فصل: باب احسان العشرة وبيان حق الزوجين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب التسمية والتستر عند الجماع

1 - عن ابن عباس ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم اللّه جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقنا فإن قدر بينهما في ذلك ولد لن يضر ذلك الولد الشيطان أبدا‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا النسائي‏.‏

2 - وعن عتبة بن عبد السلمى ‏(‏قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردا تجرد العيرين‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

2 - وعن ابن عمر ‏(‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال أياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم الا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب‏.‏

زاد الترمذي بعد قوله حديث غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه‏.‏ وحديث عتبة في إسناده رشدين بن سد وهوضعيف‏.‏ وكذلك في إسناده الأحوص بن حكيم وهو أيضا ضعيف ولكنه قد تابع رشدين بن سعد عبد الأعلى بن عدي وهو ثقة ويشهد لصة الحديثين حديث عتبة بن عبد السلمي وحديث ابن عمر الأحاديث الواردة في الأم بستر العورة والمبالغة في ذلك منها حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال ‏(‏قلت يا نبي اللّه عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت يا رسول اللّه إذا كان القوم بعضهم في بعض قال إن استطعت ان لا يراها أحد فلا يراها قال قلت إذا كان أحدنا خاليا قال فاللّه أحق أن يستحيا من الناس‏)‏ هذا لفظ الترمذي وقال حديث حسن ففي هذا الحديث الأمر بستر العورة في جميع الأحوال والأذن بكشف ما لا بد منه للزوجات والمملوكات حال الجماع ولكنه ينبغي الاقتصار على كشف المقدار الذي تدعو الضرورة إليه حال الجماع ولا يحل التجرد كما في حديث عتبة المذكور‏.‏ قوله ‏(‏إذا أتى أهله‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏حين يأتي أهله‏)‏ وفي رواية للإسماعيلي ‏(‏حين يجامع أهله‏)‏ وذلك ظاهر في أن القول يكون مع الفعل‏.‏ وفي رواية لأبي داود إذا أراد أن يأتي أهله وهي مفسرة لغيرها من الروايات فيكون القول قبل الشروع ويحمل ما عدا هذه الرواية على المجاز كقوله تعالى ‏{‏فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه‏}‏ أي إذا أردت القراءة‏.‏ قوله ‏(‏جنبنا‏)‏ في رواية للبخاري بالأفراد قوله ‏(‏فإن قدر بينهما في ذلك ولد‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏فإن قضى اللّه بينهما ولداً‏)‏‏.‏ قوله ‏(‏لن يضر ذلك الولد الشيطان‏)‏ في رواية لمسلم وأحمد ‏(‏لم يسلط عليه الشيطان ولفظ البخاري ‏(‏لم يضره شيطان‏)‏ واللفظ الذي ذكره المصنف لأحمد واختلف في الضرر المنفي بع الأتفاق على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر على ما نقل القاضي عياض وإن كان ظاهرا في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأييد وكأنه سبب ذلك الأتفاق ما ثبت في الصحيح إن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد الا من استثنى فإن هذا الطعن نوع من الضرر ثم اختلفوا فقيل المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية بل يكون من جملة العباد الذين قبل فيهم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وقيل المراد لم يطعن في بطنه وهو بعيد لمنابذته لظاهر الحديث المتقدم وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا وقيل المراد لم يصرعه وقيل لم يضره في بدنه‏.‏ وقال ابن دقيق العيد يحتمل أن لا يضره في دينه أيضا ولكن يبعده انتفاء العصمة لاختصاصها بالأنبياء وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدا وإن لم يكن ذلك واجبا له‏.‏ وقال الداودي بمعنى لم يضره أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر وليس المراد عصمته منه عن المعصية‏.‏ وقيل لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد ان الذي يجامع ولا يسمى يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه‏.‏

 باب ما جاء في العزل

1 - عن جابر قال ‏(‏كنا نعزل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والقرآن ينزل‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ولمسلم ‏(‏كذا نعزل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فبلغه ذلك فلم ينهنا‏)‏‏.‏

2 - وعن جابر ‏(‏أن رجلا أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخل وأنا لوف عليها وأكره أن تحمل فقال أعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

3 - وعن أبي سعيد قال ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من العرب فأشتهينا النساء وأشتدت العزبة وأحببنا العزل فسألنا عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ما عليكم أن لا تفعلوا فإن اللّه عز وجل قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

4 - وعن أبي سعيد قال ‏(‏قالت اليهود العزل الموؤدة الصغرى فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كذبت يهود أن اللّه عز وجل لو أراد أن يخلق شيئا لم يستطع أحد أن يصرفه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

5 - وعن أبي سعيد قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في العزل أنت تخلقه أنت ترزقه أقره قراره فإنما ذلك القدر‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

6 - وعن أسامة بن زيد ‏(‏أن رجلا جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال أني أعزل عن امرأتي فقال له صلى اللّه عليه وآله وسلم لم تفعل ذلك فقال له الرجل اشفق على ولدها أو على أولادها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لو كان ضارا ضر فارس والروم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

7 - وعن جذامة بنت وهب الأسدية قالت ‏(‏حضرت رسول اللّه في أناس وهو يقول لقد هممت ان أنهي عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم شيئا ثم سألوه عن العزل فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك الوأد الخفي وهي وإذا الموؤدة سئلت‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

8 - وعن عمر بن الخطاب ‏(‏قال نهي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يعزل عن الحرة الا بأذنها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه وليس إسناده بذلك‏.‏

حديث أبي سعيد الثاني أخرجه أيضا الترمذي والنسائي‏.‏ قال الحافظ ورجاله ثقات وقال في مجمع الزوائد البزار وفيه موسى بن وردان وهو ثقة وقد ضعف وبقية رجاله ثقات‏.‏ وأخرج نحوه النسائي من حديث جابر وأبي هريرة وجزم الطحاوي بكونه منسوخا وعكسه ابن حزم‏.‏ وحديث عمر بن الخطاب في إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس قال ‏(‏نهى عن عزل الحرة إلا بأذنها‏)‏ وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كان يعزل عن أمته وروى البيهقي عن ابن عمر مثله

ومن أحاديث هذا الباب عن أنس عند أحمد والبزار وابن حبان وصححه ‏(‏أن رجلا عن العزل فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لاخرج اللّه منها ولد‏)‏ وله شاهدان في الكبير للطبراني عن ابن عباس وفي الأوسط له عن ابن مسعود‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏كنا نعزل‏)‏ العزل النزع بعد الأيلاج لينزل خارج الفرج‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والقرآن ينزل‏)‏ فيه جواز الاستدلال بالتقرير من اللّه ورسوله على حكم من الأحكام لأنه لو كان ذلك الشيء حراما لم يقررا عليه ولكن بشرط أن يعلمه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وقد ذهب الأكثر من أهل الأصول على ما حكاه في الفتح إلى أن الصحابي إذا أضاف الحكم إلى زمن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان له حكم الرفع قال لان الظاهر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اطلع على ذلك واقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم اياه عن الأحكام قال وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك وأخرج مسلم من حديث جابر قال ‏(‏كنا نعزل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فبلغ ذلك نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلم ينهنا‏)‏ ووقع في حديث الباب المذكور الأذن له بالعزل فقال اعزل عنها ان شئت‏)‏‏.‏ قوله ‏(‏ما عليكم ان لا تفعلوا‏)‏ وقع في رواية في البخاري وغيره ‏(‏لا عليكم ان لا تفعلوا‏)‏ قال ابن سيرين هذا أقرب إلى النهي وحكى ابن عون عن الحسن أنه قال واللّه لكان هذا زجرا قال القرطبي كأن هؤلاء فهموا من لا النهي عما سألواعنه فكأنه قال لا تعزلوا وعليكم ان لا تفعلوا ويكون قوله وعليكم إلى آخره تأكيدا للنهي وتعقب بأن الأصل عدم هذا التقدير وإنما معناه ليس عليكم أن تتركوا وهو الذي يساوي ان لا تفعلوا وقال غيره معنى لا عليكم ان لا تفعلوا أي لا حرج عليكم ان لا تفعلوا ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل فأفهم ثبوت الحرج في فعل العزل ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال لا عليكم أن تفعلوا الا أنيدعى ان لازائدة فيقال الأصل عدم ذلك‏.‏

ـ وقد اختلف ـ السلف في حكم العزل فحكى في الفتح عن ابن عبد البر انه قال لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة الا بأذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل‏.‏ قال الحافظ ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة قال وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أنه لاحق للمرأة في الجماع وهو أيضا مذهب الهادوية فيجوز عندهم العزل عن الحرة بغير أذنها على مقتضى قولهم أنه لا حق لها في الوطء ولكنه وقع التصريح في كتب الهادوية بأنه لا يجوز العزل عن الحرة الا برضاها ويدل على اعتبار الأذن من الحرة حديث عمر المذكور ولكن فيه ما سلف وأما الأمة فإن كانت زوجة فحكمها حكم الحرة واختلفوا هل يعتبر الأذن منها أو من سيدها وإن كانت سرية فقال في الفتح يجوز بلا خلاف عندهم الا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقا كمذهب ابن حزم وإن كانت السرية مستولدة فالراجح الجواز فيها مطلقا لأنها ليست راسخة في الفراش وقيل حكمها حكم الأمة المزوجة‏.‏

قوله ‏(‏كذبت يهود‏)‏ فيه دليل على جواز العزل ومثله ما أخرجه الترمذي وصححه عن جابر قال ‏(‏كانت لنا جوار وكنا نعزل فقالت اليهود ان تلك الموؤدة الصغرى فسئل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك فقال كذبت اليهود لو أراد اللّه خلقه لم يستطع رده‏)‏ وأخرج نحوه النسائي من حديث أبي هريرة ولكنه يعارض ذلك ما في حديث جذامة المذكور من تصريحه صلى اللّه عليه وآله وسلم بأن الوأد الخفي فمن العلماء من جمع بين هذا الحديث وما قبله فحمل هذا على التنزيه وهذه طريقة البيهقي ومنهم من ضعف حديث جزامة هذا لمعارضته لما هو أكثر منه طرقا قال الحافظ وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن ومنهم من أدعى أنه منسوخ ورد بعدم معرفة التاريخ وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أعلمه اللّه بالحكم فكذب اليهود فيم كانوا يقولونه وتعقبه ابن رشد وابن العربي بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يحرم شيئا تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه ومنهم من رجح جذامة بثبوته في الصحيح وضعف مقابله بالأختلاف في إسناده والاضطراب قال الحافظ ورد بأنه إنما يقدح في حديث لا فيما يقوي بعضه بعضا فإنه يعمل به وهو هنا كذلك والجمع ممكن ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة وحديثها يدل على المنع قال فمن ادعى انه ابيح بعد أن منع فعليه البيان وتعقب من حديثها ليس بصريح في المنع إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما وجمع ابن القيم فقال الذي كذب فيه صلى اللّه عليه وآله وسلم اليهود هو زعمهم ان العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فاكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء اللّه خلقه وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامة لأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما ان الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل والعزل يتعلق فقط فلذلك وصفه بكونه خفيا وهذا الجمع قوي وقد ضعف أيضا حديث جذامة أعني الزيادة التي في آخره بأنه تفرد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود ورواه مالك ويحيى بن أيوب عن أبي الأسود فلم يذكرها وبمعارضتها لجميع أحاديث الباب وقد حذف هذه الزيادة أهل السنن الأربع وقد احتج بحديث جذامة هذا من قال بالمنع من العزل كابن حبان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏اشفق علي ولدها‏)‏ هذا أحد الأمور التي تحمل على العزل ومنها الفرار من كثرة العيال والفرار من حصولهم من الأصل ومنها خشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقا وكل ذلك لا يغني شيئا لاحتمال أن يقع الحمل بغير الأختيار‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ان انهي عن الغيلة‏)‏ بكسر الغين المعجمة بعدها تحتية ساكنة ويقال لها الغيل بفتح الغين والياء والغيال بكسر الغين المعجمة والمراد بها أن يجامع امرأته وهي مرضع‏.‏ وقال ابن السكيت هي أن ترضع المرأة وهي حامل وذلك لما يحصل على الرضيع من الضرر بالحبل حال إرضاعه فكان ذلك سبب همه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالنهي ولكنه لما رأى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن الغيلة لا تضر فارس والروم ترك النهي عنها‏.‏

 باب نهي الزوجين عن التحدث بما يجري حال الوقاع

1 - عن أبي سعيد ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ان من شر الناس عند اللّه منزلة يوم القيامة يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

2 - وعن أبي هريرة ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما سلم أقبل عليهم بوجهه فقال مجالسكم هل منكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره ثم يخرج فيحدث فيقول فعلت بأهلي كذا وفعلت بأهلي كذا فسكتوا فأقبل على النساء فقال هل منكم من تحدث فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت ليراها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ويسمع كلامها فقالت أي واللّه أنهم يتحدثون وأنهن ليتحدثن فقال هل تدرون مامثل من فعل ذلك أن مثل من فعل مثل شيطان وشيطانة لقى أحدهما صاحبه بالسكة فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ ولأحمد نحوه من حديث أسماء بنت يزيد‏.‏

حديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي والترمذي وحسنه وقال الا أن الطفاوي لانعرفه إلا في هذا الحديث ولا نعرف اسمه‏.‏ وقال أبو الفضل محمد بن طاهر والطفاوي مجهول‏.‏ وقد رواه أبو داود من طريقه فقال عن أبي نضرة قال حدثني شيخ من طفاوة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إن من شر الناس‏)‏ لفظ مسلم ‏(‏أشر‏)‏ قال القاضي عياض وأهل النحو يقولون لا يجوز أشر وأخيرو وإنما يقال هو خير منه وشر منه قال وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعا وهي حجة في جواز الجميع‏.‏ قوله ‏(‏كعاب‏)‏ على وزن سحاب وهي الجارية المكعب‏.‏

والحديثان يدلان على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع وذلك لأن كون الفاعل لذلك من أشر الناس وكونه بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينما الراجعة إلى الوطء ومقدماته فإن مجرد فعل المكروه لا يصير به فاعله من الأشرار فضلا عن كونه من شرهم وكذلك الجماع بمرأى من الناس لا شك في تحريمه وإنما خص النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في حديث أبي سعيد الرجل فجعل الزجر المذكور خاصا به ولم يتعرض للمرأة لأن وقوع ذلك الأمر في الغالب من الرجال قيل وهذا التحريم إنما هو في نشر أمور الأستمتاع ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع وإنشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقاع وأما مجرد ذكر نفس الجماع فإن لم يكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروأة من التكلم بما لا يعني ومن حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه وقد ثبت في الصحيح عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت‏)‏ فإن كان إليه حاجة أو ترتيب عليه فائدة فلاكرهة في ذكره وذلك نحو أن تنكر المرأة نكاح الزوج لها وتدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك كما روى أن الرجل الذي دعت عليه امرأته العنة قال يا رسول اللّه أني لانفضها نفض الأديم ولم ينكر عليه وما روى عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال أني لافعله أنا وهذه وقال لأبي طلحة أعرستم الليلة ونحو ذلك كثير‏.‏

 باب النهي عن اتيان المرأة في دبرها

1 - عن أبي هريرة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ملعون من أتى امرأة في دبرها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ وفي لفظ ‏(‏لا ينظر اللّه إلى رجل جامع امرأته في دبرها‏)‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

2 - وعن أبي هريرة ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وأبو دواد وقال ‏(‏فقد بريء مما أنزل‏)‏‏.‏

3 - وعن خزيمة بن ثابت ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

4 - وعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي اللّه عنه ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا تأتوا النساء في اعجازهن أو قال في أدبارهن‏)‏‏.‏

5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال في الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى‏)‏‏.‏

رواهما أحمد‏.‏

6 - وعن علي بن طلق قال ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول لا تأتوا النساء في استاههن فإن اللّه لا يستحي من الحق‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن‏.‏

7 - وعن ابن عباس قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا ينظر اللّه إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وقال حديث غريب‏.‏

حديث أبي هريرة الأول أخرجه أيضا بقية أهل السنن والبزار وفي إسناده الحرث بن مخلد‏.‏ قال البزار ليس بمشهور وقال ابن القطان لا يعرف حاله وقد اختلف فيه على سهيل بن أبي صالح فرواه عنه إسماعيل بن عياش عن محمد بن المنكدر عن جابر كما أخرجه الدارقطني وابن شاهين ورواه عمر مولى عفرة عن سهيل عن أبيه عن جابر كما أخرجه ابن عدي بإسناد ضعيف قال الحافظ في بلوغ المرام إن رجال حديث أبي هريرة هذا ثقات لكن أعل بالإرسال‏.‏ وحديث أبي هريرة الثاني هو من رواية أبي تميمة عن أبي هريرة قال الترمذي لا نعرفه الا من حديث أبي تميمة عن أبي هريرة وقال البخاري لا يعرف لأبي تميمة سماع عن أبي هريرة وقال البزار هذا حديث منكر وفي الإسناد أيضا حكيم الأثرم قال البزار لا يحتج به وما تفرد به فليس بشيء ولأبي هريرة حديث ثالث نحو حديثه الأول أخرجه النسائي من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وفي إسناده عبد الملك بن محمد الصنعاني وقد تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وغيرهما ولأبي هريرة ايضا حديث رابع أخرجه النسائي من طريق بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة بلفظ ‏(‏من أتى شيئا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر‏)‏ وفي إسناده بكر بن خنيس وليث ابن أبي سليم وهم ضعيفان‏.‏ ولأبي هريرة أيضا حديث خامس رواه عبد اللّه بن عمر بن ابان عن مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ ‏(‏ملعون من أتى النساء في أدبارهن‏)‏ وفي إسناده مسلم بن خالد وهو ضعيف‏.‏ وحديث خزيمة بن ثابت أخرجه الشافعي أيضا بنحوه وفي إسناده عمر بن أحيحة وهو مجهول واختلف في إسناده اختلافا كثيرا ورواه النسائي من طريق أخرى وفيها هرمى بن عبد اللّه ولا يعرف حاله وأخرجه أيضا من طريق هرمي أحمد وابن حبان وحديث الأمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال في مجمع الزوائد ورجاله ثقات وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وأعله قال الحافظ والمحفوظ عن عبد اللّه بن عمرو من قوله كذا أخرجه عبد الرزاق وغيره وحديث علي بن طلق قال الترمذي بعد أن حسنه سمعت محمدا يقول لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم غير هذا الحديث الواحد ولا أعرف هذا الحديث الواحد من حديث طلق بن علي السحيمي وكأنه رأى أن هذا آخر من اصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وحديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والبزار وقال لا نعلمه يروى عن ابن عباس بإسناد حسن وكذا قال ابن عدي ورواه النسائي عن هناد بن وكيع عن الضحاك موقوفا وهو أصح عندهم من المرفوع ولابن عباس حديث آخر من طريق أخرى موقوفة رواها عبد الرزاق إن رجلا سأل ابن عباس عن اتيان المرأة في دبرها فقال سألتني عن الكفر‏.‏ وأخرجه النسائي بإسناد قوي وفي الباب عن جماعة من الصحابة منها ما سيأتي ومنها عن أبي بن كعب عند الحسن بن عرفة بإسناد ضعيف‏.‏ وعن ابن مسعود عند ابن عدي بإسناد واه وعن عقبة بن عامر عند أحمد بإسناد فيه ابن لهيعة وعن عمر عند النسائي والبزار بإسناد فيه زمعة بن صالح وهو ضعيف‏.‏

ـ وقد استدل ـ بأحاديث الباب من قال أنه يحرم اتيان النساء في أدبارهن وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال لم يصح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في تحريمه ولا في تحليله شيء والقياس أنه حلال‏.‏ وقد أخرجه عنه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الأصم عنه وكذلك رواه الطحاوي عن ابن عبد الحكم عن الشافعي‏.‏

وروى الحاكم عن محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال سألني محمد بن الحسن فقلت له إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك قال علي المناصفة قلت فبأي شيء حرمته قال يقول اللّه عز وجل ‏{‏فأتوهن من حيث أمركم اللّه‏}‏ وقال ‏{‏فأتوا حرثكم أنى شئتم‏}‏ والحرث لا يكون الا في الفرج قلت أفيكون ذلك محرما لما سواه قال نعم قلت فما تكون لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أو في ذلك حرث قال لا قلت فيحرم ذلك قال لا قلت فلم تحتج بمالا حجة فيه قال فإن اللّه قال ‏{‏والذين هم لفروجهم حافظون‏}‏ الآية قال فقلت له هذا مما يحجون به للجواز إن اللّه أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته وماملكت يمينه فقلت له أنت تتحفظ من زوجتك وما ملكت يمينك انتهى‏.‏ وقد أجيب عن هذا بأن الأصل التحريم المباشرة إلا ما أحل اللّه بالعقد ولا يقاس عليه غيره لعدم المشابهة في كونه مثله محلا للزرع وأما تحليل الاستمتاع فيما عدا الفرج فهو مأخوذ من دليل آخر ولكنه لا يخفى ورود ما أورده الشافعي على من استدل بالآية وأما دعوى أن الأصل تحريم المباشرة فهذا محتاج إلى دليل ولو سلم فقوله تعالى ‏{‏قأتوا حرثكم أنى شئتم‏}‏ رافع للتحريم المستفاد من ذلك الأصل فيكون الظاهر بعد هذه الآية الحل ومن ادعى تحريم الأتيان في محل مخصوص طولب يخصص عموم هذه الآية ولا شك إن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم اتيان النساء في أدبارهن يقوي بعضها بعضا فتنتهض لتخصيص الدبر من ذلك العموم وأيضا الدبر في أصل اللغة اسم لخلاف الوجه ولا اختصاص له بالمخرج كما قال اللّه تعالى ‏{‏ومن يولهم يومئذ دبره‏}‏ فلا يبعد حمل ما ورد من الأدبار على الأستمتاع بين الأليتين وأيضا قد حرم اللّه الوطء في الفرج لأجل الأذى فما الظن بالحش الذي هو موضع الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل الذي هو العلة الغائية في مشروعية النكاح والذريعة القريبة جدا الحاملة على الانتقال من ذلك إلى أدبار المرد‏.‏ وقد ذكر ابن القيم لذلك مفاسد دينية ودنيوية فليراجع وكفى مناديا على خساسته أنه لا يرضى أحد من أن ينسب إليه ولا إلى إمامه تجويز ذلك إلاما كان من الرافضة مع أنه مكروه عندهم وأوجبوا للزوجة فيه عشرة دنانير عوض النطفة وهذه المسألة هي إحدى مسائلهم التي شذوا بها وقد حكى الإمام المهدي في البحر عن العترة جميعا وأكثر الفقهاء أنه حرام قال الحاكم بعد أن حكى عن الشافعي ما سلف لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم فأما الجديد فالمشهور أنه حرمه‏.‏ وقد روى الماوردي في الحاوي وأبو نصر بن الصباغ في الشامل وغيرهما عن الربيع أنه قال كذب واللّه يعني ابن عبد الحكم فقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب وتعقبه الحافظ في التلخيص فقال لا يعني لها التكذيب فإن عبد الحكم لم يتفرد بذلك بل قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبد اللّه أخوه عن الشافعي ثم قال أنه لاخلاف في ثقة ابن عبد الحكم وأمانته وقد روى الجواز أيضا عن مالك قال القاضي أبو الطيب في تعليقه أنه روى ذلك عنه أهل مصر وأهل المغرب ورواه عنه أيضا ابن رشد في كتاب البيان والتحصيل وأصحاب مالك العراقيون لم يثبتوا هذه الرواية وقد رجع متأخر وأصحابه عن ذلك وأفتوا بتحريمه وقد استدل للمجوزين بما رواه الدارقطني عن ابن عمر أنه لما قرأ قوله تعالى ‏{‏نساؤكم حرث لكم‏}‏ فقال ما تدري يا نافع فيما أنزلت هذا الآية قال قلت لا قال لي في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل اللّه تعالى نساؤكم حرث لكم قال نافع فقلت لابن عمر من دبرها في قبلها قال لا الا في دبرها وروى نحو ذلك عنه الطبراني والحاكم وأبو نعيم وروى النسائي والطبراني من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر نحوه ولم يذكر قوله ‏(‏لا الا في دبرها‏)‏ وأخرج أبو يعلى وابن مردوية في تفسيره والطبري والطحاوي من طرق عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه فأنزل اللّه نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وسيأتي بقية الأسباب في نزول الآية‏.‏

8 - وعن جابر ‏(‏أن يهود كانت تقول إذا أتيت المرأة في دبرها ثم حملت كان ولدها أحول قال فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا النسائي وزاد مسلم ‏(‏إن شاء مجبية وإن شاء غير مجيبة غير أن ذلك في صمام واحد‏)‏‏.‏

9 - وعن أم سلمة ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في قوله تعالى ‏{‏نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم‏}‏ يعني صمام واحدا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن‏.‏

10 - وعنها أيضا قالت ‏(‏لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون يجبون وكانت الأنصار لا تجبى فأراد رجل امرأته من المهاجرين على ذلك فأبت عليه حتى تسأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال فأته فاستحيت أن تسأله فسألته أم سلمة فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقال لا الا في صمام واحد‏)‏‏.‏

رواه أحمد ولأبي داود هذا المعنى من رواية ابن عباس‏.‏

11 - وعن ابن عباس قال ‏(‏جاء عمر إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال يا رسول اللّه هلكت قال وما الذي أهلكت قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه بشيء قال فأوحى اللّه إلى رسوله هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتقوا الدبر والحيضة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب‏.‏

12 - وعن جابر ‏(‏ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال استحيوا فإن اللّه لا يستحي من الحق لا يحل مأتاك النساء في حشوشهن‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

حديث أم سلمة أورده في التلخيص وسكت عنه ويشهد له حديث ابن عباس الذي أشار إليه المصنف وهو من رواية محمد بن إسحاق عن ابان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس وفيه إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم من العلم وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذ بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرخون النساء شرخا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فانكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتننبني فسرى أمرهما حتى بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأنزل اللّه عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم مقبلات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد وحديث ابن عباس الثاني في قصة عمر لعله الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه من طريق عمر نفسه وقد سبق ما فيه وحديث جابر الآخر قد قدمنا في أول الباب الإشارة إليه بضم من الاختلاف على سهيل بن أبي صالح وقد أخرجه من تقدم ذكره‏.‏ قوله‏:‏ مجبية بضم الميم وبعدها جيم مفتوحة ثم موحدة أي باركة والتجبية الإنكباب على الوجه وأخرج الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري بلفظ باركة مدبرة في فرجها من ورائها وهذا يدل على أن المراد بقولهم إذا أتيت من دبرها يعتني في قبلها ولا شك أن ذلك هو المراد ويزيد ذلك وضحوحا قوله عقب ذلك ثم حملت فإن الحمل لا يكون إلا من الوطء في القبل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏غير أن ذلك في صمام واحد‏)‏ هذه الزيادة تشبه أن تكون من تفسير الزهري لخلوها من رواية غيره من أصحاب ابن المنكدر مع كثرتهم كذا قيل وهو الظاهر ولو كانت مرفوعة لما صح قول البزار في الوطء في الدبر لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا لا في الحصر ولا في الإطلاق وكذا روى نحو ذلك الحاكم عن أبي علي النيسابوري ومثله عن النسائي وقاله قبلهما البخاري كذا قال الحافظ والصمام بكسر الصاد المهملة وتخفيف الميم وهو في الأصل سدادة القارورة ثم سمى به المنفذ كفرج المرأة وهذا أحد الأسباب في نزول الآية وقد ورد ما يدل على أن ذلك هو السبب من طرق عن جماعة من الصحابة في بعضها التصريح بأنه لا يحل إلا في القبل وفي أكثره الارد على اعتراض اليهود وهذا أحد الأقوال والقول الثاني أن السبب النزول اتيان الزوجة في الدبر وقد تقدم ذلك عن ابن عمر وأبي سعيد والثالث أنها نزلت في الأذن بالعزل عن الزوجة وروى ذلك عن ابن عباس أخرجه عنه جماعة منهم ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وروى ذلك أيضا عن ابن عمر أخرجه عنه ابن أبي شيبة قال فأتوا حرثكم اني شئتم أن شاء عزل وأن شاء لم يعزل وروى عن سعيد بن المسيب أخرجه عنه ابن أبي شيبة القول الرابع أن أني شئتم بمعنى إذا شئتم روى ذلك عبد بن حميد عن محمد بن الحنفية عليه السلام‏.‏

 باب احسان العشرة وبيان حق الزوجين

1 - عن أبي هريرة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن المرأة كالضلع أن ذهب تقيمها كسرتها وأن تركتها استمتعت بها على عوج‏)‏ وفي لفظ ‏(‏استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن اعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن أبي هريرة ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

قوله ‏(‏كالضلع‏)‏ بكسر الضاد وفتح اللام ويسكن فليلا والأكثر الفتح وهو واحد الأضلاع والفائدة في تشبيه المرأة بالضلع التنبيه على أنها معوجة الأخلاق لا تستقيم أبدا فمن حاول حملها على الأخلاق المستقيمة أفسدها ومن تركها على ما هي عليه من الأعوجاج انتفع بها كما أن الضلع المعوج ينكسر عند إرادة جعله مستقيما وإزالة اعوجاجه فإذا تركه الإنسان على ما هو عليه انتفع به وأراد بقوله وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه المبالغة في الإعوجاج والتأكيد لمعنى الكسر بأن تعذر الإقامة في الجهة العليا أمره أظهر وقيل يحتمل أن يكون ذلك مثلا لا على المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو ينشأ منه الإعوجاج قيل وأعوج ههنا من باب الصفة لا من التفضيل لأن أفعل التفضيل لا يضاع من الألوان والعيوب وأجيب بأن الظاهر ههنا أنه من التفضيل وقد جاء ذلك على قلة مع عدم الالتباس بالصفة والضمير في قوله فإن ذهبت تقيمه يرجع إلى الضلع لا إلى أعلاه وهو يذكر ويؤنث ولهذا قال الرواية الأولي تقيمها وفي هذه تقيمه‏.‏ قوله ‏(‏استوصوا بالنساء‏)‏ أي أقبلوا الوصية والمعنى أني أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا أو بمعنى ليوص بعضكم بعضا بهن‏.‏ قوله ‏(‏خلقت من ضلع‏)‏ أي من ضلع آدم الذي خلقت منه حواء‏.‏ قال الفقهاء أنها خلقت من ضلع آدم ويدل على ذلك قوله ‏{‏خلقكم من نفس واحدة منها زوجها‏}‏ وقد روى ذلك من حديث ابن عباس عند ابن إسحاق وروى من حديث مجاهد مرسلا عند ابن أبي حاتم‏.‏ قوله ‏(‏لا يفرك‏)‏ بالفاء ساكنة بعدها راء وهو البغض قال في القاموس الفرك بالكسر ويفتح البغضة عامة كالفروك والفركان أو خاص ببغضة الزوجين فركها وفركته كسمع فيهما وكنصر شاذ فركا وفروكا فهي فارك ورجل مفرك كمعظم تبغضه النساء ومفركة يبغضها الرجال انتهى‏.‏

والحديث الأول فيه الإرشاد إلى ملاطفة النساء والصبر على ما لا يستقيم من أخلاقهن والتنبيه على أنهن خلقن على تلك الصفة التي لا يفيد معها التأديب ولا ينجع عندها النصح فلم يبق إلا الصبر والمحاسنة وترك التأنيب والمخاشنة‏.‏

والحديث الثاني فيه الإرشاد إلى حسن العشرة والنهي عن البغض للزوجة بمجرد كراهة خلق من أخلاقها فإنها لا تخلوا مع ذلك عن أمر يرضاه منها وإذا كانت مشتملة على المحبوب والمكروه فلا ينبغى ترجيح مقتضى الكراهة على مقتضى المحبة‏.‏ قال النووي ضبط بعضهم قوله استمتعت بها على عوج بفتح العين وضبطه بعضهم بكسرها ولعل الفتح أكثر وضبطه ابن عساكر وآخرون بالكسر قال وهو الأرجح ثم ذكر كلام أهل اللغة في تفسير معنى المكسور والمفتوح وهو معروف وقد صرح صاحب المطالع بأن أهل اللغة يقولون في الشخص المرئي عوج بالفتح وفيما ليس بمرئي كالرأي والكلام عوج بالكسر قال وانفرد أبو عمرو الشيباني فقال كلاهما بالكسر ومصدرهما بالفتح وكسرها طلاقها‏.‏ وقد حقق صاحب الكشاف الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى ‏{‏لا ترى فيها عوجا ولا أمتا‏}‏‏.‏

3 - وعن عائشة قال ‏(‏كنت ألعب بالبنات عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في بيته وهن اللعب وكان لي صواحب يلعبن معي وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسر بهن إلي فيلعبن معي‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

4 - وعن أبي هريرة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

5 - وعن عائشة قالت ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خيركم خيركم لأهله وأنا خيرك لأهلي‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وصححه‏.‏

قوله ‏(‏بالبنات‏)‏ قال في القاموس والبنات التماثيل الصغار يلعب بها انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏للعب‏)‏ بضم اللام جمع لعبة قال في القاموس واللعبة بالضم التمثال وما يلعب به كالشطرنج ونحوه والأحمق يسخر به‏.‏ قوله ‏(‏ينقمعن‏)‏ قال في القاموس انقمع دخل البيت مستخفيا‏.‏

وفي الحديث دليل على أنه يجوز تمكين الصغار من اللعب بالتماثيل وقد روى عن مالك أنه كرهه للرجل أن يشتري لبنته ذلك‏.‏ وقال القاضي عياض أن اللعب بالبنات للبنات الصغار رخصة وحكى النووي عن بعض العلماء أن إباحة اللعب لهن بالبنات منسوخة بالأحاديث الواردة في تحريم التصوير ووجوب تغييره‏.‏ قوله ‏(‏فيسر بهن‏)‏ بضم حرف المضارعة وفتح السين المهملة وكسر الراء المشددة بعدها موحدة والتسرب الدخول‏.‏ قال في القاموس وانسرب في جحره وتسرب دخل والمراد أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يدخل البنات إلى عائشة ليلعبن معها‏.‏ قوله ‏(‏أكمل المؤمنين‏)‏ الخ فيه دليل على أن من ثبت له مزية حسن الخلق كان من أهل الإيمان الكامل فإن كان أحسن الناس خلقا كان أكمل الناس إيمانا وأن خصلة يختلف حال الأيمان باختلافها لخليقة بأن ترغب إليها نفوس المؤمنين‏.‏ قوله ‏(‏وخياركم خياركم لنسائهم‏)‏ وكذلك قوله في الحديث الآخر ‏(‏خيركم خيركم لأهله‏)‏ في ذلك تنبيه على أعلى الناس رتبة في الخير وأحقهم بالاتصاف به هو من كان خير الناس لأهله فإن الأهل هم الأحقاء بالبشر وحسن الخلق والإحسان وجلب النفع ودفع الضر فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر وكثيرا ما يقع الناس في هذه الورطة فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأ الناس أخلاقا وأشحهم نفسا وأقلهم خيرا وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته وانبسطت أخلاقه وجادت نفسه وكثر خيره ولا شك أن من كان كذلك فهو محروم التوفيق زائغ عن سواء الطريق نسأل اللّه السلامة‏.‏

6 - وعن أم سلمة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ايما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن غريب‏.‏

7 - وعن أبي هريرة قال ‏(‏قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

8 - وعن أبي هريرة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وقال حديث حسن‏.‏

9 - وعن أنس بن مالك ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر ان يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنجبس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏ وعن عائشة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أن رجلا أمر أمرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نوالها أن تفعل‏)‏‏.‏ رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

11 - وعن عبد اللّه بن أبي أوفى قال ‏(‏لما تقدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ما هذا يا معاذ قال أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فرددت في نفسي أن أفعل ذلك لك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلا تفعلوا فإني لو كنت آمر أحدا أن يسجد لغير اللّه لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

حديث أم سلمة ذكر المصنف أن الترمذي قال فيه حديث حسن غريب والذي وقفنا عليه في نسخه صحيحة هذا حديث غريب وقد صححه الحاكم وأقره الذهبي واللفظ الذي ذكره المصنف هو في الترمذي بعد الحديث الذي قبل هذا وهو حديث طلق بن علي قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور‏)‏ قال الترمذي هذا حديث حسن غريب‏.‏ وحديث أبي هريرة الثاني ذكر المصنف أن الترمذي حسنه والذي وجدناه في نسخة صحيحة ما لفظه قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث غريب من هذا الوجه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة انتهى‏.‏ وحديث أنس وعائشة وعبد اللّه بن أبي أوفى أشار إليها الترمذي لأنه قال في جامعه بعد إخراج حديث أبي هريرة المذكور ما لفظه‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن معاذ بن جبل وسراقة بن مالك ابن جعشم وعائشة وابن عباس وعبد اللّه بن أبي أوفى وطلق بن علي وأسامة بن زيد وأنس وابن عمر انتهى‏.‏ وقد روى حديث أبي هريرة المذكور البزار بإسناده فيه سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف‏.‏

وروى البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح عن أبي سعيد مرفوعا إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏حق الزوج على زوجته لو كان به قرحة فلحستها أو أنتن منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه‏)‏ وأخرج مثل هذا اللفظ البزار من حديث أبي هريرة وأخرج قصة معاذ المذكورة في الباب البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح وأخرجها ايضا البزار والطبراني بإسناد آخر وفيه النهاس بن قهم وهو ضعيف وأخرجها ايضا البزار والطبراني بإسناد آخر رجاله ثقات وقضية السجود ثابتة من حديث ابن عباس عند البزار ومن حديث سراقة عند الطبراني ومن حديث عائشة عند أحمد وابن ماجه ومن حديث عائشة عند أحمد وابن ماجة ومن حديث عصمة عند الطبراني وعن غير هؤلاء‏.‏ وحديث عائشة الذي ذكره المصنف ساقه ابن ماجه بإسناد فيه علي بن زيد بن جدعان وفيه مقال وبقية إسناده من رجال الصحيح‏.‏ وحديث عبد اللّه ابن أبي أوفى ساقه ابن ماجه بإسنادصالح فإن ازهر بن مروان والقاسم الشيباني صدوقان فهذه أحاديث في أنه لو صلح السجود لبشر لأمرت به الزوجة لزوجها يشهد بعضها لبعض ويقوي بعضها بعضا‏.‏ ويؤيد أحاديث الباب ما أخرجه أبو داود عن قيس بن سعد‏.‏ قال ‏(‏أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أحق أن يسجد له قال فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت أني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فأنت يا رسول اللّه أحق أن يسجد لك قال أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له قال قلت لا قال فلا تفعلوا لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل اللّه لهم عليهن من الحق‏)‏ وفي إسناده شريك بن عبد اللّه القاضي وقد تكلم فيه غير واحد وأخرج له مسلم في المتابعات‏.‏ قوله ‏(‏دخلت الجنة‏)‏ فيه ترغيب العظيم إلى طاعة الزوج وطلب مرضاته وأ،ها واجبة للجنة‏.‏ قوله ‏(‏إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه قال ابن أبي حمزة الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع ويقويه قوله الولد للفراش أي لمن يطأ في الفراش الوكناية عن الأشياء التي يستحيا منها كثيرة في القرآن والسنة وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلا لقوله حتى تصبح وكأن السر فيه تأكيد ذلك لا أنه يجوز لها الامتناع في النهار وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك‏.‏

قال في الفتح وقد وقع في رواية يزيد ابن كيسان عن أبي حازم عند مسلم بلفظ ‏(‏والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها‏)‏ ولابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر رفعه ‏(‏ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة العبد الآبق حتى يرجع والسكران حتى يصحو والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى‏)‏ فهذه الإطلاقات تتناول الليل والنهار‏.‏ قوله فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها‏)‏ المعصية منها تتحق بسبب الغضب منه بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فلا تكون المعصية متحققة أما لأنه عذرها وإما لأنه ترك حقه من ذلك وقد زقع في رواية للبخاري ‏(‏غذ باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها‏)‏ وليس لفظ المفاعلة على ظاهره بل المراد أنها هي التي هجرت وقد تأتي لفظ المفاعلة ويراد بها نفس الفعل ولا يتجه إليها اللوم إلا إذا بدأت هي بالهجرة فغضب هو لذلك أو هجرها وهي ظالمة فلم تتنصل من ذنبها وهجرته أما لو بدأ هو بهجرها ظالما لها فلا ووقع في رواية مسلم ‏(‏إذا باتت المرأة هاجرة‏)‏ قوله ‏(‏لعنتها الملائكة حتى تصبح‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏حتى ترجع‏)‏ وهو كما قال الحافظ أكثر فائدة قال والأولى محمولة على الغالب كما تقدم وأخرج الطبراني والحاكم وصححه من حديث عمر مرفوعا ‏(‏اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما عبد آبق وامرأة عصت زوجها حتى ترجع‏)‏ قال في الفتح حاكيا عن المهلب‏.‏

وفي الحديث جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الإرهاب عليه لئلا يواقع الفعل فإذا واقعه فإنما يدعي له بالتوبة والهداية‏.‏ قال الحافظ ليس هذا التقييد مستفادا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى قال وقد ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال لهذا الحديث على جواز لعن العاصي المعين وفيه نظر‏.‏ والحق أن الذي منع اللعن أراد به المعنى اللغوي وهو الإبعاد من الرحمة وهذا لا يليق أن يدعي به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية والذي أجازه أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب قال ولا يخفى أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر‏.‏ وأما حديث الباب فليس فيه إلا أن الملائكة تفعل ذلك ولا يلزم منه جواز على الإطلاق‏.‏

وفي الحديث دليل على أن الملائكة تدعو على المغاضبة لزوجها الممتنعة من إجابته إلى فراشه وأما كونها تدعو على أهل المعاصي على الإطلاق كما قال في الفتح فإن كان من هذا الحديث فليس فيه إلا الدعاء على فاعل هذه المعصية الخاصة وإن كان من دليل آخر فذاك وأما الاستدلال بهذا الحديث على أنهم يدعون لأهل الطاعة كما فعل أيضا في الفتح ففاسد فإنه لا يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة وغايته أنه يدل بالمفهوم على أن غير العاصية لا تلعنها الملائكة فمن أين أن المطيعة تدعو لها الملائكة بل من أين أن كل صاحب طاعة يدعون له نعم قول اللّه تعالى ‏{‏ويستغفرون للذين آمنوا‏}‏ يدل على أنهم يدعون للمؤمنين بهذا الدعاء الخاص‏.‏ وحكي في الفتح عن ابن أبي جمرة أنه قال وهل الملائكة التي تلعنها هم الحفظة أو غيرهم يحتمل الأمرين‏.‏ قال الحافظ يحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلا بذلك ويرشد إلى التعميم ما في رواية لمسلم بلفظ ‏(‏لعنتها الملائكة الذي في السماء‏)‏ فإن المراد به سكانها وإخبار الشارع بأن هذه المعصية يستحق فاعلها لعن ملائكة السماء يدل أعظم دلالة على تأكيد وجوب طاعة الزوج وتحريم عصيانه ومغاضبته‏.‏ قوله ‏(‏قرحة‏)‏ أي جرح‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏تنجبس‏)‏ بالجيم والسين المهملة‏.‏ قال في القاموس بجس الماء والجرح يبجسه شقه قال وبجسه تبجيسا فجره فانبجس وتبجس‏.‏ قوله ‏(‏بالقيح‏)‏ قال في القاموس القيح المدة لا تخالطها دم قاح الجرح يقيح كقاح يقوح‏.‏ والصديد ماء الجرح الرقيق على ما في القاموس‏.‏ قوله ‏(‏نولها‏)‏ بفتح النون وسكون الواو أي حظها وما يجب عليها أن تفعل والنوول العطاء في الأصل قوله ‏(‏لاساقفتهم‏)‏ الأسقف من النصارى العالم الرئيس والبطريق الرجل العظيم

وفي هذا الحديث دليل على أن من سجد جاهلا لغير اللّه لم يكفر‏.‏

12 - وعن عمرو بن الأحوص ‏(‏أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا أن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا توطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون إلا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن‏)‏ رواه ابن ماجه والترمذي وصححه وهو دليل على أن شهادته عليها بالزنا لا تقبل لأنه شهد لنفسه بترك حقه والجناية عليه‏.‏

13 - وعن معاوية القشيري ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سأله رجل ما حق المرأة على الزوج قال تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏

14 - وعن معاذ بن جبل ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سأله قال انفق على عيالك من طولك ولا ترفع عنهم عصاك ادبا وأخفهم في اللّه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

15 - وعن أبي هريرة ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي رواية ‏(‏لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان إلا بإذنه‏)‏ رواه إلا النسائي وهو حجة لمن يمنعها من صوم النذر وإن كان معينا إلا بإذنه‏.‏

حديث عمر بن الأحوص أخرجه أيضا بقية أهل السنن‏.‏ وحديث معاوية القشيري أخرجه النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري وصححه الحاكم وابن حبان‏.‏ وحديث معاذ أخرج نحوه الطبراني في الصغير والأوسط عن ابن عمر مرفوعا ولفظه ‏(‏لاترفع العصا عن أهلك وأخفهم في اللّه عز وجل‏)‏ قال في مجمع الزوائد وإسناده جيد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عوان‏)‏ جمع عانية والعاني الأسير‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فإن فعلن فاهجروهن‏)‏ الخ في صحيح مسلم في حديث ‏(‏فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح‏)‏ وظاهر حديث الباب أنه لا يجوز الهجر في المضجع والضرب إلا إذا أتين بفاحشة مبينة لا بسبب غير ذلك‏.‏ وقد ورد النهي عن ضرب النساء مطلقا فأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث اياس بن عبد اللّه بن أبي ذياب بضم الذال المعجمة وبموحدتين مرفوعا بلفظ ‏(‏لا تضربوا اماء اللّه فجاء عمر فقال قد ذئر النساء على أزواجهن فإذن لهم فضربوهن فاطاف بآل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نساء كثيرة فقال لقد أطاف بآل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سبعون امرأة كلهن يشكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم‏)‏ ولفظ أبي داود ‏(‏لقد طاف بأل محمد نساء كثيرة يشكون أزواجهن ليس أولئك بخيارهم‏)‏ وله شاهد من حديث ابن عباس في صحيح ابن حبان وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبي بكر عند البيهقي‏.‏ وذئر النساء بفتح الذال المعجمة وتكسر الهمزة بعدها راء أن نشزن وقيل عصين‏.‏ قال الشافعي يحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن يعني قوله تعالى ‏{‏واضربوهن‏}‏ ثم أذن بعد نزولها فيه ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته فإن أكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإبهام لا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية اللّه وقد أخرج النسائي عن عائشة قالت ‏(‏ما ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم امرأة له ولا خادما ولا ضرب بيده شيئا قط إلا في سبيل اللّه أو تنتهب محارم اللّه فينتقم للّه‏)‏ وفي الصحيحين ‏(‏لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في أخر اليوم‏)‏ وفي رواية ‏(‏من أخر الليلة‏)‏ وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لا يسئل الرجل فيم ضرب امرأته‏)‏‏.‏ قوله ‏(‏فلا يوطئن فراشكم من تركهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون‏)‏ هذا محمول على عدم العلم برضا الزوج أما لو علمت رضاه بذلك فلا حرج عليها كما جرت عادته بإدخال الضيفان موضعا معدا لهم فيجوز إدخالهم سواء كان حاضرا أو غائبا فلا يفتقر ذلك إلى الأذن من الزوج وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ ‏(‏ولا يأذن في بيته إلا بأذنه‏)‏ وهو يفيد أن حديث الباب مقيد بعدم الأذن‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولا تضرب الوجه‏)‏ فيه دليل على وجوب اجتناب الوجه عند التأديب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولا تقبح‏)‏ أي لا تقول لامرأتك قبحها اللّه ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولا تهجر إلا في البيت‏)‏ المراد أنه إذا رابه منها أمر فيهجرها في المضجع ولا يتحول عنها إلى دار أخرى أو يحولها إليها ولكنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هجر نساءه وخرج إلى مشربة له‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولا ترفع عنهم عصاك‏)‏ فيه أنه ينبغي لمن كان له عيال أن يخوفهم فيحذرهم الوقوع فيما لا يليق ولا يكثر تأنيسهم ومداعبتهم فيفضي ذلك إلى الأستخفاف به ويكون سببا لتركهم للآداب المستحسنة وتخلقهم بالأخلاق السيئة‏.‏

قوله ‏(‏لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد‏)‏ أي حاضر ويلحق بالزوج السيد بالنسبة إلى أمته التي يحل له وطؤها‏.‏ ووقع في رواية للبخاري ‏(‏وبعلها حاضر‏)‏ وهي أفيد لأن ابن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد فإن ثبت وإلا كان السيد ملحقا بالزوج للاشتراك في المعنى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إلا بأذنه‏)‏ يعني في غير صيام أيام رمضان وكذا سائر الصيامات الواجبة ويدل على اختصاص ذلك بصوم التطوع قوله في حديث الباب من غير رمضان وما أخرجه عبد الرزاق من طريق الحسن بن علي بلفظ ‏(‏لا تصوم المرأة غير رمضان‏)‏ وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا في اثناء حديث ‏(‏ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعا إلا بأذنه فإن فعلت لم يقبل منها‏)‏ والحديث يدل على تحريم صوم التطوع على المرأة بدون أذن زوجها الحاضر وهو قول الجمهور وقال بعض أصحاب الشافعي يكره‏.‏ قال النووي والصحيح الأول قال فلو صامت بغير أذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة وأمر القبول إلى اللّه‏.‏ قال النووي أيضا ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك بل هو أبلغ لأنه يدل على تأكيد الأمر فيه فيكون على التحريم قال وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت وحقه واجب على الفور فلا تفوته بالتطوع وإذا أراد الأستمتاع بها جاز ويفسد صومها وظاهر التقييد بالشاهد أنه يجوز لها التطوع إذا كان الزوج غائبا فلو صامت وقدم في أثناء الصيام قيل فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة وفي معنى الغيبة أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الجماع‏.‏ وحمل المهلب النهي المذكور على التنزيه فقال هو من حسن المعاشرة ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير أذنه ما لا يضره وليس له أن يبطل شيئا من طاعة اللّه إذا دخلت فيه بغير أذنه‏.‏ قال الحافظ وهو خلاف ظاهر الحديث‏.‏