فصل: كتاب الحيض والنفاس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.كتاب الحيض والنفاس:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
(قَالَ): الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إمْلَاءً: اعْلَمْ بِأَنَّ مَا اخْتَصَرَهُ الْحَاكِمُ مِنْ تَصْنِيفِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الْحَيْضِ قَاصِرٌ مُبْهَمٌ لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ بِهِ فَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ لِهَذَا إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِمَا خَرَّجَهُ الْمَشَايِخُ، وَمَا اخْتَارُوا مِنْ الْأَقَاوِيلِ فِيهِ فَذَكَرْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْكِتَابِ فَوَقَعَ فِي الْبَيَانِ بَعْضُ الْبَسْطِ لِهَذَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْحَيْضُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ، وَمِنْهُ يُقَالُ حَاضَتْ الْأَرْنَبُ وَحَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا خَرَجَ مِنْهَا الصَّمْغُ الْأَحْمَرُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ: اسْمٌ لِدَمٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَدًّا خَارِجًا مِنْ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْقُبُلُ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْوِلَادَةِ وَالْمُبَاضَعَةِ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ، فَهُوَ حَيْضٌ وَإِلَّا، فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ.
وَالِاسْتِحَاضَةُ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الْحَيْضِ «قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ فَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ ذَلِكَ دَمُ حَيْضٍ إنَّمَا هُوَ عِرْقٌ امْتَدَّ أَوْ دَاءٌ اعْتَرَضَ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» أَشَارَ إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ مِنْ الدِّمَاءِ مِنْ أَهَمِّ مَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَنَقُولُ: الْفَاسِدُ مِنْ الدِّمَاءِ أَنْوَاعٌ: فَمِنْهَا مَا نَقَصَ عَنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ الشَّرْعِيَّ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لِمَا دُونَ الْمِقْدَارِ حُكْمُ الْمُقَدَّرِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ عِنْدَنَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ: عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَانِ،
وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِمَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ اللَّيَالِيِ، وَذَلِكَ لَيْلَتَانِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَدْرِ مَا يُوجَدُ وَلَوْ سَاعَةً احْتَجَّ بِأَنَّ هَذَا نَوْعُ حَدَثٍ فَلَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ بِشَيْءٍ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ أَقْرَبُهَا دَمُ النِّفَاسِ لَكِنَّا نَقُولُ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ يَخْرُجُ عَقِيبَ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَيُسْتَدَلُّ بِمَا تَقَدَّمَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ فِيهِ بِالْمُدَّةِ، فَأَمَّا الْحَيْضُ فَلَيْسَ يَسْبِقُهُ عَلَامَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَجَعَلْنَا الْعَلَامَةَ فِيهِ الِامْتِدَادَ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِدَمِ عِرْقٍ ثُمَّ قَدَّرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْكِبَرِ فَقَالَ: لَمَّا اسْتَوْعَبَ السَّيَلَانُ جَمِيعَ السَّاعَاتِ عَرَفْنَا أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِشَيْءٍ آخَرَ وَنَحْنُ قَدَّرْنَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «: أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ قِيَاسًا فَمَا نُقِلَ عَنْهُمْ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ يُقَامُ مَقَامَ الْكَمَالِ لِمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ الدَّمَ مِنْ الْمَرْأَةِ لَا يَسِيلُ عَلَى الْوَلَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْنِيهَا وَيُجْحِفُهَا وَلَكِنَّهُ يَسِيلُ تَارَةً، وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ فِي الْآثَارِ ذِكْرَ التَّقْدِيرَ بِالْأَيَّامِ فَجَعَلْنَا الثَّلَاثَةَ مِنْ الْأَيَّامِ أَصْلًا وَمَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ اللَّيَالِيِ يَتْبَعُهَا ضَرُورَةً.
وَمِنْ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَةِ أَنْ يَتَجَاوَزَ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ أَكْثَرَهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ لِمَا زَادَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ إذْ يَفُوتُ بِهِ فَائِدَةُ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي اخْتِلَافُهُمْ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَعِنْدَنَا عَشْرُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْآثَارِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُقْصَانِ دِينِ الْمَرْأَةِ «تَقْعُدُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي» وَالْمُرَادُ زَمَانُ الْحَيْضِ وَالْحَيْضُ وَالطُّهْرُ يَجْتَمِعَانِ فِي الشَّهْرِ عَادَةً، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عِدَّةَ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَكَانَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فَيَتَعَيَّنُ شَطْرُ كُلِّ شَهْرٍ لِلْحَيْضِ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الشَّطْرِ فَفِي عُمُرِهَا زَمَانُ الصِّغَرِ وَمُدَّةُ الْحَبَلِ وَزَمَانُ الْإِيَاسِ وَلَا تَحِيضُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُقَارِبُ الشَّطْرَ وَإِذَا قَدَّرْنَا بِالْعَشَرَةِ فَقَدْ جَعَلْنَا مَا يُقَارِبُ الشَّطْرَ حَيْضًا فَأَمَّا أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عِنْدَنَا وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ عَطَاءٌ: تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَالَ: لِأَنَّ الشَّهْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَادَةً، وَقَدْ يَكُونُ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةً بَقِيَ الطُّهْرُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: أَنَّ مُدَّةَ الطُّهْرِ نَظِيرُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْ حَيْثُ إنْ تُعِيدُ مَا كَانَ سَقَطَ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ قَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ أَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ، وَلِهَذَا قَدَّرْنَا أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِأَقَلِّ مُدَّةِ السَّفَر فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَقَدْ ثَبَتَ لَنَا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فَكَذَلِكَ هَذَا.
فَأَمَّا أَكْثَرُ مُدَّةِ الطُّهْرِ فَلَا غَايَةَ لَهُ إلَّا إذَا اُبْتُلِيَتْ بِالِاسْتِمْرَارِ حَتَّى ضَلَّتْ أَيَّامَهَا، وَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ لَهَا فَحِينَئِذٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ أَبُو عِصْمَةَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيُّ: لَا يَتَقَدَّرُ أَكْثَرُ طُهْرِهَا بِشَيْءٍ وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا أَبَدًا؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالتَّوْقِيفِ لَا بِالرَّأْيِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ يَقُولُ: يَتَقَدَّرُ أَكْثَرُ الطُّهْرِ فِي حَقِّهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً قَالَ: لِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ دُونَ مُدَّةِ الْحَبَلِ عَادَةً وَأَدْنَى مُدَّةِ الْحَبَلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَقَدَّرْنَا أَكْثَرَ مُدَّةِ الطُّهْرِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً فَإِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةِ عَشَرَ شَهْرًا وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ، وَهَذِهِ الْحَيْضَةُ لَا تُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ فَتَحْتَاجُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَثَلَاثِ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَكَانَ الزَّعْفَرَانِيُّ يَقُولُ: أَكْثَرُ الطُّهْرِ يَتَقَدَّرُ فِي حَقِّهَا بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ فَبَقِيَ الطُّهْرُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَكَانَ أَبُو سَهْلٍ الْغَزَالِيُّ يَقُولُ: بِأَنَّهُ يَتَقَدَّرُ أَكْثَرُ الطُّهْرِ فِي حَقِّهَا بِشَهْرَيْنِ فَقَدْ لَا تَرَى الْمَرْأَةُ الْحَيْضَ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَادَةً.
وَمِنْ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَةِ مَا جَاوَزَ أَكْثَرَ مُدَّةِ النِّفَاسِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ النِّفَاسِ فَعِنْدَنَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سِتُّونَ يَوْمًا، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبْعُونَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا بِالْأَرْبَعِينَ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «: تَقْعُدُ النُّفَسَاءُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى طُهْرًا قَبْلَ ذَلِكَ» وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «: تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا إلَّا أَنْ تَرَى طُهْرًا قَبْلَ ذَلِكَ» وَفِي الْحَقِيقَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اتِّفَاقٌ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ إلَّا أَنَّ عِنْدَهُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ سِتُّونَ يَوْمًا وَعِنْدَنَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةٌ فَأَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا.
وَمِنْ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَةِ مَا تَرَاهُ الْحَامِلُ فَقَدْ ثَبَتَ لَنَا أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعُرِفَ أَنَّهَا إذَا حَبِلَتْ انْسَدَّ فَمُ رَحِمِهَا فَالدَّمُ الْمَرْئِيُّ لَيْسَ مِنْ الرَّحِمِ فَيَكُونُ فَاسِدًا.
وَمِنْ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَةِ مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ أَوَانَهُ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ إذْ لَوْ جَعَلْنَاهُ حَيْضًا حَكَمْنَا بِبُلُوغِهَا بِهِ ضَرُورَةً، وَذَلِكَ مُحَالٌ فِي الصَّغِيرَةِ جِدًّا وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي أَدْنَى الْمُدَّةِ الَّتِي يَجُوزُ الْحُكْمُ فِيهَا بِبُلُوغِ الصَّغِيرَةِ فَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُقَدِّرُ ذَلِكَ بِتِسْعِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنَى بِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَنَى بِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَكَانَ لِأَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ ابْنَةٌ صَارَتْ جَدَّةً، وَهِيَ بِنْتُ تِسْعَةَ عَشَرَةَ سَنَةً حَتَّى قَالَ: فَضَحَتْنَا هَذِهِ الْجَارِيَةُ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِسَبْعِ سِنِينَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا» وَالْأَمْرُ حَقِيقَةً لِلْوُجُوبِ وَذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَسُئِلَ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ابْنَةِ سِتِّ سِنِينَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ هَلْ يَكُونُ حَيْضًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إذَا تَمَادَى بِهَا مُدَّةَ الْحَيْضِ وَلَمْ يَكُنْ نُزُولُهُ لِآفَةٍ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الدَّمِ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ نَادِرٌ وَلَا حُكْمَ لِلنَّادِرِ.
وَمِنْ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَةِ مَا تَرَاهُ الْكَبِيرَةُ جِدًّا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْعَجُوزَ الْكَبِيرَةَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ مُدَّةَ الْحَيْضِ كَانَ حَيْضًا وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: هَذَا إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِإِيَاسِهَا أَمَّا إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ زَمَانًا حَتَّى حُكِمَ بِإِيَاسِهَا، وَكَانَتْ بِنْتَ تِسْعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَرَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إنْ رَأَتْ دَمًا سَائِلًا كَمَا تَرَاهُ فِي زَمَانِ حَيْضِهَا، فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ رَأَتْ بِلَّةً يَسِيرَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَيْضًا بَلْ ذَلِكَ بَلَلٌ مِنْ فَمِ الرَّحِمِ فَكَانَ فَاسِدًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْحَيْضِ فَهَذَا بَيَانُ أَنْوَاعِ الدِّمَاءِ الْفَاسِدَة.

.فَصْلٌ أَلْوَانُ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ:

سِتَّةٌ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكَدِرَةُ وَالْخُضْرَةُ وَالتَّرْبِيَةُ أَمَّا السَّوَادُ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ أَنَّهُ حَيْضٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ عَبِيطٌ» مُحْتَدِمٌ وَالْحُمْرَةُ كَذَلِكَ، فَهُوَ اللَّوْنُ الْأَصْلِيُّ لِلدَّمِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّوْدَاءِ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ وَعِنْدَ غَلَبَةِ الصَّفْرَاءِ يَرِقُّ فَيَضْرِبُ إلَى الصُّفْرَةِ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ لِمَنْ افْتَصَدَ وَالصُّفْرَةُ كَذَلِكَ حَيْضٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَلْوَانِ الدَّمِ إذَا رَقَّ وَقِيلَ هُوَ كَصُفْرَةِ السِّنِّ أَوْ كَصُفْرَةِ التِّبْنِ أَوْ كَصُفْرَةِ الْقَزِّ، وَأَمَّا الْكَدِرَةُ فَلَوْنٌ كَلَوْنِ الْمَاءِ الْكَدِرِ، وَهُوَ حَيْضٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى سَوَاءٌ رَأَتْ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا أَوْ فِي آخِرِ أَيَّامِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ رَأَتْ الْكَدِرَةَ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَإِنْ رَأَتْ فِي آخِرِ أَيَّامِهَا يَكُونُ حَيْضًا قَالَ: لِأَنَّ الْكَدِرَةَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تَتْبَعُ صَافِيَهُ فَإِذَا تَقَدَّمَهُ دَمٌ أَمْكَنَ جَعْلُ الْكَدِرَةِ حَيْضًا تَبَعًا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا دَمٌ لَوْ جَعَلْنَاهُ حَيْضًا كَانَ مَقْصُودًا لَا تَبَعًا، وَهُمَا يَقُولَانِ: مَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي آخِرِ أَيَّامِهَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا رَأَتْهُ فِي أَوَّلِ أَيَّامِهَا كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مُدَّةِ الْحَيْضِ فِي حُكْمِ وَقْتٍ وَاحِدٍ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا كَانَ النَّقْبُ مِنْ أَعْلَى الظَّرْفِ فَأَمَّا إذَا كَانَ النَّقْبُ مِنْ أَسْفَلِهِ فَالْكَدِرَةُ يَسْبِقُ خُرُوجَهَا الصَّافِي وَهُنَا النَّقْبُ مِنْ أَسْفَلَ فَجَعَلْنَا الْكَدِرَةَ حَيْضًا، وَإِنْ رَأَتْهُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وُجُودَهَا حَتَّى قَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ سَلَّامٍ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْخُضْرَةِ كَأَنَّهَا أَكَلَتْ قَصِيلًا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِبْعَادِ، وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ أَنَّ الْخُضْرَةَ نَوْعٌ مِنْ الْكَدِرَةِ وَالْجَوَابُ فِيهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَأَمَّا التَّرْبِيَةُ، فَهُوَ مَا يَكُونُ لَوْنُهُ كَلَوْنِ التُّرَابِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْكَدِرَةِ؛ وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَكَانَتْ غَزَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ غَزْوَةً قَالَتْ كُنَّا نَعُدُّ التَّرْبِيَةَ حَيْضًا» وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَلْوَانِ فِي حُكْمِ الْأَذَى سَوَاءٌ.
وَرُوِيَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَبْعَثْنَ بِالْكُرْسُفِ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِتَنْظُرَ فَكَانَتْ إذَا رَأَتْ كَدِرَةً قَالَتْ لَا حَتَّى تَرَيْنَ الْقُصَّةَ الْبَيْضَاءَ يَعْنِي الْبَيَاضَ الْخَالِصَ وَالْقُصَّةَ الطِّينُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ، وَهُوَ أَبْيَضُ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إلَى الصُّفْرَةِ فَإِنَّمَا أَرَادَتْ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَيْضِ حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ الْخَالِصَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (فَصْلٌ)، وَإِنْ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِظُهُورِ الدَّمِ وَبُرُوزِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ الْأُصُولِ أَنَّ حُكْمَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ يَثْبُتُ إذَا أَحَسَّتْ بِالْبُرُوزِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَحُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالظُّهُورِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُ إثْبَاتُ حُكْمِهِمَا بِاعْتِبَارِ وَقْتِهِمَا إذَا أَحَسَّتْ بِالْبُرُوزِ وَالِاسْتِحَاضَةُ حَدَثٌ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لِإِثْبَاتِ حُكْمِهِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِالظُّهُورِ وَالْفَتْوَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إنَّ فُلَانَةَ تَدْعُو بِالْمِصْبَاحِ لَيْلًا لِتَنْظُرَ إلَى نَفْسِهَا فَقَالَتْ: مَا كَانَتْ إحْدَانَا تَتَكَلَّفُ لِذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهَا تَعْرِفُ ذَلِكَ، فَهُوَ بِالْمَسِّ، فَهُوَ إشَارَةٌ مِنْهَا إلَى الظُّهُورِ؛ وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَظْهَرْ، فَهُوَ فِي مَعْدِنِهِ وَالشَّيْءُ فِي مَعْدِنِهِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الظُّهُورِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ دَاخِلٌ وَخَارِجٌ فَالْفَرْجُ الْخَارِجُ بِمَنْزِلَةِ الْأَلْيَتَيْنِ مِنْ الدُّبُرِ فَإِذَا وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ فَإِمَّا أَنْ تَضَعَهُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ أَوْ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ فَإِذَا وَضَعَتْهُ فِي الْفَرْجِ الْخَارِجِ فَابْتَلَّ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ مِنْ الْكُرْسُفِ كَانَ ذَلِكَ حَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ إلَى الْجَانِبِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ظَاهِرًا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْخُرُوجِ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَابْتَلَّ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ مِنْ الْكُرْسُفِ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا فَإِنْ نَفَذَتْ الْبِلَّةُ إلَى الْجَانِبِ الْخَارِجِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ عَالِيَةً أَوْ مُحَاذِيَةً لِحَرْفِ الْفَرْجِ كَانَ حَيْضًا لِظُهُورِ الْبِلَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَفِّلَةً لَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَعَلَى هَذَا لَوْ حَشَى الرَّجُلُ إحْلِيلَهُ بِقُطْنَةٍ فَابْتَلَّ الْجَانِبُ الدَّاخِلُ مِنْ الْقُطْنَةِ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ.
وَإِنْ تَعَدَّتْ الْبِلَّةُ إلَى الْجَانِبِ الْخَارِجِ نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ عَالِيَةً أَوْ مُحَاذِيَةً لِرَأْسِ الْإِحْلِيلِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَفِّلَةً لَمْ يُنْقَضْ وُضُوءُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَسْقُطْ الْقُطْنَةُ فَإِنْ سَقَطَتْ، فَهُوَ حَيْضٌ وَحَدَثٌ سَوَاءٌ ابْتَلَّ الْخَارِجُ أَوْ الدَّاخِلُ لِظُهُورِ الْبِلَّةِ وَلَوْ أَنَّ حَائِضًا وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَنَامَتْ فَلَمَّا أَصْبَحَتْ نَظَرَتْ إلَى الْكُرْسُفِ فَوَجَدَتْ الْبَيَاضَ الْخَالِصَ فَعَلَيْهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِطُهْرِهَا مِنْ حِينِ وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ فَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً حِينَ وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ وَنَامَتْ ثُمَّ انْتَبَهَتْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَوَجَدَتْ الْبِلَّةَ عَلَى الْكُرْسُفِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ حَيْضًا مِنْ أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَخْذًا بِالْيَقِينِ وَالِاحْتِيَاطِ حَتَّى يَلْزَمَهَا قَضَاءُ الْعِشَاءِ إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْ.

.الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْحَيْضِ:

(فَصْلٌ): وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْحَيْضِ عَشَرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ.
مِنْهَا أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَقْعُدُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي» يَعْنِي زَمَانَ الْحَيْضِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا بَالُ إحْدَانَا تَقْضِي صِيَامَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقْضِي صِيَامَ أَيَّامِ الْحَيْضِ، وَلَا نَقْضِي الصَّلَاةَ أَنْكَرَتْ عَلَيْهَا السُّؤَالَ لِشُهْرَةِ الْحَالِ وَنَسَبَتْهَا إلَى حَرُورَاءَ وَهِيَ قَرْيَةٌ كَانَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ سُؤَالَ التَّعَنُّتِ فِي الدِّينِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} الْآيَةُ فَذَلِكَ تَنْصِيصٌ عَلَى حُرْمَةِ الْغَشَيَانِ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ وَآخِرِهِ قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ الْحَائِضِ أَوْ أَتَاهَا فِي غَيْرِ مَأْتَاهَا أَوْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَمُرَادُهُ إذَا اسْتَحَلَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ.
وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا اللَّوْحَ الْمَكْتُوبَ عَلَيْهِ آيَةً تَامَّةً مِنْ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ}، وَهَذَا، وَإِنْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ لَا يُنَزِّلُهُ إلَّا السَّفَرَةُ الْكِرَامُ الْبَرَرَةُ فَظَاهِرُهُ يُفِيدُ مَنْعَ غَيْرِ الطَّاهِرِ مِنْ مَسِّهِ «وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَعْضِ الْقَبَائِلِ لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ حَائِضٌ وَلَا جُنُبٌ».
وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ لِلْحَائِضِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ دُونَ الْجُنُبِ قَالَ: لِأَنَّ الْجُنُبَ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ صِفَةِ الطَّهَارَةِ بِالِاغْتِسَالِ فَيَلْزَمُهُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْحَائِضُ عَاجِزَةٌ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَى الْحَائِضَ وَالْجُنُبَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» ثُمَّ عَجْزُهَا عَنْ تَحْصِيلِ صِفَةِ الطَّهَارَةِ يَدُلُّ عَلَى تَغَلُّظِ مَا بِهَا مِنْ الْحَدَثِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى إطْلَاقِ الْقِرَاءَةِ لَهَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّهَا إنَّمَا تُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ آيَةٍ تَامَّةٍ وَلَا تُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا دُونَ ذَلِكَ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ مَا دُونَ الْآيَةِ أَيْضًا عَلَى قَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كَمَا تُمْنَعُ عَنْ قِرَاءَةِ الْآيَةِ التَّامَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ قُرْآنٌ، وَجْهُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْقُرْآنِ حُكْمَانِ جَوَازُ الصَّلَاةِ وَمَنْعُ الْحَائِضِ عَنْ قِرَاءَتِهِ ثُمَّ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ الْآخَرِ.
وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ حَاضَتْ بِسَرَفٍ اصْنَعِي جَمِيعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ».
وَمِنْهَا أَنْ لَا تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ؛ لِأَنَّ مَا بِهَا مِنْ الْأَذَى أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْجُنُبُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ الْحَائِضُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانُ الصَّلَاةِ فَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الِاغْتِسَالُ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} وَالِاطِّهَارُ بِالِاغْتِسَالِ.
وَمَنّهَا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ».
وَمِنْهَا أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وَالْقُرْءُ الْحَيْضُ بَيَانُهُ قَوْله تَعَالَى {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} نُقِلَ الْحُكْمُ إلَى الْأَشْهُرِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَيْضِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَصْلَ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ الْحَيْضُ، وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي حُكْمِ الِاسْتِبْرَاءِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بَعْدَ مَا وَلَدَتْ فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ نَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ وَكَذَلِكَ النِّفَاسُ لَمْ يُعْتَبَرْ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ.
(فَصْلٌ): مُرَاهِقَةٌ رَأَتْ الدَّمَ فَجَاءَتْ تَسْتَفْتِي قَبْلَ أَنْ يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ هَلْ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؟ كَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقُولَانِ: بِأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِذَلِكَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهَا لَا تُؤْمَرُ بِذَلِكَ حَتَّى يَسْتَمِرَّ بِهَا الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَفِي شَكٍّ مِنْ الْحَيْضِ لِجَوَازِ أَنْ يَنْقَطِعَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ فَلَا يَكُونَ حَيْضًا، وَالْيَقِينُ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ فَتُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عُلِمَ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَائِضًا فَعَلَيْهَا قَضَاءُ الصِّيَامِ إذَا طَهُرَتْ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْحَيْضَ بِأَنَّهُ أَذًى وَقَدْ تَيَقَّنَتْ بِهِ فِي وَقْتِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُهُ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْمَرْئِيُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا إذَا انْقَطَعَ لِمَا دُونَ الثَّلَاثِ وَفِي هَذَا الِانْقِطَاعِ شَكٌّ فَحَكَمْنَا بِهَذَا الظَّاهِرِ وَتَرَكْنَا الْمَشْكُوكَ وَجَعَلْنَاهَا حَائِضًا لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي فَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِتَمَامِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَهُوَ حَيْضٌ كُلُّهُ فَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ الدَّمَ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْحَيْضِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِمْكَانِ لِتَأَيُّدِهِ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ رُؤْيَةُ الدَّمِ وَإِلَى الْعَشَرَةِ الْإِمْكَانُ مَوْجُودٌ فَجَعَلْنَاهَا حَيْضًا وَإِذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا فَبِزِيَادَةِ السَّيَلَان لَا يُنْتَقَصُ الْحَيْضُ وَإِذَا كَانَتْ الْعَشَرَةُ حَيْضًا فَبَقِيَّةُ الشَّهْرِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ يَوْمًا طُهْرُهَا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَادَةً.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا تَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ فَتَغْتَسِلُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ تَصُومُ وَتُصَلِّي سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِالشَّكِّ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَشَرَةِ وَتَقْضِيَ صِيَامَ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ حَيْضَهَا أَقَلُّ الْحَيْضِ فَتَحْتَاطُ لِهَذَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّا قَدْ عَرَفْنَاهَا حَائِضًا، وَدَلِيلُ بَقَائِهَا حَائِضًا ظَاهِرٌ، وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الِاحْتِيَاطِ، وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ تُرَدُّ إلَى عَادَةِ نِسَائِهَا يَعْنِي نِسَاءَ عَشِيرَتِهَا، وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ طِبَاعَ النِّسَاءِ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا تَجِدَ أُخْتَيْنِ أَوْ أُمًّا وَابْنَةً عَلَى طَبْعٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَخْتَلِفُ طَبْعُهَا فِي كُلِّ فَصْلٍ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ اعْتِبَارُ حَالِ نِسَائِهَا فِي مَعْرِفَة مُدَّةِ حَيْضِهَا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَيْضِ أَخْذًا بِالْيَقِينِ.
وَالثَّانِي أَنَّ حَيْضَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَالِيه أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ «تَحِيضِي يَعْلَمُ اللَّهُ سِتًّا أَوْ سَبْعًا كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَتَطْهُرُ»، وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ مَا يُخَالِفُهَا وَقَدْ ظَهَرَ هُنَا مَا يُضَادُّ الطُّهْرَ، وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ فَكَانَ الْحُكْمُ لَهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْإِمْكَانُ هَذَا إذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَأَمَّا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَحَيْضُهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَحْكُمُ لَوْنُ الدَّمِ فَمَا دَامَ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ مِنْ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ، فَهُوَ حَيْضٌ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ عَبِيطٌ مُحْتَدِمٌ» وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَيَانُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، وَهَذِهِ مُسْتَحَاضَةٌ» فَتُرَدُّ إلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا، وَبِهَذَا اللَّفْظِ تَبَيَّنَ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ اسْمُ جَمْعٍ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَمُرَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ بَيَانُ لَوْنِ الدَّمِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَغْذِيَةِ وَالطِّبَاعِ كَمَا بَيَّنَّا وَقَالَ مَالِكٌ: رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْتَحَاضَةُ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ أَيَّامِهَا لِلِاخْتِبَارِ فَإِنْ طَهُرَتْ وَإِلَّا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَقَدْ اعْتَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ «وَقَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: حِينَ اُسْتُحِيضَتْ انْتَظِرِي الْأَيَّامَ الَّتِي كُنْت تَحِيضِينَ فِيهَا فَإِذَا مَضَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاسْتِظْهَارِ بَعْدَهَا بِشَيْءٍ.