فصل: باب الشروط في النكاح وما نهى عنه منها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب نكاح الشغار

1 - عن نافع عن ابن عمر ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على ان يزوّجه ابنته وليس بينهما صداق‏)‏‏.‏

رواه الجماعة لكن الترمذي لم يذكر تفسير الشغار وأبو داود جعله من كلام نافع وهو كذلك في رواية متفق عليه‏.‏

2 - وعن ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا شغار في الإسلام‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

3 - وعن أبي هريرة قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الشغار والشغار أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

4 - وعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ‏(‏أن العباس بن عبد اللّه بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وقد كانا جعلاه صداقا فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينما وقال في كتابه هذا الشغار الذي نهى عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

5 - وعن عمران بن حصين ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام ومن انتهب فليس منا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه‏.‏

حديث معاوية في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم اختلاف الأئمة في الأحتجاج بحديثه

ـ وفي الباب ـ عن أنس عند أحمد والترمذي وصححه والنسائي وعن جابر عند مسلم وأخرج البيهقي عن جابر أيضا نهى عن الشغار والشغار أن تنكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه وأخرج عبد الرزاق عن أنس أيضا مرفوعا لا شغار في الاسلام والشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته بأخته‏.‏ وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي ريحانة أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن المشاغرة والمشاغرة أن يقول زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر‏.‏ وأخرج الطبراني عن أبيّ بن كعب مرفوعا ‏(‏لا شغار قالوا يا رسول اللّه وما الشغار قال إنكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما‏)‏ قال الحافظ وإسناده وإن كان ضعيفا لكنه يستأنس به في هذا المقام‏.‏ قوله ‏(‏الشغار‏)‏ بمعجمتين الأولى مكسورة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والشغار ان يزوج‏)‏ الخ قال الشافعي لا أدري التفسير عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك هكذا حكى عن الشافعي البيهقي في المعرفة قال الخطيب تفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وإنما هو من قول مالك وهكذا قال غير الخطيب قال القرطبي تفسير الشغار وصحيح موافق لما ذكره أهل اللغة فإن كان مرفوعا فهو المقصود وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لأنه أعلم بالمقال وأقعد بالحال‏.‏ وللشغار صورتان إحداهما المذكورة في الأحاديث وهي خلو بضع كل منهما من الصداق والثانية أن يشرط كل واحد من الوليين على الآخر أن يزوجه وليته فمن العلماء من اعتبر الأولى فقط فمنعها دون الثانية وليس المقتضي للبطلان عندهم مجرد ترك ذكر الصداق لأن النكاح يصح بدون تسميته بل المقتضى لذلك جعل البضع صداقا واختلفوا فيما إذا لم يصرح بذكر البضع فالأصح عندهم الصحة‏.‏ قال القفال العلة في البطلان التعليق والتوقيف وكأنه يقول لا ينعقد لك نكاح ابنتي حتى ينعقد لي نكاح ابنتك وقال الخطابي كان ابن أبي هريرة يشبهه برجل تزوج امرأة ويستثني عضوا منها وهذا مما لا خلاف في فساده‏.‏ قال الحافظ وتقرير ذلك أنه يزوج وليته ويستثني بضعها حيث يجعله صداقا للأخرى وقال المؤيد باللّه وأبو طالب العلة كون البضع صار ملكا للأخرى‏.‏ قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان‏.‏ وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وذهبت الحنفية إلى صحته ووجوب المهر وهو قول الزهري ومكحول والثوري والليث ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور هكذا في الفتح قال وهو قوي على مذهب الشافعي لاختلاف الجهة لكن قال الشافعي النساء محرمات إلا ما أحل اللّه أو ملك يمين فإذا ورد النهي عن نكاح تأكد التحريم انتهى‏.‏ وظاهر ما في الأحاديث من النهي والنفي إن الشغار حرام باطل وهو غير مختص بالبنات والأخوات قال النووي اجمعوا على ان غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهن كالبنات في ذلك انتهى‏.‏ وتفسير الجلب والجنب قد تقدم في الزكاة‏.‏

 باب الشروط في النكاح وما نهى عنه منها

1 - عن عقبة بن عامر قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أحق الشروط أن يوفي به ما استحللتم به الفروج‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

2 - وعن أبي هريرة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أو يبيع على بيعه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفي ما في صحفتها أو إنائها فإنما رزقها على اللّه تعالى‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي لفظ عليه ‏(‏نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها‏)‏‏.‏

3 - وعن عبد اللّه بن عمرو ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

قوله ‏(‏أحق الشروط أن يوفى به‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏أحق ما أوفيتم من الشروط‏)‏ وفي أخرى له ‏(‏أحق الشروط أن توفوا به‏)‏‏.‏ قوله ‏(‏ما استحللتم به الفروج‏)‏ أي أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح لان أمره أحوط وبابه أضيق‏.‏ قال الخطابي الشروط في النكاح مختلفة فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا وهو ما أمر اللّه به من أمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وعليه حمل بعضهم هذا الحديث ومنها ما لا يوفى به اتفاقا كسؤال المرأة طلاق أختها‏.‏ ومنها اختلف فيه كاشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله وعند الشافعية الشروط في النكاح على ضربين منها ما يرجع إلى الصداق فيجب الوفاء به وما يكون خارجا عنه فيختلف الحكم فيه‏)‏‏.‏ قوله ‏(‏نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه‏)‏ قد تقدم الكلام على هذا في أول الكتاب النكاح‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أو يبيع على بيعه‏)‏ قد تقدم الكلام عليه في كتاب البيع‏.‏ قوله ‏(‏ولا تسأل المرأة طلاق أختها‏)‏ ظاهر هذا التحريم وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك لريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج أو للزوج منها أو يكون سؤالها ذلك تفويضا وللزوج رغبة في ذلك فيكون كالخلع من الأجنبي إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة‏.‏ وقال ابن حبيب حمل العلماء هذا النهي على الندب فلو فعل ذلك لم يفسخ النكاح وتعقبه ابن بطال بأن نفي الحل صريح في التحريم ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى ولترض بما قسم اللّه لها والتصريح بنفي الحل وقع في رواية أحمد المذكورة في الباب ووقع أيضا في رواية للبخاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لتكتفي‏)‏ بفتح التاء المثناة الأولى وسكون الكاف من كفأت الاناء إذا قلبته وأفرغت ما فيه‏.‏ وفي رواية للبخاري ‏(‏لتستفرغ ما في صحفتها‏)‏ وفي رواية له ‏(‏لتكفأ‏)‏ وأخرجه أبو نعيم في المستخرج بلفظ ‏(‏لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكتفيء إناءها‏)‏ وأخرجه الإسماعيلي وقال ‏(‏لتكتفيء‏)‏ وكذا البيهقي وهو بفتح المثناة وسكون الكاف وبالهمزة‏.‏ وفي رواية للبخاري ‏(‏لتكفيء‏)‏ بضم المثناة من أكفأته بمعنى أملته والمراد بقوله ما في صحفتها ما يحصل لها من الزوج وكذلك معنى أوانائها‏.‏ قوله ‏(‏طلاق أختها‏)‏ قال الثوري معنى هذا الحديث نهى المرأة الأجنبية أن تسأل رجلا طلاق زوجته وأن يتزوجها هي فيصير لها من نفقته ومعونته ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك بقوله لتكتفيء ما في صفحتها والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين‏.‏ وحمل ابن عبد البر الأخت هنا على الضرة ومن الشروط التي هي من مقتضيات النكاح ومقاصده شرطها عليه العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها وشرطه عليها أن لا تخرج إلا بأذنه ولا تمنعه نفسها ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه‏.‏ وأما الشروط التي تنافي مقتضى العقد كأن تشترط عليه أن لا يقسم لضرتها أولا ينفق علياه أولا يتسرى أو يطلق من كانت تحته فلا يجب الوفاء بشيء من ذلك ويصح النكاح‏.‏ وفي قول للشافعي يبطل النكاح‏.‏وقال أحمد وجماعة يجب الوفاء بالشروط مطلقا وقد استشكل ابن دقيق العيد حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح‏.‏ وقال تلك الأمور لا تؤثر الشروط في ايجادها وسياق الحديث يقتضي الوفاء بها والشروط التي هي من مقتضى العقد مستوية في وجوب الوفاء بها

ـ واختلف ـ أهل العلم في اشتراط المرأة أن لا يخرجها زوجها من بلدها‏.‏ فحكى الترمذي عن أهل العلم من الصحابة قال ومنهم عمر أنه يلزم قال وبه يقول الشافعي وأحمد واسحاق‏.‏ وروى ابن وهب بإسناد جيد أن رجلا تزوج امرأة فشرط أن لا يخرجها من دارها فارتفعوا إلى عمر فوضع الشرط وقال المرأة مع زوجها قال أبو عبيدة تضادت الروايات عن عمر في هذا‏.‏ وحكى الترمذي عن علي أنه قال سبق شرط اللّه شرطها قال وهو قول الثوري وبعض أهل الكوفة قال أبو عبيدة وقد قال بقول عمر عمرو بن العاص ومن التابعين طاوس وأبو الشعثاء وهو قول الأوزاعي‏.‏

وقال الليث والثوري والجمهور بقول علي حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلا فرضيت بخمسين على أن لا يخرجها فله إخراجها ولا يلزمه إلا المسمى‏.‏ وقالت الحنفية لها أن ترجع عليه بما نقصت له من الصداق‏.‏ وقال الشافعي يصح النكاح ويلغو الشرط ويلزمه مهر المثل وعنه يصح وتستحق الكل كذا في الفتح قال أبو عبيدة والذي نأخذ به انا نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن نحكم عليه بذلك‏.‏ قال وقد أجمعوا على أنها لو اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك اشترط فكذلك هذا ومما يقوي حمل حديث عقبة على الندب حديث عائشة في قصة بريرة المتقدم بلفظ ‏(‏كل شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل‏)‏ وقد تقدم أيضا حديث ‏(‏المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا‏)‏ وأخرج الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن جابر ‏(‏إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن هذا لا يصلح‏)‏‏.‏

 باب نكاح الزاني والزانية

1 - عن أبي هريرة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

2 - وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ‏(‏أن رجلا من المسلمين أستأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه قال فاستأذن نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أو ذكر له أمرها فقرأ عليه نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏(‏أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأساري بمكة وكان بمكة بغي يقال لها عناق وكانت وكانت صديقته قال فجئت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت يا رسول اللّه أنكح عناقا قال فسكت عني فنزلت والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فدعاني فقرأها عليّ وقال لا تنكحها‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي والترمذي‏.‏

حديث أبي هريرة قالا لحافظ في بلوغ المرام رجال ثقات‏.‏ وحديث عبد اللّه بن عمرو أخرجه أيضا الطبراني في الكبير والأوسط‏.‏ قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد ثقات وحديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن عمرو بن الأحوص ‏(‏أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال استوصوا في النساء خيرا فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا‏)‏ أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه‏.‏ وعن ابن عباس عند أبي داود والنسائي قال ‏(‏جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال غربها قال أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها‏.‏ قال المنذري ورجال إسناده يحتج بهم في الصحيحين‏.‏ وذكر الدارقطني أن الحسن بن واقد تفرد به عن عمارة ابن أبي حفصة وأن الفضل بن موسى السيناني بكسر المهملة ثم التحتية ثم نونين بينهما ألف تفرد به عن الحسن بن واقد وأخرجه النسائي من حديث عبد اللّه بن عبيد بن عمير عن ابن عباس وبوب عليه في سننه تزويج الزانية‏.‏ وقال هذا الحديث ليس بثابت وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب وقال الإمام أحمد يدلامس تعطي من ماله قلت فإن أبا عبيد يقول من الفجور قال ليس عندنا إلا أنها تعطى من ماله ولم يكن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ليأمره بإمساكها وهي تفجر‏.‏ وسئل عنه ابن الأعرابي فقال من الفجور‏.‏ وقال الخطابي معناه الزانية وأنها مطاوعة لمن أراد لا ترد يده‏.‏ وعن جابر عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الزاني المجلود‏)‏ الخ هذا الوصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا وفيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنا وكذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب لأن في آخرها ‏{‏وحرم ذلك على المؤمنين‏}‏ فإنه صرح في التحريم قال في نهاية المجتهد اختلفوا في قوله تعالى ‏{‏وحرم ذلك على المؤمنين‏}‏ هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم وهل الإشارة في قوله ذلك على الزنا أو إلى النكاح قال وإنما صار الجمهور إلى حمل الآية على الذم لا على التحريم لحديث ابن عباس الذي قدمناه‏.‏ وقد حكى في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر وجابر وسعيد بن المسيب وعروة والزهري والعترة ومالك والشافعي وربيعة وأبي ثور أنها لا تحرم المرأة على من زنى بها لقوله تعالى ‏{‏وأحل لكم ما وراء ذلكم‏}‏ وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا يحرم الحلال الحرام‏)‏ أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر‏.‏ وحكى عن الحسن البصري أنه يحرم على الرجل نكاح من زنى بها واستدل بالآية‏.‏ وحكاه أيضا عن قتادة وأحمد الا إذا تابا لارتفاع سبب التحريم وأجاب عنه في البحر بأنه أراد بالآية الزاني المشرك واستدل على ذلك بقوله تعالى ‏{‏أو مشركة‏}‏ قال وهي تحرم على الفاسق المسلم بالإجماع‏.‏ وأراد أيضا الزانية المشركة بدليل قوله أو مشرك وهو يحرم على الفاسقة المسلمة بالإجماع‏.‏ ولا يخفى ما في هذا الجواب لأن حاصله أن المراد المشرك الزاني والمشركة الزانية وهذا تأويل يفضي إلى تعطيل فائدة الآية إذ منع النكاح مع المشرك والزنا حاصل بغير هذه الآية ويستلزم أيضا امتناع عطف المشرك والمشركة على الزاني والزانية إذ قد ألغى خصوصية الزنا وأيضا قد تقرر في الأصول إن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب‏.‏ قال ابن القيم وأما نكاح الزانية فقد صرح اللّه بتحريمه في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أولا فإن لم يعتقده فهو مشرك وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ثم صرح بتحريمه فقال ‏{‏وحرم ذلك على المؤمنين‏}‏ وأما جعل الإشارة في قوله ‏{‏وحرم ذلك‏}‏ إلى الزنا فضعيف جدا إذ يصير معنى الآية الزاني لا يزني الا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها الا زان أو مشرك وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القرآن ولا يعارض ذلك حديث عمرو بن الأحوص‏.‏

وحديث ابن عباس المذكوران فإنهما في الأستمرار على نكاح الزوجة الزانية والآية وحديث أبي هريرة في ابتداء النكاح فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته ويحرم عليه أن يتزوج بالزانية وأما ما ذكره المقبلي في المنار من أنه لا يصح أن يراد به لقوله لا ترد يد لامس الزنا بل عدم نفورها عن الريبة فقصر للفظ المحتمل على أحد المحتملات بغير دليل فالأولى أن ينزل ترك استفصاله صلى اللّه عليه وآله وسلم عن مراده بقوله لا ترد يدلامس منزلة العموم ولا ريب أن العرب تكنى بمثل هذه العبارة عن عدم العفة عن الزنا‏.‏ وأيضا حديث عمرو بن الأحوص من أعظم الأدلة الدالة على جواز إمساك الزانية لقوله فيه ‏(‏الا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن‏)‏ الخ فتفسير حديث لا ترد يدلامس بغير الزنا لا يأتي بفائدة باعتبار محل النزاع‏.‏ وقد حكى صاحب البحر عن الأكثر ان من زنت لم ينفسخ نكاحها‏.‏ وحكى أيضا عن المؤيد باللّه أنه يجب تطليقها ما لم تتب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إن مرثد‏)‏ بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة بعدها دال مهملة‏.‏ والغنوى بفتح الغين المعجمة وبعدها نون مفتوحة نسبة إلى غني بفتح الغين وكسر النون وهو غني بن يعصر وقال أعصر بن سعد بن قيس عيلان‏.‏ عناق بفتح العين المهملة وبعدها نون وبعد الألف قاف‏.‏ قال المنذري وللعلماء في الآية خمسة أقوال‏:‏ أحدها أنها منسوخة قاله سعيد بن المسيب وقال الشافعي في الآية القول فيها كما قال سعيد أنها منسوخة وقال غيره الناسخ ‏{‏وانكحوا الأيامي منكم‏}‏ فدخلت الزانية في أيامي المسلمين وعلى هذا أكثر العلماء يقولون من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها والثاني أن النكاح ههنا الوطء والمراد أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية مثله أو مشركة لا تحرم الزنا وتمام الفائدة في قوله سبحانه ‏{‏وحرم ذلك على المؤمنين‏}‏ يعني الذين امتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي‏.‏ الثالث أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو مشركة وكذلك الزانية‏.‏ الرابع أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا واحتج بأن الآية نزلت في ذلك‏.‏ الخامس أنه عام في تحريم نكاح الزانية على العفيف والعفيف على الزانية انتهى‏.‏

 باب النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها

1 - عن أبي هريرة قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏ وفي رواية ‏(‏نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها‏)‏ رواه الجماعة إلا ابن ماجه والترمذي‏.‏ ولأحمد والبخاري والترمذي من حديث جابر مثل اللفظ الأول‏.‏

2 - وعن ابن عباس ‏(‏أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها بعد طلقتين وخلع‏)‏‏.‏

3 - وعن رجل من أهل مصر ‏(‏كانت له صحبة يقال له جبلة أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها‏)‏‏.‏

رواهما الدارقطني قال البخاري وجمع عبد اللّه بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي‏.‏

حديث أبي هريرة قال ابن عبد البر أكثر طرقه متواترة عنه وزعم قوم أنه تفرد به وليس كذلك‏.‏ وقال البيهقي عن الشافعي إن هذا الحديث لم يروى من وجه يثبته أهل الحديث إلا عن أبي هريرة وروى من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث‏.‏ قال البيهقي هوكما قال جاء من حديث علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد اللّه بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة وليس فيها شيء على شرط الصحيح وإنما اتفقا على إثبات حديث أبي هريرة‏.‏ وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر وبين الأختلاف علي الشعبي فيه قال والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ والصواب رواية ابن عون وداود بن أبي هند انتهى‏:‏ قال الحافظ وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري لأن الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة وللحديث طريق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر‏.‏ وقول من نقل عنهم البيهقي تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له وكفي بتخريج البخاري له موصولا قوة‏.‏ قال ابن عبد البر كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة يعني من وجه يصح وكأنه لم يصح حديث الشعبي عن جابر وصححه عن أبي هريرة والحديثان جميعا صحيحان‏.‏ قال الحافظ وأما من نقل البيهقي أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك الترمذي بقوله وفي الباب لكن لم يذكر ابن مسعود ولا ابن عباس ولا أنسا وزاد بدلهم أبا موسى وأبا أمامة وسمرة قال ووقع لي أيضا من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود‏.‏ قال وأحاديثهم موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وأبي يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم ولو لا خشية التطويل لأوردها مفصلة قال لكن في لفظ حديث ابن عباس عند أبي داود أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين‏.‏ وفي رواية عند ابن حبان نهى أن تزوج المرأة على العمة والخالة وقال إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن انتهى‏.‏ وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة‏)‏ وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن‏.‏

وأحاديث الباب تدل على تحريم الجمع بين من ذكر في حديث أبي هريرة لأن ذلك هو معنى النهي حقيقة وقد حكاه الترمذي عن عامة أهل العلم وقال لا نعلم بينهم اخلافا في ذلك وكذلك حكاه الشافعي عن جميع المفتين وقال لا اختلاف بينهم في ذلك وقال ابن المنذر لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج وهكذا حكى الإجماع القرطبي استثنى الخوارج‏.‏ قال ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين وهكذا نقل الإجماع ابن عبد البر ولم يستثن‏.‏

ونقله أيضا ابن حزم واستثنى عثمان البتي‏.‏ ونقله أيضا النووي واستثنى طائفة من الخوارج والشيعة‏.‏ ونقله ابن دقيق العيد عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف وحكاه صاحب البحر عن الأكثر وحكى الخلاف عن البتي وبعض الخوارج والروافض واحتجوا بقوله تعالى ‏{‏وأحل لكم ما وراء ذلكم‏}‏ وحملوا النهي المذكور في الباب على الكراهة فقط وجعلوا القرينة ما في حديث ابن عباس من التعليل بلفظ ‏(‏فإنكن إذا فتلتن ذلك قطعتن أرحامكن‏)‏ وقد رواه ابن حبان هكذا بلفظ الخطاب للنساء‏.‏ وفي رواية ابن عدي بلفظ الخطاب للرجال‏.‏ والمراد بذلك أنه إذا جمع الرجل بينهما صارا من نسائه كارحامه فيقطع بينهما بما ينشأ بين الضرائر من التشاحن فنسب القطع إلى الرجل لأنه السبب وأضيفت إليه الرحم لذلك‏.‏ وحديث ابن عباس هذا المصرح بالعلة في إسناده أبو حريز بالحاء المهملة ثم الزاي اسمه عبد اللّه بن حسين وقد ضعفه جماعة ولكنه قد علق له البخاري ووثقه ابن معين وأبو زرعة قال في التلخيص فهو حسن الحديث ويقويه المرسل الذي ذكرنا قالوا ولا شك إن مجرد مخافة القطيعة لا يستلزم حرمة النكاح والالزم حرمة الجمع بين بنات عمين وخالين لوجود علة النهي في ذلك ولا سيم مع التصريح بذلك كما في مرسل عيسى بن طلحة فإنه يعم جميع القرابات وأجيب بأن قطيعة الرحم من الكبائر بالأتفاق فما كان مفضيا إليها من الأسباب يكون محرما وأما الإلزام بتحريم الجمع بين سائر القرابات فيرده الإجماع على خلافه فهو مخصص لعموم العلة أو لقياسها وأما قوله تعالى ‏{‏وأحل لكم ما وراء ذلكم‏}‏ فعموم مخصص بأحاديث الباب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وجمع عبد اللّه بن جعفر‏)‏ هذا وصله البغوي في الجعديان وسعيد بن منصور من وجه آخر وبنت علي هي زينب وامرأته هي ليلى بنت مسعود النهتلية وفي رواية سعيد بن منصور أن بنت علي هي أم كلثوم بنت فاطمة ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم لأنه تزوجهما عبد اللّه بن جعفر واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته وقد وقع مبينا عند ابن سعد وحكى البخاري عن ابن سيرين أنه قال لا بأس به يعني الجمع بين زوجة الرجل وبنته من غيرها ووصله سعيد بن منصور بسند صحيح والأثر عن الرجل الذي من أهل مصر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة مطولا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد أن عبد اللّه بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته أي من غيرها‏.‏ قال أيوب فسئل عن ذلك ابن سيرين فلم ير به بأسا وقال نبئت أن رجلا كان نمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها‏.‏ وروى البخاري عن الحسن البصري أنه كرهه مرة ثم قال لابأس به ووصله الدارقطني وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه كرهه‏.‏ وعن سليمان بن يسار ومجاهد والشعبي أنهم قالوا لا بأس به واعتبرت الهادوية في الجمع المحرم أن يكون بين من لو كان أحدهما ذكرا حرم على الآخر من الطرفين وزوجة الرجل وابنته من غيرها التحريم إنما هو طرف واحد لانا لو فرضنا فإنه أجنبي عن البنت ضرورة فتحل له وحكى البخاري عن الحسن بن الحسن بن علي أنه جمع بين ابنتي عمر قال وكره جابر بن زيد القطيعة وليس فيه تحريم لقوله ‏{‏وأحل لكم ما وراء ذلكم‏}‏ وحكى في الفتح عن ابن المنذر أنه قال لا أعلم أحدا أبطل هذا النكاح قال وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مصل هذا أن يحرمه‏.‏

 باب العدد المباح للحر والعبد وما خص به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في ذلك

1 - عن قيس بن الحرث قال ‏(‏أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكرت ذلكك له فقال اختر منهن أربعا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏

2 - وعن عمر بن الخطاب قال ‏(‏ينكح العبد أمرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين‏)‏‏.‏

رواه الداقطني‏.‏

3 - وعن قتادة عن أنس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة‏)‏‏.‏ وفي رواية ‏(‏كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قلت لأنس وكان يطيقه قال كنا نتحده أنه أعطي قوة ثلاثين‏)‏‏.‏

رواهما أحمد والبخاري‏.‏

حديث قيس بن الحرث وفي رواية الحرث بن قيس في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد ضعفه غير واحد من الأئمة‏.‏ وقال أبو اقاسم البغوي ولا أعلم للحرث بن قيس حديثاغير هذا‏.‏ وقال أبو عمر النمري ليس له إلا حديث واحد ولم يأت من وجه صحيح‏.‏ وفي معنى هذا الحديث غيلان الثقفي لما أسلم وتحته عشر نسوة وسيأتي في باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع ويأتي الكلام عليه هنالك وفي الباب عن نوفل بن معاوية عند الشافعي أنه أسلم وتحته خمس نسوة فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمسك أربعا وفارق الأخرى‏.‏ وفي إسناده رجل مجهول لان الشافعي قال حدثنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد عن عبد المجيد بن سهل عن عوف بن الحرث عن نوفل بن معاوية قال أسلمت فذكره‏.‏ وفي الباب أيضا عن عروة بن مسعود وصفوان بن أمية عند البيهقي وأثر عمر يقويه مارواه البيهقي وابن أبي شيبة من طريق الحكم بن عتيبه أنه أجمع الصحابة على أنه لا ينكح العبد أكثر من أثنتين‏.‏ وقال الشافعي بعد أن روى عن علي وعمر وعبد الرحمن بن عوف أنه لا يعرف لهم من الصحابة مخالف وأخرجه ابن أبي شيبة عن جماهير التابعين عطاء والشعبي والحسن وغيرهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏اختر منهن أربعا‏)‏ استدل به الجمهور على تحريم الزيادة على أربع‏.‏ وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا وحكى ذلك عن ابن الصباغ والعمراني وبعض الشيعة وحكى أيضا عن القاسم بن إبراهيم وأنكر الإمام يحيى الحكاية عنه وحكام صاحب البحر عن الظاهرية وقوم مجاهيل وأجابوا عن حديث غيلان الثقفي بما سيأتي فيه من المقال وكذلك أجابوا عن حديث نوفل بن معاوية بما قدمنا من كون في إسناده مجهول قالوا ومثل هذا الأصل العظيم لا يكتفي فيه بمثل ذلك وولا سيما وقد ثبت أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم جمع بين تسع أو إحدى عشرة‏.‏ وقد قال تعالى ‏{‏لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة‏}‏ وأما دعوى اختصاصه بالزيادة على الأربع فهو محل النزاع ولم يقم عليه دليل وأما قوله تعالى ‏{‏مثنى وثلاث ورباع‏}‏ قالوا وفيه للجمع لا للتخيير وأيضا لفظ مثنى معدول به عن اثنين اثنين وهو يدل على تناول ما كان متصفا من الأعداد بصفة الاثنينية وإن كان في غاية الكثرة البالغة إلى ما فوق الألوف فإنك تقول جاءني القوم مثنى أي اثنين اثنين وهكذا ثلاث ورباع وهذا معلوم في لغة العرب لا يشك فيه أحد فالآية المذكورة تدل بأصل الوضع على أنه يجوز للإنسان أن يتزوج من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا وليس من شرط ذلك أن لا تأتي الطائفة الأخرى من العدد إلا بعد مفارقته للطائفة التي قبلها فإنه لا شك أنه يصح لغة وعرفا أن يقول الرجل لألف رجل عنده وجاءني هؤلاء اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة‏.‏ فحينئذ الآية تدل على إباحة الزواج بعدد من النساء‏.‏ كثير سواء كانت الواو للجمه أو للتخيير لأن خطاب الجماعة بحكم من الأحكام بمنزلة الخطاب به لكل واحد منهم فكأن اللّه سبحانه قال لكل فرد من الناس انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ومع هذا فالبراءة الأصلية مستصحبة وهي بمجردها كافية في الحل حتى يوجد ناقل صحيح ينقل عنها‏.‏ وقد يجاب بأن مجموع الأحاديث المذكورة في الباب لا يقتصر عن رتبة الحسن لغيره فتنتهض بمجموعها للاحتجاج وإ، كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال‏.‏ ويؤيد ذلك كون الأصل في الفروج الحرمة كما صرح به الخطابي فلا يجوز الإقدام على شيء منها إلا بدليل وأيضا هذا الخلاف مسبوق بالإجماع على عدم جواز الزيادة على الأربع كما صرح بذلك في البحر وقال في الفتح اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى اللّه عليه وآله وسلم الزيادة على أربع نسوة يجمه بينهن‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ينكح العبد امرأتين‏)‏ قد تمسك بهذا من قال أنه لا يجوز للعبد أن يتزوج فوق اثنتين وهو مروي عن علي وزيد بن علي والناصر والحنفية والشافعية‏.‏

ولا يخفى أن قول الصحابي لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته نعم لو صح إجماع الصحابة على ذلك كما أسلفنا لكان دليلا عند القائلين بحجية الإجماع‏.‏ ولكنه قد روى عن أبي الدرداء ومجاهد وربيعة وأبي ثور والقاسم بن محمد وسالم والقاسمية أنه يجوز له أن ينكح أربعا كالحر حكى ذلك عنهم صاحب البحر فالأولى الجزم بدخوله تحت قوله تعالى ‏{‏فانكحوا ما طاب لكم من النساء‏}‏ والحكم له وعليه بما للأحرار وعليهم إلا أن يقوم دليل يقتضي المخالفة كما في المواضع المعروفة بالتخالف بين حكميهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ويطلق تطليقتين‏)‏ سيأتي الكلام على هذا في باب ما جاء في طلاق العبد وكذلك يأتي الكلام على عدة الأمة‏.‏ قوله ‏(‏تسع نسوة هن‏)‏ عائشة وسودة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وصفية وجويرية وأم حبيبة وميمونة هؤلاء الزوجات اللاتي مات عنهن واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية وهل ماتت في حياته أو بعده ودخل أيضا بخديجة ولم بتزوج عليها حتى ماتت وبزينب أم المساكين وماتت في حياته قبل أن يتزوج صفية ومن بعدها قال الحافظ في التلخيص‏.‏ وأما حديث أنس أنه تزوج خمس عشرة امرأة ودخل منهمن بإحدى عشرة ومات عن تسعة فقد قواه الضياء في المختارة‏.‏ قال وأما من عقد عليها ولم يدخل بها أو خطبها ولم يعقد عليها فضبطنا منهن نحوا من ثلاثين امرأة وقد حررت ذلك في كتابي في الصحابة‏.‏ وقد ذكر الحافظ في الفتح والتلخيص الحكمة في تكثير نسائه صلى اللّه عليه وآله وسلم فليراجع ذلك‏.‏