سورة الكهف - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


علّم عباده كيف يحمدونه على إفاضة نعمه عليهم، ووصفه بالموصول يشعر بعليّة ما في حيز الصلة لما قبله ووجه كون إنزال الكتاب، وهو القرآن نعمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كونه اطلع بواسطته على أسرار التوحيد، وأحوال الملائكة والأنبياء، وعلى كيفية الأحكام الشرعية التي تعبده الله وتعبد أمته بها، وكذلك العباد كان إنزال الكتاب على نبيهم نعمة لهم لمثل ما ذكرناه في النبيّ: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} أي: شيئاً من العوج بنوع من أنواع الاختلال في اللفظ والمعنى، والعوج بالكسر في المعاني، وبالفتح في الأعيان كذا قيل، ويرد عليه قوله سبحانه: {لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه: 107]، يعني: الجبال، وهي من الأعيان. قال الزجاج: المعنى في الآية: لم يجعل فيها اختلافاً كما قال: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً} [النساء: 82]. والقيم: المستقيم الذي لا ميل فيه، أو القيم بمصالح العباد الدينية والدنيوية، أو القيم على ما قبله من الكتب السماوية مهيمناً عليها، وعلى الأوّل يكون تأكيداً لما دل عليه نفي العوج، فربّ مستقيم في الظاهر لا يخلو عن أدنى عوج في الحقيقة، وانتصاب {قيماً} بمضمر، أي جعله قيماً، ومنع صاحب الكشاف أن يكون حالاً من الكتاب، لأن قوله: {ولم يجعل} معطوف على {أنزل} فهو داخل في حيز الصلة، فجاعله حالاً من الكتاب فاصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة.
وقال الأصفهاني: هما حالان متواليان إلا أن الأوّل جملة والثاني مفرد، وهذا صواب لأن قوله: {وَلَمْ يَجْعَل} لم يكن معطوفاً على ما قبله بل الواو للحال، فلا فصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة، وقيل: إن {قيماً} حال من ضمير {لم يجعل له}. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: أنزل على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً، ثم أراد سبحانه أن يفصل ما أجمله في قوله قيماً فقال: {لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} وحذف المنذر للعلم به مع قصد التعميم، والمعنى: لينذر الكافرين، والبأس: العذاب، ومعنى {مِن لَّدُنْهُ}: صادراً من لدنه نازلاً من عنده. روى أبو بكر، عن عاصم أنه قرأ: {من لدنه} بإشمام الدال الضمة، وبكسر النون والهاء، وهي لغة الكلابيين.
وروى أبو زيد عن جميع القراء فتح اللام وضم الدال وسكون النون {وَيُبَشّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات} قرئ: {يبشر} بالتشديد والتخفيف، وأجرى الموصول على موصوفه المذكور، لأن مدار قبول الأعمال هو الإيمان {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} وهو الجنة حال كونهم {مَّاكِثِينَ فِيهِ} أي: في ذلك الأجر {أَبَدًا} أي: مكثاً دائماً لا انقطاع له، وتقديم الإنذار على التبشير لإظهار كمال العناية بزجر الكفار.
ثم كرر الإنذار وذكر المنذر لخصوصه وحذف المنذر به، وهو البأس الشديد، لتقدّم ذكره فقال: {وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} وهم: اليهود والنصارى وبعض كفار قريش، القائلون بأن الملائكة بنات الله، فذكر سبحانه أوّلاً قضية كلية، وهي إنذار عموم الكفار، ثم عطف عليها قضية خاصة هي بعض جزئيات تلك الكلية، تنبيهاً على كونها أعظم جزئيات تلك الكلية. فأفاد ذلك أن نسبة الولد إلى الله سبحانه أقبح أنواع الكفر. {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي: بالولد، أو اتخاذ الله إياه، و{من} مزيدة لتأكيد النفي، والجملة في محل نصب على الحال أو هي مستأنفة، والمعنى: ما لهم بذلك علم أصلاً {وَلاَ لآبَائِهِمْ} علم، بل كانوا في زعمهم هذا على ضلالة، وقلدهم أبناؤهم فضلوا جميعاً {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} انتصاب {كلمة} على التمييز، وقرئ بالرفع على الفاعلية. قال الفراء: كبرت تلك الكلمة كلمة.
وقال الزجاج: كبرت مقالتهم كلمة، والمراد بهذه الكلمة هي: قولهم اتخذ الله ولداً. ثم وصف الكلمة بقوله: {تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} وفائدة هذا الوصف استعظام اجترائهم على التفوّه بها، والخارج من الفم وإن كان هو مجرد الهوى، لكن لما كانت الحروف والأصوات كيفيات قائمة بالهوى أسند إلى الحال ما هو من شأن المحل. ثم زاد في تقبيح ما وقع منهم فقال: {إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} أي: ما يقولون إلا كذباً لا مجال للصدق فيه بحال. ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ على ءاثارهم} قال الأخفش والفراء: البخع: الجهد.
وقال الكسائي: بخعت الأرض بالزراعة: إذا جعلتها ضعيفة بسبب متابعة الحراثة، وبخع الرجل نفسه إذا نهكها.
وقال أبو عبيدة: معناه: مهلك نفسك، ومنه قول ذي الرمة:
ألا أيها ذا الباخع الوجد نفسه ***
فيكون المعنى على هذه الأقوال: لعلك مجهد نفسك أو مضعفها أو مهلكها {على ءاثارهم} على فراقهم ومن بعد توليهم وإعراضهم {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث} أي: القرآن وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله. وقرئ بفتح (أن). أي: لأن لم يؤمنوا {أَسَفاً} أي: غيظاً وحزناً وهو مفعول له أو مصدر في موضع الحال، كذا قال الزجاج. {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا} هذه الجملة استئناف. والمعنى: إنا جعلنا ما على الأرض مما يصلح أن يكون زينة لها من الحيوانات والنبات والجماد، كقوله سبحانه: {هُوَ الذى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الأرض جَمِيعاً} [البقرة: 29]، وانتصاب {زينة} على أنها مفعول ثانٍ ل {جعل} واللام في {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} متعلقة ب {جعلنا} وهي إما للغرض أو للعاقبة، والمراد بالابتلاء: أنه سبحانه يعاملهم معاملة لو كانت تلك المعاملة من غيره لكانت من قبيل الابتلاء والامتحان.
وقال الزجاج: {أيهم} رفع بالابتداء إلا أن لفظه لفظ الاستفهام، والمعنى: لنمتحن أهذا أحسن عملاً أم ذاك؟ قال الحسن: أيهم أزهد، وقال مقاتل: أيهم أصلح فيما أوتي من المال. ثم أعلم سبحانه أنه مبيد لذلك كله ومفنيه فقال: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً} أي: لجاعلون ما عليها من هذه الزينة عند تناهي عمر الدنيا {صعيداً}: تراباً. قال أبو عبيدة: الصعيد: المستوي من الأرض.
وقال الزجاج: هو الطريق الذي لا نبات فيه. قال الفراء: الجرز: الأرض التي لا نبات فيها، ومن قولهم: امرأة جرزاً: إذا كانت أكولاً. وسيفاً جرازاً: إذا كان مستأصلاً، وجرز الجراد والشاة والإبل: الأرض إذا أكلت ما عليها. قال ذو الرمة:
طوى النحز والإجراز ما في بطونها ***
ومعنى النظم: لا تحزن يا محمد مما وقع من هؤلاء من التكذيب، فإنا قد جعلنا ما على الأرض زينة لاختبار أعمالهم، وإنا لمذهبون ذلك عند انقضاء عمر الدنيا فمجازوهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {الحمد لِلَّهِ الذى أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب} الآية قال: أنزل الكتاب عدلاً قيماً {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} ملتبساً.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك {قَيِّماً} قال: مستقيماً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {مِن لَّدُنْهُ} أي: من عنده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي {حَسَنًا} يعني: الجنة {وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} قال: هم اليهود والنصارى.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبوجهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البحتري في نفر من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه، وإنكارهم ما جاء به من النصيحة، فأحزنه حزناً شديداً، فأنزل الله سبحانه: {فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه {باخع نَّفْسَكَ} يقول: قاتل نفسك، وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي مثله.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {أَسَفاً} قال: جزعاً.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {أَسَفاً} قال: حزناً.
وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا} قال: الرجال.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير من قوله مثله.
وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال: العلماء زينة الأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: هم الرجال العباد العمال لله بالطاعة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ، وابن مردويه عن ابن عمر قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} فقلت: ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال: «ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله».
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: ليختبرهم {أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} قال: أيهم أتمّ عقلاً.
وأخرج عن الحسن {أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} قال: أشدهم للدنيا تركاً، وأخرج أيضاً عن الثوري قال: أزهدهم في الدنيا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً} قال: يهلك كل شيء ويبيد.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: الصعيد: التراب والجبال التي ليس فيها زرع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: يعني بالجرز: الخراب.


قوله: {أَمْ حَسِبْتَ} {أم} هي المنقطعة المقدّرة ببل والهمزة عند الجمهور، وببل وحدها عند بعضهم والتقدير: بل أحسبت، أو بل حسبت، ومعناها: الانتقال من حديث إلى حديث آخر، لا لإبطال الأول والإضراب عنه كما هو معنى بل في الأصل. والمعنى: أن القوم لما تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول على سبيل الامتحان، قال سبحانه: بل أظننت يا محمد أنهم كانوا عجباً من آياتنا فقط؟ لا تحسب ذلك فإن آياتنا كلها عجب، فإن من كان قادراً على جعل ما على الأرض زينة لها للابتلاء، ثم جعل ما عليها صعيداً جرزاً كأن لم تغن بالأمس، لا تستبعد قدرته وحفظه ورحمته بالنسبة إلى طائفة مخصوصة، وإن كانت قصتهم خارقة للعادة، فإن آيات الله سبحانه كذلك وفوق ذلك. و{عَجَبًا} منتصبة على أنه خبر كان أي: ذات عجب، أو موصوفة بالعجب مبالغة، و{من آياتنا} في محل نصب على الحال، و{إِذْ أَوَى الفتية} ظرف لحسبت أو لفعل مقدّر، وهو أذكر، أي: صاروا إليه وجعلوه مأواهم، والفتية: هم أصحاب الكهف، والكهف: هو الغار الواسع في الجبل، فإن كان صغيراً سمي غاراً، والرقيم قال كعب والسدّي: إنه اسم القرية التي خرج منها أصحاب الكهف.
وقال سعيد بن جبير ومجاهد: إنه لوح من حجارة أو رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف. قال الفراء: ويروى أنه إنما سمي رقيماً لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه. والرقم: الكتابة.
وروي مثل ذلك عن ابن عباس. ومنه قول العجاج في أرجوزة له:
ومستقرى المصحف الرقيم ***
وقيل: إن الرقيم: اسم كلبهم، وقيل: هو اسم الوادي الذي كانوا فيه، وقيل: اسم الجبل الذي فيه الغار. قال الزجاج: أعلم الله سبحانه أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله، لأن خلق السموات والأرض وما بينهما أعجب من قصة أصحاب الكهف {فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} أي: من عندك، و{من} ابتدائية متعلقة ب {آياتنا} أو لمحذوف وقع حالاً، والتنوين في {رحمة}: إما للتعظيم أو للتنويع، وتقديم {من لدنك} للاختصاص أي: رحمة مختصة بأنها من خزائن رحمتك، وهي: المغفرة في الآخرة والأمن من الأعداء، والرزق في الدنيا {وَهَيّئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} أي: أصلح لنا، من قولك هيأت الأمر فتهيأ، والمراد بأمرهم: الأمر الذي هم عليه وهو مفارقتهم للكفار، والرشد: نقيض الضلال، و{من} للابتداء. ويجوز أن تكون للتجريد كما في قولك: رأيت منك رشداً. وتقدم المجرورين للاهتمام بهما. {فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ} قال المفسرون: أنمناهم. والمعنى: سددنا آذانهم بالنوم الغالب عن سماع الأصوات، والمفعول محذوف أي: ضربنا على آذانهم الحجاب تشبيهاً للإنامة الثقيلة المانعة من وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها، و{فِى الكهف} ظرف لضربنا، وانتصاب {سِنِينَ} على الظرفية، و{عَدَدًا} صفة لسنين، أي: ذوات عدد على أنه مصدر، أو بمعنى: معدودة على أنه لمعنى المفعول، ويستفاد من وصف السنين بالعدد الكثرة.
قال الزجاج: إن الشيء إذا قلّ فهم مقدار عدده فلم يحتج إلى العدد، وإن كثر احتاج إلى أن يعدّ. وقيل: يستفاد منه التقليل لأن الكثير قليل عند الله: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47]. {ثُمَّ بعثناهم} أي: أيقظناهم من تلك النومة {لنعلم} أي: ليظهر معلومنا، وقرئ بالتحتية مبنياً للفاعل على طريقة الالتفات، و{أَيُّ الحِزْبَيْنِ} مبتدأ معلق عنه العلم لما في أيّ من الاستفهام، وخبره {أحصى} وهو فعل ماض، قيل: والمراد بالعلم الذي جعل علة للبعث هو: الاختبار مجازاً فيكون المعنى: بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبرهم، والأولى ما ذكرناه من أن المراد به ظهور معلوم الله سبحانه لعباده، والمراد بالحزبين: الفريقان من المؤمنين والكافرين من أصحاب الكهف المختلفين في مدة لبثهم. ومعنى أحصى: أضبط. وكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف، فبعثهم الله ليتبين لهم ذلك، ويظهر من ضبط الحساب ممن لم يضبطه، و{ما} في {لِمَا لَبِثُواْ} مصدرية، أي: أحصى للبثهم، وقيل: اللام زائدة، و{ما} بمعنى: الذي، و{أَمَدًا} تمييز، والأمد: الغاية، وقيل: إن {أحصى} أفعل تفضيل. وردّ بأنه خلاف ما تقرر في علم الإعراب، وما ورد من الشاذ لا يقاس عليه كقولهم: أفلس من ابن المذلق، وأعدى من الجرب.
وأجيب بأن أفعل التفضيل من المزيد قياس مطرد عند سيبويه وابن عصفور، وقيل: إنهم الحزبين هم أصحاب الكهف اختلفوا بعد انتباههم كم لبثوا، وقيل: إن أصحاب الكهف حزب وأصحابهم حزب.
وقال الفراء: إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق} هذا شروع في تفصيل ما أجمل في قوله: {إِذْ أَوَى الفتية} أي: نحن نخبرك بخبرهم بالحق، أي: قصصناه بالحق، أو متلبساً بالحق {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} أي: أحداث شبان، و{آمنوا بربهم} صفة ل {فتية}. والجملة مستأنفة بتقدير سؤال. والفتية جمع قلة، و{زِدْنَاهُمْ هُدًى} بالتثبيت والتوفيق، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب. {وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} أي: قويناها بالصبر على هجر الأهل والأوطان، وفراق الخلان والأخدان {إِذْ قَامُواْ} الظرف منصوب بربطنا. واختلف أهل التفسير في هذا القيام على أقوال فقيل: إنهم اجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد، فقال رجل منهم هو أكبر القوم: إني لأجد في نفسي شيئاً، إن ربي ربّ السموات والأرض، فقالوا: ونحن أيضاً كذلك نجد في أنفسنا، فقاموا جميعاً {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ * السموات والارض} قاله مجاهد.
وقال أكثر المفسرين: إنه كان لهم ملك جبار يقال له: دقيانوس، وكان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت، فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم حتى قاموا بين يديه {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ * السموات والارض} وقال عطاء ومقاتل: إنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النوم {لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إلها} أي: لن نعبد معبوداً آخر غير الله لا اشتراكاً ولا استقلالاً {لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} أي: قولاً ذا شطط، أو قولاً هو نفس الشطط لقصد المبالغة بالوصف بالمصدر، واللام هي: الموطئة للقسم، والشطط: الغلو ومجاوزة الحد. قال أعشى بن قيس:
أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط *** كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
{هَؤُلاء قَوْمُنَا اتخذوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً} هؤلاء مبتدأ، وخبره {اتخذوا} و{قومنا} عطف بيان، وفي هذا الإخبار معنى للإنكار، وفي الإشارة إليهم تحقير لهم {لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بسلطان بَيّنٍ} أي: هلا يأتون بحجة ظاهرة تصلح للتمسك بها {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} فزعم أن له شريكاً في العبادة أي: لا أحد أظلم منه.
{وَإِذِ اعتزلتموهم} أي: فارقتموهم وتنحيتم عنهم جانباً، أي: عن العابدين للأصنام، وقوله: {وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله} معطوف على الضمير المنصوب، و{ما} موصولة أو مصدرية أي: وإذ اعتزلتموهم واعتزلتم معبودهم أو الذي يعبدونه، وقوله: {إِلاَّ الله} استثناء منقطع على تقدير: أنهم لم يعبدوا إلا الأصنام، أو متصل على تقدير: أنهم شركوها في العبادة مع الله سبحانه وقيل: هو كلام معترض إخبار من الله سبحانه عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله فتكون ما على هذا نافية {فَأْوُواْ إِلَى الكهف} أي: صيروا إليه واجعلوه مأواكم. قال الفراء: هو جواب إذ، ومعناه: اذهبوا إليه واجعلوه مأواكم، وقيل: هو دليل على جوابه، أي إذ اعتزلتموهم اعتزالاً اعتقادياً، فاعتزلوهم اعتزالاً جسمانياً، وإذا أردتم اعتزالهم فافعلوا ذلك بالالتجاء إلى الكهف {يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ} أي: يبسط ويوسع {وَيُهَيّئ لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا} أي يسهل وييسر لكم من أمركم الذي أنتم بصدده {مّرْفَقًا} المرفق بفتح الميم وكسرها لغتان قرئ بهما، مأخوذ من الارتفاق وهو الانتفاع، وقيل: فتح الميم أقيس، وكسرها أكثر. قال الفراء: وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن مرفق الإنسان، وقد تفتح العرب الميم فيهما فهما لغتان، وكأن الذين فتحوا أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر، والمرفق من الإنسان.
وقال الكسائي: الكسر في مرفق اليد، وقيل: المرفق بالكسر: ما ارتفقت به، والمرفق بالفتح: الأمر الرافق، والمراد هنا: ما يرتفقون به وينتفعون بحصوله، والتقديم في الموضعين يفيد الاختصاص.
وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الرقيم: الكتاب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفيّ عنه قال: الرقيم: وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة. والراويان عن ابن عباس ضعيفان.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه أيضاً قال: هو الجبل الذي فيه الكهف.
وأخرج ابن المنذر عنه، قال: والله ما أدري ما الرقيم الكتاب أم بنيان؟ وفي رواية عنه من طريق أخرى قال: وسألت كعباً فقال: اسم القرية التي خرجوا منها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: الرقيم: الكلب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كَانُواْ مِنْ ءاياتنا عَجَبًا} يقول: الذي آتيتك من العلم والسنّة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ} يقول: أرقدناهم {ثُمَّ بعثناهم لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ} من قوم الفتية، أهل الهدى، وأهل الضلالة {أحصى لِمَا لَبِثُواْ} وذلك أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله: {وزدناهم هُدًى} قال: إخلاصاً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} قال: بالإيمان وفي قوله: {لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} قال: كذباً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال: جوراً.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله: {وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ الله} قال: كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هي في مصحف ابن مسعود، وما يعبدون من دون الله، فهذا تفسيرها.


قوله: {وَتَرَى الشمس إِذَا طَلَعَت} شرع سبحانه في بيان حالهم، بعد ما أووا إلى الكهف. {تَّزَاوَرُ} قرأ أهل الكوفة بحذف تاء التفاعل، وقرأ ابن عامر: {تزور} قال الأخفش: لا يوضع الازورار في هذا المعنى، إنما يقال هو مزورّ عني، أي: منقبض. وقرأ الباقون بتشديد الزاي وإدغام تاء التفاعل فيه بعد تسكينها، وتزاور مأخوذ من الزور بفتح الواو، وهو الميل، ومنه زاره إذا مال إليه، والزور: الميل، فمعنى الآية: أن الشمس إذا طلعت تميل وتتنحى {عَن كَهْفِهِمْ} قال الراجز الكلبي:
جاب المندّا عن هوانا أزور ***
أي: مائل {ذَاتَ اليمين} أي: ناحية اليمين، وهي الجهة المسماة باليمين، وانتصاب {ذات} على الظرف، {وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ} القرض: القطع. قال الكسائي والأخفش والزجاج وأبو عبيدة: تعدل عنهم وتتركهم، قرضت المكان: عدلت عنه، تقول لصاحبك: هل وردت مكان كذا؟ فيقول: إنما قرضته: إذا مرّ به وتجاوز عنه، والمعنى: أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم ذات اليمين، أي: يمين الكهف، وإذا غربت تمرّ {ذَاتَ الشمال} أي شمال الكهف لا تصيبه. بل تعدل عن سمته إلى الجهتين، والفجوة: المكان المتسع، وجملة: {وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ} في محل نصب على الحال، وللمفسرين في تفسير هذه الجملة قولان: الأوّل: أنهم مع كونهم في مكان منفتح انفتاحاً واسعاً في ظلّ جميع نهارهم لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا في غروبها، لأن الله سبحانه حجبها عنهم. والثاني: أن باب ذلك الكهف كان مفتوحاً إلى جانب الشمال، فإذا طلعت الشمس كانت عن يمين الكهف، وإذا غربت كانت عن يساره، ويؤيد القول الأوّل قوله: {ذلك مِنْ آيات الله} فإن صرف الشمس عنهم مع توجه الفجوة إلى مكان تصل إليه عادة أنسب بمعنى كونها آية، ويؤيده أيضاً إطلاق الفجوة وعدم تقييدها بكونها إلى جهة كذا، ومما يدلّ على أن الفجوة المكان الواسع قول الشاعر:
ألبست قومك مخزاة ومنقصة *** حتى أبيحوا وخلوا فجوة الدار
ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله: {مَن يَهْدِ الله} أي: إلى الحق {فَهُوَ المهتد} الذي ظفر بالهدى وأصاب الرشد والفلاح {وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُّرْشِدًا} أي: ناصراً يهديه إلى الحق كدقيانوس وأصحابه. ثم حكى سبحانه طرفاً آخر من غرائب أحوالهم فقال: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا} جمع يقظ بكسر القاف وفتحها {وَهُمْ رُقُودٌ} أي: نيام، وهو جمع راقد كقعود في قاعد. قيل: وسبب هذا الحسبان أن عيونهم كانت مفتحة وهم نيام.
وقال الزجاج: لكثرة تقلبهم {وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال} أي: نقلبهم في رقدتهم إلى الجهتين لئلا تأكل الأرض أجسادهم {وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ} حكاية حال ماضية، لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى المضيّ كما تقرر في علم النحو.
قال أكثر المفسرين: هربوا من ملكهم ليلاً، فمرّوا براع معه كلب فتبعهم. والوصيد، قال أبو عبيد وأبو عبيدة هو فناء الباب، وكذا قال المفسرون، وقيل: العتبة، وردّ بأن الكهف لا يكون له عتبة ولا باب، وإنما أراد أن الكلب موضع العتبة من البيت {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} قال الزجاج: فراراً منصوب على المصدرية بمعنى: التولية، والفرار: الهرب {وَلَمُلِئْتَ} قرئ بتشديد اللام وتخفيفها {مِنْهُمْ رُعْبًا} قرئ بسكون العين وضمها أي: خوفاً يملأ الصدر، وانتصاب {رعباً} على التمييز، أو على أنه مفعول ثانٍ، وسبب الرّعب الهيبة التي ألبسهم الله إياها، وقيل: طول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم ووحشة مكانهم، ويدفعه قوله تعالى: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} فإن ذلك يدل على أنهم لم ينكروا من حالهم شيئاً، ولا وجدوا من أظفارهم وشعورهم ما يدل على طول المدّة. {وكذلك بعثناهم لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ} الإشارة إلى المذكور قبله أي: وكما فعلنا بهم ما فعلنا من الكرامات بعثناهم من نومهم، وفيه تذكير لقدرته على الإماتة والبعث جميعاً، ثم ذكر الأمر الذي لأجله بعثهم فقال: ليتساءلوا بينهم أي: ليقع التساؤل بينهم والاختلاف والتنازع في مدة اللبث لما يترتب على ذلك من انكشاف الحال وظهور القدرة الباهرة، والاقتصار على علة التساؤل لا ينفي غيرها، وإنما أفرده لاستتباعه لسائر الآثار، وجملة {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ} مبينة لما قبلها من التساؤل أي: كم مدّة لبثكم في النوم؟ قالوا ذلك لأنهم رأوا في أنفسهم غير ما يعهدونه في العادة {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} أي: قال بعضهم جواباً عن سؤال من سأل منهم، قال المفسرون: إنهم دخلوا الكهف غدوة، وبعثهم الله سبحانه آخر النهار، فلذلك قالوا يوماً، فلما رأوا الشمس قالوا أو بعض يوم، وكان قد بقيت بقية من النهار، وقد مرّ مثل هذا الجواب في قصة عزير في البقرة. {قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} أي: قال البعض الآخر هذا القول، إما على طريق الاستدلال، أو كان ذلك إلهاماً لهم من الله سبحانه، أي: أنكم لا تعلمون مدّة لبثكم، وإنما يعلمها الله سبحانه: {فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة} أعرضوا عن التحاور في مدّة اللبث، وأخذوا في شيء آخر، كأنه قال القائل منهم: اتركوا ما أنتم فيه من المحاورة، وخذوا في شيء آخر مما يهمكم، والفاء: للسببية، والورق: الفضة مضروبة أو غير مضروبة. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم بكسر الراء، وقرأ أبو عمرو وحمزة، وأبو بكر عن عاصم بسكونها، وقرئ بكسر الراء وإدغام القاف في الكاف.
وقرأ ابن محيصن بكسر الواو وسكون الراء. وفي حملهم لهذه الورق معهم دليل على أن إمساك بعض ما يحتاج إليه الإنسان لا ينافي التوكل على الله، والمدينة: دقسوس، وهي مدينتهم التي كانوا فيها، ويقال لها اليوم: طرسوس، كذا قال الواحدي: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أزكى طَعَامًا} أي: ينظر أيّ أهلها أطيب طعاماً، وأحلّ مكسباً، أو أرخص سعراً، وقيل: يجوز أن يعود الضمير إلى الأطعمة المدلول عليها في المقام كما يقال: زيد طبت أبا، على أن الأب هو زيد، وفيه بعد. واستدل بالآية على حلّ ذبائح أهل الكتاب لأن عامة أهل المدينة كانوا كفاراً، وفيهم قوم يخفون إيمانهم، ووجه الاستدلال أن الطعام يتناول اللحم كما يتناول غيره مما يطلق عليه اسم الطعام {وَلْيَتَلَطَّفْ} أي: يدقق النظر حتى لا يعرف أو لا يغبن، والأوّل أولى، ويؤيده {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} أي: لا يفعلنّ ما يؤدي إلى الشعور ويتسبب له، فهذا النهي يتضمن التأكيد للأمر بالتلطف. ثم علل ما سبق من الأمر والنهي فقال: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ} أي: يطلعوا عليكم ويعلموا بمكانكم، يعني: أهل المدينة {يَرْجُمُوكُمْ} يقتلوكم بالرجم، وهذه القتلة هي أخبث قتلة. وكان ذلك عادة لهم، ولهذا خصه من بين أنواع ما يقع به القتل {أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ} أي: يردّوكم إلى ملتهم التي كنتم عليها قبل أن يهديكم الله، أو المراد بالعود هنا: الصيرورة على تقدير أنهم لم يكونوا على ملتهم، وإيثار كلمة {في} على كلمة {إلى} للدلالة على الاستقرار {وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا} في إذاً معنى الشرط. كأنه قال: إن رجعتم إلى دينهم فلن تفلحوا إذاً أبداً، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {تَّزَاوَرُ} قال: تميل، وفي قوله: {تَّقْرِضُهُمْ} قال: تذرهم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {تَّقْرِضُهُمْ} قال: تتركهم، {وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ} قال: المكان الداخل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال: الفجوة: الخلوة من الأرض، ويعني بالخلوة: الناحية من الأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَنُقَلّبُهُمْ} الآية قال: ستة أشهر على ذي الجنب اليمين، وستة أشهر على ذي الجنب الشمال.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن سعيد بن جبير في الآية قال: كي لا تأكل الأرض لحومهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن اسم كلبهم: قطمورا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: اسمه قطمير.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {بالوصيد} قال: بالفناء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه قال: بالباب.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {أزكى طَعَامًا} قال: أحلّ ذبيحة، وكانوا يذبحون للطواغيت.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه {أزكى طَعَامًا} يعني: أطهر، لأنهم كانوا يذبحون للطواغيت.

1 | 2 | 3 | 4 | 5