فصل: باب زكاة الأرضين والغنم والإبل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب زكاة الأرضين والغنم والإبل:

(قَالَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَجُلٌ لَهُ أَرْضٌ عُشْرِيَّةٌ فَمَنَحَهَا لِمُسْلِمٍ فَزَرَعَهَا فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ وَالْخَارِجُ سُلِّمَ لِلْمُسْتَعِيرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ الْتَزَمَهُ فَيَكُونُ هَذَا وَالْخَارِجُ مِنْ مِلْكِهِ فِي حَقِّهِ سَوَاءً.
وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْعُشْرَ عَلَى الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ فَيَجِبُ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ كَالْخَرَاجِ إلَّا أَنَّهُ فَرَّقَ مَا بَيْنَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُشْرِ حُصُولُ النَّمَاءِ حَقِيقَةً وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمُعِيرَ آثَرَ الْمُسْتَعِيرَ عَلَى نَفْسِهِ فِي تَحْصِيلِ النَّمَاءِ فَيَكُونُ مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ حَقِّ الْفُقَرَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ زَرَعَ الْأَرْضَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ وَهَبَ الْخَارِجَ مِنْ غَيْرِهِ (قَالَ: وَلَوْ مَنَحَهَا لِرَجُلٍ كَافِرٍ) فَعُشْرُهَا عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هُنَا مَنَحَهَا مَنْ لَا عُشْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَيَصِيرُ بِهِ مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ حَقِّ الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْأَوَّلِ إنَّمَا يَمْنَحُهَا لِمُسْلِمٍ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَلْزَمَهُ الْعُشْرُ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَهْلِكًا بَلْ يَكُونُ مُحَوِّلًا حَقَّهُمْ مِنْ نَفْسِهِ إلَى غَيْرِهِ (قَالَ): وَلَوْ غَصَبَهَا مُسْلِمٌ فَزَرَعَهَا فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ نَقَصَهَا فَالْعُشْرُ عَلَى رَبِّهَا؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ ضَامِنٌ لِنُقْصَانِ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ يُسَلِّمُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَيَلْزَمُهُ الْعُشْرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِهِمَا الْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَجَرَهَا مِنْ مُسْلِمٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْهَا الزَّرْعُ فَلَا عُشْرَ عَلَى رَبِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَلَا كَانَ مُسَلِّطًا لِلزَّارِعِ عَلَى زِرَاعَتِهَا وَلَكِنَّ الْعُشْرَ فِي الْخَارِجِ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ سُلِّمَتْ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَإِنْ غَصَبَهَا مِنْهُ كَافِرٌ فَإِنْ نَقَصَهَا الزِّرَاعَةُ فَالْعُشْرُ عَلَى رَبِّهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ سُلِّمَ لَهُ عِوَضُ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَجَرَهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْهَا فَلَا عُشْرَ فِيهَا؛ لِأَنَّ مَنْ سُلِّمَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَلْزَمَهُ الْعُشْرُ وَالْمَالِكُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عَلَى الْغَاصِبِ عُشْرَهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ سُلِّمَتْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَسْلَمُ أَنْ لَوْ كَانَ مَالِكًا لِلْأَرْضِ، وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ عِنْدَهُ الْكَافِرَ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهِ عُشْرُهَا كَمَا كَانَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي مَصْرِفِ الْعُشْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْكَافِرِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي السِّيَرِ وَالزَّكَاةِ (قَالَ): وَلَوْ أَعَارَ الْمُسْلِمُ أَرْضَهُ الْخَرَاجِيَّةَ فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ، وَقَدْ كَانَ الْمُعِيرُ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ الْخَرَاجُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ، وَمُؤْنَةُ الْمِلْكِ تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ إلَّا أَنَّ فِي الْعُشْرِ مَحَلَّ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ الْخَارِجَ فَأَمْكَنَ إيجَابُهَا فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ مُسْلِمًا أَوْجَبْنَا الْخَرَاجَ فِي الْخَارِجِ وَمَحَلِّ الْخَرَاجِ ذِمَّةَ الْمَالِكِ فَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا كَانَ الْخَرَاجُ عَلَى الْمَالِكِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ غَصَبَهَا مُسْلِمٌ، أَوْ كَافِرٌ فَعَلَى الْغَاصِبِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ وَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّهَا وَيَسْتَوِي إنْ قَلَّ النُّقْصَانُ، أَوْ كَثُرَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَخْرَجَهَا بِعِوَضٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ النُّقْصَانُ مِثْلَ الْخَرَاجِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّهَا، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ أَقَلَّ فَعَلَى الْغَاصِبِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْهَا الزِّرَاعَةُ شَيْئًا فَالْخَرَاجُ عَلَى الْغَاصِبِ دُونَ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ دُونَ الْمَالِكِ (قَالَ): وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ زَرَعَهَا، وَلَمْ تُخْرِجْ شَيْئًا، أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَلَا خَرَاجَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَزْرَعْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا عَطَّلَهَا فَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَإِذَا زَرَعَهَا فَلَمْ تُخْرِجْ شَيْئًا، أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ انْعَدَمَ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَهُوَ مُصَابٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُعَانُ، وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اسْتِئْصَالِهَا وَمِمَّا حُمِدَ مِنْ سِيَرِ الْأَكَاسِرَةِ أَنَّهُ إذَا أَصَابَ زَرْعَ بَعْضِ الرَّعِيَّةِ آفَةٌ غَرِمُوا لَهُ مَا أَنْفَقَ فِي الزِّرَاعَةِ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ، وَقَالُوا التَّاجِرُ شَرِيكٌ فِي الْخُسْرَانِ كَمَا هُوَ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ الْإِمَامُ شَيْئًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ لَا يُغَرِّمَهُ الْخَرَاجَ فَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا وَلَكِنَّهَا غَرِقَتْ ثُمَّ نَضَبَ الْمَاءُ عَنْهَا فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى زِرَاعَتِهَا قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَلَوْ نَضَبَ الْمَاءُ عَنْهَا فِي وَقْتٍ يَقْدِرُ عَلَى زِرَاعَتِهَا قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ زَرَعَهَا، أَوْ لَمْ يَزْرَعْهَا لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا (قَالَ): وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً لِلتِّجَارَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّ فِيهَا الْعُشْرَ، أَوْ الْخَرَاجَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُشْرِ، أَوْ الْخَرَاجِ بِاعْتِبَارِ نَمَاءِ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى النَّمَاءِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقَّيْنِ يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا رَجَّحْنَا مَا تَقَرَّرَ فِيهَا، وَهُوَ الْعُشْرُ، أَوْ الْخَرَاجُ فَقَدْ صَارَ ذَلِكَ وَظِيفَةً لَازِمَةً لِهَذِهِ الْأَرْضِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِنِيَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ أَسْرَعُ وُجُوبًا مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا كَمَالُ النِّصَابِ، وَلَا صِفَةُ الْغِنَى فِي الْمَالِكِ وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي رَقَبَةِ الدَّارِ وَظِيفَةٌ أُخْرَى فَتُعْمَلُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِيهَا حَتَّى تَلْزَمَهُ الزَّكَاةُ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ عُشْرِيَّةً فَاشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ فَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْخَارِجِ وَالزَّكَاةُ إنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ مَالِيَّةِ الْأَرْضِ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ فَقَدْ اخْتَلَفَ مَحَلُّ الْحَقَّيْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ كَالزَّكَاةِ وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ وَقَدْ صَحَّ مِنْ أَصْلِ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْعُشْرُ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ وَالْخَرَاجُ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ ثُمَّ لَمْ يُجْزِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (قَالَ) وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَعَلَيْهِ فِيهَا الْخَرَاجُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّ هَذَا بَعْدَ مَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَنْهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ اسْتَحَقَّهَا مُسْلِمٌ، أَوْ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ كَانَتْ عُشْرِيَّةً عَلَى حَالِهَا سَوَاءٌ وُضِعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ، أَوْ لَمْ يُوضَعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَنْهَا فَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ مَا وُضِعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ عَيْبٌ، وَهَذَا عَيْبٌ حَدَثَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَمْنَعُهُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُسْلِمًا لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً بِشَرْطِ أَنَّ خَرَاجَهَا دِرْهَمٌ فَوَجَدَهُ دِرْهَمَيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا فَإِنْ كَانَ زِيَادَةُ الْخَرَاجِ عَيْبًا فَكَذَلِكَ أَصْلُ الْخَرَاجِ فَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ رَجَعَ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُضِعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ حَتَّى وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا بِيعَتْ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ هُنَا وَمُرَادُهُ مِنْ وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا مُطَالَبَةُ صَاحِبِهَا بِأَدَاءِ الْخَرَاجِ (قَالَ): وَلَوْ أَنَّ تَغْلِبِيًّا اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَلِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ يُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَلِأَنَّ كَافِرًا آخَرَ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً كَانَ الْعُشْرُ عَلَيْهِ مُضَاعَفًا عِنْدَهُ فَالتَّغْلِبِيُّ أَوْلَى وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ عُشْرٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ تَضْعِيفَ الْعُشْرِ فِي الْأَرَاضِي الْأَصْلِيَّةِ لَهُمْ، وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الصُّلْحُ فَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَرَضِينَ التَّغْلِبِيُّ كَغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ وَمَا صَارَ وَظِيفَةً فِي الْأَرْضِ لَا يَتَبَدَّلُ بِتَبَدُّلِ الْمِلْكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً كَانَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَرْضِ نَجْرَانَ كَانَ عَلَيْهِ الْمَالُ عَلَى حَالِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ يُضَعَّفَ عَلَيْهِمْ مَا يَبْذُلُهُ الْمُسْلِمُ وَالْخَرَاجُ مِمَّا لَا يَبْذُلُهُ الْمُسْلِمُ فَلَا يُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الْعُشْرُ مِمَّا يَبْذُلُهُ الْمُسْلِمُ فَيُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ الصُّلْحِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سَائِمَةً مِنْ مُسْلِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فِيهَا مُضْعِفَةً وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي وَقْتٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ زِرَاعَتِهَا قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ مَا تَمَلَّكَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى زِرَاعَتِهَا حَتَّى تَمْضِيَ السَّنَةُ فَالْخَرَاجُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي السَّنَةِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ.
(قَالَ): وَإِنْ بَاعَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً بِمَا فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ بَلَغَ فَالْعُشْرُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ بِإِدْرَاكِ الزَّرْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ فِيهَا ثُمَّ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مِلْكِهِ صَارَ مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ حَقِّ الْفُقَرَاءِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِلْعُشْرِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الزَّرْعُ فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عُشْرُ الزَّرْعِ غَلَى الْبَائِعِ وَفَضْلُ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي الْقَصِيلِ إذَا قَصَلَهُ صَاحِبُهُ وَإِذَا لَمْ يَقْصِلْهُ حَتَّى انْعَقَدَ الْحَبُّ فَإِنَّمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْحَبِّ دُونَ الْقَصِيلِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْحَبُّ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ الْعُشْرُ عَلَيْهِ، وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: هُوَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَالِكِ كَذَلِكَ فَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّرْعُ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ، وَانْعِقَادُ الْحَبِّ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُشْرِ فِي النَّمَاءِ الْحَاصِلِ، وَأَصْلُ الزَّرْعِ إنَّمَا حَصَلَ لِلْبَائِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَأَمَّا الْمُشْتَرِي إنَّمَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بِعِوَضٍ، وَهُوَ الثَّمَنُ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْعُشْرِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَأَوْجَبْنَاهُ عَلَى الْبَائِعِ وَمَا حَصَلَ مِنْ الْفَضْلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ إنَّمَا يَسْلَمُ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ عِوَضٍ فَعَلَيْهِ عُشْرُ ذَلِكَ الْفَضْلِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَضْرَاوَاتِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ عِنْدَهُمَا (قَالَ) وَلَوْ أَنَّ أَرْضًا غَصَبَهَا رَجُلٌ فَزَرَعَهَا فَالزَّرْعُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَتَصَدَّقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِشَيْءٍ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فِيمَا إذَا تَصَرَّفَ الْغَاصِبُ فِي الْمَغْصُوبِ، أَوْ تَصَرَّفَ الْمُودَعُ وَرَبِحَ (قَالَ): فَإِنْ كَانَ أَجَرَهَا بِمَالٍ كَثِيرٍ يَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا، وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهَا قَبْلَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ بِاعْتِبَارِ مُضِيِّ الْحَوْلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَيَّنَهَا فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ هُنَاكَ كَانَ مِلْكًا طَيِّبًا لَهُ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَ التَّصَدُّقَ بِهَا بِنَذْرِهِ وَالِالْتِزَامُ بِالنَّذْرِ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهَا وَيُمْسِكَهَا فَلِهَذَا لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ فِيهَا وَأَمَّا هُنَا إنَّمَا لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ فِي عَيْنِ هَذَا الْمَالِ حَيْثُ تَمَكَّنَ مِنْهُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ وَيُمْسِكَهُ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ فَإِنْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا فَقَالَ: عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهَا وَالْفَضْلُ يَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا كَامِلٌ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ الْحَوْلِ، وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ بِمَعْنَى التَّطْهِيرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي هَذَا الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ الْخَبَثُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْفَضْلِ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهَا فَقُلْنَا يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَمَا كَانَ يَتَصَدَّقُ قَبْلَ الْحَوْلِ.
(قَالَ) وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا بَاعَ أَرْضَهُ الْعُشْرِيَّةَ بِمَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ لَمْ يُدْرِكْ مِنْ كَافِرٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُوضَعُ فِيهَا الْخَرَاجُ لِأَنَّ الْحَبَّ انْعَقَدَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي زَرَعَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْبَائِعِ عُشْرُ الزَّرْعِ وَيُوضَعُ الْخَرَاجُ عَلَى الْكَافِرِ أَمَّا قَوْلُهُ عَلَى الْبَائِعِ عُشْرُ الزَّرْعِ صَحِيحٌ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ فِيمَا بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيُوضَعُ الْخَرَاجُ عَلَى الْكَافِرِ فَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَعَلَيْهِ فِيهَا عُشْرَانِ، وَلَا يُوضَعُ الْخَرَاجُ عَلَيْهِ فَهُنَا أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ يَجِبُ فِي الْفَضْلِ عُشْرَانِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا كَانَ عَلَيْهِ عُشْرُ الْفَضْلِ فَإِذَا كَانَ كَافِرًا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْفَضْلِ عُشْرَانِ (قَالَ): وَإِنْ أَجَرَهَا مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَزْرَعْهَا فَلَا عُشْرَ فِيهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعُشْرِ الْخَارِجُ وَلَمْ يَحْصُلْ وَلَوْ عَطَّلَهَا الْمَالِكُ لَمْ يَجِبْ عُشْرُهَا عَلَى أَحَدٍ فَكَذَلِكَ إذَا عَطَّلَهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَلَكِنْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَجْرُ إنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَبِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ يَتَقَرَّرُ الْأَجْرُ عَلَيْهِ.
(قَالَ): وَلَوْ أَنَّ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ مَاتَ رَبُّهَا قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ وَرَثَتُهُ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ فِي مَعْنَى الصِّلَةِ فَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى التَّرِكَةِ كَالزَّكَاةِ ثُمَّ خَرَاجُ الْأَرْضِ مُعْتَبَرٌ بِخَرَاجِ الرَّأْسِ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْنَى الصِّغَارِ وَكَمَا أَنَّ خَرَاجَ الرَّأْسِ يَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَكَذَلِكَ خَرَاجُ الْأَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ.
(قَالَ): وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ، وَفِيهَا زَرْعٌ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ عَلَى حَالِهِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، وَقَالَ يَسْقُطُ بِمَوْتِ رَبِّ الْأَرْضِ فَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الزَّرْعُ كَمَا حَصَلَ صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَرَبِّ الْأَرْضِ عُشْرُهُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ وَتِسْعَةُ أَعْشَارِهِ حَقُّ رَبِّ الْأَرْضِ، وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ الْعُشْرِ الْمَالِكُ حَتَّى يَجِبَ فِي أَرْضِ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ وَالْمَدْيُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَبِمَوْتِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْآخَرِ وَلَكِنْ يَبْقَى بِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَأَمَّا الْخَرَاجُ مَحَلُّهُ الذِّمَّةُ وَبِمَوْتِهِ خَرَجَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِالْتِزَامِ الْحُقُوقِ وَالْمَالُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الذِّمَّةِ فِيهَا فِيمَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الصِّلَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وُجُوبَ الْخَرَاجِ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَمَالُ الصَّبِيِّ مُحْتَمِلٌ لِلْمُؤْنَاتِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَاتِ (قَالَ): وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَجَّلَ خَرَاجَ أَرْضِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَذَلِكَ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْخَرَاجِ مِلْكُ الْأَرْضِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا، ذَلِكَ مَوْجُودٌ وَالتَّعْجِيلُ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ جَائِزٌ لِسَنَةٍ وَلِسَنَتَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ لِسَنَتَيْنِ كَانَ جَائِزًا فَكَذَلِكَ إذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ النِّصَابِ لِسَنَتَيْنِ كَانَ جَائِزًا فَأَمَّا إذَا عَجَّلَ عُشْرَ أَرْضَهُ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَهَا لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الْعُشْرَ، وَإِنْ كَانَ مُؤْنَةَ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِاعْتِبَارِ حُصُولِ الْخَارِجِ فَلَا يَتِمُّ السَّبَبُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ وَقَبْلَ تَمَامِ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَهَا سَائِمَةً وَبَعْدَ مَا زَرَعَهَا جَازَ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ سَوَاءٌ اسْتَحْصَدَ، أَوْ لَمْ يَسْتَحْصِدْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ تَمَّ، وَلَمْ يَبْقَ إلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ إلَّا مُجَرَّدُ مُضِيِّ الزَّمَانِ فَهُوَ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ بَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَإِنْ عَجَّلَ عُشْرَ نَخْلَهُ قَالَ: هُنَا يُجْزِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إنْ حَصَلَ الطَّلْعُ جَازَ التَّعْجِيلُ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِ لِأَنَّ مِلْكَ النَّخْلِ كَمِلْكِ الْأَرْضِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْعُشْرَ لَا يَجِبُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي الْخَارِجِ مِنْهُ فَكَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الْعُشْرِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْأَرْضِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ عُشْرِ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الطَّلْعُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَّلَ عُشْرَ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ الْحَبُّ؛ لِأَنَّ الْقَصِيلَ مَحَلٌّ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَصَلَهُ كَمَا هُوَ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الْعُشْرِ مِنْهُ فَلِهَذَا جَازَ التَّعْجِيلُ بِاعْتِبَارِهِ وَأَمَّا النَّخْلُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْعُشْرِ فَإِنَّهُ لَوْ قَطَعَهُ كَانَ حَطَبًا لَا شَيْءَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْعُشْرُ بِاعْتِبَارِهِ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُجُوبِ الْعُشْرِ إلَّا مُجَرَّدُ مُضِيِّ الزَّمَانِ فَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ كَمَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ عَنْ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ الْحَبُّ وَعَنْ النِّصَابِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ (قَالَ) وَلَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَرْضَ نَخْلٍ، أَوْ مُشْجِرَةٌ فَلَا خَرَاجَ فِيهَا لَكِنْ يُوضَعُ عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا تَطِيقُ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا خَرَاجُ الْكَرْمِ، وَلَا خَرَاجَ الرُّطَبَةِ، وَلَا خَرَاجُ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ هَذِهِ الْأَرَاضِي فِي الِانْتِفَاعِ وَلَكِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا وَظَّفَ مِنْ الْخَرَاجِ اعْتَبَرَ الطَّاقَةَ حَيْثُ قَالَ لِلَّذِينَ مَسَحَا الْأَرَاضِي لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرَاضِيَ مَا لَا تُطِيقُ فَقَالَا: بَلْ حَمَّلْنَاهَا مَا تَطِيقُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الطَّاقَةُ فَفِي الْمُشْجِرَةِ وَأَرْضِ النَّخْلِ تُعْتَبَرُ الطَّاقَةُ أَيْضًا، ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى غَلَّتِهِ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ غَلَّةِ الرُّطَبَةِ فَخَرَاجُهَا مِثْلُ خَرَاجِ أَرْضِ الرُّطَبَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ غَلَّةِ الْكَرْمِ، وَكَذَلِكَ.
(قَالَ): فَإِنْ عَجَّلَ خَرَاجَ أَرْضِهِ ثُمَّ غَرِقَتْ تِلْكَ السَّنَةَ كُلَّهَا فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا أَدَّى مِنْ خَرَاجِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ خَرَاجُهَا وَيَدُ الْإِمَامِ فِي الْخَرَاجِ الْمُعَجَّلِ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَ هَذَا فِي زَكَاةِ السَّائِمَةِ إذَا عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إلَى السَّاعِي ثُمَّ هَلَكَتْ السَّائِمَةُ وَالْمُعَجَّلُ قَائِمٌ فِي يَدِ السَّاعِي فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ فِي الْخَرَاجِ (قَالَ): فَإِنْ زَرَعَهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَحْسِبُ لَهُ مَا أَدَّى مِنْ خَرَاجِهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ إنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ فِي ذَلِكَ الْمَالِ كَيَدِهِ، وَلَا فَائِدَةَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ ثُمَّ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ فِي الزَّكَاةِ إذَا عَجَّلَهَا وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي ذَلِكَ الْحَوْلِ فَإِنَّ الْمُعَجَّلَ لَا يُجْزِئُ عَمَّا يَلْزَمُهُ فِي حَوْلٍ آخَرَ.
قُلْنَا ذَلِكَ فِيمَا إذَا دَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ فَتَتِمُّ تَطَوُّعًا عِنْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ وَهُنَا لَا يَتِمُّ الْمُؤَدَّى خَرَاجًا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فَيُحْسَبُ ذَلِكَ لَهُ مِنْ خَرَاجِهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي (قَالَ): فَإِنْ أَجَرَ أَرْضِهِ سِنِينَ فَغَرِقَتْ سَنَةً فَلَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي الْإِجَارَةَ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْضُبَ الْمَاءُ عَنْهَا، وَلَا خَرَاجَ عَلَى رَبِّهَا فِي السَّنَةِ الَّتِي غَرِقَتْ فِيهَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَقَدْ انْعَدَمَ إلَّا أَنَّ فَرْقَ مَا بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَجْرَ يَجِبُ لِلْمُدَّةِ الَّتِي مَضَتْ قَبْلَ أَنْ تَغْرَقَ وَالْخَرَاجُ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ عِوَضٌ يَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَسَبِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ فَأَمَّا الْخَرَاجُ إنَّمَا يَجِبُ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ حِينَ غَرِقَتْ الْأَرْضُ وَتَكُونُ الْإِجَارَةُ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ مَعَ بَقَائِهَا بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَتَبْقَى الْإِجَارَةُ مَا لَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي الْعَقْدَ فَإِنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا لَا تَعُودُ الْإِجَارَةُ مُسْتَقْبَلَةً؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِفَسْخِ الْعَقْدِ وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لَهُ قَائِمٌ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ إذَا أَبَقَ فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي الْعَقْدَ حَتَّى عَادَ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بَاقِيَةً، وَإِنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا لَمْ تَعُدْ الْإِجَارَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ عَادَ مِنْ إبَاقِهِ.
(قَالَ): وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا أَدَّى أَبُوهُ عُشْرَ أَرْضَهُ أَوْ خَرَاجَهَا، أَوْ أَدَّى ذَلِكَ وَصِيُّهُ فَهُمَا ضَامِنَانِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا إذَا أَدَّيَا الْعُشْرَ إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْخَرَاجَ إلَى الْمُقَاتِلَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ فِيهِمَا لِلسُّلْطَانِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ بِأَدَائِهَا إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمُقَاتِلَةِ فَأَمَّا إذَا أَدَّيَا إلَى السُّلْطَانِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَكَيْفَ يَضْمَنَا وَالسُّلْطَانُ يُطَالِبُهُمَا بِذَلِكَ وَيُجْبِرُهُمَا عَلَى الْأَدَاءِ ثُمَّ بَيَّنَ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْخُمْسِ وَالْجِزْيَةِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَمِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَقَدْ بَيَّنَّا جَمِيعَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ.
(قَالَ): فَإِنْ اشْتَرَى بِمَالِ الْخَرَاجِ غَنَمًا سَائِمَةً لِلتِّجَارَةِ، وَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اجْتَمَعَتْ الْغَنَمُ الْمَأْخُوذَةُ فِي الزَّكَاةِ فِي يَدِ الْإِمَامِ، وَهِيَ سَائِمَةٌ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا فَائِدَةَ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ مَصْرِفَ الْوَاجِبِ وَالْمُوجِبَ فِيهِ وَاحِدٌ، وَهُنَا فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فَائِدَةٌ فَإِنَّ مَصْرِفَ الْمُوجِبَ فِيهِ الْمُقَاتِلَةُ وَمَصْرِفَ الْوَاجِبِ الْفُقَرَاءُ فَكَانَ الْإِيجَابُ مُفِيدًا فَلِهَذَا تَجِبُ الزَّكَاةُ (قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِي هَذَا الْفَصْلِ نَظَرٌ فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْمَالِكِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ فِي سَوَائِمِ الْوَقْفِ، وَلَا فِي سَوَائِمِ الْمُكَاتَبِ وَيُعْتَبَرُ فِي إيجَابِهَا صِفَةُ الْغِنَى لِلْمَالِكِ، ذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا إذَا اشْتَرَاهَا الْإِمَامُ بِمَالِ الْخَرَاجِ لِلْمُقَاتِلَةِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ الْمَالِكِ وَصِفَةِ الْغِنَى لَهُ.
(قَالَ): وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ اسْتَفَادَ عَشَرَةَ أَبْعِرَةٍ فَضَمَّهَا مَعَهَا ثُمَّ ضَاعَ مَعَهَا عَشَرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ لَا يَعْلَمُ مِنْ أَيِّهِمَا هِيَ فَعَلَيْهِ ثَلَاثٌ مِنْ الْغَنَمِ فِيهَا وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْجُمْلَةَ كَانَتْ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ فَحِينَ ضَاعَ مِنْهَا عَشَرَةٌ يُجْعَلُ مَا ضَاعَ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ بِالْحِصَّةِ فَيَكُونُ خَمْسَةَ أَسْبَاعِ مَا ضَاعَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَسُبُعَاهُ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ الْعَشَرَةِ سَبْعَةٌ وَسُبُعٌ وَقَدْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضَاعَ مِنْهَا سَبْعَةٌ وَسُبُعٌ، وَبَقِيَ مِنْهَا سَبْعَةَ عَشَرَ وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَإِنْ كَانَ سُبُعٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعٍ فَإِذَا جَمَعْتَ خَمْسَ مَرَّاتٍ ثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعٍ يَكُونُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسِتَّةَ أَسْبَاعٍ فَلِهَذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ خَمْسَةَ أَسْبَاعِ بِنْتِ مَخَاصٍ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: الشَّرْعُ أَوْجَبَ الْغَنَمَ عِنْدَ قِلَّةِ الْإِبِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُجَانَسَةٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ بِإِيجَابِ الشِّقْصِ عَلَيْهِ كَمَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْهُ فِي الِابْتِدَاءِ فَيُجْعَلُ الْهَلَاكُ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَكَأَنَّ فِي مِلْكِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَسِتَّةَ أَسْبَاعٍ فَعَلَيْهِ فِيهَا ثَلَاثَةٌ مِنْ الْغَنَمِ وَلَكِنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى دَفْعِ الضَّرَرِ مُعْتَبَرٌ فِي الِابْتِدَاءِ فَأَمَّا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ لَا يُعْتَبَرُ، وَلَكِنْ يَبْقَى مِنْ الْوَاجِبِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي الْبَقَاءِ بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ، وَقَدْ كَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَا مَعْنَى لِلتَّحْوِيلِ إلَى الْغَنَمِ عِنْدَ هَلَاكِ بَعْضِ الْمَالِ فَعَرَفْنَا أَنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ أَقْوَى فَلِهَذَا فَرَّعَ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ فَقَالَ: إنْ عَرَفَ خَمْسَةً مِنْ الْإِبِلِ فَعَلَيْهِ فِيهَا خُمُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَفِي الْبَاقِيَةِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ ثُلُثَيْ بِنْتِ مَخَاضٍ أَمَّا وُجُوبُ خُمُسِ بِنْتِ مَخَاضٍ فِي الْخَمْسَةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ بِنْتُ الْمَخَاضِ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَيَكُونُ فِي خَمْسَةٍ خُمُسُهَا ثُمَّ بَقِيَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ عِشْرُونَ وَمَا لَا زَكَاةَ فِيهِ عَشْرَةٌ وَالْهَالِكُ عَشْرَةٌ فَثُلُثُ الْهَالِكِ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ وَثُلُثَا مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهُوَ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ فَإِذَا نَقَصْنَا ذَلِكَ مِنْ الْعِشْرِينَ بَقِيَ ثُلُثُ عُشْرٍ وَثُلُثٌ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ ثُلُثَا بِنْتِ مَخَاضٍ فِي سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ؛ لِأَنَّهَا ثُلُثَا خَمْسَةٍ وَعِشْرَيْنِ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ وَثُلُثٌ يَكُونُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسه فَإِنَّ كُلَّ خُمْسٍ يَكُون ثَلَاثَةً وَثُلُثًا فَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَاقِيَةِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ ثُلُثَيْ بِنْتِ مَخَاضٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ ثُمَّ ضَاعَ نِصْفُهَا فَعَلَيْهِ فِي الْبَاقِي نِصْفُ بِنْتِ مَخَاضٍ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْهَالِكِ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَنِصْفَهُ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ وَأَنَّ مَا بَقِيَ نِصْفُ مَالِ الزَّكَاةِ فَلِهَذَا قَالَ: عَلَيْهِ نِصْفُ بِنْتِ مَخَاضٍ فِي الْقِيَاسِ وَيَنْبَغِي عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي شَاتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْهَالِكَ يُجْعَلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَالْبَاقِي مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ وَلَكِنَّ وَجْهَ الْقِيَاسِ أَقْوَى كَمَا بَيَّنَّا وَمَا ذَكَرَ بَعْد هَذَا إلَى آخِرِ الْكِتَابِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَعْدِنِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَدْ بَيَّنَّا جَمِيعَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ هُنَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.