روائع مختارة | روضة الدعاة | الدعاة.. أئمة وأعلام | عمر المختار.. والثورة الليبية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > الدعاة.. أئمة وأعلام > عمر المختار.. والثورة الليبية


  عمر المختار.. والثورة الليبية
     عدد مرات المشاهدة: 6871        عدد مرات الإرسال: 0

سجَّل قائد الكفاح الليبي ضد الاستعمار الإيطالي في الثلث الأول من القرن الميلادي الماضي، المجاهد الشهيد عمر المختار حضورًا رمزيًا في ثورة مواطنيه الراهنة؛ الهادفة لإسقاط الطاغية معمر القذافي، وبدا اسم عمر المختار منذ السابع عشر من فبراير الماضي أشبه بكلمة سحرية، أو كلمة سر في المشهد الثوري الجديد في ليبيا.

وإلى جانب اشتراك ثورة عمر المختار ضد الإيطاليين مع ثورة الليبيين ضد القذافي في هدف واحد هو التخلص من الاستبداد، والتطلع إلي الحرية، استلهمت ثورة 17 فبراير ذكرى بطل المقاومة ضد الإيطاليين عبر مفردات عديدة تراوحت بين إطلاق اسمه على جماعات مشاركة في المظاهرات الشعبية الحالية، وتوجيه النداءات إلى أحفاد عمر المختار والحديث عن ليبيا عمر المختار.

وتم رفع علم استقلال ليبيا القديم في معظم المدن الثائرة وفوق البعثات الدبلوماسية الخارجية المنشقة على نظام القذافي المستبد، بالعلم الذي كان يرفعه عمر المختار وهو العلم الأسود ذو النجمة، وكانت الهيئة التشريعية التي وضعت علم الاستقلال الليبي عام 1951 قد جعلت وسطه العلم الأسود ذا النجمة والهلال، الذي اتخذه الشهيد عمر المختار شعارًا له في الكفاح ضد المستعمرين الإيطاليين.

مفارقات ملفتة:

ومن المفارقات الملفتة أنّ ثورة عمر المختار قادت المقاومة ضد الاستعمار الإيطالي، في حين اشتعلت ثورة 17 فبراير لإسقاط نظام يُعد زعيمه القذافي أبرز حليف لإيطاليا في العالم العربي وشمال أفريقيا، والمفارقة الثانية أنّ مدينة بنغازي التي جرت فيها محاكمة الإيطاليين للزعيم عمر المختار، هي ذاتها التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات المطالبة بتنحي القذافي.

والثالثة إذا كانت آخر كلمات قالها الشهيد عمر المختار قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه عام 1931: إنّنا نقاتل من أجل ديننا وحريتنا؛ حتى نطرد الغزاة أو نموت، وليس لنا أنّ نختار دون هذا، فقد قال أحفاده بعد ثمانين عامًا ونيف بلسان حال قدّموا فيه آلاف الشهداء:نحن نقاتل من أجل حريتنا وكرامتنا، حتى يسقط معمر القذافي ونظامه أو نموت، وليس لنا خيار سوى هذا.

فعندما استجوب الضابط الإيطالي عمر المختار قائلًا: هل حاربت الدولة الإيطالية؟

ـ عمر: نعم.

ـ وهل شجعت الناس على حربها؟

ـ نعم.

ـ وهل أنت مدرك عقوبة ما فعلت؟

ـ نعم.

ـ وهل تقر بما تقول؟

ـ نعم.

ـ منذ كم سنة وأنت تحارب السلطات الإيطالية؟

ـ منذ عشر سنين.

ـ هل أنت نادم على ما فعلت؟

ـ لا.

ـ هل تدرك أنك ستعدم؟

ـ نعم.

ـ ويستعطفه قاضي المحكمة قائلًا: أنا حزين بأن تكون هذه نهايتك.

ـ فيرد عمر المختار:

ـ بل هذه أفضل طريقة أختم بها حياتي.

ثم يحاول القاضي أنّ يغريه فيحكم عليه بالعفو العام، مقابل أن يكتب للمجاهدين أن يتوقفوا عن جهاد الإيطاليين، فينظر له عمر ويقول كلمته المشهورة: إنّ السبّابة التي تشهدُ في كلّ صلاةٍ أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسولُ الله لا يمكنُ أنْ تكتبَ كلمةَ باطلٍ.

لقد قضى شيخ الشهداء وشعاره: نحن لا نستسلم.. إما أن نموت وإما أن ننتصر.

ولعل الحضور الأبرز لعمر المختار في ثورة الليبيين الجديدة تمثّل في تذكير هذه الثورة للشعب الليبي بشكل عفوي، بذكرى أسد الصحراء، وبطل النضال الليبي التاريخي ضد الاستعمار الإيطالي.

سيرة مجاهد:

وُلد الزعيم الليبي الراحل عمر المختار ببرقة الليبية عام 1862 م لأبوين صالحين، وشاءت إرادة الله أن ينشأ عمر المختار يتيمًا، فقد توفي والده أثناء سفره إلى الحج بعد أن أوصى أحد رفاقه بولديه عمر، ومحمد، وكانا يقيمان بـزنزور يدرسان بزاويتها.

ذهب عمر إلى زاوية الجغبوب لإتمام دراسته، وظل بها ثمانية أعوام يحفظ القرآن الكريم، ويتعلم العلوم الإسلامية وخلال الدراسة ظهرت صفاته الخلقية السامية، ولما كان عمر المختار قد تأدب بآداب الإسلام، فقد أحبه شيوخ الطريقة السنوسية وزعماؤها، الذين كانت لهم مقاليد الأمور في ليبيا، ونال ثقتهم، ولذلك اصطحبه السيد محمد المهدي السنوسي معه عندما انتقل إلى الكُفْرة، وكان محل ثقته، كما عيّنه شيخًا لزاوية القصور بالجبل الأخضر.

واحتل الاستعمار الإيطالي ليبيا سنة 1911م، وارتكبوا الكثير من الفظائع، وعاثوا في الأرض الفساد، وبدأ نضال المجاهدين من أبناء ليبيا، ودعا الزعماء السنوسيون في بني غازي وغيرها شيوخَ الزوايا للجهاد، وأسرع عمر المختار يلبي النداء، وأظهر في كفاحه ضد المستعمر الغاصب شجاعة نادرة، ومقدرة كبيرة على القتال، فقد كان مؤمنًا بحق وطنه في الحرية والكرامة.

وتولى عمر المختار قيادة المجاهدين، وبدأ في رسم الخطط لأتباعه، وقد التزم في بداية الأمر موقف الدفاع والتربص بالعدو، حتى إذا خرج الجنود الإيطاليون من مواقعهم؛ انقض المجاهدون عليهم كالصقور، فقاتلوهم قتالًا شديدًا، وأخذوا منهم ما يحتاجون إليه من أسلحة، وبعد أن بدأت الحرب العالمية الأولى عام 1914م، فاجأ المجاهدون المعسكرات الإيطالية، وأشعلوا الثورة في الجهات التي يحتلها الإيطاليون.

وسافر الأمير إدريس السنوسي إلى مصر في سنة 1922 للعلاج، ولطلب المساعدة من مصر، فعين عمر المختار نائبًا عنه، نظم عمر المختار صفوف المجاهدين بعد هجمات الإيطاليين المتتالية، وأخذ مجموعة المجاهدين.

وذهب بهم إلى الجبل الأخضر، وأنشأ قاعدة عسكرية، ومراكز لتدريب المتطوعين، فتوافد عليه الناس من كل ناحية؛ ليشاركوا في الجهاد ضد المستعمر. فعين لكل قبيلة رئيسًا منها، وأجمع الرؤساء على أن يكون عمر المختار قائدًا عامًا ورئيسًا لكل المجاهدين، بعد أن أقسموا على الجهاد حتى آخر لحظة في حياتهم، حتى يخلصوا وطنهم العزيز من أنياب المستعمر، وازداد القتال شراسة بين المجاهدين والإيطاليين.

وكانت معركة الرحيبة ومعركة عقيره المطمورة وكرِسَّة، وهي أسماء أماكن في الجبل الأخضر.. من أعظم تلك المعارك التي شهدتها منطقة الجبل الأخضر، وانتهت كلها بانسحاب الإيطاليين مخذولين، مما رفع من شأن عمر المختار في نفوس المجاهدين، فالتفوا حوله، وتعاهدوا على مناصرته.

لم يركن البطل عمر المختار إلى الراحة، بل ظل يقاتل، وكيف لا يستمر في القتال وأمام عينيه صور الفظائع والانتهاكات وأصناف العذاب التي صبها الإيطاليون على شعبه، فقد قتلوا الآلاف، ومثَّلوا بالكثيرين، وهتكوا أعراض النساء، وألقوا في السجون أعدادًا عظيمة من الرجال والنساء، وأذلوا الشيوخ والأطفال، وحرقوا الزروع والثمار، فكان لابد من القتال حتى الموت أو النصر، وبعد أن انتشر القتال في كل أنحاء ليبيا، قرّر عمر المختار الذهاب إلى مصر لمقابلة الأمير إدريس السنوسي ليتلقى منه التعليمات بشأن الجهاد.

وفي طريق عودته من مصر إلى برقة عن طريق السلوم أبلغ جواسيس الجيش الإيطالي رؤساءهم أن عمر المختار عبر الحدود الشرقية، فأعدوا له كمينًا للقبض عليه، وما إن ظهر عمر المختار ورفاقه حتى أطلق عليهم العدو مدافعهم الرشاشة، لكن المجاهدين استطاعوا التصدي لهم وانقضوا على القوة الإيطالية وأبادوها عن آخرها، ولمع اسم عمر المختار في سماء الجهاد..

عرفه الصغير والكبير كقائد بارع يتقن أساليب الكر والفر، وانضمت إليه القبائل المقيمة بالجبال، وتعاطف معه الشعب؛ فأمدوه بما يقدرون عليه من مؤن وأسلحة.

ولم يعرف المجاهد الكبير طعم الراحة، وحاول مشايخ قبيلته، ذات مرة منعه من الجهاد لكبر سنه، فقال لهم: إن ما أسير فيه هو طريق الخير، ومن يبعدني عنه فهو عدو لي، ولا ينبغي لأحد أن ينهاني عنه..

ولم تفلح مدافع الجيش الإيطالي في وقف هجمات عمر المختار ورفاقه، فحاولوا استمالته وشراءه بالمال، ووعدوه بحياة ناعمة هنيئة، لكنه رفض، وأخذ يدافع عن تراب وطنه بكل قوة وشراسة، وألحق بالإيطاليين خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، مما دفع موسوليني إلى تعيين المارشال بادوليو حاكمًا على طرابلس وبرقة، وبمجيئه إلى ليبيا بدأت مرحلة جديدة من النضال في برقة والجبل الأخضر.

واتصل الحاكم الجديد بعمر المختار لإنهاء الخلاف، وقبل عمر بشروط فيها الكرامة والعزة لوطنه، لكن الإيطاليين حاولوا خداعه، وتأكد غدرهم عندما قامت الطائرات الإيطالية بإلقاء قذائفها على عمر المختار ورفاقه من المجاهدين، فبدأ النضال من جديد!!

اشتبك المجاهدون مع الإيطاليين في معركة كبيرة في أكتوبر عام 1930م، وقد عثر الإيطاليون بعد انتهائها على نظارة عمر المختار، كما عثروا على جواده المشهور مقتولًا في ميدان المعركة، فقال جرازياني نائب المارشال بادوليو متوعدًا: لقد أخذنا اليوم نظارة عمر المختار، وغدًا نأتي برأسه، وظل عمر المختار يقاومهم وهو متسلح بالإيمان حتى وقع البطل في الأسر؛ ففرحت إيطاليا كلها فرحًا شديدًا.

ودعيت المحكمة إلى الانعقاد، ونصبت المشنقة، وجاءوا بالبطل الكبير عمر المختار مقيد اليدين بالسلاسل والقيود، وحكموا عليه بالإعدام شنقًا في محاكمة صورية لم تستغرق سوى ساعة وربع الساعة، وكان الشيخ آنذاك في السبعين من عمره، وسار المجاهد الكبير إلى حبل المشنقة بقدم ثابتة وشجاعة نادرة، لا يتوقف لسانه عن ترديد الشهادتين؛ حتى نفذ فيه حكم الإعدام، وعندما وجدوا أنه لم يمت أعادوا شنقه مرة ثانية.

ولقد توالت الصيحات من الأحرار والشرفاء في كل مكان.. اتركوه.. لا تقتلوا شيخًا كبيرًا جاوز السبعين من عمره.. أي ذنب جناه؟! لم يفعل شيئًا سوى أنه دافع عن تراب وطنه وعزة دينه!! لم يستجيبوا لنداء الرحمة..

أعدموه وسط أهله وعشيرته.. لم يتركوهم ليعبروا عن أحزانهم.. حبسوا دموعهم في عيونهم.. قتلوا البطل المجاهد.. قتلوا العزة والكرامة.. ألا ساء ما يفعلون!! وهب حياته من أجل حرية بلاده والجهاد في سبيل الله، وتمنى أن يلقى الله شهيدًا فحقق الله أمنيته.

أمير الشعراء يرثيه:

وقد رثاه أمير الشعراء أحمد شوقي بقصيدة رائعة يقول فيها:

رَكَـزوا رُفـاتَكَ في الرِمالِ لِواءَ

يـا وَيـحَهُم نَصَبوا مَنارًا مِنiiدَمٍ

مـا ضَرَّ لَو جَعَلوا العَلاقَةَ فيiiغَدٍ

جُرحٌ يَصيحُ عَلى المَدىiiوَضَحِيَّةٌ

يـا أَيُّـها السَيفُ المُجَرَّدُبِالفَلا

يَـستَنهِضُ الوادي صَباحَ مَساءَ

تـوحـي إِلى جيلِ الغَدِiiالبَغضاءَ

بَـيـنَ الـشُعوبِ مَوَدَّةًiiوَإِخاءَ

تَـتَـلَـمَّـسُ الـحُرِّيَةَ الحَمراءَ

يَكسو السُيوفَ عَلى الزَمانِ مَضاء

ويقول:

إِنَّ البُطولَةَ أَن تَموتَ مِن الظَما

إِفـريـقيا مَهدُ الأُسودِ وَلَحدُها

وَالمُسلِمونَ عَلى اِختِلافِ دِيارِهِم

وَالـجـاهِلِيَّةُ مِن وَراء قُبورِهِم

فـي ذِمَّـةِ اللَهِ الكَريمِ وَحِفظِهِ

لَم تُبقِ مِنهُ رَحى الوَقائِعِ أَعظُمًا

لَـيـسَ الـبُطولَةُ أَن تَعُبَّ الماءَ

ضَـجَّت عَلَيكَ أَراجِلًا وَنِساءَ

لا يَـملُكونَ مَعَ المُصابِiiعَزاءَ

يَـبـكونَ زيدَ الخَيلِiiوَالفَلحاءَ

جَـسَـدٌ بِبُرقَةَ وُسِّدَ الصَحراءَ

تَـبـلى وَلَم تُبقِ الرِماحُiدِماءَ

ثم يقول:

لَـبّى قَضاءَ الأَرضِ أَمسِ iiبِمُهجَةٍ

وافـاهُ مَـرفـوعَ الـجَبينِ كَأَنَّهُ

شَـيـخٌ تَـمالَكَ سِنَّهُ لَم iiيَنفَجِر

وَأَخـو أُمـورٍ عـاشَ في سَرّائِها

الأُسـدُ تَزأَرُ في الحَديدِ وَلَنiiتَرى

لَـم تَـخـشَ إِلّا لِلسَماء iقَضاءَ

سُـقـراطُ جَرَّ إِلى القُضاةِiiرِداءَ

كَالطِفلِ مِن خَوفِ العِقابِ بُكاءَ

فَـتَـغَـيَّـرَت فَـتَوَقَّعَ الضَرّاءَ

في السِجنِ ضِرغامًا بَكى اِستِخذاءَ

إلى أن يقول:

شَرَعَت حُقوقَ الناسِ في iأَوطانِهِم

يـا أَيُّـها الشَعبُ القَريبُ أَسامِعٌ

أَم أَلجَمَت فاكَ الخُطوبُ وَحَرَّمَت

ذَهَـبَ الـزَعيمُ وَأَنتَ باقٍ خالِدٌ

وَأَرِح شُيوخَكَ مِن تَكاليفِ الوَغى

إِلّا أُبـاةَ الـضَـيـمِ وَالضُعَفاءَ

فَـأَصـوغُ في عُمَرَ الشَهيد iرِثاءَ

أُذنَـيـكَ حينَ تُخاطَب الإِصغاءَ

فَـاِنـقُد رِجالَكَ وَاِختَر الزُعَماءَ

وَاِحـمِـل عَـلى فِتيانِكَ الأَعباءَ

إرسال إلى صديق     طباعة     أضف تعليق     حفظ

Bookmark and Share

    رمضان في أدب يحيى حقي

    معرض القًاهرة الدولي للكتاب.. والبريق الغائب!

    عمر المختار والثورة الليبية

    الصدق الفني في العمل الأدبي..

    إسلامية النص الشعري..في نشيد الغرباء

    أمة اقرأ.. هل تقرأ؟

    سور الأزبكية..منارة ثقافية في طريقها إلى الاندثار

    بارود.. شاعر فلسطين الذي غاب تحت الثرى

    شاعر العودة.. هارون هاشم رشيد

    "أصوات" سليمان فياض تنقل الغرب إلى الشرق

    الثقافة العربية في مواجهة الهيمنة الأمريكية

    تحليل نَصّ بِشْر بن عَوَانة من خلال القراءة النحوية

    معرض القاهرة للكتاب.. ممنوع التدخين والسياسة!

    لبنى حسين.. ضحية قانون "الحشمة"

    بين السياسة والياسق!

    تجليات العيد عند الشاعر:محمد بن سعد المشعان

    علم التلفيق والتَّزْوِير..القمني وإخوانه وأسلافه!

    الهوية واللغة في دول الخليج

    مدير "التكية" ومحنته مع القرآن!

    حين يشدو الشعراء للشهداء!

الكاتب: محمد بركة

المصدر: موقع نوافذ