فصل: باب الشهادة في النكاح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب في غير أولي الأربة

1 - عن أم سلمة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان عندها وفي البيت مخنث فقال لعبد اللّه بن أبي أمية أخي أم سلمة يا عبد اللّه إن فتح اللّه عليكم الطائف فإني أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان وقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يدخلن هؤلاء عليكم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن عائشة ‏(‏قالت كان يدخل على أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مخنث قالت وكانوا يعدونه من غير أولي الأربة فدخل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أرى هذا يعرف ما هنا لا يدخلن عليكم هذا فاحجبوه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود وزاد في رواية له ‏(‏وأخرجه وكان بالبيداء كل جمعة يستطعم‏)‏‏.‏

3 - وعن الاوزاعي في هذه القصة ‏(‏فقيل يا رسول اللّه إنه إذ يموت من الجوع فأذن له أن يدخل في كل جمعة مرتين فيسأل ثم يرجع‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

قوله ‏(‏مخنث‏)‏ بفتح والنون وكسرها والفتح المشهور وهو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيته ويتثنى فيها كالنساء وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعا من الفسقة ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه لا أرب له في النساء ولذلك كان أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يعددن هذا المخنث من غير أولى الاربة وكن لا يحجبنه إلا أن ظهر منه ما ظهرمن هذا الكلام واختلف في اسمه فقال القاضي الأشهر أن اسمه هيت بكسر الهاء ثم تحتية ثم فوقية وقيل صوابه هنب بالنون والباء الموحدة قاله ابن درستويه وقال أن ماسواه تصحيف وأنه الأحمق المعروف وقيل اسمه ماتع بالمثناة فوق مولى فاختة المخزومية بنت عمرو بن بن عائد‏.‏ قوله ‏(‏تقبل بأربع وتدبر بثمان‏)‏ المراد بالأربع هو العكن جمع عكنة وهي الطية التي تكون في البطن يقال تعكن البطن إذا صار ذلك فيه ولكل عكنة طرفان فإذا رأهن الرائي من جهة البطن وجدهن أربعا وإذا رآهن من جهة الظهر وجدهن ثمانيا‏.‏ وقال ابن حبيب عن مالك معناه أن أعكانها ينعطف بعضها على بعض وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ أطرافها أي خاصرتها وفي كل جانب أربع‏.‏ قال الحافظ وتفسير مالك المذكور تبعه فيه الجمهور وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فمن تكون بتلك الصفة وقيل الأربع هي الشعب التي هي اليدان والرجلان والثمان الكتفان والمتنتان والليتان والساقان ولا يخفي ضعف ذلك لأن كل امرأة فيها ما ذكر فلا وجه لجعله من صفات المدح المقصودة في المقام‏.‏ قوله ‏(‏هؤلاء‏)‏ اشارة إلى جميع المخنثين وروى البيهقي أنه كان المخنثون على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثلاثة ماتع وهدم وهيت‏.‏ قوله ‏(‏من غير أولي الأربة‏)‏ الأربة والأرب الحاجة والشهوة إلى النساء لكبر أو تخنيث أو عنة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أرى هذا‏)‏ الخ بفتح الهمزة الراء قال القرطبي هذا يدل على أنهم كانوا يظنون أنه لا يعرف شيئا من أحوال النساء ولا يخطر له ببال ويشبه بأن التخنيث فيه خلقة وطبيعة ولم يعرف إلا ذلك ولهذا كانوا يعدونه من غير الأربة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وأخرجه‏)‏ لفظ البخاري ‏(‏أخرجوهم من بيوتكم قال فأخرج فلانا وفلانا‏)‏ ورواه البيهقي وزاد وأخرج عمر مخنثا وفي رواية وأخرج أبو بكر أخر‏.‏ قال العلماء إخراج المخنث ونفيه كان لثلاثة معان أحدها أنه كان يظن أنه من غير أولي الأربة ثم لما وقع منه ذلك الكلام زال الظن‏.‏ والثاني وصفه النساء ومحاسنهم وعوراتهن بحضرة الرجال وقد نهى أن يصف المرأة زوجها فكيف إذا وصفها غيره من الرجال لسائرهم‏.‏ الثالث أنه ظهر له منه أنه كان يطلع من النساء وأجسامهن وعوراتهن على مالا يطلع عليه كثير من النساء‏.‏ قوله ‏(‏فيسأل ثم يرجع‏)‏ أي يسأل الناس شيئا ثم يرجع إلى البادية والبيداء بالمد القفر وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها أي تكاد تهلكه وفي ذلك دليل على جواز العقوبة بالإخراج من الوطن لما يخاف من الفساد والفسق وجواز الأذن بالدخول في بعض الأوقات للحاجة‏.‏

 باب في نظر المرأة للرجل

1 - عن أم سلمة قالت ‏(‏كنت عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وميمونة فأقبل ابن أم مكتوم حتى دخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم احتجبا منه فقلنا يا رسول اللّه أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال أفعميا وأن أنتما ألستما تبصرانه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏

2 - وعن عائشة قالت ‏(‏رأيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأمه فاقدروا وأقدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللّهو‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

ولأحمد ‏(‏أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في يوم عيد قالت فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر اليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت‏)‏‏.‏

حديث أم سلمة أخرجه أيضا النسائي وابن حبان وفي إسناده نبهان مولى أم سلمة شيخ الزهري وقد وثق‏.‏ وفي الباب عن عائشة عند مالك في الموطأ أنها احتجبت من أعمى فقيل لها أنه لا ينظر اليك قالت لكني أنظر إليه‏.‏ وقد استدل بحديث أم سلمة هذا من قال انه يحرم على المرأة نظر الرجل كما يحرم على الرجل نظر المرأة وهو أحد قولي الشافعي وأحمد والهادوية‏.‏ قال النووي وهو الأصح ولقوله تعالى ‏{‏وقل للمؤمنات بغضضن من أبصارهن‏}‏ ولأن النساء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال ويحققه أن المعنى المحرم للنظر هو خوف الفتنة وهذا في المرأة أبلغ فإنها اشد شهوة وأقل عقلا فتسارع إليها الفتنة أكثر من الرجل واحتج من قال بالجواز فيما عدا ما بين سرته وركبته بحديث عائشة المذكور في الباب ويجاب عنه بأنها كانت يومئذ غير مكلفة على ما تقضي به العبارة المذكورة في الباب ويؤيد هذا احتجابها من الأعمى كما تقدم وقد جزم النووي بأن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان ذلك قبل الحجاب وتعقبه الحافظ بأن في بعض طرق الحديث ان ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة وان قدومهم كان سنة سبع‏.‏ ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة‏.‏ واحتجوا ايضا بحديث فاطمة بنت قيس المتفق عليه انه صلى اللّه عليه وآله وسلم امرها ان تعتد في بيت أم مكتوم وقال انه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ويجاب بأنه يمكن ذلك مع غض البصر منها ولا ملازمة بين الأجتماع في البيت والنظر واحتجوا أيضا بالحديث الصحيح في مضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى النساء في يوم العيد عند الخطبة فذكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة وقد تقدم ويجاب أيضا بأن ذلك لا يستلزم النظر منهن لامكان سماع الموعظة ودفع الصدقة مع غض البصر وقد جمع أبو داود بين الأحاديث فجعل حديث أم سلمة مختصا بازواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وحديث فاطمة وما في معناه لجميع النساء‏.‏ قال الحافظ في التلخيص قلت وهذا جمع حسن وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا انتهى‏.‏ وجمع في الفتح بأن الأمر بالأحتجاب من ابن أم مكتوم لعله لكون الأعمى مظنة أن ينكشف منه شيء ولا يشعر به فلا يستلزم عدم جواز النظر مطلقا‏.‏ قال ويؤيد الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قد بالأنتقاب لئلا يراهم النساء فدل على مغايرة الحكم بين الطائفتين وبهذا احتج الغزالي‏.‏

قوله ‏(‏يلعبون في المسجد‏)‏ فيه دليل على جواز ذلك في المسجد وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ في القرآن والسنة أما القرآن فقوله تعالى ‏{‏في بيوت أذن اللّه أن ترفع‏}‏ وأما السنة فحديث ‏(‏جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم‏)‏ وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما أدعاه ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ‏.‏ وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث كذا قال في الفتح‏.‏ وفي الحديث أيضا جواز النظر إلى اللّهو المباح وفيه حسن خلقه مع أهله وكرم معاشرته قوله‏:‏ ‏(‏حتى شبعت‏)‏ فيه استعارة الشبع لقضاء الوطر من النظر‏.‏

 باب لا نكاح الا بولي

1 - عن أبي موسى عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لا نكاح إلا بولي‏)‏‏.‏

2 - وعن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال أيما امرأة نكحت بغير أذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له‏)‏‏.‏

رواهما الخمسة إلا النسائي‏.‏ وروى الثاني أبو داود الطيالسي ولفظه ‏(‏لانكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير أذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له‏)‏‏.‏

3 - وعن أبي هريرة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والدارقطني‏.‏ وعن عكرمة بن خالد ‏(‏جمعت الطريق ركبا فجعلت امرأة منهن ثيب أمرها بيد رجل غير ولي فأنكحها فبلغ ذلك عمر فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها‏)‏ رواه الشافعي والدارقطني‏.‏ وعن الشعبي ‏(‏ما كان أحد من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أشد في النكاح بغير ولي من علي كان يضرب فيه‏)‏ رواه الدارقطني‏.‏

حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وذكر له الحاكم طرقا‏.‏ قال وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش ثم سرد تمام ثلاثين صحابيا وقد طرقه الدمياطي من المتأخرين وقد اختلف في وصله وإرساله فرواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق مرسلا ورواه اسرائيل عنه فأسنده وأبو إسحاق مشهور بالتدليس وأسند الحاكم من طريق علي بن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم أنهم صححوا حديث اسرائيل‏.‏ وحديث عائشة أخرجه أيضا أبو عوانة وابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي وقد أعل بالإرسال وتكلم فيه بعضهم من جهة أن ابن جريج قال ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره وقد عد أبو القاسم بن منده عدة من رواه عن ابن جريج فبلغوا عشرين رجلا وذكر أن معمرا وعبيد اللّه بن زحر تابعا ابن جريج على روايته اياه عن سليمان بن موسى وأن قرة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وأيوب بن موسى وهشام بن سعد وجماعة تابعوا سليمان بن موسى عن الزهري‏.‏ قال ورواه أبو مالك الجنبي ونوح بن دراج ومندل وجعفر بن برقان وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة‏.‏ وقد أعل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيره الحكاية عن ابن جريج بإنكار الزهري وعلى تقدير الصحة لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه‏.‏ وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا البيهقي قال ابن كثير الصحيح وقفه على أبي هريرة وقال الحافظ رجاله ثقات وفي لفظ للدارقطني كنا نقول التي تزوج نفسها هي الزانية‏.‏ قال الحافظ فتبين أن هذه الزيادة من قول أبي هريرة وكذلك رواها البيهقي وقوفة في طريق ورواها مرفوعة في أخرى

ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس عند أحمد وابن ماجه والطبراني بلفظ ‏(‏لانكاح إلا بولي‏)‏ وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف ومداره عليه قال الحافظ وغلط بعض الرواة فرواه عن ابن المبارك عن خالد الحذاء عن عكرمة والصواب حجاج بدل خالد‏.‏ وعن أبي بردة عند أبي داود الطيالسي بلفظ حديث ابن عباس‏.‏ وعن غيرهما كما تقدم في كلام الحاكم‏.‏ قوله ‏(‏لا نكاح إلا بولي‏)‏ هذا النفي يتوجه إما إلى الذات الشرعية لأن الذات الموجودة أعني صورة العقد بدون ولي ليست بشرعية أو يتوجه إلى الصحة التي هي أقرب المجازين إلى الذات فيكون النكاح بغير ولي باطل كما هو مصرح بذلك في حديث عائشة المذكور وكما يدل عليه حديث أبي هريرة المذكور لأن النهي يدل على الفساد المرادف للبطلان‏.‏ وقد ذهب إلى هذا علي وعمر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة والحسن البصري وابن المسيب وابن شبرمة وابن أبي ليلى والعترة وأحمد وإسحاق والشافعي وجمهور أهل العلم فقالوا لا يصح العقد بدون ولي‏.‏ قال ابن المنذر إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك‏.‏ وحكى في البحر عن أبي حنيفة أنه لا يعتبر الولي مطلق لحديث الثيب أحق بنفسها من وليها وسيأتي وأجيب بأن المراد اعتبار الرضى منها جمعا بين الإخبار كذا في البحر‏.‏ وعن أبي يوسف ومحمد للولي الخيار في غير الكفء وتلزمه الإجازة في الكفء وعن مالك يعتبر الولي في الرفيعة دون الوضيعة وأجيب عن ذلك بأن الأدلة لم تفصل وعن الظاهرية أنه يعتبر في البكر فقط وأجيب عنه بمثل ما أجيب به عن الذي قبله ‏.‏ وقال أبو ثور يجوز لها أن تزوج نفسها بإذن وليها آخذا بمفهوم‏.‏ قوله ‏(‏أيما امرأة نكحت بغير أذن وليها‏)‏ ويجاب عن ذلك بحديث أبي هريرة المذكور والمراد بالولي هو الأقرب من العصبة من النسب ثم من السبب ثم من عصبته وليس لذوي السهام ولا لذوي الأرحام ولاية وهذا مذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة أن ذوي الأرحام من الأولياء فإذا لم يكن ثم ولى أو كان موجودا وعضل انتقل الأمر إلى السلطان لأنه ولي من لا ولي له كما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس وفي إسناده الحجاج بن أرطاة‏.‏

 باب ما جاء في الإجبار والاستئمار

1 - عن عائشة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين ومكثت عنده تسعا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي رواية ‏(‏تزوجها وهي بنت سبع سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين‏(‏رواه أحمد ومسلم‏.‏

الحديث أورده المصنف للاستدلال به على أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بغير استئذانها ولعله أخذ ذلك من عدم ذكر الاستئذان وكذلك صنع البخاري قال الحافظ وليس بواضح الدلالة بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر وهو الظاهر فإن القصة وقعت بمكة قبل الهجرة‏.‏ وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته قبل البلوغ‏.‏ قال المهلب أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها الا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقا إن الأب لا يزوج ابنته الصغيرة حتى تبلغ وتأذن وزعم أن تزوج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصة ويقابله تجويز الحسن والنخعي للأب أن يجبر ابنته كبيرة كانت أو صغيرة بكرا كانت أو ثيبا‏.‏ وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز تزويج الصغيرة بالكبير وقد بوب لذلك البخاري وذكر حديث عائشة وحكى في الفتح الإجماع على جواز ذلك‏.‏ قال ولو كانت في المهد لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء‏.‏

2 - وعن ابن عباس قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صمائها‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري وفي رواية لأحمد ومسلم وأبي داود والنسائي ‏(‏والبكر يستأمرها أبوها‏)‏ وفي رواية لأحمد والنسائي ‏(‏واليتيمة تستأذن في نفسها‏)‏ وفي رواية لأبي داود والنسائي ‏(‏ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها‏)‏‏.‏

3 - وعن خنساء بنت خدام الأنصارية ‏(‏إن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فرد نكاحها‏)‏‏.‏

أخرجه الجماعة إلا مسلما‏.‏

4 - وعن أبي هريرة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تنكح الأيّم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول اللّه وكيف أذنها قال أن تسكت‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

5 - وعن عائشة ‏(‏قالت قلت يا رسول اللّه تستأمر النساء في ابضاعهن قال نعم قلت ان البكر تستأمر فتستحي فتسكت فقال سكاتها أذنها‏)‏‏.‏ وفي رواية قالت ‏(‏قال رسول اللّه البكر تستأذن قلت أن البكر تستأذن وتستحي قال أذنها صماتها‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

6 - وعن أبي موسى ‏(‏إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فقد أذنت وإن أبت لم تكره‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

7 - وعن أبي هريرة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تستأمر اليتيمة في نفسها فان سكتت فهو أذنها وان أبت فلا جواز عليها‏)‏‏.‏

رواه الخمسة الا ابن ماجه‏.‏

8 - وعن ابن عباس ‏(‏ان جارية بكرا أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكرت ان أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني‏.‏ ورواه الدارقطني أيضا عن عكرمة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلا وذكر أنه أصح‏.‏

9 - وعن ابن عمر قال ‏(‏توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون قال عبد اللّه وهما خالاي فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها ودخل المغيرة بن شعبة يعين إلى أمها فارغبها في المال فحطت إليه وحطت الجارية إلى هوى أمها فأبتا حتى ارتفع أمرها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال قدامة بن مظعون يا رسول اللّه ابنة أخي أوصى بها إلى فزوجتها ابن عمتها فلم اقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ولكنها امرأة وإنما حطت إلى هوى امها قال فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم هي يتيمة ولا تنكح إلا بأذنها قال فانتزعت واللّه مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة بن شعبة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والدارقطني وهو دليل على أن اليتيمة لا يجبرها وصي ولا غيره‏.‏

10 - وعن ابن عمر ‏(‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال آمروا النساء في بناتهن‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وأبو يعلى والدارقطني والطبراني قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح‏.‏ وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي‏.‏ وحديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن أبي شيبة‏.‏ قال الحافظ ورجاله ثقات واعل بالإرسال ويتفرد جرير بن حازم عن أيوب ويتفرد حسين عن جرير وأجيب بأن أيوب بن سويد رواه عن الثوري عن أيوب موصولا وكذلك رواه معمر بن سليمان الرقي عن زيد بن حباب عن أيوب موصولا وإذا اختلف في وصل الحديث وإرساله حكم لمن وصله على طريقة الفقهاء وعن الثاني بأن جريرا توبع عن أيوب كما ترى‏.‏ وعن الثالث بأن سليمان بن حرب تابع حسين بن محمد عن جرير وانفصل البيهقي عن ذلك بأنه محمول على أنه زوجها من غير كفء‏.‏ وحديث ابن عمر الأول أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه‏.‏ قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد ثقات‏.‏ وحديثه الثاني فيه رجل مجهول‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن جابر عند النسائي وعن عائشة غير ما ذكره المصنف عند النسائي أيضا قوله يستأمرها أبوها الاستئمار طلب الأمر والمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏خنساء بنت خدام‏)‏ هي بخاء معجمة ثم نون مهملة على وزن حمراء وأبوها بكسر الخاء المعجمة وتخفيف المهملة كذا في الفتح‏.‏ قوله ‏(‏لاتنكح الأيّم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن‏)‏ عبر للثيب بالاستئمار والبكر بالاستئذان ويؤخذ منه فرق بينهما من جهة إن الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمرة ولهذا يحتاج الولي إلى صريح أذنها فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقا والبكر بخلاف ذلك والأذن دائر بين القول والسكوت بخلاف الأمر فإنه صريح في القول هكذا في الفتح ويعكر عليه ما في رواية حديث ابن عباس من ان البكر يستأمرها أبوها وان اليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها‏.‏ وفي حديث عائشة ان البكر تستأمر الخ وكذلك في حديث أبي موسى وأبي هريرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فحطت إليه‏)‏ أي مالت إليه وأسرعت بفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة أيضا وقد استدل بأحاديث الباب على اعتبار الرضا من المرأة التي يراد تزويجها وأنه لا بد من صريح الأذن من الثيب ويكفي السكوت من البكر والمراد بالبكر التي أمر الشارع باستئذانها هي البالغة إذ لا معنى لاستئذان الصغيرة لأنها لا تدري ما الأذن‏.‏ قال ابن المنذر يستحب اعلام البكر أن سكوتها أذن لكن لو قالت بعد العقد ما علمت ان صمتي أذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور وأبطله بعض المالكية‏.‏ وقال ابن شعبان منهم يقال لها ثلاثا إن رضيتي فاسكتي وإن كرهتي فانطقي‏.‏ ونقل ابن عبد البر عن مالك ان سكوت البكر اليتيمة قبل أذنها وتفويضها لا يكون رضا منها بخلاف ما إذا كان بعد تفويضها إلى وليها وخص بعض الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما لأ،ها تستحي منهما أكثر من غيرهما والصحيح الذي عليه الجمهور استعمال الحديث في جميع الابكار وظهر أحاديث الباب ان البكر البالغة إذا زوجت بغير إذنها لم يصح العقد وإليه ذهب الأوزاعي والثوري والعترة والحنفية وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وذهب مالك والشافعي والليث وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق إلى أنه يجوز للأب أن يزوجها بغير استئذان ويرد عليهم ما في أحاديث الباب من قوله ‏(‏وللبكر يستأمرها أبوها‏)‏ ويرد عليهم أيضا حديث عبد اللّه بن بريدة الذي سيأتي في باب ما جاء في الكفاءة وأما ما احتجوا به من مفهوم‏.‏

قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏الثيب أحق بنفسها من وليها‏)‏ فدل على أن ولي البكر أحق بها منها فيجاب عنه بأن المفهوم لا ينتهض للتمسك به في مقابلة المنطوق وقد أجابوا عن دليل أهل القول الأول بما قاله الشافعي من أن المؤامرة قد تكون على استطابة النفس ويؤيده حديث ابن عمر المذكور بلفظ ‏(‏وآمروا النساء في بناتهن‏)‏ قال ولا خلاف انه ليس للأم أمر لكنه على معنى استطابة النفس وقال البيهقي زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة قال الشافعي زادها ابن عيينة في حديثه وكان ابن عمر والقاسم وسالم يزوجون الأبكار لا يستأمرونهن‏.‏

قال الحافظ وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ انتهى‏.‏ وأجاب بعضهم بأن المراد بالبكر المذكورة في حديث ابن عباس اليتيمة لما وقع في الرواية الأخرى من حديثه واليتيمة تستأمر فيحمل المطلق على المقيد واجيب بأن اليتيمة هي البكر وأيضا الروايات الواردة بلفظ تستأمرها وتستأذن بضم أوله هي تفيد مفاد قوله يستأمرها أبوها وزيادة بأنه يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات ومما يؤيد ما ذهب إليه الأولون حديث ابن عباس المذكور إن جارية بكرا الخ وأما الثيب فلا بد من رضاها من غير فرق بين أن يكون الذي زوجها هو الأب أو غيره وقد حكى في البحر الاجماع على اعتبار رضاها وحكى أيضا الإجماع على أنه لا بد من تصريحها بالرضا بنطق أو ما في حكمه والظاهر ان استئذان الثيب والبكر شرط في صحة العقد لرده صلى اللّه عليه وآله وسلم لنكاح خنساء بنت خدام كما في الحديث المذكور وكذلك تخييره صلى اللّه عليه وآله وسلم للجارية كما في حديث ابن عباس المذكور وكذلك حديث ابن عمر المذكور أيضا ويدل على ذلك أيضا حديث أبي هريرة المذكور لما فيه من النهي‏.‏ وظاهر قوله الثيب أحق بنفسها أنه لا فرق بين الصغيرة والكبيرة وبين من زالت بكارتها توطء حلال أو حرام وخالف في ذلك أبو حنيفة فقال هي كالبكر واحتج بأن علة الأكتفاء بسكوت البكر هي الحياء وهو باق فيمن زالت بكارتها بزنا لأن المسألة مفروضة فيمن لم يتخذ الزنا ديدنا وعادة وأجيب بأن الحديث نص على أن الحياء يتعلق بالبكر وقابلها بالثيب فدل على أن حكمهما مختلف وهذه ثيب لغة وشرعا وأما بقاء حيائها كالبكر فممنوع‏.‏

 باب الابن يزوج أمه

1 - عن أم سلمة ‏(‏أنها لما بعث النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يخطبها قالت ليس أحد من أوليائي شاهد فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك فقالت لابنها يا عمر قم فزوج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فزوجه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

الحديث قد أعل بأن عمر المذكور كان عند تزوجه صلى اللّه عليه وآله وسلم بأمه صغيرا له من العمر سنتان لأنه ولد في الحبشة في السنة الثانية من الهجرة وتزوجه صلى اللّه عليه وآله وسلم بأمه كان في السنة الرابعة‏.‏ قيل رواية قم يا غلام فزوج أمك فلا أصل لها وقد استدل بهذا الحديث من قال بأن الولد من جملة الأولياء في النكاح وهم الجمهور‏.‏ وقال الشافعي ومحمد بن الحسن وروى عن الناصر ان ابن المرأة إذا لم يجمعها وأياه جد فلا ولاية له ورد بأن الابن يسمي عصبة اتفاقا وبأنه داخل في عموم قوله تعالى ‏{‏وأنكحوا الأيامى منكم‏}‏ لأنه خطاب للأقارب وأقربهم الأبناء وأجاب عن هذا الرد في ضوء النهار بأن ظاهر انكحوا صحة عقد غير الأقارب وإنما خصصهم الإجماع استنادا إلى العادة والمعتادة إنما هو غير الابن كيف والابن متأخر عن التزويج في الغالب والمطلق يقيد بالعادة كما عرف في الأصول والعموم لا يشمل النادر ولان نكاح العاقلة خاصة مفوض إلى نظرها وإنما الولي وكيل في الحقيقة ولهذا لو لم يمتثل الولي أمرها بالعقد لكفء لصح توكيلها غيره والوكالة لا تلزم لمعين ودفع بأن هذا يستلزم أن لا يبقى للولي حق وأنه خلاف الإجماع والتحقيق أنه ليس إلى نظر المكلفة إلا الرضا ويجاب عن دعوى خروج الابن بالعادة بالمنع أن أراد عدم الوقوع وان أراد الغلبة فلا يضرنا ولا ينفعه ومن جملة ما أجاب به القائلون بأنه لا ولاية للابن أن هذا الحديث لا يصح الاحتجاج به لأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يفتقر في نكاحه إلى ولي ومن جملة ما يستدل به على عدم ولاية الابن في النكاح قول أم سلمة ليس أحد من أوليائي شاهد مع كون ابنها حاضرا ولم ينكر عليها صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك‏.‏

 باب العضل

1 - عن مقعل بن يسار قال ‏(‏كانت لي أخت تخطب إلى فأتاني ابن عم لي فانحكهتها أياه ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها فلما خطبت إلى أتاني يخطبها فقلت لا واللّه لا أنكحكها أبدا‏.‏ قال ففي نزلت هذه الآية وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن أزواجهن الآية‏.‏ قال فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه‏)‏‏.‏

رواه البخاري وأبو داود والترمذي وصححه ولم يذكر التكفير‏.‏ وفيه رواية للبخاري ‏(‏وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه‏)‏ وهو حجة في اعتبار الولي‏.‏

قوله ‏(‏كانت لي أخت اسمها جميل‏)‏ بالضم مصغرا بنت يسار ذكره الطبري وجزم به ابن ماكولا وقيل اسمها ليلى حكاه السهيلي في مبهمات القرآن وتبعه المنذري‏.‏ وقيل فاطمة ذكره ابن إسحاق ويحمل على التعدد بأن يكون لهما اسمان ولقب أو لقبان واسم قوله‏:‏ ‏(‏ففي نزلت هذه الآية‏)‏ هذا تصريح بنزول هذه الآية في هذه القصة ولا يمنع ذلك كون ظاهر الخطاب في السياق للأزواج حيث وقع فيها وإذا طلقتم النساء لكن قوله فيها نفسها أن ينكحن أزواجهن ظاهر في أن ذلك يتعلق بالأولياء‏.‏ قوله ‏(‏فكفرت عن يميني وأنكحتها‏)‏ في لفظ للبخاري فقلت ‏(‏الآن أفعل يا رسول اللّه‏)‏‏.‏ قوله ‏(‏وكان رجلا لا بأس به‏)‏‏.‏ قال ابن التين أي كان جيدا وقد غيرته العامة فكنوا به عمن لا خير فيه

والحديث يدل على أنه يشترط الولي في النكاح ولو لم يكن شرطا لكان رغوب الرجل في زوجته ورغوبها فيه كافيا وبه يرد القياس الذي احتج به أبو حنيفة على عدم الأشتراط فإنه احتج بالقياس على البيع لأن المرأة تستقل به بغير أذن وليها فكذلك النكاح وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي المتقدمة على الصغيرة وخص بهذا القياس عمومها ولكنه قياس فاسد الأعتبار لحديث معقل هذا وانفصل بعضهم عن هذا الأيراد بالتزامهم اشتراط الولي ولكن لا يمنع ذلك تزويجها نفسها ويتوقف النفوذ على اجازة الولي كما في البيع وهو مذهب الأوزاعي وكذلك قال أبو ثور ولكنه يشترط أذن الولي لها في تزويج نفسها وتعقب بأن أذن الولي لا يصح الا لمن ينوب عنه والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لأن الحق لها ولو أذن لها في انكاح نفسها صارت كمن أذن لها في البيع من نفسها ولا يصح وفي حديث معقل هذا دليل على أن السلطان لا يزوج المرأة إلا بعد أن يأمر وليها بالرجوع عن العضل فأن أحاب فذاك وإن أصر زوجها‏.‏

 باب الشهادة في النكاح

1 - عن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وذكر أنه لم يرفعه غير عبد الأعلى وأنه قد وقفه مرة وأن الوقف أصح وهذا لا يقدح لأن عبد الأعلى ثقة فيقبل رفعه وزيادته وقد يرفع الراوي الحديث وقد يقفه‏.‏

2 - وعن عمران بن حصين عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لانكاح الا بولي وشاهدي عدل‏)‏‏.‏

ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد اللّه‏.‏

3 - وعن عائشة قالت ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لانكاح الا بولي وشاهدي عدل فإن تشاجروا ـ قوله‏:‏ فإن تشاجروا، الضمير عائد إلى الأولياء الدال عليه ذكر الولي والسياق والمراد بالاشتجار منع الأولياء عن العقد عليها وهذا هو العضل وبه تنتقل الولاية إلى السلطان ان عضل الأقرب وقيل بل تنتقل إلى الأكبر وانتقالها إلى السلطان مبني على منع الأقرب والأبعد وهو محتمل واللّه أعلم ـ فالسلطان ولي من لا ولي له‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏ ولمالك في الموطأ عن أبي الزبير المكي ‏(‏أن عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت‏)‏‏.‏

حديث ابن عباس قال الترمذي هذا حديث غير محفوظ لا نعلم أحدا رفعه إلا ما روى عن عبد الأعلى عن سعبد عن قتادة مرفوعا‏.‏ وروى عن عبد الأعلى عن سعبد هذا الحديث موقوفا والصحيح ما روى عن ابن عباس ‏(‏لانكاح الا ببينة‏)‏ وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن أبي عروبة نحو هذا موقوفا‏.‏ وحديث عمران ابن حصين أشار إليه الترمذي وأخرجه الدارقطني والبيهقي في العلل من حديث الحسن عنه وفي إسناده عبد اللّه بن محرز وهو متروك‏.‏ ورواه الشافعي من وجه آخرعن الحسن مرسلا‏.‏ وقال هذا وان كان مقطعا فإن أكثر أهل العلم يقولون به‏.‏ وحديث عائشة أخرجه أيضا البيهقي من طريق محمد بن أحمد بن الحجاج الرقي عن عيسى بن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة كذلك وقد توبع الرقي عن عيسى‏.‏ ورواه سعيد بن خالد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان ويزيد بن سنان ونوح بن دراج وعبد اللّه بن حكيم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كذلك وقد ضعف ابن معين كله واقره البيهقي وقد تقدم في باب لانكاح الا بولي طرف منه

ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس غير حديثه المذكور عند الشافعي والبيهقي من طريق ابن خيثم عن سعيد بن جبير عنه موقوفا بلفظ ‏(‏لانكاح الا بولي مرشد وشاهدي عدل‏)‏ وقال البيهقي بعد أن رواه من طريق أخرى عن أبي خيثم بسنده مرفوعا بلفظ ‏(‏لانكاح الا بأذن ولي مرشد أو سلطان‏)‏ قال والمحفوظ الموقوف ثم رواه من طريق الثوري عن أبي خيثم به ومن طريق عدي بن الفضل عن أبي خيثم بسنده مرفوعا بلفظ ‏(‏لانكاح الا بولي وشاهدي عدل فإن نكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل‏)‏ وعدي بن الفضل ضعيف‏.‏ وعن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا عند البيهقي بلفظ ‏(‏لانكاح الا بأربعة خاطب وولي وشاهدين‏)‏ وفي إسناده المغيرة بن موسى البصري قال البخاري منكر الحديث‏.‏ وعن عائشة غير حديث الباب عند الدارقطني بلفظ ‏(‏لابد النكاح من أربعة الولي والزوج والشاهدين‏)‏ وفي إسناده أبو الخصيب نافع بن ميسرة مجهول وروي نحوه البيهقي في الخلافيات عن ابن عباس موقوفا وصححه وابن أبي شيبة بنحوه عنه أيضا‏.‏ وعن أنس أشار إليه الترمذي وقد استدل بأحاديث الباب من جعل الأشهاد شرطا وقد حكى ذلك في البحر عن علي وعمر وابن عباس والعترة والشعبي وابن المسيب والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة أحمد بن حنبل‏.‏ قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم قالوا ‏(‏لانكاح الابشهود‏)‏ لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم الا قوم من المتأخرين من أهل العلم وإنما اختلف أهل العلم في هذا إذا شهد واحد بعد واحد فقال أكثر أهل العلم من الكوفة وغيرهم لا يجوز النكاح حتى يشهد الشاهدان معا عند عقدة النكاح وقد روى بعض أهل المدينة إذا شهد واحد بعد واحد فإنه جائز إذا أعلنوا ذلك وهو قول مالك بن أنس وغيره‏.‏ وقال بعض أهل العلم يجوز شهادة رجل وامرأتين في النكاح وهو قول أحمد وإسحاق انتهى كلام الترمذي‏.‏ وحكى في البحر عن ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن ابن مهدي وداود انه لا يعتبر الاشهاد‏.‏ وحكى أيضا عن مالك أنه يكفي الاعلان بالنكاح والحق ما ذهب إليه الأولون لأن أحاديث الباب يقوي بعضها بعضا والنفي في قوله لانكاح يتوجه إلى الصحة وذلك يستلزم أن يكون الأشهاد شرطا لأنه قد استلزم عدمه عدم الصحة وما كان كذلك فهو شرط‏.‏ واختلفوا في اعتبار العدالة في شهود النكاح فذهبت القاسمية والشافعي إلى أنها تعتبر‏.‏ وذهب زيد بن علي وأحمد بن عيسى وأبو عبد اللّه الداعي وأبوحنيفة أنها لا تعتبر والحق القول الأول لتقييد الشهادة المعتبرة في حديث عمران بن حصين وعائشة اللذين ذكرهما المصنف وكذلك حديث ابن عباس الذي ذكرناه بالعدالة‏.‏