فصل: باب عدد الرضعات المحرمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 كتاب الرضاع

 باب عدد الرضعات المحرمة

1 - عن عائشة‏:‏ أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏‏(‏لا تحرم المصة ولاالمصتان‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

2 - وعن أم الفضل‏:‏ ‏(‏أن رجلاً سأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أتحرم المصة فقال‏:‏ لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة والمصتان‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ دخل أعرابي على نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو في بيتي فقال‏:‏ يا نبي اللّه إني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحدثى رضعة أو رضعتين فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تحرم الإملاجة أو الإملاجتان‏)‏‏.‏

رواهما أحمد ومسلم‏.‏

3 - وعن عبد اللّه بن الزبير‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا تحرم من الرضاعة المصة والمصتان‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي والترمذي‏.‏

حديث عبد اللّه بن الزبير أخرجه أيضاً ابن حبان وقال الترمذي‏:‏ الصحيح عن أهل الحديث من رواية ابن الزبير عن عائشة كما في الحديث الأول وأعله ابن جرير الطبري بالاضطراب فإنه روي عن ابن الزبير عن أبيه وجمع ابن حبان بينهما بإمكان أن يكون ابن الزبير سمعه من كل منهم وفي الجمع بعد كما قال الحافظ‏.‏ ورواه النسائي من حديث أبو هريرة وقال ابن عبد البر‏:‏ لا يصح مرفوعاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الرضعة‏)‏ هي المرة من الرضاع كضربة وجلسة وأكلة فمتى التقم الصبي الثدي فامتص منه ثم تركه باختياره لغير عارض كان ذلك رضعة وفي القاموس‏:‏ رضع أمه كسمع وضرب رضعاً ويحرك ورضاعاً ورضاعة ويكسران ورضعاً ككتف فهو راضع إلى أن قال‏:‏ امتص ثديها ثم قال في مادة مصصته‏:‏ إنه بمعنى شربته شرباً رفيقاً وفى الضياء أن المصة الواحدة من المص وهى أخذ اليسير من الشيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الإملاجة ولا الإملاجتان‏)‏ الإملاجة الإرضاعة الواحدة مثل المصة وفي القاموس ملج الصبي أمه كنصر وسمع تناول ثديها بأدنى فمه وامتلج اللبن امتصه وأملجه أرضعه والمليج الرضيع انتهى‏.‏ والأحاديث المذكورة تدل على أن الرضعة الواحدة والرضعتين والمصة الواحدة والمصتين والإملاجة والإملاجتين لا يثبت بها حكم الرضاع الموجب للتحريم وتدل هذه الأحاديث بمفهومها على أن الثلاث من الرضعات أو المصات تقتضي التحريم وقد حكى صاحب البحر هذا المذهب عن زيد بن ثابت وأبي ثور وابن المنذر انتهى‏.‏ وحكاه في البدر التمام عن أبي عبيدة وداود الظاهري وأحمد في رواية ولكنه يعارض هذا المفهوم القاضي بأنما فوق الاثنتين يقتضي التحريم ما سيأتي من أن الرضاع المقتضي للتحريم هو الخمس الرضعات وسيأتي تحقيق ذلك وذكر من قال به‏.‏ نعم هذه الأحاديث دافعة لقول من قال إن الرضاع المقتضي للتحريم هو الواصل إلى الجوف ولا شك أن المصة الواحدة تصل إلى الجوف فكيف ما فوقها وسيأتي ذكر ما تمسكوا به‏.‏

4 - وعن عائشة أنها قالت‏:‏ ‏(‏كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن‏)‏‏.‏

رواه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

وفي لفظ ‏(‏قالت وهي تذكر الذي يحرم من الرضاعة‏:‏ نزل في القرآن عشر رضعات معلومات ثم نزل أيضاً خمس معلومات‏)‏ رواه مسلم‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخ من ذلك خمس رضعات إلى خمس رضعات معلومات فتوفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والأمر على ذلك‏)‏ رواه الترمذي‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏كان فيما أنزل اللّه عز وجل من القرآن ثم سقط لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس معلومات‏)‏ رواه ابن ماجه‏.‏

5 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر امرأة أبي حذيفة فأرضعت سالماً خمس رضعات وكان يدخل عليها بتلك الرضاعة‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏أن أبي حذيفة تبنى سالماً وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم زيداً وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس ابنه وورث ميراثه حتى أنزل اللّه عز وجل ‏{‏أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند اللّه فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانهم في الدين ومواليكم‏}‏ فردوا إلى آبائهم فمن لم يعلم له أب فمولى وأخ في الدين فجاءت سهلة فقالت‏:‏ يا رسول اللّه كنا نرى سالماً ولداً يأوي معي ومع أبي حذيفة ويراني فضلى وقد أنزل اللّه عز وجل ما قد علمت فقال‏:‏ أرضعيه خمس رضعات فكان بمنزلة ولده من الرضاعة‏)‏ رواه مالك في الموطأ وأحمد‏.‏

حديث عائشة في قصة سالم أخرج الرواية الأولى منه النسائي عن جعفر بن ربيعة عن الزهري كتابة عن عروة عنها ورواه الشافعي في الأم عن مالك عن الزهري عن عروة مرسلاً ورواه أيضاً عبد الرزاق‏.‏

وأخرج الرواية الثانية عنها أبو داود وأخرجها أيضاً البخاري في المغازي من صحيحه من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عنها إلى قوله فجاءت سهلة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال فذكر الحديث ولم يسق بقيته وساقها البيهقي في سننه من هذا الوجه كرواية أبي داودورواها أيضاً البخاري من رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عنها وساق منها إلى قوله وقد أنزل اللّه فيه ما قد علمت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏معلومات‏)‏ فيه إشارة إلى أنه لا يثبت حكم الرضاع إلا بعد العلم بعدد الرضعات وأنه لا يكفي الظن بل يرجع معه ومع الشك إلى الأصل وهو العدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهن فيما يقرأ‏)‏ بضم الياء وفيه إشارة إلى أنه تأخر إنزال الخمس رضعات فتوفي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهن قرآن يقرأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فضلى‏)‏ بضم الفاء والضاد المعجمة قال الخطابي‏:‏ أي مبتذلة في ثياب مهنتها انتهى‏.‏ والفضل من الرجال والنساء الذي عليه ثوب واحد بغير إزار‏.‏ وقال ابن وهب‏:‏ أي مكشوف الرأس وقد استدل بأحاديث الباب من قال إنه لا يقتضي التحريم من الرضاع إلا خمس رضعات معلومات وقد تقدم تحقيق الرضعة وإلى ذلك ذهب ابن مسعود وعائشة وعبد اللّه بن الزبير وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير والليث بن سعد والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه وإسحاق وابن حزم وجماعة من أهل العلم‏.‏

وقد روى هذا المذهب عن الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه‏.‏ وذهب الجمهور إلى أن الرضاع الواصل إلى الجوف يقتضي التحريم وإن قل وقد حكاه صاحب البحر عن الإمام علي رضي اللّه عنه وابن عباس وابن عمر والثوري والعترة وأبي حنيفة وأصحابه ومالك وزيد بن أوس انتهى‏.‏

وروي أيضاً عن سعيد بن المسيب والحسن والزهري وقتادة والحكم وحماد والأوزاعي‏.‏

قال المغربي في البدر‏:‏ وزعم الليث بن سعد أن المسلمين أجمعوا على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم منه ما يفطر الصائم وهو رواية عن الإمام أحمد انتهى‏.‏ وحكى ابن القيم عن الليث أنه لا يحرم إلا خمس رضعات كما قدمنا ذلك فينظر في المروي عنه من حكاية الإجماع فإنه يبعد كل البعد أن يحكي العالم الإجماع في مسألة ويخالفها وقد أجاب أهل القول الثاني عن أحاديث الباب التي استدل بها أهل القول الأول بأجوبة منها أنها متضمنة لكون الخمس الرضعات قرآناً والقرآن شرطه التواتر ولم يتواتر محل النزاع وأجيب بأن كون التواتر شرطاً ممنوع والسند ما أسلفنا عن أئمة القراءات كالجزري وغيره في باب الحجة في الصلاة بقراءة ابن مسعود وأُبيَّ من أبواب صفة الصلاة فإنه نقل هو وجماعة من أئمة القراءات الإجماع على ما يخالف هذه الدعوى ولم يعارض نقله ما يصلح لمعارضته كما بينا ذلك هنالك وأيضاً اشتراط التواتر فيما نسخ لفظه على رأي المشترطين ممنوع وأيضاً انتفاء قرآنيته لا يستلزم انتفاء حجيته على فرض شرطية التواتر لأن الحجة ثبتت بالظن ويجب عنده العمل وقد عمل الأئمة بقراءة الآحاد في مسائل كثيرة منها قراءة ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات وقراءة أُبيَّ وله أخ أو أخت من أم ووقع الإجماع على ذلك ولا مستند له غيرها وأجابوا أيضاً بأن ذلك لو كان قرآناً لحفظ لقوله تعالى ‏{‏إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏}‏ وأجيب بأن كونه غير محفوظ ممنوع بل قد حفظه اللّه برواية عائشة له وأيضاً المعتبر حفظ الحكم ولو سلم انتفاء قرآنيته على جميع التقادير لكان سنة لكون الصحابي راوياً له عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لوصفه له بالقرآنية وهو يستلزم صدوره عن لسانه وذلك كاف في الحجية لما تقرر في الأصول من أن المروي آحاد إذا انتقى عنه وصف القرآنية لم ينتف وجوب العمل به كما سلف واحتجوا أيضاً بقوله تعالى ‏{‏وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم‏}‏ وإطلاق الرضاع يشعر بأنه يقع بالقليل والكثير ومثل ذلك حديث يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ويجاب بأنه مطلق مقيد بما سلف واحتجوا بما ثبت في الصحيحين عن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب الذي سيأتي في باب شهادة المرأة الواحدة بالرضاع فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يستفصل عن الكيفية ولا سأل عن العدد ويجاب أيضاً بأن أحاديث الباب اشتملت على زيادة على ذلك المطلق المشعور به من ترك الاستفصال فيتعين الأخذ بها على أنه يمكن أن يكون ترك الاستفصال لسبق البيان منه صلى اللّه عليه وآله وسلم للقدر الذي يثبت به التحريم‏.‏

فإن قلت حديث لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء يدل على عدم اعتبار الخمس لأن الفتق يحصل بدونها قلت سيأتي الجواب عن ذلك في شرح الحديث فالظاهر ما ذهب إليه القائلون باعتبار الخمس وأما حديث لا تحرم الرضعة والرضعتان وكذلك سائر الأحاديث المتقدمة في الباب الأول وقد سبق ذكر من ذهب إلى العمل بها فمفهومها يقتضي أن ما زاد عليها يوجب التحريم كما أن مفهوم أحاديث الخمس أن ما دونها لا يقتضي التحريم فيتعارض المفهومان ويرجع إلى الترجيح ولكنه ثبت عند ابن ماجه بلفظ لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس كما ذكره المصنف وهذا مفهوم حصر وهو أولى من مفهوم العدد وأيضاً قد ذهب بعض علماء البيان كالزمخشري إلى أن الإخبار بالجملة الفعلية المضارعية يفيد الحصر والإخبار عن الخمسالرضعات بلفظ يحرمن كذلك ولو سلم استواء المفهومين وعدم انتهاض أحدهما كان المتوجه تساقطهما وحمل ذلك المطلق على الخمس لا على ما دونها إلا أن يدل عليه دليل ولا دليل يقتضي أن ما دون الخمس يحرم إلا مفهوم قوله لا تحرم الرضعة والرضعتان والمفروض أنه قد سقط نعم لا بد من تقييد الخمس الرضعات بكونها في زمن المجاعة لحديث عائشة الآتي في الباب الذي بعد هذا‏.‏

وأما حديث ابن مسعود عند أبي داود مرفوعاً‏:‏ ‏(‏لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم‏)‏ فيجاب بأن الإنبات والإنشار إن كانا يحصلان بدون الخمس ففي حديث الخمس زيادة يجب قبولها والعمل بها وإن كانا لا يحصلان إلا بزيادة عليها فيكون حديث الخمس مقيداً بهذا الحديث لولا أنه من طريق أبي موسى الهلالي عن أبيه عن ابن مسعود وقد قال أبو حاتم‏:‏ إن أبا موسى وأباه مجهولان وقد أخرجه البيهقي من حديث أبي حصين عن أبي عطية قال‏:‏ جاء رجل إلى أبي موسى فذكره بمعناه وهذا على فرض أنه يفيد ارتفاع الجهالة عن أبي موسى لا يفيد ارتفاعها عن أبيه فلا ينتهض الحديث لتقييد أحاديث الخمس بإنشار العظم وإنبات اللحم وفي حديث عائشة المذكور في قصة سالم دليل على أن إرضاع الكبير يقتضي التحريم وسيأتي تحقيق ذلك‏.‏

 باب ما جاء في رضاعة الكبير‏.‏

1 - عن زينب بنت أم سلمة قالت‏:‏ ‏(‏قالت أم سلمة لعائشة‏:‏ إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل عليّ فقالت عائشة‏:‏ أما لك في رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أُسوة حسنة وقالت‏:‏ إن امرأة أبي حذيفة قالت يا رسول اللّه إن سالماً يدخل عليّ وهو رجل وفي نفس أبي حذيفة منه شيء فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أرضعيه حتى يدخل عليك‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏عن زينب عن أمها أم سلمة أنها قالت‏:‏ أبى سائر أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة وقلن لعائشة ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لسالم خاصةفما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه‏.‏

هذا الحديث قد رواه من الصحابة أمهات المؤمنين وسهلة بنت سهيل وهي من المهاجرات وزينب بنت أم سلمة وهي ربيبة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ورواه من التابعين القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وحميد بن نافع ورواه عن هؤلاء الزهري وابن أبي مليكة وعبد الرحمن بن القاسم ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة ثم رواه عن هؤلاء أيوب السختياني وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وشعبة ومالك وابن جريج وشعيب ويونس وجعفر بن ربيعة ومعمر وسليمان بن بلال وغيرهم وهؤلاء هم أئمة الحديث المرجوع إليهم في أعصارهم ثم رواه عنهم الجم الغفير والعدد الكثير وقد قال بعض أهل العلم‏:‏ إن هذه السنة بلغت طرقها نصاب التواتر وقد استدل بذلك من قال إن إرضاع الكبير يثبت به التحريم وهو مذهب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه كما حكاه عنه ابن حزم وأما ابن عبد البر فأنكر الرواية عنه في ذلك وقال‏:‏ لا يصح وإليه ذهبت عائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن علية وحكاه النووي عن داود الظاهري وإليه ذهب ابن حزم ويؤيد ذلك الإطلاقات القرآنية كقوله تعالى ‏{‏وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة‏}‏ وذهب الجمهور إلى أن حكم الرضاع إنما يثبت في الصغير وأجابوا عن قصة سالم بأنها خاصة به كما وقع من أمهات المؤمنين لما قالت لهن عائشة بذلك محتجة به وأجيب بأن دعوى الاختصاص تحتاج إلى دليل وقد اعترفن بصحة الحجة التي جاءت بها عائشة ولا حجة في إبائهن لها كما أنه لا حجة في أقوالهن ولهذا سكتت أم سلمة لما قالت لها عائشة أما لك في رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أُسوة حسنة ولو كانت هذه السنة مختصة بسالم لبينها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كما بين اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز واختصاص خزيمة بأن شهادته كشهادة رجلين وأجيب أيضاً بدعوى نسخ قصة سالم المذكورة واستدل على ذلك بأنها كانت في أول الهجرة عند نزول قوله تعالى ‏{‏ادعوهم لآبائهم‏}‏ وقد ثبت اعتبار الصغر من حديث ابن عباس ولم يقدم المدينة إلا قبل الفتح ومن حديث أبي هريرة ولم يسلم إلا في فتح خيبر بأنهما لم يصرحا بالسماع من النبي وأيضاً حديث ابن عباسمما لا تثبت به الحجة كما سيجيء ولو كان النسخ صحيحاً لما ترك التشبث به أمهات المؤمنين ومن أجوبتهم أيضاً حديث لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام وحديث إنما الرضاعة من المجاعة وسيأتي الجواب عن ذلك كما سيأتي الجواب عن حديث إلا ما كان في الحولين وقد اختلفوا في تقدير المدة التي يقتضي الرضاع فيها التحريم على أقوال‏:‏

الأول‏:‏ إنه لا يحرم منه إلا ما كان في الحولين وقد حكاه في البحر عن عمر وابن عباس وابن مسعود والعترة والشافعي وأبي حنيفة والثوري والحسن بن صالح ومالك وزفر ومحمد ‏.‏اهـ

وروي عن أبي هريرة وابن عمر وأحمد وأبي يوسف وسعيد بن المسيب والشعبي وابن شبرمة وإسحاق وأبي عبيد وابن المنذر‏.‏

القول الثاني‏:‏ إن الرضاع المقتضي للتحريم ما كان قبل الفطام وإليه ذهبت أم سلمة‏.‏ وروي عن علي ولم يصح عنه‏.‏ وروي عن ابن عباس وبه قال الحسن والزهري والأوزاعي وعكرمة وقتادة‏.‏

القول الثالث‏:‏ إن الرضاع في حال الصغر يقتضي التحريم ولم يحده القائل بحد وروي ذلك عن أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما خلا عائشة‏.‏ وعن ابن عمر وسعيد بن المسيب‏.‏

القول الرابع‏:‏ ثلاثون شهراً وهو رواية عن أبي حنيفة وزفر‏.‏

القول الخامس‏:‏ في الحولين وما قاربهما روي ذلك عن مالك وروي عنه إن الرضاع بعد الحولين لا يحرم قليله ولا كثيره كما في الموطأ‏.‏

القول السادس‏:‏ ثلاث سنين وهو مروي عن جماعة من أهل الكوفة وعن الحسن بن صالح‏.‏

القول السابع‏:‏ سبع سنين روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز‏.‏

القول الثامن‏:‏ حولان واثنا عشر يوماً روي عن ربيعة‏.‏

القول التاسع‏:‏ إن الرضاع يعتبر فيه الصغر إلا فيما دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذي لا يستغني عن دخوله على المرأة وبشق احتجابها منه وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا هو الراجح عندي وبه يحصل الجمع بين الأحاديث وذلك بأن تجعل قصة سالم المذكورة مخصصة لعموم إنما الرضاع من المجاعة ولا رضاع إلا في الحولين ولا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ولا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم وهذه طريق متوسطة بين طريقة من استدل بهذه الأحاديث على أنه لا حكم لرضاع الكبير مطلقاً وبين من جعل رضاع الكبير كرضاع الصغير مطلقاً لما لا يخلو عنه كل واحدة من هاتين الطريقتين من التعسف كما سيأتي بيانه ويؤيد هذا أن سؤال سهلة امرأة أبي حذيفة كان بعد نزول آية الحجاب وهى مصرحة بعدم جواز إبداء الزينةلغير من في الآية فلا يخص منها غير من استثناه اللّه تعالى إلا بدليل كقضية سالم وما كان مماثلاً لها في تلك العلة التي هي الحاجة إلى رفع الحجاب من غير أن يقيد ذلك بحاجة مخصوصة من الحاجات المقتضية لرفع الحجاب ولا بشخص من الأشخاص ولا بمقدار من عمر الرضيع معلوم‏.‏

وقد ثبت في حديث سهلة أنها قالت للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إن سالماً ذو لحية فقال‏:‏ أرضعيه‏)‏ وينبغي أن يكون الرضاع خمس رضعات لما تقدم في الباب الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الغلام الأيفع‏)‏ هو من راهق عشرين سنة على ما في القاموس‏.‏

2 - وعن أم سلمة قالت‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وصححه‏.‏

3 - وعن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا رضاع إلا ما كان في الحولين‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني وقال‏:‏ لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ‏.‏

4 - وعن جابر‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا رضاع بعد فصال ولا يتم بعد احتلام‏)‏‏.‏

رواه أبو داود الطيالسي في مسنده‏.‏

5 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏دخل عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعندي رجل فقال‏:‏ من هذا قلت‏:‏ أخي من الرضاعة قال‏:‏ يا عائشة انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي‏.‏

حديث أم سلمة أخرجه أيضاً الحاكم وصححه وأعل بالانقطاع لأنه من رواية فاطمة بنت المنذر بن الزبير الأسدية عن أم سلمة ولم تسمع منها شيء لصغر سنها إذ ذاك‏.‏

وحديث ابن عباس رواه أيضاً سعيد بن منصور والبيهقي وابن عدي وقال يعرف بالهيثم وغيره وكان يغلط وصحح البيهقي وقفه ورجح ابن عدي الموقوف وقال ابن كثير في الإرشاد رواه مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد عن ابن عباس موقوفاً وهو أصح وكذا رواه غير ثور عن ابن عباس‏.‏

وحديث جابر قد قدمنا في باب علامات البلوغ من كتاب التفليس عند الكلام على حديث علي رضي اللّه عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏حفظت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا يتم بعد احتلام‏)‏ الحديث أن المنذري قال‏:‏ وقد روى هذا الحديث يعني حديث علي من رواية جابر بن عبد اللّه وأنس بن مالك وليس فيها شيء يثبت اهـ وهو يشير برواية جابر بن عبد اللّه إلى حديثه هذا ولا يخفى أن حديث ابن عباس المذكور ههنا يشهد له وكذلك يشهد له حديثعلي المتقدم هناك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا ما فتق الأمعاء‏)‏ أي سلك فيها والفتق الشق والأمعاء جمع المعا بفتح الميم وكسرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الثدي‏)‏ أي في زمن الثدي وهو لغة معروفة فإن العرب تقول مات فلان في الثدي أي في زمن الرضاع قبل الفطام كما وقع التصريح بذلك في آخر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انظرن من إخوانكن‏)‏ هو أمر التأمل فيما وقع من الرضاع هل هو رضاع صحيح مستجمع للشروط المعتبرة قال المهلب‏:‏ المعنى انظرن ما سبب هذه الأخوة فإن حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حيث تسد الرضاعة المجاعة وقال أبو عبيد‏:‏ معناه أن الذي إذا جاع كان طعامه الذي يشبعه من الرضاع هو الصبي لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنما الرضاعة من المجاعة‏)‏ هو تعليل للباعث على إمعان النظر والتفكر بأن الرضاعة التي تثبت بها الحرمة هي حيث تكون الرضيع طفلاً يسد اللبن جوعته وأما من كان يأكل ويشرب فرضاعه لا عن مجاعة لأن في الطعام والشراب ما يسد جوعته بخلاف الطفل الذي لا يأكل الطعام‏.‏ ومثل هذا المعنى حديث‏:‏ ‏(‏لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم‏)‏ فإن إنشار العظم وإنبات اللحم إنما يكون لمن كان غذاؤه اللبن‏.‏ وقد احتج بهذه الأحاديث من قال أن رضاع الكبير لا يقتضي التحريم مطلقاً وهم الجمهور كما تقدم وأجاب القائلون بأن رضاع الكبير يقتضي التحريم مطلقاً وهم من تقدم ذكره عن هذه الأحاديث فقالوا‏:‏ أما حديث‏:‏ ‏(‏لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء‏)‏ فأجابوا عنه بأنه منقطع كما تقدم ولا يخفى أن تصحيح الترمذي والحاكم لهذا الحديث يدفع علة الانقطاع فإنهما لا يصححان ما كان منقطعاً إلا وقد صح لهما اتصاله لما تقرر في علم الاصطلاح أن المقطع من قسم الضعيف‏.‏ وأجابوا عن حديث‏:‏ ‏(‏لا رضاع إلا ما كان في الحولين‏)‏ بأنه موقوف كما تقدم ولا حجة في الموقوف وبما تقدم من اشتهار الهيثم بن جميل بالغلط وهو المنفرد برفعه ولا يخفى أن الرفع زيادة يجب المصير إليها على ما ذهب إليه أئمة الأصول وبعض أئمة الحديث إذا كانت ثابتة من طريق ثقة والهيثم ثقة كما قاله الدارقطني مع كونه مؤيداً بحديث جابر المذكور‏.‏ وأجابوا عن حديث‏:‏ ‏(‏فإنما الرضاعة من المجاعة‏)‏ بأن شرب الكبير يؤثر في دفع مجاعته قطعاً كما يؤثر في دفع مجاعة الصغير أو قريباً منه وأورد عليهم أن الأمر إذا كان كما ذكرتم من استواء الكبير والصغير فما الفائدة في الحديث وتخلصوا عن ذلك بأن فائدته إبطال تعلق التحريم بالقطرة من اللبن والمصة التي لا تغني من جوع ولا يخفى ما في هذا من التعسف ولا ريب أن سد الجوعةباللبن الكائن في ضرع المرضعة إنما يكون لمن لم يجد طعاماً ولا شراباً غيره وأما من كان يأكل ويشرب فهو لا تسد جوعته عند الحاجة بغير الطعام والشراب وكون الرضاع مما يمكن أن يسد به جوعة الكبير أمر خارج عن محل النزاع فإنه ليس النزاع فيمن يمكن أن تسد جوعته به إنما النزاع فيمن لا تسد جوعته إلا به وهكذا أجابوا عن الاحتجاج بحديث‏:‏ ‏(‏لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم‏)‏ فقالوا إنه يمكن أن يكون الرضاع كذلك في حق الكبير ما لم يبلغ أرذل العمر ولا يخفى ما فيه من التعسف والحق ما قدمنا من أن قضية سالم مختصة بمن حصل له ضرورة بالحجاب لكثرة الملابسة فتكون هذه الأحاديث مخصصة بذلك النوع فتجتمع حينئذ الأحاديث ويندفع التعسف من الجانبين وقد احتج القائلون باشتراط الصغر بقوله تعالى ‏{‏والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة‏}‏ قالوا وذلك بيان للمدة التي تثبت فيها أحكام الرضاع ويجاب بأن هذه الآية مخصصة بحديث قصة سالم الصحيح‏.‏

 باب يحرم الرضاعة ما يحرم من النسب

1 - عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أريد على ابنة حمزة فقال‏:‏ إنها لا تحل لي إنها ابنة أخي من الرضاعة ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏من النسب‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة ولفظ ابن ماجه من النسب‏.‏

3 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب قالت‏:‏ فأبيت أن آذن له فلما جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أخبرته بالذي صنعت فأمرني أن آذن له‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

4 - وعن الإمام علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن اللّه حرم من الرضاع ما حرم من النسب‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أُريد‏)‏ بضم الهمزة والذي أراد من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يتزوجها هو علي رضي اللّه عنه كما في صحيح مسلم‏.‏ وقد اختلف في اسم ابنة حمزة علىأقوال‏:‏ أمامة وسلمى وفاطمة وعائشة وأمة اللّه وعمارة ويعلى وإنما كانت ابنة أخي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم رضع من ثويبة وقد كانت أرضعت حمزة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفلح‏)‏ بالفاء والحاء المهملة وهو مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقيل مولى أم سلمة والقعيس بضم القاف وبعين وسين مهملتين مصغراً‏.‏

وقد استدل بأحاديث الباب على أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وذلك بالنظر إلى أقارب المرضع لأنهم أقارب للرضيع وأما أقارب الرضيع فلا قرابة بينهم وبين المرضع‏.‏

والمحرمات من الرضاع سبع‏:‏ الأم والأخت بنص القرآن والبنت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت لأن هؤلاء الخمس يحرمن من النسب وقد وقع الخلاف هل يحرم بالرضاع ما يحرم من الصهار وابن القيم قد حقق ذلك في الهدى بما فيه كفاية فليرجع إليه‏.‏

وقد ذهب الأئمة الأربعة إلى أنه يحرم نظير المصاهرة بالرضاع فيحرم عليه أم امرأته من الرضاعة وامرأة أبيه من الرضاعة ويحرم الجمع بين الأختين من الرضاعة وبين المرأة وعمتها وبنتها وبين خالتها من الرضاعة وقد نازعهم في ذلك ابن تيمية كما حكاه صاحب الهدى وحديث عائشة في دخول أفلح عليها فيه دليل على ثبوت حكم الرضاع في حق زوج المرضعة وأقاربه كالمرضعة وقد ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين وسائر العلماء وقد وقع التصريح بالمطلوب في رواية لأبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏قالت عائشة‏:‏ دخل عليَّ أفلح فاستترت منه فقال‏:‏ أتستترين مني وأنا عمك قلت‏:‏ من أين قال‏:‏ أرضعتك امرأة أخي قلت‏:‏ إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل فدخل عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فحدثته فقال‏:‏ إنه عمك فليلج عليك‏)‏ وروي عن عائشة وابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة وسعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشعبي والنخعي وأبي قلابة وإياس بن معاوية القاضي أنه لا يثبت حكم الرضاع للزوج حكي ذلك عنهم ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن المنذر وروي أيضاً هذا القول عن ابن سيرين وابن علية والظاهرية وابن بنت الشافعي وقد روي ما يدل على أنه قول جمهور الصحابة فأخرج الشافعي عن زينب بنت أبي سلمة أنها قالت‏:‏ كان يدخل علي وأنا أمتشط أرى أنه أبي وأن ولده أخوتي لأن امرأتهأسماء أرضعتني فلما كان بعد الحرة أرسل إلى عبد اللّه بن الزبير يخطب ابنتي أم كلثوم على أخيه حمزة بن الزبير وكان للكلبية فقلت‏:‏ وهل تحل له فقال‏:‏ إنه ليس لك بأخ إنما أخوتك من ولدت أسماء دون من ولد الزبير من غيرها قالت‏:‏ فأرسلت فسألت والصحابة متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا‏:‏ إن الرضاع لا يحرم شيئاً من قبل الرجل فأنكحتها إياه وأجيب بأن الاجتهاد من بعض الصحابة والتابعين لا يعارض النص ولا يصح دعوى الإجماع لسكوت الباقين لأنا نقول نحن نمنع أولاً أن هذه الواقعة بلغت كل المجتهدين منهم وثانياً إن السكوت في المسائل الاجتهادية لا يكون دليلاً على الرضا وأما عمل عائشة بخلاف ما روت فالحجة روايتها لا رأيها وقد تقرر في الأصول أن مخالفة الصحابي لما رواه لا تقدح في الرواية وقد صح عن علي القول بثبوت حكم الرضاع للرجل وثبت أيضاً عن ابن عباس كما في البخاري‏.‏

 باب شهادة المرأة الواحدة بالرضاع

1 - عن عقبة بن الحارث‏:‏ ‏(‏أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت‏:‏ قد أرضعتكما قال‏:‏ فذكرت ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأعرض عني قال‏:‏ فتنحيت فذكرت ذلك له فقال‏:‏ وكيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما فنهاه عنها‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏دعها عنك‏)‏ رواه الجماعة إلا مسلماً وابن ماجه‏.‏

في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ كيف وقد قيل ففارقها عقبة ونكحت زوجاً غيره‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أم يحيى‏)‏ اسمها غنية بفتح الغين المعجمة وكسر النون بعدها تحتية مشددة‏.‏

وقيل اسمها زينب وإهاب بكسر الهمزة وآخره باء موحدة‏.‏

وقد استدل بالحديث على قبول شهادة المرضعة ووجوب العمل بها وحدها وهو مروي عن عثمان وابن عباس والزهري والحسن والأوزاعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد ولكنه قال يجب العمل على الرجل بشهادتها فيفارق زوجته ولا يجب الحكم على الحاكم وروي ذلك عن مالك وفي رواية عنه أنه لا يقبل في الرضاع إلا شهادة امرأتين وبه قال جماعة من أصحابه‏.‏ وقال جماعة منهمبالأول وذهبت العترة والحنفية إلى أنه لا بد من رجلين أو رجل وامرأتين كسائر الأمور ولا تكفي شهادة المرضعة وحدها بل لا تقبل عند الهادوية لأن فيها تقريراً لفعل المرضعة ولا تقبل عندهم الشهادة إذا كانت كذلك مطلقاً ولكنه حكى في البحر عن الهادوية والشافعية والحنفية أنه يجب العمل بالظن الغالب في النكاح تحريماً ويجب على الزوج الطلاق إن لم تكمل الشهادة واستدل لهم على ذلك بهذا الحديث‏.‏

وقال الإمام يحيى‏:‏ الخبر محمول على الاستحباب ولا يخفى أن النهي حقيقة في التحريم كما تقرر في الأصول فلا يخرج عن معناه الحقيقي إلا لقرينة صارفة والاستدلال على عدم قبول المرأة المرضعة بقوله تعالى ‏{‏واستشهدوا شهيدين من رجالكم‏}‏ لا يفيد شيئاً لأن الواجب بناء العام على الخاص ولا شك أن الحديث أخص مطلقاً وأما ما أجاب به عن الحديث صاحب ضوء النهار من أنه مخالف للأصول فيجاب عنه بالاستفسار عن الأصول فإن أراد الأدلة القاضية باعتبار شهادة عدلين أو رجل وامرأتين فلا مخالفة لأن هذا خاص وهي عامة وإن أراد غيرها فما هو‏.‏

وأما ما رواه أبو عبيد عن علي وابن عباس والمغيرة أنهم امتنعوا من التفرقة بين الزوجين بذلك فقد تقرر أن أقوال بعض الصحابة ليست بحجة على فرض عدم معارضتها لما ثبت عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم فكيف إذا عارضت ما هو كذلك وأما ما قيل من أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم له من باب الاحتياط فلا يخفى مخالفته لما هو الظاهر ولا سيما بعد أن قرر السؤال أربع مرات كما في بعض الروايات والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول له في جميعها كيف وقد قيل وفي بعضها دعها عنك كما في حديث الباب وفي بعضها لا خير لك فيها مع أنه لم يثبت في رواية أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمره بالطلاق ولو كان ذلك من باب الاحتياط لأمره به فالحق وجوب العمل بقول المرأة المرضعة حرة كانت أو أمة حصل الظن بقولها أو لم يحصل لما ثبت في رواية أن السائل قال وأظنها كاذبة فيكون هذا الحديث الصحيح هادماً لتلك القاعدة المبنية على غير أساس أعني قولهم أنها لا تقبل شهادة فيها تقرير لفعل الشاهد ومخصصاً لعمومات الأدلة كما خصصها دليل كفاية العدلة في عورات النساء عند أكثر المخالفين‏.‏

 باب ما يستحب أن تعطى المرضعة عند الفطام

1 - عن حجاج بن حجاج رجل من أسلم قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللّه ما يذهب عني مذمة الرضاع قال‏:‏ غرة عبد أو أمة‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي‏.‏

الحديث سكت عنه أبو داود وقال المنذري‏:‏ إنه الحجاج بن الحجاج بن مالك الأسلمي سكن المدينة‏.‏ وقيل‏:‏ كان ينزل العرج ذكره أبو القاسم البغوي وقال‏:‏ ولا أعلم للحجاج بن مالك غير هذا الحديث وقال أبو عمر النمري‏:‏ له حديث واحد وقال الترمذي بعد إخراجه‏:‏ هذا حديث حسن صحيح هكذا رواه يحيى بن سعيد القطان وحاتم بن إسماعيل وغير واحد عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج بن حجاج عن أبيه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ورواه سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج بن حجاج عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ وحديث ابن عيينة غير محفوظ والصحيح ما رواه هؤلاء عن هشام بن عروة وهشام بن عروة يكنّى أبا المنذر وقد أدرك جابر بن عبد اللّه وابن عمر وفاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام هي أم هشام بن عروة انتهى كلامه‏.‏

وقد بوّب أبو داود على هذا الحديث باب في الرضخ عند الفصال وبوّب عليه الترمذي باب ما يذهب مذمة الرضاع وقد استدل الحديث على استحباب العطية للمرضعة عند الفطام وأن يكون عبداً أو أمة والمراد بقوله ما يذهب عني مذمة الرضاع أي ما يذهب عني الحق الذي تعلق بي للمرضعة لأجل إحسانها لي بالرضاع فإني إن لم أكافئها على ذلك صرت مذموماً عند الناس بسبب عدم المكافأة واللّه أعلم ‏.‏