فصل: كتاب الْمُضَارَبَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.كتاب الْمُضَارَبَةِ:

(قَالَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- إمْلَاءً: الْمُضَارَبَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِسَعْيِهِ وَعَمَلِهِ فَهُوَ شَرِيكُهُ فِي الرِّبْحِ، وَرَأْسِ مَالِ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالتَّصَرُّفِ.
وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ هَذَا الْعَقْدَ مُقَارَضَةً وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا مُقَارَضَةً، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ وَهُوَ الْقَطْعُ فَصَاحِبُ الْمَالِ قَطَعَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَالِ عَنْ تَصَرُّفِهِ وَجَعَلَ التَّصَرُّفَ فِيهِ إلَى الْعَامِلِ بِهَذَا الْعَقْدِ فَسُمِّيَ بِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا اللَّفْظَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} يَعْنِي السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ، وَجَوَازُ هَذَا الْعَقْدِ عُرِفَ بِالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ فَمِنْ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ: «أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً شَرَطَ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِهِ بَحْرًا، وَأَنْ لَا يَنْزِلَ وَادِيًا، وَلَا يَشْتَرِيَ بِهِ ذَاتَ كَبِدٍ رَطْبٍ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ فَبَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ» وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً شَرَطَ مِثْلَ هَذَا.
وَرُوِيَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدِمَا الْعِرَاقَ وَنَزَلَا عَلَى أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَوْ كَانَ عِنْدِي فَضْلُ مَالٍ لَأَكْرَمْتُكُمَا وَلَكِنْ عِنْدِي مَالٌ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَابْتَاعَا بِهِ، فَإِذَا قَدِمْتُمَا الْمَدِينَةَ فَادْفَعَاهُ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَكُمَا رِبْحُهُ، فَفَعَلَا ذَلِكَ، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: هَذَا مَالُ الْمُسْلِمِينَ فَرِبْحُهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: لَا سَبِيلَ لَك إلَى هَذَا فَإِنَّ الْمَالَ لَوْ هَلَكَ كُنْت تُضَمِّنُنَا.
قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ- رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-: اجْعَلْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمُضَارِبَيْنِ، لَهُمَا نِصْفُ الرِّبْحِ وَلِلْمُسْلِمِينَ نِصْفُهُ فَاسْتَصْوَبَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: قَالَ كَانَ لَنَا مَالٌ فِي يَدِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَكَانَتْ تَدْفَعُهُ مُضَارَبَةً فَبَارَكَ اللَّهُ لَنَا فِيهِ لِسَعْيِهَا.
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْفَعُ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً عَلَى مَا رَوَى مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَبَدَأَ بِهِ الْكِتَابَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْطَاهُ مَالَ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً وَقَالَ لَا أَدْرِي كَيْفَ كَانَ الشَّرْطُ بَيْنَهُمَا؟ فَعَمِلَ بِهِ بِالْعِرَاقِ وَكَانَ بِالْحِجَازِ، الْيَتِيمُ كَانَ يُقَاسِمُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالرِّبْحِ، وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ الْيَتِيمِ، وَأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ النَّظَرِ فِي مَالِ الْيَتَامَى، وَأَنَّ لِلْمُضَارِبِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ الْمُسَافَرَةَ بِمَالٍ الْيَتِيمِ فِي طَرِيقٍ آمِنٍ أَوْ مَخُوفٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْقَوَافِلُ مُتَّصِلَةً، فَقَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْطَى زَيْدَ بْنَ خُلَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَالًا مُضَارَبَةً فَأَسْلَمَهُ إلَى عِتْرِيسِ بْنِ عُرْقُوبٍ فِي حَيَوَانٍ مَعْلُومٍ بِأَثْمَانٍ مَعْلُومَةٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَحَلَّ الْأَجَلُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَأَتَى عِتْرِيسٌ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَيْهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «خُذْ رَأْسَ مَالِك وَلَا تُسَلِّمْهُ شَيْئًا مِمَّا لَنَا فِي الْحَيَوَانِ».
وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ وَفَسَادِ السَّلَمِ، وَإِنَّمَا اشْتَدَّ عَلَى عِتْرِيسِ بْنِ عُرْقُوبٍ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ أَيْضًا، فَلَا يَظُنُّ بِهِ الْمُمَاطَلَةَ فِي قَضَاءِ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» وَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِالْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمْ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَنَدَبَهُمْ أَيْضًا إلَيْهِ عَلَى مَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ فَهُوَ أَسِيرٌ فَأَعِينُوهُ يَا عِبَادَ اللَّهِ ضَارِبُوهُ دَايِنُوهُ»؛ وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى هَذَا الْعَقْدِ فَصَاحِبُ الْمَالِ قَدْ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفِ الْمُرْبِحِ، وَالْمُهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفِ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ مَالٌ، وَالرِّبْحُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِهِمَا يَعْنِي: الْمَالَ وَالتَّصَرُّفَ.
فَفِي جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ يَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا.
وَجَوَازُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِالْمَالِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ مِنْ جَانِبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُنَاكَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الرِّبْحُ؛ فَيَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا شَرِكَةً فِي الرِّبْحِ؛ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِفَسْخِهِ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَهُ بِطَرِيقِ الشَّرِكَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ.
وَلِهَذَا الْعَقْدِ أَحْكَامٌ شَتَّى مِنْ عُقُودٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَإِنَّهُ إذَا أَسْلَمَ رَأْسَ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ فَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ، كَالْمُودَعِ وَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ وَكِيلٌ فِي ذَلِكَ يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ كَالْوَكِيلِ، فَإِذَا حَصَلَ الرِّبْحُ كَانَ شَرِيكَهُ فِي الرِّبْحِ وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً حَتَّى يَكُونَ لِلْمُضَارِبِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَإِذَا خَالَفَ الْمُضَارِبُ كَانَ غَاصِبًا ضَامِنًا لِلْمَالِ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا الْعَقْدِ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ وَكُلُّ شَرْطٍ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا مَعَ حُصُولِهِ فَهُوَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُفَوِّتٌ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْمُضَارَبَةَ بِالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ وَزِيَادَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَالَ أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَرْبَحْ إلَّا تِلْكَ الْعَشَرَةَ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ مَعَ حُصُولِهِ بِأَنْ لَمْ يَرْبَحْ إلَّا تِلْكَ الْعَشَرَةُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي الْمُضَارَبَةِ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ سَوَاءٌ يَتَحَاصُّونَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَالْمُرَادُ مُضَارَبَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَالْأَمِينُ بِالتَّجْهِيلِ يَصِيرُ ضَامِنًا فَهُوَ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ فَأَمَّا مَا كَانَ مُعَيَّنًا مَعْلُومًا فَصَاحِبُهُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ إلَّا بِمَا كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ فِي الْوَصِيِّ يُعْطِي مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَإِنْ شَاءَ أَبْضَعَهُ وَإِنْ شَاءَ اتَّجَرَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَكَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ إصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وَالْأَحْسَنُ وَالْأَصْلَحُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَتَّجِرَ بِمَالِهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى خَيْرًا كَيْ لَا تَأْكُلَهَا الصَّدَقَةُ» يَعْنِي: النَّفَقَةَ فَإِنْ احْتَسَبَ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ، أَوْ وَجَدَ أَمِينًا يَحْتَسِبُ ذَلِكَ.
وَالْأَنْفَعُ لِلْيَتِيمِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِضَاعَةً وَإِنْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَرُبَّمَا لَا يَرْغَبُ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ مَجَّانًا فَلَا بَأْسَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ أَنْفَعُ لِلْيَتِيمِ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ بَعْضِ الرِّبْحِ وَبِمَا لَا يَتَفَرَّغُ الْوَصِيُّ لِذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً إلَى غَيْرِهِ وَإِذَا جَازَ مِنْهُ هَذَا التَّصَرُّفُ مَعَ نَفْسِهِ فَمَعَ غَيْرِهِ أَوْلَى وَذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ قَاسَمَ الرِّبْحَ ضَمَانٌ وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ الْمُوَاضَعَةُ عَلَى الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْمُوَاضَعَةُ عَلَى الْمَالِ وَالرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَا عَلَيْهِ وَبِهِ أَخَذْنَا فَقُلْنَا: رَأْسُ الْمَالِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ لَهُ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً، وَيَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ: الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَصِحَّ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ وِلَايَةَ النَّظَرِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِلْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ لِعَجْزِ الْيَتِيمِ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مَالًا مُضَارَبَةً أَنْفَقَ فِي مُضَارَبَتِهِ خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ رَبِحَ قَالَ يُتِمُّ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ وَبِهِ أَخَذْنَا فَقُلْنَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا سَافَرَ بِهِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ كَانَ لِأَجْلِ الْعَمَلِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَيَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ فِيهِ كَالْمَرْأَةِ تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا فَرَّغَتْ نَفْسَهَا لَهُ، فَقُلْنَا: الرِّبْحُ لَا يَظْهَرُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ جَمِيعَ رَأْسِ الْمَالِ لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ اسْمٌ لِلْفَضْلِ فَمَا لَمْ يَحْصُلْ مَا هُوَ الْأَصْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ التَّاجِرِ لَا تَخْلُصُ لَهُ نَوَافِلُهُ مَا لَمْ تَخْلُصْ لَهُ فَرَائِضُهُ» فَالتَّاجِرُ لَا يَسْلَمُ لَهُ رِبْحُهُ حَتَّى يَسْلَمَ لَهُ رَأْسُ مَالِهِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَخَرَجَ بِهَا إلَى خُرَاسَانَ وَأَشْهَدَ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَنَّ هَذَا الْمَالَ مَالُ صَاحِبِ الْأَرْبَعَةِ الْآلَافِ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا حَقٌّ ثُمَّ أَقْبَلَ فَتُوُفِّيَ فِي الطَّرِيقِ فَأَشْهَدَ عِنْدَ مَوْتِهِ أَيْضًا بِذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ رَجُلًا جَاءَ بِصَكٍّ فِيهِ أَلْفُ مِثْقَالٍ مُضَارَبَةً مَعَ هَذَا الرَّجُلِ لَهُ بِهَا بَيِّنَةٌ وَهِيَ قَبْلَ الْأَرْبَعَةِ الْآلَافِ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَالَ عَامِرٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَشْهَدُ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّ الْمَالَ لِصَاحِبِ الْأَرْبَعَةِ الْآلَافِ وَبِهِ نَأْخُذُ فَإِنَّ حَقَّ الْآخَرِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِتَجْهِيلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ يَتَعَلَّقُ بِشَرِكَةِ الْمَيِّتِ لَا بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَمَانَةِ وَإِنَّمَا أَفْتَى الشَّعْبِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- بِهَذَا لِإِقْرَارِهِ بِالْعَيْنِ لِصَاحِبِ الْأَرْبَعَةِ الْآلَافِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ لَا لِإِقْرَارِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِالدَّيْنِ أَوْ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ صَحِيحًا فِي حَقِّ مَنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِالْبَيِّنَةِ لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِي ذَلِكَ وَإِقْرَارُهُ فِي الصِّحَّةِ بِذَلِكَ مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ وَعَنْ الْحَسَنِ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْمُضَارَبَةَ وَالشَّرِكَةَ بِالْعُرُوضِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَكُونُ الْمُضَارَبَةُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَسْتَحْسِنُ أَنْ تَكُونَ الْمُضَارَبَةُ بِالْفُلُوسِ كَمَا تَكُونُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمُضَارَبَةِ بِالْفُلُوسِ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- رِوَايَةً وَاحِدَةً أَنَّهَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ رَائِجَةً فَهِيَ ثَمَنٌ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ مُقَابَلَتُهَا بِجِنْسِهَا وَبِخِلَافِ جِنْسِهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَالْعَقْدُ بِهَا يَكُونُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ لَا بَيْعًا فَيَكُونُ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ عَلَى ضَمَانِ الثَّمَنِ فَهُوَ وَالْمُضَارَبَةُ بِالدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ بِالْفُلُوسِ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ لَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِخِلَافِ جِنْسِهَا وَهَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي الْأَصْلِ رُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّ الْمُضَارَبَةَ بِالْفُلُوسِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَسَدَتْ فَهِيَ كَالْعُرُوضِ فَهِيَ ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ مَبِيعٍ مِنْ وَجْهٍ وَهِيَ ثَمَنٌ لِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ دُونَ الْبَعْضِ فَكَانَتْ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّهَا ثَمَنٌ دَيْنًا وَمَبِيعٌ عَيْنُهَا فَلَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهَا، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُضَارَبَةِ بِالدَّرَاهِمِ التِّجَارِيَّةِ فَقَالَ: لَوْ جَوَّزْتُ ذَلِكَ جَازَتْ الْمُضَارَبَةُ بِالطَّعَامِ بِمَكَّةَ يَعْنِي أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَتَبَايَعُونَ بِالطَّعَامِ كَمَا أَنَّ أَهْلَ بُخَارَى يَتَبَايَعُونَ بِالْبُرِّ بِعَيْنِهِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: الصَّحِيحُ جَوَازُ الْمُضَارَبَةِ بِهَا عِنْدِي؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَعَزِّ النُّقُودِ عِنْدَنَا كَالدَّنَانِيرِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ.
وَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُضَارَبَةَ بِالتِّبْرِ لَا تَجُوزُ، وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ دُونَ التِّبْرِ، وَذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ التِّبْرَ لَا يُتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهِ فَذَلِكَ دَلِيلُ جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ بِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فِي الرَّوَاجِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُرَوَّجُ التِّبْرُ رَوَاجَ الْأَثْمَانِ وَتَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِهِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَعِ لَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، أَوْ قَالَ: مَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ رِبْحٍ، أَوْ قَالَ مَا رَزَقَك اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ رِبْحٍ، أَوْ مَا رَبِحْت فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ كُلُّهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُبْنَى عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى اخْتِلَافِ الْعِبَارَةِ بَعْدَ اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ.
وَالْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ اشْتِرَاطُ التَّنَاصُفِ فِي الرِّبْحِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ عُشْرَ الرِّبْحِ وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِلْمُضَارِبِ جُزْءٌ شَائِعٌ مَعْلُومٌ وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الرِّبْحِ مَعَ حُصُولِهِ فَمَا مِنْ شَيْءٍ يَحْصُلُ مِنْ الرِّبْحِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلَّا وَلَهُ عُشْرٌ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَتْ الْأَلْفُ الْمَدْفُوعَةُ جَيِّدَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ تَغْلِبُ عَلَى الْعُشْرِ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ مِنْ النَّقْرَةِ فِيهَا وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَلِلْمُضَارِبِ مِنْ ذَلِكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُوجِبُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الرِّبْحِ مَعَ حُصُولِهِ فَرُبَّمَا لَا يَرْبَحُ إلَّا مِقْدَارَ الْمِائَةِ فَيَأْخُذُهُ مِنْ شَرْطٍ لَهُ وَيُجِيبُ الْآخَرُ وَفِي هَذَا الشَّرْطِ عَيْبٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَيْضًا وَرُبَّمَا يَرْبَحُ أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَا يُسَلِّمُ جَمِيعَ الْمِائَةِ لِمَنْ شَرَطَ لَهُ مَعَ حُصُولِ الرِّبْحِ؛ فَلِهَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ.
فَإِنْ عَمِلَ ذَلِكَ فَرَبِحَ مَالًا أَوْ لَمْ يَرْبَحْ شَيْئًا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ بِعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا يَكُونُ بِنَفْسِهِ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ وَإِنَّمَا يَسْتَوْجِبُ أَجْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ لِرَبِّ الْمَالِ وَابْتَغَى عَنْ عَمَلِهِ عِوَضًا فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، ثُمَّ إنْ كَانَ حَصَلَ الرِّبْحُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- لَا يُجَاوِزُ بِأَجْرِ مَا سُمِّيَ لَهُ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فِي شَرِكَةِ الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الرِّبْحُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهُ قَالَ: أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُضَارِبِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْعَقْدِ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ فِي الْحُكْمِ وَلَا طَرِيقَ لِمَعْرِفَةِ حُكْمِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إلَّا هَذَا فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَكَذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ.
وَجْهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَذَا الْعَقْدِ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ حُصُولُ الرِّبْحِ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ، ثُمَّ الْفَاسِدُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالْجَائِزِ إذَا كَانَ انْعِقَادُ الْفَاسِدِ مِثْلَ انْعِقَادِ الْجَائِزِ كَالْبَيْعِ وَهُنَا الْمُضَارَبَةُ الصَّحِيحَةُ تَنْعَقِدُ شَرِكَةَ إجَارَةٍ، وَالْمُضَارَبَةُ الْفَاسِدَةُ تَنْعَقِدُ إجَارَةً فَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ عِنْدَ إيفَاءِ الْعَمَلِ، وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ، فَقِيلَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَهُوَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ إذَا تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ انْعَقَدَ إجَارَةً وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ بِهَذَا الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَالْأَجِيرُ الْمُشْتَرِكُ لَا يُضَمَّنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَعِنْدَهُمَا هُوَ ضَامِنٌ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ فَمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مُضَارَبَةٍ فَاسِدَةٍ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَلِلْمُضَارِبِ رِبْحُ نِصْفِ الْمَالِ أَوْ قَالَ رِبْحُ عُشْرِ الْمَالِ، أَوْ قَالَ: رِبْحُ مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْمَعْنَى اشْتِرَاطَ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ لَهُ عُشْرُ الرِّبْحِ وَبَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ لَهُ رِبْحَ عُشْرِ الْمَالِ وَلَا أَجْرَ لِلْمُضَارِبِ فِي عَمَلِهِ هُنَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ الرِّبْحُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ هُوَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الرِّبْحُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا لِانْعِدَامِ مَحَلِّ حَقِّهِ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَلِلْمُضَارِبِ رِبْحُ هَذِهِ الْمِائَةِ بِعَيْنِهَا أَوْ رِبْحُ هَذَا الصِّنْفِ بِعَيْنِهِ مِنْ الْمَالِ فَهِيَ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ مَعَ حُصُولِهِ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ لَا يَرْبَحَ فِيمَا يَشْتَرِي بِتِلْكَ الْمِائَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُزَارَعَةِ بِمَا سَقَتْ السَّوَانِي وَالْمَاذِيَانَاتُ فَأَفْسَدَهَا» وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْخَارِجِ مَعَ حُصُولِهِ فَيَتَعَدَّى ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ بِهَذَا الْمَعْنَى، فَإِنْ عَمِلَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى الْعَمَلَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ، أَوْ قَالَ: بِالْخُمُسِ، أَوْ قَالَ: بِالثُّلُثَيْنِ، فَأَخَذَهَا وَعَمِلَ بِهَا فَهِيَ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ وَمَا شَرَطَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْمُضَارِبِ وَمَا بَقِيَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِالشَّرْطِ فَأَمَّا رَبُّ الْمَالِ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بِمَا مَلَكَهُ فَمُطْلَقُ الشَّرْطِ يَنْصَرِفُ إلَى جَانِبِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَعُرْفُ النَّاسِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ وَالثَّابِتُ بِالْعُرْفِ مِنْ التَّعْيِينِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: الثُّلُثَانِ مِنْ الرِّبْحِ لَك حَتَّى إذَا قَالَ: إنَّمَا عَنَيْتُ أَنَّ الثُّلُثَيْنِ لِي لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ مَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَعَارَفُ وَالْقَوْلُ فِي الْمُنَازَعَاتِ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَحَرْفُ الْبَاءِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بِالثُّلُثَيْنِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الرِّبْحَ عِوَضًا وَهُوَ الْمُضَارِبُ وَأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ فَلِهَذَا كَانَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ لِلْمُضَارِبِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ خُذْهَا مُعَاوَضَةً بِالنِّصْفِ أَوْ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِأَلْفٍ أَوْ الْمَكِيلَ بِأَلْفٍ؟ وَلَوْ قَالَ: خُذْهَا عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا وَلَمْ تَزِدْ عَلَى هَذَا فَهُوَ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ تَنْصِيصٌ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَمُطْلَقُ الِاشْتِرَاكِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ إذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ أَوْ هَذَا الْمَالُ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ كَانَ مُنَاصَفَةً بَيْنَهُمَا؟ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ الرِّبْحُ: بَيْنَنَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ اشْتِرَاطِ الْمُنَاصَفَةِ فِي الرِّبْحِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ كَلِمَةِ بَيْنَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ قَوْله تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} وَالْمُرَادُ التَّسْوِيَةُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}.
وَلَوْ قَالَ خُذْهَا فَاعْمَلْ بِهَا عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ مُضَارَبَةً فَهِيَ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِمَعْنَى الْمُضَارَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى لَفْظِ الْمُضَارَبَةِ وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِالتَّصْرِيحِ بِالْمَعْنَى، وَلَيْسَ لِهَذَا الْعَقْدِ حُكْمٌ يَدُلُّ لَفْظُ الْمُضَارَبَةِ خَاصَّةً عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اعْمَلْ بِهَذِهِ الْأَلْفِ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ رِبْحِهَا أَوْ جُزْءًا مِنْ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ رِبْحِهَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِالشَّرْطِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى شَرْطِ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ فَاعْمَلْ بِهَا بِالنِّصْفِ، أَوْ قَالَ: بِالثُّلُثِ فَهِيَ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِانْعِدَامِ التَّنْصِيصِ عَلَى مَا شَرَطَهُ لَهُ الثُّلُثُ وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ: إنَّمَا يُرَادُ بِهَذَا فِي الْعُرْفِ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لِلْمُضَارِبِ وَحَرْفُ الْبَاءِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَلِلْقِيَاسِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إيجَابَ الثُّلُثِ لَهُ مِنْ أَصْلِ الْأَلْفِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إيجَابَ الثُّلُثِ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: فِي عُرْفِ النَّاسِ الْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ اشْتِرَاطُ الثُّلُثِ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ وَمَا لَوْ أَتَى بِلَفْظِ الْمُضَارَبَةِ سَوَاءٌ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ: فِي وَصِيَّتِهِ أَوْصَيْتُ لَكَ بِثُلُثِي بَعْدَ مَوْتِي جَازَ اسْتِحْسَانًا وَكَانَ وَصِيَّةً لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ لِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ؟ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ الْأَلْفَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ كُلُّهُ لِلْمُضَارِبِ فَقَبَضَ الْمَالَ عَلَى هَذِهِ فَرَبِحَ أَوْ وَضَعَ أَوْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ فَهُوَ قَرْضٌ عَلَيْهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ جَمِيعِ التَّرِكَةِ لَهُ يَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَى تَمْلِيكِ أَصْلِ الْمَالِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الرِّبْحِ مَا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْمَالِ.
وَلِلتَّمْلِيكِ طَرِيقَانِ الْهِبَةُ وَالْإِقْرَاضُ فَعِنْدَ التَّرَدُّدِ لَا يَثْبُتُ إلَّا أَدْنَى الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ بِهِ وَأَدْنَى الْوَجْهَيْنِ الْقَرْضُ فَلِهَذَا جُعِلَ مُقْرِضًا الْمَالَ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، فَهَذِهِ بِضَاعَةٌ مَعَ الْمُضَارِبِ وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا رِبْحٌ، وَلَا أَجْرٌ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ إنْ هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ مَا ابْتَغَى عَنْ عَمَلِهِ عِوَضًا فَيَكُونُ هُوَ فِي الْعَمَلِ مُعَيِّنًا لِصَاحِبِ الْمَالِ، وَالْمُعَيِّنُ فِي التِّجَارَةِ مُسْتَصْنِعٌ فَيَكُونُ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً، وَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يَعْنِهِ فِي شَيْءٍ حِينَ شَرَطَ جَمِيعَ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ وَهَذَا الْأَصْلُ الَّذِي قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَقْصُودِ فِي كُلِّ عَقْدٍ دُونَ اللَّفْظِ.
وَلَوْ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ مُضَارَبَةً أَوْ مُقَارَضَةً وَلَمْ يَذْكُرْ رِبْحًا فَهِيَ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى لَفْظِ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ اسْتِرْدَادًا لِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِ الْمُضَارِبِ وَذَلِكَ الْجُزْءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَجَهَالَتُهُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا، وَمِثْلُهُ إذَا كَانَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلِلْمُضَارِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ.
وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلَمْ يُسَمِّ لِلْمُضَارِبِ شَيْئًا فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبَيِّنَا مَا هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنَّمَا ذَكَرَا مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ وَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى ذَلِكَ فَرَبُّ الْمَالِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ اشْتِرَاطِ الثُّلُثِ لِرَبِّ الْمَالِ اشْتِرَاطُ مَا بَقِيَ لِلْمُضَارِبِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ وَالْمَفْهُومُ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ اشْتِرَاطَ بَعْضِ الرِّبْحِ لِعَامِلٍ آخَرَ يَعْمَلُ مَعَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّنَ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ وَهُوَ بَيَانُ نَصِيبِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ عَقْدُ شَرِكَةٍ فِي الرِّبْحِ وَالْأَصْلُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا فِي حَقِّ الْآخَرِ إنَّ لَهُ مَا بَقِيَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} مَعْنَاهُ وَلِلْأَبِ مَا بَقِيَ وَهُنَا إلَيْهِ الْمَالُ مُضَارَبَةً فَذَلِكَ تَنْصِيصٌ عَلَى الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الرِّبْحِ، فَإِذَا قَالَ: عَلَى أَنَّ لِي ثُلُثَ الرِّبْحِ، يَصِيرُ كَأَنْ قَالَ: وَلَكَ مَا بَقِيَ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لَكَ ثُلُثَ الرِّبْحِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: وَلِي مَا بَقِيَ وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا عَلَى مَا اشْتَرَطَا، فَهَذَا مِثْلُهُ وَهَذَا عَمَلٌ بِالْمَنْصُوصِ لَا بِالْمَفْهُومِ وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ ثُلُثَ الرِّبْحِ أَوْ سُدُسَهُ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ فِي نَصِيبِ الْمُضَارِبِ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ وَلَكِنْ رَدَّدَهُ بَيْنَ الثُّلُثِ وَالسُّدُسِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ تُمْكِنُ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُضَارِبُ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ وَلَك مَا بَقِيَ النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثُ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ لِجَهَالَةٍ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فِيمَا شُرِطَ لِلْمُضَارِبِ وَلَوْ شُرِطَ لِلْمُضَارِبِ ثُلُثُ الرِّبْحِ وَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُ الرِّبْحِ فَالثُّلُثُ لِلْمُضَارِبِ كَمَا شُرِطَ إلَيْهِ وَالْبَاقِي كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُضَارِبِ بِالشَّرْطِ وَمَا شُرِطَ لَهُ إلَّا الثُّلُثُ، وَرَبُّ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ مَا بَقِيَ لِكَوْنِهِ بِمَا مَلَكَهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَكُونُ لَهُ وَلَوْ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ لِتَشْتَرِيَ بِهَا هَرَوِيًّا بِالنِّصْفِ أَوْ قَالَ: لِتَشْتَرِيَ بِهَا رَقِيقًا بِالنِّصْفِ فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِبَعْضِ مَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْمُشْتَرَى وَذَلِكَ فَاسِدٌ ثُمَّ هَذَا اسْتِئْجَارٌ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ اسْتِئْجَارًا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ خَاصَّةً وَالرِّبْحُ لَا يَحْصُلُ بِالشِّرَاءِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ وَبِالْبَيْعِ وَهُوَ بِالْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ.
عَرَفْنَا أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَيْسَ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا فِي الرِّبْحِ فَبَقِيَ اسْتِئْجَارًا عَلَى الشِّرَاءِ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ وَهَذَا فَاسِدٌ يَعْنِي بِهِ الْإِجَارَةَ فَأَمَّا الْوَكَالَةُ بِالشِّرَاءِ فَجَائِزَةٌ وَمَا اُشْتُرِيَ بِهَا يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ.
وَلِلْمُضَارِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا اُشْتُرِيَ؛ لِأَنَّهُ ابْتَغَى فِي عَمَلِهِ عِوَضًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَى إلَّا بِأَمْرِ رَبِّ الْمَالِ فَإِنْ بَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ.
فَإِنْ تَلِفَ مَا بَاعَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ فَالْمُضَارِبُ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهِ حِينَ بَاعَ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ غَاصِبٌ وَالثَّمَنُ الَّذِي بَاعَ بِهِ الْمُضَارِبُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ مِنْ جِهَتِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي غَرِمَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَأَصْلُهُ فِي الْمُودِعِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ وَإِذَا أَجَازَ رَبُّ الْمَالِ بَيْعَ الْمُضَارِبِ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ قَائِمٌ أَمْ هَالِكٌ؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْأَصْلِ الْمَعْلُومِ وَاجِبٌ حَتَّى يُعْلَمَ غَيْرُهُ وَقَدْ عَلِمْنَا قِيَامَهُ فَجَازَ الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، وَالثَّمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ لَا يَتَصَدَّقُ مِنْهُ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ كَانَ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ عَلِمَ هَلَاكَهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَإِجَارَتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُلْكَ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ عِنْدَ الْإِجَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَقْبَلُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ حَتَّى يَنْفُذَ الْعَقْدُ فِيهِ بِالْإِجَارَةِ فَإِذَا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ كَانَ الْمُضَارِبُ ضَامِنًا لِلْقِيمَةِ يَوْمَ بَاعَهُ وَالثَّمَنُ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ إذَا كَانَ فِيهِ وَلَوْ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ فَابْتَعْ بِهَا مَتَاعًا فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ فَلَكَ النِّصْفُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ أَيْضًا لِأَنَّ الِابْتِيَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ الشِّرَاءِ فَهَذَا وَقَوْلُهُ اشْتَرِ بِهَا بِالنِّصْفِ سَوَاءٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هَذِهِ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الِابْتِيَاعِ عَامٌّ يَقَعُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ جَمِيعًا وَبِقَوْلِهِ فَمَا كَانَ مِنْ فَضْلٍ.
تَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِمَا فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَدَا لَهُ وَيَبِيعَهُ وَإِنَّمَا شَرَطَ لَهُ نِصْفَ الرِّبْحِ فَكَانَتْ مُضَارَبَةً جَائِزَةً وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ خُذْهَا بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ هَذِهِ أَفْسَدُ مِنْ قَوْلِهِ اشْتَرِ بِهَا هَرَوِيًّا بِالنِّصْفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هُنَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعَمَلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ حَرْفًا يَدُلُّ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ حَرْفُ الْبَاءِ وَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى الْعِوَضِ لَهُ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ، وَعَمَلُهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِاعْتِبَارِهِ عِوَضًا مُسَمًّى هُوَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ جَمِيعًا فَكَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِمَا.
وَبِهَذِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ اشْتِرَاطُ نِصْفِ الرِّبْحِ لَهُ فَأَمَّا هُنَاكَ فَنَصَّ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ الْعِوَضَ بِمُقَابِلَتِهِ وَهُوَ الشِّرَاءُ فَيَكُونُ اسْتِئْجَارًا بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: خُذْهَا عَلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّ حَرْفَ عَلَى وَحَرْفَ الْبَاءِ مُسْتَعْمَلَانِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَحَلِّ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا وَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اعْمَلْ بِهَذِهِ عَلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْعَمَلِ هُنَا وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ لِلْعَمَلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الرِّبْحُ وَذَلِكَ الشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ جَمِيعًا وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يُعْطِيَ الْمُضَارِبُ رَبَّ الْمَالِ مَا شَاءَ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارِبَ مَا شَاءَ مِنْ الرِّبْحِ فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْفَصْلَيْنِ فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ الْمَشْرُوطَةَ لِأَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ لَازِمَةً فِي حَقِّ الْآخَرِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ وَعِنْدَ رُجُوعِهِ تَتَمَكَّنُ مِنْهُمَا الْمُنَازَعَةُ بِاعْتِبَارِ جَهَالَةِ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ مَا شَاءَ مِنْ الرِّبْحِ وَلِلْآخَرِ مَا بَقِيَ فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ الشَّرْطِ أَوْ صَاحِبَ مَا بَقِيَ وَلَوْ اشْتَرَطَا لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَالْبَاقِي لِلْمُضَارِبِ فَهَذِهِ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ مَعَ حُصُولِهِ فَرُبَّمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا قَدْرُ الْمِائَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَا لِلْمُضَارِبِ نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ نِصْفَ الرِّبْحِ وَزِيَادَةَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَهَذِهِ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ مُخَاطَرَةٌ لَا مُضَارَبَةٌ فَرُبَّمَا يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْ الرِّبْحِ دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَتَعَذَّرُ مُرَاعَاةُ الشَّرْطِ عَلَيْهِمَا مَعَ حُصُولِ الرِّبْحِ وَلَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ مُضَارَبَةً عَلَى مِثْلِ مَا شَرَطَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ مِنْ الرِّبْحِ فَإِنْ كَانَا قَدْ عَلِمَا جَمِيعًا مَا شَرَطَهُ فُلَانٌ لِفُلَانٍ فَهُوَ مُضَارَبَةٌ لِأَنَّهُمَا جَعَلَا الْمَشْرُوطَ لِفُلَانٍ عِيَارًا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا ضَارِبًا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُمَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدُهُمَا فَهِيَ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لَهُمَا بِمَا ذَكَرَا فِي الْعَقْدِ لَمْ يَصِرْ ذَلِكَ مَعْلُومًا لَهُمَا فَفَسَدَ الْعَقْدُ لِجَهَالَةِ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ عِنْدَهُمَا أَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ مُضَارَبَةً وَلَا يَدْرِي وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا وَزْنُهَا فَهِيَ مُضَارَبَةٌ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ أَبْلَغُ مِنْ الْإِعْلَامِ بِالتَّسْمِيَةِ وَرَأْسُ الْمَالِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ كَالْوَدِيعَةِ، وَالدَّرَاهِمُ تَتَعَيَّنُ فِي الْأَمَانَةِ وَعِنْدَ الشِّرَاءِ بِهَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهَا بِالْوَزْنِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا فَجَهَالَةُ الْمِقْدَارِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ قِسْمَةِ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ قَوْلُ الْقَابِضِ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَلِلْمُضَارِبِ ثُلُثُهُ وَلِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثُهُ وَلِعَبْدِ الْمُضَارِبِ ثُلُثُهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَثُلُثَا الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِلْعَبْدِ الَّذِي دِينَ عَلَيْهِ كَالْمَشْرُوطِ لِمَوْلَاهُ فَإِنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْمُضَارِبِ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِلْعَبْدِ الْمُضَارِبِ وَلَكِنَّهُ شَرَطَ لِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ فَقُلْنَا الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لِعَبْدِهِ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ أَوْ يُجْعَلُ هَذَا فِي حَقِّهِ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ اشْتِرَاطُ الثُّلُثِ لِعَبْدِ الْمُضَارِبِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِكَسْبِهِ فَالثُّلُثَانِ مِنْ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ كَسْبِ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ يَمْنَعُ مُلْكَ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ وَيَكُونُ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَالْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمَشْرُوطِ لِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَلَوْ شَرَطَ ثُلُثَ الرِّبْحِ لِأَجْنَبِيٍّ كَانَ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِعَمَلٍ أَوْ مَالٍ وَلَيْسَ لِلْمَشْرُوطِ لَهُ عَمَلٌ وَلَا مَالٌ فِي هَذَا الْعَقْدِ فَيَلْغُو مَا شُرِطَ لَهُ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَيْسَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا صُلْبُ الْعَقْدِ بَيَانُ حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ بِالشَّرْطِ وَلَا فَسَادَ فِي ذَلِكَ، وَعَقْدُ الْمُضَارَبَةِ نَظِيرُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا شُرِطَ لِلْمُضَارِبِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ هُنَاكَ فِيمَا هُوَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَكِنْ مَا نَحْنُ فِيهِ نَظِيرُ مَا لَوْ شُرِطَ أَنْ تَكُونَ الْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ فَاسِدٌ وَالْوَضِيعَةُ عَلَى الْمَالِ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- فَثُلُثَا الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْوَلِيُّ يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ فَالْمَشْرُوطُ لِعَبْدِ الْمُضَارِبِ كَالشَّرْطِ لِلْمُضَارِبِ عِنْدَهُمَا وَلَوْ كَانَ اشْتَرَطَ ثُلُثَ الرِّبْحِ لِامْرَأَةِ الْمُضَارِبِ أَوْ لِابْنِهِ أَوْ لِمُكَاتَبِهِ كَانَ ذَلِكَ الشُّرْطُ بَاطِلًا وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ وَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَثُلُثَا الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ وَالِابْنِ فِي هَذَا الْعَقْدِ مَالٌ وَلَا عَمَلٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ وَلَكِنْ مَا شُرِطَ لَهُ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ اشْتَرَطَ الثُّلُثَ لِامْرَأَةِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَلَوْ كَانَ الثُّلُثُ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ لِلْحَجِّ أَوْ فِي الرِّقَابِ فَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا سُمِّيَ لَهُ ثُلُثُ الرِّبْحِ لَيْسَ مِنْ جَانِبِهِ رَأْسُ مَالٍ وَلَا عَمَلٌ فَالشَّرْطُ لَهُ يَلْغُو وَاشْتِرَاطُهُ لِلْمَسَاكِينِ تَصَدُّقٌ بِمَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ فَكَانَ بَاطِلًا وَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَسَدَ جَمِيعُ الْمُضَارَبَةِ كَانَ جَمِيعُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ فَكَذَلِكَ إذَا فَسَدَ بَعْضُ الشَّرْطِ كَانَ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ إنَّمَا يَمْلِكُ بِالشَّرْطِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ بِبَيِّنَةٍ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عِنْدَ رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٌ وَدِيعَةً فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى رَأْسِ مَالٍ هُوَ عَيْنٌ وَهُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُضَارِبِ عَقِيبَ الْعَقْدِ وَلَمْ يُذْكَرْ مَا لَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مَغْصُوبَةً فِي يَدِ ذِي الْيَدِ فَقَالَ: اعْمَلْ بِهَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَفِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- قَالَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- هَذَا الْوَدِيعَةُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى رَأْسِ مَالِ عَيْنٍ وَذَلِكَ مِنْهُ رِضَاءً بِقَبْضِ الْمُضَارِبِ وَإِسْقَاطِهِ لِحَقِّهِ فِي الضَّمَانِ فَيَلْحَقُ بِالْأَمَانَةِ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- هَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُضَارِبِ وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَصْلُحُ قَابِضًا مِنْ نَفْسِهِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ حَتَّى يَنْسَخَ بِهِ حُكْمَ الْغَصْبِ وَلِهَذَا لَوْ وُكِّلَ الْغَاصِبُ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ حَتَّى يَبِيعَهُ وَيُسَلِّمَهُ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ هُنَا لَا تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا مُضَارَبَةً وَيَشْتَرِيَ بِهَا مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْمَتَاعِ ثُمَّ يَبِيعُهُ بِالنِّصْفِ فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْمُضَارَبَةِ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ عَيْنًا وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا بَعْدَهُ.
فَالْمَدْيُونُ لَا يَكُونُ قَابِضًا لِلدَّيْنِ مِنْ نَفْسِهِ لِصَاحِبِهِ، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُبْرِئَهُ عَنْ الضَّمَانِ مَعَ بَقَائِهِ بِدُونِ الْقَبْضِ فَإِذَا لَمْ تَصْلُحْ الْمُضَارَبَةُ فَمَا اشْتَرَاهُ الْمَدْيُونُ فَهُوَ لَهُ لَا شَيْءَ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَدَيْنُهُ عَلَيْهِ بِحَالِهِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَا اشْتَرَى فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ، وَالْمُضَارِبُ بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِهِ وَلَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ إذَا قَالَ لِمَدْيُونِهِ: اشْتَرِ بِمَالِي عَلَيْك ثَوْبًا هَرَوِيًّا وَقَدْ بَيَّنَّاهَا ثَمَّةَ، ثُمَّ عِنْدَهُمَا الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ فَلِهَذَا كَانَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلِلْمُضَارِبِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لِرَجُلٍ آخَرَ اقْبِضْ مَا لِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ اعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ رَبِّ الْمَالِ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ مِنْهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ كَانَ الْمَقْبُوضُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ فِي يَدِهِ فَتَنْعَقِدُ الْمُضَارَبَةُ بَيْنَهُمَا بِرَأْسِ مَالٍ هُوَ عَيْنٌ فِي يَدِهِ وَذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ هَذَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً قَبْلَ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا حَصَلَ بِهِ الرِّبْحُ وَهُوَ تَقَاضَى الدَّيْنَ وَقَبَضَهُ فَالْكَرَاهَةُ لِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بِفَسَادِ الشَّرْطِ فِي الْبَعْضِ لَا يَزْدَادُ الشَّرْطُ فِي جَانِبِ الْمُضَارِبِ فَلَا يَزْدَادُ حَقُّهُ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ ثُلُثَ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ وَثُلُثَهُ يَقْضِي بِهِ دَيْنَ الْمُضَارِبِ الَّذِي لِلنَّاسِ عَلَيْهِ أَوْ مَالِي الَّذِي لِفُلَانٍ عَلَيْهِ فَثُلُثُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ، وَالْمُضَارَبَةُ جَائِزَةٌ وَثُلُثَا الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ إنَّمَا يَقْضِي الدَّيْنَ بِمُلْكِ نَفْسِهِ فَمَا شَرَطَ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمُضَارِبِ يَكُونُ مَشْرُوطًا لِلْمُضَارِبِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ إلَى الْمَدْيُونِ فِي تَعْيِينِ الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ وَاَلَّذِي سَبَقَ مِنْهُ وَعْدٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ بَعْضِ الرِّبْحِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ، وَالْمَوَاعِيدُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ.
وَلَوْ دَفَعَ رَجُلَانِ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ ثُلُثَ رِبْحِ جَمِيعِ الْمَالِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ فَثُلُثُهُ لِأَحَدِ صَاحِبَيْ الْمَالِ بِعَيْنِهِ وَالثُّلُثَانِ لِلْآخَرِ فَعَمِلَ الْمُضَارِبُ عَلَى هَذَا وَرَبِحَ فَثُلُثُ جَمِيعِ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ كَمَا شُرِطَ وَالْبَاقِي بَيْنَ صَاحِبِ الْمَالِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ وَاَلَّذِي شَرَطَ لِنَفْسِهِ ثُلُثَيْ مَا بَقِيَ يَكُونُ شَارِطًا لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ رِبْحِ مَالِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ رَأْسُ مَالٍ أَوْ عَمَلٌ وَهَذَا الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُضَارِبِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ صَحِيحًا.
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ اشْتَرَطَ أَنَّ لَهُ ثُلُثَ الرِّبْحِ ثُلُثَا ذَلِكَ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَالثُّلُثُ مِنْ حِصَّةِ الْآخَرِ عَلَى أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ بَيْنَ صَاحِبَيْ الْمَالِ نِصْفَانِ فَلِلْمُضَارِبِ ثُلُثُ الرِّبْحِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ثُلُثَا ذَلِكَ مِنْ حِصَّةِ الَّذِي اشْتَرَطَ ذَلِكَ وَالثُّلُثُ مِنْ حِصَّةِ الْآخَرِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ بَيْنَ صَاحِبَيْ الْمَالِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا خَمْسَةٌ لِلَّذِي شُرِطَ لِلْمُضَارِبِ مِنْ حِصَّتِهِ ثُلُثَيْ ثُلُثِ الرِّبْحِ وَسَبْعَةٌ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّك تَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفٌ وَثُلُثٌ يَنْقَسِمُ ثُلُثُهُ أَثْلَاثًا وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ عَشَرَ فَقَدْ شُرِطَ لِلْمُضَارِبِ ثُلُثُ ذَلِكَ سِتَّةُ أَسْهُمٍ ثُلُثَا ذَلِكَ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مِنْ نَصِيبِ الَّذِي شُرِطَ لِثُلُثَيْ الثُّلُثِ وَثُلُثُهُ وَهُوَ سَهْمَانِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَالٍ عَلَى حِدَةٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ مُضَارَبَةً، وَالْمُضَارِبُ قَدْ يَسْتَقْصِي فِيمَا يَشْتَرِطهُ لِنَفْسِهِ بِعَمَلِهِ فِيمَا لِزَيْدٍ وَيُسَامِحُ فِيمَا يَشْتَرِطُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ عَمْرٍو فَإِذَا صَحَّ هَذَا الشَّرْطُ قُلْنَا رَبِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبْعَةَ أَسْهُمٍ فَاَلَّذِي شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ أَرْبَعَةً مِنْ نَصِيبِهِ يَبْقَى لَهُ خَمْسَةٌ وَاَلَّذِي شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ سَهْمَيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ يَبْقَى لَهُ سَبْعَةٌ فَكَانَ الْبَاقِي مُقِيمًا بَيْنَهُمَا عَلَى مِقْدَارِ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَكُونُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا، وَاشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ بَيْنَهُمَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَنْ بَقِيَ لَهُ خَمْسَةٌ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ سَهْمًا مِنْ رِبْحِ مَالِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ رَأْسُ مَالٍ أَوْ عَمَلٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ ثُلُثَ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ وَثُلُثَهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَثُلُثَهُ لِمَنْ شَاءَ الْمُضَارِبُ فَالثُّلُثَانِ مِنْ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَرْطِ الْمَشِيئَةِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُضَارِبِ فَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ الْقَدْرُ كَالْمَشْرُوطِ فَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ بِخِلَافِ الْمَشْرُوطِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ فَعَلَى الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً ظَاهِرَةً لَهُ وَهِيَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمَشْرُوطِ لِلْمُضَارِبِ وَلَوْ قَالَا ثُلُثُ الرِّبْحِ لِمَنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ فَهُوَ وَالْمَسْكُوتُ عَنْهُ سَوَاءٌ فَيَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ وَإِذَا دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلَيْنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَلِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ نُصَفُّ الرِّبْحِ وَلِلْآخِرِ سُدُسُ الرِّبْحِ وَلِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثُ الرِّبْحِ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ شَرَطَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُضَارِبَيْنِ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الرِّبْحِ وَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا فِي الشَّرْطِ لِتَفَاوُتِهِمَا فِي الْهِدَايَةِ فِي التِّجَارَةِ الْمُرْبِحَةِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَوْ دَفَعَ رَجُلَانِ إلَى رَجُلَيْنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنَّ لِأَحَدِ الْمُضَارِبَيْنِ بِعَيْنِهِ مِنْ الرِّبْحِ الثُّلُثَ وَلِلْآخَرِ السُّدُسَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ صَاحِبَيْ الْمَالِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ فَعَمِلَا وَرَبِحَا فَنِصْفُ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبَيْنِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا ثُلُثَاهُ لِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَهُمَا بِالشَّرْطِ وَهَكَذَا شَرَطَ لَهُمَا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ صَاحِبَيْ الْمَالِ نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمَا بِاعْتِبَارِ رَأْسِ الْمَالِ، وَقَدْ تَفَاوَتَا فِي ذَلِكَ.
فَاشْتِرَاطُ الْفَضْلِ لِأَحَدِهِمَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ مَالٌ أَوْ عَمَلٌ يَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا وَلَوْ قَالَ لِلْمُضَارِبَيْنِ نِصْفُ الرِّبْحِ بَيْنَكُمَا لِفُلَانٍ مِنْهُ الثُّلُثَانِ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِ صَاحِبَيْ الْمَالِ ثُلُثَاهُ وَمِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِفُلَانٍ الْآخَرُ مِنْهُ الثُّلُثُ ثُلُثَا ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبَيْ الْمَالِ وَهُوَ الَّذِي أَعْطَى لَهُ نَصِيبَهُ وَثُلُثُ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ صَاحِبَيْ الْمَالِ نِصْفَيْنِ فَعَمِلَا فَرَبِحَا فَنِصْفُ الرِّبْحِ بَيْنَ الْمُضَارِبَيْنِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ صَاحِبَيْ الْمَالِ عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ لِلَّذِي شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ ثُلُثَيْ النِّصْفِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْآخَرِ خَمْسَةٌ وَتَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى نَحْوِ تَخْرِيجِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِأَنْ يَجْعَلَ الرِّبْحَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تِسْعَةٌ وَالْمَشْرُوطُ لِأَحَدِ الْمُضَارِبَيْنِ ثُلُثَا الرِّبْحِ وَهُوَ سِتَّةٌ مِنْ تِسْعَةٍ ثُلُثَا ذَلِكَ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَثُلُثُهُ وَهُوَ سَهْمَانِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَاَلَّذِي شُرِطَ لَهُ ثُلُثُ النِّصْفِ ثُلُثُهُ ثُلُثُ ذَلِكَ وَهُوَ سَهْمٌ مِمَّنْ أَعْطَى الْآخَرُ أَرْبَعَةً وَثُلُثَاهُ وَهُوَ سَهْمَانِ مِمَّنْ أَعْطَى الْآخَرُ سَهْمَيْنِ فَاَلَّذِي شَرَطَ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ أَحَدُ الْمُضَارِبَيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ أَرْبَعَةً وَالْآخَرُ سَهْمًا وَاحِدًا فَإِذَا دَفَعْتَ ذَلِكَ مِنْ تِسْعَةٍ بَقِيَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَالْآخَرُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُضَارِبَيْنِ سَهْمَيْنِ بَقِيَ لَهُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ فَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مِقْدَارِ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَكُونُ عَلَى تِسْعَةٍ لِأَحَدِهِمَا خَمْسَةٌ وَلِلْآخَرِ أَرْبَعَةٌ وَاشْتِرَاطُهُمَا الْمُنَاصَفَةَ فِيمَا بَقِيَ بَاطِلٌ لِمَا قُلْنَا وَإِذَا دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَخْلِطَهَا الْمُضَارِبُ بِأَلْفٍ مِنْ قِبَلِهِ ثُمَّ يَعْمَلُ بِهِمَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَلِلْمُضَارِبِ ثُلُثَاهُ وَلِلدَّافِعِ ثُلُثُهُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتِرَاطًا لِأَنَّ الْعَامِلَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ رِبْحَ مَالَ نَفْسِهِ وَثُلُثَ رِبْحِ مَالَ صَاحِبِهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ الْأَلْفَ مُضَارَبَةً بِثُلُثِ الرِّبْحِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ الدَّافِعُ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ وَلِلْعَامِلِ ثُلُثُهُ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى قَدْرِ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ جَمِيعَ رِبْحَ مَالِهِ فَيَكُونُ دَافِعًا الْمَالَ مِنْ وَجْهِ الْبِضَاعَةَ وَشَرَطَ أَيْضًا لِنَفْسِهِ جُزْءًا مِنْ رِبْحِ مَالِ الْعَامِلِ وَهَذَا مِنْهُ طَمَعٌ فِي غَيْرِ مَطْمَعٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي مَالِ الْعَامِلِ رَأْسُ مَالٍ وَلَا عَمَلٌ فَيَبْطُلُ هَذَا الشَّرْطُ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَخْلِطَهَا بِأَلْفٍ مِنْ قِبَلِهِ وَيَعْمَلَ بِهِمَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ لِلْمُضَارِبِ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ نِصْفُ ذَلِكَ مِنْ رِبْحِ أَلْفِ صَاحِبِهِ وَنِصْفُهُ مِنْ رِبْحِ أَلْفِهِ خَاصَّةً وَعَلَى أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبْحِ لِلدَّافِعِ فَهُوَ جَائِزٌ لِلْمُضَارِبِ ثُلُثَا الرِّبْحِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَالثُّلُثُ لِرَبِّ الْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ شَرَطَ الدَّافِعُ لِلْمُضَارِبِ جُزْءًا مِنْ رِبْحِ مَالِهِ بِعَمَلِهِ فِيهِ وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ، ثُمَّ يَقُولُ فِي بَيَانِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ سُدُسَ الرِّبْحِ صَارَ لِلدَّافِعِ مِنْ رِبْحِ مَالِ الْمُضَارِبِ وَصَارَ لَهُ سُدُسُ مِثْلِهِ مِنْ رِبْحِ أَلْفِهِ الَّذِي صَارَ لِلْمُضَارِبِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَصِحُّ فَمُبَادَلَةُ رِبْحٍ لَمْ يُوجَدْ بِرِبْحٍ لَمْ يُوجَدْ كَيْفَ يَكُونُ صِحِّيًّا وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ فَائِدَةٌ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ بَعْدَ خَلْطِ الْمَالَيْنِ لَا فَرْقَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَ سُدُسِ الرِّبْحِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ أَلْفِهِ وَبَيْنَ مِثْلِهِ مِنْ أَلْفِ صَاحِبِهِ وَالشَّرْطُ إنَّمَا يُرَاعَى إذَا كَانَ مُفِيدًا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَمَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا يَكُونُ لَغْوًا وَيَبْقَى اشْتِرَاطُ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ مُطْلَقًا فَيَكُونُ صَحِيحًا عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَخْلِطَهُمَا بِأَلْفٍ مِنْ قِبَلِهِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ رِبْحَ أَلْفِهِ وَرُبْعَ رِبْحِ مَالِ الدَّافِعِ، وَدَفْعُ الْمَالِ مُضَارَبَةً بِرُبْعِ الرِّبْحِ صَحِيحٌ.
فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الرِّبْحِ وَلِلْعَامِلِ رُبُعَهُ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ شَرَطَ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ لِنَفْسِهِ وَطَمِعَ فِي جُزْءٍ مِنْ رِبْحِ مَالِ الْعَامِلِ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ رَأْسُ مَالٍ وَلَا عَمَلٍ فَكَانَ هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.