فصل: بَابُ الدَّعْوَى فِي الْمِيرَاثِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الدَّعْوَى فِي الْمِيرَاثِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرُهُ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَارِثِينَ خَصْمٌ عَنْ مُوَرِّثِهِ فَكَأَنَّ الْمُوَرِّثَيْنِ حَيَّانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ لَهُمَا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَفِي هَذَا يُقْضَى بِالْمِلْكِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَعِنْدَ الْأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْضَى لِأَكْثَرِهِمَا عَدَدًا فِي الشُّهُودِ وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيُقْضَى لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ فَمَالِكٌ يَقُولُ الشَّهَادَةُ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالْعَدَالَةِ فَالْأَعْدَلُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً أَقْوَى وَالضَّعِيفُ لَا يُزَاحِمُ الْقَوِيَّ وَالْأَوْزَاعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ إلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ إلَى قَوْلِ الْمَثْنَى فَيَتَرَجَّحُ أَكْثَرُهُمَا شُهُودًا بِزِيَادَةِ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ فِي قَوْلِهِمْ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ بِالتَّهَاتُرِ يَقُولُ قَدْ تَيَقَّنَ الْقَاضِي بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَلَا يَعْرِفُ الصَّادِقَ مِنْ الْكَاذِبِ فَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِمَا.
كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرُ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِالْكُوفَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهَذَا لِأَنَّ تُهْمَةَ الْكَذِبِ تَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ فَالتَّيَقُّنُ بِالْكَذِبِ أَوْلَى وَاسْتَدَلَّ بِمِلْكِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي امْرَأَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُ بِالْقُرْعَةِ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي أَمَةٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أَمَتُهُ فَأَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ تَقْضِي بَيْنَ عِبَادِكَ بِالْحَقِّ ثُمَّ قَضَى بِهَا لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ» وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي بَغْلَةٍ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ خَمْسَةً مِنْ الشُّهُودِ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَصْحَابِهِ مَاذَا تَرَوْنَ فَقَالُوا يُعْطَى لِأَكْثَرِهِمَا شُهُودًا فَقَالَ فَلَعَلَّ الشَّاهِدَيْنِ خَيْرٌ مِنْ خَمْسَةٍ ثُمَّ قَالَ فِي هَذَا قَضَاءٌ وَصُلْحٌ أَمَّا الصُّلْحُ أَنْ يُجْعَلَ الْبَغْلَةَ بَيْنَهُمَا سِهَامًا عَلَى عَدَدِ شُهُودِهِمَا وَأَمَّا الْقَضَاءُ أَنْ يَحْلِفَ أَحَدُهُمَا وَيَأْخُذَ الْبَغْلَةَ فَإِنْ تَشَاحَّا عَلَى الْحَلِفِ أَقْرَعْتُ بَيْنَهُمَا وَقَضَيْتُ بِهَا لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَلِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْعَةِ لِتَعْيِينِ الْمُسْتَحِقِّ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي قِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَلَنَا حَدِيثُ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي عَيْنٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَقَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي شَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ مَا أَحْوَجَكُمَا إلَى سِلْسِلَةٍ كَسِلْسِلَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا جَلَسَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ نَزَلَتْ سِلْسِلَةٌ مِنْ السَّمَاءِ فَأَخَذَتْ بِعُنُقِ الظَّالِمِ ثُمَّ قَضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» وَمَا رُوِيَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ فَقَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْقِمَارُ مُبَاحًا ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ بِحُرْمَةِ الْقِمَارِ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمُسْتَحِقِّ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ ابْتِدَاءً فَكَمَا أَنَّ تَعْلِيقَ الِاسْتِحْقَاقِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ يَكُونُ قِمَارًا فَكَذَلِكَ تَعْيِينُ الْمُسْتَحِقِّ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَلِلْقَاضِي هُنَا وِلَايَةُ التَّعْيِينِ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ وَإِنَّمَا يُقْرِعُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمَا وَنَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ.
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعَارِضُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي وَلَدٍ أَنَّهُمَا قَضَيَا بِأَنَّهُ ابْنَيْهِمَا وَلَمْ يَسْتَعْمِلَا الْقُرْعَةَ فِيهِ وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ الْقُرْعَةَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَالْيَمِينُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَّ أَنَّهُ عَرَفَ انْتِسَاخَ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِحُرْمَةِ الْقِمَارِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُدَّعِي قَابِلٌ لِلِاشْتِرَاكِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ بِقَدْرِ حَقِّ أَحَدِهِمَا وَالْمُوصَى لَهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ يَقْتَسِمَانِ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ وَهُوَ مِلْكُ الْعَيْنِ بِخِلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ حُجَجٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَكَيْفَ يُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ الْقَاضِي تَيَقَّنَ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ ضَعِيفٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اعْتَمَدَ سَبَبًا أَطْلَقَ بِهِ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مُعَايَنَةُ الْيَدِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ وَبِهِ فَارَقَ مَسْأَلَةَ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ فَقَدْ عَلِمْنَا هُنَاكَ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ بِمَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَقَدْ تَتَوَالَى يَدَانِ لِشَخْصَيْنِ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتَيْنِ فَلِهَذَا أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ هُنَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَّتَ شُهُودُ أَحَدِهِمَا سَنَةً وَلَمْ يُوَقِّتْ شُهُودُ الْآخَرِ فَقَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ تَنْصِيصَ أَحَدِهِمَا عَلَى التَّوْقِيتِ لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مِلْكِهِ عَلَى الْآخَرِ فَلَعَلَّ مِلْكَ الْآخَرِ أَسْبَقُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تُوَقِّتْ شُهُودُهُ وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي النَّوَادِرِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْ خَارِجَيْنِ إذَا وَقَّتَ شُهُودُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُوَقِّتْ شُهُودُ الْآخَرِ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْضَى بِهِ لِلَّذِي وَقَّتَ شُهُودُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُقْضَى بِهِ لِلَّذِي لَمْ يُوَقِّتْ شُهُودُهُ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّارِيخَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ وَتَنْصِيصُ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ لَا يُبْقِي مُسَاوَاةَ الْآخَرِ أَوْ سَفَهًا عَلَيْهِ فَكَانَ ذِكْرُهُ وُجُودًا وَعَدَمًا بِمَنْزِلَةٍ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ قِيَامُ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ لِلْحَالِ وَاَلَّذِي وَقَّتَ شُهُودُهُ ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ مِنْ حِينِ أَرَّخَ شُهُودُهُ وَلَا مُنَازَعَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْمِلْكَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تُثْبِتُ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا تَسْتَحِقُّ بِهِ الزَّوَائِدَ وَيَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْبَعْضِ بِالثَّمَنِ فَكَانَ التَّارِيخُ الَّذِي لَمْ يُوَقِّتْ شُهُودُهُ أَسْبَقَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنْ يَبْطُلُ هَذَا بِفَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا إذَا أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ وَالْآخَرُ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَصَاحِبُ النِّتَاجِ أَوْلَى فَلَوْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تُثْبِتُ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ الْأَصْلِ لَاسْتَوَيَا.
وَالثَّانِي إذَا ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى مَوْلَاهُ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ أَعْتَقَهُ وَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْعِتْقِ أَوْلَى وَلَوْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ يَثْبُتُ لِمُدَّعِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ مِنْ الْأَصْلِ لَصَارَ هُوَ أَوْلَى مِنْ مُدَّعِي الْعِتْقِ وَإِنْ وَقَّتَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا سَنَةً وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ سَنَتَيْنِ قُضِيَ بِالْعَبْدِ لِصَاحِبِ السَّنَتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالْوَقْتُ وَغَيْرُ الْوَقْتِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ هَكَذَا ذُكِرَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى وَقْتِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِ السَّنَتَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَاشْتَبَهَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِاخْتِلَافِ النُّسَخِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ أَنَّ صَاحِبَ التَّارِيخِ السَّابِقِ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي وَقْتٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ فَيَثْبُتُ مِلْكُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْمِلْكَ إلَّا لِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ وَالْآخَرُ لَا يَدَّعِي الْمِلْكَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِالشِّرَاءِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ مِنْ وَاحِدٍ وَأَرَّخَا وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ تَارِيخًا كَانَ صَاحِبُ أَسْبَقِ التَّارِيخَيْنِ أَوْلَى فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّارِيخَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ فَوُجُودُ ذِكْرِهِ كَعَدَمِهِ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ مُوَرِّثِهِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ وَلَا تَارِيخَ فِي مِلْكِ الْمُوَرِّثَيْنِ فَيُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ حَتَّى لَوْ أَرَّخَا مِلْكَ الْمُوَرِّثَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ كَانَ هُوَ أَوْلَى هَكَذَا ذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشِّرَاءِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخُوا مِلْكَ الْبَائِعَيْنِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لَا يَنْبَنِي عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَكِنْ يَحْدُثُ لِلْمُشْتَرِي مِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَهُوَ الشِّرَاءُ فَأَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا أَثْبَتَ مِلْكًا مُتَجَدِّدًا لِنَفْسِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ غَيْرُهُ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى فَأَمَّا مِلْكُ الْوَارِثِينَ فَيَنْبَنِي عَلَى مِلْكِ الْمُوَرِّثِينَ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَلَا تَارِيخَ فِي مِلْكِ الْمُوَرِّثِينَ فَاسْتَوَيَا لِهَذَا.
قَالَ وَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا مُنْذُ سَنَةٍ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ أَوْ لَمْ يُوَقِّتُوا وَقْتًا أَوْ وَقَّتُوا أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِلْخَارِجِ أَمَّا إذَا وَقَّتَ شُهُودُ ذِي الْيَدِ أَقَلَّ مِمَّا وَقَّتَ شُهُودُ الْخَارِجِ أَوْ لَمْ يُوَقِّتُوا فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ أَثْبَتَ مِلْكَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ ذُو الْيَدِ وَإِنْ وَقَّتَ شُهُودُ ذِي الْيَدِ مِثْلَ مَا وَقَّتَ شُهُودُ الْخَارِجِ فَقَدْ اسْتَوَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي دَعْوَى الْمِلْكِ وَذِكْرُ التَّارِيخِ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا هُنَا فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَاهُ وَإِنْ وَقَّتَ شُهُودُ ذِي الْيَدِ سَنَتَيْنِ فَهُوَ لِذِي الْيَدِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ هُوَ لِلْمُدَّعِي وَهَذَا الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ لَا غَيْرُهُ لِلتَّارِيخِ وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَاهُ فَكَذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لِلتَّارِيخِ فَيُقْضَى بِهِ لِلْخَارِجِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ صَاحِبُ أَسْبَقِ التَّارِيخَيْنِ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ غَيْرُهُ فَهُوَ أَوْلَى خَارِجًا كَانَ أَوْ صَاحِبَ يَدٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ يَدَ ذِي الْيَدِ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَكِنْ لَا تَدُلُّ عَلَى سَبْقِ التَّارِيخِ فَوَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ عَلَى التَّارِيخِ كَمَا يَجِبُ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ عَلَى النِّتَاجِ وَإِذَا وَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ وَتَارِيخُهُ أَسْبَقُ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ الرِّقَّةِ قَالَ لَا أَقْبَلُ مِنْ ذِي الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى تَارِيخٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا النِّتَاجَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ التَّارِيخَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِأَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ النِّتَاجِ.
قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ أَرْضٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَهِيَ فِي يَدَيْهِ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لَا يَعْلَ مُوِّنَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ شُهُودِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ فِي يَدَيْهِ مِثْلُ شَهَادَتِهِمْ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ فَإِنَّهُمْ شَهِدُوا بِيَدٍ مَجْهُولَةٍ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْأَيْدِي الْمَجْهُولَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ الْمُودَعُ مُجْهِلًا لِلْوَدِيعَةِ صَارَ مُتَمَلِّكًا ضَامِنًا وَالْمِلْكُ إذَا ثَبَتَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ يَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ فَكَانَ هُوَ وَشَهَادَتُهُمْ بِأَنَّهُ تَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ سَوَاءً.
وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ مُوَرِّثِهِ فَكَأَنَّ مُوَرِّثَهُ كَانَ حَيًّا مُدَّعِيًا لِلْمِلْكِ وَالْآخَرُ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ فَاسْتَوَيَا فَكَانَ الْمُدَّعَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِ الْمُدَّعِي بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ قُضِيَ بِهَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَصْمٌ عَنْ مُوَرِّثِهِ فِي إثْبَاتِ الشِّرَاءِ عَلَيْهِ وَمَا يَثْبُتُ شِرَاؤُهُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ لَا يَصِيرُ مِيرَاثًا لِوَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إنَّمَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِي مِلْكٍ قَائِمٍ عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الشِّرَاءِ طَاعِنَةً فِي بَيِّنَةِ مُدَّعِي الْمِيرَاثِ فَجُعِلَ هُوَ أَوْلَى فَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى صَدَقَةً أَوْ هِبَةً مَقْبُوضَةً مِنْ الْمَيِّتِ فِي صِحَّتِهِ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَثْبَتَ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِ مُوَرِّثِهِ فِي حَيَاتِهِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَ هَذَا تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَيْهَا وَأَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ عَنْ أُمِّهِ وَقَدْ أَثْبَتَ سَبَبَ تَمَلُّكِهَا عَلَى أَبٍ آخَرَ فِي حَيَاتِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا لَهُ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ ثَبَتَ خُرُوجُهُ مِنْ مِلْكِ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ.
قَالَ وَإِنْ ادَّعَاهَا أَنَّهَا لَهُ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهَا لِأَبِيهِ وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَمْ يَقْضِ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى خَالَفَتْ الشَّهَادَةَ فَإِنَّهُ ادَّعَى الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ وَالشُّهُودُ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ لِابْنِهِ وَهَذَا اللَّفْظُ يُوجِبُ أَنَّ الْأَبَ حَيٌّ فَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي مِلْكِ الْأَبِ فِي حَيَاتِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا فَقَدْ شَهِدُوا بِمِلْكٍ عَرَفَ الْقَاضِي زَوَالَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِهَذَا وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ حِينَ مَاتَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ شَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةٌ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا مِلْكَ الْأَبِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَمَا عُرِفَ ثُبُوتُهُ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ سَبَبُ زَوَالِهِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِزَوَالِ مِلْكِهِ سَبَبًا سِوَى الْمَوْتِ وَهُوَ نَاقِلٌ إلَى الْوَارِثِ فَكَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيَجِبُ قَبُولُهَا كَمَا لَوْ صَرَّحُوا بِهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِمُقْتَضَى الْكَلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى تَصْحِيحِ الْكَلَامِ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِمِلْكٍ عَرَفَ الْقَاضِي زَوَالَهُ وَلَمْ يُبَيِّنُوا سَبَبَ الزَّوَالِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَمَا لَوْ ادَّعَى مِلْكًا بِالشِّرَاءِ فَشَهِدُوا أَنَّهَا كَانَتْ لِبَائِعِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَتَمَكَّنُ فِي الْحَالِ مِنْ أَنْ يَقْضِيَ بِالْمِلْكِ لِابْنِهِ لِعِلْمِهِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ خِلَافَتَهُ لِأَبِيهِ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ إبْقَاءٌ لَهُ مَا كَانَ ثَابِتًا لِأَبِيهِ لَا أَنْ يُوجِبَ إثْبَاتَ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً؛ وَلِأَنَّ قِيَامَ مِلْكِ الْأَبِ وَقْتَ الْمَوْتِ شَرْطُ الِانْتِقَالِ إلَى الْوَارِثِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَثْبُتُ بِالظَّاهِرِ بَلْ بِالنَّصِّ فَإِذَا نَصَّ الشُّهُودُ عَلَى انْتِقَالِهِ بِالْمِيرَاثِ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَيْهِ لَمْ يَثْبُتْ مَا هُوَ الشَّرْطُ وَالْمِلْكُ الَّذِي كَانَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ مِلْكِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ نَصًّا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْفَرْقَ فِي الْيَدِ لِلْمُدَّعِي أَمْسِ فَكَذَلِكَ هُنَا ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ لَمْ يَنْفُذْ الْقَضَاءُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ عَدَدًا فَلَا يَرِثُ هُوَ الْكُلَّ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا وَلَمْ يَعْرِفُوا الْوَرَثَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ قَدْ ثَبَتَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ الْمِلْكُ لِفُلَانٍ وَقْتَ الْمَوْتِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الِانْتِقَالَ إلَى وَرَثَتِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي أَنَّكُمْ وَرَثَتُهُ فَهَاتُوا بَيِّنَةَ أَنَّكُمْ وَلَدُهُ وَأَنَّهُ لَا وَارِثَ لِلْمَيِّتِ غَيْرُكُمْ فَإِذَا أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذَا قُضِيَ بِهَا لَهُمْ وَلَوْ لَمْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ يَتَأَنَّى الْقَاضِي فِي ذَلِكَ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ وِرَاثَتَهُمْ قَدْ ثَبَتَتْ وَوُجُودُ مُزَاحِمٍ لَهُمْ فِي الْمِيرَاثِ مُحْتَمَلٌ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَأَنَّى لِكَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْخَطَإِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِ قَضَائِهِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ فِي الْكِتَابِ مُدَّةَ التَّأَنِّي وَذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمَيِّتِ فِي الشُّهْرَةِ وَالْخُمُولَةِ وَبِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ وَرَثَتِهِ فِي الْغَيْبَةِ وَالْحُضُورِ.
وَذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ أَنَّ التَّقْدِيرَ لِمُدَّةِ التَّأَنِّي الْحَوْلُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إبْلَاءُ الْعُذْرِ فِي حَقِّ وَارِثٍ غَائِبٍ يُمْسِي وَالْحَوْلُ مُدَّةٌ تَامَّةٌ لِإِيلَاءِ الْعُذْرِ قَالَ الْقَائِلُ إلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدْ اعْتَذَرَ وَهُوَ نَظِيرُ أَجَلِ الْعِنِّينِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ كَفِيلًا بِمَا دَفَعَ إلَيْهِمْ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ كَفِيلًا وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذَا شَيْءٌ احْتَاطَتْهُ الْقُضَاةُ وَهُوَ ظُلْمٌ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ لِلْمَيِّتِ غَرِيمًا أَوْ وَارِثًا غَائِبًا فَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْحَاضِرِ كَفِيلًا بِمَا يَدْفَعُ إلَيْهِ؛ يَفُوتُ حَقُّ الْغَائِبِ فَفِي أَخْذِ الْكَفِيلِ نَظَرٌ لِلْغَائِبِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِلْحَاضِرِ وَهُوَ نَظِيرُ الْآبِقِ وَاللُّقَطَةُ إذَا دَفَعَهَا الْقَاضِي إلَى رَجُلٍ أَثْبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ صَاحِبُهَا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِهَا لِهَذَا الْمَعْنَى وَلِأَنَّ عَلَيْهِ صِيَانَةَ قَضَاءِ نَفْسِهِ وَهَذِهِ الصِّيَانَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ حَتَّى إذَا حَضَرَ غَرِيمٌ أَوْ وَارِثٌ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إيصَالُهُ إلَى حَقِّهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ حَقُّ الْحَاضِرِ ثَابِتٌ مَعْلُومٌ وَحَقُّ الْغَائِبِ مَوْهُومٌ وَلَا يُقَابِلُ الْمَوْهُومُ الْمَعْلُومَ فَلَا يُؤَخِّرُ الْقَاضِي تَسْلِيمَ حَقِّهِ إلَيْهِ إلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ أَرَأَيْتَ لَوْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا أَكَانَ يَمْنَعُهُ حَقَّهُ هَذَا ظُلْمٌ مِنْهُ وَمَا ذَكَرَ فِي الْآبِقِ وَاللُّقَطَةِ قَوْلُهُمَا لَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْكَفِيلَ إنَّمَا يَأْخُذُ الْمَجْهُولَ وَالْكَفَالَةُ لِلْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ وَلَا يُقَالُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ.
وَلَا يُقَالُ يَأْخُذُهُ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَيِّتِ فِي تَسْلِيمِ مَالِهِ إلَى وَارِثِهِ وَقَدْ أَثْبَتَ الْحَاضِرُ وَرَثَتَهُ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا كَانَتْ لِجَدِّهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لَمْ يُقْضَ لَهُ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَارِثُ جَدِّهِ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ الْجَدَّ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِابْنِهِ لَمْ يُقْضَ لَهُ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَارِثُ جَدِّهِ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ أَوْ شَهِدُوا أَنَّ الْجَدَّ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِأَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقْضِي بِهَا لِلْجَدِّ وَأَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى يُصَحِّحُوا عَدَدَ وَرَثَةِ الْجَدِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا نَظِيرُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِمَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا لَمْ يُجِيزَا الْمِيرَاثَ إلَيْهِ لَا يَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُهُ وَكَوْنُهُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الْجَدِّ فَلَا يَقْضِي الْقَاضِي بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يُخَيَّرُوا الْمِيرَاثَ كَمَا بَيَّنَّا.
قَالَ دَارٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلِأَخِيهِ فُلَانٌ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا وَأَخُوهُ غَائِبٌ قَضَى الْقَاضِي بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْحُجَّةِ وَهُوَ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ فَأَمَّا نَصِيبُ الْغَائِبِ يُتْرَكُ فِي يَدَيْ ذِي الْيَدِ حَتَّى يَحْضُرَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ كَانَ ذُو الْيَدِ مُنْكِرًا أَخْرَجَ الْقَاضِي نَصِيبَ الْغَائِبِ مِنْ يَدِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا تَرَكَ نَصِيبَ الْغَائِبِ فِي يَدِهِ وَهَذَا اسْتِحْسَانًا وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ لِلْغَائِبِ فَإِذَا كَانَ ذُو الْيَدِ مُقِرًّا فَالنَّظَرُ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ لِظُهُورِ أَمَانَتِهِ عِنْدَهُ وَإِذَا كَانَ مُنْكِرًا فَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ تَرْكُهُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ مَرَّةً بِالْجُحُودِ فَلَا يَأْمَنُ بِأَنْ يَجْحَدَهُ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْغَائِبِ إذَا حَضَرَ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ لَا تُوجَدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَكَانَ النَّظَرُ فِي إخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ وَوَضْعِهِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَلِأَنَّ ذَا الْيَدِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا لَا يَمْتَنِعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ فَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَالِكٌ وَالْعَدْلُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا عِنْدَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَإِذَا كَانَ مُقِرًّا يَمْتَنِعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَجُوزُ تَرْكُهُ فِي يَدِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْحَاضِرُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ فِي اسْتِيفَاءِ مِلْكِهِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وُجُودُ حُضُورِهِ كَعَدَمِهِ وَقَدْ عَرَفَهَا الْقَاضِي فِي يَدِ ذِي الْيَدِ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا إلَّا بِخَصْمٍ يَحْضُرُ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ احْتَاجَ إلَى وَضْعِهَا فِي يَدِ آخَرَ مِثْلَ هَذَا أَوْ دُونَهُ وَلِأَنَّ هَذَا مُخْتَارُ الْمَيِّتِ فِي حِفْظِهَا وَاَلَّذِي يَضَعُهُ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِمُخْتَارِ الْمَيِّتِ وَلَا مُخْتَارِ وَارِثِهِ فَصَارَ هَذَا نَظِيرَ الْإِقْرَارِ.
وَالْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ سَاقِطٌ فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا صَارَ مُسَجَّلًا مُبَيَّنًا فِي خَرِيطَةِ الْقَاضِي يُؤْمَنُ جُحُودُ ذِي الْيَدِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إلَى ذَلِكَ وَيُؤْمَنُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهِ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمَكِّنُهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ إذَا تَرَكَهَا فِي يَدِ ذِي الْيَدِ وَالْمُدَّعَى مَنْقُولٌ بَقِيَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَالْعَقَارُ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الضَّمَانَ فِيهَا بِالْغَصْبِ وَيَضْمَنُ بِالْجُحُودِ عِنْدَ الْكُلِّ وَإِذَا وَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ كَانَ الْعَدْلُ أَمِينًا فِيهِ وَالنَّظَرُ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ لِلْغَائِبِ أَكْثَرُ فَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَحْتَاجُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقِصَاصِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِلْمَيِّتِ فِي الْكُلِّ بِمَا أَقَامَ مِنْ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا يُدَّعَى لَهُ وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ الثَّانِي إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ الْحَقُّ يَثْبُتُ فِيهِ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً فَلَا بُدَّ لِلَّذِي يَحْضُرُ مِنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى حَقِّهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْحَاضِرُ مِنْ اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ بِمَا أَقَامَ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَهُنَا قَدْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ دَارٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَابْنِ أَخِيهِ فَادَّعَى الْعَمُّ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَادَّعَى ابْنُ الْأَخِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ مُوَرِّثِهِ فَكَأَنَّهُمَا حَيَّانِ أَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ وَالْأَبُ مَعَ الِابْنِ فِي الْخُصُومَةِ فِي الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فَإِذَا تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَجَبَ الْقَضَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَإِنْ قَالَ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ أَخِي وَأَبِي نِصْفَيْنِ وَصَدَّقَهُ ابْنُ الْأَخِ بِذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَخَاهُ مَاتَ قَبْلَ ابْنِهِ وَأَقَامَ ابْنُ الْأَخِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ جَدَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ الَّذِي كَانَ لِأَبِيهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْمُنَازَعَةِ أَنَّ الْعَمَّ يَقُولُ مَاتَ أَخِي أَوَّلًا عَنْ ابْنٍ وَأَبٍ فَلِلْأَبِ السُّدُسُ مِنْ نَصِيبِهِ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ ثُمَّ مَاتَ أَبِي عَنْ ابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ فَكَانَ مَالُهُ لِابْنِهِ فَلِي سَبْعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ سَهْمِ الدَّارِ وَابْنُ الْأَخِ يَقُولُ مَاتَ الْجَدُّ أَوَّلًا عَنْ ابْنَيْنِ فَصَارَ نَصِيبُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَبِي عَنْ ابْنٍ وَأَخٍ فَصَارَ نَصِيبُهُ لِي وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدَّارِ فَإِذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا وَوَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي إثْبَاتِ التَّارِيخِ لِمَوْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا لِتَعَذُّرِ إثْبَاتٍ وَالتَّرْتِيبُ التَّارِيخُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ وَلَوْ مَاتَا مَعًا لَمْ يَرِثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْوَارِثِ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ شَرْطٌ لِإِثْبَاتِ الْخِلَافَةِ فِي مِلْكِهِ فَصَارَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَارِثِهِ الْحَيِّ فَلِهَذَا قَضَى بِالدَّارِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.