فصل: فصل في نشأته صلى الله عليه وسلم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ونموذج من حلمه ووفائه:

نَخْتُمُ هَذَا الجُزْءَ في فَصْلٍ يَحْتَوِيْ عَلَى نُبْذَةٍ يَسِيْرَةٍ عَنْ سِيْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنُمُوذجٍ عَنْ حِلْمِهِ وَوَفَائِهِ:

.نسبه صلى الله عليه وسلم:

هو مُحَمَّد بن عَبْد اللهِ بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مره بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن مَعد بن عدنان هَذَا متفق علي صحته.
ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم وإسماعيل هُوَ الذبيح علي القول الصحيح والقول بأنه إسحق باطل ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم ولد بمَكَّة عام الفيل يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول وقيل لعشر منه وقيل لاثنتي عشرة خلت منه سنة 571 م.
وأما عَبْد اللهِ أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم فكَانَ أحسن أولاد عبد المطلب وأعفهم وكَانَ أبوه يحبه والأكثر يقولون أنه توفي والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حمل وقيل أنه مَاتَ ولِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شهران وَجَمِيع ما خلفه عبد المطلب خمسة أحمال وجارية حبشية اسمها بركة وكنيتها أم أيمن وهي حاضنته صلى الله عليه وسلم.
وروي البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً وذكر البيهقي أيضاً لما كانت اللَّيْلَة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتج إيوان كسري وسقط من أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذَلِكَ من ألف عام وغاضت بحيرة ساوة.
وإلي هَذَا أشار الشاعر في قوله:
نُوْرٌ مِنَ الرَّحْمنِ أرْسَلَهُ هُدَى ** لِلنَّاسِ فَازْدَهَرَ الزَّمَانُ وأيْنَعَا

دَعْ عَنْكَ إيْوَانَاً لِكِسْرَى عِنْدَمَا ** هَتَفُوْا بِمَوْلِدِهِ هَوَى وتَصَدَّعَا

واذْكُرْهُ كَيْفَ أَتَى شُعُوْباً فُرِّقَتْ ** أَهْوَاءُهَا كُلٌّ يُصَحِّحُ مَا ادَّعَا

فَهَدَاهُمْ لِلْحَقِّ حَتَّى أصْبَحُوْا ** فِي اللهِ إِخْوَانَاً تَرَاهُمْ رُكَّعَا

أَبْنَاءَ أَخْيَافٍ تَجَمَّعَ شَمْلُهُمْ ** أَبْنَاءَ أَخْيَافٍ تَجَمَّعَ شَمْلُهُمْ

فَتَحْوا لَهُ الدُّنْيَا فَسَارَ مُظَفَراً ** وَبَنَوْا لَهُ حِصْناً أَشَمَّ مُمَنَّعَا

بَذَلُوْا النُّفُوسَ رَخِيْصَةً فِي نَصْرِهِ ** فَتَسَنَّمُوْهَا مِ السَّلاَمِ الأَرْفَعَا

لَهْفِيْ عَلَى مَاضِي الحَنِيْفَةِ أِنَّهُ ** مَاضٍ تَعَلَّقَ زَاهِياً وَتَضَوَّعَا

أَيَّامَ كَانَ الدِّيْنُ تُشْرِقُ شَمْسُهُ ** أَيَّامَ كَانَ الدِّيْنُ تُشْرِقُ شَمْسُهُ

يَا أُمَّةَ التَّوْحِيْدِ هَذَا مَجْدُكُمْ ** إِنّيْ لأخْشَى أَنْ يَضَلَّ مُضَيَّعَا

سِيْرُوْا عَلَى سُنَنِ النَّبِيّ وَجَنِّبُوْا ** زَيْفَ الحَضَارَةِ عَنْكُمُ أَنْ يَخْدَعَا

وَخُذُوْا لَكُمْ مِنْ سُنَّةِ الهَادِي هُدَى ** فَهُوَ المَنَارُ إِذَا الضَّلاَمُ تَجَمَّعَا

وروي الإمام أَحَمَد وغيره عن العرباض بن سارية عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال إني عَنْدَ الله في أم اْلكِتَاب لخاتم النبيين وأن آدم لمجندل في طينته وسوف أنبئكم بتأويل ذَلِكَ دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسي قومه ورؤيا أمي التي رأت أنه خَرَجَ منها نور أضأت له قصور الشام.
قال في اللطائف وخروج هَذَا النور عن وضعه إشارة إلى ما يجئ به من النور الَّذِي اهتدي به أَهْل الأرض وزالت به ظلمة الشرك كما قال تَعَالَى: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ}.
اللَّهُمَّ يا من لا تضره المعصية ولا تنفعه الطاعة أنقذنا من نوم الغَفْلَة ونبهنا لاغتنام أوقات المهلة ووفقنا لمصالحنا واعصمنا من قبائحنا وزنوبنا ولا تؤخذنا بما انطوت عَلَيْهِ ضمائرنا واكنته سرائرنا من أنواع القبائح والمعائب التي تعلمها منا وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المسلمين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.فصل في نشأته صلى الله عليه وسلم:

وبعد مولده صلى الله عليه وسلم أرضعته أمه آمنه بنت وهب بن مناف بن زهرة بن كلاب ثُمَّ أرضعته صلى الله عليه وسلم ثوبية عتيقة أبي لهب أعتقها حين بشرته بولادة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أرضعته حليمة السعدية.
قَالَتْ حليمة السعدية التي أراد الله أن تَقُوم بإرضاعه قدمت مكه مَعَ تسع نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضاع في سنة شهباء علي أتان لي ومعي صبي لنا وقَدْ عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم علي كُلّ امرأة منا فأبين أن يرضعنه حينما علمن أنه يتيم الأب.
وَذَلِكَ أَنَا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول إنه يتيم ما عسي أن تصنع أمه وجده فكنا نكرهه لذَلِكَ قَالَتْ: فو الله ما بقي من صواحبي امرأة إِلا أخذت رضيعاً فَلَمَّا لم أجد غيره قُلْتُ لزوجي وَهُوَ الحارث بن عبد العزي والله إني لا أكره أن أرجع من بين صواحبي ولَيْسَ معي رضيع لانطلقن إلى ذَلِكَ اليتيم ولآخذنه.
قال لا ضرر عَلَيْكَ أن تفعلي. عسي الله أن يجعل لنا فيه بركة فذهب ثُمَّ أخذته بما هُوَ عَلَيْهِ فأقبل عَلَيْهِ ثديي بما شَاءَ من لبن فشرب حتى روي وشرب ابني حتى شبع فودعت النساء بعضهن بعضاً.
ثُمَّ ركبت أتاني وأخذت محمداً بين يدي ثُمَّ مشت أتاني حتى سبقت دواب النَّاس الَّذِينَ كَانُوا معي وصاروا يتعجبون مني ثُمَّ وصلنا إلى منازل بني سعد ولا أعلم أرضاً من أرض الله أجدب منها فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به كثيرة اللبن فنحلب ونشرب.
وفي السنة الرابعة من عمره ذكر أن ملكين شقا بطنه واستخرجا قَلْبهُ وشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء ثُمَّ غسلا قَلْبهُ وبطنه بالثلج وَقَالَ أحدهما زنه بعشره من أمته فوزنه ثُمَّ مازال يزيد حتى بلغ الألف فَقَالَ والله لو وزنته بأمته لوزنها.
وماتت أمه عَلَيْهِ السَّلام ولم يستكمل إذ ذاك سبع سنين حين انصرفت من زيارات أخواله بني النجار وكانت خرجت به معها ومعه دايتُهُ أم أيمن قدمت به إلى مَكَّة بعد موتها.
فكفله جده عبد المطلب ورق عَلَيْهِ رقة لم يرقها علي أحد من أولاده فكَانَ لا يفارقه وما يجلس علي فراشه إجلالاً له إِلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقدم مكه قوم من بني مدلج من القافة فَلَمَّا نظروا إليه قَالُوا لجده احتفظ به فلم نجد قدماً أشبهَ بالقدم الَّذِي في المقام من قدمه فَقَالَ لأبي طالب اسمَعَ ما يَقُولُ هَؤُلاَءِ واحتفظ به.
وتوفي جده عبد المطلب في السنة الثامنة من مولده صلى الله عليه وسلم وأوصي به إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه عَبْد اللهِ فكفله وأحسن كفالته قال الواقدي أقام أبو طالب من سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة العاشرة من النبوة ثلاثاً وأربعين سنة يحوطه ويقوم بأمره ويذب عَنْهُ ويلطف به.
ولما بلغ صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة خَرَجَ مَعَ عمه أبي طالب حتى بلغ بُصْرَي فرآه بحيرُ الراهب واسمه جرجيس فعرفه فَقَالَ وَهُوَ آخذ بيده هَذَا سيد العالمين هَذَا يبعثه الله رحمة للعالمين فَقَالَ وما علمك بذَلِكَ فَقَالَ إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إِلا وخرَّ ساجداً ولا تسجد إِلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة وإنا نجده في كتبنا.
وسأل أبا طالب أن يرده خوفاً عَلَيْهِ من اليهود الْحَدِيث رواه ابن أبي شيبة وفيه أنه أقبل عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام وعَلَيْهِ غمامة تظله. ثُمَّ خَرَجَ صلى الله عليه وسلم مرة أخري ومعه ميسرة غلام خديجة في تجارة لها حتى بلغ سوق بصري وله إذ ذاك خمس وعشرون سنة.
فنزل تحت ظِلّ شجرة فَقَالَ نسطورُ الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة إِلا نبي وكَانَ ميسرة يري في الهاجرة ملكين يظلانه من الشمس فَلَمَّا رجعوا إلى مَكَّة ساعة الظهيرة وخديجة في عليَّةٍ لها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو علي بعيره وملكَانَ يظلانه ذكره أبو نعيم.
اللَّهُمَّ عمق إيماننا بك وبملائكتك وبكتبك وبرسلك وبالْيَوْم الآخر وبالقدر خيره وشره وآتنا في الدُّنْيَا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وصلى الله على مُحَمَّد وآله وسلم.

.فصل في زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة وأولاده منها:

وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بعد ذَلِكَ وكانت تحت أبي إهابة بن زرارة التميمي ثُمَّ تزوجها عتيق بن عائد المخزومي فولدت له هنداً وكَانَ لها حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر أربعون سنة فولدت له بنين وبنات وكل أولاده منها حاشا إبراهيم فإنه من مارية القبطية التي أهدها له المقوقس صَاحِبُ مصرَ.
فالذكور من ولده القاسم وبه كَانَ يكني وَهُوَ أكبر ولده عاش أياماً يسيرة قبل النبوة وولد له غير إبراهيم والقاسم عَبْد اللهِ وَهُوَ المسمي بالطيب والطاهر لأنه ولد بعد النبوة وأما إبراهيم فولد له بالْمَدِينَة وعاش عامين غير شهرين ومَاتَ قبل موته عَلَيْهِ السَّلام بثلاثة أشهر يوم كسوف.
وأما بناته صلى الله عليه وسلم فأربع زينب تحت أبي العاص بن الربيع وكانت خديجة خالته وَالثَّانِيَة رقية تزوجها عثمان بن عفان وماتت بعد بدر بنحو ثلاثة أيام وزينب ماتت في حياة أبيها صلى الله عليه وسلم والثالثة أم كلثوم وهي أصغر بناته كانت مملكة بعتبة بن أبي لهب فلم يدخل بها وطلقها فتزوجها عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فماتت عنده في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرابعة فاطمة تزوجها علي بن أبي طالب فولدت له الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وابناً مَاتَ صغيراً اسمه المحسن وماتت فاطمة بعد رسول الله بستة شهور، وخديجة أول امرأة تزوج بها وأول امرأة ماتت من نسائه وأمره جبريل أن يقَرَأَ عَلَيْهَا السَّلام من ربها.
وهي أول امرأة آمنت به وعاضدته وناصرته علي أمره وكَانَ لها منه المنزلة العإلية.
اللَّهُمَّ ثَبِّتْ محبتك ومحبة كتبك وملائكتك ورسلك وأوليائك في قلوبنا ثبوت الجبال الراسيات ونور قلوبنا بنور الإِيمَان وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيع المسلمين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وصلى الله على نبينا مُحَمَّد وعلي آله وصحبه أجمعين.
دَعَاكُمْ إِلى خَيْرِ الأمُورِ مُحَمَّدٌ ** ولَيْسَ العَوالِي فِي القَنَا كالسَّوافِلِ

دَعَاكُم إِلى تَعْظِيمِ مَنْ خَلْقَ الضُحَى ** وشُهْبَ الدُّجَى مِنْ طَالِعَاتِ وآفِلِ

وحَثَّ عَلَى تطْهِيْرِ جِسْمٍ ومَلْبَسٍ ** وعَاقَبَ فِي قَذْفِ النِّسَاءِ الغَوافِلِ

فَصَلَّي عَلَيْهِ اللهُ مَاذَرَّ شَارِقٍ ** ومَا فَتَّ مِسْكاً ذِكْرُهُ فِي المَحَافِل

فصل:
ولم يرث صلى الله عليه وسلم من والده شَيْئاً بل ولد يتيماً عائلاً فاسترضع في بني سعد ولما بلغ مبلغاً يمكنه أن يعمل عملاً كَانَ صلى الله عليه وسلم يرعي الغنم مَعَ إخوانه من الرضاع في البادية وكَذَلِكَ لما رجع إلى مَكَّة كَانَ يرعاها لأهلها علي قراريط كما ذكر البخاري في صحيحه.
فعن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال ما بعث الله نبياً إِلا رعي الغنم فَقَالَ أصحابه وأَنْتَ فَقَالَ نعم كنت أرعاها علي قراريط لأَهْل مَكَّة.
ولما شب لخديجة صلى الله عليه وسلم كَانَ يتجر وكَانَ شريكه السائب بن أبي السائب وذهب بالتجارة لخديجة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا إلى الشام علي جعل يأخذه ولما شرفت خديجة بزواجه وكانت ذات يسار عمل في مالها وكَانَ يأكل من نتيجة عمله وحقق الله ما امتن عَلَيْهِ به سورة الضحى بقوله جل ذكره: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} بالإيواء والإغناء قبل النبوة والهداية بالنبوة هداه الله للكتاب والإِيمَان ودين إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام ولم يكن يدري قبل ذَلِكَ قال تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
وكَانَ عَلَيْهِ الصَّلاة والسلام أحسن قومه خلقاً وأصدقهم حديثاً وأعظمهم أمانة وأبعدهم عن الفحش والأَخْلاق التي تدنس الرِّجَال حتى كَانَ أفضل قومه مروءة وأكرمهم مخالطة وأخيرهم جواراً وأعظمهم حِلماً وأصدقهم حديثاً فسموه الأمينَ.
لما جمَعَ الله فيه من الأمور الصَّالِحَة الحميدة والفعال السديدة من الحلم والصبر وَالشُّكْر والعدل والتواضع والعفة والجود والشجاعة والحياء حتى شهد له بذَلِكَ ألد أعدائه النضر بن الحارث من بني عبد الدار حيث يَقُولُ قَدْ كَانَ مُحَمَّد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانةً حتى إذا رأيتم في صدغية الشيب وجاءكم بما جاءكم قلتم ساحر لا وَاللهِ ما هُوَ بساحر.
قال ذَلِكَ في معرض الاتفاق علي ما يقولونه للعرب الَّذِينَ يحضرون الموسم حتى يكنوا متفقين علي ما يقولونه للعرب الَّذِينَ يحضرون الموسم حتى يكونوا متفقين علي ما يقولونه ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان قائلاً هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يَقُولَ ما قال قال: لا. فَقَالَ هرقل: ما كَانَ ليدع الكذب علي النَّاس ويكذب علي الله ورد ذَلِكَ في أول صحيح البخاري.
ثَوَى فِي قُرَيْشٍ خَمْسَ عَشْرَةَ حَجَّةً ** يُذَكِّرُ لَوْ يَلْقَى صَدِيْقاً مُوَاتِيَا

وَيَعْرِضُ فِي كُلِّ المَوَاسِمِ نَفْسهُ ** فَلَمْ يَرَى مَنْ يُؤْوِيْ وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا

فَلَمَّا أَتَانَا واطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى ** وَكُنَا لَهُ عَوْناً مِنْ اللهِ بَادِيَا

يَقُصُّ لَنَا مَا قَالَ نُوْحٌ لِقَوْمِهِ ** وَمَا قَالَ مُوْسَى إِذَا أَجَابَ المُنَادِيا

فَأَصْبَحَ لاَ يَخْشَى مِنَ النَّاسِ وَاحِداً ** قَرِيْباً وَلاَ يَخْشَى مِنَ النَّاسِ نَائِيَا

بَذَلْنَا لَهُ الأَمْوَالَ مِنْ جُلِّ مَالِنَا ** وأَنْفُسَنَا عِنْدَ الوَغَى والتَّآسِيَا

نُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنْ النَّاسِ كُلِّهَمْ ** جَمِيْعاً وَلَوْ كَانَ الْحَبِيْبَ المُوَاسِيَا

ونَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لاَ رَبَّ غَيْرهُ ** وأنَّ كِتَابَ اللهِ أَصْبَحَ هَادِيَا

اللَّهُمَّ اغفر لنا جَمِيع ما سلف منا من الذُّنُوب. واعصمنا فيما بقي من أعمارنا، ووفقنا لعمل صالح ترضي به وعنا وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المسلمين وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين.

.فصل في صفاته صلى الله عليه وسلم الخِلقية:

وَقَالَ شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللهُ وقَدْ نقل النَّاس صفات النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الطاهرة الدالة علي كمالهِ ونقلوا أخلاقه من حلمه وشجاعته وكرمه وزهده وغيره ونَحْنُ نذكر بعض ذَلِكَ:
ففي الصحيحين عن البراء بن عازب قال: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن النَّاس وجهاً وأحسنهم خلقاً لَيْسَ بالطويل الذاهب ولا بالقصير وعنه قال كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيد ما بين المنكبين عَظِيم الجمة إلى شحمة أذنيه علية حلة حمراء ما رأيت شَيْئاً قط أحسنَ منه.
وفي البخاري وسئل البراءُ أكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر. وفي الصحيحين من حديث كعب بن مالك قال كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنه فلقةُ قمر.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس والقدمين ولم أر قبله ولا بعده مثله وكَانَ بسيط الكفين ضخم اليدين وسئل عن شعره فَقَالَ كَانَ شعراً رجلاًً لَيْسَ بالجعد ولا بالسبط بين أذنيه وعاتقه.
وفي الصحيحين عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم أشكل العينين منهوس وفسرهما ابن سماك بن حرب فَقَالَ واسع الفم طويل شق العين قليل لحم العقب.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بالطويل البائن ولا بالأَبْيَض الأبهق ولا بالأدم ولا بالجعد ولا بالسبط.
وفي الصحيحين عَنْهُ قال كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشي تكفأ وما مسست ديباجة ولا حريرة ألينَ من كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي عن ابن عباس قال كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلج الثنيتين إذا تكلم رؤيَ النور يخَرَجَ من ثناياه.
وعن أنس قال دخل عَلَيْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عندنا – أي نامَ – فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يا أم سليم ما هَذَا الَّذِي تصنعين قَالَتْ هَذَا عرقك نجعله في طيبنا وإنه أطيب من الطيب أخرجاه.
وروي الدرامي عن جابر قَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يسلك طريقاً فيتبعه أحد إِلا عرف أنه سلكه من طيب عرقه صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث أم معبد المشهور لما مر بها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الهجرة هُوَ وأبو بكر ومولاه ودليلهم وجَاءَ زوجها فَقَالَ صفيه لي يا أم معبد فقَالَتْ رجل ظاهر الوضاءة حلو المنطق فضل لا نزر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن.
وذكر بَعْضهمْ زيادة علي هَذَا قال فيه:
في وصف أم معبد الخزاعية لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال أبو معبد لزوجته صفي لي صَاحِبَ قريش الَّذِي يطلب يا أم معبد قَالَتْ رَأَيْت رجلاً ظاهرَ الوضأة – أي الحسن والنظافة مبتلج الوجه – أي مشرق ذو نور-.
حسن الخلق لم تعبه ثجلةٌ – أي لَيْسَ بطنه ضخم – ولم تزر به صعلة – أي لَيْسَ رأسه صغير – وسيم – أي جميل معتدل القامة – في عينه دعج – أي شدة سواد العين مَعَ سعتها-.
وفي أشفاره وطف – كثرة شعر الحاجبين – وفي صوته صحل – صوته رخيم – أحور – شدة بياض العين في شدة سوادها – أطحل أزج – كَانَ عينه مكحولة وإن لم تكحل – دقيق الحاجبين في طول – أقرن – مقرون الحاجبين – شديد سواد الشعر في عنقه سطح – أي ارتفاع وطول وفي لحيته كثافة.
إذا صمت فعَلَيْهِ الوقار وإذا تكلم سما – أي ارتفع – وعلاه البهاء – الحسن والجمال وكأن منطقه خرزات يتحدرن حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر – أي لا عِيَّ فيه ولا ثرثرة أجهر النَّاس وأجملهم من بعيد وأحلاهم وأحسنهم من قريب.
ربعة لا تشنؤه من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنظر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً له رفقاء يخصون به إذا قال استمعوا لقوله وإذا أمر تبادروا إلى أمره محفود – أي يطيعه أصحابه مسرعين – محشود – يجتمعون حوله.
اللَّهُمَّ ألهمنا ذكرك وشكرك ووفقنا لما وفقت له الصالحين من خلقك وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المسلمين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.