فصل: باب من علق الطلاق قبل النكاح

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب ما جاء في كلام الهازل والمكره والسكران بالطلاق وغيره

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن غريب‏.‏

الحديث أخرجه أيضاً الحاكم وصححه وأخرجه الدارقطني وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك وهو مختلف فيه قال النسائي‏:‏ منكر الحديث ووثقه غيره‏.‏ قال الحافظ‏:‏ فهو على هذا حسن‏.‏

وفي الباب عن فضالة بن عبيد عند الطبراني بلفظ‏:‏ ‏(‏ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح والعتق‏)‏ وفي إسناده ابن لهيعة وعن عبادة بن الصامت عند الحارث بن أبي أسامة في مسنده رفعه بلفظ‏:‏ ‏(‏لا يجوز اللعب فيهن الطلاق والنكاح والعتاق فمن قالهن فقد وجبن‏)‏ وإسناده منقطع‏.‏

وعن أبي ذر عند عبد الرزاق رفعه‏:‏ ‏(‏من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز‏)‏ وفي إسناده انقطاع أيضاً‏.‏ وعن علي موقوفاً عند عبد الرزاق أيضاً وعن عمر موقوفاً عنده أيضاً‏.‏

والحديث يدل على أن من تلفظ هازلاً بلفظ نكاح أو طلاق أو رجعة أو عتاق كما في الأحاديث التي ذكرناها وقع منه ذلك أما في الطلاق فقد قال بذلك الشافعية والحنفية وغيرهم وخالف في ذلك أحمد ومالك فقال‏:‏ إنه يفتقر اللفظ الصريح إلى النية وبه قال جماعة من الأئمة منهم الصادق والباقر والناصر واستدلوا بقوله تعالى ‏{‏وإن عزموا الطلاق‏}‏ فدلت على اعتبار العزم والهازل لا عزم منه وأجاب صاحب البحر بالجمع بين الآية والحديث فقال‏:‏ يعتبر العزم في غير الصريح لا في الصريح فلا يعتبر والاستدلال بالآية على تلك الدعوى غير صحيح من أصله فلا يحتاج إلى الجمع فإنها نزلت في حق المولى‏.‏

2 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ لا طلاق ولا عتاق في إغلاق‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏

3 - وفي حديث بريدة في قصة ماعز أنه قال‏:‏ ‏(‏يا رسول اللّه طهرني قال‏:‏ مم أطهرك قال‏:‏ من الزنا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أبه جنون‏.‏ فأخبر أنه ليس بمجنون فقال‏:‏ أشرب خمراً فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أزنيت قال‏:‏ نعم فأمر به فرجم‏.‏

رواه مسلم والترمذي وصححه‏.‏

وقال عثمان‏:‏ ليس لمجنون ولا لسكران طلاق‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ طلاق السكران والمستكره ليس بجائز‏.‏

وقال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق فليس بشيء‏.‏

وقال علي‏:‏ كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه‏.‏

ذكرهن البخاري في صحيحه‏.‏

3 - وعن قدامة بن إبراهيم‏:‏ ‏(‏أن رجلاً على عهد عمر بن الخطاب تدلى يشتار عسلاً فأقبلت امرأته فجلست على الحبل فقالت ليطلقها ثلاثاً وإلا قطعت الحبل فذكرها اللّه والإسلام فأبت فطلقها ثلاثاً ثم خرج إلى عمر فذكر ذلك له فقال ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق‏)‏‏.‏

رواه سعيد بن منصور وأبو عبيد القاسم بن سلام‏.‏

حديث عائشة أخرجه أيضاً أبو يعلى والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم وفي إسناده محمد بن عبيد بن أبي صالح وقد ضعفه أبو حاتم الرازي ورواه البيهقي من طريق ليس هو فيها لكن لم يذكر عائشة وزاد أبو داود وغيره ولا عتاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في إغلاق‏)‏ بكسر الهمزة وسكون الغين المعجمة وآخره قاف فسره علماء الغريب بالإكراه روى ذلك في التلخيص عن ابن قتيبة والخطابي وابن السيد وغيرهم وقيل الجنون واستبعده المطرزي وقيل الغضب وقع ذلك في سنن أبي داود وفي رواية ابن الأعرابي وكذا فسره أحمد ورده ابن السيد فقال لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاق لأن أحداً لا يطلق حتى يغضب وقال أبو عبيدة‏:‏ الإغلاق التضييق وقد استدل بهذا الحديث من قال إنه لا يصح طلاق المكره وبه قال جماعة من أهل العلم حكى ذلك في البحر عن علي وعمر وابن عباس وابن عمر والزبير والحسن البصري وعطاء ومجاهد وطاوس وشريح والأوزاعي والحسن بن صالح والقاسمية والناصر والمؤيد باللّه ومالك والشافعي وحكى أيضاً وقوع طلاق المكره عن النخعي وابن المسيب والثوري وعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة وأصحابه والظاهر ما ذهب إليه الأولون لما في الباب ويؤيد ذلك حديث‏:‏ ‏(‏رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‏)‏ أخرجه ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس وحسنه النووي وقد أطال الكلام عليه الحافظ في باب شروط الصلاة من التلخيص فليراجع‏.‏ واحتج عطاء بقوله تعالى ‏{‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏}‏ وقال‏:‏ الشرك أعظم من الطلاق أخرجه سعيد بن منصور عنه بإسناد صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبه جنون‏)‏ لفظ البخاري‏:‏ ‏(‏أبك جنون‏)‏ وهذا طرف من حديث يأتي إن شاء اللّه تعالى في الحدود وفيه دليل على أن الإقرار من المجنون لا يصح وكذا سائر التصرفات والإنشاءات ولا أحفظ في ذلك خلافاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أشرب خمرًا‏)‏ فيه دليل أيضاً على أن إقرار السكران لا يصح وكأن المصنف رحمه اللّه تعالى قاس طلاق السكران على إقراره وقد اختلف أهل العلم في ذلك فأخرج ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عدم وقوع طلاق السكران عن أبي الشعثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وبه قال ربيعة والليث وإسحاق والمزني واختاره الطحاوي واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع قال والسكران معتوه بسكره وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه والخلاف عند الحنابلة وقد حكى القول بالوقوع في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر ومجاهد والضحاك وسليمان بن يسار وزيد بن علي والهادي والمؤيد باللّه وحكى القول بعدم الوقوع عن عثمان وجابر بن زيد ورواية عن ابن عباس والناصر وأبي طالب والبتي وداود‏.‏

احتج القائلون بالوقوع بقوله تعالى ‏{‏لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى‏}‏ ونهيهم حال السكر عن قربان الصلاة يقتضي عدم زوال التكليف وكل مكلف يصح منه الطلاق وغيره من العقود والإنشاءات وأجيب بأن النهي في الآية المذكورة إنما هو من أصل السكر الذي يلزم منه قربان الصلاة كذلك‏.‏ وقيل إنه نهي يشمل الذي يعقل الخطاب وأيضاً قوله في آخر الآية ‏{‏حتى تعلموا ما تقولون‏}‏ دليل على أن السكران يقول ما لا يعلم ومن كان كذلك فكيف يكون مكلفاً وهو غير فاهم شرط التكليف كما تقرر في الأصول‏.‏

واحتجوا ثانياً بأنه عاص بفعله فلا يزول عنه الخطاب بالسكر ولا الإثم لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر وأجاب الطحاوي بأنها لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل اللّه أو من قبل نفسه كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا وأجاب ابن المنذر عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم يجب عليه قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه لأنه غير مكلف حال نومه بلا نزاع‏.‏

واحتجوا ثالثاً بأن ربط الأحكام بأسبابها أصل من الأصول المأنوسة في الشريعة والتطليق سبب للطلاق فينبغي ترتيبه عليه وربطه به وعدم الاعتداد بالسكر كما في الجنايات وأجيب بالاستفسار عن السبب للطلاق هل هو إيقاع لفظه مطلقاً إن قلتم نعم لزمكم أن يقع من المجنون والنائم والسكران الذي لم يعص بسكره إذا وقع من أحدهم لفظ الطلاق وإن قلتم أنه إيقاع اللفظ من العاقل الذي يفهم ما يقول فالسكران غير عاقل ولا فاهم فلا يكون إيقاع لفظ الطلاق منه سبباً‏.‏

واحتجوا رابعاً بأن الصحابة رضي اللّه عنهم جعلوه كالصاحي ويجاب بأن ذلك محل خلاف بين الصحابة كما بينا ذلك في أول الكلام وكما ذكره المصنف عن عثمان وابن عباس فلا يكون قول بعضهم حجة علينا كما لا يكون حجة على بعضهم بعضاً‏.‏

واحتجوا خامسًا بأن عدم وقوع الطلاق من السكران مخالف للمقاصد الشرعية لأنه إذا فعل حراماً واحداً لزمه حكمه فإذا تضاعف جرمه بالسكر وفعل المحرم الآخر سقط عنه الحكم مثلاً لو أنه ارتد بغير سكر لزمه حكم الردة فإذا جمع بين السكر والردة لم يلزمه حكم الردة لأجل السكر ويجاب بأنا لم نسقط عنه حكم المعصية الواقعة منه حال السكر لنفس فعله للمحرم الآخر وهو السكر فإن ذلك مما لا يقول به عاقل وإنما أسقطنا عنه حكم المعصية لعدم مناط التكليف وهو العقل وبيان ذلك أنه لو شرب الخمر ولم يزل عقله كان حكمه حكم الصاحي فلم يكن فعله لمعصية الشرب هو المسقط‏.‏ ومن الأدلة الدالة على عدم الوقوع ما في صحيح البخاري وغيره أن حمزة سكر وقال للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما دخل عليه هو وعلي وهل أنتم إلا عبيد لأبي في قصة مشهورة فتركه صلى اللّه عليه وآله وسلم وخرج ولم يلزمه حكم تلك الكلمة مع أنه لو قالها غير سكران لكان كفراً كما قال ابن القيم‏.‏ وأجيب بأن الخمر كانت إذ ذاك مباحة والخلاف إنما هو بعد تحريمها‏.‏ وحكى الحافظ في الفتح عن ابن بطال أنه قال‏:‏ الأصل في السكران العقل والسكر شيء طرأ على عقله فمهما وقع منه من كلام مفهوم فهو محمول على الأصل حتى يثبت فقدان عقله انتهى‏.‏

والحاصل أن السكران الذي لا يعقل لا حكم لطلاقه لعدم المناط الذي تدور عليه الأحكام وقد عين الشارع عقوبته فليس لنا أن نجاوزها برأينا ونقول يقع طلاقه عقوبة له فيجمع له بين غرمين ‏(‏لا يقال‏)‏ إن ألفاظ الطلاق ليست من الأحكام التكليفية بل من الأحكام الوضعية وأحكام الوضع لا يشترط فيها التكليف لأنا نقول الأحكام الوضعية تقيد بالشروط كما تقيد الأحكام التكليفية وأيضاً السبب الوضعي هو طلاق العاقل لا مطلق الطلاق بالاتفاق وإلا لزم وقوع طلاق المجنون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عثمان‏)‏ الخ علقه البخاري ووصله ابن أبي شيبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏)‏ الخ وصله ابن أبي شيبة أيضاً وسعيد بن منصور‏.‏ وأثر على وصله البغوي في الجعديات وسعيد بن منصور وقد ساق البخاري في صحيحه آثاراً عن جماعة من الصحابة والتابعين‏.‏ وأثر عمر بن الخطاب في قصة الرجل الذي تدلى ليشتار عسلاً إسناده منقطع لأن الراوي له عن عمر عبد الملك بن قدامة بن محمد بن إبراهيم بن حاطب الجمحي عن أبيه قدامة وقدامة لم يدرك عمر وقد روي ما يعارضها أخرج العقيلي من حديث صفوان بن عمران الطائي‏:‏ ‏(‏أن امرأة أخذت المدية ووضعتها على نحر زوجها وقالت إن لم تطلقني نحرتك بهذه فطلقها ثم استقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الطلاق فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا قيلولة في الطلاق‏)‏ وقد تفرد به صفوان وحمله بعضهم على من نوى الطلاق‏.‏

 باب ما جاء في طلاق العبد

1 - عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رجل فقال‏:‏ يا رسول اللّه سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها قال‏:‏ فصعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المنبر فقال‏:‏ يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما إنما الطلاق لمن أخذ بالساق‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والدارقطني‏.‏

2 - وعن عمر بن معتب‏:‏ ‏(‏أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا هل يصح له أن يخطبها قال‏:‏ نعم قضى بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏بقيت لك واحدة قضى بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

وقال ابن المبارك ومعمر‏:‏ لقد تحمل أبو حسن هذا صخرة عظيمة وقال أحمد بن حنبل في رواية ابن منصور في عبد تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا يتزوجها ويكون على واحدة على حديث عمر بن معتب وقال في رواية أبي طالب في هذه المسألة يتزوجها ولا يبالي في العدة عتقاً أو بعد العدة قال وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد اللّه وأبي سلمة وقتادة‏.‏

حديث ابن عباس أخرجه أيضاً الطبراني وابن عدي وفي إسناد ابن ماجه ابن لهيعة وكلام الأئمة فيه معروف وفي إسناد الطبراني يحيى الحماني وهو ضعيف وفي إسناد ابن عدي والدارقطني عصمة بن مالك كذا قيل وفي التقريب إنه صحابي وطرقه يقوي بعضها بعضاً‏.‏

وقال ابن القيم‏:‏ إن حديث ابن عباس وإن كان في إسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعليه عمل الناس وأراد بقوله القرآن يعضده نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذا طلقتم النساء‏}‏ الآية‏.‏

وحديث عمر بن معتب أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجه وقد ذكر أبو الحسن المذكور بخير وصلاح ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان غير أن الراوي عنه عمر بن معتب وقد قال علي بن المديني‏:‏ إنه منكر الحديث وسئل عنه أيضاً فقال‏:‏ مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير وقال النسائي‏:‏ ليس بالقوي وقال الأمير أبو نصر‏:‏ منكر الحديث وقال الذهبي‏:‏ لا يعرف‏.‏ ومعتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد المثناة الفوقية وكسرها وبعدها باء موحدة‏.‏

وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور من قال إن طلاق امرأة العبد لا يصح إلا منه لا من سيده وروي عن ابن عباس أنه يقع طلاق السيد على عبده والحديث المروي من طريقه حجة عليه وابن لهيعة ليس بساقط الحديث فإنه إمام حافظ كبير ولهذا أورده الذهبي في تذكرة الحفاظ وقال أحمد بن حنبل من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه‏.‏ وقال أحمد بن صالح‏:‏ كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلاباً للعلم وقال يحيى بن القطان وجماعة‏:‏ إنه ضعيف‏.‏ وقال ابن معين‏:‏ ليس بذاك القوي وهذا جرح مجمل لا يقبل عند بعض أئمة الجرح والتعديل‏.‏ وقد قيل إن السبب في تضعيفه احتراق كتبه وأنه بعد ذلك حدث من حفظه فخلط وأن من حدث عنه قبل احتراق كتبه كابن المبارك وغيره حديثهم عنه قوي وبعضهم يصححه وهذا التفصيل هو الصواب وقال الذهبي‏:‏ إنها تؤدى أحاديثه في المتابعات ولا يحتج به‏.‏

وأما يحيى الحماني فقال في التذكرة‏:‏ وثقه يحيى بن معين وقال ابن عدي‏:‏ أرجو أنه لا بأس به‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ يكذب جهاراً ويسرق الأحاديث واستدل أيضاً بحديث ابن عباس الثاني أيضاً أن العبد يملك من الطلاق ثلاثاً كما يملك الحر وقال الشافعي‏:‏ إنه لا يملك من الطلاق إلا اثنتين حرة كانت زوجته أو أمة وقال أبو حنيفة والناصر‏:‏ إنه لا يملك في الأمة إلا اثنتين لا في الحرة فكالحر‏.‏

واستدلوا بحديث ابن مسعود الطلاق بالرجال والعدة بالنساء عند الدارقطني والبيهقي وأجيب بأنه موقوف‏.‏ قالوا أخرج الدارقطني والبيهقي أيضاً عن ابن عباس نحوه وأجيب بأنه موقوف أيضاً وكذلك روى نحوه أحمد من حديث علي وهو أيضاً موقوف قالوا أخرج ابن ماجه والدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعًا‏:‏ ‏(‏طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان‏)‏ وأجيب بأن في إسناده عمر بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان‏.‏ وقال الدارقطني والبيهقي‏:‏ الصحيح أنه موقوف قالوا في السنن نحوه من حديث عائشة وأجيب بأن في إسناده مظاهر بن أسلم قال الترمذي‏:‏ حديث عائشة هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو قول سفيان الثوري والشافعي وإسحاق انتهى‏.‏

لا يقال هذه الطرق تقوى على تخصيص عموم الطلاق مرتان وغيرها من العمومات الشاملة للحر والعبد لأنا نقول قد دل على أن ذلك العموم مراد غير مخرج منه العبد حديث ابن عباس المذكور في الباب فهو معارض لما دل على أن طلاق العبد ثنتان‏.‏

 باب من علق الطلاق قبل النكاح

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب وأبو داود وقال فيه‏:‏ ‏(‏ولا وفاء نذر إلا فيما يملك‏)‏ ولابن ماجه منه‏:‏ ‏(‏لا طلاق فيما لا يملك‏)‏‏.‏

2 - وعن مسور بن مخرمة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

- حديث عمرو بن شعيب أخرجه بقية أهل السنن والبزار والبيهقي وقال‏:‏ هو أصح شيء في هذا الباب وأشهر‏.‏

وحديث المسور حسنه الحافظ في التلخيص ولكنه اختلف فيه على الزهري فروى عنه عن عروة عن المسور وروى عنه عن عروة عن عائشة وفي الباب عن أبي بكر الصديق وأبي هريرة وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري وعمران بن حصين وغيرهم ذكر ذلك البيهقي في الخلافيات - وفي الباب - أيضاً عن جابر مرفوعاً بلفظ‏:‏ ‏(‏لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك‏)‏ أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه وقال‏:‏ وأنا متعجب من الشيخين كيف أهملاه وقد صح على شرطهما من حديث ابن عمر وعائشة وعبد اللّه بن عباس ومعاذ بن جبل وجابر انتهى‏.‏

وحديث ابن عمر أخرجه أيضاً ابن عدي ووثق إسناده الحافظ وقال ابن صاعد‏:‏ غريب لا أعرف له علة‏.‏

وحديث عائشة قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه‏:‏ حديث منكر‏.‏

وحديث ابن عباس في إسناده عند الحاكم من لا يعرف وله طريق أخرى عند الدارقطني وفي إسناده ضعيف‏.‏

وحديث معاذ أعل بالإرسال وله طريق أخرى عند الدارقطني وفيها انقطاع وفي إسناده أيضاً يزيد بن عياض وهو متروك‏.‏

وحديث جابر صحح الدارقطني إرساله وأعله ابن معين وغيره وفي الباب أيضاً عن علي عند البيهقي وغيره ومداره على جوبير وهو متروك ورواه ابن الجوزي من طريق أخرى عنه وفيها عبد اللّه بن زياد بن سمعان وهو متروك وله طريق أخرى في الطبراني وقال ابن معين‏:‏ لا يصح عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا طلاق قبل نكاح‏)‏ وأصح شيء فيه حديث ابن المنكدر عمن سمع طاوساً عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلاً‏.‏ وقال ابن عبد البر في الاستذكار‏:‏ روي من وجوه إلا أنها عند أهل العلم بالحديث معلولة انتهى‏.‏

ولا يخفى عليك أن مثل هذه الروايات التي سقناها في الباب من طريق أولئك الجماعة من الصحابة مما لا يشك منصف أنها صالحة بمجموعها للاحتجاج وقد وقع الإجماع على أنه لا يقع الطلاق الناجز على الأجنبية وأما التعليق نحو أن يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق فذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أنه لا يقع‏.‏ وحكى عن أبي حنيفة وأصحابه والمؤيد باللّه في أحد قوليه إنه لا يصح التعليق مطلقاً وذهب مالك في المشهور عنه وربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى إلى التفصيل وهو أنه إن جاء بحاصر نحو أن يقول كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو بلد كذا فهي طالق صح الطلاق ووقع وإن عمم لم يقع شيء وهذا التفصيل لا وجه له إلا مجرد الاستحسان كما أنه لا وجه للقول بإطلاق الصحة والحق أنه لا يصح الطلاق قبل النكاح مطلقاً للأحاديث المذكورة في الباب وكذا العتق قبل الملك والنذر بغير الملك‏.‏

 باب الطلاق بالكنايات إذا نواه بها وغير ذلك

1 - عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏خيرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فاخترناه فلم يعدها شيئاً‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ لما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمر أبويك قالت‏:‏ وقد علم أن أبويَّ لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت ثم قال إن اللّه عز وجل قال لي ‏{‏يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا‏}‏ الآية ‏{‏وإن كنتن تردن اللّه ورسوله والدار الآخرة‏}‏ الآية قالت‏:‏ فقلت في هذا أستأمر أبويَّ فإني أريد اللّه ورسوله والدار الآخرة قالت‏:‏ ثم فعل أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مثل ما فعلت‏)‏‏.‏ رواه الجماعة إلا أبو داود‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏خيرنا‏)‏ في لفظ لمسلم‏:‏ ‏(‏خير نساءه‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم يعدها شيئاً‏)‏ بتشديد الدال المهملة وضم العين من العدد‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏فلم يعدد‏)‏ بفك الإدغام وفي أخرى ‏(‏فلم يعتد‏)‏ بسكون العين وفتح المثناة وتشديد الدال من الاعتداد‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏فلم يعده طلاقاً‏)‏ وفي رواية للبخاري أفكان طلاقاً على طريقة الاستفهام الإنكاري‏.‏ وفي رواية لأحمد فهل كان طلاقاً وكذا للنسائي‏.‏

وقد استدل بهذا من قال إنه لا يقع بالتخيير شيء إذا اختارت الزوج وبه قال جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار لكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنة أو يقع ثلاثاً فحكى الترمذي عن علي عليه السلام أنها إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية وعن زيد بن ثابت إن اختارت نفسها فثلاث وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة‏.‏ وعن عمرو بن مسعود إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنهما رجعية وإن اختارت زوجها فلا شيء ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين فلو كان اختيارها لزوجها طلاقاً لاتحدا فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق زاذان قال‏:‏ ‏(‏كنا جلوساً عند علي عليه السلام فسئل عن الخيار فقال‏:‏ سألني عنه عمر فقلت إن اختارت نفسها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت زوجها فلا شيء قال فلم أجد بداً من متابعته فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف قال علي وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت قال فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي وأخرج ابن أبي شيبة من طريق علي نظير ما حكاه عنه زاذان من اختياره وأخذ مالك بقول زيد بن ثابت واحتج بعض أتباعه لكونها إذا اختارت نفسها يقع ثلاثاً بأن معنى الخيار بت أحد الأمرين إما الأخذ أو الترك فلو قلنا إذا اختارت نفسها يكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعد في أسر الزوج وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة وقال الشافعي التخيير كناية فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمر في عصمته فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدقت‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ يؤخذ من قول عائشة فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقاً أنها لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقاً ووافقه القرطبي في المفهم فقال‏:‏ في الحديث إن المخيرة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الاختيار يكون طلاقاً من غير احتياج إلى نطق بلفظ يدل على الطلاق قال وهو مقتبس من مفهوم قول عائشة المذكور‏.‏ قال الحافظ‏:‏ لكن الظاهر من الآية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقاً بل لا بد من إنشاء الزوج الطلاق لأن فيها ‏{‏فتعالين أمتعكن وأسرحكن‏}‏ أي بعد الاختيار ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم‏.‏ واختلفوا في التخيير هل هو بمعنى التمليك أو بمعنى التوكيل وللشافعي فيه قولان المصحح عند أصحابه أنه تمليك وهو قول المالكية بشرط المبادرة منها حتى لو تراخت بمقدار ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت لم يقع وفي وجه لا يضر التأخير ما دام المجلس وبه جزم ابن القاص وهو الذي رجحته المالكية والحنفية والهادوية وهو قول الثوري والليث والأوزاعي وقال ابن المنذر‏:‏ الراجح أنه لا يشترط فيه الفور بل متى طلقت نفذ وهو قول الحسن والزهري وبه قال أبو عبيدة ومحمد بن نصر من الشافعية والطحاوي من الحنفية واحتجوا بما في حديث الباب من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لعائشة إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك وذلك يقتضي عدم اشتراط الفور في جواب التخيير‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويمكن أن يقال يشترط الفور إلا أن يقع التصريح من الزوج بالفسحة لأمر يقتضي ذلك فيتراخى كما وقع في قصة عائشة ولا يلزم من ذلك أن يكون كل خيار كذلك‏.‏

2 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ودنا منها قالت أعوذ باللّه منك فقال لها لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك‏)‏‏.‏

رواه البخاري وابن ماجه والنسائي وقال الكلابية بدل ابنة الجون‏.‏

وقد تمسك به من يرى لفظة الخيار والحقي بأهلك واحدة لا ثلاثاً لأن جمع الثلاث يكره فالظاهر أنه عليه السلام لا يفعله‏.‏

3 - وفي حديث تخلف كعب بن مالك قال‏:‏ ‏(‏لما مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي وإذا رسول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يأتيني فقال‏:‏ إن رسول اللّه يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال بل اعتزلها فلا تقربنها قال فقلت لامرأتي الحقي بأهلك‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

ويذكر فيمن قال لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه‏.‏

4 - ما روي عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني ثلاثين ثم قال‏:‏ وهكذا وهكذا وهكذا يعني تسعاً وعشرين يقول مرة ثلاثين ومرة تسعة وعشرين‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

5 - ويذكر في مسألة من قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق أو طالق ثم طالق ما روى حذيفة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تقولوا ما شاء اللّه وشاء فلان وقولوا ما شاء اللّه ثم شاء فلان‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ ولابن ماجه معناه‏.‏

6 - وعن قتيلة بنت صيفي قالت‏:‏ ‏(‏أتى حبر من الأخبار إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون للّه نداً قال‏:‏ سبحان اللّه وما ذاك قال‏:‏ تقولون ما شاء اللّه وشئت قال‏:‏ فأمهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم شيئاً ثم قال‏:‏ إنه قد قال فمن قال ما شاء اللّه فليفصل بينهما ثم شئت‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

7 - وعن عدي بن حاتم‏:‏ ‏(‏أن رجلاً خطب عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ من يطع اللّه ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ بئس الخطيب أنت قل ومن يعص اللّه ورسوله‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏

8 - ويذكر فيمن طلق بقلبه ما روى أبو هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن اللّه تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم به‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

- حديث حذيفة أخرجه أيضاً النسائي وابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي وقد ساقه الحازمي في الاعتبار بإسناده وذكر فيه قصة وهي‏:‏ ‏(‏أن رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون قال تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لهم‏:‏ واللّه إن كنت لأعرفها لكم قولوا ما شاء اللّه ثم شاء محمد‏)‏ وأخرج أيضاً بإسناده إلى الطفيل بن سخيرة أخي عائشة لأمها أنه قال‏:‏ ‏(‏رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على رهط من اليهود فقلت من أنتم فقالوا نحن اليهود فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير بن اللّه قالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد ثم أتيت على رهط من النصارى فقلت من أنتم فقالوا نحن النصارى فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح بن اللّه فقالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد فلما أصبح أخبر بها من أخبر ثم أخبر بها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال هل أخبرت بها أحداً قال نعم فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أما بعد فإن طفيلاً رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم وإنكم لتقولون الكلمة يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها فلا تقولوا ما شاء اللّه وشاء محمد‏)‏‏.‏

وأخرج أيضاً بإسناده المتصل بابن عباس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا حلف أحدكم فلا يقول ما شاء اللّه وشئت ولكن ليقل ما شاء اللّه ثم شئت‏)‏‏.‏

وأخرج أيضاً بإسناده إلى عائشة أنها قالت‏:‏ ‏(‏قالت اليهود نعم القوم قوم محمد لولا أنهم يقولون ما شاء اللّه وشاء محمد فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تقولوا ما شاء اللّه وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء اللّه وحده‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن ابنة الجون‏)‏ قيل هي الكلابية واختلف في اسمها فقال ابن سعد‏:‏ اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان وروى عن الكلبي أنها عالية بنت ظبيان بن عمرو وحكى ابن سعد أيضاً أن اسمها عمرة بنت يزيد بن عبيد وقيل بنت يزيد بن الجون وأشار ابن سعد أيضاً إلى أنها واحدة اختلف في اسمها‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية واسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل وذكر ابن سعد أنها لم تستعذ منه امرأة غيرها‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ أجمعوا على أن التي تزوجها هي الجونية واختلفوا في سبب فراقه لها فقال قتادة‏:‏ لما دخل عليها دعاها فقالت تعال أنت فطلقها وقيل‏:‏ كان بها وضح وزعم بعضهم أنها قالت أعوذ باللّه منك فقال قد عذت بمعاذ وقد أعاذك اللّه مني فطلقها قال‏:‏ وهذا باطل إنما قال له هذا امرأة من بني العنبر وكانت جميلة فخاف نساؤه أن تغلبهن عليه فقلن لها إنه يعجبه أن يقال له نعوذ باللّه منك ففعلت فطلقها‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وما أدري لم حكم ببطلان ذلك مع كثرة الروايات الواردة فيه وثبوته في حديث عائشة في صحيح البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلحقي بأهلك‏)‏ بكسر الهمزة من الحقي وفتح الحاء وفيه دليل على أن من قال لامرأته الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت فإن لم يرد الطلاق لم تطلق كما وقع في حديث تخلف كعب المذكور فيكون هذا اللفظ من كنايات الطلاق لأن الصريح لا يفتقر إلى النية على ما ذهب إليه الشافعية والحنفية وأكثر العترة‏.‏ وذهب الباقر والصادق والناصر ومالك إلى أنه يفتقر إلى نية‏.‏ وحديث ابن عمر في إخباره صلى اللّه عليه وآله وسلم بعدد الشهر قد تقدم في باب ما جاء في يوم الغيم والشك من كتاب الصيام وتقدم شرحه هنالك‏.‏ وإنما أورده المصنف ههنا للاستدلال به على صحة العدد بالإشارة بالأصابع واعتباره من دون تلفظ باللسان فإذا قال الرجل لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بثلاث من أصابعه كان ذلك ثلاثاً عند من يقول إن الطلاق يتبع الطلاق‏.‏

وأورد حديث حذيفة وحديث قتيلة للاستدلال بهما على أن من قال لزوجته التي لم يدخل بها أنت طالق وطالق كان كالطلقة الواحدة لأن المحل لا يقبل غيرها فتكون الثانية لغواً بخلاف ما لو قال أنت طالق ثم طالق وقعت عليها الطلقة الأولى في الحال ووقعت عليها الثانية بعد أن تصير قابلة لها وذلك لأن الواو لمطلق الجمع فكأنه إذا جاء بها موقع لمجموع الطلاقين عليها في حالة واحدة بخلاف ثم فإنها للترتيب مع تراخ فيصير الزوج في حكم الموقع لطلاق بعده طلاق متراخ عنه‏.‏ ولهذا قال الشافعي في سبب نهيه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن قول الرجل ما شاء اللّه وشئت وأذنه له بأن يقول ما شاء اللّه ثم شاء فلان أن المشيئة إرادة اللّه تعالى قال اللّه عز وجل‏:‏ ‏{‏وما تشاؤون إلا أن يشاء اللّه‏}‏ قال‏:‏ فأعلم اللّه خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء اللّه فيقال لرسوله ما شاء اللّه ثم شئت ولا يقال ما شاء اللّه وشئت انتهى‏.‏ ولكنه يعارض هذا الاستنباط حديث عدي بن حاتم الذي ذكره المصنف في الرجل الذي خطب بحضرته صلى اللّه عليه وآله وسلم فإنه أنكر عليه الجمع بين الضميرين وأرشده إلى أن يقول ومن يعص اللّه ورسوله فدل على أن توسيط الواو بين اللّه ورسوله له حكم غير حكم قوله ومن يعصهما ولو كانت الواو لمطلق الجمع لم يكن بين العبارتين فرق‏.‏

وقد قدمنا الكلام على علة هذا النهي عند الكلام على حديث ابن مسعود في باب اشتمال الخطبة على حمد اللّه من أبواب الجمعة هذا ما ظهر في بيان وجه استدلال المصنف بحديثي المشيئة وحديث الخطبة ويمكن أن يكون مراد المصنف بإيراد الأحاديث المذكورة مجرد التنظير لا الاستدلال وقد قدمنا أن الطلاق المتعدد سواء كان بلفظ واحد أو ألفاظ من غير فرق بين أن يكون العطف بثم أو بالواو أو بغيرهما يكون طلقة واحدة سواء كانت الزوجة مدخولة أو غير مدخولة وأورد حديث أبي هريرة للاستدلال به على أن من طلق زوجته بقلبه ولم يلفظ بلسانه لم يكن لذلك حكم الطلاق لأن خطرات القلب مغفورة للعباد إذا كانت فيما فيه ذنب فكذلك لا يلزم حكمها في الأمور المباحة فلا يكون حكم خطور الطلاق بالقلب أو إرادته حكم التلفظ به وهكذا سائر الإنشاءات قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث ما لفظه‏:‏ والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به انتهى‏.‏ وحكى في البحر عن عكرمة أنه يقع بمجرد النية‏.‏

 كتاب الخلع

1 - عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏:‏ يا رسول اللّه إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أتردين عليه حديقته قالت‏:‏ نعم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ اقبل الحديقة وطلقها تطليقة‏)‏‏.‏

رواه البخاري والنسائي‏.‏

2 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏:‏ واللّه ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضاً فقال لها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أتردين عليه حديقته قالت‏:‏ نعم فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

3 - وعن الربيع بنت معوذ‏:‏ ‏(‏أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد اللّه بن أبيّ فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى ثابت فقال له‏:‏ خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال‏:‏ نعم فأمرها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

4 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها فأمرها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تعتد بحيضة‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن غريب‏.‏

5 - وعن الربيع بنت معوذ‏:‏ ‏(‏أنها اختلعت على عهد رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأمرها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث الربيع الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة‏.‏

6 - وعن أبي الزبير‏:‏ ‏(‏أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده بنت عبد اللّه بن أبي بن سلول وكان أصدقها حديقة فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت‏:‏ نعم وزيادة فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أما الزيادة فلا ولكن حديقته قالت‏.‏ نعم‏.‏ فأخذها له وخلى سبيلها فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال‏:‏ قد قبلت قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني بإسناد صحيح وقال‏:‏ سمعه أبو الزبير من غير واحد‏.‏

حديث ابن عباس الثاني رواه ابن ماجه من طريق أزهر بن مروان وهو صدوق مستقيم الحديث وبقية إسناده من رجال الصحيح‏.‏ وقد أخرجه النسائي وأخرجه أيضاً البيهقي‏.‏

وحديث الربيع بنت معوذ الأول إسناده في سنن النسائي هكذا حدثنا أبو علي محمد بن يحيى المروزي أخبرني شاذان بن عثمان أخو عبدان حدثنا أبي حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير أخبرني محمد بن عبد الرحمن أن الربيع بن معوذ بن عفراء أخبرته أن ثابت بن قيس الحديث ومحمد بن يحيى ثقة وشاذان هو عبد العزيز بن عثمان بن جبلة وهو من رجال الصحيح هو وأبوه وكذلك علي بن المبارك ويحيى بن أبي كثير‏.‏ وأما محمد بن عبد الرحمن فقد روى النسائي عن جماعة من التابعين اسمهم محمد بن عبد الرحمن وكلهم ثقات‏.‏ فالحديث على هذا صحيح وقد أخرجه أيضاً الطبراني‏.‏

وحديث ابن عباس الثالث قد ذكر أنه مرسل ورواه الترمذي مسنداً‏.‏

وحديث الربيع الثاني أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجه من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن الربيع بنت معوذ قالت‏:‏ اختلعت من زوجي فذكرت قصة وفيها أن عثمان أمرها أن تعتد حيضة قال‏:‏ وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في امرأة ثابت بن قيس‏.‏

وحديث أبي الزبير أخرجه أيضاً البيهقي وإسناده قوي مع كونه مرسلاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتاب الخلع‏)‏ بضم الحاء المعجمة وسكون اللام هو في اللغة فراق الزوجة على مال مأخوذ من خلع الثوب لأن المرأة لباس الرجل معنىً وأجمع العلماء على مشروعيته إلا بكر بن عبد اللّه المزني التاجي فإنه قال‏:‏ لا يحل للزوج أن يأخذ من امرأته في مقابل فراقها شيئاً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا تأخذوا منه شيئاً‏}‏ وأورد عليه ‏{‏فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ فادعى نسخها بآية النساء روى ذلك ابن أبي شيبة وتعقب بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه‏}‏ وبقوله فيهما ‏{‏فلا جناح عليهما أن يصالحا‏}‏ الآية - وبأحاديث الباب - وكأنها لم تبلغه وقد انعقد الإجماع بعده على اعتباره وأن آية النساء مخصوصة بآية البقرة وبآيتي النساء الآخرتين وهو في الشرع فراق الرجل زوجته ببدل يحصل له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏امرأة ثابت بن قيس‏)‏ وقع في رواية ابن عباس والربيع أن اسمها جميلة ووقع في رواية لأبي الزبير أن اسمها زينب والرواية الأولى أصح لإسنادها وثبوتها من طريقين‏.‏ وبذلك جزم الدمياطي‏.‏

وأما ما وقع في حديث ابن عباس المذكور أنها بنت سلول وفي حديث الربيع وأبي الزبير المذكورين أنها بنت عبد اللّه بن أُبيّ بن سلول ووقع في رواية للبخاري أنها بنت أُبيّ فقيل إنها أخت عبد اللّه كما صرح به ابن الأثير وتبعه النووي وجزما بأن قول من قال إنها بنت عبد اللّه وهم وجمع بعضهم باتحاد اسم المرأة وعمتها وأن ثابتاً خالع الثنتين واحدة بعد الأخرى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ولا يخفى بعده ولا سيما مع اتحاد المخرج وقد كثرت نسبة الشخص إلى جده إذا كان مشهوراً والأصل عدم التعدد حتى يثبت صريحاً‏.‏ ووقع في حديث الربيع عند النسائي وابن ماجه أن اسمها مريم وإسناده جيد‏.‏

قال البيهقي‏:‏ اضطرب الحديث في تسمية امرأة ثابت ويمكن أن يكون الخلع تعدد من ثابت انتهى‏.‏

وروى مالك في الموطأ عن حبيبة بنت سهل أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجدها عند بابه فقال‏:‏ من هذه قالت‏:‏ أنا حبيبة بنت سهل قال‏:‏ ما شأنك قالت‏:‏ لا أنا ولا ثابت بن قيس الحديث أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان من هذا الوجه وأخرجه أبو داود من حديث عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت‏.‏

وأخرج البزار من حديث ابن عمر نحوه قال ابن عبد البر‏:‏ اختلف في امرأة ثابت بن قيس فذكر البصريون أنها جميلة بنت أُبيَّ وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل قال الحافظ‏:‏ الذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين بخلاف ما وقع في الاختلاف في تسمية جميلة ونسبتها فإن سياق قصتها متقارب فأمكن رد الاختلاف فيه إلى الوفاق انتهى‏.‏ ووهم ابن الجوزي فقال إنها سهلة بنت حبيب وإنما هي حبيبة بنت سهل ولكنه انقلب عليه ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني ما أعتب عليه‏)‏ بضم الفوقية ويجوز كسرها والعتب هو الخطاب بالادلال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في خلق‏)‏ بضم الخاء المعجمة واللام ويجوز إسكانها أي لا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولكني أكره الكفر في الإسلام‏)‏ أي كفران العشير والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له ويمكن أن يكون مرادها أن شدة كراهتها له قد تحملها على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه ووقع في الرواية الثانية لا أطيقه بغضاً وظاهر هذا مع قولها ما أعتب عليه في خلق ولا دين أنه لم يصنع بها شيئاً يقتضي الشكوى منه ويعارضه ما وقع في حديث الربيع المذكور أنه ضربها فكسر يدها وأجيب بأنها لم تشكه لذلك بل لسبب آخر وهو البغض أو قبح الخلقة كما وقع عند ابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وعند عبد الرزاق من حديث ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديقته‏)‏ الحديقة البستان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أقبل الحديقة‏)‏ قال في الفتح‏:‏ هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب‏.‏ ولم يذكر ما يدل على صرف الأمر عن حقيقته وفي ذلك دليل على أنه يجوز للرجل أخذ العوض من المرأة إذا كرهت البقاء معه وقال أبو قلابة ومحمد بن سيرين‏:‏ إنه لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلاً روى ذلك عنهما ابن أبي شيبة واستدلا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه‏}‏ مع قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا أن يأتين بفاحشة مبينة‏}‏ وتعقب بأن آية البقرة فسرت المراد بالفاحشة وأحاديث الباب الصحيحة من أعظم الأدلة على ذلك ولعلها لم تبلغهما وحمل الحافظ كلامهما على ما إذا كانت الكراهة من قبل الرجل فقط ولا يخالف ذلك أحاديث الباب لأن الكراهة فيها من قبل المرأة وظاهر أحاديث الباب أن مجرد وجود الشقاق من قبل المرأة كافٍ في جواز الخلع واختار ابن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق منهما جميعاً وتمسك بظاهر الآية وبذلك قال طاوس والشعبي وجماعة من التابعين وأجاب عن ذلك جماعة منهم الطبري بأن المراد أنها إذا لم تقم بحقوق الزوج كان ذلك مقتضياً لبغض الزوج لها فنسبت المخالفة إليهما بذلك ويؤيد عدم اعتبار ذلك من جهة الزوج أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم يستفسر ثابتاً عن كراهته لها عند إعلانها بالكراهة له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تتربص حيضة‏)‏ استدل بذلك من قال إن الخلع فسخ لا طلاق‏.‏

وقد حكى ذلك في البحر عن ابن عباس وعكرمة والناصر في أحد قوليه وأحمد بن حنبل وطاوس وإسحاق وأبي ثور وأحد قولي الشافعي وابن المنذر وحكاه غيره أيضاً عن الصادق والباقر وداود والإمام يحيى بن حمزة وحكى في البحر أيضاً عن علي عليه السلام وعمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن علي والقاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى وأحد قولي الشافعي أنه طلاق بائن‏.‏ ووجه الاستدلال بحديث ابن عباس وحديث الربيع أن الخلع لو كان طلاقاً لم يقتصر صلى اللّه عليه وآله وسلم على الأمر بحيضة وأيضاً لم يقع فيهما الأمر بالطلاق بل الأمر بتخلية السبيل‏.‏

قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير إنه بحث عن رجال الحديثين معاً فوجدهم ثقات واحتجوا أيضاً لكونه فسخاً بقوله تعالى ‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ ثم ذكر الافتداء ثم عقبه بقوله تعالى ‏{‏فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاُ غيره‏}‏ قالوا كان الافتداء طلاقاً لكان الطلاق الذي لا تحل له فيه إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع‏.‏ وبحديث حبيبة بنت سهل عند مالك في الموطأ أنها قالت للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ يا رسول اللّه كل ما أعطاني عندي فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لثابت‏:‏ خذ منه فأخذ وجلست في أهلها ولم يذكر فيه الطلاق ولا زاد على الفرقة وأيضاً لا يصح جعل الخلع طلاقاً بائناً ولا رجعياً أما الأول فلأنه خلاف الظاهر لأنها تطليقة واحدة وأما الثاني فلأنه إهدار لمال المرأة الذي دفعته لحصول الفرقة‏.‏

واحتج القائلون بأنه طلاق بما وقع في حديث ابن عباس المذكور من أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم لثابت بالطلاق وأجيب بأنه ثبت من حديث المرأة صاحبة القصة عند أبي داود والنسائي ومالك في الموطأ بلفظ‏:‏ ‏(‏وخل سبيلها‏)‏ وصاحب القصة أعرف بها وأيضاً ثبت بلفظ الأمر بتخلية السبيل من حديث الربيع وأبي الزبير كما ذكره المصنف ومن حديث عائشة عند أبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏وفارقها‏)‏ وثبت أيضاً من حديث الربيع أيضاً عند النسائي بلفظ‏:‏ ‏(‏وتلحق بأهلها‏)‏ ورواية الجماعة أرجح من رواية الواحد وأيضاً قد روي عن ابن عباس هذا الحديث بدون ذكر الطلاق من طريقين كما في الباب وأيضاً ابن عباس من جملة القائلين بأنه فسخ ويبعد منه أن يذهب إلى خلاف ما يرويه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد حكى ذلك عن ابن عباس ابن عبد البر ولكنه ادعى شذوذ ذلك عنه قال‏:‏ إذ لا يعرف أحد نقل عنه أنه فسخ وليس بطلاق إلا طاوس‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وفيه نظر لأن طاوساً ثقة حافظ فقيه فلا يضر تفرده وقد تلقى العلماء ذلك بالقبول ولا أعلم من ذكر الاختلاف في المسألة إلا وجزم أن ابن عباس كان يراه فسخاً انتهى‏.‏ وقال الخطابي في معالم السنن‏:‏ إنه احتج ابن عباس على أنه ليس بطلاق بقول اللّه تعالى‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ انتهى‏.‏

وأما الاحتجاج بقول اللّه تعالى ‏{‏والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ فيجاب عنه أولاً بمنع اندراج الخلع تحت هذا العموم لما قررناه من كونه ليس بطلاق وثانياً بأنا لو سلمنا أنه طلاق لكان ذلك العموم مخصصاً بما ذكرنا من الأحاديث فيكون بعد ذلك التسليم طلاقاً عدته حيضة واحتجوا أيضاً على كونه طلاقاً بأنه قول أكثر أهل العلم كما حكى ذلك الترمذي فقال‏:‏ قال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وغيرهم إن عدة المختلعة عدة المطلقة انتهى‏.‏ ويجاب بأن ذلك مما لا يكون حجة في مقام النزاع بالإجماع لما تقرر أن الأدلة الشرعية إما الكتاب أو السنة أو القياس أو الإجماع على خلاف في الأخيرين‏.‏ وأيضاً قد عارض حكاية الترمذي حكاية ابن القيم فإنه قال لا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة قال ابن القيم أيضاً‏:‏ والذي يدل على أنه ليس بطلاق أنه تعالى رتب على الطلاق بعد الدخول ثلاثة أحكام كلها منتفية عن الخلع‏:‏ أحدها أن الزوج أحق بالرجعة فيه‏.‏ الثاني أنه محسوب من الثلاث فلا تحل بعد استيفاء العدد إلا بعد دخول زوج وإصابة‏.‏ الثالث أن العدة ثلاثة قروء وقد ثبت بالنص والإجماع أنه لا رجعة في الخلع انتهى‏.‏

قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير في بحث له‏:‏ وقد استدل أصحابنا يعني الزيدية على أنه طلاق بثلاثة أحاديث ثم ذكرها وأجاب عنها بوجوه حاصلها أنها مقطوعة الأسانيد وأنها معارضة بما هو أرجح وأن أهل الصحاح لم يذكروها وإذا تكرر لك رجحان كونه فسخاً فاعلم أن القائلين به لا يشترطون فيه أن يكون للسنة فيجوز عندهم أن يكون في حال الحيض ويقول بوقوعه منهم من لم يقل بوقوع الطلاق البدعي لأنه لا يعد من جملة الطلاق الثلاث التي جعله اللّه للأزواج‏.‏ والدليل على عدم الاشتراط عدم استفصاله صلى اللّه عليه وآله وسلم كما في أحاديث الباب وغيرها ويمكن أن يقال إن ترك الاستفصال لسبق العلم به‏.‏

وقد اشترط في الخلع نشوز الزوجة الهادوية‏.‏

وقال داود والجمهور ليس بشرط وهو الظاهر لأن المرأة اشترت الطلاق بمالها فلذلك لم تحل فيه الرجعة على القول بأنه طلاق قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير‏:‏ إن الأمر المشترط فيه أن لا يقيما حدود اللّه هو طيب المال للزوج لا الخلع وهو الظاهر من السياق في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن خفتم ألا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما الزيادة فلا‏)‏ استدل بذلك من قال أن العوض من الزوجة لا يكون إلا بمقدار ما دفع إليها الزوج لا بأكثر منه ويؤيد ذلك ما عند ابن ماجه والبيهقي من حديث ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمره أن يأخذ منها ولا يزداد‏)‏ وفي رواية عبد الوهاب عن سعيد قال أيوب‏:‏ لا أحفظ فيه ولا يزداد‏.‏ وفي رواية النووي وكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى ذكر ذلك كله البيهقي قال‏:‏ ووصله الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن ابن عباس رضي اللّه عنهما‏.‏

وقال أبو الشيخ‏:‏ هو غير محفوظ يعني الصواب إرساله وبما ذكرناه يعتضد مرسل أبي الزبير ولا سيما وقد قال الدارقطني أنه سمعه أبو الزبير من غير واحد كما ذكره المصنف‏.‏ قال الحافظ‏:‏ فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح وإلا فيعتضد بما ورد في معناه وأخرج عبد الرزاق عن علي أنه قال لا يأخذ منها فوق ما أعطاها وعن طاوس وعطاء والزهري مثله وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق والهادوية وعن ميمون بن مهران من أخذ أكثر مما أعطى لم يسرح بإحسان وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن سعيد بن المسيب‏.‏ قال‏:‏ ما أحب أن يأخذ منها ما أعطاها ليدع لها شيئاً‏.‏

وذهب الجمهور إلى أنه يجوز للرجل أن يخالع المرأة بأكثر مما أعطاها‏.‏ قال مالك‏:‏ لم أر أحداً ممن يقتدى به يمنع ذلك لكنه ليس من مكارم الأخلاق‏.‏

وأخرج ابن سعد عن الربيع قالت‏:‏ كان بيني وبين ابن عمي كلام وكان زوجها قالت فقلت له لك كل شيء وفارقني قال قد فعلت فأخذ واللّه كل فراشي فجئت عثمان وهو محصور فقال‏:‏ الشرط أملك خذ كل شيء حتى عقاص رأسها‏.‏

وفي البخاري عن عثمان أنه أجاز الخلع دون عقاص رأسها‏.‏

وروى البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ كانت أختي تحت رجل من الأنصار فارتفعا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لها‏:‏ أتردين حديقته قالت‏:‏ وأزيده فخلعها فردت عليه حديقته وزادته وهذا مع كون إسناده ضعيفاً ليس فيه حجة لأنه ليس فيه أنه قررها صلى اللّه عليه وآله وسلم على دفع الزيادة في أمرها برد الحديقة فقط ويمكن أن يقال أن سكوته بعد قولها وأزيده تقرير‏.‏ ويؤيد الجواز قوله تعالى ‏{‏فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ فإنه عام للقليل والكثير ولكنه لا يخفى أن الروايات المتضمنة للنهي عن الزيادة مخصصة لهذا العموم ومرجحة على تلك الرواية المتضمنة للتقرير لكثرة طرقها وكونها مقتضية للحصر وهو أرجح من الإباحة عند التعارض على ما ذهب إليه جماعة من أئمة الأصول‏.‏

وأحاديث الباب قاضية بأنه يجوز الخلع إذا كان ثم سبب يقتضيه فيجمع بينها وبين الأحاديث القاضية بالتحريم بحملها على ما إذا لم يكن ثم سبب يقتضيه‏.‏

وقد أخرج أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث ثوبان‏:‏ ‏(‏أيما امرأة سألت زوجها الطلاق فحرام عليها رائحة الجنة‏)‏ وفي بعض طرقه من غير ما بأس وقد تقدم الحديث وأخرج أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏المختلعات هن المنافقات‏)‏ وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه نظر‏.‏