فصل: فصل في حفظ الله تعالى للعبد في دينه ودنياه متى كان منشغلا بطاعته:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في حفظ الله تعالى للعبد في دينه ودنياه متى كان منشغلا بطاعته:

وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: ومتي كَانَ الْعَبْد منشغلاً بطاعة الله تعالى يحفظه فِي تلك الحال كما فِي مسند الإمام أَحمَد عن حميد بن هلال عن رجل قال: أتيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فإِذَا هُوَ برَبِّي بيتنا فَقَالَ: «إن امرأة كانت فِيه فخرجت فِي سرية من المُسْلِمِيْنَ وتركت ثنتي عشرة عنزاً وصيصيتها قال: ففقدت عنزاً وصيصيتها كانت تنسج بها. فقَالَتْ: يا رب إنك قَدْ ضمنت لمن خرج فِي سبيلك أن تحفظ عَلَيْهِ ولأني قَدْ فقدت عنزاً من غنمي وصيصيتي وإني أنشدك عنزي وصيصيتي وإني أنشدك عنزي وصيصيتي».
قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شدة مناشدتها ربِهَا تبارك وتعالى. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فأصبحت عنزها ومثلها وصيصيتها ومثلها وهاتيك فأتها إن شئت» قال: فقُلْتُ بل أصدقك.
وكَانَ بعض السَّلَف بيده الميزان يزن به دراهم فسمَعَ الآذَان فنهض ونفضها عَلَى الأرض وذهب إلى الصَّلاة فَلَمَّا عاد جمعها فلم يذهب منها شيء.
ومن أنواع حفظ الله لمن حفظه فِي دنياه أن يحفظه من كُلّ شر كُلّ من يريده بأذي من الجن والإنس كما قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل لَهُ مخرجاً} قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عنهَا: يكفِيه غم الدُّنْيَا وهمها.
وَقَالَ الربيع بن خيثم: يجعل لَهُ مخرجاً من كُل ما ضاق عَلَى الناس. وكتبت عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عنهَا إلى معاوية: إن اتقيت الله كفاك الناس. وإن اتقيت النَّاس لم يغنوا عنكَ من الله شيئاً.
وكتب بعض الخلفاء إلى عمرو الغفاري كتاباً يأمره فِيه بأمرٍ يخالف كتاب الله، فكتب إليه: إني نظرت فِي كتاب الله فوجدته قبل كتاب أمير الْمُؤْمِنِين وإن السماوات والأرض لَوْ كانتا رتقاً عَلَى امرء فاتقي الله عَزَّ وَجَلَّ جعل لَهُ مخرجاً والسلام. وأنشد بَعْضهمْ: بتقوي الإلَه نجا من نجا.
كتب بعض السَّلَف إلى أخيه: أما بعد فإنه من اتقي الله فقَدْ حفظ نَفْسه ومن ضيع تقواه فقَدْ ضيع نَفْسهُ والله الغني عنه.
عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ ** تَجِدْ نَفْعَهَا يَوْمَ الحِسَابِ المُطَوَّلِ

ألا إِنَّ تَقْوَى اللهِ خَيْرُ بِضَاعَةٍ ** وَأَفْضَلُ زَادِ الضَّاعِنِ المُتَحَمِلِ

آخر:
وَلاَ خَيْرَ فِي طُوْلِ الحَيَاةِ وعَيْشِهَا ** إِذَا أَنْتَ مِنْهَا بِالتُّقَى لم تُزَوَّد

ومن عجيب حفظ الله لمن حفظه: أن يجعل الحيوانات المؤذية بِالطَّبْعِ حافظة لَهُ من الأذي وساعية فِي مصالحه كما جري لسفينة مولي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حيث كسر به المركب وخرج إلى جزيرة فرأي السبع فَقَالَ: يا أبا الحارث أَنَا سفينة مولي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فجعل يمشي حوله ويدله عَلَى الطَرِيق حتي أوقفه عَلَيْهَا ثُمَّ جعل يهمهم كأنه يودعه وانصرف عنه.
وكَانَ أبو إبراهيم السايح قَدْ مرض فِي برية بقرب دير فَقَالَ لَوْ كنت عِنْدَ باب الدير لنزل الرهبان فعالجوني. فَجَاءَ السبع فاحتمله عَلَى ظهره حتي وضعه عَلَى باب الدير فرآه الرهبان فأسلموا وكَانُوا أربعمائة.
وكَانَ إبراهيم بن أدهم نائماً فِي بستان وعنده حية فِي فمها طاقة نرجس فما زالت تذب عنهُ الذباب حتي استيقظ. فمن حفظ الله حفظه من الحيوانات المؤذية بِالطَّبْعِ وجعل تلك الحيوانات حافظة له.
ومن ضيع الله ضيعه بين خلقه حتي يدخل عَلَيْهِ الضَّرَر ممن كَانَ يرجو أن ينفعه ويصير أخص أهله به وأرفقهم به يؤذيه.
كما قال بَعْضهمْ: إني لأعصي الله فأعرف ذَلِكَ فِي خلق خادمي وحماري. يعني أن خادمه يسوء خلقه عَلَيْهِ ولا يطيعه وحماره يستعصي عَلَيْهِ فلا يواتيه لركوبه. فالْخَيْر كله مجموع فِي طاعة الله والإقبال عَلَيْهِ، والشر كله مجموع فِي معصية الله.
إِذَا انْتَسَبَ النَّاسُ كَانَ التَقيُّ ** بِتَقْوَاهُ أَفْضَلَ مَنْ يَنْتَسِبُ

وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَكْسِبْ بِهِ ** مِنَ الحَظِّ أَفْضَلَ مَا يُكْتَسَبُ

وَمَنْ يَتْخِذْ سَبَباً لِلنَّجَاةِ ** فَإِنَّ تُقَى اللهِ خَيْرُ السَّبَبُ

اللَّهُمَّ نورقلوبنا بنور الإيمان وثبتها عَلَى قولك فِي الحياة الدُّنْيَا وفِي الآخرة وَاجْعَلْنَا هداة مهتدين وتوفنا مسلمين وألحقنا بعبادك الصالحين يا أكرم الأكرمين ويا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.
فصل:
النوع الثاني من الحفظ وَهُوَ أشرفها وأفضلها: حفظ الله تعالى لعبده فِي دينه فيحفظ عَلَيْهِ دينه وإيمانه فِي حَيَاتهُ عن الشبهات المردية والبدع المضلة والشهوات المحرمة ويحفظ عَلَيْهِ دينه عِنْدَ موته فيتوفاه عَلَى الإسلام.
قال الحكم بن أبان عِنْدَ أبي مكي: إِذَا حضر الرجل الموت يُقَالُ للملك: شم رأسه، قال: أجد فِي رأسه القرآن، قال: شم قَلْبه، قال: أجد فِي قَلْبه الصيام، قال: شم قدميه، قال: أجد فِي قدميه القيام، قال: حفظ نَفْسه فحفظه الله عز وجل. أخرجه بن أبي الدنيا.
وقَدْ ثَبِّتْ فِي الصحيحين من حديث البراء بن عازب أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم علمه أن يَقُولُ عِنْدَ منامه: «اللَّهُمَّ إن قبضت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين».
وفِي حديث عمر عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه علمه أن يَقُولُ: «اللَّهُمَّ احفظني بالإسلام قائماً واحفظني بالإسلام قاعداً واحفظني بالإسلام راقداً ولا تطع فِي عدواً ولا حاسداً» أخرجه ابن حبان فِي صحيحه.
وكَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ودع من يريد السفر يَقُولُ لَهُ: «استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك». وفِي رواية وكَانَ يَقُولُ: «إن الله إِذَا استودع شيئاً حفظه» أخرجه النسائي وغيره.
وأخرج الطبراني حديثاً مرفوعاً: «إن الْعَبْد إِذَا صلي الصَّلاة عَلَى وجهها صعدت إلى الله ولها برهان كبرهان الشمس وَتَقُول لصاحبِهَا: حفظك الله كما حفظتني، وإِذَا ضيعها لفت كما يلف الثوب الخلق ثم يضرب بِهَا وجه صاحبِهَا وَتَقُول: ضيعك الله كما ضيعتني».
وكَانَ عمر رَضِيَ اللهُ عنهُ يَقُولُ فِي خطبته: اللَّهُمَّ اعصمنا بحفظك وثبتنا عَلَى أمرك. ودعا رجل لبعض السَّلَف أن يحفظه الله. فَقَالَ: يا أخي لا تسألن عن الحفظ الدنيوي قَدْ يشترك فِيه البر والفاجر، فالله تعالى يحفظ عَلَى المُؤْمِن دينه وبين ما يفسده عَلَيْهِ بأسباب قَدْ لا يشعر بِهَا العبد.
وقَدْ يكون ما يكرهه وهَذَا كما حفظ يوسف عَلَيْهِ السَّلام قال تعالى: {كَذَلِكَ لنصرف عنهُ السُّوء والفحشاء} وعصمه الله منها من حيث لا يشعر وحال بينه وبين أسباب المعاصي المهلكة. كما رآي معروف الكرخي شباباً يتهاونون فِي الْخُرُوج إلى القتال فِي فتنة فَقَالَ: اللَّهُمَّ احفظهم فقيل لَهُ: تدعو لهؤلاء؟ فَقَالَ: إن حفظهم لم يخرجوا إلى القتال.
وسمَعَ عمرُ رجلاً يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنك تحول بين المرء وقَلْبهُ فحل بيني وبين معاصيك فأعجب عمر ودعا لَهُ بخَيْر: وروي ابن عباس رضي الله عنهما فِي قوله تعالى: {يحول بين المرء وقلبه} قال: يحول بين المُؤْمِن وبين المعصية التي تجره إلى النار.
حج بعض المتقدمين فبات بمَكَّة مَعَ قوم فهمَّ بمعصية فسمَعَ هاتفاً يهتف يَقُولُ: ويلك ألم تحج فعصمه الله مِمَّا همَّ به. وخرج بَعْضهمْ مَعَ رفقة إلى معصية فَلَمَّا هم بمواقعتها هتف به هاتف: {كُلّ نفس بما كسبت رهينة} فتركها.
ودخل رجل غيضة ذات شجر فَقَالَ: لَوْ خلوت ها هنا بمعصية من كَانَ يراني؟ فسمِعَ صوتاً ملأ بين حافتي الغيضة: ألا يعلَمُ من خلق وَهُوَ اللطيف الخبير.
وهم رجل بمعصية فخرج إليها فمر فِي طريقه بقاص عَلَى النَّاس فوقف عَلَى حلقته فسمعه يَقُولُ: أيها الهامُّ بالمعصية أما علمت أن خالق الهمة مطلع عَلَى همتك فوقع مغشياً عَلَيْهِ فما أفاق إلا من توبة.
وَمِنْهُمْ من عصم نَفْسهُ بموعظة جرت عَلَى لسان من أراد منه الموافقة عَلَى المعصية كما جري لأحد الثلاثة الَّذِينَ دخلوا الغار وانطبقت عَلَيْهمْ الصخرة، فإنه لما جلس من تلك المرأة مجلس الرجل من امرأته قَالَتْ لَهُ يا عَبْد اللهِ اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقام عنها.
وكَذَلِكَ الكفل من بني إسرائيل كَانَ لا يتورع عن معصية فأعجبته امرأة فأعطاها ستين ديناراً فَلَمَّا قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وقَالَتْ: أكرهتك؟ قَالَتْ: لا، ولكن عمل ما عملته قط وإنما حملني عَلَيْهِ الحاجة.
فَقَالَ: تخافين الله ولا أخافه ثُمَّ قام عنهَا ووهب لها الدنانير، وَقَالَ: وَاللهِ لا يعصي الله الكفل أبداً ومَاتَ من ليلته فأصبح مكتوباً عَلَى بابه قَدْ غفر الله للكفل.
أخرج الإمام أَحَمَد والترمذي حديثه هَذَا من حديث ابن عمر مرفوعاً.
وراود رجل امرأة عن نفسها وأمرها بغلق الأبواب فقلعت وقَالَتْ: بقي باب واحد. قال: أي باب؟ قَالَتْ: الْبَاب الَّذِي بيننا وبين الله تعالى فلم يتعرض لها.
وراود رجل أعرابية قال: لها ما يرانَا إلا الكواكب. قَالَتْ: فأين مكوكبِهَا وهَذَا كله من ألطاف الله تعالى وحيلولته بين الْعَبْد ومعصيته.
قال الحسن وذكر أَهْل المعاصي: هانوا عَلَيْهِ فعصوه ولَوْ عزوا عليه فعصمهم، وَقَالَ بشر: ما أصر عَلَى معصية الله كريم ولا آثر الدُّنْيَا عَلَى الآخرة حليم. وَاللهُ أَعْلم وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وعَلَى آله وصحبه وسلم.
فصل:
ومن أنواع حفظ الله لعبده فِي دينه: أن الْعَبْد قَدْ يسعي فِي سبب من الدنيا؛ الولايات أو التجارات أو غَيْرَ ذَلِكَ فيحول الله بينه وبين ما أراده لما يعلم لَهُ من الخيرة فِي ذَلِكَ وَهُوَ لا يشعر مَعَ كراهته لذلك.
قال ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عنهُ: إن الْعَبْد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة فينظر الله إليه فَيَقُولُ للملائكة: اصرفوه عنهُ فإني إن يسرته لَهُ أدخلته النار فيصرفه الله عنهُ فيظِلّ يتطير يَقُولُ: سبقني فلان. دهاني فلان وما هُوَ إلا فضل الله عز وجل.
وأعجب من هَذَا الْعَبْد قَدْ يطلب باباً من أبواب الطاعات ولا يكون فِيه خَيْر لَهُ فيحول الله بينه وبينه صيانة لَهُ، وَهُوَ لا يشعر.
وأخرج الطبراني وغيره حديث أنس مرفوعاً، يَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: «إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغني ولَوْ أفقرته لأفسده ذَلِكَ، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولَوْ أغنيته لأفسده ذلك. وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولَوْ أسقمته لأفسده ذَلِكَ وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا السقم ولَوْ صححته لأفسده ذلك. وإن من عبادي من يطلب باباً من العبادة فاكفه عنهُ كيلا يدخله العجب. إني أدبر. إني أدبر عبادي بعلمي بما فِي قُلُوبهمْ إني عليم خبير».
كَانَ بعض المتقدمين يكثر سؤال الشهادة فهتف به هاتف إنك إن غزوت أسرت وإن أسرت تنصرت فكف عن سؤاله وفِي الجملة فمن حفظ حدود الله وراعي حقوقه تولي الله حفظه فِي أمور دينه ودنياه وفِي دنياه وآخرت.
وقَدْ أخبر الله تعالى: أنه ولي الْمُؤْمِنِين وأنه يتولي الصالحين وَذَلِكَ يتضمن أنه يتولي مصالحهم فِي الدُّنْيَا والآخرة ولا يكلهم إلى غيره. قال تعالى: {الله ولي الَّذِينَ آمنوا يخرجهم من الظلمَاتَ إلى النور} وَقَالَ تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} وَقَالَ تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} وَقَالَ تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}.
فمن قام بحقوق الله فإن الله يتكفل لَهُ بالقيام بجَمِيع مصالحه فِي الدُّنْيَا والآخرة. فمن أراد أن يتولي الله حفظه ورعايته فِي أموره كُلّهَا فليراع حقوق الله عليه.
ومن أراد أن لا يصيبه شَيْء مِمَّا يكره فلا يأت شيئاً مِمَّا يكرهه الله. كَانَ بعض السَّلَف يدور عَلَى المجالس وَيَقُولُ: من أحب أن تدوم لَهُ الغاية فليتق الله.
وَقَالَ العمري الزاهد لمن طلب منه الوصية: كما تحب أن يكون الله لك فهكَذَا كن لله عز وجل. وفِي بعض الآثار يَقُولُ الله: «وعزتي وجلالي لا أطلع عَلَى قلب عبد فأعلم أن الغالب عَلَيْهِ حب التمسك بطاعتي إلا توليت سياسته وتقويمه».
وفِي بعض الكتب المتقدمة يَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: «ابن آدم لا تعلمني ما يصلحك ابن آدم اتقني... ونم حيث شئت».
والمعني: أنك إِذَا قمت بما عَلَيْكَ لله من حقوق التقوي فلا تهتم بعد ذَلِكَ بصالحك فإن الله هُوَ أعلم بِهَا منك وَهُوَ يوصلها إليك عَلَى أتم الوجوه من غَيْرَ اهتمام منك بها.
وفِي حديث جابر رَضِيَ اللهُ عنهُ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من كَانَ يحب أن يعلم منزلته عِنْدَ الله فلينظر كيف منزلة الله عنده فإن الله ينزل الْعَبْد منه حيث أنزله من نفسه».
فهَذَا يدل عَلَى أنه عَلَى قدر اهتمام الْعَبْد بحقوق الله وبأداء حقوقه مراعاة حقوقه ومراعاة حدوده واعتنائه بذَلِكَ وحفظه لَهُ يكون اعتناؤه به وحفظه له.
فمن كَانَ غاية همه رَضِيَ اللهُ عنهُ وطلب قربه ومعرفته ومحبته وخدمته فإن الله يكون لَهُ عَلَى حسب ذَلِكَ كما قال تعالى: {فاذكروني أذكركم}، {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} بل هُوَ سُبْحَانَهُ أكرم الاكرمين فهو يجازي بالحسنة عشراً ويزيد.
ومن تقرب منه شبراً تقرب منه ذراعاً، ومن تقرب من ذراعاً تقرب منه باعاً ومن أتاه يمشي أتاه هرولة. ما يؤتي الإنسان إلا من قبل نَفْسه ولا يصيبه المكروه إلا من تفريطه فِي حق ربه عز وجل.
قال عَلَي رَضِيَ اللهُ عنهُ: لا يرجوَنَّ عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه. قال بَعْضهمْ: من صفِي صفِي له، ومن خلط خلط عليه. وَقَالَ مسروق: من راقب الله فِي خطرت قَلْبهُ عصمه الله فِي حركات جوارحه وبسط له. هَذَا المعني يطول جداً. وفيما أشرنا إليه كفاية ولله الحمد والمنة.
إِذَا صَدَرَتْ مِنْكَ الذُّنُوْبُ فَدَاوِهَا ** بِرَفْعِ يَدِ فِي اللَّيْلِ واللَّيِلُ مُظْلِمُ

وَلاَ تَقْنَطَنْ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَمَّا ** قُنُوْطُكَ مِنْهَا مِنْ خَطَايَاكَ أَعْظَمُ

فَرَحْمَتُهُ لِلْمُحْسِنِيْنَ كَرَامَةٌ ** وَرَحْمَتُهُ لِلْمُذْنِبِيْنَ تَكَرُّمُ

اللَّهُمَّ ثبتنا عَلَى قولك الثابت فِي الحياة وبعدها، وَاجْعَلْنَا مِنْ عبادك المفلحين الَّذِينَ نورت قُلُوبهمْ بمعرفتك، وأهلتهم لخدمتك، وحرستهم من عَدُوّكَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِيْنَ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.
فصل:
وقوله صلى الله عليه وسلم تجده أمامك وفِي رواية أخري تجاهك معناه: أن من حفظ حدود الله راعي حقوقه وَجَدَ الله معه فِي جَمِيع الأحوال يحوطه وينصره ويحفظه ويوفقه ويؤيده ويسدده فأنه قائم عَلَى كُلّ نفس بما كسبت.
وهو تعالى: {مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} قال قتادة: ومن يتق الله ومن يتق الله يكن معه. ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب والحارس الَّذِي لا ينام والهادي الَّذِي لا يضل.
كتب بعض السَّلَف إلى أخ لَهُ أما بعد: إن كَانَ الله معك فمن تخاف وإن كَانَ عَلَيْكَ فمن ترجو والسلام. وهذه المعية الخاصة بالمتقين غَيْرُ المعية العامة المذكورة فِي قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} وقوله: {وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ}.
فإن المعية الخاصة تقتضي النصر والتأييد والحفظ والاعانة، كما قال تعالى لموسي عَلَيْهِ السَّلام وهارون: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} وقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}.
وكَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَدْ قال لأبي بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عنهُ فِي تلك الحال: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما».
فهَذَا غَيْرُ المعني المذكور فِي قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} فإن ذَلِكَ عام لكل جماعة.
ومن هَذَا المعني الْخَاص الْحَدِيث الالهي وقوله فِيه: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه فإِذَا أحببته كنت سمعه الَّذِي يسمَعَ به وبصره الَّذِي يبصر به ويده التي يبطش بِهَا ورجله التي يمشي بها» إلى غَيْرَ ذَلِكَ من نصوص اْلكِتَاب والسنة الدالة عَلَى قرب الرب سُبْحَانَهُ ممن أطاعه واتقاه وحفظ حدوده وراعاه.
دخل بنان الحمال البرية عَلَى طَرِيق تبوك فاستوحش فهتف به هاتف: لم تستوحش؟ ألَيْسَ حبيبك معك؟ فمن حفظ الله وراعي حقوقه وجده أمامه وتجاهه عَلَى كُلّ حال فليستأنس به وليستغن به عن خلقه.
وفِي الْحَدِيث: «أفضل الإيمان أن يعلم الْعَبْد أن الله معه حيث كان» أخرجه الطبراني وغيره وبسط هَذَا القول يطول جداً.
كَانَ بعض العِلماء الربانيين كثير السفر وحده فخرج النَّاس مرة معه يودعونه فردهم.
اللَّهُمَّ يا من خلق الإنسان فِي أحسن تقويم وبقدرته التي لا يعجزها شَيْء يحيي العظام وهي رميم. نسألك أن تهدينا إلى صراطك المستقيم صراط الَّذِينَ أنعمت عَلَيْهمْ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وأن تغفر لنا ولوالدينا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِيْنَ الاحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وعَلَى آله وصحبه أجمعين.
فصل:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ عَلَى قوله صلى الله عليه وسلم: «تعرف إلى الله فِي الرخاء يعرفك فِي الشدة»: المعني: أن الْعَبْد إِذَا اتقي الله وكَانَ بينه وبينه معرفة فعرفه ربه فِي الشدة وعرفه عمله فِي الرخاء فنجاه من الشدائد بتلك المعرفة.
وهذه أيضاً معرفة خاصة تقتضي القرب من الله عَزَّ وَجَلَّ ومحبته لعبده وإجابته لدعائه ولَيْسَ المراد بِهَا المعرفة العامة، فإن الله لا يخفِي عَلَيْهِ حال أحد من خلقه كما قال تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} وَقَالَ تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ}.
وهَذَا التعرف الْخَاص هُوَ المشار إليه فِي الْحَدِيث الإلهي: «لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتي أحبه» إلى أن قال: «ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه».
اجتمَعَ الفضيل بشعوانة العابدة فسألها الدُّعَاء، فقَالَتْ: يا فضيل وما بينك وبينه، إن دعوته أجابك. فشهق الفضيل شهقة خر مغشياً عليه.
وَقَالَ أبو جعفر السائح: أتي الحسن إلى حبيب أبي مُحَمَّد هارباً من الحجاج فَقَالَ: يا أبا مُحَمَّد احفظني من الشرط هم عَلَى أثري.
فَقَالَ: يا أبا سعيد ألَيْسَ بينك وبينه من الثِّقَة ما تدعوه فيسترك من هؤلاء، ادخل البيت، فدخل الشرط عَلَى أثره فلم يروه فذكروا ذَلِكَ للحجاج فَقَالَ: بل كَانَ فِي بيته إلا أن طمس عَلَى أعينهم فلم يروه.
ومتي حصل هَذَا التعرف الْخَاص للعبد معرفة خاصة بربه توجب لَهُ الإنس به والحياء منه. وهذه معرفة خاصة غَيْر معرفة الْمُؤْمِنِين العامة. ومدار العارفين كلهم عَلَى هذه المعرفة وهَذَا التعرف وإشاراتهم تومئ إلى هذا.
سمَعَ أبو سليمان رجلاً يَقُولُ: سهرت البارحة فِي ذكر النساء. فَقَالَ: ويحك أما تستحي منه يراك ساهراً فِي ذكَر غيره؟ ولكن كيف تستحي ممن لا تعرف؟
وَقَالَ أَحَمَد بن عاصم الأنطاكي: أحب أن لا أموت حتي أعرف مولاي. ولَيْسَ معرفته الإقرار به، ولكن المعرفة الَّذِي إِذَا عرفته استحييت منه. وهذه المعرفة الخاصة والتعرف الْخَاص توجب طمأنينة الْعَبْد بربه وثقته به فِي إنجائه من كُلّ شدة وكرب وتوجب استجابة الرب دعاء عبده.
لما اختفِي الحسن البصري من الحجاج قيل لَهُ: لَوْ خرجت فإنَا نخاف أن يدل عليك. فبكي ثُمَّ قال: أخرج من مصري وأهلي وإخواني، إن معرفتي برَبِّي ونعمه عَلَى أن سينجيني منه إن شَاءَ الله تعالى. فما ضره الحجاج بشَيْء، ولَقَدْ كَانَ يكرمه بعد ذَلِكَ إكراماً شديداً.
وَقَالَ رجل لمعروف: هيجك عَلَى الانقطاع والعبادة ذكر الموت والبرزخ والْجَنَّة والنار؟ فَقَالَ معروف: أي شَيْء هَذَا إن ملكاً هَذَا كله بيده إن كانت بينك وبينه معرفة كفاك جَمِيع هذا.
وَاللهُ أَعْلم. وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وعَلَى آله وصحبه وسلم.
فصل:
ومِمَّا يبين هَذَا ويوضحه الْحَدِيث الَّذِي أخرجه الترمذي من حديث أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عنهُ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يستجيب لَهُ عِنْدَ الشدائد فليكثر الدُّعَاء فِي الرخاء».
وخرج ابن أبي الدُّنْيَا وابن أبي حَاتِم وابن جرير وغيرهم من حديث يزيد الرقاشي عن أنس يرفعه: «إن يونس عَلَيْهِ السَّلام لما دعي فِي بطن الحوت قَالَتْ الملائكة: يا رب هَذَا صوت معروف فِي بلاد غريبة؟ فَقَالَ الله: أما تعرفون ذلك؟ قَالُوا: ومن هو؟ قال: عبدي يونس. قَالُوا: عبدك يونس الَّذِي لم يزل يرفع عملاً متقبلاً ودعوة مستجابة؟ قال: نعم. قَالُوا: يا رب أفلا ترحم ما كَانَ يصنع فِي الرخاء فتنجيه به فِي البلاء؟ قال: بلي فأمر الله الحوت فطرحه بالعراء».
وَقَالَ الضحاك بن قيس: اذكروا الله فِي الرخاء يذكركم فِي الشدة. إن يونس عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يذكر الله فَلَمَّا وقع فِي بطن الحوت قال الله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.
وإن فرعون كَانَ طاغياً ناسياً لذكر الله فَلَمَّا أدركه الغرق قال: آمنت. فَقَالَ الله تعالى: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.
وَقَالَ رشدين بن سعد: قال رجل لأبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عنهُ: أوصني، فَقَالَ: اذكر الله فِي السراء يذكرك فِي الضراء فإن الْعَبْد إِذَا ذكر فِي السراء فنزلت به ضراء فدعا الله عَزَّ وَجَلَّ قَالَتْ الملائكة: صوت معروف فشفعوا له.
وإِذَا كَانَ لَيْسَ بدعاء فِي السراء فنزلت به ضراء فدعا الله عَزَّ وَجَلَّ قَالَتْ الملائكة صوت لَيْسَ بمعروف فلا يشفعون له.
وحديث الثلاثة الَّذِينَ دخلوا الغار وانطبقت عَلَيْهمْ الصخرة يشهد لهَذَا أيضاً. فإن الله فرج عنهم بدعائهم بما كَانَ سبق مِنْهُمْ من الأعمال الصَّالِحَة الْخَالِصَة فِي حال الرخاء من بر الوالدين وترك الفجور وأداء الامانة الخفية.
فإِذَا علم: أن التعرف إلى الله فِي الرخاء يوجب نعرفة الله لعبده فِي الشدة فلا شدة يلقاها الْعَبْد فِي الدُّنْيَا أعظم من شدة الموت وهي أَهْوَن مِمَّا بعدها إن لم يكن مصير الْعَبْد إلى خير. وإن كَانَ مصيره إلى خَيْر فهي آخر شدة يلقاها.
فالواجب عَلَى الْعَبْد: الاستعداد للموت قبل نزوله، بالأعمال الصَّالِحَة والمبادرة إلى ذَلِكَ فإنه لا يدري المرء متي تنزل به هذه الشدة من ليل أو نهار. وذكر الأعمال الصَّالِحَة والمبادرة إلى ذَلِكَ فإنه لا يدري المرء متي تنزل به هذه الشدة من ليل أو نهار. وذكر الأعمال الصَّالِحَة عِنْدَ الموت مِمَّا يحسن ظن المُؤْمِن بربه ويهون عَلَيْهِ شدة الموت ويقوي رجاءه.
قال بَعْضهمْ: يستحبون أن يكون للمرء خيبة من عمل صالح ليكون أَهْوَن عَلَيْهِ عِنْدَ نزول الموت أو كما قال. وكَانُوا يستحبون أن يموت الرجل عقب طاعة عملها من حج أو جهاد أو صيام.
وَقَالَ النخعي: كَانُوا يستحبون أن يكون للمرء خيبة من عمل صالح ليكون أَهْوَن عَلَيْهِ عِنْدَ نزول الموت أو كما قال. وكَانُوا يستحبون أن يموت الرجل عقب طاعة عملها من حج أو جهاد أو صيام.
وَقَالَ النخعي: كَانُوا يستحبون أن يلقنوا الْعَبْد محاسن عمله عِنْدَ موته لكي يحسن ظنه بربه.
قال أبو عبد الرحمن السلمي فِي مرضه: كيف لا أرجو رَبِّي وقَدْ صمت لَهُ ثمانين رمضان. ولما احتضر أبو بكر ابن عياش وبكوا عَلَيْهِ قال: لا تبكوا فإني ختمت القرآن فِي هذه الزاوية ثلاثة عشر ألف ختمة. وروي أنه قال لابنه: أتري إن الله يضيع لأبيك أربعين سنة يختم كُل ليلة.
وَقَالَ بعض السَّلَف لابنه عِنْدَ موته ورآه يبكي قال: لا تبكي فما أوتي أبوك قط. وختم آدم بن أبي إياس القرآن وَهُوَ مسجي للموت ثُمَّ قال: بحبي لك إلا رفقت بي فِيه ذَا المصرع؟ كنت أؤملك لهَذَا كنت أرجوك لهَذَا لا إله إلا الله، ثُمَّ قضي رحمه الله.
وكَانَ عبد الصمد الزاهد يَقُولُ عِنْدَ موته: سيدي لهَذَا الساعة خبأتك حقق حسن ظني بك. وَقَالَ ابن عقيل عِنْدَ موته وقَدْ بكي النسوة: قَدْ وقفت منه خمسين سنة فدعوني أتهنأ بلقائه.
ولما هجم القرامطة عَلَى الحجاج وقتلوهم فِي الطواف وكَانَ عَلَى بن باكوية الصوفِي يطوف فلم يقطع الطواف والسيوف تأخذه حتي وقع.
تضرعٌ إلى فاطر السموات والأرض وثناء عليه:
يَا مَنْ عَلَيْهِ مَدَى الأيامِ مُعْتَمَدِي ** إِلَيْكَ وَجَّهْتُ وَجْهِي لاَ إِلى أَحْدِ

يِا مَالِكَ المُلْكِ يَا مُعْطِيَ الجَزِيْلَ لِمَنْ ** يَرْجُوْ نَدَاهُ بِلاَ مَنٍ وَلاَ نَكَدِ

مَا لِي سِوْاكَ وَمَا لِي غَيْرَ بَابِكَ يَا ** مَوْلاَيَ فَامْحُ بِعَفْوٍ مَا جَنَتْْهُ يَدِي

وانْعِمْ وأَمْطِر عَلَيْنَا رَحْمَةً فَلَنَا ** عَوُائِدٌ مِنْكَ بِالإحْسَانِ وَالْمَدَدِ

وانْظُرْ إِليْنَا فَكم أَوْلَيْتَنَا نِعَماً ** مَا أَنْ تَمُرُّ عَلَى بَالٍ وَلاَ خَلِدِ

يَا مَنْ يُجْيِبُ دُعَائِيْ عِنْدَ مَسْأَلَتِي ** وَمَنْ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَطَأتُ مُعْتَمَدِي

وَاللهُ أَعْلم. وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم.
فصل:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: فمن أطاع الله واتقاه فِي حَيَاتهُ تولاه الله عِنْدَ وفاته عَلَى الإيمان وثبته بالقول الثابت فِي القبر عِنْدَ سؤال الملكين ودفع عنهُ عذاب القبر وآنس وحشته فِي تلك الوحدة والظلمة.
قال بعض السَّلَف: إِذَا كَانَ الله معك عِنْدَ دخول القبر فلا بأس عَلَيْكَ ولا وحشة. ورؤي بعض الصالحين فِي النوم بعد موته فسئل عن حاله فَقَالَ: يؤنسني رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فمن كَانَ الله سُبْحَانَهُ وتعالى أنيسه فِي ظلمَاتَ اللحود إِذَا فارق الدُّنْيَا وتخلي عنها. وفِيه ذَا يَقُولُ بَعْضهمْ:
فَيَا رَبُّ كُنْ لِي مُؤْنِساً يَوْمَ وَحْشَتِي ** فإني بما أنزلته لمصدق

وَمَا ضَرَّنِي أَنِي إِلى اللهِ صَائِرٌ ** وَمَنْ هُوَ مِنَ أَهْلِي أَبَرُ وَأَشْفَقُ

وكَذَلِكَ أهوال القيامة وأفزاعها وشدائدها إِذَا تولي الله عبده المطيع لَهُ فِي الدُّنْيَا أنجاه من ذَلِكَ كله. قال قتادة فِي قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً}. قال: من الكرب عِنْدَ الموت ومن أفزاع يوم القيامة.
وَقَالَ عَلَى بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما فِي هذه الآية: ينجيه من كُلّ كرب فِي الدُّنْيَا والآخرة.
وَقَالَ زيد بن أسلم فِي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}. قال: يبشر فِي ذَلِكَ عِنْدَ موته وفِي قبره ويوم البعث فإنه لفِي الْجَنَّة، وما ذهبت فرحة البشارة من قلبه.
وَقَالَ ثابت البناني فِي هذه الآية: بلغنا أن المُؤْمِن يبعثه الله من قبره يتلقاه الملكَانَ اللذان كانَا معه فِي الدُّنْيَا فيقولان لَهُ لا تخف ولا تحزن فيؤمن الله خوفه ويقر عينه.
فما من عظيمة تغشي النَّاس يوم القيامة إلا وهي للمُؤْمِن قرة عين لما هداه الله ولما كَانَ يعمل فِي الدنيا. خرج ذَلِكَ كله ابْن أَبِي حَاتِم وغيره.
وأما من لم يتعرف إلى الله فِي الرخاء فلَيْسَ لَهُ أن يعرفه فِي الشدة لا فِي الدُّنْيَا ولا فِي الآخرة، وشواهد هَذَا مشاهدة حالهم فِي الدُّنْيَا وحالهم فِي الآخرة أشد وما لهُمْ من ولي ولا نصير.
قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سألت فاسأل الله» أمر بإفراد الله تعالى بالسؤال ونهي عن غيره من الخلق.
وقَدْ أمر سُبْحَانَهُ وتعالى بسؤاله فَقَالَ: {وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ}. وفِي الترمذي عن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عنهُ مرفوعاًَ: «من لا يسأل الله يغضب عليه».
وفِيهِ أيضاً عن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: «اسألوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل».
وفِيهِ أيضاً: «إن الله يحب الملحين فِي الدعاء».
وفِي حديث آخر: «ليسأل أحدكم حاجته كلها حتي يسأل شسع نعله إِذَا انقطع». وفِي هذَا المعني أحاديث كثيرة.
وفِي النهي عن سؤال الخلق أحاديث كثيرة صحيحة. وفِي حديث ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «لا يزال الْعَبْد يسأل وَهُوَ غني حتي يخلق وجهه فلا يكون لَهُ عِنْدَ الله وجه».
وقَدْ بايع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة عَلَى أن لا يسألوا النَّاس شيئاً مِنْهُمْ الصديق رَضِيَ اللهُ عنهُ وأبو ذر وثوبان.
وكَانَ أحدهم يسقط سوطه وخطام ناقته فلا يسأل أَحَداً أن يناوله إياه رضي الله عنهم. واعلم أن سؤال الله تعالى دون خلقه هُوَ المتعين عقلاً وشرعاً.
وَذَلِكَ من وجوه متعددة منها أن السؤال فِيهِ بذل لماء الوجه وذل للسائل وَذَلِكَ لا يصلح إلا لله وحده. فلا يصلح الذل إلا لله بالعبادة والمسألة وَذَلِكَ من غاية المحبة الصادقة.
سئل يوسف بن الحسين: ما بال المحبين يتلذذون بذلهم فِي المحبة فأنشد:
ذُلَّ الفَتَى فِي الحُبِ مَكْرُمَةٌ ** وَخُضُوعُهُ لِحَبِيْبِهِ شَرَفُ

وهَذَا الذل وهذه المحبة لا تصلح إلا لله وحده وهذه حَقِيقَة العبادة التي يختص بِهَا الإله الحق.
كَانَ الإمام أَحمَدُ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ فِي دعائه: اللَّهُمَّ كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك.
وَقَالَ أبو الحسين الأقطع: كنت بمَكَّة سنة فأصابتني فاقة وضرر فكنت كُلَّما أردت أن أخرج إلى المسألة هتف بي هاتف يَقُولُ: الوجه الَّذِي تسجد لي به تبذله لغيري. انتهي كلامه رَحِمَهُ اللهُ تعالى.
وَاللهُ أَعْلم وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم.
فصل:
وَقَالَ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ: للعبد ستر بينه وبين الله وستر بينه وبين النَّاس فمن هتك الستر الَّذِي بينه وبين الله هتك الله الستر الَّذِي بينه وبين الناس.
للعبد رب هُوَ ملاقيه، وبيت هُوَ ساكنه، فينبغي لَهُ أن يسترضي ربه قبل لقائه، ويعمر بيته قبل انتقاله إليه.
إضاعة الوَقْت أشد من الموت، لأن إضاعة الوَقْت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدُّنْيَا وأهلها.
الدُّنْيَا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة فَكَيْفَ بغم العمر كله. محبوب الْيَوْم يعقب المكروه غداً، ومكروه الْيَوْم يعقب المحبوب غداً.
أعظم الرِّبْح فِي الدُّنْيَا: أن تشغل نفسك كُلّ وَقْت بما هُوَ أولي بِهَا وأنفع لها فِي معادها.
كيف يكون عاقلاً من باع الْجَنَّة بما فيها بشهوة ساعة.
المخلوق إِذَا خفته استوحشت منه وهربت منه والرب تعالى إِذَا خفته أنست به وقربت إليه. لَوْ نفع العلم بلا عمل لما ذم الله سُبْحَانَهُ أحبار أَهْل اْلكِتَاب، ولَوْ نفع الْعَمَل بلا إخلاص لما ذم المنافقين.
إِذَا جري عَلَى الْعَبْد مقدور يكرهه فله فِيهِ ست مشاهد:
أحدها: مشهد التَّوْحِيد وأن الله هُوَ الَّذِي قدره وشاءه وخلقه وما شَاءَ الله كَانَ وما لم يشأ لم يكن.
الثاني: مشهد العدل وأنه ماض فِيهِ حكمه عدل فِيهِ قضاؤه.
الثالث: مشهد الرحمة وإن رحمته فِيه ذَا المقدور غالبة لغضبة وانتقامه ورحمته وعفوه.
الرابع: مشهد الحكمة وإن حكمته سُبْحَانَهُ اقتضت ذَلِكَ لم يقدره سدي ولا قضاه عبثاً.
الخامس: مشهد الحمد وأن لَهُ سُبْحَانَهُ الحمد التام عَلَى ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ وجوهه.
السادس: مشهد العبودية وأنه محض من كُلّ وجه تجري عَلَيْهِ أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية فهو محل لجريان هذه الأحكام عليه.
الاجتماع بالإخْوَان قسمان:
أحدهما: اجتماع عَلَى مؤانسة الطبع وشغل الوَقْت، فهَذَا مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فِيهِ أنه يفسد الْقَلْب ويضيع الوقت.
الثاني: الاجتماع بِهُمْ عَلَى التعاون عَلَى أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر، فهَذَا من أعظم الغنيمة وأنفعها.
ولكن فِيهِ ثلاث آفات:
إحداها: تزين بَعْضهمْ لبعض.
الثَّانِيَة: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.
الثالثة: أن يصير ذَلِكَ شهوة وعادة ينقطع بِهَا عن المقصود.
وبالجملة: فالاجتماع والخلطة لقاح، إما للنفس الأمارة، وإما للقلب والنفس المطمئنة والنتيجة مستفادة من اللقاح فمن طاب لقاحه طابت ثمرته.
وهذه الأرواح الطيبة لقاحها من الملك والخبيثة لقاحها من الشيطان وقَدْ جعل الله سُبْحَانَهُ بحكمته الطيبات للطيبين والطيبين والطيبين للطيبات وعكس ذلك.
بين الْعَبْد وبين الله والْجَنَّة قنطرة تقطع بخطوتين خطوة عن نَفْسه، وخطوة عن الخلق فيسقط نَفْسه ويلغيها فيما بينه وبين النَّاس ويسقط النَّاس ويلغيهم فيما بينه وبين الله؛ فلا يلتفت إلا إلى الله من دله عَلَى الله وعَلَى الطَرِيق الموصلة إليه.
من عرف نَفْسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس.
من عرف ربه اشتغل به عن هوي نفسه.
أنفع الْعَمَل أن تغيب فِيه عن النَّاس بالإخلاص وعن نفسك بشهود المنة فلا تري فِيه نفسك ولا تري الخلق.
دخل النَّاس النار من ثلاثة أبواب: باب شبهة أورثت شكاً فِي دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهَوَى عَلَى طاعته ومرضاته، وباب غضب أورث العدوان عَلَى خلقه.
أصول الخطايا كُلّهَا ثلاثة: الكبر، وَهُوَ الَّذِي أصار إبلَيْس إلى ما أصاره والحرص، وَهُوَ الَّذِي أخرج آدم من الجنة.
والحسد، وَهُوَ الَّذِي جرأ أحد ابني آدم عَلَى أخيه. فمن وقي شر هذه الثلاثة فقَدْ وقي الشر، فالكفر من الكبر، والمعاصي من الحرص، والبغي والظلم من الحسد.
جمَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي قوله: «فاتقوا الله وأجملوا فِي الطلب» بين مصالح الدُّنْيَا والآخرة.
فالآخرة ونعيمها ولذاتها، إنما تنال بتقوي الله وراحة القلب والبدن وترك الاهتمام والحرص الشديد والتعب والعناء والكد والشقاء فِي طلب الدُّنْيَا، إنما ينال بالإجمال فِي الطلب.
فمن اتقي الله فاز بلذة الآخرة ونعيمها، ومن أجمل فِي الطلب استراح من نكد الدُّنْيَا وهمومها، فالله المستعان:
قَدْ نَادَتِ الدُّنْيَا عَلَى نَفْسِهَا ** لَوْ كَانَ فِي ذَي الخُلُقِ مَنْ يَسْمَعُ

كم وَاثِقٍ بِالعَيْشِ أَهْلَكَتْهُ ** وَجَامِعٍ فَرَقَتْ مَا يَجْمَعُ

سر التوكل عَلَى الله وحقيقته: هُوَ اعتماد الْقَلْب عَلَى الله وحده، فلا يضر مباشرة الأسباب مَعَ خلَوْ الْقَلْب من الاعتماد عَلَيْهَا والركون إليها، كما لا ينفعه قوله: توكلت عَلَى الله، مَعَ اعتماده عَلَى غيره وركونه إليه وثقته به.
فتوكل اللسان شَيْء، وتوكل الْقَلْب شيء. كما أن توبة اللسان مَعَ إصرار الْقَلْب مَعَ اعتماده عَلَى غيره وركونه إليه وثقته به.
فتوكل اللسان شَيْء، وتوكل الْقَلْب شيء. كما أن توبة اللسان مَعَ إصرار الْقَلْب مَعَ اعتماد قَلْبهُ عَلَى غيره، مثل قوله: تبت إلى الله وَهُوَ مصر عَلَى معصيته مرتكب لها.
اتباع الهَوَى وطول الأمل، مادة كُلّ فساد، فإن اتباع الهَوَى يعمي عن الحق معرفة وقصداً، وطول الأمل ينسي الآخرة ويصد عن الاستعداد لها.
إِذَا أراد الله بعبد خيراً جعله معترفاً بذنبه، ممسكاً عن ذنب غيره، جواداً بما عنده، محتملاً لأذي غيره، وإن أراد به شراً عكس ذَلِكَ عليه.
العقول المقيدة بالتَّوْفِيق، تري أن ما جَاءَ به الرَّسُول صلى الله عليه وسلم هُوَ الحق الموافق للعقل والحكمة.
والعقول المضروبة بالخذلان، تري المعارضة بين العقل والنقل وبين الحكمة والشرع.
أقرب الوسائل إلى الله، ملازمة السنة والوقوف معها فِي الظاهر والباطن ودوام الافتقار إلى الله، وإرادة وجهه وحده بالأقوال والأفعال.
وما وصل أحد إلى الله إلا من هذه الثلاثة، وما انقطع عنهُ أحد إلا بانقطاعه عنهَا أو عن أحدها.
الأصول التي انبنى عَلَيْهَا سعادة الْعَبْد ثلاثة، ولكل واحد منها ضد، فمن فقَدْ ذَلِكَ الأصل حصل عَلَى ضده، التَّوْحِيد وضده الشرك، والسنة وضدها البدعة، والطاعة وضدها المعصية.
ولهذه الثلاثة ضد واحد وَهُوَ: خلَوُ الْقَلْب من الرغبة فِي الله وفيما عنده، ومن الرهبة منه وما عنده.
إِذَا استغني النَّاس بالدُّنْيَا، فاستغن أَنْتَ بِاللهِ، وإِذَا فرحوا بالدُّنْيَا فافرح أَنْتَ بِاللهِ، وإِذَا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله.
وإِذَا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بِهُمْ العزة والرفعة، فتعرف أَنْتَ إلى الله وتودد إليه، تنل بذَلِكَ غاية العز والرفعة.
قال بعض الزهاد: ما علمت أن أَحَدا سمَعَ بالْجَنَّة والنار تأتي عَلَيْهِ ساعة لا يطيع الله فيها بذكر أو صلاة أو قراءة أو إحسان. فَقَالَ لَهُ رجل إني أكثر البُكَاء فَقَالَ: إنك إن تضحك وأَنْتَ مقر بخطيئتك خَيْر من أن تبكي وأَنْتَ مدل بعملك، وأن المدل لا يصعد عمله فوق رأسه.
فَقَالَ: أوصني فَقَالَ: دع الدُّنْيَا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها، وكن فِي الدُّنْيَا كالنحلة، إن أكلت أكلت طيباً، وإن أطعمت أطعمت طيباً، وإن سقطت عَلَى شَيْء لم تكسره ولم تخدشه.
النعم ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بِهَا الْعَبْد، ونعمة منتظرة يرجوها، ونعمة هُوَ فيها لا يشعر بها. فإِذَا أراد إتمام نعمته عَلَى عبده، عرفه نعمته الحاضرة، وأعطاه من شكره قيداً يقيدها به حتي لا تشرد فإنها تشرد بالمعصية وتبقي بالشكر، ووفقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة، وبصره بالطرق التي تسدد وتقطع طريقها، ووفقه لاجتنابِهَا، وإِذَا بِهَا قَدْ وافقته إليه عَلَى أتم الوجوه، وعرفه النعم التي هُوَ فيها ولا يشعر بها.
ويحكي أن أعرابياً دخل عَلَى الرشيد فَقَالَ: أمير الْمُؤْمِنِين ثَبِّتْ الله عَلَيْكَ النعم التي أَنْتَ فيها بإدامة شكرها، وحقق لك النعم التي ترجوها بحسن الظن به ودوام طاعته، وعرفك النعم التي أَنْتَ فيها ولا تعرفها لتشكرها، فأعجبه ذَلِكَ منه وَقَالَ: ما أحسن تقسيمه.
قال شقيق بن إبراهيم: أغلق باب التَّوْفِيق عن الخلق من ستة أشياء: اشتغالهم بالنعمة عن شكرها، ورغبتهم فِي العلم وتركهم العمل والمسارعة إلى الذنب وتأخَيْر التوبة، والاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بأفعالهم، وإدبار الدُّنْيَا عنهم وهم يتبعونها، وإقبال الآخرة عَلَيْهمْ وهم معرضون عنها.
قُلْتُ: وأصل ذَلِكَ: عدم الرغبة والرهبة، وأصله ضعف اليقين، وأصله ضعف البصيرة، وأصله مهانة النفس ودناءتها، واستبدال الَّذِي هُوَ أدني بالَّذِي هُوَ خير.
النَّاس مُنْذُ خلقوا لم يزالوا مسافرين، ولَيْسَ لّهُمْ حط من رحالهم إلا فِي الْجَنَّة أو النار، والعاقل يعلم أن السفر مبني عَلَى المشقة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فِيه نعيم ولذة وراحة، إنما ذَلِكَ بعد انتهاء السفر.
ومن المعلوم أن كُلّ وطأة قدم، أو كُلّ من آنات السفر غَيْر واقفة، ولا المكلف واقف، وقَدْ ثَبِّتْ أنه سافر عَلَى الحال التي يجب أن يكون المسافر عَلَيْهَا من نهيئة الزَادَ الموصل، وإِذَا نزل أو نام أو استراح، فعَلَى قدم الاستعداد للسير.
لله عَلَى الْعَبْد فِي كُلّ عضو من أعضائه أمر، وله عَلَيْهِ فِيه نهي، وله فِيه نعمة، وله فِيه منفعة ولذة، فإن قام فِي ذَلِكَ العضو بأمره واجتنب فِيه نهيه. فقَدْ أدي شكر الله عَلَيْهِ فِيه، وسعي فِي تكميل انتفاعه ولذته به، وإن عطل أمر الله ونهيه فِيه، عطله الله من انتفاعه بذَلِكَ العضو، وجعله من أكبر أسباب ألمه ومغرته.
وله عَلَيْهِ فِي كُلّ وَقْت من أوقاته عبودية تقدمه إليه وتقربه منه، فإن شغل وقته بعبودية الوَقْت، تقدم به إلى ربه، وإن شغله بهوي أو راحة وبطالة تأخر، فالْعَبْد لا يزال فِي تقدم أو تأخر، ولا وقوف فِي الطَرِيق البتة.
قال تعالى: {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}.
وَاللهُ أَعْلم وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وعَلَى آله وصحبه وسلم.
وَقَالَ القحطاني رَحِمَهُ اللهُ:
يَا أَيُّهَا السُّنيُّ خُذْ بِوَصِيَّتِي ** وَأخْصُصْ بِذَلِكَ جُمْلَةَ الإخْوانِ

وَاقْبِلْ وَصِيَّةَ مُشْفِقٍ مَتَوَدِّدٍ ** وَأسْمَعْ بِفَهْمٍ حَاضِرٍ يَقْظَانِ

كُنْ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا مُتَوَسِّطاً ** عَدْلاً بِلاَ نَقْصٍ وَلاَ رُجْحَانِ

واعْلم بِأَنَّ اللهَ رَبٌّ وَاحِدٌ ** مُتَنَزَّهٌ عن ثَالِثٍ أَوْ ثَان

الأوَّلُ المُبْدِي بِغَيْرِ بِدَايَةٍ ** والآخِرُ المُفْنِي وَلَيْسَ بِفَانِ

رُكْنُ الدَّيانَةِ أَنْ تُصَدِّقَ بِالقَضَا ** لاَ خَيْرَ فِيٍ بَيْتٍ بِلا أَرْكَانِ

فَاقْصِدْ هُدِيْتَ وَلاَ تَكُنْ مُتَغَالِياً ** إِنَّ القُدُوْرَ تَفُورُ بِالغَلَيَانِ

دِنْ بِالشَّرِيْعَةِ واْلكِتَابِ كِلَيْهِمَا ** فَكِلاَهُمَا لِلّدِينِ وَاسِطَتَانِ

وإِذَا دُعِيْتَ إِلى أَدَاءِ فَرْيْضَةٍ ** فَأنْشَطْ وَلاَ تَكُ فِي الإجَابَةِ وَانِ

قُمْ بِالصَّلاَةِ الخَمْسِ واعْرِفْ قَدْرَهَا ** فَلَهُنَّ عِنْدَ اللهِ أَعْظَمُ شَانِ

لاَ تَمْنَعَنَّ زَكَاةَ مَالِكَ ظَالِماً ** فَصَلاتَنَا وَزَكَاتَنَا أُخْتَانِ

لاَ تَعْتَقِدْ دِيْنَ الرَّوافِضِ أِنَّهُمْ ** أَهْلُ المُحَالِ وَشِيعَةُ الشَّيْطَانِ

إٍِنَّ الرَّوافِضَ شّرُّ مَنْ َوِطىءَ الحَصَا ** مِنْ كُلِّ إِنْسٍ نَاطِقٍ أَوْ جَانِ

مَدَحُوا النَّبِيَّ وَخَوَّنُوا أَصْحَابَهُ ** وَرَمَوْهُمْ بِالظُّلْمِْ والعُدْوَانِ

قُلْ إِنَّ خَيْرَ الأنْبِياءِ مُحَمَّدٌّ ** وَأَجَلُّ مَنْ يَمْشِي عَلَى الكُثْبَانِ

قُلْ خَيْر قَوْلٍ فِيٍ صَحَابَةِ أََحْمَدٍ ** وامْدَحْ جَمِيعَ الآلِ والنِّسْوانِ

دَعْ مَا جَرَى بَيْنَ الصَحَابَةِ فِي الوَغَى ** لِسُيُوفِهِمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ

لاَ تَقْبَلَنَّ مِنَ التَّوَارِخِ كُلَّ مَا ** جَمَعَ الرُّواةُ وَخَطَ كُلُّ بَنَانِ

ارْوِ الْحَدِيثَ المُنْتَقَى عن أَهْلِهِ ** سِيْمَا ذَوِي الأحْلاَمِ والأسْنَانِ

واحْفَظْ لأَهْلِ البَيْتِ وَاجِبَ حَقِّهِمْ ** وَاعْرِفْ عَلِياً أيَّمَا عِرْفَانِ

لاَ تَنْتَقِصْهُ وَلاَ تَزِدْ فِي قَدْرِهِ ** فعَلَيْهِ تَصْلَى النَّارَ طَائِفَتَانِ

إِحْدَاهُمَا لاَ تَرْتَضِيْهِ خَلِيْفَةً ** وَتَنُصُّهُ الأخْرى إِلهاً ثَانِ

احْذَرْ عِقَابِ اللهِ وَارْجُ ثَوَابَهُ ** حَتَّى تَكُونَ كَمَنْ لَهُ قَلْبَانِ

وإِذَا خَلَوْتَ بِريَبَةٍ فِي ظُلْمَةٍ ** وَالنَفْسُ دَاعِيَةٌ إِلى الطُغْيَانِ

فاسْتَحْيْ مِنْ نَظَرِ الإلَه وَقُلْ لَهَا ** إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلاَمَ يَرَانِي

كُنْ طَالِباً لِلّعِلْمِ واعْمَلْ صَالِحاً ** فَهُمَا إِلى سُبْلِ الهُدَى سَبَبَانِ

لاَ تَعْصِ رَبَّكَ قَائِلاً أَوْ فَاعِلاً ** فَكِلاَهُمَا فِي الصُّحْفِ مَكْتُوبَانِ

جَمِّلْ زَمَانَكَ بِالُّسُكوِت فَإِنَّهُ ** زَيْنُ الحَلِيْمِ وَسِتْرَةُ الحَيْرانِ

كُنْ حِلْسَ بَيْتِكَ إِنْ سَمِعْتَ بِفِتْنَةٍ ** وَتَوَقَّ كُلُّ مُنَافِقٍ فَتَّانِ

أَدَ الفَرائِضَ لاَ تَكُنْ مُتَوانِياً ** فَتَكُونَ عِنْدَ اللهِ شَرَّ مُهَانِ

أَدَمِ السِّوَاكَ مَعَ الوُضُوءِ فَإِنَّهُ ** مُرْضِي الإلهِ مُطهَّرِ الأسْنَانِ

سَمِّ الإلَه لَدَى الوُضُوءِ بِنْيَّةٍ ** ثُمَّ اسْتَعِذْ مِنْ فِتْنَةِ الوَلْهَانِ

فَأَسَاسُ أَعْمَالِ الوَرَى نِيَّاتُهُمْ ** وعَلَى الأسَاسِ قَواعِدُ البُنْيَانِ

لاَ تَلْقَ رَبَّكَ سَارِقاً أَوْ خَائِناً ** أَوْ شَارِباً أَوْ ظَالِماً أَوْ زَانِي

أَيْقِنْ بِأَشْرَاطِ القِيَامَةِ كُلِّهَا ** واسْمَعْ هُدِيتَ نَصِيْحَتِي وَبَيَانِ

أَحْسِنْ صَلاَتَكَ رَاكِعاً أَوْ سَاجِداً ** بِتَطْمْؤُنٍ وَتَرَفُّقٍ وَتَدَانِ

حَصِّنْ صِيَامَكَ بِالسُّكُوتِ عن الخَنَا ** أَطْبِقْ عَلَى عَيْنَيْكَ بِالأجْفَانِ

لاَ تَمْشِ ذَا وَجْهَيْنِ مِنْ بَيْنِ الوَرَى ** شَرُّ البَرْيَّةِ مَنْ لَهُ وَجْهَانِ

لاَ تَحْسُدَنْ أَحَداً عَلَى نَعْمَائِهِ ** إِنَّ الحَسُودَ لِحُكَمِ رَبِّكَ شَانِ

لاَ تَسْعَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ نَمِيْمَةً ** فَلأَجْلِهَا يَتَبَاغَضُ الخِلاَنِ

وَتَحَرَّ بِرَّ الوَالِدّيْنِ فَإِنَهُ ** فرض عَلَيْكَ وطاعة السلطان

فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ الإلَهِ فَإِنَهُ ** لاَ طَاعَةٌ لِلْخَلْقِ فِي العِصْيَانِ

لاَ تَخْرُجَنَّ عَلَى الإمام مُحَارِباً ** ولَوْ أَنَّهُ رَجُلِ مِنَ الحُبْشَانِ

وَمَتَى أُمِرْتَ بِبِدْعَةٍ أَوْ زَلَّةٍ ** فَاهْرُبْ بِدِيْنِكَ آخِرَ البُلْدَانِ

الدِّيْنُ رَأْسُ الْمَالِ فاسْتَمْسِكْ بِهِ ** فَضَيَاعُهُ مِنْ أَعْظَمِ الخُسْرَانِ

لاَ تَخْلُ بِامْرَأةٍ لَدَيْكَ بِرِيْبَةٍ ** لَوْ كُنْتَ فِي النُّسَّاكِ مِثْلَ بَنَانِ

واغْضُضْ جُفُونَكَ عن مُلاَحَظَةِ النِّسَا ** وَمَحَاسِنِ الأحْدَاثِ وَالصِّبْيَانِ

واحْفِرْ لِسِرِّكَ فِي فُؤَادِكَ مَلْحَداً ** وادْفِنْهُ فِي الأحْشَاءِ أَيَّ دِفَانِ

لاَ يَبْدُ مِنْكَ إِلى صَدِيقِكَ زَلَّةٌ ** واجْعَلْ فُؤَادَكَ أَوْثَقَ الخُلاَّنِ

لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الذُّنُوبِ صِغَارَهَا ** فَالقَطْرُ مِنْهُ تَدَفُّقُ الخِلْجَانِ

وَإِذَا نَذَرْتَ فَكُنْ بِنَذْرِكَ مُوَفْياً ** فَالنَّذْرُ مِثْلُ العَهْدِ مَسْئُولاَنِ

لاَ تَشْغَلَنّ بِعَيْبِ غَيْرِكَ غَافِلاً ** عن عَيْبِ نَفْسِكَ إِنَّهُ عَيْبَانِ

لاَ تُفْنِ عُمْرَكَ فِي الجِدَالِ مُخَاصِماً ** إِنَّ الجِدَالَ يُخِلُّ بِالأدْيَانِ

وَاحْذَّرْ مُجَادَلَةَ الرِّجَال فَإِنَّهَا ** تَدْعُو إِلى الشَّحْنَاءِ وَالشَّنَآنِ

وَإِذَا اضْطُرِرْتَ إِلى الجِدَالِ وَلم تَجِدْ ** لَكَ مَهْرَباً وَتَلاَقَتَ الصَّفَانِ

فَاجْعَلْ كِتَابَ اللهِ دِرْعاً سَابِغاً ** وَالشَّرْعَ سَيْفَكَ وَابْدُ فِي المَيْدَانِ

وَالسُّنَةَ البَيْضَاءَ دُوْنَكَ جُنَّةًَ ** وَارْكَبْ جَوَادَ العَزْمِ فِي الجَوَلاَنِ

واثْبُتْ بِصَبْرِكَ تَحْتَ ألْوَيِةِ الهُدَى ** فَالصَّبْرُ أَوْثَقُ عُدَّةِ الإنسان

واطْعن بِرُمْحِ الحَقِ كُلَّ مُعَانِدٍ ** للهِ دَرُّ الفَارِسِ الطَّعَانِ

واحْمِلْ بِسَيْفِ الصِّدْقِ حَمْلةَ مُخْلِصٍ ** مُتَجَرِّدٍ للهِ غَيْرَ جَبَانِ

وَإِذَا غَلَبْتَ الخَصْمِ لاَ تَهْزَأْ بِهِ ** فَالعُجْبَ يُخْمِدُ جَمْرَةَ الإنسان

لاَ تَغْضَبَنَّ إِذَا سُئِلْتَ وَلاَ تَصِحْ ** فَكِلاَهُمَا خُلُقَانِ مَذْمُومَانِ

كُنْ طُوْلَ دَهْرِكَ سَاكِتاً مُتَواضِعاً ** فَهُمَا لِكُلِّ فَضِيْلَةٍ بَابَانِ

واخْلَعْ رِدَاءَ الكِبْرِ عنكَ فَإِنَّهُ ** لاَ يَسْتَقِلُّ بِحَمْلِهِ الكَتِفَانِ

كُنْ فَاعِلاً لِلّخَيْرِ قَوَّإلا لَهُ ** فَالقَوْلُ مِثْلُ الْفِعْلِ مُقْتَرِنَانِ

مِنْ غَوْثِ مَلْهُوْفٍ وَشَبْعَةِ جَائِعٍ ** وَدِثَارِ عُرْيَانٍ وَفِدْيَةِ عَانِ

فَإِذَا فَعَلْتَ الْخَيْرَ لاَ تَمْنُنْ بِهِ ** لاَ خَيْرَ فِي مُتَمَدِّحٍ مَنَانِ

اشْكُرْ عَلَى النَّعْمَاءِ واصْبِرْ لِلْبَلاَ ** فَكِلاَهُمَا خُلُقَانِ مَمْدُوْحَانِ

لاَ تَشْكُوَنَّ بِعِلّةٍ أَوْ قِلَّةٍ ** فَهُمَا لِعِرَضِ المَرْءِ فَاضِحَتَانِ

صُنْ حُرَّ وَجْهِكَ بِالقَنَاعَةِ إِنَّمَا ** صَوْنَ الوُجُوهِ مُرُوْءَةُ الفِتْيَانِ

بِاللهِ ثِقْ وَلَهُ أَنِبْ وَبِهِ اسْتَعِنْ ** فَإِذَا فَعَلتَ فَأَنْتَ خَيْرُ مُعَانِ

وَإِذَا عَصَيْتَ فَتُبْ لِرَّبِكَ مُسْرِعاً ** حَذَرَ الْمَمَاتِ وَلاَ تَقُلْ لم يَانِ

وَإِذَا ابْتُلِيْتَ بِعُسْرَةٍ فَاصْبِرْ لَهَا ** فَالعُسْرُ فَرْدٌ بَعْدَهُ يُسْرَانِ

لاَ تَتَّبِعْ شَهَوَاتِ نَفْسِكَ مُسْرِفاً ** فَاللهُ يُبْغِضُ عَابِداً شَهْوَانِي

اعْرِضْ عن الدُّنْيَا الدَّنيَّةِ زَاهِداً ** فَالزُّهْدُ عِنْدَ أُولِي النُّهَى زُهْدَانِ

زُهْدّ عن الدُّنْيَا وَزُهْدّ فِي الثَّنَا ** طُوبَى لِمَنْ أَمْسَى لَهُ الزُّهْدَانِ

وَاحْفَظْ لِجَارِكَ حَقَّهُ وَذِمَامَهُ ** وَلِكُلَِّ جَارٍ مُسْلِمٍ حَقَّانِ

واضْحَكْ لِضَيْفِكَ حِيْنَ يُنْزِلُ رَحْلَهُ ** إِنَّ الكَرِيْمَ يُسَرُّ بِالضَّيِفَانِ

وَصِلْ ذَوِي الأرْحَامِ مِنْكَ وَإِنْ جَفَوْا ** فَوِصَالُهُمْ خَيْرٌ مِنْ الهِجْرانِ

وَاصْدُقْ وَلاَ تَحْلِفْ بِرَبِكَ كَاذِباً ** وَتَحَرَّ فِي كَفَّارَةِ الإيمان

وَتَوَقَّ أَيْمَانَ الغَمُوسِ فَإِنَّهَا ** تَدَعْ الدّيَارَ بِلاَقِعَ الحِيْطَانِ

أَعْرِضْ عن النِّسْوانِ جُهْدَكَ وانْتَدِبْ ** لِعِنْاقِ خَيْراتٍ هُنَاكَ حِسَانِ

فِي جَنَّةٍ طَابَتْ وَطَابَ نَعْيْمُهَا ** مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ بِهَا زَوْجَانِ

إِنْ كُنْتَ مُشْتَاقاً لَهَا كَلِفاً بِهَا ** شَوْقَ الغَرِيْبِ لِرُؤْيَةِ الأوْطَانِ

كُنْ مُحْسِناً فِي مَا اسْتَطَعْتَ فَرُبَما ** تُجْزَى عن الإحْسَانِ بِالإحْسَانِ

واعْمَلْ لِجَنَّاتِ النَّعِيْمِ وَطِيْبِهَا ** فَنَعِيْمُهَا يَبْقَى وَلَيْسَ بِفَانِ

قُمْ فِي الدُّجَى واتْلُ اْلكِتَابَ وَلاَ تَنَمِ ** إلا كَنَوْمَةِ حَائِرٍ وَلْهَانِ

فَلَرُبَما تَأْتِي المَنِيَّةُ بَغْتَةً ** فَتُسَاقُ مِنْ فُرُشٍ إِلى الأكْفَانِ

يَا حَبَّذَا عَيْنَانِ فِي غَسَقِ الدُجَى ** مِنْ خَشْيَةِ الرَّحْمَنِ بَاكِيَتانِ

لاَ تَجْزَعَنَّ إِذَا دَهَتْكَ مُصِيْبَةٌ ** إِنَّ الصَّبْورَ ثَوَابُهُ ضِعْفَانِ

فَإِذَا ابْتُلِيْتَ بِنَكْبَةٍ فَاصْبِرْ لَهَا ** اللهُ حَسْبِي وَحْدَهُ وَكَفَانِي

وعَلَيْكَ بِالفِقْهِ المُبَيِّنِ شَرْعَنَا ** وَفَرَائِضِ المِيْرَاثِ وَالقُرْآنِ

أَمْرِرْ أَحَادِيثَ الصِّفَاتِ كَمَا أَتَتْ ** مَنْ غَيْرَ تَحْرِيْفٍ وَلاَ هَذَيَانِ

هُوَ مَذْهَبُ الزُّهْرِيُ وَوَافَقَ مَالِكٌ ** وَكِلاَهُمَا فِي شَرْعِنا عَلَمَانِ

واللهُ يَنْزِلُ كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ ** بِسَمَائِهِ الدُّنْيَا بِلاَ كِتْمَانِ

فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُجِيْبُهُ ** فَأَنَا القَرْيِبُ أُجِيْبُ مَنْ نَادَانِي

والأصْلُ أَنَّ اللهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ ** شَيْءٌ تعالى الرَّبُّ ذُو الإحْسَانِ

صَلَّى الإلَهُ عَلَى النَّبِيّ مُحَمَّدٍ ** مَا نَاحَ قَمْرِيٌّ عَلَى الأغْصَانِ

وعَلَى جَمِيْعِ بَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ ** وعَلَى جَمِيْعِ الصَّحْبِ والإخْوان