازيين في ألمانيا).
والمؤلف يسأل الصهاينة في كتابه: هل تعلمت إسرائيل من المحارق النازية ما كان يجب أن تتعلمه؟ ويرد جارودي بقوله: إن إسرائيل لم تتعلم إلا شهوة الانتقام وإعادة إنتاج الآلام وحرق بيوت الأطفال والشيوخ في البلاد العربية.
ويتسأل المؤلف: من أين جاء رقم الستة ملايين يهودي الذين يقال: إنه قد تم حرقهم؟ ويجيب بتساؤل آخر: كيف يمكن أن نؤكد أن الذين ألقى بهم هتلر في الأفران هم يهود فقط؟ أو هم من جميع الشعوب؟ بل هل يوجد أحد يستطيع أن يؤكد أن الذين ألقى بهم هتلر في المحرقة كانوا أحياء أو موتى؟
ويفضح جارودي هذه الأسطورة العنصرية، التي يروج لها الصهاينة، لتبرير إقامة وطن لليهود في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني، وهو يستند إلى شهادات. أشخاص لا يمكن الشك فيهم. فالمخرج سبيلبرج الذي أنتج فيلم قائمة شيندلر عن المحارق ضد اليهود، أعلنت زوجته إميلى أن زوجها لم يكن بطلاً قد ساعد عدداً من اليهود للفرار من معسكرات الإبادة، وقالت: إن زوجها كان يتاجر باليهود مقابل وعدهم بالتهريب من ألمانيا، وكان يتركهم جوعى يعانون من البرد في المرافىء وبهذا كان زوجها تاجر شنطة يستفيد من هذه التجارة الآدمية.
بل لقد أبرز جارودي التواطؤ بين اليهود والنازية ويستند جارودي إلى ما كتبه توم سيجيف في كتابه المليون السابع عندما قال: لم يكن إنقاذ حياة يهود أوربا على رأس أولويات طبقة زعماء الحركة الصهيونية، فالأهمية الكبرى كانت العمل على تأسيس دولة. ويوضح جارودي كيف التقى هذا الهدف العنصري مع الفكر العنصري النازي، الذي يقوم على أساس نقاء الدم، وكان الهدف هو النقل الجماعي لليهود إلى فلسطين لإنشاء دولة إسرائيل.
ويوضح جارودي كيف تتم عملية التزييف للوثائق، فقد استندت محكمة نورمبرج التي أنشئت لمحاكمة مجرمي الحرب من النازيين، على شهادة على شكل تقرير كتبته فتاة يهودية كانت من ضمن المعتقلات في المعسكرات الألمانية، وأصدرت كتاباً بعنوان: يوميات آن فرانك، وتحدثت فيه عن غرف الغاز لحرق اليهود. ويقول جارودي: إن مخطوطة الكتاب قد كتبت بقلم جاف وهو قلم لم يكن معروفاً قبل عام 1951، في حين أن هذه الفتاة آن فرانك قد ماتت عام 1945.
ويشكك جارودي في معنى تعبير- الحل النهائي- اليهود في ألمانيا، فالمؤرخون المغرضون فسروا التعبير على أن المقصود به إبادة اليهود وحرقهم، فالحل النهائي قد يعنى ترحيل اليهود لا حرق اليهود. ويؤكد جارودي، أنه لم يجد أبداً تعبير الحل النهائي للمسألة اليهودية في أي مستند رسمي وقعه هتلر، وأضاف موضحاً أن هذا التعبير هو اختراع جديد أضيف وألصق بالنازية لتبرير النزعة الصهيونية الداعية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
هذا هو جارودي: إنه دون كيشوت جديد في القرن العشرين يحارب طواحين الهواء والأشباح والخرافات والأساطير العنصرية الضيقة الأفق، لكي تتأسس دولة إسرائيل على حساب الحق العربي، فهذه الأسطورة تستند إلى قول قديم: إن الله قد وعد اليهود بالأرض الموعودة، ويسخر جارودي من هذه الدعوة التي تصور الله وكأنه قد منحهم عقداً موقعاً بالملكية.
ومن هنا جاءت الحملة من اللوبي الصهيوني ضد جارودي، لأنه تجرأ أو مد يده في عش الزنابير. وقد تعرض للهجوم مع جارودي الأب بيار، وهو من كبار رجالات الدين المسيحي الذي كل جريمته أنه طالب بمناقشة المؤرخين.
فماذا يفعل جارودي إزاء هذه الحملة الشعواء ضده حتى في مدينة النور باريس؟ إنه لم يملك إلا الصمت، فهو يدرك أن الصهيونية تستريح للأكذوبة التي روجتها عن المحارق النازية، حتى تروج لبضاعتها بإنشاء دولة إسرائيل، وهى دولة يقول عنها جارودي: إنها بعد أكثر من مرور خمسة وأربعين عاماً لا تزال دولة بلا دستور، بلا حدود ثابتة، وبلا تسمية محددة، وهى تتأرجح في تسمية نفسها ما بين دولة إسرائيل وكيان إسرائيل ودولة المعاد.
فهل الحملة على جارودي بهذه الضراوة لأنه فضح الأساطير العنصرية الإسرائيلية فقط؟
أم يضاف إلى هذا أنه مفكر أشهر إسلامه، وجاء فضحه للوبي العنصري دعامة للعرب؟ لقد جمع جارودي بين منظورين: المنظور الإسلامي الذي ينادى بالحق وبالحقيقة، والمنظور العلمي الذي ينادى بصدق ويقينية الوثائق التاريخية، حتى لا نحيا وسط أساطير هي من عمل صناع الأساطير السياسية بهدف عنصري.