سورة آل عمران - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}
وأخرج أبو داود وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق مقسم عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {وما كان لنبي أن يغل} في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر فقال بعض الناس: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها. فأنزل الله: {وما كان لنبي أن يغل}.
وأخرج ابن جرير عن الأعمش قال: كان ابن مسعود يقرأ {ما كان لنبي أن يغل} فقال ابن عباس: بلى. ويقتل، إنما كانت في قطيفة قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلها يوم بدر. فأنزل الله: {وما كان لنبي أن يغل}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال: نزلت هذه الآية {وما كان لنبي أن يغل} في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من الغنيمة.
وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عباس قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فردت رايته، ثم بعث فردت بغلول رأس غزالة من ذهب. فنزلت {وما كان لنبي أن يغل}».
وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس {وما كان لنبي أن يغل} قال: ما كان لنبي أن يتهمه أصحابه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس قال: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال بعض الناس: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها. فأنزل الله: {وما كان لنبي أن يغل} قال: خصيف فقلت لسعيد بن جبير {ما كان لنبي أن يغل} يقول: ليخان قال: بل يغل، فقد كان النبي والله يغل ويقتل أيضاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ {وما كان لنبي أن يغل} بنصب الياء ورفع الغين.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الرحمن السلمي وأبي رجاء ومجاهد وعكرمة. مثله.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {وما كان لنبي أن يغل} بفتح الياء.
وأخرج ابن منيع في مسنده عن أبي عبد الرحمن قال: قلت لابن عباس إن ابن مسعود يقرأ {وما كان لنبي أن يغل} يعني بفتح الغين فقال لي: قد كان له أن يغل وأن يقتل، إنما هي {أن يغل} يعني بضم الغين. ما كان الله ليجعل نبياً غالاً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وما كان لنبي أن يغل} قال: أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسمة، ولكن يقسم بالعدل، ويأخذ فيه بأمر الله، ويحكم فيه بما أنزل الله يقول: ما كان الله ليجعل نبياً يغل من أصحابه فإذا فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم استسنوا به.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق سلمة بن نبيط عن الضحاك قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم طلائع، فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئاً، فلما قدمت الطلائع قالوا: قسم الفيء ولم يقسم لنا؟ فأنزل الله: {وما كان لنبي أن يغل}».
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس {وما كان لنبي أن يغل} قال: أن يقسم لطائفة ولا يقسم لطائفة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {وما كان لنبي أن يغل} قال أن يخون.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن أنه قرأ {وما كان لنبي أن يغل} بنصب الغين قال: أن يخان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة والربيع {وما كان لنبي أن يغل} يقول: ما كان لنبي أن يغله أصحابه الذين معه. وذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وقد غل طوائف من أصحابه.
وأخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن مجاهد قال: كان ابن عباس ينكر على من يقرأ {وما كان لنبي أن يغل} ويقول: كيف لا يكون له أن يغل وقد كان له أن يقتل؟ قال الله: {ويقتلون الأنبياء بغير حق} [ البقرة: 61] ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة، فأنزل الله: {وما كان لنبي أن يغل}.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن زيد بن خالد الجهني. «أن رجلاً توفي يوم حنين فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صلوا عليه. فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز اليهود لا يساوي درهمين».
وأخرج الحاكم وصححه عن عبدالله بن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالاً فنادى في النار، فيجيئون بغنائمهم، فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال: يا رسول الله هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة فقال: أسمعت بلالاً ثلاثاً؟ قال: نعم. قال: فما منعك أن تجيء به؟ قال: يا رسول الله أعتذر. قال: كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله عنك».
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن صالح بن محمد بن زائدة قال: دخل مسلمة أرض الروم، فأتي برجل قد غل فسأل سالماً عنه فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه، واضربوه. قال فوجدنا في متاعه مصحفاً، فسئل سالم عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبدالله بن شقيق قال: «أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى وجاءه رجل فقال: استشهد مولاك فلان. قال: بل هو الآن يُجَرُّ إلى النار في عباءة غلَّ بها الله ورسوله».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: «كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو في النار. فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه عباءة قد غلها».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك قال: «قيل يا رسول الله استشهد مولاك فلان قال: كلا. إني رأيت عليه عباءه قد غلها».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: «أهدى رفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً فخرج به معه إلى خيبر، فنزل بين العصر والمغرب، فأتى الغلام سهم غائر فقتله. فقلنا هنيئاً لك الجنة فقال: والذي نفسي بيده إن شملته لُتحْرَقَ عليه الآن في النار، غلها من المسلمين. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أصبت يومئذ شراكين فقال: يقدمنك مثلها من نار جهنم».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن سالم قال: كان أصحابنا يقولون: عقوبة صاحب الغلول، أن يحرق فسطاطه ومتاعه.
وأخرج الطبراني عن كثير بن عبدالله عن أبيه عن جده. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا إسلال ولا غلول {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}»
وأخرج الترمذي وحسنه عن معاذ بن جبل قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فلما سرت أرسل في أثري فرددت فقال: أتدري لمَ بعثت إليك؟ لا تصيبن شيئاً بغير إذني فإنه غلول {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} لهذا دعوتك، فامضِ لذلك».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: «ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غنم مغنماً بعث مناديه يقول: ألا لا يغلن رجل مخيطاً فما فوقه، ألا لا أعرفن رجلاً يغل بعيراً يأتي به يوم القيامة حامله على عنقه له رغاء، ألا لا أعرفن رجلاً يغل فرساً يأتي به يوم القيامة حامله على عنقه له حمحمة، ألا لا أعرفن رجلاً يغل شاة يأتي بها يوم القيامة حاملها على عنقه لها ثغاء يتتبع من ذلك ما شاء الله أن يتتبع. ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اجتنبوا الغلول فإنه عار، وشنار، ونار».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فذكر الغلول، فعظمه وعظم أمره ثم قال: ألا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك».
وأخرج هناد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة. أن رجلاً قال له: أرأيت قول الله: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} هذا يغل ألف درهم وألفي درهم يأتي بها، أرأيت من يغل مائة بعير ومائتي بعير كيف يصنع بها؟ قال: أرأيت من كان ضرسه مثل أحد، وفخذه مثل ورقان، وساقه مثل بيضاء، ومجلسه ما بين الربذة إلى المدينة. ألا يحمل مثل هذا.
وأخر ج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن بريدة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحجر ليزن سبع خلفات ليلقى في جهنم فيهوى فيها سبعين خريفاً، ويؤتى بالغلول فيلقى معه ثم يكلف صاحبه أن يأتي به وهو قول الله: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود عن عدي بن عميرة الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس من عمل منكم لنا في عمل فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه فهو غل وفي لفظ فإنه غلول يأتي به يوم القيامة».
وأخرج ابن جرير عن عبدالله بن أنيس. أنه تذاكر هو وعمر يوماً الصدقة فقال: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة، من غل منها بعيراً أو شاة فإنه يحمله يوم القيامة؟ قال عبدالله بن أنيس: بلى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} يعني يأت بما غل يوم القيامة يحمله على عنقه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو قال: لو كنت مستحلاً من الغلول القليل لاستحللت منه الكثير، ما من أحد يغل غلولاً إلا كلف أن يأتي به من أسفل درك جهنم.
وأخرج أحمد وابن أبي داود في المصاحف عن خمير بن مالك قال: لما أمر بالمصاحف أن تغير فقال ابن معسود: من استطاع منكم أن يغل مصحفه فليغله فإنه، من غل شيئاً جاء به يوم القيامة، ونعم الغل المصحف يأتي به أحدكم يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {أفمن اتبع رضوان الله} يعني رضا الله فلم يغلل في الغنيمة {كمن باء بسخط من الله} يعني كمن استوجب سخطاً من الله في الغلول فليس هو بسواء، ثم بين مستقرهما فقال للذي يغل {مأواه جهنم وبئس المصير} يعني مصير أهل الغلول، ثم ذكر مستقر من لا يغل فقال: {هم درجات} يعني فضائل {عند الله والله بصير بما يعملون} يعني بصير بمن غل منكم ومن لم يغل.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {أفمن اتبع رضوان الله} قال: من لم يغل {كمن باء بسخط من الله} كمن غل.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج {أفمن اتبع رضوان الله} قال: أمر الله في أداء الخمس {كمن باء بسخط من الله} فاستوجب سخطاً من الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {أفمن اتبع رضوان الله} قال: من أدى الخمس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {أفمن اتبع رضوان الله} يقول: من أخذ الحلال خير له ممن أخذ الخرام وهذا في الغلول، وفي المظالم كلها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {هم درجات عند الله} يقول: بأعمالهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {هم درجات عند الله} قال: هي كقوله: {لهم درجات عند الله} [ الأنفال: 4].
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {هم درجات} يقول: لهم درجات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن قوله: {هم درجات} قال: للناس درجات بأعمالهم في الخير والشر.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك {هم درجات عند الله} قال: أهل الجنة بعضهم فوق بعض، فيرى الذين فاق فضله على الذي أسفل منه، ولا يرى الذي أسفل منه أنه فضل عليه أحد.


{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة في هذه الآية {لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم} قالت: هذه للعرب خاصة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: منّ من الله عظيم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة جعله الله رحمة لهم، يخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم، بعثه الله إلى يوم لا يعلمون فعلمهم، وإلى قوم لا أدب لهم فأدبهم.


{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أو لما أصابتكم مصيبة...} الآية. يقول: إنكم قد أصبتم من المشركين يوم بدر مثلي ما أصابوا منكم يوم أحد.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين واسروا سبعين، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين. فذلك قوله: {أصبتم مثليها قلتم أنى هذا} ونحن مسلمون نقاتل غضباً لله، وهؤلاء مشركون {قل هو من عند أنفسكم} عقوبة لكم بمعصيتكم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ما قال.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: لما رأوا من قتل منهم يوم أحد قالوا: من أين هذا ما كان للكفار أن يقتلوا منا؟ فلما رأى الله ما قالوا من ذلك قال الله: هم بالأسرى الذين أخذتم يوم بدر، فردهم الله بذلك، وعجل لهم عقوبة ذلك في الدنيا ليسلموا منها في الآخرة.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه عن علي قال: «جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى، وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين: إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فذكر ذلك لهم فقالوا: يا رسول الله عشائرنا واخواننا نأخذ فداءهم فنقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا بعدتهم، فليس في ذلك ما نكره. فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلاً عدة أسارى أهل بدر».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن وابن جريج {قل هو من عند أنفسكم} عقوبة لكم بمعصيتكم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: لا تتبعوهم يوم أحد فاتبعوهم.
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس {قلتم أنى هذا} ونحن مسلمون نقاتل غضباً لله، وهؤلاء مشركون. فقال: {قل هو من عند أنفسكم} عقوبة بمعصيتكم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: لا تتبعوهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها} قال: أصيبوا يوم أحد قتل منهم سبعون يومئذ، وأصابوا مثليها يوم بدر قتلوا من المشركين سبعين وأسروا سبعين {قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} «ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم أحد حين قدم أبو سفيان والمشركون: إنا في جنة حصينة يعني بذلك المدينة فدعوا القوم يدخلوا علينا نقاتلهم فقال له أناس من الأنصار: إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة، وقد كنا نمنع من الغزو في الجاهلية فبالإسلام أحق أن يمتنع منه، فأبرز بنا إلى القوم. فانطلق فلبس لأمته فتلاوم القوم فقالوا: عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره، اذهب يا حمزة فقل له امرنا لأمرك تبع. فأتى حمزة فقال له. فقال: إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز، وإنه ستكون فيكم مصيبة. قالوا: يا نبي الله خاصة أو عامة؟ قال: سترونها».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق في قوله: {وليعلم المؤمنين، وليعلم الذين نافقوا} فقال: ليميز بين المؤمنين والمنافقين {وقيل لهم تعالوا قاتلوا} يعني عبد الله بن أبي وأصحابه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {أو ادفعوا} قال: كثروا بأنفسكم وإن لم تقاتلوا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي حازم قال: سمعت سهل بن سعيد يقول: لو بعت داري فلحقت بثغر من ثغور المسلمين، فكنت بين المسلمين وبين عدوّهم. فقلت: كيف وقد ذهب بصرك؟ قال: ألم تسمع إلى قوله الله {تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا} أسوّد مع الناس ففعل.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله: {أو ادفعوا} قال: كونوا سواداً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عون الأنصاري في قوله: {أو ادفعوا} قال: رابطوا.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن شهاب وغيره قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كانوا بالشرط بين أحد والمدينة انخذل عنهم عبد الله بن أُبَيَّ بثلث الناس، وقال: أطاعهم وعصاني والله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا، فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام من بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضرهم عدوهم. قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكن لا نرى أن يكون قتال».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لو نعلم قتالاً لاتبعناكم} قال: لو نعلم انا واجدون معكم مكان قتال لاتبعناكم.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قالوا {لو نعلم قتالاً لأتَّبعناكم} قال: نزلت في عبد الله بن أبي.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في ألف رجل وقد وعدهم الفتح إن صبروا، فلما خرجوا رجع عبد الله بن أبي في ثلاثمائة، فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم، فلما غلبوه وقالوا له: ما نعلم قتالاً ولئن أطعتنا لترجعن معنا. فذكر الله. فهو قولهم: ولئن أطعتنا لترجعن {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا...} الاية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {الذين قالوا لإخوانهم...} الآية. قال: ذكر لنا أنها نزلت في عدوّ الله عبد الله بن أبي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا} قال: نزلت في عدوّ الله عبد الله بن أبي.
وأخرج ابن جرير عن جابر بن عبد الله في قوله: {الذين قالوا لإخوانهم} قال: هو عبد الله بن أبي.
وأخرج عن السدي في الآية قال: هم عبد الله بن أبي وأصحابه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج في الآية قال: هو عبد الله بن أبي الذين قعدوا وقالوا لإخوانهم الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق {قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت} أي أنه لا بد من الموت، فإن استطعتم أن تدفعوه عن أنفسكم فافعلوا، وذلك أنهم إنما نافقوا وتركوا الجهاد في سبيل الله حرصاً على البقاء في الدنيا وفراراً من الموت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال: إن الله أنزل على نبيه في القدرية {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: هم الكفار يقولون لاخوانهم لو كانوا عندنا ما قتلوا، يحسبون أن حضورهم للقتال هو يقدمهم إلى الأجل.

25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32