فصل: بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَةٍ وَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى دُخُولِهِ بِهَا فَقَضَى الْقَاضِي بِالصَّدَاقِ وَالطَّلَاقِ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى شُهُودِ الدُّخُولِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ وَعَلَى شُهُودِ الطَّلَاقِ رُبْعُ الْمَهْرِ)؛ لِأَنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ أَلْزَمُوهُ نِصْفَ الْمَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ انْفَرَدُوا قَضَى الْقَاضِي عَلَى الزَّوْجِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ وَشُهُودُ الدُّخُولِ أَلْزَمُوهُ جَمِيعَ الْمَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ انْفَرَدُوا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ فَنِصْفُ الْمَهْرِ اخْتَصَّ بِشُهُودِ الدُّخُولِ بِإِيجَابِهِ عَلَى الزَّوْجِ فَعِنْدَ الرُّجُوعِ ضَمَانُهُ عَلَيْهِمْ وَنِصْفُ الْمَهْرِ اشْتَرَكُوا فِيهِ فَضَمَانُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ عَلَى كِلَا الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَانِ فَإِنْ (قِيلَ) لَا كَذَلِكَ بَلْ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ بِالْعَقْدِ فَمَا أَلْزَمَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ بِمَا شَهِدُوا بِهِ (قُلْنَا) نَعَمْ وَجَبَ جَمِيعُ الْمَهْرِ بِالْعَقْدِ وَلَكِنْ بِمُقَابَلَةِ الْبُضْعِ عَلَى أَنَّهُ فَوَّتَ تَسْلِيمَ الْبُضْعِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْتَهِي بِهِ النِّكَاحُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ مِنْهُ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا وَلَوْلَا شَهَادَةُ شُهُودِ الطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَوْلَا شَهَادَةُ شُهُودِ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَهْرِ وَلَكِنَّهُمَا حِينَ شَهِدَا بِوُجُودِ التَّسْلِيمِ قَبْلَ ظُهُورِ الْفُرْقَةِ فَكَأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَحِينَ شَهِدَا الْآخَرَانِ بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ مُضَافًا إلَى الزَّوْجِ فَكَأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ نِصْفَ الْمَهْرِ فَيَجِبُ ضَمَانُ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَهْرِ بِشَهَادَتِهِمْ فَكَأَنَّهُمْ غَصَبُوهُ ذَلِكَ: أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ النِّصْفَ، وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ الْكُلَّ.
وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الدُّخُولِ وَحْدَهُ ضَمِنَ رُبْعَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي اخْتَصَّ شُهُودُ الدُّخُولِ بِإِلْزَامِهِ بَقِيَ فِيهِ امْرَأَتَانِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبِبَقَائِهِمَا يَبْقَى نِصْفُ ذَلِكَ النِّصْفِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعِ نِصْفُ ذَلِكَ النِّصْفِ وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ حُجَّةٌ تَامَّةٌ وَلَوْ رَجَعَ شَاهِدُ الطَّلَاقِ وَحْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَزِمَ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الطَّلَاقِ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ، وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الدُّخُولِ كُلُّهُمْ ضَمِنُوا النِّصْفَ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ وَلَوْ كَانَ شُهُودُ الطَّلَاقِ هُمْ الَّذِينَ رَجَعُوا لَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ حُجَّةٌ تَامَّةٌ وَهُمْ شُهُودُ الدُّخُولِ وَلَوْ رَجَعَتْ امْرَأَةٌ مِنْ شُهُودِ الطَّلَاقِ وَامْرَأَةٌ مِنْ شُهُودِ الدُّخُولِ فَعَلَى الرَّاجِعَةِ مِنْ شُهُودِ الدُّخُولِ ثُمُنُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ شُهُودُ الدُّخُولِ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ فَلَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَبَقِيَ الْحُجَّةُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ بِتَفَاوُتِهِمَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعَةِ رُبْعُ ذَلِكَ النِّصْفِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شَاهِدِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ بَعْدَ رُجُوعِهَا وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً وَآخَرَانِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَقَضَى بِالْفُرْقَةِ وَبِنِصْفِ الْمَهْرِ لَهَا ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَضَمَانُ نِصْفِ الْمَهْرِ عَلَى شُهُودِ الثُّلُثِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الثُّلُثِ هُمْ الَّذِينَ قَطَعَتْ بِشَهَادَتِهِمْ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ قَبْلَ الزَّوْجِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ بِالثُّلُثِ يَثْبُتُ فِي الْمَحَلِّ صِفَةُ الْحُرْمَةِ وَشَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْحُرْمَةِ لَا يَثْبُتُ بِالْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ وَإِنَّمَا قَضَى الْقَاضِي بِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ وَذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ مَا شَهِدَ بِهِ شُهُودُ الثُّلُثِ خَاصَّةً فَعَرَفْنَا أَنَّ الْقَضَاءَ كَانَ بِشَهَادَتِهِمْ فَالضَّمَانُ عِنْدَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ نَظِيرُ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمَ النَّحْرِ فَأَبَانَهَا الْقَاضِي مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَأَلْزَمَهُ نِصْفَ الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الطَّلَاقِ دُونَ شُهُودِ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَضَى بِالْفُرْقَةِ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الطَّلَاقِ دُونَ شَهَادَةِ شُهُودِ الْإِيلَاءِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حُجَّةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَنَّ الثَّلَاثَ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِتَطْلِيقِهِ وَالْآخَرُ بِثَلَاثٍ وَإِذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَهِيَ مَهْرُ مِثْلِهَا فَقَضَى بِذَلِكَ وَنَقَدَهَا الْأَلْفَ ثُمَّ رَجَعَا؛ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا أَيُّهُمَا كَانَ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ فَقَدْ أَلْزَمَا الزَّوْجَ الْأَلْفَ وَأَدْخَلَا فِي مِلْكِهِ الْبُضْعَ بِمُقَابَلَتِهِ وَالْبُضْعُ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُ الْبُضْعَ وَمِنْ ضَرُورَةِ التَّمَلُّكِ يَقُومُ الْمَمْلُوكُ بِهِ كَالِاسْتِيلَاءِ لَمَّا كَانَ يَتَمَلَّكُ بِهِ الْحَرْبِيُّ يَتَقَوَّمُ بِهِ نَفْسُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِي فَقَدْ أَثْبَتْنَا عَلَيْهِ الْمِلْكَ وَعَوَّضَاهَا بِمُقَابَلَتِهِ مَا يَعْدِلُهُ وَهُوَ الْأَلْفُ فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَ الزَّوْجُ مُنْكِرًا ضَمِنَا لَهُ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ الْأَلْفَ وَعَوَّضَاهُ مَا يَتَقَوَّمُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَقِيمَةُ الْبُضْعِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَالْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى أَتْلَفَاهَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا الْبُضْعَ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ عِوَضٍ دُونَ قِيمَةِ الْبُضْعِ وَلَكِنَّ الْبُضْعَ لَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الْمُتْلِفِ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الْمُتَمَلِّكِ لِضَرُورَةِ التَّمَلُّكِ فَلَمْ يَضْمَنْ الشَّاهِدَانِ لَهُمَا شَيْئًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنَانِ مَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفُرْقَةِ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنَانِ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَ الْمَرْأَةَ رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ الْقَاتِلُ لِلزَّوْجِ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ مَهْرَ الْمِثْلِ وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يَغْرَمْ لِلزَّوْجِ شَيْئًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِلزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْقَاتِلِ وَعَلَيْهَا إنْ ارْتَدَّتْ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ فَيُقَوَّمُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ عَيْنُ مَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّقَوُّمِ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ التَّقَوُّمُ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى كَمِلْكِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ يَتَقَوَّمُ عِنْدَ ثُبُوتِهِ ابْتِدَاءً وَيَتَقَوَّمُ أَيْضًا عِنْدَ الْإِزَالَةِ بِطَرِيقِ الْإِبْطَالِ وَهُوَ الْعِتْقُ حَتَّى يَضْمَنَ شُهُودُ الْعِتْقِ الْقِيمَةَ إذَا رَجَعُوا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا ضَمِنُوا نِصْفَ الْمَهْرِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْبُضْعُ مُتَقَوِّمًا عِنْدَ الطَّلَاقِ لَمَا ضَمِنُوا شَيْئًا وَإِذَا ثَبَتَ التَّقَوُّمُ قُلْنَا الْمُتَقَوِّمُ مَضْمُونٌ بِالْإِتْلَافِ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَالنَّفْسِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبُضْعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ بِالْمَالِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ يَتَقَدَّرُ بِالْمِثْلِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْبُضْعِ وَالْمَالِ صُورَةً وَمَعْنًى فَأَمَّا عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ الْمُتَقَوِّمُ هُوَ الْمَمْلُوكُ دُونَ الْمِلْكِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَكَانَ تَقَوُّمُهُ لِإِظْهَارِ خَطَرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ حَتَّى يَكُونَ مَصُونًا عَنْ الِابْتِدَالِ وَلَا يَمْلِكُ مَجَّانًا فَإِنَّ مَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ مَجَّانًا لَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ عِنْدَهُ وَذَلِكَ مَحَلٌّ لَهُ خَطَرٌ مِثْلُ خَطَرِ النُّفُوسِ؛ لِأَنَّ النَّسْلَ يَحْصُلُ بِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي طَرَفِ الْإِزَالَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَمَلَّكُ عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا وَلَكِنْ يَبْطُلُ مِلْكُ الزَّوْجِ عَنْهَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَا هُوَ مَشْرُوطٌ لِمَعْنَى الْخَطَرِ عِنْدَ التَّمَلُّكِ كَالشُّهُودِ وَالْوَلِيِّ لَا يَشْتَرِطُ شَيْئًا مِنْهُ عِنْدَ الْإِزَالَةِ وَأَنَّ الْأَبَ لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِمَالِهِ يَصِحُّ ذَلِكَ وَلَوْ خَلَعَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِمَالِهَا مِنْ زَوْجِهَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ وَهَذَا بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَهُوَ مِلْكُ مَالٍ وَالْمَالُ مِثْلُ الْمَالِ صُورَةً وَمَعْنًى فَعِنْدَ الْإِتْلَافِ يَضْمَنُ بِالْمَالِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَغْرَمَانِ هُنَاكَ قِيمَةَ الْبُضْعِ فَقِيمَةُ الْبُضْعِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا يَغْرَمَانِ نِصْفَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا عَلَى الزَّوْجِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ارْتَدَّتْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْمَهْرُ وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فَهُمَا أَكَّدَا عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ فَكَأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ ذَلِكَ، هُوَ عِبَارَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَالْأَوْجَهُ أَنْ نَقُولَ: وُقُوعُ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ مُسْقِطٌ جَمِيعَ الصَّدَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى الزَّوْجِ وَلَا كَانَ مُتَهَيِّئًا لِلنِّكَاحِ لِلْفِقْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَهُمَا بِإِضَافَةِ الْفُرْقَةِ مَنَعَا الْعِلَّةَ الْمُسْقِطَةَ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا فِي النِّصْفِ فَكَأَنَّهُمَا أَلْزَمَا الزَّوْجَ ذَلِكَ النِّصْفَ بِشَهَادَتِهِمَا فَيَضْمَنَانِ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَفِي هَذَا أَيْضًا نَوْعُ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ الِابْنَ إذَا أَكْرَهَ امْرَأَةَ أَبِيهِ حَتَّى زَنَى بِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَغْرَمُ الْأَبُ نِصْفَ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الِابْنِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا تَصِيرُ بِهِ الْفُرْقَةُ مُضَافَةً إلَى الْأَبِ وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ بِإِكْرَاهِهِ إيَّاهَا مَنَعَ صَيْرُورَةَ الْفُرْقَةِ مُضَافَةً إلَيْهَا وَذَا مُوجِبٌ نِصْفَ الصَّدَاقِ عَلَى الْأَبِ فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَهُ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ شُهُودُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا لَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْوَلِيِّ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا صَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى الدِّيَةِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَدْ أَتْلَفُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمْ فَيَضْمَنُونَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا كَمَا تُضْمَنُ النَّفْسُ بِالْإِتْلَافِ حَالَةَ الْخَطَإِ وَلَكِنَّا نَقُولُ مِلْكُ الْقِصَاصِ كَمِلْكِ الْبُضْعِ لِلزَّوْجِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَإِنَّمَا الْمُتَقَوِّمُ الْمَحَلُّ الْمَمْلُوكُ فَكَذَلِكَ مِلْكُ الْقِصَاصِ إلَّا أَنَّ بِالصُّلْحِ الْقَاتِلُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ الدِّيَةَ بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى هَذَا الصُّلْحِ لِإِبْقَاءِ نَفْسِهِ وَحَاجَتُهُ مُقَدَّمَةُ عَلَى حَقِّ الْوَارِثِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِهَذَا وَالْمَرِيضَةُ إذَا اخْتَلَعَتْ فَإِنَّمَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ لَا بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهَا فَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ يُسَلَّمُ لِلْقَاتِلِ الْمَحَلُّ الْمَمْلُوكُ وَهُوَ نَفْسُهُ وَذَلِكَ مُتَقَوِّمٌ وَهُنَا بِالطَّلَاقِ بَطَلَ مِلْكُ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلَّمَ لَهَا شَيْءٌ كَانَ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الزَّوَالِ عَنْهَا.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْمِلْكِ الْوَارِدِ عَلَى الْمَحَلِّ فَأَمَّا تَقَوُّمُ النَّفْسِ بِالدِّيَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلِلصِّيَانَةِ عَنْ الْهَدَرِ وَإِظْهَارِ خَطَرِ الْمَحَلِّ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي مِلْكِ الْقِصَاصِ فَالْعَفْوُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ إهْدَارُهُ حَسَنًا بِهَذَا الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَيَاةٌ حُكْمًا وَفِي الْعَفْوِ حَيَاةٌ حَقِيقَةً فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتْلِفِ هُنَا بِمَعْنَى الصِّيَانَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَرَضَ الزَّوْجُ لَهَا مَهْرًا فَشَهِدَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَضَى الْقَاضِي لَهَا بِالْمُتْعَةِ ثُمَّ رَجَعَا غَرِمَا الْمُتْعَةَ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ نِصْفِ الصَّدَاقِ فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةٌ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ يَغْرَمَانِ لِلزَّوْجِ مَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ فَكَذَلِكَ هُنَا يَغْرَمَانِ لَهُ مَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي وَهُوَ الْمُتْعَةُ وَزُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِي الْفَصْلَيْنِ لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهُمَا أَسْقَطَا عَنْهُ الْبَعْضَ وَمَا أَوْجَبَا عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا ضَمِنَّا فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَا لَهَا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا مِلْكَهَا فِي بَعْضِ الصَّدَاقِ وَفِيمَا قَرَّرْنَا جَوَابٌ عَنْ كَلَامِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ وَالزَّوْجُ يَجْحَدُ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُمِائَةٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى شَاهِدَيْ النِّكَاحِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَعَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ إلَى تَمَامِ أَلْفٍ أَلْزَمَهُ شُهُودَ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ بِمُقَابَلَتِهِ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ نِصْفُ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ وَبَقِيَ النِّصْفُ فَيَغْرَمَانِ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَمِقْدَارُ الْخَمْسِمِائَةِ أَلْزَمَاهُ بِعِوَضٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ نِصْفَ ذَلِكَ النِّصْفِ تَمْنَعُهُمَا الْعِلَّةُ الْمُسْقِطَةُ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهَا حِينَ أَضَافَا الْفُرْقَةَ إلَى الزَّوْجِ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلَوْ شَهِدَ آخَرَانِ أَيْضًا بِالدُّخُولِ فَأَلْزَمَهُ الْقَاضِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى شَاهِدَيْ النِّكَاحِ خَمْسُمِائَةٍ الْفَضْلُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَأَمَّا الْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى أَلْزَمَاهُ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ فَلَا يَضْمَنَانِ لَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ بَقِيَ فِي ذَلِكَ شَاهِدَا الدُّخُولِ وَشَاهِدَا التَّطْلِيقِ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ وَرُبْعُهُ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ بِمَنْزِلَةِ جَمِيعِ الْمُسَمَّى فِي مَسْأَلَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا عَلَى أَنْ بَرَّأَتْهُ مِنْ الْمَهْرِ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي ذَلِكَ وَهِيَ تَجْحَدُ فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَكَانَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ فَهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِمَا ذَلِكَ النِّصْفَ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا بَعْدَ الزَّوْجِ وَالْمَهْرُ عَلَيْهِ ضَمِنَا لَهَا جَمِيعَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَكَانَ لَهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَهُمَا أَتْلَفَا جَمِيعَ الْمَهْرِ عَلَيْهَا بِشَهَادَتِهِمَا بِالْخُلْعِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَهْرِ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ لَهَا عِنْدَ الرُّجُوعِ كَشَاهِدَيْ الْإِبْرَاءِ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ بَلْ تَزَوَّجَنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ مَهْرُ مِثْلِهَا فَأَقَامَ الزَّوْجُ شَاهِدَيْنِ بِمَا ادَّعَى وَقَضَى بِذَلِكَ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهَا تِسْعَمِائَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَمْ يَضْمَنْ لَهَا شَيْئًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ كِتَابِ النِّكَاحِ إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْمَهْرِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ مِثْلُ مَا تَقُولُهُ الْمَرْأَةُ فَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُهَا وَعِنْدَهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَلَوْلَا شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ لَكَانَ يُقْضَى لَهَا عَلَى الزَّوْجِ بِالْأَلْفِ فَهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا بِشَهَادَتِهِمَا مِقْدَارَ تِسْعِمِائَةٍ فَيَضْمَنَانِ لَهَا ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْمَهْرِ فَالشَّاهِدَانِ لَمْ يُتْلِفَا عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْئًا فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَنْكَرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ دُونَ الْعَشَرَةِ فَأَمَّا إذَا ادَّعَى نُقْصَانًا كَثِيرًا عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَمَا فَسَّرَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَضْمَنَا لَهَا شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ بَعْدَ الطَّلَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فَلَا يَضْمَنَانِ لَهَا شَيْئًا لِذَلِكَ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ يَضْمَنَانِ لَهَا أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَهَذَا إنْ صَحَّ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ مِنْ تَحْكِيمِ الْمُتْعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُمَا أَنْ تَكُونَ مُتْعَتُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَقَدْ أَتْلَفَا عَلَيْهَا مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ لَهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لَمْ تُقِرَّ بِالنِّكَاحِ لَمْ يَضْمَنَا لَهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا مَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْمَالِ إنَّمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا مِلْكَ الْبُضْعِ بِشَهَادَتِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْبُضْعَ لَا يَتَقَوَّمُ عَلَى غَيْرِ الْمُتَمَلِّكِ وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ صَالَحَ مِنْ نَفَقَتِهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ فَقَالَ الزَّوْجُ: صَالَحْتُكِ عَلَى خَمْسَةٍ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ صَالَحَهَا عَلَى عَشَرَةٍ فَقَضَى بِهَا ثُمَّ رَجَعَا فَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ مِثْلِهَا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي مِقْدَارِ نَفَقَةِ مِثْلِهَا فَالشُّهُودُ مَا أَلْزَمُوا الزَّوْجَ شَيْئًا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ ضَمِنَا الْفَضْلَ لِلزَّوْجِ فِيمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَا شَهَادَتُهُمَا لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ فِي إنْكَارِهِ الْفَضْلَ عَلَى نَفَقَةِ مِثْلِهَا فَإِنَّمَا أَلْزَمَاهُ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا.
وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِامْرَأَةٍ بِمَهْرٍ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ فَمَضَتْ مُدَّةٌ ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَيْهَا بِالِاسْتِيفَاءِ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ دَيْنًا مُسْتَحَقًّا لَهَا عَلَى الزَّوْجِ فَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ تَصِيرُ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشَّهَادَةَ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مُوجِبُ الضَّمَانِ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِمَّنْ فَرَضَ لَهُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ حَيْثُ يَقُولُ إنَّ نَفَقَةَ ذَوِي الْأَرْحَامِ تَصِيرُ دَيْنًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ النِّكَاحِ يَقُولُ لَا تَصِيرُ ذَلِكَ دَيْنًا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنْ قَضَى الْقَاضِي فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ شُهُودُ الِاسْتِيفَاءِ لَا يَضْمَنُونَ شَيْئًا وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا أَمْلَيْنَا مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى الطَّلَاقِ وَرَجُلَانِ عَلَى الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعَ شَاهِدُ الطَّلَاقِ وَأَحَدُ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ ضَمِنُوا جَمِيعًا نِصْفَ الْمَهْرِ عَلَى شَاهِدِ الدُّخُولِ مِنْ ذَلِكَ نِصْفُهُ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ فِي النِّصْفِ الَّذِي لَزِمَهُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ خَاصَّةً بَقِيَ أَحَدُهُمَا عَلَى الشَّهَادَةِ فَتَبْقَى الْحُجَّةُ فِي نِصْفِ ذَلِكَ النِّصْفِ بِبَقَائِهِ فَعَلَى الرَّاجِعِ مِنْهُمَا نِصْفُ ذَلِكَ النِّصْفِ وَفِي النِّصْفِ الْبَاقِي يَبْقَى نِصْفُهُ أَيْضًا بِبَقَائِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا انْعَدَمَتْ الْحُجَّةُ فِي نِصْفِ ذَلِكَ النِّصْفِ وَقَدْ كَانَ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِمْ جَمِيعًا فَعِنْدَ الرُّجُوعِ يَجِبُ ضَمَانُ ذَلِكَ النِّصْفِ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا مَهْرًا فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ صَالَحَهَا مِنْ الْمُتْعَةِ عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهَا وَقَبَضَتْهُ وَهِيَ تُنْكِرُ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَا الْمُتْعَةَ لَهَا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ مِثْلِ كِسْوَتِهَا فِي بَيْتِهَا وَلَا يَضْمَنَانِ لَهَا الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ حَقِّهَا هُوَ الْمُتْعَةُ وَقَدْ أَتْلَفَا بِشَهَادَتِهِمَا ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَأَمَّا الْعَبْدُ كَانَ مِلْكًا لِلزَّوْجِ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا فَلَا يَضْمَنَانِ لَهَا الْعَبْدَ وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهَا بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ لَهَا بِشَهَادَتِهِمَا وَهِيَ تُنْكِرُ فَلَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تُضَمِّنَهُمَا قِيمَةَ الْعَبْدِ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ إنْكَارِهَا وَإِنَّمَا تُضَمِّنُهُمَا أَصْلَ حَقِّهَا وَهُوَ الْمُتْعَةُ فَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ضَمِنَا لَهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِالْمُتْعَةِ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَلَوْلَا شَهَادَتُهُمَا؛ كَانَ لَهَا هَذِهِ الْخَمْسَةُ فَلِهَذَا ضَمِنَا لَهَا عِنْدَ الرُّجُوعِ الْخَمْسَةَ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الطَّلَاقِ وَشَاهِدَانِ عَلَى الدُّخُولِ وَلَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَقُضِيَ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنَ شَاهِدَا الطَّلَاقِ نِصْفَ الْمُتْعَةِ وَشَاهِدَا الدُّخُولِ بَقِيَّةَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ فِي نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ كَنِصْفِ الْمُسَمَّى فِي نِكَاحٍ فِيهِ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ شُهُودُ الطَّلَاقِ يَغْرَمُونَ رُبْعَ الْمُسَمَّى فَكَذَلِكَ هُنَا يَغْرَمُونَ نِصْفَ الْمُتْعَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ مَهْرِ الْمِثْلِ ثَابِتٌ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الدُّخُولِ فَيَغْرَمُونَ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا لِرَجُلٍ آخَرَ وَآخَرَانِ عَلَى مِائَةٍ مِنْهَا أَنَّهَا لَهُ فَقَضَى لَهُ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُ شَاهِدَيْ الْمِائَتَيْنِ ضَمِنَ خَمْسِينَ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْمِائَةِ اُسْتُحِقَّ بِشَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ صَاحِبِهِ خَاصَّةً، وَقَدْ بَقِيَ نِصْفُهُ بِبَقَاءِ صَاحِبِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَيَغْرَمُ نِصْفَهُ وَذَلِكَ خَمْسُونَ وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُ شَاهِدَيْ الْمِائَةِ أَيْضًا لِمَنْ يَضْمَنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْمِائَةِ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الْأَرْبَعِ وَقَدْ بَقِيَ اثْنَانِ عَلَى الشَّهَادَةِ بِتِلْكَ الْمِائَةِ فَلَا يَغْرَمُ الرَّاجِعَانِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
بَابٌ عَنْ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ أَيْضًا (قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ ذِمِّيَّانِ لِذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيٍّ بِمَالِ أَوْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ، وَقِيمَةُ الْخَمْرِ مِثْلُ قِيمَةِ الْخِنْزِيرِ)؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرُّجُوعِ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي ذَلِكَ يَسْتَوُونَ بِالْمُسْلِمِينَ وَيَضْمَنُونَ فِي الْخَمْرِ الْمِثْلَ وَفِي الْخِنْزِيرِ الْقِيمَةَ وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدَانِ أَسْلَمَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ الْقِيمَةِ بِنَفْسِ الْإِتْلَافِ وَإِسْلَامُهُمَا لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ ذَلِكَ وَفِي الْخَمْرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنَانِ الْقِيمَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا بِنَاءً عَلَى إسْلَامِ الْمُسْلِمِينَ الْمَطْلُوبِ بَعْدَ إتْلَافِ الْخَمْرِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْغَصْبِ وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ الشَّاهِدَانِ وَأَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ وَلَمْ يَضْمَنَا الْخَمْرَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمَا مِثْلُ الْخَمْرِ وَإِسْلَامُ الطَّالِبِ يُسْقِطُ الْخَمْرَ لَا إلَى بَدَلٍ فَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِمَا طَالِبٌ فَأَمَّا إتْلَافُ الْخِنْزِيرِ يُوجِبُ الْقِيمَةَ وَإِسْلَامُ الطَّالِبِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا وَاسْتِيفَاءَهَا وَلَوْ شَهِدَ ذِمِّيَّانِ بِمَالٍ عَلَى ذِمِّيٍّ وَأَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ يَقْضِ بِهَا؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لَوْ اقْتَرَنَ بِشَهَادَتِهِمَا مُنِعَ الْعَمَلُ بِهَا فَكَذَلِكَ إذَا طَرَأَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي إلَّا بِحُجَّةٍ وَشَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا شَهِدَ مَحْدُودَانِ بِقَذْفٍ بِشَهَادَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَتَّى قَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ إمْضَاؤُهُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْقَضَاءَ وَيَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ الْمَقْضِيِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ الْخَطَأُ فِي قَضَائِهِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهَدَاتِ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا صَدَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ اجْتِهَادٍ وَإِنَّمَا كَانَ عَنْ تَلْبِيسٍ وَاشْتِبَاهٍ لَمْ يَنْفُذْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْجَامِعِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ قَضَاءَهُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ نَافِذٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ اجْتِهَادٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ قَضَاءَهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْخَطَأُ بِيَقِينٍ وَفِي الِاجْتِهَادِ لَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ هُنَا أَيْضًا.
(قَالَ) وَكَذَلِكَ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا عَبْدَانِ أَوْ كَافِرَانِ أَوْ أَعْمَيَانِ أَمَّا فِي الْعَبْدَيْنِ وَالْكَافِرَيْنِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ قَضَاءَهُ كَانَ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَفِي الْأَعْمَيَيْنِ الْجَوَابُ مِثْلُ الْجَوَابِ فِي الْمَحْدُودَيْنِ فِي الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ حَصَلَ فِيمَا هُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِاجْتِهَادَ وَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَعْنِي رَدَّ الْقَضَاءِ وَأَخْذَ الْمَالِ مِنْ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِلْكًا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَلَا يُمْنَعُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا بِثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ بَلْ هُوَ كَالنَّسَبِ فَلَا يَكُونُ عِوَضًا عَمَّا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِنْ مِلْكِ الْمَالِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ أَنَّهُ دَبَّرَهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا نَقَصَهُ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا حَقَّ الْعِتْقِ لِلْعَبْدِ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا نَقَصَهُ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا حَقَّ الْعِتْقِ لِلْعَبْدِ وَبِذَلِكَ يُنْقَضُ مِلْكُ الْمَالِيَّةِ لِلْمَوْلَى فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ النُّقْصَانَ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ مِقْدَارَ نُقْصَانِ التَّدْبِيرِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنْ ثُلُثِهِ عِتْقٌ وَضَمِنَ الشَّاهِدَانِ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ تَلَفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى حَصَلَ بِشَهَادَتِهِمَا فَالتَّدْبِيرُ مُوجِبٌ حَقَّ الْعِتْقِ فِي الْحَالِ وَحَقِيقَةُ الْعِتْقِ فِي الثُّلُثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ كَانَ ضَمِنَا مَا أَتْلَفَاهُ مُعَجَّلًا وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مُؤَجَّلًا فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَيَضْمَنُ الشَّاهِدَانِ ثُلُثَ الْقِيمَةِ إذَا عَجَّلَ الْعَبْدُ الثُّلُثَيْنِ فَإِنَّ بَدَلَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ قَدْ سُلِّمَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ فَإِتْلَافُ الشَّاهِدَيْنِ لِذَلِكَ حَصَلَ بِعِوَضٍ فَلَا يَضْمَنَانِهِ عِنْدَ الرُّجُوعِ فَأَمَّا مِقْدَارُ الثُّلُثِ أَتْلَفَاهُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَضْمَنَانِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَلَا يَرْجِعَانِ بِذَلِكَ الثُّلُثِ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُمَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ الْعَبْدُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ وَعَجَزَ عَنْهَا فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا حَالَا بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ مَالِيَّتِهِ بِشَهَادَتِهِمَا وَالْعِوَضُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَكَأَنَّهُمَا أَتْلَفَا ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ كَالثُّلُثِ وَيَرْجِعُ الشَّاهِدَانِ بِذَلِكَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْوَرَثَةِ حِينَ ضَمِنَا ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ لِلْوَرَثَةِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْعَبْدِ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ لِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ بِخِلَافِ ثُلُثِ الْقِيمَةِ وَحَالُهُمَا فِي الثُّلُثَيْنِ كَحَالِ شُهُودِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ أَوْ أَلْفًا فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُمَا حَالَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنَ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبَيْنِ ضَامِنَيْنِ لِلْقِيمَةِ ثُمَّ يَتْبَعَانِ الْمُكَاتَبَ بِالْمُكَاتَبَةِ عَلَى نَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ حِينَ ضَمِنَا قِيمَتَهُ وَلَا يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ رُجُوعِ الشَّاهِدَيْنِ مَا كَانَ يُعْتَقُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْأَلْفِ إلَى الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ حَالُهُ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ بَعْدَ مَا ضَمِنَا الْقِيمَةَ فَإِذَا أَدَّاهُ عَتَقَ وَالْوَلَاءُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ قَامَا مَقَامَ الْمَوْلَى فِي قَبْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْهُ فَأَدَاؤُهُ إلَيْهِمَا كَأَدَائِهِ إلَى الْمَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ رُجُوعَهُمَا فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقَدْ اسْتَحَقَّ الْمُكَاتَبُ أَنْ يُعْتَقَ عَلَى الْمَوْلَى وَيَكُونَ وَلَاؤُهُ لَهُ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ الْحَقُّ بِرُجُوعِ الشَّاهِدَيْنِ وَإِنْ عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ كَانَ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لَمْ تَصِرْ مَمْلُوكَةً لِلشَّاهِدَيْنِ فَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَرُجُوعُهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّهِ وَيَرُدُّ الْمَوْلَى مَا أَخَذَ مِنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ قَدْ زَالَتْ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ فَهُوَ نَظِيرُ غَاصِبِ الْمُدَبَّرِ إذَا ضَمِنَ الْقِيمَةَ بَعْدَ مَا أَبَقَ ثُمَّ رَجَعَ فَيَكُونُ مَرْدُودًا عَلَى مَوْلَاهُ وَيَرُدُّ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ مَا أَخَذَ مِنْهُ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَهَا فَقَضَى بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا ضَمِنَ شَاهِدُ الْيَمِينِ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ تَلَفَ الْمَالِ حَصَلَ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا وَلَكِنَّا نَقُولُ شُهُودُ الْيَمِينِ أَثْبَتُوا بِشَهَادَتِهِمْ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لِلْعِتْقِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ وَشُهُودُ الدُّخُولِ إنَّمَا أَثْبَتُوا شَرْطَ الْعِتْقِ وَالشَّرْطُ لَا يُعَارِضُ الْعِلَّةَ فِي إحَالَةِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى عِلَّتِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِهَا شَرْعًا وَإِلَى الشَّرْطِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ عِنْدَ الشَّرْطِ لَا بِهِ وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ بَلْ مَتَى كَانَتْ الْعِلَّةُ صَالِحَةً لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا لَا يُضَافُ شَيْءٌ إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ نَظِيرُ حَافِرِ الْبِئْرِ مَعَ الْمُلْقِي فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُلْقِي دُونَ الْحَافِرِ وَعَلَى الْقَائِدِ دُونَ الْمُمْسِكِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي مَسْأَلَةِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَلَمْ يُذْكَرْ هُنَا أَنَّ الْيَمِينَ لَوْ كَانَتْ ثَابِتَةً بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى وَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِالشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعَا ظَنَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَقَالُوا إنَّ الْعِلَّةَ لَا تَصْلُحُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا هُنَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ تَتَعَدَّى فَيَكُونُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ يُجْعَلُ خَلَفًا عَنْ الْعِلَّةِ هُنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَيْهِ وُجُودًا عِنْدَهُ وَشَبَهُ هَذَا حَفْرُ الْبِئْرِ وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ.
وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ حُرٌّ مُبَاشَرَةُ الْإِتْلَافِ لِلْمَالِيَّةِ، وَعِنْدَ وُجُودِ مُبَاشَرَةِ الْإِتْلَافِ الْحُكْمُ يُضَافُ إلَيْهِ دُونَ الشَّرْطِ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَفْرِ فَالْعِلَّةُ هُنَاكَ ثِقَلُ الْمَاشِي وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْإِتْلَافِ فِي شَيْءٍ فَلِهَذَا يُجْعَلُ الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ إزَالَةُ الْمَسْكَةِ بِحَفْرِ الْبِئْرِ الَّذِي فِي الطَّرِيقِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ مُدَبَّرٍ مِنْهُ وَآخَرَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَلْبَتَّةَ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعُوا فَضَمَانُ الْقِيمَةِ عَلَى شَاهِدَيْ الْعِتْقِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شَاهِدَيْ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ كَانَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْعِتْقِ فَمَنَعَ جَرَّ الْعِتْقِ الْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَا التَّدْبِيرِ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَا الْعِتْقِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى شَاهِدَيْ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ مَا نَقَصَهُ التَّدْبِيرُ ذَلِكَ الْجَرُّ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمَا حِينَ قَضَى بِهَا الْقَاضِي وَيَضْمَنُ شَاهِدَا الْعِتْقِ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا مَالِيَّةَ الْمَوْلَى بِشَهَادَتِهِمَا، وَعِنْدَ شَهَادَتِهِمَا كَانَ هُوَ مُدَبَّرًا فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلَوْ كَانَ شَاهِدَا الْعِتْقِ عَلَى الثِّيَابِ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنَ شَاهِدُ الْعِتْقِ قِيمَتَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شَاهِدَيْ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ شَاهِدَيْ التَّدْبِيرِ مَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ شَيْئًا وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ بِالتَّدْبِيرِ حِينَ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا حَصَلَ تَلَفُ الْمَالِيَّةِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْعِتْقِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الرُّجُوعِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَوَقَّتَا لِذَلِكَ وَقْتًا قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُ التَّدْبِيرَ وَيُنْفِذُ الْبَيْعَ فَإِنْ رَجَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ شُهُودُ التَّدْبِيرِ شَيْئًا وَضَمِنَ شُهُودُ الْبَيْعِ فَضْلَ الْقِيمَةِ عَلَى الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ فِي الْفَضْلِ حَصَلَ بِشَهَادَتِهِمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْمُنْكِرُ ضَمِنَا لِلْمُشْتَرِي فَضْلَ الثَّمَنِ عَلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ الْفَضْلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَوْ كَانَ سَوَاءً وَشَهِدَا أَنَّهُ نَقَدَ الثَّمَنَ وَالْبَائِعُ مُنْكِرٌ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الْبَيْعِ وَلَمْ يَرْجِعَا عَنْ نَقْدِ الثَّمَنِ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْبَيْعِ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ الْعَبْدِ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ وَهُمَا ثَابِتَانِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا بِنَقْدِ الثَّمَنِ فَهُوَ وَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ غَيْرُهُمَا سَوَاءٌ وَلَوْ رَجَعَ عَنْ نَقْدِ الثَّمَنِ ضَمِنَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمَا أَتْلَفَا مِلْكَ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْمُشْتَرِي يَجْحَدُ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا أَدْخَلَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي مَا يَعْدِلُ مَا أَلْزَمَاهُ مِنْ الثَّمَنِ.
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ فَأَجَازَ الْقَاضِي ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا فَاخْتَارَ الْمَوْلَى ضَمَانَ الشَّاهِدَيْنِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا حَالَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ بِشَهَادَتِهِمَا وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ الْمُفْلِسِ كَالتَّاوِي فَإِنْ قَبَضَ الْمَوْلَى مِنْهُمَا الْقِيمَةَ لَمْ يُعْتَقْ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْمَوْلَى فِي اسْتِيفَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ حِينَ ضَمَّنَهُمَا الْقِيمَةَ وَيَتَصَدَّقَانِ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِبْحٌ حَصَلَ لَهُمَا بِكَسْبٍ خَبِيثٍ وَهُوَ شَهَادَةُ الزُّورِ وَإِنْ لَمْ يُجْبَرْ الْمَوْلَى يَضْمَنُهُمَا وَلَكِنْ جَعَلَ يَتَقَاضَى الْمُكَاتَبُ حَتَّى قَبَضَ مِنْهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا غَيْرَ أَنَّهُ عَلِمَ بِرُجُوعِ الشَّاهِدَيْنِ فَهَذَا اخْتِيَارٌ لِلْمُكَاتَبَةِ وَلَا يَضْمَنُ الشَّاهِدَانِ شَيْئًا أَبَدًا مَا خَلَا خُصْلَةً وَاحِدَةً وَهِيَ أَنْ تَكُونَ الْمُكَاتَبَةُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَإِنَّ هُنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُكَاتَبَ بِالْمُكَاتَبَةِ وَيَرْجِعَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِفَضْلِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا عَلِمَ بِرُجُوعِ الشَّاهِدَيْنِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ تَضْمِينِ الشَّاهِدَيْنِ الْقِيمَةَ وَمُطَالَبَةِ الْمُكَاتَبِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَاخْتِيَارُهُ اتِّبَاعَ الْمُكَاتَبِ بِالتَّقَاضِي مِنْهُ يَتَضَمَّنُ بَرَاءَةَ الشَّاهِدَيْنِ كَمَا فِي الْغَصْبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ وَلَكِنَّ هَذَا فِي مِقْدَارِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَأَمَّا مَا زَادَ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ فَحَقُّهُ فِيهِ قَبْلَ الشَّاهِدَيْنِ خَاصَّةً فَلَا يَكُونُ اخْتِيَارُهُ اتِّبَاعَ الْمُكَاتَبِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ أَبْرَأَ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ ذَلِكَ الْفَضْلِ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِهِ.
وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي ذَلِكَ وَالْبَائِعُ يَجْحَدُ فَأَجَازَ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنَ وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَيْنِ الْقِيمَةَ لِإِتْيَانِهِمَا الْحَيْلُولَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ وَالْبَدَلُ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ فَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ الْقِيمَةَ؛ قَامَا مَقَامَهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَتَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُمَا بِكَسْبٍ خَبِيثٍ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ كَالْمِلْكِ لِلثَّمَنِ مِنْهُمَا فَإِنْ اسْتَوْفَى مِنْهُمَا مِنْ الْقِيمَةَ وَتَمْلِيكِ الْأَلْفِ بِالْخَمْسِمِائَةِ رِبًا فَلِشَبَهِهِ بِالرِّبَا يَلْزَمُهُمَا التَّصَدُّقُ بِالْفَضْلِ وَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى اتِّبَاعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِشَيْءٍ أَبَدًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا بِالْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَاضَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ رُجُوعِهِمَا فَذَلِكَ مِنْهُ رِضًا بِالثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ مُبْرِئًا لَهُمَا بِاخْتِيَارِ اتِّبَاعِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَتْبَعُ الشَّاهِدَيْنِ بِشَيْءٍ بَعْدَهُ أَبَدًا نَوَى مَالَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ خَرَجَ وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَنَّ فِي قَيْدِهِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَحَلَفَ الرَّجُلُ بِعِتْقِهِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي أَنْ لَا يَحِلَّ الْقَيْدُ أَبَدًا فَشَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْمَوْلَى أَنَّ فِي قَيْدهِ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ أَطْلَقَهُ مِنْ الْقَيْدِ ثُمَّ نَظَرَ إلَى الْقَيْدِ فَإِذَا فِيهِ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: عَلَى الشَّاهِدَيْنِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا ضَمَانَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي نُفُوذِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الزُّورِ بَاطِنًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا نَفَذَ قَضَاؤُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَإِنَّمَا عَتَقَ بِشَهَادَتِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الْقَيْدَ، وَعِنْدَهُمَا لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا فَإِنَّمَا عَتَقَ بِحَلِّ الْقَيْدِ لَا بِشَهَادَتِهِمَا وَالشُّهُودُ فِي الصُّورَةِ يَشْهَدُونَ بِالشَّرْطِ وَلَكِنْ فِي الْمَعْنَى يَشْهَدُونَ بِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ مَوْجُودٍ تَنْجِيزٌ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي بَاطِنًا وَظَاهِرًا هُنَا وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهِمْ بِمَعْرِفَةِ وَزْنِ الْقَيْدِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ ظَهَرَ نَصٌّ بِخِلَافِ قَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَ قَضَى بِالْعِتْقِ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِمَعْرِفَةِ وَزْنِ الْقَيْدِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَيْهِ مَا لَمْ يَحِلَّ الْقَيْدُ وَحَلُّ الْقَيْدِ مُعْتِقٌ لِلْعَبْدِ وَقَضَاؤُهُ إنَّمَا يَنْفُذُ بَاطِنًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ تَعَرُّفُ مَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ هُنَا وَلَوْ لَمْ يُحِلَّهُ وَعَلِمَ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِبَاطِلٍ؛ رُدَّ فِي الرِّقِّ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَهُ يَنْفُذُ بَاطِنًا وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ وَأَقَرَّ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ فَهُوَ وَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَذَلِكَ كَمَعْرِفَةِ الْقَاضِي كَذِبَهُمَا أَوْ أَقْوَى مِنْهُ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا.
وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَامَ أَوَّلٍ فِي رَمَضَانَ فَأَجَازَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ رَجَعَا وَضَمَّنَهُمَا الْقِيمَةَ أَوْ لَمْ يُضَمِّنْهُمَا حَتَّى شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَامَ أَوَّلٍ فِي شَوَّالٍ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِعِتْقِهِ بِشَهَادَةِ الْأَوَّلَيْنِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي جَزَاءِ جِنَايَتِهِ وَحُدُودِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حُكْمُ الْأَحْرَارِ فَالْفَرِيقُ الثَّانِي إنَّمَا شَهِدُوا بِإِعْتَاقِ مَنْ هُوَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ وَذَلِكَ لَغْوٌ وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ يَوْمَ أَعْتَقَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُمَا بِالرُّجُوعِ أَقَرَّ أَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مَالِيَّتَهُ حِينَ أَعْتَقَهُ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا بِالزُّورِ وَإِقْرَارُهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا فَيَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَى أَنَّ مَوْلَاهُ أَقَرَّ بِهِ حِينَ وُلِدَ أَنَّهُ لِهَذَا الرَّجُلِ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَشَهِدَ يَوْمَ شَهِدُوا وَالْعَبْدُ رَجُلٌ شَابٌّ ثُمَّ قَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ يَوْمَ قَضَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مَالِيَّتَهُ فِيهِ يَوْمئِذٍ وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَامَ أَوَّلٍ فِي رَمَضَانَ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوَّلُ مِنْ عَامِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ شَهَادَةَ الْآخَرَيْنِ مَقْبُولَةٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى وَلَا مُدَّعِي لِمَا شَهِدَ بِهِ الْفَرِيقُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِشَهَادَتِهِمَا وَالْفَرِيقُ الْأَوَّلُ لَا تَصِحُّ مِنْهُمْ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ مُتَنَاقِضٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي فِي عِتْقِهِ فِي وَقْتٍ سَابِقٍ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ وَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَنَّهُ أَعْتَقَ حُرًّا فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُمَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ شَهَادَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي بَعْدَ وَقْتِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ حَتَّى قَالُوا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَدَّعِي حُرِّيَّتَهُ فِي وَقْتٍ سَابِقٍ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِأَنْ كَانَ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّ شَهَادَةَ الْفَرِيقِ الثَّانِي مَقْبُولَةٌ وَيَسْقُطُ بِهِ الضَّمَانُ عَنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ لِوُجُودِ الْمُدَّعِي لِمَا شَهِدَ بِهِ الْفَرِيقُ الثَّانِي وَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَامَ أَوَّلٍ فِي رَمَضَانَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي وَأَلْزَمَهُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعَا فَضَمَّنَهُمَا الْقَاضِي بِنِصْفِ الْمَهْرِ ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا عَامَ أَوَّلٍ فِي شَوَّالٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْأَوَّلَانِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُطَلَّقَةً بِقَضَاءِ الْقَاضِي فِي وَقْتٍ سَابِقٍ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْفَرِيقُ الثَّانِي فَإِنَّمَا شَهِدَ بِهِ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِطَلَاقِ مَنْ هِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ فَكَانَ ذَلِكَ لَغْوًا وَلَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي؛ لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ ضَمَانٌ وَرَدَّ عَلَيْهِمَا مَا كَانَ ضَمِنَا لَهُ وَكَذَلِكَ إقْرَارُ الْمَوْلَى فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى بِإِقْرَارِهِ يَزْعُمُ أَنَّ تَلَفَ الْمَالِيَّةِ عَلَيْهِ وَتَقَرُّرَ نِصْفِ الصَّدَاقِ كَانَ بِمُبَاشَرَتِهِ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لَا بِشَهَادَتِهِمَا وَمُبَاشَرَةُ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ ضَرُورَةٌ وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الشُّهُودَ مَا أَتْلَفُوا عَلَيْهِ شَيْئًا حِينَ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِشَهَادَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي بَعْدَ مَا قَضَى بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي وَقْتٍ مُتَقَدِّمٍ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَلَوْ شَهِدَ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِالطَّلَاقِ فِي وَقْتٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الطَّلَاقِ تُقْبَلُ حِسْبَةً مِنْ غَيْرِ دَعْوَى وَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ أَنَّ الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ مَا أَكَّدَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ بِشَهَادَتِهِمَا فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُمَا وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ أَنَّهُ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمَوْلَى ثُمَّ دَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ فَقَضَى الْقَاضِي بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا سَبَبَ إتْلَافِ الْمَالِيَّةِ بِشَهَادَتِهِمَا وَهُوَ الْيَمِينُ فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إنَّمَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ بِالْيَمِينِ لَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَوْ ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ مَوْلَاهُ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَهِيَ قِيمَتُهُ وَقَالَ الْمَوْلَى كَاتَبْتُهُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَأَدَّاهَا ثُمَّ رَجَعَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُضَمِّنُهُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ لِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكَاتَبِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْآخَرِ فَمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ إنَّمَا لَزِمَهُ بِشَهَادَتِهِمَا فَيَضْمَنَانِ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَدَّعِ الْمُكَاتَبَةَ وَقَالَ مَوْلَاهُ كَاتَبْتُهُ عَلَى أَلْفَيْنِ فَجَحَدَ الْمُكَاتَبُ ذَلِكَ وَأَقَامَ الْمَوْلَى بَيِّنَةً فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ مُلْزِمَةً وَهَذِهِ بَيِّنَةٌ لَا يَلْزَمُ الْعَبْدُ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ لِيَفْسَخَ الْكِتَابَةَ فَلَا مَعْنَى لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمَوْلَى عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ يُقَالُ لِلْمُكَاتَبِ إنْ شِئْتَ فَامْضِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْهَا وَكُنْ رَقِيقًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ يَدَّعِي الْعَبْدُ الْكِتَابَةَ فَنَّدَ دَعْوَاهُ الْكِتَابَةَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مِقْدَارُ الْأَلْفَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا فَلِهَذَا وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا فَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ يَدَّعِي أَنَّهُ حُرٌّ فَجَاءَ الْمَوْلَى بِشَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ فَقَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَدَّى الْمَالَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْأَلْفَيْنِ لِلْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ الْأَلْفَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا فَإِنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ حُرٌّ وَقَدْ أَقَرَّ بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ الْأَلْفَيْنِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِشَهَادَتِهِمَا فَيَضْمَنَانِ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدٌ لِهَذَا الرَّجُلِ فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَضْمَنَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا مَا أَلْزَمَاهُ مَالًا بِالشَّهَادَةِ إنَّمَا أَبْطَلَا حُرِّيَّتَهُ وَأَلْزَمَاهُ الرِّقَّ بِشَهَادَتِهِمَا وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُضْمَنُ بِالْمَالِ بِالشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ ثُمَّ الْعَبْدُ الْتَزَمَ الْمَالَ بِاخْتِيَارِهِ حِينَ قَبِلَ الْعِتْقَ بِجُعْلٍ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الشُّهُودِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَقَدْ أَلْزَمَهُ الْمَالَ هُنَاكَ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُمَا لَوْ ضَمِنَا إنَّمَا يَضْمَنَانِ بِاعْتِبَارِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِرِقِّهِ فَذَلِكَ الضَّمَانُ يَكُونُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ عَبْدُهُ فَمَالُهُ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ وَالْمَوْلَى يُكَذِّبُهُمَا فِي الرُّجُوعِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُكَاتَبِ فَهُنَاكَ إنَّمَا يَضْمَنَانِ الْمَالَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لَا لِمَوْلَاهُ وَهُوَ مُصَدِّقٌ لَهُمَا فِي الرُّجُوعِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا فَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَلْفَ وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْعَبْدِ بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَأَيُّهُمَا اخْتَارَ ضَمَانَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ أَبَدًا بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا اخْتَارَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.