فصل: بابُ الْمُهَايَأَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بابُ الْمُهَايَأَةِ:

قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ اعْلَمْ بِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ الْمُهَايَأَةِ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي نَوْبَتِهِ يَنْتَفِعُ بِمِلْكِ شَرِيكِهِ عِوَضًا عَنْ انْتِفَاعِ الشَّرِيكِ بِمِلْكِهِ فِي نَوْبَتِهِ وَلَكِنْ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ وَجَوَّزْنَاهُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} وَهَذَا هُوَ الْمُهَايَأَة وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي خَطَبَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَاذَا تُصْدِقُهَا قَالَ نِصْفَ إزَارِي هَذَا قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ» وَهَذَا تَفْسِيرُ الْمُهَايَأَةِ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعَقْدِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْأَعْيَانِ ثُمَّ الْقِسْمَةُ فِي الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ عِنْدَ إمْكَانِ التَّعْدِيلِ جَائِزَةٌ فَكَذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلِهَذَا يُجْبِرُ الْقَاضِي الشُّرَكَاءَ عَلَى الْمُهَايَأَةِ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَأَبَى الْبَعْضُ وَاَلَّذِي أَبَى لَمْ يَطْلُبْ قِسْمَةَ الْعَيْنِ وَالْأَصْلُ أَنَّ اخْتِصَاصَ الْعَقْدِ بِاسْمٍ لِاخْتِصَاصِهِ بِحُكْمٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْمِ فَقِسْمَةُ الْمَنَافِعِ لَمَّا اخْتَصَّتْ بِاسْمِ الْمُهَايَأَةِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِمَعْنًى يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ وَهُوَ أَنَّ وُصُولَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ يَسْبِقُ وُصُولَ نَصِيبِ الْآخَرِ إلَيْهِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْعَيْنِ وَهَذَا الْعَقْدُ لَيْسَ كَالْإِجَارَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْإِجَارَةِ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَةَ الْعَيْنِ بِالْعَقْدِ وَهُنَا مَا يَسْتَوْفِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ يُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ مَنْفَعَةُ مِلْكِهِ عَلَى مَا هُوَ مَوْضُوعُ الْقِسْمَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَكَوْنُ مَعْنَى الْمُعَاوَضَاتِ فِيهِ بَيْعًا وَلَيْسَ فِي عَيْنِ الْعَارِيَّةِ أَيْضًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَلِأَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الِاسْتِحْقَاقُ وَيَتَعَلَّقُ بِالْمُهَايَأَةِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْبِهُ الْإِجَارَةَ وَلَكِنْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي الْمُهَايَأَةِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى مَعْنَى أَنْ هُنَاكَ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهُنَا يَمْلِكُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَسْخَ الْمُهَايَأَةِ بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ تَمْيِيزُ الْمِلْكِ قِسْمَةُ الْعَيْنِ وَالْمُهَايَأَةُ خُلُوٌّ عَنْهُ (أَلَا تَرَى) إنَّ فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْعَيْنِ لَمْ يَشْتَغِلْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِالْمُهَايَأَةِ فَكَذَلِكَ فِي الِانْتِهَاءِ إذَا طَلَبَ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ قِسْمَةُ الْعَيْنِ لَا تُسْتَدَامُ الْمُهَايَأَةُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الْعَارِيَّةُ وَالْإِجَارَةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَقِسْمَةُ الشَّرِكَةِ تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَبْطُلُ وَالْمُهَايَأَةُ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّا لَوْ أَبْطَلْنَاهَا اُحْتِجْنَا إلَى إعَادَتِهَا فَالشَّرِيكُ الْحَيُّ أَوْ وَارِثُ الْمَيِّتِ طَالِبٌ لِذَلِكَ وَلَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِ شَيْءٍ يُحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهِ فِي الْحَالِ ثُمَّ الْمُهَايَأَةُ قَدْ تَكُونُ بِالْمَكَانِ وَقَدْ تَكُونُ بِالزَّمَانِ فَصُورَةُ الْمُهَايَأَةِ بِالْمَكَانِ فِيمَا بُدِئَ الْبَابُ بِهِ قَالَ: دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَهَايَآ فِيهَا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْزِلًا مَعْلُومًا وَأَنْ يُؤَاجِرَ كُلٌّ حِصَّةَ مَنْزِلِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قِسْمَةُ الْمَنْفَعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَفِي قِسْمَةِ الْعَيْنِ لَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ فَكَذَلِكَ فِي قِسْمَةِ الْمَنْفَعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ فِي الْإِجَارَةِ لِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِ مَا يُسْتَحَقُّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ عَلَى وَجْهٍ بِهِ تَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُنَا يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْمُنَازَعَةُ تَنْقَطِعُ بِبَيَانِ مَنْزِلٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، ثُمَّ إنْ كَانَا شَرَطَا فِي الْمُهَايَأَةِ أَنْ يُؤَاجِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْزِلَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي نَصِيبِهِ وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْغَلَّةِ حَلَالٌ لَهُ وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ الشَّاشِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: لَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا مَا شَرَطَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْتَفِعٌ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ حَقِيقَةً فَالْمَنْزِلُ الَّذِي فِي يَدِهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مُعَاوَضَةَ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا لَا يَجُوزُ فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يُؤَاجِرُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ قِسْمَةُ الْمَنْفَعَةِ فَمَا يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ يُجْعَلُ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِاعْتِبَارِ قَدِيمِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَتَفَاوَتُ بِمَنْزِلَةِ الْقِسْمَةِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَهُوَ يَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ لَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُحْدِثَ فِي مَنْزِلِهِ بِنَاءً وَلَا يَنْقُضَهُ وَلَا يَفْتَحَ بَابًا فِي حَائِطٍ وَلَا كُوَّةً إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَبْقَى مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْمُهَايَأَةِ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَسْتَبِدُّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ صَاحِبُهُ وَبِالْمُهَايَأَةِ إنَّمَا تَثْبُتُ الْقِسْمَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ فَفِيمَا لَيْسَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ حَالُهُمَا بَعْدَ الْمُهَايَأَةِ كَمَا قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَهَايَآ عَلَى أَنْ يَكُونَ السُّفْلُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَالْعُلْوُ فِي يَدِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْكَنٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْزِلَيْنِ فِي عُلْوٍ أَوْ سُفْلٍ وَكَذَلِكَ التَّهَايُؤُ فِي الدَّارَيْنِ عَلَى السُّكْنَى وَالْغَلَّةِ جَائِزٌ وَكَانَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: الْمُرَادُ إذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ فَأَمَّا عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ فَالْقَاضِي لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقِسْمَةِ لِلْعَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ قِسْمَةَ الْجَبْرِ لَا تَجْرِي فِي الدُّورِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَذَلِكَ التَّهَايُؤُ وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْمُهَايَأَةِ تُلَاقِي الْمَنْفَعَةَ دُونَ الْعَيْنِ وَمَنْفَعَةُ السُّكْنَى تَتَقَارَبُ وَلَا تَتَفَاوَتُ إلَّا يَسِيرًا بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْعَيْنِ فَالْمُعَادَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ هُنَاكَ مُعْتَبَرَةٌ وَالدُّورُ تَخْتَلِفُ فِي الْمَالِيَّةِ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَالْجِيرَانِ وَلِهَذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُؤَاجِرَ مَا فِي يَدِهِ وَيَأْكُلَ غَلَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ سَالِمَةٌ لَهُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ قَدِيمِ مِلْكِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الدَّارَيْنِ إذَا غَلَّتْ مَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا غَلَّتْ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ فَهُنَاكَ إذَا تَهَايَآ فِيهَا عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فَكَانَتْ غَلَّةُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فِي نَوْبَتِهِ أَكْثَرَ فَذَلِكَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي الدَّارَيْنِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَالتَّمَيُّزُ بِالتَّرَاجُعِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى الْمَنْفَعَةِ وَالْغَلَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ صَاحِبُهُ فَمَا يَسْتَوْفِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ قَدِيمِ مِلْكِهِ يَسْتَوْجِبُهُ بِعَقْدِهِ فَيُسَلَّمُ لَهُ وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ مِنْ صَاحِبِهِ فِي إجَارَةِ نَصِيبِهِ فِي نَوْبَتِهِ إذَا تَهَايَآ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالزَّمَانِ وَأَحَدُهُمَا يَصِلُ إلَى الْغَلَّةِ قَبْلَ وُصُولِ الْآخَرِ إلَيْهَا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ قَضِيَّةَ الْقِسْمَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ وَكِيلٍ عَنْ صَاحِبِهِ وَمَا يَقْبِضُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضٌ عَمَّا يَقْبِضُ صَاحِبُهُ مِنْ عِوَضِ نَصِيبِهِ فَعِنْدَ التَّفَاضُلِ يَثْبُتُ التَّرَاجُعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لِيَسْتَوِيَا وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الْفَرْقَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ فِي الْمُهَايَأَةِ فِي الدَّارَيْنِ يُعْتَمَدُ التَّرَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرٌ وَعِنْدَهُمَا قِسْمَةُ الْجَبْرِ فِي الدَّارَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَجْرِي إلَّا إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَعِنْدَ التَّرَاضِي يُسَلَّمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُهُ وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ لَا يُعْتَبَرُ التَّرَاضِي فِي الْمُهَايَأَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُعَادَلَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْمُهَايَأَةِ فَلِهَذَا يَتَرَاجَعَانِ فَضْلَ الْغَلَّةِ وَالْمُهَايَأَةُ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ عَلَى كُلِّ الْغَلَّةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ غَلَّةَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَلَا تُسْتَحَقُّ بِالْمُهَايَأَةِ أَيْضًا وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ تَبْقَى بَعْدَ حُدُوثٍ وَيَتَأَتَّى فِيهَا قِسْمَةُ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا جَوَازُ الْمُهَايَأَةِ فِيمَا لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْقِسْمَةُ بَعْدَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً أَوْ مَا يَكُونُ عِوَضًا مِنْهُ كَغَلَّةِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِي الْغَنَمِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالْأَلْبَانِ وَالْأَصْوَافِ؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بَعْدَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً وَلَوْ ادَّعَى فِي دَارٍ حَقًّا فَتَهَايَآ عَلَى أَنْ يَنْزِلَ بَيْتًا مِنْهَا مِنْ غَيْرِ صُلْحٍ عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْ الْخُصُومَةِ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ سُكْنَى الْبَيْتِ شَيْئًا وَلَا يَلْزَمُهُ بِخُرُوجِهِ حَقٌّ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ أَعَارَهُ الْبَيْتَ وَالْآخَرَ تَرَكَ الْخُصُومَةَ زَمَانًا وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي فِيهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حُجَّتِهِ إذَا بَدَا لَهُ وَالتَّهَايُؤُ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ تَجُوزُ عَلَى الزَّمَانِ هَذَا شَهْرٌ وَهَذَا شَهْرٌ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعَادَلَةِ فِي قِسْمَةِ الْخِدْمَةِ بِالزَّمَانِ مُمْكِنٌ وَذَلِكَ فِي الْعَبْدَيْنِ إذَا تَهَايَآ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا الْعَبْدُ أَحَدَهُمَا وَالْعَبْدُ الْآخَرَ فَذَلِكَ جَائِزٌ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ قِسْمَةَ الْجَبْرِ فِي الرَّقِيقِ تَجْرِي فَكَذَلِكَ فِي خِدْمَةِ الرَّقِيقِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرَّقِيقِ لَا تَجْرِي قِسْمَةُ الْجَبْرِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَالِيَّةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِمَعَانٍ بَاطِنَةٍ لَا يُوقَفُ عَلَى حَدِّهَا وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْخِدْمَةِ وَالْمُهَايَأَةُ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدَيْنِ وَالْمُهَايَأَةُ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ وَلَوْ تَهَايَآ عَلَى الْغَلَّةِ فِي الْعَبْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِي الْغَلَّةِ بِالِاتِّفَاقِ فَهُمَا يَقُولَانِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَالتَّمْيِيزِ يَتَرَجَّحُ فِي غَلَّةِ الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى نَصِيبِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ إلَى صَاحِبِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُهَايَأَةِ فِي الْخِدْمَةِ وَفِي غَلَّةِ الدَّارَيْنِ فَأَمَّا فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ يَغْلِبُ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ أَحَدُهُمَا إلَى الْغَلَّةِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْآخَرُ إلَيْهِ وَفِيهِ مَعْنَى الْخَطَرِ وَرُبَّمَا يَمْرَضُ الْعَبْدُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا فَيَعْجَزُ عَنْ الْخِدْمَةِ وَرُبَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْخِدْمَةِ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ وَمَعْنَى الْخَطَرِ فِي الْمُعَاوَضَةِ مُبْطِلٌ لَهُ وَبِهِ فَارَقَ غَلَّةَ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ هُنَاكَ الْغَلَّةُ تُسَلَّمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَوْبَتِهِ وَالْغَالِبُ هُوَ السَّلَامَةُ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ فِي الْغَلَّةِ مِنْ وَجْهٍ كَالْمُهَايَأَةِ فِي الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ وَجْهٍ كَالْمُهَايَأَةِ فِي غَلَّةِ النَّخْلِ؛ لِأَنَّ مَا يُسَلَّمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ عَيْنٌ فَلِشَبَهِهِ بِالْمُهَايَأَةِ فِي الْخِدْمَةِ جَوَّزْنَا ذَلِكَ فِي الْعَبْدَيْنِ لِتَرَجُّحِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ فِيهَا وَلِشَبَهِهِ بِالْمُهَايَأَةِ فِي غَلَّةِ النَّخْلِ أَبْطَلْنَا ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: الْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْمُهَايَأَةِ سَلَامَةُ سَبَبِ مِلْكِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَجُوزُ كَالْمُهَايَأَةِ فِي غَلَّةِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَكَالْمُهَايَأَةِ فِي أَوْلَادِ الْغَنَمِ وَأَلْبَانِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ لَوْ كَانَ يَجُوزُ فِي الرَّقِيقِ لَكَانَ جَوَازُهُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُعَادَلَةِ وَالتَّمْيِيزَ فِيهِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْعَبْدَيْنِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَأُولَى أَنْ لَا يَجُوزَ فِي الْعَبْدَيْنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَرُبَّمَا لَا يَنْقَادُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِنَفْسِهِ فِي نَوْبَتِهِ أَوْ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْعَبْدِ وَقِيلَ هَذَا الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي قِسْمَةِ الرَّقِيقِ فَالْمَقْصُودُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَالِيَّةُ هُنَا فَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الْجَبْرِ فِي الرَّقِيقِ وَهُمَا يَرَيَانِ قِسْمَةَ الْجَبْرِ فِي الرَّقِيقِ فَكَذَلِكَ فِي غَلَّةِ الرَّقِيقِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِي غَلَّةِ الْعَبْدِ الْوَاحِدِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَجْرِي فِيهِ بِخِلَافِ الْمُهَايَأَةِ لِلْخِدْمَةِ فَالْمَقْصُودُ هُنَاكَ الْمَنْفَعَةُ دُونَ الْمَالِيَّةِ فَجَازَ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالْعَبْدَيْنِ وَإِذَا كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَخَافَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ: أَحَدُهُمَا تَكُونُ عِنْدَكَ يَوْمًا وَعِنْدِي يَوْمًا وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ نَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَإِنِّي أَجْعَلُهَا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا وَلَا أَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُسْتَحِقَّةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمِلْكِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ إبْطَالُ مِلْكِ الْعَيْنِ عَلَيْهِمَا بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ إبْطَالُ مِلْكِ الْيَدِ وَفِي التَّعْدِيلِ إبْطَالُ الْيَدِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ مَا يَخَافُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْهُومٌ وَالْمَوْهُومُ لَا يُعَارِضُ الْمُتَحَقِّقَ وَبِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الْمُتَحَقِّقِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسْتَحَقُّ الْعَبْدُ فِي نَوْبَتِهِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عَنْ يَدِ مَا هُوَ مَوْهُومٌ فَإِنْ تَنَازَعَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمُهَايَأَةِ فَالرَّأْيُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا فِي الْقِسْمَةِ وَالْمُهَايَأَةُ فِي الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى لِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ دُونَ الْمَيْلِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُمَا نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِيمَا لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَهُ بِغَيْرِ إقْرَاعٍ يَسْتَعْمِلُ الْقُرْعَةَ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِ الشُّرَكَاءِ وَنَفْيِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ التَّهَايُؤُ عَلَى الرُّكُوبِ أَوْ الْغَلَّةِ فِي الدَّابَّتَيْنِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا يَعْلَمُهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجُوزُ فِي الْغَلَّةِ كَالرُّكُوبِ جَمِيعًا أَمَّا فِي الْغَلَّةِ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى التَّهَايُؤِ فِي غَلَّةِ الْعَبْدَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ وَإِنَّمَا صَحَّتْ الرَّاوِيَةُ هُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ فِيمَا يَعْلَمُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الدَّابَّتَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ لَيْسَتَا كَالْعَبْدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقِسْمَةُ الْجَبْرِ فِي الدَّابَّتَيْنِ تَجُوزُ وَلَا تَجُوزُ فِي الْعَبْدَيْنِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ أَنَّ مَا يَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبَبِ مِلْكِ الْحَيَوَانِ يُشْبِهُ هَذَا التَّهَايُؤَ فِي الْغَنَمِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالْأَلْبَانِ فَكَذَلِكَ لَا يُجَوِّزُهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْمُهَايَأَةِ فِي رُكُوبِ الدَّابَّتَيْنِ فَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولَانِ: مَنْفَعَةُ الرُّكُوبِ فِي الدَّوَابِّ كَمَنْفَعَةِ الْخِدْمَةِ فِي الْعَبِيدِ وَالسُّكْنَى فِي الدَّارِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ بِالْإِجَارَةِ يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْإِعَارَةِ فَكَمَا لَا تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدَيْنِ فَكَذَلِكَ فِي رُكُوبِ الدَّابَّتَيْنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: جَوَازُ الْمُهَايَأَةِ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدَيْنِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُعَادَلَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَذَلِكَ فِي رُكُوبِ الدَّابَّتَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ فَرُبَّ رَاكِبٍ يُرَوِّضُ الدَّابَّةَ وَيُثْقِلُهَا الْآخَرُ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْمُعَادَلَةِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالدَّابَّتَيْنِ رُكُوبًا بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَوْفَى (أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِذَا ثَبَتَ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَنَّ التَّهَايُؤَ عَلَى الدَّابَّتَيْنِ فِي الرُّكُوبِ لَا يَجُوزُ ثَبَتَ فِي الْغَلَّةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ اسْتِقْلَالَ الدَّوَابِّ بِالْإِجَارَةِ مِمَّنْ يَرْكَبُهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْمُهَايَأَةِ وَالضَّرَرُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَنْ يَرْكَبُهَا فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّهَايُؤُ فِي رُكُوبِ دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُجَوِّزَانِ التَّهَايُؤَ فِي غَلَّةِ دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَا يُجَوِّزَانِ فِي غَلَّةِ عَبْدٍ وَاحِدٍ وَالتَّهَايُؤُ فِي الْغَنَمِ عَلَى الْأَلْبَانِ وَالْأَوْلَادِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَوُجُودُ أَصْلِهِ عَلَى خَطَرٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِنَفْسِهِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالتَّهَايُؤُ فِي دَارٍ وَعَبْدٍ عَلَى السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْمُهَايَأَةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَوْلَى وَعَلَى الْغَلَّةِ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ غَلَّةُ الْعَبْدِ لَا تُسْتَحَقُّ بِالتَّهَايُؤِ وَاعْتِبَارُ هَذَا الْجَانِبِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَاعْتِبَارُ جَانِبِ غَلَّةِ الدَّارِ يُصَحِّحُهُ وَيَتَمَكَّنُ الْمُفْسِدُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِفَسَادِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ وَلَوْ تَهَايَآ فِي أَرْضٍ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً مِنْهَا مَعْلُومَةً وَيُؤَاجِرَهَا جَازَ بِمَنْزِلَةِ السُّكْنَى فِي الدَّارِ وَلَهُمَا أَنْ يُبْطِلَا الْمُهَايَأَةَ وَيَقْتَسِمَا إذَا بَدَا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ وَتَمَامُ التَّمْيِيزِ بِهِ يَحْصُلُ وَوَرَثَتُهُمَا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِمَا لِقِيَامِ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ الْمُهَايَأَةُ فِي دَارٍ وَأَرْضٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ هَذَا الدَّارَ وَيَزْرَعَ هَذَا الْأَرْضَ، وَكَذَلِكَ الْمُهَايَأَةُ فِي دَارٍ وَحَمَّامٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَنْفَعَتَيْنِ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْمُهَايَأَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا سُفْلَهُ وَالْآخَرُ عُلْوَهُ فَانْهَدَمَ الْعُلْوُ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَسْكُنَ مَعَ صَاحِبِهِ السُّفْلَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ سُكْنَى السُّفْلِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ سُكْنَى الْعُلْوِ لَهُ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ حِينَ انْهَدَمَ فَكَانَ هُوَ عَلَى حَقِّهِ فِي سُكْنَى السُّفْلِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ نَصِيبِهِ وَوَرَثَتُهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنْ كَانَا تَهَايَآ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فِي عَبْدٍ وَأَمَةٍ عَلَى أَنْ تَخْدُمَ الْأَمَةُ أَحَدَهُمَا وَالْعَبْدُ الْآخَرَ وَاشْتَرَطَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَعَامَ خَادِمِهِ فَفِي الْقِيَاسِ هَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ مَا يَتَنَاوَلُ مِنْ الطَّعَامِ فِي نَوْبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالْآدَمِيُّ قَدْ يَنْشَطُ لِلْأَكْلِ فِي وَقْتٍ وَلَا يَنْشَطُ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَالطَّعَامُ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ لِاسْتِوَاءِ مِلْكَيْهِمَا فِيهِ فَلَا تُمْكِنُ فِي هَذَا الشَّرْطِ مُعَاوَضَةٌ بَيْنَهُمَا فِيمَا هُوَ مَجْهُولٌ وَفِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ هَذَا الْقِيَاسُ أَوْضَحُ وَلَكِنْ اُسْتُحْسِنَ جَوَازُ ذَلِكَ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ وَاعْتِبَارِ مَا عَلَيْهِ عَادَةُ النَّاسِ مِنْ الْمُسَاهَلَةِ فِي أَمْرِ الطَّعَامِ، وَإِنْ اشْتَرَطَا الْكِسْوَةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَجُزْ لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ فِي الْكِسْوَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْكِسْوَةِ مِنْ الْمُسَاهَلَةِ مَا يَجْرِي فِي الطَّعَامِ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَتَنَاوَلُ يَتَقَوَّى عَلَى الْخِدْمَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّنَاوُلِ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ لِمَا لَهُ فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَالْجَهَالَةُ إذَا كَانَتْ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تُفْسِدُ الْعَقْدَ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْكِسْوَةِ إذْ لَيْسَ لِلْكِسْوَةِ تَأْثِيرٌ فِي إحْدَاثِ الْقُوَّةِ عَلَى زِيَادَةِ الْخِدْمَةِ فَإِنْ أَقَّتَا مِنْ الْكِسْوَةِ شَيْئًا مَعْرُوفًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ يَقِلُّ وَيَنْعَدِمُ بِعَدَمِ بَيَانِ الْوَصْفِ وَالْمُنَازَعَةُ تَنْقَطِعُ بِهِ وَلِأَنَّ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ هُنَا فِيمَا لَا يَتِمُّ مَعْنَى اللُّزُومِ فِيهِ فَإِنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى الْمُهَايَأَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ اللُّزُومِ لَا يَتِمُّ بِالْمُهَايَأَةِ وَفِي مِثْلِهِ الْبَيَانُ الْمَوْصُوفُ يَثْبُتُ بِالْقِسْمَةِ كَمَا فِي الصَّدَاقِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ كَانَتْ غَنَمٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَتَهَايَآ عَلَى أَنْ يَرْعَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهْرًا أَوْ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهَا أَجِيرًا جَازَ؛ لِأَنَّ الرَّعْيَ فِي الدَّوَابِّ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ فِي بَنِي آدَمَ أَوْ أَظْهَرَ مِنْهُ فَالتَّفَاوُتُ يَنْعَدِمُ هُنَا وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَوَلِيُّ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ حَوَائِجِهِ- يَرْجِعُ إلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ وَهُوَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ وَلَوْ تَهَايَآ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْأَمَتَيْنِ، ثُمَّ وَطِئَ أَحَدُهُمَا الْأَمَةَ الَّتِي عِنْدَهُ فَعَلِقَتْ فَسَدَتْ الْمُهَايَأَةُ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ حِينَ اسْتَوْلَدَهَا بِضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَكَمَا لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءُ الْمُهَايَأَةِ إلَّا بِعَمَلٍ مُشْتَرَكٍ فَكَذَلِكَ مَا لَا يَبْقَى وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِيهَا بَعْدَ مَا اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ أَوْ أَبِقَتْ انْتَقَضَتْ الْمُهَايَأَةُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِسَلَامَةِ خِدْمَةِ الْأُخْرَى لِشَرِيكِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْلَمَ لَهُ خِدْمَةُ الَّتِي هِيَ فِي يَدِهِ وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا أَوْ بِإِبَاقِهَا وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا الشَّهْرَ كُلَّهُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، ثُمَّ مَرِضَتْ أَوْ أَبِقَتْ نَقَّصَتْ الْآخَرَ مِنْ شَهْرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِاعْتِبَارِ الْمُعَادَلَةِ فِيمَا يَسْتَوْفِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ مَنْفَعَةِ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلَانِ الْمُهَايَأَةَ وَلَوْ لَمْ يَنْقُصْ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ حَتَّى تَمَّ الشَّهْرُ فِي خِدْمَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَضْلُ صَاحِبِهِ فِي اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْخِدْمَةِ وَالْخِدْمَةُ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبِقَتْ إحْدَاهُمَا الشَّهْرَ كُلَّهُ وَاسْتَخْدَمَ الْآخَرُ الْأُخْرَى الشَّهْرَ كُلَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْخِدْمَةِ ضَمَانٌ وَلَا أَجْرٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَتَقَوَّمُ بِالْإِتْلَافِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الشَّرِيكِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُهَايَأَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي ذَلِكَ ضَمَانٌ لِصَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ وَلَوْ عَطِبَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْخِدْمَةِ لَمْ يَضْمَنْهَا صَاحِبُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمِينٌ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِمَّا فِي يَدِهِ وَإِنَّمَا يَسْتَخْدِمُهَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ هُوَ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ زَوَّجَهَا مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ تَصَرُّفٌ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَثُبُوتُ الْوِلَايَةِ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ تَامٍّ فَمَا فِي يَدِهِ بَعْدَ الْمُهَايَأَةِ كَمَا قَبْلَهَا فَإِنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ فَالْمَهْرُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَذَلِكَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ كَالْأَرْشِ فَأَمَّا الَّذِي زَوَّجَ فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْمُسَمَّى وَمِنْ نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي مَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى وَرِضَاهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يُزَوَّجْ فَلَهُ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِالْقِسْمَةِ وَعَلَى هَذَا السُّكْنَى فِي الْمَنْزِلِ فَإِنَّهُ لَوْ انْهَدَمَ مِنْ سُكْنَى أَحَدِهِمَا أَوْ احْتَرَقَ مِنْ نَارٍ أَوْقَدَهَا فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَوْ تَوَضَّأَ فِيهَا فَزَلِقَ رَجُلٌ بِوُضُوئِهِ أَوْ وَضَعَ شَيْئًا فِيهَا أَوْ جَلَسَ فِيهَا أَوْ رَبَطَ فِيهَا دَابَّةً فَعَبَرَ بِهِ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ أَوْ غَيْرِهِمْ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَسْلِيطِ شَرِيكِهِ كَفِعْلِهِمَا جَمِيعًا وَلَوْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً أَوْ احْتَفَرَ فِيهَا بِئْرًا فَهُوَ ضَامِنٌ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى فَلَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْمُهَايَأَةِ فَكَانَ هُوَ مُتَعَدِّيًا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَالسَّبَبُ مَتَى كَانَ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي فَهُوَ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ دُونَ تَضْيِيعٍ فَلِهَذَا يَرْجِعُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَإِذَا تَهَايَأَ الرَّجُلَانِ فِي خَادِمَيْنِ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ أَحَدَهُمَا هَذَا سَنَةً لِفَضْلِ خِدْمَتِهَا وَالْأُخْرَى هَذَا الْآخَرَ سَنَتَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ لِوُجُودِ التَّرَاضِي مِنْهُمَا وَحُصُولُ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُعَادَلَةُ فِي الْخِدْمَةِ فَإِنْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا وَلَدًا وَمُدَّةُ الْمُهَايَأَةِ طَوِيلَةٌ فَشَبَّ الْوَلَدُ فِيهَا كَانَتْ خِدْمَتُهُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْخِدْمَةِ بِالْمُهَايَأَةِ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ الْإِجَارَةِ فَالْوَلَدُ تَوَلَّدَ مِنْ الْعَيْنِ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَالْأَصْلِ وَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْمُهَايَأَةُ مَقْصُودًا وَلَا تَبَعًا فَكَانَتْ خِدْمَتُهُ بَيْنَهُمَا كَخِدْمَةِ الْأَصْلِ قِيلَ وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُنَفِّذُوا الْمُهَايَأَةَ وَلَكِنْ نَصِيبُهُ يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّةِ نَصِيبِهِ بِمَوْتِهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ مُبَاشَرَةُ ابْتِدَاءِ الْمُهَايَأَةِ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُمْ اسْتِدَامَةُ الْمُهَايَأَةِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ إحْدَى الْخَادِمَيْنِ أَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَبَطَلَتْ الْمُهَايَأَةُ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ لَمْ تَبْقَ بَعْدَ مَا نَفَذَ بَيْعُهُ فِيهِ وَعِتْقُهُ وَإِذَا كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُبْطِلَ الْمُكَاتَبَةَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا حَتَّى أُدَّتْ بَطَلَتْ الْمُهَايَأَةُ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وَلَمْ يُسَلِّمْ لَمْ تَبْطُلْ الْمُهَايَأَةُ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ سَلَّمَ بَطَلَتْ الْمُهَايَأَةُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ نَصِيبِهِ وَفِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ يَزُولُ مِلْكُهُ فَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ سَلَّمَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ يَزُولُ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ لَمْ تَبْطُلْ الْمُهَايَأَةُ إلَّا أَنْ يَمْضِيَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ زَوَالَ مِلْكِهِ عَنْ الْبَيْعِ فِي الْمُدَّةِ مَا لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.