فصل: فصل: ومن الصفات التي نفاها الله تعالى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


فصل‏:‏ ومن الصفات التي نفاها الله تعالى

عن نفسه‏:‏ الموت‏.‏‏.‏ والجهل‏.‏‏.‏ والنسيان‏.‏‏.‏ والعجز‏.‏‏.‏ والسنة‏.‏‏.‏ والنوم‏.‏‏.‏ واللغوب‏.‏‏.‏ والإعياء‏.‏‏.‏ والظلم‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وتوكل على الحي الذي لا يموت‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 58‏]‏‏.‏

وقال عن موسى‏:‏ ‏{‏في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 52‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 44‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏لا تأخذه سنة ولا نوم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏وما مسنا من لغوب‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 38‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏ولم يعي بخلقهن‏}‏ ‏[‏‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏ولا يظلم ربك أحدًا‏}‏ ‏[‏‏]‏‏.‏

وكل صفة نفاها الله تعالى‏:‏ عن نفسه فإنها متضمنة لشيئين‏:‏

أحدهما‏:‏ انتفاء تلك الصفة‏.‏

الثاني‏:‏ ثبوت كمال ضدها‏.‏

ألا ترى إلى قوله‏:‏ ‏{‏وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليمًا قديرًا‏}‏ ‏[‏‏]‏‏.‏ فإن الله تعالى‏:‏ لما نفى عن نفسه العجز بين أن ذلك لكمال علمه وقدرته‏.‏

وعلى هذا فنفي الظلم عن نفسه، متضمن لكمال عدله‏.‏

ونفي اللغوب والعي، متضمن لكمال قوته‏.‏

ونفي السنة والنوم، متضمن لكمال حياته وقيوميته‏.‏

ونفي الموت، متضمن لكمال حياته‏.‏

وعلى هذا تجري سائر الصفات المنفية‏.‏

ولا يمكن أن يكون النفي في صفات الله عز وجل نفيًا محضًا، بل لابد أن يكون لإثبات كمال وذلك للوجوه التالية‏:‏

الأول‏:‏ أن الله تعالى‏:‏ قال‏:‏ ‏{‏ولله المثل الأعلى‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 60‏]‏‏.‏ أي الوصف الأكمل وهذا معدوم في النفي المحض‏.‏

الثاني‏:‏ أن النفي المحض عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء، وما ليس بشيء فكيف يكون مدحًا وكمالًا‏.‏

الثالث‏:‏ أن النفي ـ إن لم يتضمن كمالًا ـ فقد يكون لعدم قابلية الموصوف لذلك المنفي أو ضده، لا لكمال الموصوف كما إذا قيل‏:‏ ‏(‏الجدار لا يظلم‏)‏ فنفي الظلم عن الجدار ليس لكمال الجدار، ولكن لعدم قابلية اتصافه بالظلم أو العدل، وحينئذ لا يكون نفي الظلم عنه مدحًا له ولا كمالًا فيه‏.‏

الرابع‏:‏ أن النفي إن لم يتضمن كمالًا فقد يكون لنقص الموصوف أو لعجزه عنه كما لو قيل عن شخص عاجز عن الانتصار لنفسه ممن ظلمه‏:‏ ‏(‏إنه لا يجزي السيئة بالسيئة‏)‏ فإن نفي مجازاته السيئة بمثلها ليس لكمال عفوه ولكن لعجزه عن الانتصار لنفسه وحينئذ يكون نفي ذلك عنه نقصًا وذمًا لا كمالًا ومدحًا‏.‏

ألم تر إلى قول الحماسي يهجو قومه‏:‏

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ** بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

إلى أن قال‏:‏

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ** ليسوا من الشر في شيء وإن هانا

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا

يريد بذلك ذمهم ووصفهم بالعجز لا مدحهم بكمال العفو بدليل قوله بعد‏:‏

فليت لي بهمو قومًا إذا ركبوا ** شنوا الإغارة ركبانًا وفرسانا

وبهذا علم أن الذين لا يصفون الله تعالى‏:‏ إلا بالنفي المحض لم يثبتوا في الحقيقة إلهًا محمودًا بل ولا موجودًا كقولهم في الله عز وجل‏:‏ ‏(‏إنه ليس بداخل العالم، ولا خارجه، ولا مباين، ولا محايث ‏(‏2‏)‏، ولا فوق، ولا تحت، ولا متصل، ولا منفصل‏)‏‏.‏ ونحو ذلك‏.‏

ولهذا قال محمود بن سبكتكين‏(‏1‏)‏ لمن ادعى ذلك في الخالق جل وعلا‏:‏ ‏"‏ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم‏"‏ ‏(‏2‏)‏‏.‏ ولقد صدق رحمه الله فإنه لن يوصف المعدوم بوصف أبلغ من هذا الوصف الذي وصفوا به الخالق جل وعلا‏.‏

فمن قال‏:‏ لا هو مباين للعالم، ولا مداخل للعالم فهو بمنزلة من قال‏:‏ لا هو قائم بنفسه، ولا بغيره، ولا قديم، ولا محدث، ولا متقدم على العالم، ولا مقارن له‏.‏

ومن قال‏:‏ ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا متكلم، لزمه أن يكون ميتًا، أصم، أعمى، أبكم ‏[‏‏]‏ ‏(‏3‏)‏‏.‏