فصل: باب الوصية بالغلة والخدمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب الوصية بالغلة والخدمة:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَالْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ غَلَّتِهِ أَوْ سُكْنَى الدَّارِ وَغَلَّتِهَا تَجُوزُ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُوَقَّتًا وَلَا غَيْرَ مُوَقَّتٍ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ يَمْلِكُ لَهُ بِإِيجَابِهِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِيمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ وَالْمَنْفَعَةُ وَالْغَلَّةُ الَّتِي تَحْدُثُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لَهُ وَبِإِيجَابِهِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ وَالْغَلَّةَ الَّتِي تَحْدُثُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيُبْطِلُ وَصِيَّتَهُ بِهَا وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمَنْفَعَةُ تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِبَدَلٍ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَيَجْعَلُ التَّمْلِيكَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ تَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَشْغُولًا بِتَصَرُّفِهِ مَوْقُوفًا عَلَى حَاجَتِهِ، فَإِنَّمَا يُحْدِثُ الْمَنْفَعَةَ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَالْإِرْثُ لَا يَجْرِي فِي الْخِدْمَةِ بِدُونِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا كَانَ مِلْكًا لِلْمُوَرِّثِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِيمَا يَبْقَى وَقْتَيْنِ وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ، فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ إيجَابُ مِلْكٍ بِالْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ فِيمَا أَبْقَى.
فَإِنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْمُوصَى لَهُ سَنَةً؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَفِي زَمَانِ الْخِدْمَةِ تَكُونُ يَدُ الْوَرَثَةِ مَقْصُورَةً عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يُمْكِنُ قَصْرُ يَدِهِمْ عَنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ وَالْعَبْدُ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فِي نَفْسِهِ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ فِي الْخِدْمَةِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ فِي سَهْمَيْنِ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي سَهْمٍ فَيَخْدُمُهُمْ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْمُوصَى لَهُ سَنَةً وَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْخِدْمَةِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ الْمُوصَى لَهُ كَمَالَ حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِسُكْنَى دَارٍ سَنَةً لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا، فَإِنَّهُ يَسْكُنُ ثُلُثَهَا سَنَةً وَيَسْكُنُ الْوَرَثَةُ الثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا بِالْأَجْزَاءِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْقِسْمَةِ أَقْرَبُ إلَى الْمُعَادَلَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَوْفِي نَصِيبَهُ مِنْ السُّكْنَى فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَسْتَوْفِيه صَاحِبُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَهَايَآ عَنْ الزَّمَانِ، فَإِنَّ هُنَاكَ يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ قِسْمَةِ السُّكْنَى بِالْأَجْزَاءِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ ثُلُثَيْ الدَّارِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ حَقُّهُمْ عَلَى الْخُلُوصِ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُمْ فِيهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالسُّكْنَى ثَابِتٌ فِي سُكْنَى جَمِيعِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ تَخْرُجُ الدَّارُ مِنْ ثُلُثِهِ كَانَ هُوَ أَحَقَّ بِسُكْنَى جَمِيعِهَا، وَلَوْ خَرِبَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الدَّارِ كَانَ لَهُ أَنْ يُزَاحِمَ الْوَرَثَةَ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَفِي الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّهِ فَكَانُوا مَمْنُوعِينَ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ ثُلُثُ غَلَّتِهِ تِلْكَ السَّنَةَ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ عَيْنُ مَالٍ مُحْتَمَلِ الْقِسْمَةِ، فَإِنَّمَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ مِنْ الْغَلَّةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِالْأَجْزَاءِ فَلِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْخِدْمَةَ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ إلَى أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَوْفِيه خِدْمَةُ سَنَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا أَوْصَى لِزَيْدِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ دَارِهِ، فَهَذَا وَغَلَّةُ الْعَبْدِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَا يَسْلَمُ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْغَلَّةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ قِسْمَةَ الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْتَغِلُّ ثُلُثَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ الْمُوصِي بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكِ فِيمَا يَجِبُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِيهِ فَكَمَا أَنَّ لَلشَّرِيكِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْقِسْمَةِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْتَغِلُّ نَصِيبَهُ فَكَذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ هَاهُنَا وَلَكِنَّا نَقُولُ الْقِسْمَةُ تُبْنَى عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا تُلَاقِيه الْقِسْمَةُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِ الدَّارِ إنَّمَا حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ وَقِسْمَةُ الدَّارِ لَا تَكُونُ قِسْمَةً لِلْغَلَّةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ أَنْ يُؤَاجِرَهُمَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ بِعَقْدٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَلَوْ تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالِاسْتِئْجَارِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مَلَكَ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْعَيْنِ وَالْعَيْنُ سَوَاءٌ تَمَلَّكَهَا بِبَدَلٍ أَوْ بِغَيْرِ بَدَلٍ تَمَلَّكَ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ مَعَ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْمَنْفَعَةُ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ الْمَنْفَعَةَ عِنْدِي وَلَكِنَّ الْإِعَارَةَ فِي حُكْمِ الْإِبَاحَةِ وَلِهَذَا قُلْت: الْمُسْتَعِيرُ لَا يُعِيرُ مِنْ غَيْرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ الْإِعَارَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ كَالْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ كَالْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا مِنْ الْغَيْرِ بِعِوَضٍ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ، فَإِنَّ التَّمْلِيكَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ مِنْهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَأَنْ تَحْتَمِلَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْلَى.
وَتَصِحُّ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ حَتَّى لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك مَنْفَعَةَ هَذِهِ الدَّارِ كَانَتْ عَارِيَّةً صَحِيحَةً، وَإِنَّمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا اللَّفْظِ اللُّزُومُ لِكَوْنِهَا مُتَعَرِّيَةً عَنْ الْبَدَلِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنَّ غَيْرَ الْمُوصِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَالْمُوصِي مَاتَ فَلَا يُتَصَوَّرُ رُجُوعُهُ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَفِي تَمْلِيكِهَا بِمَالٍ إحْدَاثُ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فِيهَا، فَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فِيهَا لِمَنْ يَمْلِكُهَا تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ لِمَنْ يَمْلِكُهَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَكُونَ مُمَلَّكًا لَهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي تَمَلَّكَهَا، فَأَمَّا إذَا تَمَلَّكَهَا مَقْصُودَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ، ثُمَّ مَلَكَهَا بِعِوَضٍ كَانَ مُمَلَّكًا أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُ مَعْنًى.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ فَيُخْرِجُهُ إلَى أَهْلِهِ لِلْخِدْمَةِ هُنَالِكَ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مَقْصُودِ الْمُوصِي، فَإِذَا كَانَ الْمُوصِي وَأَهْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَرَفْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ الْعَبْدَ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُمْ، وَإِذَا كَانُوا فِي بَصْرَةَ فَمَقْصُودُهُ إلَى تَمَكُّنِهِ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْزِمَهُ مَشَقَّةَ السَّفَرِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ بَلْدَتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَمَا فِيهَا مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَلِلْآخَرِ بِرَقَبَتِهِ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَالرَّقَبَةُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَالْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مَعْلُومًا وَمَا أَوْجَبَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الْوَصِيَّةَ بِانْفِرَادِهِ فَبِعَطْفِ إحْدَى الْوَصِيَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى لَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُمَا مُشَارَكَةٌ فِيمَا أَوْجَبَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ لِمَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ فَلَوْ لَمْ يُوصِ فِي الرَّقَبَةِ بِشَيْءٍ لَصَارَتْ الرَّقَبَةُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ مَعَ كَوْنِ الْخِدْمَةِ لِلْمُوصَى لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ قِيَاسُ الْمِيرَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَمَةٍ لِرَجُلٍ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا لِآخَرَ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ ذَلِكَ كَمَا أَوْصَى وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْأَمَةِ فِي الْوَلَدِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخَاتَمٍ وَلِآخَرَ بِفَصِّهِ كَانَ كَمَا أَوْصَى وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْخَاتَمِ مِنْ الْفَصِّ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْقَوْصَرَّةُ لِفُلَانٍ وَمَا فِيهَا مِنْ الثَّمَرَةِ لِفُلَانٍ كَانَ كَمَا أَوْصَى، فَأَمَّا إذَا فَصَلَ أَحَدَ الْإِيجَابَيْنِ عَنْ الْآخَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَكُونُ الْأَمَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا وَالْوَلَدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَكَذَلِكَ الْخَاتَمُ وَالْفَصُّ وَالْقَوْصَرَّةُ وَالثَّمَرُ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ بِإِيجَابِهِ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي يَبِينُ أَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ إيجَابُ الْأَمَةِ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا دُونَ الْوَلَدِ، وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْهُ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُلْزِمُهُ شَيْئًا فِي حَالٍ فَيَكُونُ حَالَةَ الْبَيَانِ الْمَوْصُولُ فِيهِ وَالْمَفْصُولُ سَوَاءٌ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ وَالْخِدْمَةِ، فَإِنَّ هُنَاكَ الْمَفْصُولَ وَالْمَوْصُولَ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ اسْمُ الْخَاتَمِ يَتَنَاوَلُ الْحَلْقَةَ وَالْفَصَّ جَمِيعًا فَاسْمُ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، وَفِي الْقَوْصَرَّةِ كَذَلِكَ، وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعَامَّ مُوجَبُهُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي كُلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِحَاطَةِ بِمَنْزِلَةِ الْخَاصِّ فَاجْتَمَعَ فِي الْفَصِّ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِيجَابٍ عَلَى حِدَةٍ فَيَجْعَلُ الْفَصَّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يَكُونُ إيجَابُ الْوَصِيَّةِ لِلثَّانِي فِيهِ دَلِيلَ الرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِالْخَاتَمِ لِلثَّانِي بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ مَعَ الرَّقَبَةِ فَاسْمُ الرَّقَبَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْخِدْمَةَ وَلَكِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إنَّمَا يَسْتَخْدِمُهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا حَقَّ لِلْغَيْرِ فِيهِ، فَإِذَا أَوْجَبَ الْخِدْمَةَ لِغَيْرِهِ لَا يَبْقَى لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ حَقٌّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْكَلَامُ مَوْصُولًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَوْجَبَ لِصَاحِبِ الْخَاتَمِ الْحَلْقَةَ خَاصَّةً دُونَ الْفَصِّ، فَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ وَرَقَبَتِهِ جِنَايَةً فَالْفِدَاءُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَبْدِ، وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِهِ كَالْمَالِكِ وَبِالْفِدَاءِ تَسْلَمُ الْخِدْمَةُ لَهُ وَلَا يَسْلَمُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ شَيْءٌ فِي الْحَالِ، فَإِذَا فَدَاهُ خَدَمَهُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ طَهَّرَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ.
وَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ انْتَقَضَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ فِي الْخِدْمَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْرِيثَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكُهُ لِلْمُوَرِّثِ، ثُمَّ لِلْوَارِثِ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِمَوْتِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ يَرَى تَوْرِيثَ الْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْإِجَارَاتِ، ثُمَّ يُقَالُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ أَدِّ إلَى وَرَثَتِهِ ذَلِكَ الْفِدَاءَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ صَاحِبَ الرَّقَبَةِ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِذَلِكَ الْفِدَاءِ، فَإِنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ تَسْلِيمٌ لَهُ، وَقَدْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُضْطَرًّا إلَى ذَلِكَ الْفِدَاءِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِيهِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَرُدَّ الْفِدَاءَ عَلَى وَرَثَتِهِ بِيعَ فِيهِ الْعَبْدُ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ فِي عِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَنَى الْعَبْدُ بِذَلِكَ الْفِدَاءِ، وَلَوْلَاهُ لَكَانَتْ نَفْسُهُ مُسْتَحَقَّةً بِالْجِنَايَةِ، وَإِذَا أَبَى صَاحِبُ الْخِدْمَةِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ أَنْ يَفْدِيَ لَمْ يَجُزْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الرَّقَبَةِ، وَقَدْ رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ فِي الْخِدْمَةِ حِينَ أَبَى أَنْ يَفْدِيَ وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ فَأَيَّهُمَا صَنَعَ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ دَفَعَهُ، فَقَدْ فَاتَ مَحَلُّ وَصِيَّتِهِ، وَإِنْ فَدَاهُ، فَإِنَّمَا يَفْدِيهِ بِمَا أَسْلَمَ لَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ وَالْمُوصَى لَهُ حِينَ أَبَى أَنْ يَفْدِيَهُ، فَقَدْ رَضِيَ بِصَيْرُورَةِ الْعَبْدِ مُسْتَهْلَكًا فِيمَا لَحِقَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ وَالْغُرْمِ، وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ الْعَبْدَ خَطَأً وَلَمْ يَجْنِ الْعَبْدُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي بِهَا عِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الرَّقَبَةِ، وَقَدْ كَانَتْ الرَّقَبَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا مَشْغُولَةً لَهُ بِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِيهَا فَكَذَلِكَ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَلَا يُقَالُ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَتَقَوَّمُ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْمَنْفَعَةِ فَالِاسْتِحْقَاقُ بِهَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَيْنِ.
وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْعَيْنِ مِنْ الثُّلُثِ وَالْقِيمَةُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَيَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ الْأُولَى وَيَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ كَمَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْأُولَى، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ وَصَاحِبُ الْخِدْمَةِ أَمَّا صَاحِبُ الرَّقَبَةِ فَلِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِلْعَبْدِ وَوِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ تَثْبُتُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الْخِدْمَةِ فَلِأَنَّ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إبْطَالَ حَقِّهِ فِي الْخِدْمَةِ، وَهُوَ حَقٌّ لَازِمٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فَوَجَبَ قِيمَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا فَيَخْدُمُهُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَالِ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ، وَلَوْ فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْهِ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ دُفِعَ الْعَبْدُ وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ اسْتِهْلَاكٌ لَهُ حُكْمًا فَيُعْتَبَرُ بِاسْتِهْلَاكِهِ حَقِيقَةً فَيُوجِبُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا مِنْ الْجَانِي بَعْدَ تَسْلِيمِ الْجُثَّةِ إلَيْهِ وَيَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا مَكَانَهُ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ أَوْ شُجَّ مُوضِحَةً فَأَدَّى الْقَاتِلُ أَرْشَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُنْقِصُ الْخِدْمَةَ اشْتَرَى بِالْأَرْشِ عَبْدًا آخَرَ يَخْدُمُ صَاحِبَ الْخِدْمَةِ مَعَ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ الْفَائِتِ بِالْجِنَايَةِ، وَقَدْ كَانَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ثَابِتًا فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ وَلَمَّا كَانَ فَوَاتُهُ يُنْقِصُ الْخِدْمَةَ فَيَثْبُتُ فِي بَدَلِهِ أَيْضًا أَوْ يُبَاعُ الْعَبْدُ فَيُضَمُّ ثَمَنَهُ أَيْضًا إلَى ذَلِكَ الْأَرْشِ وَيَشْتَرِي بِهِمَا عَبْدًا لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ هَذَا إذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ لَمْ يُبَعْ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لِأَحَدِهِمَا وَخِدْمَتَهُ لِلْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَلَكِنْ يَشْتَرِي بِالْأَرْشِ عَبْدًا يَخْدُمُهُ مَعَهُ.
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِالْأَرْشِ عَبْدٌ وَقَفَ الْأَرْشَ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ، فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَقْتَسِمَاهُ نِصْفَيْنِ أَجَزْت ذَلِكَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا، فَإِذَا تَرَاضَيَا فِيهِ عَلَى شَيْءٍ كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ مَا يَسْتَوْفِيه الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ مِنْ نِصْفِ الْأَرْشِ بَدَلًا عَنْ نُقْصَانِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الِاعْتِيَاضَ عَنْ الْخِدْمَةِ وَلَكِنْ يَكُونُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ ذَلِكَ بِالْمَالِ الَّذِي يَسْتَوْفِيه بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا عَلَى حَالِهِ فَصَالَحَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ عَلَى مَالٍ يَسْتَوْفِيه مِنْهُ لِيُسَلِّمَ الْعَبْدَ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا تُنْقِصُ الْخِدْمَةَ فَالْأَرْشُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ فَاتَ مِنْ مِلْكِهِ وَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ حَقٌّ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ حِينَ لَمْ تُنْتَقَصْ الْخِدْمَةُ بِفَوَاتِهِ وَكُلُّ مَالٍ وُهِبَ لِلْعَبْدِ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ اكْتَسَبَهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَهُوَ الْمُخْتَصُّ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانُ الْعَبْدِ أَمَةً كَانَ مَا وَلَدَتْ مِنْ وَلَدٍ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ عَيْنِهَا وَعَيْنُهَا مِلْكُ صَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ وَكِسْوَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَقْوَى عَلَى الْخِدْمَةِ إلَّا بِذَلِكَ، وَهُوَ أَحَقُّ بِخِدْمَتِهِ فَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَالْمُسْتَعِيرِ، فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى الْمُسْتَعَارِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُنْفِقَ رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَهَذَا كَذَلِكَ أَيْضًا.
فَإِنْ كَانَ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ صَغِيرٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ حَتَّى يُدْرِكَ الْخِدْمَةَ، فَإِذَا خَدَمَ صَارَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ تَنْمُو الْعَيْنُ وَالْمَنْفَعَةُ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَإِذَا صَارَ بِحَيْثُ يَخْدُمُ فَهُوَ بِالنَّفَقَةِ يَتَقَوَّى عَلَى الْخِدْمَةِ وَالْمَنْفَعَةُ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ فَلِهَذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ، ثُمَّ نَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَصِيرَ مُعَدًّا لِانْتِفَاعِ الْغَيْرِ بِهِ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُنْتَفِعِ كَالْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ وَلَمْ يُبَوِّئْهَا بَيْتًا كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الْمَوْلَى، فَإِنْ بَوَّأَهَا مَعَ الزَّوْجِ بَيْتًا كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ أَوْصَى بِدَابَّةٍ لِرَجُلٍ وَبِظَهْرِهَا، وَمَنْفَعَتِهَا لِآخَرَ كَانَتْ مِثْلَ الْعَبْدِ سَوَاءً لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَأَوْصَى بِرَقَبَةِ أَحَدِهِمْ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَةِ آخَرَ لِرَجُلٍ آخَرَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمْ وَقِيمَةُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ ثَلَثُمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْبَاقِي أَلْفٌ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ خَمْسَةٌ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلِلْوَرَثَةِ يَوْمٌ وَيَكُونُ لِلْآخَرِ مِنْ رَقَبَةِ عَبْدِهِ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ فِي الِاعْتِبَارِ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمُضَارَبَةُ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ وَجُمْلَةُ الْمَالِ أَلْفٌ وَثَمَانِمِائَةٍ فَوَصِيَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَتْ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَيَضْرِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَيَضْرِبُ صَاحِبُهَا فِي الثُّلُثِ بِذَلِكَ وَصَاحِبُ الرَّقَبَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ، فَإِذَا جَعَلْت كُلَّ مِائَةٍ سَهْمًا كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ، ثُمَّ ثُلُثُ الْمَالِ بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْوَصِيَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ سِتُّمِائَةٍ وَمَبْلَغُ الْوَصِيَّتَيْنِ ثَمَانِمِائَةٍ وَيُقَدِّرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَصِيَّتِهِ فِي الْحَالِ فَيَجْتَمِعُ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ حَقُّهُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ فِي الرُّبُعِ فَلِهَذَا قَالَ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْوَرَثَةَ يَوْمًا وَلِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ رَقَبَةِ عَبْدِهِ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، فَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ اسْتَكْمَلَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ عَبْدَهُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ قَدْ بَطَلَتْ وَجَمِيعُ الْعَبْدِ لِلْآخَرِ خَارِجٌ مِنْ الثُّلُثِ وَزِيَادَةٌ.
وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ يَخْدُمُ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْخِدْمَةِ وَصَارَ الْمَيِّتُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَبْقَى السَّالِمُ لِلْوَرَثَةِ عِنْدَ التَّسَاوِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَيُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِي عَبْدٍ يُسَاوِي ثَلَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دُونَ الثُّلُثِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ سَوَاءً كَانَ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ نِصْفُ خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَلِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ نِصْفُ رَقَبَةِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا فِي الثُّلُثِ سَوَاءٌ وَالثُّلُثُ بِقَدْرِ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَنْفُذُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَصِيَّةُ فِي نِصْفِ الثُّلُثِ مِمَّا أَوْصَى لَهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِالْعَبِيدِ كُلِّهِمْ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَبِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ لَمْ يَضْرِبْ صَاحِبُ الرِّقَابِ إلَّا بِقِيمَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيَضْرِبُ الْآخَرُ بِقِيمَةِ الْآخَرِ فَيَكُونُ هَذَا كَالْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعَيْنِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ تَبْطُلُ ضَرْبًا وَاسْتِحْقَاقًا، وَلَوْ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ الرِّقَابِ وَلِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ لِاتِّسَاعِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ، وَيَجْتَمِعُ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ وَبِخِدْمَتِهِ، فَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَأَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ لِفُلَانٍ وَأَوْصَى بِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ بِعَيْنِهِ لِفُلَانٍ، فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الثُّلُثِ فِي خِدْمَةِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَلِلْآخَرِ خُمُسَا الثُّلُثِ فِي الْعَبْدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خُمُسُ رَقَبَةٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ تُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْآخَرِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ وَاحِدًا فَأَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ لَا تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ مَعَ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ فِيهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ كُلِّ عَبْدٍ لَا يُزَاحِمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي الثُّلُثِ بِشَيْءٍ مِنْ وَصِيَّتِهِ فِي هَذَا الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يُزَاحِمُهُ وَصِيَّتُهُ فِي الْعَبْدَيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا جَعَلْنَا كُلَّ ثُلُثٍ سَهْمًا كَانَ حَقُّهُ فِي سَهْمَيْنِ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي ثَلَاثَةٍ فَلِهَذَا كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ وَالثُّلُثُ بِقَدْرِ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَاجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّهُ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ وَذَلِكَ فِي خَمْسَةٍ فَلِهَذَا كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْخِدْمَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَيَّامٍ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيَكُونُ لِلْآخَرِ خُمُسَا الثُّلُثِ فِي الْعَبْدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَيَسْلَمُ لَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خُمُسُ الرَّقَبَةِ، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِصَاحِبِ الرِّقَابِ وَبِخِدْمَةِ أَحَدِهِمْ بِعَيْنِهِ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمْ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالٍ يُزَاحِمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي الثُّلُثِ بِوَصِيَّتِهِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ وَاحِدًا فَأَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَبْدِ بِوَصِيَّتِهِمَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْخِدْمَةَ تَتَنَاوَلُهَا الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ كَمَا تَتَنَاوَلُ الرَّقَبَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالرَّقَبَةِ لَا تَتَنَاوَلُ الْخِدْمَةَ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ غَيْرُ الرَّقَبَةِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ حَقُّهُمْ فِي الثُّلُثِ عَلَى السَّوَاءِ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الْخِدْمَةِ فَهُوَ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَذَلِكَ نِصْفُهُ وَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الثُّلُثِ، وَهُوَ نِصْفُ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ وَالْعَبِيدُ الثَّلَاثَةُ فِي كُلِّ عَبْدٍ ثُلُثُ ذَلِكَ الثُّلُثِ فَيَكُونُ دُونَ الْخِدْمَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَيَّامٍ يَخْدُمُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ثَلَاثَةً وَالْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَوْمًا حَتَّى يَمُوتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ، فَإِذَا مَاتَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ فَزَالَتْ مُزَاحَمَتُهُ فَيَكُونُ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ جَمِيعَ وَصِيَّتِهِ، وَهُوَ ثُلُثُ كُلِّ عَبْدٍ مِنْ الْعَبِيدِ الثَّلَاثَةِ.
وَإِذَا أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ وَبِغَلَّتِهِ لِآخَرَ، وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنَّهُ يَخْدُمُ صَاحِبَ الْخِدْمَةِ شَهْرًا وَيَغُلُّ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ شَهْرًا لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِيهِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْخِدْمَةِ جَعَلَ الْمُنَاوَبَةَ بِالْأَيَّامِ لِتَيَسُّرِ ذَلِكَ، وَفِي الِاسْتِغْلَالِ جَعَلَ النَّوْبَةَ بِالشُّهُورِ؛ لِأَنَّ اسْتِغْلَالَ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ عَادَةً فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ وَيَتَعَذَّرُ اسْتِغْلَالُهُ فِي كُلِّ نَوْبَةٍ إذَا جُعِلَتْ بِالْأَيَّامِ، وَفِي كُلِّ شَهْرٍ طَعَامُهُ عَلَى مَنْ لَهُ مَنْفَعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ مُقَابَلٌ بِالْغُنْمِ وَبِالنَّفَقَةِ يَتَوَصَّلُ إلَى الْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ وَكِسْوَتُهُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا فِيهِ وَتَعَذُّرِ تَجْدِيدِ الْكِسْوَةِ فِي كُلِّ نَوْبَةٍ، وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قِيلَ لَهُمَا افْدِيَاهُ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهُمَا مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِمَا يَكُونُ بِالْفِدَاءِ، فَإِنْ أَبَيَا فَفَدَاهُ الْوَارِثُ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حِينَ أَبَيَا الْفِدَاءَ، فَقَدْ رَضِيَا بِدَفْعِهِ وَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكِ فِي حَقِّهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دُفِعَ بِجِنَايَتِهِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ مِنْ غَلَّةِ عَبْدِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَ الْعَبْدِ فَثُلُثُ الْعَبْدِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِغَلَّةِ الْعَبْدِ كَالْوَصِيَّةِ بِرَقَبَتِهِ فِي الِاعْتِبَارِ مِنْ الثُّلُثِ فَالْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ مُوصًى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ تَبْطُلُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ فَلِهَذَا قَالَ: الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الثُّلُثِ فَهُوَ لَهُ وَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الْغَلَّةِ اسْتَغَلَّ بِحَسَبِ غَلَّتِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهَا، كُلُّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ كَمَا لَوْ أَوْصَى، وَإِنَّمَا يَحْبِسَ جَمِيعَ تِلْكَ الْغَلَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَمْرَضَ أَوْ يَتَعَطَّلَ فَلَا يَعْمَلُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ وَيَحْتَاجُ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ مَحْبُوسٌ لِحَقِّهِ، فَإِنْ مَاتَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ رَدَّ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْضًا مِمَّا يُحْبَسُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ، فَإِنَّ حَقَّهُ فِي بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ الْغَلَّةُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وَارِثَهُ لَا يَخْلُفُهُ فِيمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَذَلِكَ فِي بَدَلِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَمْلُوكًا لَهُ وَلَكِنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ يُسْتَحَقُّ أَنْ لَوْ بَقِيَ حَيًّا وَمِثْلُ هَذَا لَا يُورَثُ، وَإِذَا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ وَزَالَتْ مُزَاحَمَتُهُ سَلَّمَ جَمِيعَ الثُّلُثِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَالْمَحْبُوسُ مِنْ الْغَلَّةِ بَدَلُ مَنْفَعَةِ جُزْءٍ مِنْ الثُّلُثِ فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ دَارِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا فَاحْتَاجَتْ الْوَرَثَةُ إلَى سُكْنَاهَا قُسِمَتْ الدَّارُ أَثْلَاثًا وَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَاهَا وَاسْتَغَلَّ ثُلُثَهَا صَاحِبُ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَثُلُثَاهَا خَالِصُ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَيَجِبُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ صَرْفِ نَصِيبِهِمْ إلَى حَاجَتِهِمْ، وَهُوَ السُّكْنَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِغَلَّةِ دَارِهِ وَلِآخَرَ بِعَبْدٍ وَلِآخَرَ بِثَوْبٍ، فَإِنَّ ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ يَضْرِبُ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا سُمِّيَ لَهُ فَمَا أَصَابَ صَاحِبَ الدَّارِ كَانَ لَهُ غَلَّةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى أَوْجَبَهُ لَهُ فَيَصِيرُ إلَيْهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ صَاحِبُ الْغَلَّةِ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ وَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ لِزَوَالِ مُزَاحَمَتِهِ إلَّا أَنَّ هَاهُنَا إنْ كَانَ حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالِكًا لِمَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَائِهَا فِي الْحَالِ، وَهُوَ عَيْنٌ فَيَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهَا.
وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ وَعَبْدِهِ فِي الْمَسَاكِينِ جَازَ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ إلَّا لِإِنْسَانٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ عَيْنُ مَالٍ يُتَصَدَّقُ بِهِ، وَهَذَا وَصِيَّةٌ بِالتَّصَدُّقِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَأَمَّا السُّكْنَى وَالْخِدْمَةُ لَا يُتَصَدَّقُ بِهِمَا بَلْ تُعَارُ الْعَيْنُ لِأَجْلِهِمَا وَالْإِعَارَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ إنْسَانٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ الْمَسَاكِينُ مُحْتَاجُونَ إلَى مَا يَسُدُّ خُلَّتَهُمْ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ لَهُمْ بِالْغَلَّةِ وَقَلَّ مَا يَحْتَاجُونَ إلَى الْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى، وَقَبْلُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَا عَلَى قِيَاسِ مَنْ يُجِيزُ الْوَقْفَ، فَإِنَّ هَذَا فِي مَعْنَى وَقْفٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ.
وَمَنْ أَوْصَى بِظَهْرِ دَابَّتِهِ لِإِنْسَانٍ مَعْلُومٍ يَرْكَبُهَا فِي حَاجَتِهِ مَا عَاشَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْإِعَارَةِ مِنْهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِظَهْرِهَا لِلْمَسَاكِينِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- تَعَالَى- كَانَ بَاطِلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ جَائِزٌ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ، وَأَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقْفُ الْمَنْقُولِ جَائِزٌ فِيمَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَرَوَى فِيهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَاتَ عَنْ ثَلَثِمِائَةِ فَرَسٍ وَنَيِّفٍ وَمِائَتَيْ بَعِيرٍ مَكْتُوبٌ عَلَى أَفْخَاذِهَا حَبْسٌ لِلَّهِ- تَعَالَى- فَجَوَّزَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ وَهُمَا أَبْطَلَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لِحَاجَتِهِ.
وَلَوْ قَالَ فِي صِحَّتِهِ غَلَّةُ دَارِي هَذِهِ أَوْ عَبْدِي هَذَا صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ، فَإِنْ رُدَّتْ بَعْدَ مَوْتِي فَهِيَ وَصِيَّةٌ مِنْ ثُلُثِي تُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَا يُجَوِّزُ الْوَصِيَّةَ بِالْغَلَّةِ أَصْلًا فَلَا يَأْمَنُ الْمُوصِي مِنْ أَنْ يَرْفَعَ وَرَثَتُهُ إلَى قَاضٍ يَعْتَقِدُ قَوْلَهُ فَيُبْطِلُ وَصِيَّتَهُ فَيُحَرَّزُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَعَلَّقَهَا بِرَدِّ الْأُولَى وَالْوَصِيَّةُ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ فِيهِ فَائِدَةُ إبْقَاءِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَحْتَالُونَ فِي إبْطَالِ الْأُولَى إذَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَفِيدُونَ بِذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ، فَإِذَا رُدَّتْ الْأُولَى وَجَبَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ فَيُبَاعُ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِدَارِهِ أَوْ بِأَرْضِهِ فَجَعَلَهَا حَبْسًا عَلَى الْآخَرِ وَالْآخَرُ مِنْ وَرَثَتِهِ لَا يُبَاعُ أَبْطَلْت ذَلِكَ وَجَعَلْتهَا مِيرَاثًا لِلْحَدِيثِ: «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى»، وَلِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَلِأَنَّهُ إنْ جُعِلَ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ فَالْوَقْفُ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَجُوزُ وَالتَّأْيِيدُ مِنْ شَرْطِ الْوَقْفِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ.
وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِسُكْنَاهَا لِآخَرَ وَبِرَقَبَتِهَا لِآخَرَ وَهِيَ الثُّلُثُ فَهَدَمَهَا رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي غَرِمَ قِيمَةَ مَا هَدَمَ مِنْ بِنَائِهَا وَتُبْنَى مَسَاكِنَ كَمَا كَانَتْ فَتُؤَجَّرُ وَيَأْخُذُ غَلَّتَهَا صَاحِبُ الْغَلَّةِ وَيَسْكُنُهَا الْآخَرُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ تَعَلَّقَ بِالْبِنَاءِ الْأَوَّلِ فَيُحَوَّلُ إلَى الْبَدَلِ، وَهُوَ الْقِيمَةُ وَطَرِيقُ إبْقَاءِ حَقِّهِمَا مِنْهُ أَنْ تُبْنَى مَسَاكِنَ كَمَا كَانَتْ لِيَكُونَ الثَّانِي قَائِمًا مَقَامَ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ الْبُسْتَانُ إذَا أَوْصَى بِغَلَّتِهِ فَقَطَعَ رَجُلٌ نَخْلَهُ أَوْ شَجَرَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِغَلَّةِ الْبُسْتَانِ تَتَنَاوَلُ الثِّمَارَ بِغَلَّةِ الدَّارِ وَالْعَبْدُ يَتَنَاوَلُ الْأُجْرَةَ، وَكَذَلِكَ بِغَلَّةِ الْأَرْضِ تَتَنَاوَلُ الْأُجْرَةَ وَالْحِصَّةُ مِنْ الْخَارِجِ إذَا وَقَعَتْ مُزَارَعَةً وَبِغَلَّةِ الْأَمَةِ يَتَنَاوَلُ الْأُجْرَةَ دُونَ الْوَلَدِ حَتَّى إنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ، وَأَنَّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ عَيْنِهَا كَالثِّمَارِ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ بِمُطْلَقِ الِاسْمِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَادَةً وَاسْمُ الْغَلَّةِ يُطْلَقُ عَلَى الثِّمَارِ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى أَوْلَادِهَا.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِغَلَّةِ دَارِهِ وَقِيمَةُ الدَّارِ أَلْفٌ وَلَهُ أَلْفَانِ سِوَى ذَلِكَ فَلِصَاحِبِ الْغَلَّةِ نِصْفُ غَلَّةِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ مَعْنًى كَالْمُوصَى لَهُ الْآخَرِ بِالثُّلُثِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ نِصْفُهُ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ كُلُّهُ فِي الدَّارِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُ نِصْفُ غَلَّةِ الدَّارِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ وَالدَّارِ، إنْ شِئْت قُلْت خُمُسُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فَيُقَاسِمُ الْوَرَثَةَ بِحَسَبِ الْمَالِ وَالْمَالُ الْمَقْسُومُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ نِصْفُ الدَّارِ وَقِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَأَلْفَانِ، فَإِذَا جَعَلْت كُلَّ خَمْسِمِائَةٍ سَهْمًا كَانَتْ أَخْمَاسًا، وَإِنْ شِئْت قُلْت ثُلُثَا ذَلِكَ فِي الْمَالِ وَثُلُثُهُ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّ مُزَاحَمَةَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ قَدْ انْعَدَمَتْ فِي نِصْفِ الدَّارِ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي ثُلُثِ الدَّارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْلَا وَصِيَّةُ الْآخَرِ لَكَانَ يَسْلَمُ لَهُ ثُلُثُ الدَّارِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ مِقْدَارُ حَقِّهِ وَزِيَادَةٌ أَخَذَ جَمِيعَ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّارِ، وَهُوَ الثُّلُثُ مِمَّا يَسْتَوْفِيه، فَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْغَلَّةِ فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُ الدَّارِ وَالْمَالِ؛ لِأَنَّ وَصِيَّةَ صَاحِبِ الْغَلَّةِ قَدْ بَطَلَتْ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَصِيَّةً بِالْعَيْنِ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تُسْتَحَقّ وَلَكِنَّهَا انْهَدَمَتْ قِيلَ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ ابْنِ نَصِيبَك مِنْهَا وَيَبْنِي صَاحِبُ الثُّلُثِ نَصِيبَهُ وَالْوَرَثَةُ نَصِيبَهُمْ لِيَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الِامْتِنَاعِ بِنَصِيبِهِمْ وَأَيُّهُمْ أَبَى أَنْ يَبْنِيَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُمْنَعْ الْآخَرُ مِنْ أَنْ يَبْنِيَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَاجِرَهُ وَيُسْكِنَهُ؛ لِأَنَّ الْآبِيَ مِنْهُمَا قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ وَلَهُ أَنْ يُلْزِمَ الضَّرَرَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الضَّرَرَ غَيْرَهُ.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ أَوْ بِغَلَّتِهَا فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَشَهِدَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ أَوْ السُّكْنَى أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا لِلْمَيِّتِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ نَفْعًا، وَهُوَ أَنَّهُ يُمَهِّدُ مَحَلَّ حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ لِلْمَيِّتِ بِدَيْنٍ أَوْ بِمَالٍ أَوْ بِقَتْلٍ خَطَأٍ فَشَهَادَتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ نَصِيبًا، وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ مَالَ الْمَيِّتِ كُلَّمَا كَثُرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَفِي وَصِيَّتِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ كَانَ يُقْضَى مِنْ الْمَشْهُودِ بِهِ وَيُسَلَّمُ لَهُ وَصِيَّتُهُ فَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.