فصل: فَصْلٌ هُوَ دَائِرَةُ الْكِتَابِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.فَصْلٌ هُوَ دَائِرَةُ الْكِتَابِ:

الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْآخَرُ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصِيرُ فَاصِلًا بَلْ يُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يُجَوِّزُ بِدَايَةَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ، وَيُجَوِّزُ خَتْمَهُ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ دَمٌ فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ دَمٌ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ دَمٌ يُجَوِّزُ خَتْمَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَلَا يُجَوِّزُ بِدَايَتَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ دَمٌ وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ دَمٌ يُجَوِّزُ بِدَايَةَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَلَا يُجَوِّزُ خَتْمَهُ بِهِ وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَجْعَلُ زَمَانًا هُوَ طُهْرٌ كُلُّهُ حَيْضًا بِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِهِ وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي هُوَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ فَكَذَلِكَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَبَيَانُهُ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الطُّهْرِ الصَّحِيحِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهُ فَاسِدٌ وَبَيْنَ صِفَةِ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ مُنَافَاةٌ وَالْفَاسِدُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الصَّحِيحِ شَرْعًا فَكَانَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي، وَبَيَانُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ: مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عِنْدَهُ حَيْضٌ يَحْكُمُ بِبُلُوغِهَا بِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَاحْتَجَّ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: الدَّمُ الْمَرْئِيُّ فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ لَمَّا كَانَ اسْتِحَاضَةً كَانَ بِمَنْزِلَةِ الرُّعَافِ فَلَوْ جَازَ أَنْ تَجْعَلَ أَيَّامَ الطُّهْرِ حَيْضًا بِالدَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِحَيْضٍ لَجَازَ بِالرُّعَافِ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ الدَّمَ لَيْسَ بِحَيْضٍ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ بِاعْتِبَارِهِ زَمَانُ الطُّهْرِ، وَالْجَوَابُ لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ فَلَا يَكُونُ كَالرُّعَافِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ خَمْسَةً فَرَأَتْ سِتَّةً دَمًا ثُمَّ أَرْبَعَةً طُهْرًا ثُمَّ يَوْمًا دَمًا فَإِنَّهَا تَصِيرُ مُسْتَحَاضَةً فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ بِاعْتِبَارِ الْمَرْئِيِّ فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشَرَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَالرُّعَافِ مَا صَارَتْ بِهِ مُسْتَحَاضَةً فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ بَعْدَ سِتَّةٍ دَمًا أَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَكُونُ اسْتِحَاضَةً فَلَوْ كَانَ الدَّمُ الْمَرْئِيُّ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ الَّذِي هُوَ اسْتِحَاضَةٌ بِمَنْزِلَةِ الرُّعَافِ لَكَانَتْ الثَّلَاثَةُ حَيْضًا لِتَمَامِ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الزَّمَانُ الَّذِي هُوَ حَيْضٌ كُلُّهُ صُورَةً طُهْرًا حُكْمًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الزَّمَانُ الَّذِي هُوَ طُهْرٌ كُلُّهُ صُورَةً حَيْضًا بِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِهِ إذَا ثَبَتَ جَوَازُ هَذَا فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ ثَبَتَ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لَكِنْ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ دَمٌ وَبَعْدَهُ دَمٌ لِيَكُونَ الدَّمُ مُحِيطًا بِالطُّهْرِ.
وَبَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ الْمَسَائِلِ عَلَى قَوْلِهِ فِي امْرَأَةٍ عَادَتُهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةٌ فَرَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا بِيَوْمٍ دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَتَهَا ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا فَعِنْدَهُ خَمْسَتُهَا حَيْضٌ إذَا جَاوَزَ الْمَرْئِيُّ عَشَرَةً لِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِزَمَانِ عَادَتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَرَ فِيهِ شَيْئًا وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ قَبْلَ خَمْسَتِهَا يَوْمًا دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ خَمْسَتِهَا ثُمَّ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ طَهُرَتْ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ خَمْسَتِهَا ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فَحَيْضُهَا خَمْسَتُهَا عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْخَمْسَةِ وَخَتْمُهَا بِالطُّهْرِ لِوُجُودِ الدَّمِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ مُحِيطًا بِطَرَفَيْ الْعَشَرَةِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَإِلَّا كَانَ فَاصِلًا، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُجَوِّزُ بِدَايَةَ الْحَيْضِ وَلَا خَتْمَهُ بِالطُّهْرِ قَالَ: لِأَنَّ الطُّهْرَ ضِدُّ الْحَيْضِ فَلَا يَبْدَأُ الشَّيْءُ بِمَا يُضَادُّهُ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ وَلَكِنَّ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ يُجْعَلُ تَبَعًا لَهُمَا كَمَا قُلْنَا فِي الزَّكَاةِ أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَنُقْصَانَهُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ لَا يَضُرُّ.
وَبَيَانُ هَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ سَاعَتَيْنِ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا فَالْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ لِإِحَاطَةِ الدَّمِ بِطَرَفَيْ الْعَشَرَةِ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَعَ هَذَا شَرْطًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْئِيُّ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّهِ فَإِنْ وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ لَا يَكُونُ فَاصِلًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ كَانَ فَاصِلًا، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَهُوَ اسْمٌ لِلدَّمِ فَإِذَا بَلَغَ الْمَرْئِيُّ هَذَا الْمِقْدَارَ كَانَ قَوِيًّا فِي نَفْسِهِ فَجُعِلَ أَصْلًا وَمَا يَتَخَلَّلُهُ مِنْ الطُّهْرِ تَبَعًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ دُونَ هَذَا كَانَ ضَعِيفًا فِي نَفْسِهِ لَا حُكْمَ لَهُ إذَا انْفَرَدَ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ زَمَانِ الطُّهْرِ حَيْضًا تَبَعًا.
وَبَيَانُ هَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ مِنْ الدَّمِ دُونَ الثَّلَاثِ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ بَلَغَ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَكَذَلِكَ إنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ فَاصِلًا فَإِذَا بَلَغَ الطُّهْرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ نُظِرَ فَإِنْ اسْتَوَى الدَّمُ بِالطُّهْرِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا لَا يَصِيرُ فَاصِلًا، وَإِنْ كَانَ الطُّهْرُ غَالِبًا يَصِيرُ فَاصِلًا فَحِينَئِذٍ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا إمَّا الْمُتَقَدِّمُ أَوْ الْمُتَأَخِّرُ يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا يُجْعَلُ الْحَيْضُ أَسْرَعَهُمَا إمْكَانًا وَلَا يَكُونُ كِلَاهُمَا حَيْضًا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا طُهْرٌ تَامٌّ، وَهُوَ لَا يُجَوِّزُ بِدَايَةَ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ، وَلَا خَتْمَهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ دَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَا يُجْعَلُ زَمَانُ الطُّهْرِ زَمَانَ الْحَيْضِ بِإِحَاطَةِ الدَّمَيْنِ بِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الطُّهْرَ مُعْتَبَرٌ بِالْحَيْضِ فَكَمَا تَبْنِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الْحَيْضِ لَا حُكْمَ لَهُ وَيُجْعَلُ كَحَالِ الطُّهْرِ فَكَذَلِكَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الطُّهْرِ لَا حُكْمَ لَهُ فَيُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي وَإِذَا بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَإِنْ كَانَ الدَّمُ غَالِبًا فَالْمَغْلُوبُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْغَالِبِ، وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَكَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: قِيَاسٌ، وَهُوَ تَبْنِي اعْتِبَارِ الدَّمِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَاعْتِبَارُ الطُّهْرِ يُوجِبُ حِلَّ ذَلِكَ فَإِذَا اسْتَوَى الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ يَغْلِبُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ كَمَا فِي التَّحَرِّي فِي الْأَوَانِي إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلنَّجَاسَةِ أَوْ كَانَا سَوَاءً لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فَهَذَا مِثْلُهُ؛ وَالثَّانِي: وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَرَى الدَّمَ عَلَى الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْنِيهَا فَيَقْتُلُهَا فَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ بَعْضُ الزَّمَانِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ فِيهِ الدَّمُ مُعْتَبَرًا بِالْحَيْضِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَغْلِبُ الدَّمُ عَلَى الطُّهْرِ عِنْدَ التَّسَاوِي فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَأَمَّا إذَا غَلَبَ الطُّهْرُ الدَّمَ يَصِيرُ فَاصِلًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْغَالِبِ ظَاهِرٌ شَرْعًا وَإِذَا صَارَ فَاصِلًا بَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّمَيْنِ مُنْفَرِدًا عَنْ صَاحِبِهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إمْكَانُ جَعْلِهِ حَيْضًا كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ وُجِدَ الْإِمْكَانُ فِيهِمَا جُعِلَ الْمُتَقَدِّمُ حَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُهُمَا إمْكَانًا، وَأَمْرُ الْحَيْضِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ ثُمَّ لَا يُجْعَلُ الْمُتَأَخِّرُ حَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا طُهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ طُهْرٌ تَامٌّ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ التَّامِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَبَيَانُ مَذْهَبِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعَةُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ دُونَ الثَّلَاثِ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ غَالِبٌ عَلَى الدَّمَيْنِ فَصَارَ فَاصِلًا وَكَذَلِكَ إنْ زَادَتْ فِي الطُّهْرِ فَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَالسِّتَّةُ كُلُّهَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّ الدَّمَ اسْتَوَى بِالطُّهْرِ فِي طَرَفَيْ السِّتَّةِ فَصَارَ غَالِبًا وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ غَالِبٌ وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ غَالِبٌ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَأَرْبَعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالثَّمَانِيَةُ حَيْضٌ لِاسْتِوَاءِ الدَّمِ بِالطُّهْرِ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ غَالِبٌ فَصَارَ فَاصِلًا وَالْمُتَقَدِّمُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا فَجَعَلْنَاهُ حَيْضًا وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ لِمَا بَيَّنَّا فَإِنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُهَا إمْكَانًا فَإِنْ قِيلَ قَدْ اسْتَوَى الدَّمُ بِالطُّهْرِ هُنَا فَلِمَاذَا لَمْ يُجْعَلْ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَلَنَا اسْتِوَاءُ الدَّمِ بِالطُّهْرِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَشَرَةٌ وَالْمَرْئِيُّ فِي الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةُ دَمٍ وَسِتَّةُ طُهْرٍ وَيَوْمٌ دَمٌ فَكَانَ الطُّهْرُ غَالِبًا فَلِهَذَا صَارَ فَاصِلًا.
وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَصِيرُ فَاصِلًا فَإِذَا بَلَغَ الطُّهْرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَانَ فَاصِلًا عَلَى كُلِّ حَالٍ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا بِانْفِرَادِهِ حَيْضًا يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا كَمَا بَيَّنَّا قَبْلُ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا خَالَفَهُ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ غَلَبَةَ الدَّمِ وَلَا مُسَاوَاةَ الدَّمِ بِالطُّهْرِ وَبَيَانُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعَةُ حَيْضٌ وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ سَاعَةٍ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ فَإِنْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا، وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَعِنْدَهُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ حَيْضٌ، وَلَوْ كَانَتْ رَأَتْ أَوَّلًا ثَلَاثَةً دَمًا كَانَ الْحَيْضُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ، وَإِنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَالْحَيْضُ عِنْدَهُ الثَّلَاثَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُهُمَا إمْكَانًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) أَشْكَلَ فِيهِ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَجَوَابُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُلْغِي الْيَوْمَيْنِ وَالْخَمْسَةَ وَيَجْعَلُ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ حَيْضَهَا؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمَيْنِ كَانَ خَتْمُ الْعَشَرَةِ بِالطُّهْرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَطَعَنُوا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْجَوَابِ فَقَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يُلْغِيَ أَحَدَ الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَيَجْعَلَ الْعَشَرَةَ بَعْدَهُ حَيْضًا؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الثَّانِيَ قَاصِرٌ، فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَإِذَا جَعَلْنَاهُ كَالدَّمِ اسْتَوَى الدَّمُ بِالطُّهْرِ فِي الْعَشَرَةِ فَيَكُونُ الْكُلُّ حَيْضًا؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ وَخَتْمَهُ بِالدَّمِ قَالُوا: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعِيبَ عَلَيْنَا فِي إلْغَاءِ أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّكُمْ أَلْغَيْتُمْ الْيَوْمَيْنِ وَالْخَمْسَةَ بَعْدَهُ وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْحَيْضِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ فَإِذَا أَمْكَنَ جَعْلُ الْعَشَرَةِ حَيْضًا بِهَذَا الطَّرِيقِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الطَّعْنِ أَنَّ الْيَوْمَيْنِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ لِاتِّصَالِ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ أَحَدِهِمَا وَاعْتِبَارُ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ جِهَاتِ الْإِلْغَاءِ بِهَذَا الطَّرِيقِ تَكْثُرُ فَإِنَّك إذَا أَلْغَيْت رُبُعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ نِصْفَهُ يَحْصُلُ بِهِ هَذَا الْمَقْصُودُ وَعِنْدَ كَثْرَةِ الْجِهَاتِ لَا يَتَرَجَّحُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلُ بِإِلْغَاءِ الْيَوْمَيْنِ وَالْخَمْسَةِ وَجَعْلُ الْأَرْبَعَةِ حَيْضًا.
(فَصْلٌ): مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ طُهْرَانِ مُعْتَبَرَانِ، وَصَارَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا مَغْلُوبًا كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي هَلْ يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى الطُّهْرِ الْآخَرِ؟ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْكَبِيرُ يَتَعَدَّى وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ الْغَزَالِيُّ لَا يَتَعَدَّى، وَبَيَانُ ذَلِكَ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُلُّهَا حَيْضٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ الدَّمَ فِي طَرَفَيْهِ اسْتَوَى بِالطُّهْرِ فَيُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي، فَكَأَنَّهَا رَأَتْ سِتَّةً دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ حَيْضُهَا السَّنَةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ الْعَشَرَةَ طُهْرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِذَا لَمْ يُمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَانَ الطُّهْرُ غَالِبًا فَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ حَيْضًا فَلِهَذَا مَيَّزْنَا وَجَعَلْنَا السِّتَّةَ الْأُولَى حَيْضًا لِاسْتِوَاءِ الدَّمِ بِالطُّهْرِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا عَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ الْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ حَيْضُهَا السِّتَّةُ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ الْعَشَرَةُ حَيْضٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ حَيْضُهَا السِّتَّةُ الْأَخِيرَةُ بَعْدَ الْيَوْمِ وَالثَّلَاثَةُ فَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ يُضَافُ يَوْمَانِ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ إلَى مَا سَبَقَ فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ حَيْضُهَا عَشَرَةٌ بَعْدَ الْيَوْمِ وَالثَّلَاثَةِ الْأُولَى فَمِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ سِتَّةٌ حَيْضٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ عَشَرَةٌ فَيَكُونُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الِاسْتِمْرَارِ مِنْ جُمْلَةِ حَيْضِهَا، وَبِهِ تَتِمُّ الْعَشَرَةُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ حَيْضُهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ حَيْضًا لَهَا فَيَصِلُ إلَى مَوْضِعِ حَيْضِهَا الثَّانِي، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
(اعْلَمْ) بِأَنَّ الْوَقْتَ الْوَاحِدَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ كَطُلُوعِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْوَقْتِ مِنْ عِنْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَتَمَامُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قُبَيْلُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ؛ لِأَنَّ قُبَيْلَ اسْمٌ لِوَقْتٍ يَتَّصِلُ بِهِ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ بِخِلَافِ قَبْلِ؛ بَيَانُهُ: فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَقْتَ الضَّحْوَةِ أَنْتِ طَالِقٌ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: إذَا قِيلَ امْرَأَةٌ رَأَتْ الدَّمَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ انْقَطَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ كُلَّهَا حَيْضٌ لِأَنَّ الْكُلَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالطُّهْرُ فِيهِ قَاصِرٌ، فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَالْجُمْلَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَسَاعَةُ الطُّهْرِ فِيهِ قَاصِرٌ عَنْ الثَّلَاثَةِ فَكَانَ الْكُلُّ حَيْضًا، وَإِنْ رَأَتْ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَارَ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَإِنْ رَأَتْ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ رَأَتْ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَيْضًا ثُمَّ رَأَتْ مِنْ الْيَوْمِ السَّابِعِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَالْكُلُّ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ لَمَّا كَانَ دُونَ الثَّلَاثِ، فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَيَصِيرُ الدَّمُ غَالِبًا حُكْمًا فَإِنْ رَأَتْ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ رَأَتْ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ مِنْ الْيَوْمِ السَّابِعِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ مِنْ الْعَاشِرِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْكُلُّ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّلَاثِ، فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَصَارَ الطُّهْرُ الثَّانِي مَغْلُوبًا بِهِ فَيَتَعَدَّى أَثَرُهُ إلَى الطُّهْرِ الثَّالِثِ كَمَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَ أَبِي سَهْلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى السِّتَّةُ الْأُولَى حَيْضٌ، لِأَنَّ الطُّهْرَ الثَّانِيَ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ صَارَ مَغْلُوبًا بِالدَّمِ فَلَا يَتَعَدَّى أَثَرُهُ إلَى الطُّهْرِ الثَّالِثِ.
وَأَمَّا السَّاعَةُ فَفِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ اسْمٌ لِجُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْمُنَجِّمُونَ إنَّهُ وَقْتٌ مُمْتَدٌّ حَتَّى يَشْتَمِلَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ عِنْدَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً فَتَارَةً يُنْتَقَصُ اللَّيْلُ حَتَّى يَكُونَ تِسْعَ سَاعَاتٍ وَيَزْدَادَ النَّهَارُ حَتَّى يَكُونَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَاعَةً وَتَارَةً يُنْتَقَصُ النَّهَارُ حَتَّى يَزْدَادَ اللَّيْلُ وَيُثْبِتُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِمْ فَأَمَّا فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ السَّاعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ فَإِذَا قِيلَ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غَيْرِ سَاعَتَيْنِ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالطُّهْرُ قَاصِرٌ، وَإِنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غَيْرِ ثَلَاثَةِ سَاعَاتٍ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْكُلُّ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِمَنْزِلَةِ كَمَالِهِ عِنْدَهُ، وَإِنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غَيْرِ سَاعَةٍ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَسَاعَةٌ وَالطُّهْرُ فِيهِ قَاصِرٌ، وَإِنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ لَمَّا بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَارَ فَاصِلًا فَإِنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غَيْرِ سَاعَتَيْنِ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَسَاعَةً دَمًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ الْكُلُّ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ لِقُصُورِهِ عَنْ الثَّلَاثِ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَصَارَ الطُّهْرُ الثَّانِي مَغْلُوبًا بِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى أَثَرُهُ إلَى الطُّهْرِ الثَّالِثِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ حَيْضُهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَسَاعَةٌ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الثَّانِيَ كَامِلٌ، وَإِنْ صَارَ مَغْلُوبًا فَلَا يَتَعَدَّى أَثَرُهُ إلَى الطُّهْرِ الثَّالِثِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ.
وَأَمَّا أَجْزَاءُ النَّهَارِ فَبِحَسَبِ مَا يَذْكُرُ مِنْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا قِيلَ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ رُبُعَ يَوْمٍ دَمًا ثُمَّ يَوْمَيْنِ وَثُلُثِ يَوْمٍ طُهْرًا ثُمَّ رُبُعَ يَوْمٍ دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا لِأَنَّ الْكُلَّ قَاصِرٌ عَنْ الثَّلَاثِ بِسُدُسِ يَوْمٍ، وَإِنْ قِيلَ رَأَتْ يَوْمًا وَرُبُعَ يَوْمٍ دَمًا وَيَوْمَيْنِ وَنِصْفَ يَوْمٍ طُهْرًا وَرُبُعَ يَوْمٍ دَمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهَا بَلَغَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالطُّهْرُ قَاصِرٌ، وَإِنْ رَأَتْ رُبُعَ يَوْمٍ دَمًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ طُهْرًا وَرُبُعَ يَوْمٍ دَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ كَامِلٌ فَصَارَ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ مَا تَسْأَلُ عَنْهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فَإِنَّ هَذَا النَّوْعَ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَاقِعَاتِ إنَّمَا وَضَعُوهُ لِتَشْحِيذِ الْخَوَاطِرِ وَامْتِحَانِ الْمُتَبَحِّرِينَ فِي الْعِلْمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.