فصل: أهل بيعة الرضوان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مذكرة على العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية (نسخة منقحة)



.أهل بدر:

أهل بدر هم الذين قاتلوا في غزوة بدر من المسلمين، وعددهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا. والفضيلة التي حصلت لهم أن الله اطلع عليهم وقال: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ومعناه أن ما يحصل منهم من المعاصي يغفره الله بسبب الحسنة الكبيرة التي نالوها في غزوة بدر، ويتضمن هذا بشارة بأنه لن يرتد أحد منهم عن الإسلام.

.أهل بيعة الرضوان:

أهل بيعة الرضوان هم الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية على قتال قريش، وإلا يفروا حتى الموت، وسببها ما أشيع من أن عثمان قتلته قريش حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إليهم للمفاوضة. وسميت ببيعة الرضوان، لأن الله رضي عنهم بها، وعددهم نحو ألف وأربعمائة. والفضيلة التي حصلت لهم هي:
1. رضا الله عنهم: لقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: من الآية 18].
2. سلامتهم من دخول النار: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة [أخرجه مسلم (2496) عن جابر رضي الله عنه].

.آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم:

آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: زوجاته وكل من تحرم عليه الزكاة من أقاربه المؤمنين كآل علي، وجعفر، والعباس، ونحوهم. والواجب نحوهم المحبة والتوقير والاحترام؛ لإيمانهم بالله ولقرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم ولتنفيذ الوصية التي عهد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «أذكركم الله في أهل بيتي» [أخرجه مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل على بن أبى طالب رضي الله عنه رقم (2408) عن زيد ابن أرقم رضي الله عنه]. ولأن ذلك من كمال الإيمان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي» [أخرجه الإمام احمد (1/ 207) وابن ماجة، كتاب المقدمة باب فضل العباس بن عبد المطلب، رقم (140)].

.والذين ضلوا في أهل البيت:

الأولي: الروافض: حيث غلو فيهم وأنزلوهم فوق منزلتهم حتى ادعي بعضهم أن عليا إله.
الثانية: النواصب: وهم الخوارج الذين نصبوا العداوة لآل البيت وآذوهم بالقول والفعل.

.زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أفضل نساء هذه الأمة؛ لمكانتهن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنهن أمهات المؤمنين، ولأنهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة، ولطهارتهن من الرجس؛ ولذلك يكفر من قذف واحدة منهن؛ ولأن ذلك يستلزم نقص النبي صلى الله عليه وسلم وتدنيس فراشه. أفضلهن خديجة وعائشة، وكل واحدة منهما أفضل من الأخرى من جهة؛ فمزية خديجة أنها أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، وإنها عاضدته على أمره في أول رسالته، وإنها أم أكثر أولاده بل كلهم إلا إبراهيم، وأن لها منزلة عالية عنده، فكان يذكرها دائما، ولم يتزوج عليها حتى ماتت. ومزية عائشة حسن عشرتها مع النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أمره، وأن الله براها في كتابه مما رماها به أهل الإفك، وانزل فيها آيات تتلي إلى يوم القيامة، وإنها حفظت من هدى النبي صلى الله عليه وسلم وسنته ما لم تحفظه امرأة سواها، وإنها نشرت العلم الكثير بين الأمة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا سواها، فكانت تربيتها الزوجية على يديه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» [أخرجه البخاري كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب فضل عائشة رضي الله عنها رقم (37699) ومسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها رقم (2431‏)].

.موقف أهل السنة في الخلاف والفتن التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنهم:

موقفهم في ذلك أن ما جري بينهم فانه باجتهاد من الطرفين وليس عن سوء قصد، والمجتهد إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، وليس ما جرى بينهم صادر عن إرادة علو ولا فساد في الأرض؛ لأن حال الصحابة رضي الله عنهم تأبى ذلك، أنهم أوفر الناس عقولا، وأقواهم إيمانا أشدهم طلبا للحق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني» [سبق تخريجه]. وعلى هذا فطريق السلامة أن نسكت عن الخوض فيما جرى بينهم ونرد أمرهم إلى الله؛ لأن ذلك اسلم من وقوع عداوة أو حقد على أحدهم.

.موقف أهل السنة من الآثار الواردة في الصحابة:

موقفهم إن الآثار الواردة في مساوئ بعضهم على قسمين:
الأول: صحيح لكنهم معذورون فيه؛ لأنه واقع عن اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران.
الثاني: غير صحيح أما لكونه كذبا من أصله، وأما لكونه زيد فيه أو نقص أو غُيِّر عن وجهه، وهذا القسم لا يقدح فيهم لأنه مردود.

.عصمة الصحابة رضي الله عنهم:

الصحابة ليسوا معصومين من الذنوب، فإنهم يمكن أن تقع منهم المعصية كما تقع من غيرهم، لكنهم اقرب الناس إلى المغفرة للأسباب الآتية:
1. تحقيق الإيمان والعمل الصالح.
2. السبق إلى الإسلام والفضيلة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون [سبق تخريجه].
3. الأعمال الجليلة التي لم تحصل لغيرهم كغزوة بدر وبيعة الرضوان.
4. التوبة من الذنب، فإن التوبة تجب ما قبلها.
5. الحسنات التي تمحو السيئات.
6. البلاء وهي المكاره التي تصيب الإنسان؛ فإن البلاء يكفر الذنوب.
7. دعاء المؤمنين لهم.
8. شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم التي هم أحق الناس بها.
وعلى هذا فالذي ينكر من فعل بعضهم قليل منغمر في محاسنهم، لأنهم خير الخلق بعد الأنبياء وصفوة هذه الأمة التي هي خير الأمم، ما كان ولا يكون مثلهم.

.الشهادة بالجنة والنار:

الشهادة بالجنة على نوعين:عامة وخاصة.
فالعامة أن نشهد لعموم المؤمنين بالجنة دون شخص بعينه، ودليلها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} [الكهف:107].
والخاصة أن نشهد لشخص معين بالجنة، وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة، فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم شهدنا له مثل: العشرة [أخرجه الإمام احمد (1/ 187) وأبو داوود (4649) والترمذي (3748) وابن ماجة (133) وابن حبان (7002) الإحسان، والحاكم (3/ 450) عن عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنهم. والمراد بالعشرة: الخلفاء الأربعة، وستة أخرى جمعهم بعضهم في قوله:
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ** وعامر فهر والزبير الممدح].

وثابت بن قيس بن شماس [رواه البخاري (3613) ومسلم (119) عن انس بن مالك رضي الله عنه]. وعكاشة ابن محصن [سبق تخريجه]. وغيرهم من الصحابة.
وكذلك الشهادة بالنار على نوعين: عامة وخاصة.
فالعامة أن نشهد على عموم الكفار بأنهم في النار، ودليلها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا} [النساء: من الآية 56].
والخاصة أن نشهد لشخص معين بالنار، وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة، مثل أبى لهب وامرأته، ومثل أبى طالب [أخرجه البخاري (3883) ومسلم (209) عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه]. وعمرو بن لحي الخزاعي [أخرجه البخاري (4624) ومسلم (901) عن عائشة رضي الله عنها].

.قول أهل السنة والجماعة في كرامات الأولياء:

قول أهل السنة في كرامات الأولياء إنها ثابتة واقعة، ودليلهم في ذلك ما ذكره الله في القرآن عن أصحاب الكهف وغيرهم، وما يشاهده الناس في كل زمان ومكان. وخالف فيها المعتزلة محتجين بأن إثباتها يوجب اشتباه الولي بالنبي، والساحر بالولي، والرد عليهم بأمرين:
1. أن الكرامة ثابتة بالشرع والمشاهدة فإنكارها مكابرة.
2. أن ما ادعوه من اشتباه الولي بالنبي غير صحيح، لأنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولأن النبي يقول: إنه نبي فيؤيده الله بالمعجزة، والولي لا يقول إنه نبي.
وكذلك إن ما ادعوه من اشتباه الساحر بالولي غير صحيح؛ لأن الولي مؤمن تقي تأتيه الكرامة من الله بدون عمل لها ولا يمكن معارضتها، أما الساحر فكافر منحرف يحصل له الأثر سحره بما يتعاطاه من أسبابه، ويمكن أن يعارض بسحر آخر.

.الولي ومعنى الكرامة:

الولي: كل مؤمن تقي، أي قائم بطاعة الله تعالى على الوجه المطلوب شرعا.
والكرامة: أمر خارق للعادة يظهره الله تعالى على يد ولي من أوليائه تكريما له أو نصرةً لدين الله.
وفوائدها:
1. بيان قدرة الله.
2. نصرة الدين أو تكريم الولي.
3. زيادة الإيمان والتثبيت للولي الذي ظهرت على يده وغيره.
4. إنها من البشري لذلك الولي.
5. إنها معجزة للرسول الذي تمسك الولي بدينه، لأنها كالشهادة للولي بأنه على حق.
والفرق بينها وبين المعجزة إنها تحصل للولي، والمعجزة تحصل للنبي.

.والكرامة نوعان:

1. في العلوم والمكاشفات: بأن يحصل للولي من العلم ما لا يحصل لغيره، أو يكشف له من الأمور الغائبة عنه ما لا يكشف لغيره، كما حصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كشف له وهو يخطب في المدينة عن إحدى السرايا المحصورة في العراق، فقال لقائدها واسمه سارية بن زنيم: الجبل يا سارية. فسمعه القائد فاعتصم بالجبل.
2. في القدرة والتأثير: بأن يحصل للولي من القدرة والتأثيرات ما لا يحصل لغيره، كما وقع للعلاء بن الحضرمي حين عبر البحر يمشي على متن الماء.
طريقة أهل السنة والجماعة في سيرتهم وعلمهم:
طريقتهم في ذلك:
أولا: اتباع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، وآثار الأولين السابقين من المهاجرين والأنصار، امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي..‏.» [أخرجه الإمام احمد (4/ 126) وأبو داوود كتاب السنة باب في لزوم السنة رقم (4607) والترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع رقم‏(‏2676) وابن ماجة المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين رقم‏(‏42-43) وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح]. الحديث. والخلفاء الراشدون هم الذين خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته في العلم والإيمان والدعوة إلى الحق، وأولي الناس بهذا الوصف الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
ثانيا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة.
والمعروف ما عرف حسنه شرعا، والمنكر ما عُرف قبحه شرعا، فما به أمر الشارع فهو معروف، وما نهي عنه فهو منكر.
وللأمر بالمعروف شروط:
ا- أن يكون المتولي لذلك عالما بالمعروف وبالمنكر.
ب- ألا يخاف ضررا على نفسه.
ج- ألا يترتب على ذلك مفسدة أكبر.
ثالثا: النصح لولاة الأمور وإقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد معهم، أبرارا كانوا أو فجارا والتزام السمع والطاعة لهم ما لم يأمروا بمعصية الله.
رابعا: النصح لجميع الأمة وبث المحبة والألفة والتعاون بين المسلمين. مطبقين في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» [أخرجه البخاري كتاب الأدب باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا رقم (6026) ومسلم كتاب البر والصلة باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم رقم (2585‏)].
وقوله: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» [أخرجه البخاري كتاب الأدب باب رحمة الناس والبهائم رقم (6011) ومسلم كتاب البر والصلة باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم رقم (2586)].
خامسا: الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، كالصدق والبر والإحسان إلى الخلق، والشكر عند النعم، والصبر على البلاء، وحسن الجوار والصحبة، وغير ذلك من الأخلاق المحمودة شرعا وعرفا.
سادسا: النهي عن مساوئ الأخلاق، كالكذب والعقوق والإساءة إلى الخلق، والتسخط من القضاء، والكفر بالنعمة، والإساءة إلى الجيران والأصحاب، وغير ذلك من الأخلاق المذمومة شرعا أو عرفا.