فصل: باب: في توريث ذوي الأرحام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: في توريث ذوي الأرحام:

6404- اختلف أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في توريثهم: فذهب أبو بكر الصديق، وعثمان بنُ عفان، وزيدُ بنُ ثابت، وعبدُ الله بنُ الزبير إلى أن ذوي الأرحام لا يرثون بالرحم شيئاً، وجعلوا مالَ من لم يخلِّف غيرَهم لبيت المال، وبه قال سعيد بنُ المسيب، والزهري، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وعلماء المدينة، وداود، وأهل الظاهر.
وذهب علي، وابنُ عباس، وابن مسعود، ومُعَاذ بنُ جبلٍ، وأبو عبيدة، وأبو الدرداء، وعائشة إلى توريث ذوي الأرحام، وإليه ذهب أحمد، وإسحاق بن راهْوَيْه، وأبو حنيفة، وأصحابُه، ويحى بنُ آدم، وطائفة.
واختلفت الرواية في ذلك عن عمرَ، فروى عاصمُ عن زِرِّ بن حُبَيش، أنه قال: "كان عمر بن الخطاب يورّث العمةَ والخالة".
وروى الأعمش: "أن عُمرَ ورّث الخالَ المالَ كفَه".
وعن مالك بن أنس عن محمد بن أبي بكر بن حزم، أنه سمع أباه يقول: "كان عمر لا يورث بالرحم"، وكان يقول عمر: "عجباً للعمة تورَثُ ولا ترث " وقال للعمة: "لو رضيك الله، لذكرك".
فهذا بيان أقاويلهم على الجملة.
ومذهب من لا يورث بالرحم مضبوطٌ لا حاجة إلى تفصيله.
6405- وأما المورِّثون بالرحم، فلهم في كيفية توريثهم اختلافٌ عظيم، وقد اختلفت أجوبتُهم في فروع ذوي الأرحام، لاختلافهم في أصولها، ولا يتأتى ذكرُ ضابطٍ لمذهب كل واحد من المورّثين يعمُّ جميعَ الباب، فلابد من ذكر تفاصيلهم في أبوابٍ يشتمل كل باب على تفصيلِ مضمونه، وذكرِ ما يليق به.
6406- وممَّا اتفق عليه المعتبرون المورثون لذوي الأرحام، أن قالوا: لا يرث من يتعلق بالرحم المحض، مع ذي فرض يرث بالفرض والقرابة، فالرد عندهم مقدّم على التوريث بالرحم المحض.
وروي على شذوذٍ عن ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز أنهما ورّثا الخالَ مع البنت. وقيل: إنما فعلا ذلك؛ لأنهما صادفَا الخالَ عصبةً بالولاء. أوْ من جهةٍ أخرى على ما سنبينه؛ فلا تعويل إذاً على هذه الرواية، ولا تفريع عليها.
6407- واختلفوا في توريثهم مع مولى النعمة وعصبته، فذهب ابنُ عباس، ومعاذ ابنُ جبل، وأبو عبيدة إلى تقديم مولى النِّعمة وعصبته على ذوي الأرحام، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وإليه صار أكثر من يورِّث بالرحم.
وذهب ابنُ مسعود إلى أن ذوي الأرحام أولى بالميراث من المعتِق وعصبتِه، وهو مذهب شريح وعطاء وإسحاق بن رَاهْوَيْه، وجماعة من البصريين.
6408- ثم أصنافُ المورِّثين اختلفوا في كيفية التوريث، ولقَّبهم الفرضيون بثلاثة ألقاب، فقالوا: فرقة منهم تُعرَف بأهل القرابة منهم أبو حنيفة، وأبُو يوسف، ومحمد، وعيسى ابن أبان.
وإنما سمُّوا أهلَ القرابة، لأنهم رتَّبوا ذوي الأرحام قريباً من ترتيب العصبات، فورّثوا الأقرب، فالأقرب.
والفرقة الثانية تعرف بأهل التنزيل، وهم الشعبي، وشَرِيك، وابن أبي ليلى، والثوري، والقاسم بن سلاّم، ومحمد بن سالم، وأبو نُعَيْم ضرار بنُ صُرَد، ونُعَيم بن حمّاد، ويحى بنُ آدم، والحسن بن زياد اللؤلؤي. وقد صح عند هؤلاء من مذهب عليّ وابن مسعود المصيرُ إلى التنزيل، وسُمّي هؤلاء منزِّلين؛ لأنهم نزّلوا كلَّ واحدٍ من ذوي الأرحام بمنزلة الوراث الذي يُدلي به. وكان أحمدُ بنُ حنبل يقول بقول المنزِّلين إلا في موضعٍ واحدٍ، وهو أنّه كان يقدّم الخال على جميع ذوي الأرحام. فإن لم يكن خالٌ، فقوله كقول أهل التنزيل في كل تفصيل.
والفرقة الثالثة ذهبوا إلى التوريث بالرحم من غير ترتيب، ولا تنزيلٍ، وقسموا المال بينهم بالسوية سواء اختلفوا في القرابة، أو استوَوْا فيها، وبه قال نوحُ بنُ درّاج، وحُبيش، وشرذمة قليلة.
6409- وأصحاب الشافعي وإن كانوا لا يرَوْن التوريث بالرحم؛ فإنهم اليومَ قد يميلون إلى صرف المال إلى ذوي الأرحام لاضطراب أمر بيت المال، ثم ميلُهم إلى قول المنزِّلين؛ لأنه أقيس على الأصولِ، وآثارُ المورِّثين من الصحابة رضي الله عنهم تشهد لأهل التنزيل.
6410- والقول في توريث الأرحام في حكم افتتاح قسمةٍ أخرى، وتأسيس ورثةٍ سوى الذين استقر الشرع فيهم، وهم ينقسمون إلى من ثبت له فرض بالتقريب القياسي، وإلى من يقام مقام العصبات، ولا ذكر لهم في أبواب العصبات، ولا في أبواب ذوي السهام.
فإذا مست الحاجة إلى النظر فيهم، اقتضى ذلك اهتماماً بالغاً بعد الاستعانة بالله تعالى، وقد كثر فيه خبط العُلماء واختلافهم، وقد رأيت أن أذكر في كل صنفٍ منهم باباً مشتملاً على ذكر أصول العُلماء المورِّثين، ثم على تَبْيين الأصول بالمسائل بتخريجها على الأصول، فإذا نجز القول في أفراد أصنافهم، ذكرنا بعد ذلك كلاماً بالغاً في اجتماعهم، وفيمن يقدّم منهم، ومن يؤخر، وإذا انتهى هذان النوعان، اختتمنا الكلام بجوامع في مذاهب العلماء تحل محل التراجم، ولو ذكرتُ الجملَ، كانت مبهمة على من يبتدىء النظر فيها، وقد يعتريه ملالٌ من استبهامها، فبندأ بأبواب الأفراد من الأصناف الوارثين بالرّحم.

.باب: في توريث أولاد البنات:

6411- أصل هذا الباب على قول أهل القرابة أن تنظر في أولاد البنات، فإن اختلفت درجاتُهم، وكان فيهم من هو أقرب، وفيهم من هو أبعد-وهذا هو المراد باختلاف الدرجات- فيقدم من هو أقرب في الدرجة، وإن كان الأبعد يتصل إلى الوارث من غير واسطة، كالأقرب مثل:
بنت بنت، وبنت بنت ابن
فكل واحدة منهما مُدلية بوارث، ولو كان في المسألة بنت، وبنت ابن، لورثتا، ولكن بنت البنت مقدمة عند أهل القرابة على بنت بنت الابن؛ فإنها اختصت بقوة القرب. وهذا قاعدة اعتبار القرابة.
وإن استوت الدرجتان، نظر: فإن سبق أحدهما إلى الوارث قبل اتصال الثاني بالوارث، قدِّم من سبق إلى الوارث. وهذا
كبنت بنت ابن، بنت بنت بنت
فبنت بنت الابن أولى؛ لأنها سبقت إلى الوارث في الدرجة الأولى، وبنت بنت بنت الصلب تتصل بالوارثة بدرجتين.
وإن شئت قلت: إذا استوت الدّرجتان في القرب، فإن كان الأصل بنتين، فلا يتصور التفاوت في السبق إلى الوارث.
وإن كان أصل إحدى الدرجتين ابناً، وأصل الدرجة الأخرى بنتاً، فمن هو على درجة الابن أسبقُ إلى الوارث لا محالة.
وإن كان السابق إلى الوارث أبعد بالدرجة والقريبُ بالدرجة أبعد عن الوارث، مثل أن يكون في المسألة:
بنت بنت بنت الابن ومعها بنت بنت البنت، فالبعيدة بالدرجة تتصل بالوارثة بنفسها، والقريبة بالدرجة تتصل بالوارثة وهي بنت الصلب بدرجة، فقد وُجد في إحدى الدرجتين بُعدٌ وسبْقٌ، وفي الدرجة الثانية قربٌ مع واسطةٍ. وقد ثبت أن المقرِّبين يقدّمون القربَ على السبق، والمنزِّلون يقدمون السبقَ على القُرب، فإن تحقق الاستواء في الدّرجة قرباً وبعداً، ووجد الاستواء في السبق إلى الوارث، ورثوا جميعاً.
6412- ثم اختلف أبو يوسف، ومحمد في كيفية القسمة: فاعتبر أبو يوسف أبدان ذوي الأرحام عدداً وصفةً، فإن كانوا إناثاً سوّى بينهن، ولم ينظر إلى الأصول؛ وإن كانوا ذكوراً، فكذلك، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً، فالقسمة للذكر مثل حظ الأنثيين، فلا يلتفت أبو يوسف إلى ما تقدم من الدرج والوسائط أصلاً، وإنما نظره إلى الوارثين بالرحم في أنفسهم.
وأمّا محمد؛ فإنه ينظر إلى أول درجة وأعلى بطنٍ وقع فيه الخلاف، من آباء هؤلاء الذين يورّثهم وأجدادِهم، وأمهاتهم، وجدّاتهم، فيجعل كلَّ ذكرٍ في ذلك البطن بعدد أولاده الأحياء الذين تقع القسمةُ عليهم، فيثبت ذلك العدد في الدرجة العليا، ويقدِّرُهم ذكوراً، وكل أنثى في الدرجة العليا يجعلها بعدد أولادها الأحياء إناثاً؛ سواء كان الأولاد الأحياء ذكوراً أو إناثاً، أو ذكوراً وإناثاً، فالعدد مأخوذ من الأولاد الأحياء، والذكورة والأنوثة مأخوذتان من الدرجة العليا.
وإذا فعل ذلك، قسّم المالَ في الدرجة العليا للذكر مثلُ حظ الأنثيين، إن كانوا ذكوراً وإناثاً. وإن كانوا ذكوراً، فالقسمة على الذّكور، وإن كانوا إناثاً، فالقسمة عليهن. ثم يُفرد نصيبَ الذكور على حدة، ونصيبَ الإناث على حدة، وينظر إلى كل واحدٍ من الصنفين. فإن لم يقع في أولاده الذين بينه وبين أولاده الأحياء اختلاف، قسّم ما أصابه بين أولاده الأحياء على اعتبار أبدانهم.
وإن وقع فيهم اختلافٌ، قسم ما أصابه في البطن الذي وقع فيه الاختلاف، واعتبر في ذلك ما اعتبره في البطن الأول، ثم لا يزال يفعل ذلك حتى تنتهي القسمة إلى الأولاد الأحياء، فإذا انتهت القسمة إليهم، قسم ما أصابهم بينهم على اختلاف أبدانهم.
هذا قولُ محمد. وأكثر أهل الرأي يقولون: هو قول أبي حنيفة، ولا يتّضح هذا الأصلُ إلا بضرب الأمثلة وإيراد المسائل.
6413- فأما المنزّلون، فإنهم ينزّلون كلَّ واحدٍ من أولاد البنات منزلة آبائه، وأمهاته، ويرفعونه بطناً بطناً، فأيّهم سبق إلى وارثٍ، كان أولى.
وإن استوَوْا في السبق، قُسِّم المالُ بين الورثة الذين صاروا إليهم، ثم يقسّم ما يصيب كلّ واحد من الورثة تقديراً بين من يدلي به على حسب ما يستحقون فيه لو كان الميت ذلك الوارث.
ثم إن كانوا في أنفسهم ذكوراً، أو إناثاً، قسم بينهم بالسوية، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً فللذكر مثل حظ الأنثيين؛ فإن استحقاقَهم كذلك يقع، وهذا سبيل التوريث بالبنوة.
هذا مذهب جمهور المنزّلين.
6414- فأما أبو عبيد القاسم بن سلاّم وإسحاق بن رَاهْوَيْه، وغيرُهما ممن تابعهما قالوا: إذا كان فيهما ذكور وإناث، فالحصة مقسومة عليهم بالسوية لا يفضُل ذكرٌ أنثى؛ فإنهم لا يرثون بالعصوبة، وإنما يرثون بالرحم.
وهذا فاسد؛ فإن المنزّلين يُحلّون ذوي الأرحام محلَّ أصولهم، وهذا حقيقةُ التنزيل.
والتوريث بالرحم المطلق يرفع اعتبارَ القُرب والبعد، والنظرَ إلى الأصول.
فهذا تمهيد قاعدة الباب.
مسائله:
بنت بنت، وثلاث بنات بنت أخرى
بهذه الصورة:
°...... °
°... ° ° °
على قول أهل القرابة: يقسم المال بينهم أرباعاً، لا غير.
ولو قدّر محمد هذا العدد في الأصلين، لكان الجواب هكذا.
وعلى قول أهل التنزيل: نقسم المال بين بنتي الصلب تقديراً نصفين فرضاً وردّاً، ثم نجعل نصيب كل بنت لولدها، فيخص بنت البنت الفردة نصفٌ ويخصّ بنات البنت الأخرى نصف.
ابن بنت مع أخته وبنت بنتٍ بهذه الصورة:
°... °
|°... °
فعلى قول أهل القرابة المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على أربعة، فيعتبرون ذوي الأرحام بأنفسهم في هذه الصورة.
ومحمد يوافق أصحابه لأن أصولهم ورثة، وهو إنما يعتبر تعديدَ الأصول بعدد الأولاد إذا كانوا أرحاماً، ولهذا قيدنا الكلامَ، وقلنا: ننظر إلى البطن الأعلى الذي فيه الخلاف، وأردنا البطنَ الأول من الأرحام.
ومذهب جمهور المنزِّلين أن النصف لبنت البنت المفردة، والنصف لولدي البنت الأخرى: بينهما للذكر مثل حظ الأثثيين.
وعلى قول أبي عبيد وإسحاق: النصف الذي لولدي البنت بينهما بالسوية.
ابن بنت، وبنت بنت أخرى، وثلاث بنات بنت ثالثةٍ:
°... °....... °
|... °... ° ° °
على قول أهل القرابة: المال بينهم: للذكر مثل حظ الأنثيين، كما تقدم.
وعلى قول المنزِّلين: لولد كل بنتٍ الثلث، ويقسم الثلث الذي يصيب البنت الثالثة بينهن على ثلاثة.
بنت بنت وبنت بنت ابن
بهذه الصورة
°... |
°... °
..... °
أهل القرابة يقولون: المال لبنت البنت لقربها في الدرجة.
وفي التنزيل: المال بينهما على أربعة بالفرض والرد، كما يكون كذلك بين بنت الصلب وبنت الابن.
بنت ابن بنت وبنت بنت ابن
بهذه الصورة
°... |
|... °
°... °
فالمال لبنت بنت الابن عند الفريقين؛ لأنها أسبق إلى الوارث، مع استواء الدرجتين؛ فإن المنزّلين يعتبرون السبق إلى الوارث، ولا يعتبرون الدرجة قربت، أو بعدت، وأهل القرابة يعتبرون السبق إلى الوارث عند استواء الدرجتين، فلا خلاف بين الفريقين إذاً: نعني أهل التنزيل وأهل القرابة.
وأما نوح وحُبَيش ومن تابعهما من المورثين بالرحم المطلق، يسوّون بين القريب والبعيد، والسابق إلى الوارث والمسبوق، ويقولون: المال بينهما نصفين. وهذا المذهب يجري في كل صورة، ولكنا نذكره عند اتفاق
الفريقين، حتى يتبين خلافهم لهما، ويحصل بتكرير ذكرهم إبانة مذهبهم.
بنت ابن بنت، وبنت بنت بنت
بهذه الصورة
°... °
|... °
°... °
فعلى قول المنزِّلين المال بينهما بالسوية، وتعليله بيّن؛ فإنهم يقسمون المال نصفين، بين بنتي الصلب، ثم يحطّون النصفين إلى الواسطة، ثم منهما إلى الدرجة التي نتكلم فيها، وهذا مذهب أبي يوسف من أصحاب القرابة؛ فإنه ينظر إلى صفة من يقسم عليه.
وعلى قول محمد: يقسّم المال في الدرجة الوسطى التي فيها الخلاف؛ فإن أهل الدرجة الوسطى أرحام، فللذكر مثل حظ الأنثيين على ثلاثة، فإن ما أصاب الذكر، وهو الثلثان يسلّم إلى ولده، وهي بنت ابن البنت، وما أصاب بنتالبنت في الواسطة، وهو الثلث يسلّم إلى ولدها، وهي بنت بنت البنت.
بنتا بنت بنت، وثلاث بنات ابن بنت أخرى
فعلى التنزيل: النصف بين بنتي بنت البنت بالسويّة، والنصف الآخر بين بنات ابن البنت الأخرى على ثلاثة بالسوية.
وعلى قول أبي يوسف: المال بينهن على خمسة بالسوية، فإنه ينظر إلى أعداد من يقسم عليهم وصفاتهم، وهي خمسة.
وعلى قول محمد: نجعل الذكر الذي في الوسط ثلاثة ذكور بعدد أولاده ونجعل الأنثى التي في الدرجة الوسطى اثنتين بعدد أولادها فنقسم المال في الدرجة الوسطى بين ثلاثة ذكور وأنثيين على ثمانية، فنصيب الذكر ستة، فتدفع إلى أولاده، لكل واحدة منهن سهمان.
ونصيب الأنثى سهمان يكون ذلك لولديها لكل واحدةٍ منهما سهم.
وقد اتضح الآن مذهب محمد بن الحسن للناظر، وسيزداد وضوحاً، إن شاء الله عز وجل.
بنتا بنت بنت، وابن، وثلاث بنات ابن بنت
فعلى قول المنزلين نسلّم نصفاً إلى أولاد ابن البنت، وهم أربعة ثلاثة إناث، وواحد ذكر، والنصف مقسوم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، والنصف الآخر لبنتي بنت البنت بينهما بالسوية.
وعند أبي يوسف من المقرِّبين: المال مقسومٌ بين الذين نورّثهم للذكر مثل حظ الأنثيين على سبعة أسهم، ولا نظر إلى من قبله.
وعلى قول محمد نجعل الذكر الذي في الوسط بمنزلة أربعة ذكور، والأنثى التي في الوسط بمنزلة الأنثيين، ويقسم المال في الدرجة الوسطى، بين أربعة ذكور وأنثيين: على عشرة، فيصيب الذكر ثمانية، والأنثى اثنان، والنصيبان يتفقان بالنصف، فنرد كلَّ واحدٍ منهما إلى نصفه اختصاراً، فتعود المسألة على خمسة للذكر أربعة، وللأنثى سهم، فالأربعة التي هي نصيب الذكر بين أولاده: للذكر مثل حظ الأنثيين، على خمسة والأربعة لا تصح عليها، ولا توافق الواحد الذي هو نصيب الأنثى بين ولديها: ينكسر على اثنين، ولا يصح، ولا يوافق، وليس بين الاثنين والخمسة موافقة، فنضرب اثنين في خمسة يكون عشرة، ثم نضرب العشرة في الخمسة التي أردنا قسمتها فيكون خمسين منه تصح المسألة وهذا تمامُ بيان مذهب محمد في هذا الباب.

.باب: في كيفية توريث بنات الإخوة وأولاد الإخوة والأخوات:

6415- أصل هذا الباب على مذهب المنزِّلين أن يُنزَّل كلُّ واحد منهم بمنزلة أبيه أو أمه، وإذا تسفّلوا، رُفِّعوا كذلك بطناً بطناً، فإن سبق بعضُهم إلى وارث، كان أولى بالميراث، وإن استوَوْا في السبق، قدّرنا قسمة المال بين الورثة الأصليين، فما أصاب كلُّ واحدٍ منهم، قُسّم بين أولاده، ورُوعيت صفتهم في الذكورة والأنوثة في الاختلاف والاتفاق.
6416- ثم مما يجب التنبه له في قاعدة الباب من مذهب المنزِّلين أنا نقسم حصة أولاد الأخت من الأب والأم، وحصة أولاد الأخت من الأب بينهم بعد التنزيل الذي ذكرناه مع مراعاة صفاتهم في الذكورة والأنوثة، فإن كانوا ذكوراً قسم عليهم بالسوية، وكذلك الإناث الممحّضات، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً، فالمذهب الذي عليه التعويل أن حصتهم مقسومةٌ عليهم: للذكر مثل حظ الأنثيين، هذا فيما أصاب أولاد الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب.
فأما أولاد الأخ والأخت من الأم، فحصتهم مقسومة عليهم بالسويّة، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً: لا يفضَّل ذكرٌ على أنثى، كما لا يفضل الأخ من الأم على الأخت.
وهذا فيه مجال للفكر، من طريق العلة، وإن كان الحكم متفقاً عليه؛ فإن قياس المنزّلين يقتضي أن تقسم حصةُ أولاد الوارث على نسبة قسمة تركة ذلك الوارث لو مات، وسيأتي مصداق ذلك في الأبواب والمسائل، إن شاء الله عز وجل.
وهذا يقتضي أن يقال: لو مات الأخ من الأم، وله ابنٌ، وبنت، فما يخلّفه بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكن لم يصر إلى ذلك أحد من المنزِّلين، في هذا المقام. وقطعوا بأن أولاد الأخ من الأم يستوون، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً.
6417- وأصل الباب على قول أهل القرابة أن ننظر: فإن كان في أولاد الأخوات وبنات الإخوة من هو أقرب بالدرجة، فهو أولى من أي جهةٍ كان، سواء كان من أولاد الأب، أو من أولاد الأم.
وإن استوت الدرجات، فأيّهم سبق إلى الوارث، فهو أولى من أي جهة كان السابق.
وإن استوَوْا في الدرجة والسبق، فقد اختلف فيه أهل القرابة، فأمّا أبو حنيفة، وأبو يوسف، فإنهما جعلا من كان من قِبل الأب والأم أولى، ثم من كان من قبل الأب، ثم من كان من قِبل الأم، وراعى هؤلاء قوة القرابة، ولم يلتفتوا إلى الأصول، وإلى من يسقط منهم أو يبقى. ثم قال هؤلاء: أولاد من كان من قبل الأب والأم، أو من قبل الأب يتفاضلون إذا كانوا ذكوراً وإناثاً: للذكر مثل حظ الأنثيين. فأما إن كانوا من أولاد الأخ من الأم، أو الأخت من الأم، فلا يفضّل الذكر منهم على الأنثى، على حسب ما ذكرناه على مذهب المنزِّلين.
فأما محمد بن الحسن، فإنه يأخذ حكمَ كل فريق من آبائهم، ويأخذ العدد من الأولاد، كما ذكرناه في أولاد البنات وسيتضح مذهبه بالمثال، فلينظر الناظر حتى ينتهي إليه، وإذ ذاك نبينه بياناً شافياً.
6418- مسائل الباب:
بنت أخت، وابنا أختٍ أخرى.
في قول المنزّلين: لولد كلّ أختٍ النصفُ، ثم أحد النصفين بين ابني الأخت نصفين، والنصف الآخر لبنت الأخت الأخرى.
وعلى قول أهل القرابة المال بين بنت الأخت وابني الأخت الأخرى: للذكر مثل حظ الأنثيين على خمسة.
والأختان من جهة واحدة: إما من أبٍ وأم، أو من أب.
ثلاث بنات ثلاثة إخوة مفترقين
على قول أبي حنيفة، وأبي يوسف: السدس لبنت الأخ من الأم، وهو نصيب أبيها لو كان هو الوارث، والباقي لبنت الأخ من الأب والأم؛ وذلك أن الأخ من الأب يَسقُط بالأخ من الأب والأم، فكذلك يسقط ولدُه.
هذا حكم التنزيل، وهذا بعينه مذهبُ محمد بن الحسن.
ثلاث بنات ثلاث أخوات متفرقات
في قول أبي حنيفة وأبي يوسف: المال لبنت الأخت من الأب والأم.
وفي قول المنزِّلين وقول محمد بن الحسن: المال بينهن على خمسة، كما يكون بين أمهاتهن كذلك، بالفرض والرّد.
وكذلك الجواب في
ثلاثة بني ثلاث أخوات مفترقات عند الفريقين.
ثلاثة بنين، وثلاث بنات ثلاث أخواتٍ مفترقات
مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف: أن المال بين ولدي الأخت من الأب والأم: للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي قول محمد نجعل كأنه خلَّف ست أخوات مفترقات، فأخذ العدد من الأولاد، والحكم من الأصول. وهذا موضع التنبيه الموعود؛ فإنا ذكرنا من أصله في باب أولاد البنات أنه يأخذ في هذا الاعتبار من الدرجة الأولى التي فيها الخلاف، وهي أعلى الدرجات من الأرحام، ولا يعتبر هذا في الأصول الوارثين. وفي هذا الباب اعتبر في العدد الأصول في الصفة، وأقام كلَّ أصل على عدد أولاده، حيث قال: نجعل كأنّ في المسألة ست أخواتٍ مفترقات، فإذاً للأخت من الأم الثلث بتقديرها أختين، وللأخت من الأب والأم الثلثان؛ لأنها بمنزلة الأختين لأب وأم، ثم الثلث الذي أضيف إلى الأخت من الأم يكون بين ولديها نصفين، والثلثان الذي قدرناه للأخت من الأب والأم بين ولديها: للذكر مثل حظ الأنثيين على ثلاثة.
ومذهب المنزلين: أن المال يقدّر بين أمهاتهن على خمسة، فما أصاب الأختَ من الأم، وهو سهمٌ من خمسة، فهو بين ولديها: بالسوية لما مهدناه من التسوية بين أولاد الأخ من الأم، والسهم الذي يصيب الأخت من الأب بين ولديها: للذكر مثل حظ الأنثيين. والثلاثة التي للأخت من الأب والأم بين ولديها: للذكر مثل حظ الأنثيين. ولا يكاد يخفى طريق التصحيح.
وعلى قول أبي عبيد وإسحاق: نقسم المال بين الأمهات، كما ذكرناه على خمسة، وما أصاب كلّ واحدة منهن بين ولديها: نصفين من غير تفضيل ذكر على أنثى.
ابن أخت لأم معه أخته، وابن ابن أخت لأبٍ وأم
فالمال لولدي الأخت من الأم بينهما نصفين على قول الفريقين.
وفي قول نوح وحُبيش: المال بين الثلاثة بالسويّه.
بنتا أخٍ، وخمس بنات أخٍ آخر
عند أهل القرابة: المال بينهن على سبعة، وهذا مذهب محمد أيضاً؛ فإنه إذا نقل عددَ الأولاد إلى الأخوين، وقعت القسمة كذلك.
وعند المنزِّلين يقدّر لكل أخٍ نصف المال، ثم يقسم نصفٌ على اثنين، ونصفٌ على خمسة، ولا يخفى التصحيح.
ابنا أخٍ لأمٍ، وبنتُ أخت لأبٍ:
في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف: المال لبنت الأخ من الأب.
وقال محمد بن الحسن: المال بينهم على خمسة، فإنه يقدر الأخ من الأم على عدد الأولاد، ففي المسالة على هذا التقدير: أخت لأبٍ، وأخوان لأم، فتقع القسمة من خمسة.
وعلى قول المنزلين: يقسم المال بينهم على أربعة، ويقدر في المسألة أخٌ لأم، وأخت لأبٍ. ولو كانا، لقسمنا المال بينهما بالفرض والرد على هذه النسبة.
ثم الربع الذي يقع لولدي الأخ من الأم بينهما نصفين.
ابنا أختٍ لأبٍ، وبنت أخت لأبٍ وأم
في قول أبي حنيفة وأبي يوسف المال لبنت الأخت من الأب والأم.
وفي قول محمد كانه خلف أختاً لأبٍ وأم، وأختاً لأبٍ، فالمال على هذا التقدير بينهن على أربعة بالفرض والرد، فما أصاب الأختَ من الأب-وهو سهم- لولديها نصفين.
وهذا مذهبُ المنزِّلين.
وقد أجرينا بعضَ الصور المقدمة على قول علي في الرد؛ فإنه رضي الله عنه يرد المال على الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب على آربعة. ومن قال بقول ابن مسعود، فإنه يجعل السدس لولدي الأخت من الأب، والباقي لولد الأخت من الأب والأم؛ فإنه لا يرى الردَّ على الأخت من الأب مع الأخت من الأب والأم.
فهذا اعتبار الباب، وبيان أصول العلماء بالمسائل، وضرب الأمثلة.