فصل: بَابُ إقْرَارِ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ إقْرَارِ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَابْنًا، فَقَالَ الِابْنُ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مَوْصُولٍ لِهَذَا عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِهَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّهُ عَطَفَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَمُوجَبُ الْعَطْفِ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ، ثُمَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ)؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ تَصِيرُ الْأَلْفُ كُلُّهَا لِلْأَوَّلِ لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ وَبِآخِرِ كَلَامِهِ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَلْفَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَمَتَى كَانَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ مَا يُغَيِّرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ يُوقَفُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ كَمَا لَوْ أَلْحَقَ بِهِ شَرْطًا أَوْ اسْتِثْنَاءً، ثُمَّ إقْرَارُ الْوَارِثِ عَلَى مُوَرِّثِهِ إنَّمَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ هَذِهِ الْعَيْنُ لِفُلَانٍ وَلِفُلَانٍ، وَلَوْ أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ وَسَكَتَ، ثُمَّ أَقَرَّ لِلثَّانِي فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقًّا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ حِينَ أَقَرَّ لَهُ وَسَكَتَ فَإِقْرَارُهُ لِلثَّانِي صَادَفَ مَحِلًّا مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمُوَرِّثِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ الَّتِي فِي يَدِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِزَيْدٍ وَسَكَتَ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِعَمْرٍو، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَرِيضِ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِدَيْنٍ، ثُمَّ بِدَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ يُلَاقِي ذِمَّتَهُ فَبِوُجُوبِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ لَا تَتَغَيَّرُ صِفَةُ الذِّمَّةِ وَهُنَا صِحَّةُ إقْرَارِهِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَإِقْرَارُهُ لِلْأَوَّلِ صَادَفَ مَحِلًّا فَارِغًا فَصَحَّ، ثُمَّ إقْرَارُهُ لِلثَّانِي صَادَفَ مَحِلًّا مَشْغُولًا فَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ، فَإِنْ دَفَعَ الْأَلْفَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا، وَإِنْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ ضَمِنَ لِلثَّانِي خَمْسَمِائَةٍ لِأَنَّهُ بِالْكَلَامِ الثَّانِي صَارَ مُقِرًّا بِأَنَّ نِصْفَ الْأَلْفِ حَقُّ الثَّانِي، وَقَدْ دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِاخْتِيَارِهِ وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَلِهَذَا ضَمِنَ لِلثَّانِي نِصْفَهُ.
وَلَوْ قَالَ فِي كَلَامٍ مَوْصُولٍ هَذِهِ الْأَلْفُ وَدِيعَةٌ لِهَذَا وَلِهَذَا الْآخَرِ عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ أَحَقُّ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ الْإِقْرَارَ الْوَدِيعَةِ صَارَتْ هِيَ بِعَيْنِهَا مُسْتَحَقَّةً لِلْمُقَرِّ لَهُ فَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ، الْوَدِيعَةُ مِنْ التَّرِكَةِ فِي شَيْءٍ، فَقَدْ جُعِلَ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْكَلَامُ الْمَوْصُولُ وَالْمَقْطُوعُ سَوَاءً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ بِأَنَّ مُوجَبَ أَوَّلِ الْكَلَامِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَيْسَتْ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ، وَلَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ فَظَاهِرٌ، وَهَذَا لَا يَتَغَيَّرُ بِإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ فَلَا يَتَوَقَّفُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ كَمَنْ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مُوجَبَ أَوَّلِ الْكَلَامِ هُنَاكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَوَّلِ جَمِيعَ التَّرِكَةِ وَيَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِآخِرِ كَلَامِهِ فَيَتَوَقَّفُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ.
تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِقْرَارَ الْوَدِيعَةِ نَفْسِهَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ أَحَدِهِمَا اسْتِحْقَاقُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَمُوجَبَ الْآخَرِ اسْتِحْقَاقُ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ الْعَيْنِ فَلِعَدَمِ الْمُحَاسِبَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَطْفُ فَكَانَ الْمَوْصُولُ وَالْمَقْطُوعُ سَوَاءً بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَالْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ هُنَاكَ ثَابِتَةٌ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَهَذِهِ الْأَلْفُ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ تَحَاصَّا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ الْإِقْرَارَ صَارَتْ الْأَلْفُ كُلُّهَا مُسْتَحَقَّةً لِلْغَرِيمِ بِالدَّيْنِ فَإِقْرَارُهُ الْوَدِيعَةِ صَادَفَ مَحِلًّا مَشْغُولًا فَمَنَعَ ذَلِكَ اخْتِصَاصَ الْمُودَعِ بِالْعَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْأَوَّلِ وَانْقَلَبَ هَذَا إقْرَارًا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ أَوْ بِوَدِيعَةٍ جَهِلَهَا الْمُودِعُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ سَوَاءٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنَيْنِ فِي كَلَامٍ مَوْصُولٍ تَحَاصَّا فِيهِ.
وَلَوْ قَالَ: لِهَذَا عَلَى أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا بَلْ لِهَذَا فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ غَلَطَهُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ لِلثَّانِي وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ بَاطِلٌ فَيَبْقَى الْأَلْفُ كُلُّهَا لَهُ وَلَا شَرِكَةَ لِلثَّانِي مَعَهُ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ مِنْ حُكْمِ الْعَطْفِ وَالْوَصْلِ فَكَلِمَةُ لَا بَلْ لِلرُّجُوعِ لَا لِلْعَطْفِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ بَعْضًا لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ عَلَى ابْنِهِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَإِنْ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي ضَمِنَ لِلثَّانِي مِثْلَهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ، وَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ الْأَلْفَ كُلَّهَا لِلثَّانِي وَأَنَّهُ غَلِطَ فِي الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْأَبِ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا الْمَدْفُوعَ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ.
وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ هَذِهِ الْأَلْفُ الَّتِي تَرَكَهَا أَبُوكَ وَدِيعَةٌ لِي، وَقَالَ آخَرُ: لِي عَلَى أَبِيكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ صَدَقْتُمَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ أَوْلَى بِهَا.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ الْوَدِيعَةِ أَقْوَى حَتَّى يَصِحَّ فِي كَلَامٍ مَوْصُولٍ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لَا يَصِحُّ إذَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْوَدِيعَةِ فَعِنْدَ الِاقْتِرَانِ يُجْعَلُ الْأَقْوَى مُقَدَّمًا كَدَعْوَى الِاسْتِيلَادِ مَعَ دَعْوَةِ التَّحْرِيرِ (وَتَقْدِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ السَّبْقُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ عِنْدَ الِاقْتِرَانِ وَالسَّبْقُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ فَكَانَ هُوَ الصَّحِيحَ فِي حَالِ الِاقْتِرَانِ، وَالثَّانِي أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَيْنِ بِالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ يَسْبِقُ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَ الْعَيْنِ بِنَفْسِهِ، فَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ يُثْبِتُ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِهِ الْعَيْنَ فَكَانَ سَبْقُ الْوَدِيعَةِ فِي الْمُوجِبِ كَسَبْقِ الْإِقْرَارِ بِهَا نَصًّا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: مَا ظَهَرَ الْإِقْرَارُ الْوَدِيعَةِ إلَّا وَالدَّيْنُ ظَاهِرٌ مَعَهُ فَيَمْنَعُ ظُهُورُ الدَّيْنِ اخْتِصَاصَ الْمُودِعِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَرْفَعُ الشَّيْءَ إذَا سَبَقَهُ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ لَمَنَعَهُ أَيْضًا كَنِكَاحِ الْحُرَّةِ مَعَ الْأَمَةِ وَهُنَا إنْ سَبَقَ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ رُفِعَ حَقُّ اخْتِصَاصِ الْمَدْفُوعِ الْوَدِيعَةِ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ مَعَ ثُبُوتِ حَقِّ الِاخْتِصَاصِ لَهُ وَصَارَ الْوَارِثُ كَالْمُسْتَهْلِكِ الْوَدِيعَةَ فَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ وَبِالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ يَصِيرُ مُسْتَهْلِكًا لِلْوَدِيعَةِ فَيَصِيرُ إقْرَارًا بِدَيْنَيْنِ فَيَتَحَاصَّانِ فِيهِ.
رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ وَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَيِّهِمْ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَدَّقَهُ الْأَكْبَرُ فِيهَا وَصَدَّقَهُ الْأَوْسَطُ فِي أَلْفَيْنِ مِنْهَا وَصَدَّقَهُ الْأَصْغَرُ فِي أَلْفٍ مِنْهَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْخُذُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الْأَكْثَرِ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ وَمِنْ الْأَوْسَطِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ مَا فِي يَدِهِ وَمِنْ الْأَصْغَرِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْأَوْسَطِ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ وَبَاقِي الْجَوَابِ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَبْدَأُ بِالْأَكْبَرِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّرِكَةِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَأْخُذُ مَا فِي يَدِهِ، وَهُوَ الْأَلْفُ، ثُمَّ يُثَنِّي بِالْأَوْسَطِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَتِهِ مِنْ الْأَصْغَرِ فَيَقُولُ لِلْأَوْسَطِ قَدْ أَقْرَرْتَ لِي بِدَيْنِ الْعَيْنِ وَمَا وَصَلَ إلَى الْأَلْفِ، فَقَدْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِي أَلْفٌ بِزَعْمِكَ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيُقْضَى مِنْ أَيْسَرِ الْمَالَيْنِ قَضَاءً فَهَاتِ جَمِيعَ مَا فِي يَدِكَ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ قَوْلِهِ نَعَمْ فَيَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ، ثُمَّ يَأْتِي الْأَصْغَرُ بِقَوْلِ أَنَا أَقْرَرْتُ أَنَّ دَيْنَكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُلُثُهُ فِي يَدِي وَثُلُثَاهُ فِي يَدِ شَرِيكِي، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْكَ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ وَزِيَادَةٌ فَلَا أُعْطِيكَ إلَّا مَا أَقْرَرْتُ لَكَ بِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ مَا فِي يَدِي فَلِهَذَا يَأْخُذُ مِنْهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَالُ الْمُقَرُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ هُوَ الْمَالُ فَيَقُولُ أَلْفٌ مِنْ الْجُمْلَةِ، وَهُوَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْأَصْغَرُ اتَّفَقَتْ الثَّلَاثَةُ عَلَى كَوْنِهَا دَيْنًا فَيَبْدَأُ الْمُقَرُّ لَهُ بِاسْتِيفَاءِ تِلْكَ الْأَلْفَ مِنْ ثَلَاثَتِهِمْ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ ثُلُثًا، ثُمَّ لَمْ يَبْقَ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى الْأَصْغَرِ وَيَأْتِي الْأَوْسَطُ فَيَقُولُ الْأَوْسَطُ: أَنَا قَدْ أَقْرَرْتُ لَكَ بِأَلْفٍ أُخْرَى، وَقَدْ سَاعَدَنِي فِيهِ الْأَكْبَرُ، وَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ نِصْفُهُ فِي يَدِي وَنِصْفُهُ فِي يَدِ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ يُسَلَّمُ لَكَ مِنْ جِهَتِهِ فَيُعْطِيهِ نِصْفَ الْأَلْفِ، فَإِذَا اسْتَوْفَى مِنْهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ مَرَّةً وَنِصْفَ الْأَلْفِ مَرَّةً أُخْرَى، وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْأَلْفِ، ثُمَّ يَأْتِي إلَى الْأَكْبَرِ وَيَقُولُ: إنَّكَ قَدْ أَقْرَرْتَ أَنَّ الدَّيْنَ يُحِيطُ بِالتَّرِكَةِ وَلَا مِيرَاثَ لَكَ وَأَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ بِحُكْمِ إقْرَارٍ.
(قَالَ) تَفَرَّقُوا عَلَيْهِ فَلَقِيَ الْأَصْغَرَ أَوَّلًا وَقَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيُقْضَى مِنْ أَيْسَرِ الْأَمْوَالِ وَأَيْسَرُ الْأَمْوَالِ فِي حَقِّهِ هُوَ مَا فِي يَدِ الْأَصْغَرِ، وَهُوَ مُقِرٌّ لَهُ بِدَيْنِ أَلْفٍ فَيَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَقِيَ الْأَوْسَطَ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِدَيْنِ أَلْفَيْنِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ أَلْفٌ وَاحِدٌ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ بِزَعْمِهِ، فَإِنْ لَقِيَ الْأَكْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ أَيْضًا لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ قَدْ لَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّ دَيْنَهُ مُحِيطٌ بِالتَّرِكَةِ فَيَتَوَصَّلُ إلَى جَمِيعِ حَقِّهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، فَإِنْ لَقِيَ الْأَكْبَرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ لَقِيَ الْأَوْسَطَ بَعْدَهُ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ أَلْفٌ، وَإِنْ لَقِيَ الْأَصْغَرَ بَعْدَهُمَا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ أَقَرَّ الْأَصْغَرُ بِأَنَّ أَخَوَيْهِ قَدْ أَقَرَّا لَهُ بِمَا ذَكَرْنَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الْأَلْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ حَقُّكَ فِي أَلْفٍ ثُلُثُهَا فِي يَدَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا فَمَا أَخَذْتَ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي زِيَادَةً عَلَى حَقِّكَ إنَّمَا أَخَذْتَهُ بِإِقْرَارِهِمَا لَكَ بِالْبَاطِلِ فَلَا تَأْخُذْ مِنِّي إلَّا قَدْرَ مَا أَقْرَرْتُ لَكَ بِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ الْأَلْفِ، وَإِنْ جَحَدَ، فَقَالَ لَمْ يُقِرَّ لَكَ أَخَوَايَ إلَّا بِالْأَلْفِ لَمْ يُقْضَ لَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ مَا أَقْرَرْنَا لَكَ إلَّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ دَيْنٍ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْكَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ التَّرِكَةِ وَزِيَادَةٌ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ بِشَيْءٍ وَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ دَفْعِ حُجَّتِهِ هَذِهِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ إقْرَارَهُمَا لَهُ بِمَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الْأَصْغَرِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْأَصْغَرِ بِهِ وَإِنْ لَقِيَ الْأَوْسَطَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَضَى عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا لِمَا بَيَّنَّا، فَإِنْ لَقِيَ الْأَصْغَرَ بَعْدَهُ فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إقْرَارِ الْأَصْغَرِ، وَإِنْكَارِهِ فِي الْأَوَّلِ وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا الْعَطْفِ حَالَ إنْكَارِهِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ لَكَ الْأَوْسَطُ بِأَلْفٍ كَمَا أَقْرَرْتَ بِهِ لَمْ يُقْضَ لَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَجُّ عَلَيْهِ فَيَقُولُ أَقْرَرْنَا لَكَ بِأَلْفٍ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْكَ مِنْ التَّرِكَةِ أَلْفٌ، فَأَمَّا عِنْدَ إقْرَارِهِ بِأَنَّ الْأَوْسَطَ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْنِ فَهَذَا نَظِيرُ الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَأْخُذُ مِنْهُ الْخَمْسَمِائَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ اسْتَوْفَيْتُ مِنْهُ الْأَلْفَ بِاعْتِبَارِ إقْرَارٍ كَانَ هُوَ صَادِقًا فِي نِصْفِهِ كَاذِبًا فِي نِصْفِهِ فَفِي النِّصْفِ، وَهُوَ الْخَمْسُمِائَةِ أَنْتَ مُسْتَوْفٍ حَقَّكَ مِنْهُ وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ أَنْتَ ظَالِمٌ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَبْقَى مِنْ دَيْنِهِ بِزَعْمِهِ خَمْسُمِائَةٍ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ مِمَّا فِي يَدِهِ خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ إذَا لَقِيَ الْأَكْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَى لَهُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا لِإِقْرَارِهِ أَنَّ الدَّيْنَ مُحِيطٌ بِالتَّرِكَةِ وَأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُ مِنْهَا.
رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَلْفَيْنِ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا، ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَبِيهِمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَادَّعَى آخَرُ أَلْفَ دِرْهَمٌ فَأَقَرَّا جَمِيعًا لِأَحَدِهِمَا وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ وَحْدَهُ فَكَانَ الْإِقْرَارُ مَعًا فَاَلَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَصَادِقَانِ عَلَى دَيْنِهِ فَيَبْدَأُ بِهِ لِقُوَّةِ حَقِّهِ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ دَيْنِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ كَمَالُ حَقِّهِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْآخَرُ مِنْ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِدَيْنِهِ وَإِقْرَارُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِالدَّيْنِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ، وَلَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ مِنْ نَصِيبِهِ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ فَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ التَّرِكَةِ فَيُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ جَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ إلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، فَإِنْ غَابَ الَّذِي أَقَرَّا لَهُ وَحَصَلَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ أَحَدُهُمَا فَقَدِمَ الْمُقِرُّ بِحَقِّهِ إلَى الْحَاكِمِ، فَقَالَ: لِي عَلَى أَبِي هَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَقَدْ أَقَرَّ لِي بِهَا وَصَدَّقَهُ الِابْنُ وَأَوْهَمَ أَنْ يُجْبِرَهُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ أَيْ سُمِّيَ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاضِي يَقْضِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ الَّتِي فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِدَيْنِ أَلْفٍ وَالدَّيْنُ يُقْضَى مِنْ أَيْسَرِ الْأَمْوَالِ قَضَاءً، وَهُوَ مَا فِي يَدِهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ كُلَّهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ جَاءَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ جَمِيعًا وَقَدِمَ أَخَاهُ قَضَى لَهُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ الَّتِي فِي يَدَيْهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِدَيْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَخَوَيْنِ عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يُتْلِفْ عَلَى أَخِيهِ شَيْئًا وَمَا أَخَذَ مِنْ يَدِهِ إنَّمَا أَخَذَهُ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ حَضَرَ أَوَّلًا فَقَدِمَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ وَحْدُهُ إلَى الْقَاضِي قَضَى لَهُ عَلَيْهِ بِمَا فِي يَدِهِ مُقِرٌّ لَهُ بِدَيْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ جَاءَ الْآخَرُ وَقَدِمَ أَخَاهُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ وَلَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَخَوَيْنِ عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا أَخَذَهُ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمِيرَاثُ مِائَتَيْ دِينَارٍ أَوْ كَانَ الْمِيرَاثُ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَالدَّيْنُ مِثْلُهُ فَهَذَا وَالدَّرَاهِمُ سَوَاءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَاقْتَسَمَا ذَلِكَ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا، ثُمَّ أَقَرَّا جَمِيعًا أَنَّ أَبَاهُمَا أَعْتَقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِ الْأَصْغَرِ مِنْهُمَا فِي صِحَّتِهِ وَأَقَرَّ الْأَكْبَرُ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِهِ فِي صِحَّتِهِ وَالْإِقْرَارُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ مِنْهُمَا مَعًا فَهُمَا حُرَّانِ أَمَّا الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلِأَنَّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ مَالِكٌ لَهُ، وَقَدْ أَقَرَّ بِعِتْقِهِ وَإِقْرَارُ الْمَالِكِ فِي مِلْكه صَحِيحٌ، فَإِذَا أَعْتَقَ ضَمِنَ الْأَكْبَرُ لِلْأَصْغَرِ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ مَا أَعْطَاهُ شَيْئًا فَإِنَّ الَّذِي أَعْطَاهُ كَانَ حُرًّا بِاتِّفَاقِهِمَا وَاَلَّذِي أَخَذَ الْأَكْبَرُ فِي الظَّاهِرِ مَمْلُوكٌ لَهُمَا وَالْأَكْبَرُ بِالْإِقْرَارِ بِعِتْقِهِ صَارَ مُتْلِفًا نَصِيبَ الْأَصْغَرِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلِهَذَا ضَمِنَ لَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ، وَهَذَا الضَّمَانُ لَيْسَ بِضَمَانِ الْعِتْقِ حَتَّى يَخْتَلِفَ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَلَكِنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَالَهُ بِالْقِسْمَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ فَسَادُ الْقِسْمَةِ، وَلَكِنْ إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رُدَّ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ بِعَيْنِهِ بِإِقْرَارِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الِابْنَيْنِ هُنَاكَ أَخَذَ أَلْفًا كَمَا أَخَذَ صَاحِبُهُ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ مَا فِي يَدِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ فَلِهَذَا لَا يُتْبِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِشَيْءٍ.
وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ الْوَدِيعَةِ فِي الْعَبْدَيْنِ بِأَنَّ أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَنَّهُ وَدِيعَةُ فُلَانٍ وَأَقَرَّ الْآخَرُ بِمَا فِي يَدِهِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فَهَذَا وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ سَوَاءٌ كَمَا بَيَّنَّا، وَالْمَعْنَى هُنَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمَا فِي يَدِهِ خَاصَّةً فَهُوَ مُقِرٌّ أَنَّهُ أَعْطَى صَاحِبَهُ بَدَلًا مُسْتَحَقًّا، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ نَصِيبِهِ مِمَّا فِي يَدِهِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ.
وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَاقْتَسَمَاهَا وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا، ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ خَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَبِيهِ وَقَضَى الْقَاضِي بِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقَرَّا جَمِيعًا أَنَّ عَلَى أَبِيهِمَا أَلْفًا دَيْنًا فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّ مِقْدَارَ خَمْسِمِائَةٍ مِمَّا فِي يَدِ الْمُقِرِّ بِدَيْنِهِ وَيَخْرُجُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ تَبْقَى أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ أَلْفٌ فِي يَدِ الْجَاحِدِ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَالدَّيْنُ الَّذِي ثَبَتَ بِاتِّفَاقِهِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ بِقَدْرِ مَا فِي يَدَيْهِمَا مِنْ التَّرِكَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَرَكَ ابْنًا وَامْرَأَةً وَأَقَرَّ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ فَعَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ مِنْ نَصِيبِهِمَا أَثْمَانًا بِقَدْرِ نَصِيبِهِمَا فَهُنَا أَيْضًا يَلْزَمُهُمَا قَضَاءُ الدَّيْنِ بِحِسَابِ مَا فِي يَدَيْهِمَا مِنْ التَّرِكَةِ فَتَكُونُ أَثْلَاثًا، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ وَدَفَعَهَا بِقَضَاءِ قَاضٍ، ثُمَّ أَقَرَّا جَمِيعًا بِالْأَلْفِ الثَّانِيَةِ قَضَى بِالْأَلْفِ كُلِّهَا مِمَّا فِي يَدِ الْجَاحِدِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَقْضِيٌّ مِنْ التَّرِكَةِ وَبَاقِي التَّرِكَةِ فِي يَدِ الْجَاحِدِ وَالْمُقِرُّ الْأَوَّلُ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَكُونُ لِلْجَاحِدِ أَنْ يُتْبِعَ أَخَاهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَيْهِ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبَيِّنُ مَا سَبَقَ مِنْ فُصُولِ الدَّيْنِ.
وَلَوْ كَانَا أَقَرَّا أَوَّلًا لِرَجُلٍ بِدَيْنِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِدَيْنِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْمِائَةُ الْأُولَى عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا حِينَ أَقَرَّا بِهِ كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ التَّرِكَةِ مِثْلُ مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَعَلَيْهِمَا قَضَاءُ تِلْكَ الْمِائَةِ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ إنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ بَعْدَ ذَلِكَ لِآخَرَ فَإِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ، فَإِنْ أَخَذَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ الْمِائَةَ مِنْ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى أَخِيهِ بِنِصْفِهَا لِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمَا فَالْمُؤَدِّي مِنْهُمَا لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بَلْ هُوَ قَاضٍ دَيْنَ أَبِيهِ فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ، وَلَوْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا فَأَقَرَّ لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِآخَرَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْأَوَّلُ يَأْخُذُ مِنْ الْمُقِرِّ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِمَّا فِي يَدِهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِهِ وَالْمِائَةُ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِمَا عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ تِسْعُمِائَةٍ وَفِي يَدِ الْجَاحِدِ أَلْفٌ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ مَا فِي يَدَيْهِمَا مِنْ التَّرِكَةِ، فَإِذَا جَعَلَ كُلَّ مِائَةٍ سَهْمًا كَانَ عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا، فَإِنْ أَخَذَ الْمِائَةَ مِنْ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَالْمِائَةُ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَالْمِائَةُ الْأُخْرَى عَلَيْهِمَا عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَقَضَاهُ مِنْ نَصِيبِهِ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا شَيْئًا مِمَّا قَضَاهُ؛ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ قَصَدَ تَفْرِيغَ ذِمَّةِ مُوَرِّثِهِ وَمَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ بَعْدُ شَيْئًا، ثُمَّ دَفَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَصِيرُ ضَامِنًا، وَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ صَارَ ذَلِكَ الْقَدْرُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَصْلًا فَمَا يَثْبُتُ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ التَّرِكَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.