فصل: مَا نُسِخَ مِنَ الْوَصَايَا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أحكام القرآن **


فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الزَّكاةِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ‏}

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هِيَ ‏:‏ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ‏}‏ ‏,‏ فَأَبَانَ أَنَّ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ زَكَاةً ‏.‏ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏}‏ ‏;‏ ‏[‏ يَعْنِي ‏]‏ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي سَبِيلِهِ الَّتِي ‏,‏ فَرَضَ مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا ‏.‏ فَأَمَّا دَفْنُ الْمَالِ ‏:‏ فَضَرْبٌ ‏[‏ مِنْ ‏]‏ إحْرَازِهِ ‏,‏ وَإِذَا حَلَّ إحْرَازُهُ بِشَيْءٍ ‏:‏ حَلَّ بِالدَّفْنِ وَغَيْرِهِ ‏.‏ وَاحْتَجَّ فِيهِ ‏:‏ بِابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ ‏,‏ نا أَبُو الْعَبَّاسِ نا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ النَّاسُ عَبِيدُ اللَّهِ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ ‏,‏ فَمَلَّكَهُمْ مَا شَاءَ أَنْ يُمَلِّكَهُمْ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيمَا مَلَّكَهُمْ مَا شَاءَ ‏:‏ ‏{‏ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ‏.‏ ‏}‏ فَكَانَ فِيمَا آتَاهُمْ ‏,‏ أَكْثَرَ مِمَّا جَعَلَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَكُلٌّ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ ‏,‏ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ ‏.‏ وَكَانَ فِيمَا ‏,‏ فَرَضَ عَلَيْهِمْ ‏,‏ فِيمَا مَلَّكَهُمْ ‏:‏ زَكَاةٌ ‏;‏ أَبَانَ ‏:‏ ‏[‏ أَنَّ ‏]‏ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقًّا لِغَيْرِهِمْ فِي وَقْتٍ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏.‏ ‏,‏ فَكَانَ حَلَالًا لَهُمْ مِلْكُ الْأَمْوَالِ ‏,‏ وَحَرَامًا عَلَيْهِمْ حَبْسُ الزَّكَاةِ ‏;‏ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا غَيْرَهُمْ فِي وَقْتٍ ‏,‏ كَمَا مَلَّكَهُمْ أَمْوَالَهُمْ ‏,‏ دُونَ غَيْرِهِمْ فَكَانَ بَيِّنًا فِيمَا وَصَفْتُ وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ‏}‏ أَنَّ كُلَّ مَالِكٍ تَامِّ الْمِلْكِ مِنْ حُرٍّ لَهُ مَالٌ فِيهِ زَكَاةٌ ‏.‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ ‏,‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ ‏,‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ‏}‏ وَهَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الزَّكَاةَ عَلَى الزَّرْعِ ‏.‏ وَإِنَّمَا قَصَدَ ‏:‏ إسْقَاطَ الزَّكَاةِ عَنْ حِنْطَةٍ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ زِرَاعَةٍ ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ ‏:‏ الدُّعَاءُ لَهُمْ عَنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ فَحُقَّ عَلَى الْوَالِي إذَا أَخَذَ صَدَقَةَ امْرِئٍ أَنْ يَدْعُو لَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهَا لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏,‏ وَأَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو ‏;‏ قَالَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ‏}‏ يَعْنِي ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ لِأَنْفُسِكُمْ مِمَّنْ لَكُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ ‏,‏ فَلَا تُنْفِقُوا مِمَّا لَمْ تَأْخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ يَعْنِي ‏[‏ لَا ‏]‏ تُعْطُوا مَا خَبُثَ عَلَيْكُمْ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ وَعِنْدَكُمْ الطَّيِّبُ ‏.‏

مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الصِّيَامِِ

قَرَأْتُ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ‏}‏ ‏,‏ ثُمَّ أَبَانَ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ ‏:‏ شَهْرُ رَمَضَانَ ‏;‏ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ‏}‏ ‏;‏ إلَى قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ‏}‏ ‏.‏ وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏[‏ أَنَّهُ ‏]‏ لَا يَجِبُ صَوْمٌ إلَّا صَوْمَ رَمَضَانَ وَكَانَ عِلْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِاللِّسَانِ أَنَّهُ الَّذِي بَيْنَ شَعْبَانَ وَشَوَّالٍ وَذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ بِمَعْنَاهُ وَزَادَ ‏;‏ قَالَ ‏:‏ فَلَمَّا أَعْلَمَ اللَّهُ النَّاسَ أَنَّ ‏,‏ فَرْضَ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ ‏:‏ شَهْرُ رَمَضَانَ وَكَانَتْ الْأَعَاجِمُ ‏:‏ تَعُدُّ الشُّهُورَ بِالْأَيَّامِ ‏,‏ لَا بِالْأَهِلَّةِ وَتَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْحِسَابَ إذَا عُدَّتْ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ يَخْتَلِفُ ‏.‏ فَأَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأَهِلَّةَ هِيَ ‏:‏ الْمَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ‏,‏ وَذَكَرَ الشُّهُورَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ‏}‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّهُورَ لِلْأَهِلَّةِ إذْ جَعَلَهَا الْمَوَاقِيتَ لَا مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْأَعَاجِمُ مِنْ الْعَدَدِ بِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ذَلِكَ ‏,‏ عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ وَبَيَّنَ أَنَّ الشَّهْرَ ‏:‏ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَعْنِي أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ ثَلَاثِينَ ‏,‏ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأَهِلَّةِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنَا الْعَبَّاس أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ فِي فَرْضِ الصَّوْمِ ‏:‏ ‏{‏ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ‏}‏ إلَى ‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ‏}‏ فَبَيَّنَ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ ‏,‏ فَرَضَ الصِّيَامَ عَلَيْهِمْ عِدَّةً وَجَعَلَ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا فِيهَا مَرْضَى وَمُسَافِرِينَ ‏,‏ وَيُحْصُوا حَتَّى يُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ‏.‏ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِمْ الْيُسْرَ ‏.‏ وَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ‏}‏ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ ‏:‏ ‏(‏ أَحَدُهُمَا ‏)‏ أَنْ لَا يَجْعَلَ عَلَيْهِمْ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ مَرْضَى وَلَا مُسَافِرِينَ ‏,‏ وَيَجْعَلَ عَلَيْهِمْ عَدَدًا إذَا مَضَى السَّفَرُ وَالْمَرَضُ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ‏.‏ ‏(‏ وَيَحْتَمِلُ ‏)‏ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ عَلَى الرُّخْصَةِ إنْ شَاءُوا ‏;‏ لِئَلَّا يُحْرَجُوا إنْ فَعَلُوا وَكَانَ فَرْضُ الصَّوْمِ ‏,‏ وَالْأَمْرُ بِالْفِطْرِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّ كُلَّ آيَةٍ إنَّمَا أُنْزِلَتْ مُتَتَابِعَةً ‏,‏ لَا مُفَرَّقَةً ‏.‏ وَقَدْ تَنْزِلُ الْآيَتَانِ فِي السُّورَةِ مُفَرَّقَتَيْنِ ‏,‏ فَأَمَّا آيَةٌ فَلَا ‏;‏ لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ ‏:‏ أَنَّهَا كَلَامٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ ‏,‏ ‏[‏ يَسْتَأْنِفُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ ‏]‏ ‏.‏ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ‏:‏ لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَى قَطْعِ الْكَلَامِ فَإِذَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ‏:‏ وَفَرْضُ شَهْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا أُنْزِلَ فِي الْآيَةِ عِلْمنَا أَنَّ الْآيَةَ بِفِطْرِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ فَمَنْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ عُذْرٍ ‏:‏ قَضَاهُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ ‏,‏ أَوْ مُجْتَمَعَاتٍ ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ ‏:‏ ‏{‏ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ‏}‏ وَلَمْ يَذْكُرْهُنَّ مُتَتَابِعَاتٍ ‏.‏ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ‏}‏ ‏,‏ فَقِيلَ ‏:‏ ‏{‏ يُطِيقُونَهُ ‏}‏ كَانُوا يُطِيقُونَهُ ‏,‏ ثُمَّ عَجَزُوا ‏,‏ فَعَلَيْهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ ‏:‏ طَعَامُ مِسْكِينٍ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ ‏(‏ وَذَلِكَ بِالْإِجَازَةِ ‏.‏ ‏)‏ قَالَ ‏:‏ ‏(‏ وَالْحَالُ الَّتِي يَتْرُكُ بِهَا الْكَبِيرُ الصَّوْمَ ‏)‏ ‏:‏ أَنْ يُجْهِدَهُ الْجَهْدَ غَيْرَ الْمُحْتَمَلِ ‏.‏ وَكَذَلِكَ ‏:‏ الْمَرِيضُ وَالْحَامِلُ ‏:‏ ‏[‏ إنْ زَادَ مَرَضُ الْمَرِيضِ زِيَادَةً بَيِّنَةً ‏:‏ أَفْطَرَ ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً مُحْتَمَلَةً لَمْ يُفْطِرْ ‏.‏ وَالْحَامِلُ ‏]‏ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا ‏:‏ ‏[‏ أَفْطَرَتْ ‏]‏ وَكَذَلِكَ الْمُرْضِعُ ‏:‏ إذَا أَضَرَّ بِلَبَنِهَا الْإِضْرَارَ الْبَيِّنَ ‏,‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ ‏.‏ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ‏(‏ ‏[‏ رِوَايَةُ ‏]‏ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ ‏)‏ ‏:‏ سَمِعْتُ مِنْ أَصْحَابِنَا ‏,‏ مَنْ نَقَلُوا إذَا سُئِلَ ‏[‏ عَنْ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ‏]‏ ‏:‏ ‏{‏ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ‏}‏ فَكَأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ إذَا لَمْ يُطِقْ الصَّوْمَ الْفِدْيَةُ ‏.‏

وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ جِمَاعُ الْعُكُوفِ مَا لَزِمَهُ الْمَرْءُ ‏,‏ فَحَبَسَ عَلَيْهِ نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ ‏,‏ بِرًّا كَانَ أَوْ مَأْثَمًا ‏,‏ فَهُوَ عَاكِفٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ ‏}‏ ‏,‏ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏[‏ حِكَايَةً ‏]‏ عَمَّنْ رَضِيَ قَوْلَهُ ‏:‏ ‏{‏ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ‏}‏ قِيلَ ‏:‏ فَهَلْ لِلِاعْتِكَافِ الْمُتَبَرَّرِ أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏؟‏ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏;‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ‏}‏ ‏,‏ وَالْعُكُوفُ فِي الْمَسَاجِدِ ‏:‏ ‏[‏ صَبْرُ الْأَنْفُسِ فِيهَا وَحَبْسُهَا عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ ‏]‏ ‏.‏

مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الْحَجِّ

وَفِيمَا أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ‏,‏ حَدَّثَهُمْ ‏,‏ قَالَ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا بَيَانُ ‏,‏ فَرْضِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ ‏,‏ هِيَ ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ‏,‏ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏ قَالَ ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏ قَالَتْ الْيَهُودُ فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ ‏,‏ فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَحُجَّهُمْ ‏,‏ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ حُجُّوا ‏;‏ فَقَالُوا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا وَأَبَوْا أَنْ يَحُجُّوا ‏,‏ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ ‏}‏ قَالَ عِكْرِمَةُ ‏:‏ وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ ‏.‏ ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ عِكْرِمَةُ ‏,‏ بِمَا قَالَ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏;‏ لِأَنَّ هَذَا كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ ‏:‏ وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَالْكُفْرُ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ‏:‏ كُفْرٌ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ ‏,‏ وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ كَفَرَ ‏}‏ قَالَ ‏:‏ هُوَ فِيمَا إنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا ‏,‏ وَإِنْ جَلَسَ لَمْ يَرَهُ إثْمًا ‏.‏ كَانَ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ ‏,‏ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَمَنْ كَفَرَ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ كَانَ كَافِرًا ‏.‏ وَهَذَا ‏(‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ ‏)‏ ‏:‏ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَا قَالَ عِكْرِمَةُ فِيهِ أَوْضَحُ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَاضِحًا ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا ‏}‏ ‏.‏ وَالِاسْتِطَاعَةُ فِي دَلَالَةِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يَقْدِرُ عَلَى مَرْكَبٍ وَزَادٍ يُبَلِّغُهُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَهُوَ يَقْوَى عَلَى الْمَرْكَبِ ‏.‏ أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ ‏,‏ فَيَسْتَأْجِرَ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ‏.‏ أَوْ يَكُونَ لَهُ مَنْ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ ‏,‏ أَطَاعَهُ ‏.‏ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ ‏.‏ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ ‏:‏ الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ ‏.‏ فَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي هِيَ ‏:‏ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ مَعَ كَسْبِ الْعَبْدِ فَقَدْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ ‏(‏ الرِّسَالَةِ ‏)‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ إلَّا بِنِعْمَةٍ مِنْهُ ‏:‏ تُوجِبُ عَلَى مُؤَدِّي مَاضِي نِعَمِهِ ‏,‏ بِأَدَائِهَا ‏:‏ نِعْمَةً حَادِثَةً يَجِبُ عَلَيْهِ شُكْرُهُ ‏[‏ بِهَا ‏]‏ ‏.‏ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ ‏:‏ وَأَسْتَهْدِيه بِهُدَاهُ ‏:‏ الَّذِي لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ ‏,‏ وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ ‏:‏ النَّاسُ مُتَعَبَّدُونَ بِأَنْ يَقُولُوا ‏,‏ أَوْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا أَنْ يَنْتَهُوا إلَيْهِ ‏,‏ لَا يُجَاوِزُونَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوا أَنْفُسَهُمْ شَيْئًا ‏,‏ إنَّمَا هُوَ عَطَاءُ اللَّهِ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ فَنَسْأَلُ اللَّهَ عَطَاءً مُؤَدِّيًا لَحَقّه ‏,‏ مُوجِبًا لِمَزِيدِهِ ‏.‏ وَكُلُّ هَذَا فِيمَا أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ‏.‏ وَلَهُ فِي هَذَا الْجِنْسِ كَلَامٌ كَثِيرٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ فِي التَّعَرِّي مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏[‏ إلَّا بِتَوْفِيقِهِ ‏]‏ ‏.‏ وَتَوْفِيقُهُ ‏:‏ نِعْمَتُهُ الْحَادِثَةُ ‏:‏ الَّتِي بِهَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَتِهِ الْمَاضِيَةِ ‏,‏ وَعَطَاؤُهُ ‏:‏ الَّذِي بِهِ يُؤَدَّى حَقُّهُ وَهُدَاهُ ‏:‏ الَّذِي بِهِ لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ ‏.‏

وَفِيمَا أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ‏,‏ حَدَّثَهُمْ ‏,‏ قَالَ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا بَيَانُ ‏,‏ فَرْضِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ ‏,‏ هِيَ ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ‏,‏ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ‏{‏ قَالَ ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏ قَالَتْ الْيَهُودُ فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ ‏,‏ فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَحُجَّهُمْ ‏,‏ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ حُجُّوا ‏;‏ فَقَالُوا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا وَأَبَوْا أَنْ يَحُجُّوا ‏,‏ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ ‏}‏ قَالَ عِكْرِمَةُ ‏:‏ وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ ‏.‏ ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ عِكْرِمَةُ ‏,‏ بِمَا قَالَ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏;‏ لِأَنَّ هَذَا كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ ‏:‏ وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَالْكُفْرُ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ‏:‏ كُفْرٌ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ ‏,‏ وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ كَفَرَ ‏}‏ قَالَ ‏:‏ هُوَ فِيمَا إنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا ‏,‏ وَإِنْ جَلَسَ لَمْ يَرَهُ إثْمًا ‏.‏ كَانَ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ ‏,‏ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَمَنْ كَفَرَ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ كَانَ كَافِرًا ‏.‏ وَهَذَا ‏(‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ ‏)‏ ‏:‏ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَا قَالَ عِكْرِمَةُ فِيهِ أَوْضَحُ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَاضِحًا ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا ‏}‏ ‏.‏ وَالِاسْتِطَاعَةُ فِي دَلَالَةِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يَقْدِرُ عَلَى مَرْكَبٍ وَزَادٍ يُبَلِّغُهُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَهُوَ يَقْوَى عَلَى الْمَرْكَبِ ‏.‏ أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ ‏,‏ فَيَسْتَأْجِرَ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ‏.‏ أَوْ يَكُونَ لَهُ مَنْ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ ‏,‏ أَطَاعَهُ ‏.‏ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ ‏.‏ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ ‏:‏ الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ ‏.‏ فَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي هِيَ ‏:‏ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ مَعَ كَسْبِ الْعَبْدِ فَقَدْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ ‏(‏ الرِّسَالَةِ ‏)‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ إلَّا بِنِعْمَةٍ مِنْهُ ‏:‏ تُوجِبُ عَلَى مُؤَدِّي مَاضِي نِعَمِهِ ‏,‏ بِأَدَائِهَا ‏:‏ نِعْمَةً حَادِثَةً يَجِبُ عَلَيْهِ شُكْرُهُ ‏[‏ بِهَا ‏]‏ ‏.‏ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ ‏:‏ وَأَسْتَهْدِيه بِهُدَاهُ ‏:‏ الَّذِي لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ ‏,‏ وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ ‏:‏ النَّاسُ مُتَعَبَّدُونَ بِأَنْ يَقُولُوا ‏,‏ أَوْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا أَنْ يَنْتَهُوا إلَيْهِ ‏,‏ لَا يُجَاوِزُونَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوا أَنْفُسَهُمْ شَيْئًا ‏,‏ إنَّمَا هُوَ عَطَاءُ اللَّهِ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ فَنَسْأَلُ اللَّهَ عَطَاءً مُؤَدِّيًا لَحَقّه ‏,‏ مُوجِبًا لِمَزِيدِهِ ‏.‏ وَكُلُّ هَذَا فِيمَا أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ‏.‏ وَلَهُ فِي هَذَا الْجِنْسِ كَلَامٌ كَثِيرٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ فِي التَّعَرِّي مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏[‏ إلَّا بِتَوْفِيقِهِ ‏]‏ ‏.‏ وَتَوْفِيقُهُ ‏:‏ نِعْمَتُهُ الْحَادِثَةُ ‏:‏ الَّتِي بِهَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَتِهِ الْمَاضِيَةِ ‏,‏ وَعَطَاؤُهُ ‏:‏ الَّذِي بِهِ يُؤَدَّى حَقُّهُ وَهُدَاهُ ‏:‏ الَّذِي بِهِ لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ فِي قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ ‏.‏ وَلَا يُفْرَضُ الْحَجُّ ‏[‏ إلَّا ‏]‏ فِي شَوَّالِ كُلِّهِ وَذِي الْقَعْدَةِ كُلِّهِ ‏,‏ وَتِسْعٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ‏.‏ وَلَا يُفْرَضُ إذَا خَلَتْ عَشْرَةُ ذِي الْحِجَّةِ ‏,‏ فَهُوَ مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ ‏,‏ وَالْحَجُّ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ ‏.‏

وَقَالَ فِي قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ‏}‏ فَحَاضِرُهُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ وَهُوَ ‏:‏ كُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ مِنْ دُونِ أَقْرَبِ الْمَوَاقِيتِ ‏,‏ دُونَ لَيْلَتَيْنِ ‏(‏ وَأَنَا ‏)‏ أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏:‏ ‏{‏ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ ‏.‏

‏(‏ وَأَنَا ‏)‏ أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ ‏,‏ أَنَا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَلَا يَجِبُ دَمُ الْمُتْعَةِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ ‏;‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ‏}‏ ‏.‏ وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ ‏:‏ التَّمَتُّعُ بِالْإِهْلَالِ مِنْ الْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَأَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَكْمَلَ التَّمَتُّعَ وَمَضَى التَّمَتُّعُ ‏,‏ وَإِذَا مَضَى بِكَمَالِهِ ‏:‏ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمُهُ ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَنَحْنُ نَقُولُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ ‏(‏ وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏)‏ ‏,‏ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ ‏,‏ فَإِذَا لَمْ يَصُمْ ‏:‏ صَامَ بَعْدَ مِنَى ‏:‏ بِمَكَّةَ أَوْ فِي سَفَرِهِ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ ذَلِكَ ‏.‏ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ‏:‏ وَسَبْعَةً فِي الْمَرْجِعِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ نا هِشَامٌ عَنْ طَاوُوسٍ فِيمَا أَحْسَبُ أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ‏}‏ ‏,‏ وَقَدْ ‏{‏ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ ‏.‏ ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ‏:‏ سَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ تُرِكَ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الْحِجْرِ ‏,‏ نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ ‏.‏

وَقَالَ فِي قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ‏}‏ أَمَّا الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ مَأْذُونٌ بِحِلَاقِ الشَّعْرِ ‏:‏ لِلْمَرَضِ ‏,‏ وَالْأَذَى فِي الرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ ‏.‏

‏(‏ أَنْبَأَنِي ‏)‏ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ فِي الْحَجِّ فِي أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا ‏:‏ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ فَرْضُهُ ‏:‏ إنَّ اللَّهَ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ بِفَضْلِ نِعْمَتِهِ ‏,‏ أَثَابَ النَّاسَ عَلَى الْأَعْمَالِ أَضْعَافَهَا وَمَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ أَلْحَقَ بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ ‏,‏ وَوَفَّرَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ ‏.‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ‏}‏ ‏.‏ فَكَمَا مَنَّ عَلَى الذَّرَارِيِّ بِإِدْخَالِهِمْ جَنَّتَهُ بِلَا عَمَلٍ كَانَ أَنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِمْ عَمَلَ الْبِرِّ فِي الْحَجِّ ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى ‏.‏ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ‏,‏ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ‏}‏ إلَى ‏[‏ قَوْلِهِ ‏]‏ ‏:‏ ‏{‏ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ الْمَثَابَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ‏:‏ الْمَوْضِعُ يَثُوبُ النَّاسُ إلَيْهِ وَيَئُوبُونَ يَعُودُونَ إلَيْهِ بَعْدَ الذَّهَابِ عَنْهُ ‏.‏ وَقَدْ يُقَالُ ‏:‏ ثَابَ إلَيْهِ ‏:‏ اجْتَمَعَ إلَيْهِ ‏,‏ فَالْمَثَابَةُ تَجْمَعُ الِاجْتِمَاعَ وَيَئُوبُونَ يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ ‏:‏ رَاجِعِينَ بَعْدَ ذَهَابِهِمْ عَنْهُ ‏,‏ وَمُبْتَدَئِينَ ‏.‏ قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ ‏,‏ يَذْكُرُ الْبَيْتَ ‏:‏ مَثَابًا لِأَفْنَاءِ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا تَخُبُّ إلَيْهِ الْيَعْمُلَاتُ الذَّوَابِلُ وَقَالَ خِدَاشُ بْنُ زُهَيْرٍ النَّصْرِيُّ فَمَا بَرِحَتْ بَكْرٌ تَثُوبُ وَتَدَّعِي وَيَلْحَقُ مِنْهُمْ أَوَّلُونَ فَآخِرُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ‏}‏ يَعْنِي ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ ‏[‏ آمِنًا ‏]‏ مَنْ صَارَ إلَيْهِ ‏:‏ لَا يُتَخَطَّفُ اخْتِطَافَ مَنْ حَوْلَهُمْ ‏.‏ وَقَالَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ عليه السلام ‏:‏ ‏{‏ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ سَمِعْتُ ‏[‏ بَعْضَ مَنْ أَرْضَى ‏]‏ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لَمَّا أَمَرَ بِهَذَا ‏,‏ إبْرَاهِيمَ ‏(‏ عليه السلام ‏)‏ ‏:‏ وَقَفَ عَلَى الْمَقَامِ وَصَاحَ صَيْحَةً عِبَادَ اللَّهِ ‏;‏ أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ ‏.‏ فَاسْتَجَابَ لَهُ حَتَّى مَنْ ‏[‏ فِي ‏]‏ أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ ‏.‏ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ بَعْدَ دَعْوَتِهِ ‏,‏ فَهُوَ ‏:‏ مِمَّنْ أَجَابَ دَعْوَتَهُ وَوَافَاهُ مَنْ وَافَاهُ ‏,‏ يَقُولُ ‏:‏ لَبَّيْكَ دَاعِيَ رَبِّنَا لَبَّيْكَ ‏.‏ وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ ‏:‏ وَقَالَ لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ إجَازَةً وَمَا قَبْلَهُ قِرَاءَةً ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ شَيْئًا وَهُوَ مُحْرِمٌ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ مَنْ قَتَلَ مِنْ دَوَابِّ الصَّيْدِ ‏,‏ شَيْئًا ‏:‏ جَزَاهُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ ‏;‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ ‏}‏ وَالْمِثْلُ لَا يَكُونُ إلَّا لِدَوَابِّ الصَّيْدِ ‏.‏ فَأَمَّا الطَّائِرُ فَلَا مِثْلَ لَهُ وَمِثْلُهُ ‏:‏ قِيمَتُهُ ‏.‏ إلَّا أَنَّا نَقُولُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ ‏:‏ اتِّبَاعًا لِلْآثَارِ ‏:‏ شَاةٌ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ ‏}‏ وَالْمِثْلُ وَاحِدٌ لَا أَمْثَالٌ فَكَيْفَ زَعَمْتَ أَنَّ عَشَرَةً لَوْ قُتِلُوا صَيْدًا ‏:‏ جَزَوْهُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالٍ ‏؟‏ ‏,‏ وَجَرَى فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ‏:‏ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمِثْلِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ مُؤَقَّتَةٌ ‏,‏ وَالْمِثْلُ ‏:‏ غَيْرُ مُوَقَّتٍ ‏,‏ فَهُوَ بِالدِّيَةِ وَالْقِيمَةِ أَشْبَهُ ‏.‏ وَاحْتَجَّ فِي إيجَابِ الْمِثْلِ فَفِي جَزَاءِ دَوَابِّ الصَّيْدِ ‏,‏ دُونَ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ ‏;‏ ‏[‏ فَقَالَ ‏]‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ ‏}‏ ‏,‏ وَ ‏[‏ قَدْ ‏]‏ حَكَمَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏,‏ وَعُثْمَانُ ‏[‏ وَعَلِيٌّ ‏]‏ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ ‏(‏ رضي الله عنهم ‏)‏ فِي بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ ‏,‏ وَأَزْمَانٍ شَتَّى بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ فَحَكَمَ حَاكِمُهُمْ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ ‏,‏ وَالنَّعَامَةُ لَا لَا تُسَاوِي بَدَنَةً وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ وَهُوَ لَا يُسَاوِي بَقَرَةً ‏,‏ وَفِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَهُوَ لَا يُسَاوِي كَبْشًا وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْهَا أَضْعَافًا وَمِثْلَهَا وَدُونَهَا وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفَرَةٍ ‏,‏ وَهُمَا لَا يُسَاوَيَانِ عَنَاقًا وَلَا جَفَرَةً ‏.‏ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا نَظَّرُوا إلَى أَقْرَبِ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ ‏.‏ شَبَهًا بِالْبَدَنِ ‏[‏ مِنْ النَّعَمِ ‏]‏ لَا بِالْقِيمَةِ ‏.‏ وَلَوْ حَكَمُوا بِالْقِيمَةِ ‏:‏ لَاخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُمْ ‏;‏ لِاخْتِلَافِ أَسْعَارِ مَا يُقْتَلُ فِي الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ ‏[‏ فِي ‏]‏ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا ‏}‏ قُلْتُ ‏[‏ لَهُ ‏]‏ مَنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَيَغْرَمُ ‏؟‏ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ يُعَظِّمُ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَمَضَتْ بِهِ السُّنَنُ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَأَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ ‏:‏ رَأَيْتُ النَّاسَ يَغْرَمُونَ فِي الْخَطَإِ ‏.‏ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَ عُمَرَ ‏,‏ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنهما ‏)‏ ‏:‏ فِي رَجُلَيْنِ أَجْرَيَا فَرَسَيْهِمَا ‏,‏ فَأَصَابَا ظَبْيًا ‏:‏ وَهُمَا مُحْرِمَانِ ‏,‏ فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ وَقَرَأَ عُمَرُ رضي الله عنه ‏:‏ ‏{‏ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ‏}‏ ‏.‏ وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي الْخَطَإِ عَلَى قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً ‏;‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ‏}‏ وَالْمَنْعُ عَنْ قَتْلِهَا عَامٌّ ‏,‏ وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْغُرْمِ فِي الْمَمْنُوعِ مِنْ النَّاسِ وَالْأَمْوَالِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَصْلُ الصَّيْدِ ‏:‏ الَّذِي يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يُسَمَّى صَيْدًا ‏.‏ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ‏}‏ لِأَنَّهُ مَعْقُولٌ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُرْسِلُونَهَا عَلَى مَا يُؤْكَلُ ‏.‏ أَوَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ‏}‏ وَقَوْلُهُ ‏:‏ ‏{‏ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ‏}‏ ‏؟‏ ‏,‏ فَدَلَّ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِحْرَامِ ‏:‏ ‏[‏ مِنْ ‏]‏ صَيْدِ الْبَرِّ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ‏:‏ ‏[‏ أَنْ ‏]‏ يَأْكُلُوهُ زَادَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ‏:‏ لِأَنَّهُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَرَّمَ فِي الْإِحْرَامِ خَاصَّةً ‏,‏ إلَّا مَا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ ‏.‏ فَأَمَّا مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الْحَلَالِ ‏:‏ فَالتَّحْرِيمُ الْأَوَّلُ كَافٍ مِنْهُ ‏.‏ قَالَ وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ ‏,‏ وَالْعَقْرَبِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْفَأْرَةِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ‏.‏ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُمْ قَتْلَ مَا أَضَرَّ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ‏.‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا مُسْلِمٌ ‏:‏ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ ‏:‏ لَا يُفِيدُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ ‏,‏ إلَّا ‏:‏ ‏[‏ مَا ‏]‏ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ‏.‏

‏(‏ وَفِيمَا أَنْبَأَ ‏)‏ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ أَنَّ الْعَبَّاسَ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ ‏[‏ فِي ‏]‏ قَوْلِ اللَّهِ ‏:‏ ‏{‏ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ‏}‏ ‏;‏ قَالَ عَفَا اللَّهُ عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ‏.‏ قُلْتُ ‏:‏ وَقَوْلُهُ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ‏}‏ ‏[‏ قَالَ ‏:‏ وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ‏]‏ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ ‏.‏ وَشَبَّهَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ فِي ذَلِكَ بِقَتْلِ الْآدَمِيِّ وَالزِّنَا وَمَا فِيهِمَا وَفِي الْكُفْرِ ‏:‏ مِنْ الْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ‏}‏ ‏.‏ وَمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْحُدُودِ فِي الدُّنْيَا ‏[‏ قَالَ ‏]‏ ‏:‏ ‏[‏ فَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ ‏]‏ ‏:‏ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ النِّقْمَةَ فِي الْآخِرَةِ ‏,‏ لَا تُسْقِطُ حُكْمًا غَيْرَهَا فِي الدُّنْيَا ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ نَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ أَوْ ‏;‏ لَهُ أَيَّةٌ شَاءَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ إلَّا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ‏}‏ ‏,‏ فَلَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ ‏,‏ فِي الْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقُولُ ‏.‏ وَرَوَاهُ ‏(‏ أَيْضًا ‏)‏ سَعِيدٌ ‏[‏ عَنْ ‏]‏ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ عَنْ عَطَاءٍ ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ ‏:‏ أَوْ أَوْ يَخْتَارُ مِنْهُ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْفِدْيَةِ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ‏(‏ وَأَنَا ‏)‏ أَبُو زَكَرِيَّا نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا سَعِيد عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏[‏ قَالَ ‏]‏ ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ ‏{‏ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ‏}‏ ‏؟‏ قَالَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي حَرَمٍ ‏(‏ يُرِيدُ ‏:‏ الْبَيْتَ ‏)‏ كَفَّارَةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَيْتِ ‏.‏ فَأَمَّا الصَّوْمُ ‏(‏ فَأَخْبَرَنَا ‏)‏ أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فَإِنْ جَزَاهُ بِالصَّوْمِ ‏:‏ ‏[‏ صَامَ ‏]‏ حَيْثُ شَاءَ ‏;‏ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ ‏,‏ فِي صِيَامِهِ ‏.‏ وَاحْتَجَّ ‏[‏ فِي الصَّوْمِ ‏]‏ فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ عَنْ أَبِي الْعَبَّاس عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ أَذِنَ اللَّهُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ ‏.‏ وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّوْمِ مَنْفَعَةٌ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَكَانَ عَلَى بَدَنِ الرَّجُلِ فَكَانَ عَمَلًا بِغَيْرِ وَقْتٍ فَيَعْمَلُهُ حَيْثُ شَاءَ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ الْإِحْصَارُ الَّذِي ذَكَرَ ‏[‏ هـ ‏]‏ اللَّهُ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ فِي الْقُرْآنِ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ‏}‏ نَزَلَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأُحْصِرَ النَّبِيُّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏[‏ بِعَدُوٍّ ‏]‏ فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ ‏,‏ مَرَضٌ حَابِسٌ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي مَعْنَى الْآيَةِ ‏.‏ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحَائِلِ مِنْ الْعَدُوِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ ‏,‏ مَعْنَاهُ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فِي الْحِلِّ وَقَدْ قِيلَ ‏:‏ نَحَرَ فِي الْحَرَمِ ‏.‏ وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ نَحَرَ فِي الْحِلِّ ‏:‏ وَبَعْضُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ ‏:‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏ وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ‏}‏ ‏,‏ وَالْحَرَمُ ‏:‏ كُلُّهُ مَحِلُّهُ ‏;‏ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏.‏ فَحَيْثُ مَا أُحْصِرَ ‏[‏ الرَّجُلُ ‏:‏ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا ‏;‏ بِعَدُوٍّ حَائِلٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ وَقَدْ أَحْرَمَ ‏]‏ ‏:‏ ذَبَحَ شَاةً وَحَلَّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ‏;‏ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَجُّهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ‏;‏ فَيَحُجُّهَا ‏.‏ مِنْ قِبَلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ‏}‏ وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ‏}‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا ‏}

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ صَيْدٌ فِي بِئْرٍ كَانَ أَوْ فِي مَاءِ مُسْتَنْقِعٍ ‏,‏ أَوْ عَيْنٍ وَعَذْبٍ وَمَالِحٍ ‏,‏ فَهُوَ بَحْرٌ فِي حِلٍّ كَانَ أَوْ حَرَمٍ ‏;‏ مِنْ حُوتٍ أَوْ ضَرْبِهِ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ ‏[‏ أَكْثَرَ ‏]‏ عَيْشِهِ فَلِلْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ أَنْ يُصِيبَهُ وَيَأْكُلَ فَأَمَّا طَائِرُهُ فَإِنَّهُ يَأْوِي إلَى أَرْضٍ فِيهِ ‏[‏ فَهُوَ ‏]‏ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ إذَا أُصِيبَ جُزِيَ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَاسَرْجِسِيِّ فِيمَا أَخْبَرَنِي عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ سُفْيَانَ أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله تعالى ‏)‏ فِي قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ كَانَتْ قُرَيْشٌ وَقَبَائِلُ لَا يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ وَكَانُوا يَقُولُونَ ‏:‏ نَحْنُ الْحُمْسُ ‏,‏ لَمْ نُسَبَّ قَطُّ وَلَا دُخِلَ عَلَيْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَيْسَ نُفَارِقُ الْحَرَمَ ‏.‏ وَكَانَ سَائِرُ النَّاسِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ ‏,‏ فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَنْ يَقِفُوا بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ كُلِّهَا ‏,‏ وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ مِنًى ‏,‏ فَقَطْ ‏.‏ زَادَ كِتَابُ الْبُوَيْطِيِّ ‏:‏ وَيُظَنُّ ‏[‏ أَنَّهُ ‏]‏ كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏.‏

جَائِزا الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ ‏.‏ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ‏}‏ ‏.‏ فَاحْتَمَلَ إحْلَالُ اللَّهِ الْبَيْعَ مَعْنَيَيْنِ ‏:‏ ‏(‏ أَحَدُهُمَا ‏)‏ ‏:‏ أَنْ يَكُونَ أَحَلَّ كُلَّ بَيْعٍ تَبَايَعَهُ الْمُتَبَايِعَانِ ‏:‏ جَائِزِي الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ ‏.‏ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا ‏.‏ وَهَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيه ‏.‏ ‏(‏ وَالثَّانِي ‏)‏ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحَلَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏:‏ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ ‏.‏ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْجُمْلَةِ الَّتِي أَحْكَمَ اللَّهُ ‏,‏ فَرْضَهَا بِكِتَابِهِ ‏,‏ وَبَيَّنَ ‏:‏ كَيْفَ هِيَ ‏؟‏ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَوْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ ‏,‏ فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ مَا أُرِيدَ بِإِحْلَالِهِ مِنْهُ ‏,‏ وَمَا حَرَّمَ أَوْ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِمَا ‏.‏ أَوْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أَبَاحَهُ ‏,‏ إلَّا مَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مِنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ ‏,‏ كَمَا كَانَ الْوُضُوءُ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُتَوَضِّئٍ ‏:‏ لَا خُفَّيْنِ عَلَيْهِ لَبِسَهُمَا عَلَى ‏,‏ كَمَالِ الطَّهَارَةِ ‏.‏ وَأَيُّ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَ فَقَدْ أَلْزَمهُ اللَّهُ خَلْقَهُ ‏,‏ بِمَا ‏,‏ فَرَضَ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏ فَلَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ عَنْ بُيُوعٍ ‏:‏ تَرَاضَى بِهَا الْمُتَبَايِعَانِ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِمَا أَحَلَّ مِنْ الْبُيُوعِ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏[‏ دُونَ مَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِهِ ‏]‏ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ‏,‏ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْكِتَابِ ‏:‏ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَذَكَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ الرَّهْنَ ‏:‏ إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ ‏,‏ فَلَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا وَكَانَ مَعْقُولًا ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ فِيهَا ‏:‏ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْكِتَابِ وَالرَّهْنِ ‏:‏ احْتِيَاطًا لِمَالِكِ الْحَقِّ بِالْوَثِيقَةِ وَالْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَنْسَى وَيَذْكُرَ ‏.‏ لَا أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكْتُبُوا أَوْ يَأْخُذُوا رَهْنًا ‏.‏ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ ‏}‏ ‏;‏ يَحْتَمِلُ كُلَّ دَيْنٍ وَيَحْتَمِلُ السَّلَفَ خَاصَّةً ‏.‏ وَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ فِي السَّلَفِ وَقُلْنَا بِهِ فِي كُلِّ دَيْنٍ ‏:‏ قِيَاسًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ‏,‏ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْكِتَابِ ‏:‏ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَذَكَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ الرَّهْنَ ‏:‏ إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ ‏,‏ فَلَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا وَكَانَ مَعْقُولًا ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ فِيهَا ‏:‏ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْكِتَابِ وَالرَّهْنِ ‏:‏ احْتِيَاطًا لِمَالِكِ الْحَقِّ بِالْوَثِيقَةِ وَالْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَنْسَى وَيَذْكُرَ ‏.‏ لَا أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكْتُبُوا أَوْ يَأْخُذُوا رَهْنًا ‏.‏ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ ‏}‏ ‏;‏ يَحْتَمِلُ كُلَّ دَيْنٍ وَيَحْتَمِلُ السَّلَفَ خَاصَّةً ‏.‏ وَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ فِي السَّلَفِ وَقُلْنَا بِهِ فِي كُلِّ دَيْنٍ ‏:‏ قِيَاسًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْحَجْرَ ثَابِتٌ عَلَى الْيَتَامَى حَتَّى يَجْمَعُوا خَصْلَتَيْنِ ‏:‏ الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ ‏.‏ فَالْبُلُوغُ ‏:‏ اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ‏[‏ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ‏]‏ ‏.‏ إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ الرَّجُلُ ‏,‏ أَوْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ ‏:‏ قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ‏,‏ فَيَكُونُ ذَلِكَ ‏:‏ الْبُلُوغُ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَالرُّشْدُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ ‏:‏ حَتَّى تَكُونَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً وَإِصْلَاحُ الْمَالِ ‏.‏ ‏[‏ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إصْلَاحُ الْمَالِ ‏]‏ بِأَنْ يُخْتَبَرَ الْيَتِيمُ ‏.‏ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَمَرَ اللَّهُ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمَا إلَيْهِمَا وَسَوَّى فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ‏.‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ ‏}‏ ‏.‏ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمَرْأَةِ نِصْفَ مَهْرِهَا ‏[‏ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ ‏:‏ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْأَجْنَبِيَّيْنِ مِنْ الرِّجَالِ مَا وَجَبَ لَهُمْ ‏]‏ ‏,‏ وَأَنَّهَا مُسَلَّطَةٌ عَلَى أَنْ تَعْفُو عَنْ مَالِهَا ‏.‏ وَنَدَبَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ إلَى الْعَفْوِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ‏.‏ وَسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ‏,‏ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ عَفْوِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ‏,‏ مَا وَجَبَ لَهُ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ‏}‏ ‏.‏ فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ ‏:‏ إيتَاءَهُنَّ مَا فُرِضَ لَهُنَّ وَأُحِلَّ لِلرِّجَالِ ‏:‏ كُلُّ مَا طَابَ نِسَاؤُهُمْ عَنْهُ نَفْسًا وَاحْتَجَّ ‏(‏ أَيْضًا ‏)‏ بِآيَةِ الْفِدْيَةِ فِي الْخُلْعِ وَبِآيَةِ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا ‏:‏ كَانَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَتْ ‏,‏ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا ‏.‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَثْبَتَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ الْوِلَايَةَ عَلَى السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ ‏[‏ هُوَ ‏]‏ وَأَمَرَ وَلِيَّهُ بِالْإِمْلَاءِ عَنْهُ ‏;‏ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ فِيمَا لَا غَنَاءَ لَهُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ مَقَامَهُ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَقَدْ قِيلَ ‏:‏ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ يُحْتَمَلُ ‏:‏ ‏[‏ أَنْ يَكُونَ ‏]‏ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ ‏.‏ وَهُوَ أَشْبَهُ مَعَانِيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ وَلَا يُؤْجَرُ الْحُرُّ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ ‏}

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ‏}‏ ‏.‏ فَهَذِهِ ‏:‏ الْحُبُسُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْبِسُونَهَا ‏,‏ فَأَبْطَلَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ شُرُوطَهُمْ فِيهَا ‏,‏ وَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِبْطَالِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ إيَّاهَا وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَقُولُ إذَا نُتِجَ ‏,‏ فَحْلُ إبِلِي ‏,‏ ثُمَّ أَلْقَحَ ‏,‏ فَأُنْتِجَ مِنْهُ فَهُوَ ‏:‏ حَامٍ ‏.‏ أَيْ ‏:‏ قَدْ حَمَى ظَهْرَهُ ‏,‏ فَيَحْرُمُ رُكُوبُهُ ‏.‏ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ شَبِيهًا بِالْعِتْقِ لَهُ وَيَقُولُ فِي الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ عَلَى مَعْنًى يُوَافِقُ بَعْضَ هَذَا ‏.‏ وَيَقُولُ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ سَائِبَةٌ ‏:‏ لَا يَكُونُ لِي وَلَاؤُكَ ‏,‏ وَلَا عَلَيَّ عَقْلُكَ وَقِيلَ أَنَّهُ ‏(‏ أَيْضًا ‏)‏ فِي الْبَهَائِمِ ‏:‏ قَدْ سَيَّبْتُك ‏.‏ فَلَمَّا كَانَ الْعِتْقُ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَهَائِمِ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ مِلْكَ الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالِحَامِ إلَى مَالِكِهِ ‏:‏ وَأَثْبَتَ الْعِتْقَ وَجَعَلَ الْوَلَاءَ ‏:‏ لِمَنْ أَعْتَقَ ‏[‏ السَّائِبَةَ وَحَكَمَ لَهُ بِمِثْلِ حُكْمِ النَّسَبِ ‏.‏ ‏]‏ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ ‏:‏ ‏(‏ الْبَحِيرَةِ ‏)‏ ‏.‏ فِي تَفْسِيرِ الْبَحِيرَةِ ‏:‏ أَنَّهَا ‏:‏ النَّاقَةُ تُنْتَجُ بُطُونًا ‏,‏ فَيَشُقُّ مَالِكُهَا أُذُنَهَا ‏,‏ وَيُخْلِي سَبِيلَهَا ‏,‏ ‏[‏ وَيَحْلُبُ لَبَنَهَا فِي الْبَطْحَاءِ ‏]‏ ‏,‏ وَلَا يَسْتَجِيزُونَ الِانْتِفَاعَ بِلَبَنِهَا ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَتْ تِلْكَ خَمْسَةَ بُطُونٍ ‏,‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ ‏:‏ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْبُطُونُ كُلُّهَا إنَاثًا قَالَ وَالْوَصِيلَةُ ‏:‏ الشَّاةُ تُنْتَجُ الْأَبْطُنَ ‏,‏ فَإِذَا وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَ الْأَبْطُنِ الَّتِي وَقَّتُوا لَهَا قِيلَ ‏:‏ وَصَلَتْ أَخَاهَا ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ ‏:‏ تُنْتَجُ الْأَبْطُنَ الْخَمْسَةَ عَنَاقَيْنِ عَنَاقَيْنِ فِي كُلِّ بَطْنٍ ‏;‏ فَيُقَالُ ‏:‏ هَذَا وَصِيلَةٌ يَصِلُ كُلَّ ذِي بَطْنٍ بِأَخٍ لَهُ مَعَهُ ‏.‏ وَزَادَ بَعْضُهُمْ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ وَقَدْ يُوصِلُونَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَبْطُنٍ وَفِي خَمْسَةٍ وَفِي سَبْعَةٍ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَالِحَامُ ‏:‏ الْفَحْلُ يَضْرِبُ فِي إبِلِ الرَّجُلِ عَشْرَ سِنِينَ ‏,‏ فَيُخْلَى ‏,‏ وَيُقَالُ ‏:‏ قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ ‏,‏ فَلَا يَنْتَفِعُونَ مِنْ ظَهْرِهِ بِشَيْءٍ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَزَادَ بَعْضُهُمْ ‏,‏ فَقَالَ يَكُونُ لَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ ‏,‏ أَوْ مَا أُنْتِجَ مِمَّا خَرَجَ مِنْ صُلْبِهِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ ‏;‏ فَيُقَالُ ‏:‏ قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ ‏.‏ وَقَالَ فِي السَّائِبَةِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ ‏;‏ ‏[‏ ثُمَّ قَالَ ‏]‏ ‏:‏ وَكَانُوا يَرْجُونَ ‏[‏ بِأَدَائِهِ ‏]‏ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيَنَالُونَ بِهِ عِنْدَهُمْ مَكْرُمَةً فِي الْأَخْلَاقِ ‏,‏ مَعَ التَّبَرُّرِ بِمَا صَنَعُوا فِيهِ ‏.‏ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ الْوُلَاةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ ‏,‏ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ‏}‏ ‏.‏ نَزَلَتْ بِأَنَّ النَّاسَ تَوَارَثُوا ‏:‏ بِالْحِلْفِ ‏[‏ وَالنُّصْرَةِ ‏]‏ ‏;‏ ثُمَّ تَوَارَثُوا ‏:‏ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ‏.‏ وَكَانَ الْمُهَاجِرُ يَرِثُ الْمُهَاجِرَ وَلَا يَرِثُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُهَاجِرًا وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ وَرَثَتِهِ ‏.‏ فَنَزَلَتْ ‏:‏ ‏{‏ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ‏}‏ عَلَى مَا فُرِضَ لَهُمْ ‏,‏ ‏[‏ لَا مُطْلَقًا ‏]‏ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَخْبَرْتُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ ‏,‏ نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ‏}‏ نُسِخَ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْفَرَائِضِ ‏.‏ وَقَالَ لِي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏ قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ ‏,‏ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ مَنْ حَضَرَ ‏,‏ وَلْيَحْضُرْ بِخَيْرٍ ‏,‏ وَلْيَخَفْ أَنْ يَحْضُرَ حِينَ يُخْلِفُ هُوَ أَيْضًا بِمَا حَضَرَ غَيْرُهُ ‏.‏ ‏(‏ وَأَنَا ‏)‏ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ‏}‏ ‏.‏ فَأَمَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَنْ يُرْزَقَ مِنْ الْقِسْمَةِ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ ‏:‏ الْحَاضِرُونَ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ أَنْ يُرْزَقَ مِنْ الْقِسْمَةِ ‏,‏ ‏[‏ مَنْ ‏]‏ مِثْلُهُمْ فِي الْقَرَابَةِ وَالْيُتْمِ وَالْمَسْكَنَةِ ‏.‏ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ ‏.‏ وَلِهَذَا أَشْبَاهٌ وَهِيَ أَنْ تُضِيفَ مَنْ جَاءَكَ وَلَا تُضِيفُ مَنْ لَا يَقْصِدُ قَصْدَكَ ‏:‏ ‏[‏ وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا ‏]‏ إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ ‏.‏ وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ ‏:‏ تَخْصِيصَ النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ بِالْإِجْلَاسِ مَعَهُ ‏,‏ أَوْ تَرْوِيغِهِ لُقْمَةً مِنْ وَلِيَ الطَّعَامَ مِنْ مَمَالِيكِهِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي ‏(‏ يَعْنِي فِي الْآيَةِ ‏)‏ قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ ‏:‏ قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْغَنَائِمِ ‏.‏ فَهَذَا أَوْسَعُ وَأَحَبُّ إلَيَّ ‏:‏ ‏[‏ أَنْ ‏]‏ يُعْطَوْا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ الْمُعْطِي وَلَا يُوَقَّتُ وَلَا يُحْرَمُونَ ‏.‏

مَا نُسِخَ مِنَ الْوَصَايَا

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ فَكَانَ فَرْضًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَلَى مَنْ تَرَكَ خَيْرًا وَالْخَيْرُ الْمَالُ أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ ‏.‏ وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏[‏ بِالْقُرْآنِ ‏]‏ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ ‏.‏ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَقْرَبِينَ ‏:‏ غَيْرِ الْوَارِثِينَ ‏;‏ فَأَكْثَرُ مَنْ لَقِيتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ حَفِظْتُ ‏[‏ عَنْهُ ‏]‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ الْوَصَايَا مَنْسُوخَةٌ ‏;‏ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهَا إذَا كَانَتْ إنَّمَا يُورَثُ بِهَا ‏,‏ فَلَمَّا قَسَمَ اللَّهُ الْمِيرَاثَ ‏:‏ كَانَتْ تَطَوُّعًا وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ كُلُّهُ كَمَا قَالُوا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏[‏ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ ‏]‏ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ مِنْ قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ‏.‏ ‏}‏ وَاحْتَجَّ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ‏{‏ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ لَهُ ‏:‏ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ ‏,‏ فَجَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ‏,‏ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً ‏.‏ ‏}‏ ‏[‏ ثُمَّ قَالَ ‏]‏ ‏:‏ وَالْمُعْتِقُ عَرَبِيٌّ ‏,‏ وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ ‏:‏ تَمْلِكُ مَنْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ‏.‏ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ لَمْ تَجُزْ لِلْمَمْلُوكِينَ وَقَدْ أَجَازَهَا لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْتَوْدَعِ ‏:‏ إذَا قَالَ ‏:‏ دَفَعْتهَا إلَيْكَ ‏,‏ فَالْقَوْلُ ‏:‏ قَوْلُهُ ‏.‏ وَلَوْ قَالَ أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ ‏,‏ فَدَفَعْتُهَا ‏;‏ فَالْقَوْلُ ‏:‏ قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ ‏.‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ‏}‏ وَقَالَ فِي الْيَتَامَى ‏:‏ ‏{‏ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ‏}‏ ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ إنَّمَا هُوَ ‏:‏ وَصِيُّ أَبِيهِ أَوْ ‏[‏ وَصِيٌّ ‏]‏ وَصَّاهُ الْحَاكِمُ ‏:‏ لَيْسَ أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَوْدَعَهُ ‏.‏ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ ‏:‏ غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ ‏;‏ إنْ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ ‏.‏ ‏[‏ وَ ‏]‏ كَذَلِكَ ‏:‏ الْوَصِيُّ ‏.‏

مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَاتِ

‏(‏ أَنْبَأَنِي ‏)‏ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ أَنَّ ‏[‏ أَبَا الْعَبَّاسِ ‏]‏ حَدَّثَهُمْ ‏:‏ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ ‏[‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏]‏ ‏:‏ ‏{‏ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ‏}‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ‏}‏ إلَى قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ‏}

قَالَ الشَّافِعِيُّ فَالْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ فِيهِمَا ‏[‏ مَعًا ‏]‏ الْخُمُسُ مِنْ جَمِيعِهِمَا ‏,‏ لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ ‏[‏ لَهُ ‏]‏ فِي الْآيَتَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ مُجْتَمَعِينَ غَيْرُ مُفْتَرِقِينَ ‏.‏ ثُمَّ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ وَفِي فِعْلِهِ ‏.‏ فَإِنَّهُ قَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ وَالْغَنِيمَةُ هِيَ ‏:‏ الْمُوجَفُ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَاب ‏.‏ ‏:‏ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ ‏.‏ وَالْفَيْءُ هُوَ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فِي قُرَى ‏:‏ عُرَيْنَةَ ‏;‏ الَّتِي أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ ‏.‏ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ‏.‏ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَا هُنَا حَدِيثَ ‏{‏ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ حَيْثُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهما فِي أَمْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ‏,‏ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِصًا ‏,‏ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ ‏,‏ فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ هَذَا ‏:‏ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ ‏;‏ إنَّمَا يَعْنِي عُمَرَ ‏(‏ رضي الله عنه ‏)‏ ‏[‏ بِقَوْلِهِ ‏]‏ ‏:‏ لِرَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ خَالِصًا مَا كَانَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُوجِفِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ ‏.‏ فَاسْتَدْلَلْت بِخَبَرِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ لِأَهْلِ الْخُمْسِ ‏:‏ ‏[‏ مِمَّا أُوجِفَ عَلَيْهِ ‏]‏ ‏.‏ وَاسْتَدْلَلْت بِقَوْلِ اللَّهِ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ فِي الْحَشْرِ ‏:‏ ‏{‏ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ‏}‏ عَلَى أَنَّ لَهُمْ الْخُمُسَ ‏,‏ فَإِنَّ الْخُمُسَ إذَا كَانَ لَهُمْ فَلَا يُشَكُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ سَلَّمَهُ لَهُمْ ‏.‏ وَاسْتَدْلَلْنَا ‏:‏ إذْ كَانَ حُكْمُ اللَّهِ فِي الْأَنْفَالِ ‏:‏ ‏{‏ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ‏}‏ ‏,‏ فَاتَّفَقَ الْحَكَمَانِ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَسُورَةِ الْأَنْفَالِ ‏,‏ لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ ‏.‏ أَنَّ مَا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ‏:‏ الْخُمُسُ لَا غَيْرُهُ ‏.‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَوَجَدْتُ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ حَكَمَ فِي الْخُمُسِ بِأَنَّهُ عَلَى خَمْسَةٍ ‏;‏ لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏(‏ لِلَّهِ ‏)‏ مِفْتَاحُ كَلَامٍ ‏:‏ لِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ ‏,‏ وَلَهُ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ ‏,‏ وَمِنْ بَعْدُ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقَدْ مَضَى مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏[‏ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَغَيْرِهِنَّ لَوْ كَانَ مَعَهُنَّ ‏]‏ ‏.‏ فَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ لِوَرَثَتِهِمْ تِلْكَ النَّفَقَةُ ‏:‏ ‏[‏ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ ‏]‏ وَلَا خَالَفَ فِي أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ النَّفَقَاتُ ‏:‏ حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏,‏ يَجْعَلُ فُضُولَ غَلَّاتِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ‏.‏ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ وَيُقْسَمُ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فِي قِسْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى ‏,‏ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَقَوْلُهُ ‏:‏ ‏{‏ إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ ‏:‏ شَيْءٌ وَاحِدٌ ‏}‏ ‏.‏ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِشَوَاهِدِهِ ‏,‏ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْمَبْسُوطِ وَالْمَعْرِفَةِ ‏,‏ وَالسُّنَنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ كُلُّ مَا حَصَلَ مِمَّا غُنِمَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ قُسِمَ كُلُّهُ إلَّا الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمَنَّ عَلَى مَنْ رَأَى مِنْهُمْ أَوْ يَقْتُلَ ‏,‏ أَوْ يُفَادِيَ ‏,‏ أَوْ يَسْبِيَ ‏.‏ وَسَبِيلُ مَا سَبَى وَمَا أَخَذَ مِمَّا ‏,‏ فَادَى ‏:‏ سَبِيلُ مَا سِوَاهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ ‏.‏ وَاحْتَجَّ فِي الْقَدِيمِ ‏:‏ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ‏}‏ وَذَلِكَ فِي بَيَانِ اللُّغَةِ ‏:‏ قَبْلَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ فِي أُسَارَى بَدْرٍ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَفْدَاهُمْ ‏:‏ وَالْحَرْبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ قَائِمَةٌ ‏.‏ وَعَرَضَ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ الْحَنَفِيِّ ‏:‏ وَهُوَ ‏(‏ يَوْمئِذٍ ‏)‏ وَقَوْمُهُ أَهْلُ الْيَمَامَةِ ‏;‏ حَرْبٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏ فَأَحْكَمَ اللَّهُ فَرْضَ الصَّدَقَاتِ فِي كِتَابِهِ ‏,‏ ثُمَّ أَكَّدَهَا ‏[‏ وَشَدَّدَهَا ‏]‏ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ ‏}‏ ‏.‏ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَسَمَهَا اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏[‏ عَلَيْهِ ‏]‏ وَذَلِكَ مَا كَانَتْ الْأَصْنَافُ مَوْجُودَةً ‏;‏ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي مَنْ وُجِدَ ‏:‏ كَقَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ‏}‏ الْآيَةُ وَكَقَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ ‏}‏ ‏,‏ وَكَقَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ‏}‏ ‏.‏ فَمَعْقُولٌ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏[‏ أَنَّهُ ‏]‏ فَرَضَ هَذَا ‏:‏ لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ يَمُوتُ الْمَيِّتُ ‏.‏ وَكَانَ مَعْقُولًا ‏[‏ عَنْهُ ‏]‏ أَنَّ هَذِهِ السُّهْمَانَ ‏:‏ لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ وَتُقْسَمُ ‏.‏ فَإِذَا أُخِذَتْ صَدَقَةُ قَوْمٍ ‏:‏ قُسِمَتْ عَلَى مَنْ مَعَهُمْ فِي دَارِهِمْ مِنْ أَهْلِ ‏[‏ هَذِهِ ‏]‏ السُّهْمَانِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ جِيرَانِهِمْ ‏[‏ إلَى أَحَدٍ ‏]‏ ‏:‏ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهَا ‏.‏ ثُمَّ ذَكَرَ تَفْسِيرَ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَهُوَ فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله تَعَالَى ‏)‏ فَأَهْلُ السُّهْمَانِ يَجْمَعُهُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ إلَى مَا لَهُمْ مِنْهَا كُلُّهُمْ وَأَسْبَابُ حَاجَتِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ ‏,‏ ‏[‏ وَكَذَلِكَ أَسْبَابُ اسْتِحْقَاقِهِمْ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ ‏]‏ يَجْمَعُهَا الْحَاجَةُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا صِفَاتُهَا ‏.‏ فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَالْفُقَرَاءُ ‏:‏ الزَّمْنَى الضُّعَفَاءُ الَّذِينَ لَا حِرْفَةَ لَهُمْ ‏,‏ وَأَهْلُ الْحِرْفَةِ الضَّعِيفَةِ ‏:‏ الَّذِينَ لَا تَقَعُ حِرْفَتُهُمْ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِمْ ‏,‏ وَلَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ ‏.‏ وَالْمَسَاكِينُ ‏:‏ السُّؤَالُ ‏,‏ وَمَنْ لَا يَسْأَلُ مِمَّنْ لَهُ حِرْفَةٌ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ وَلَا عِيَالَهُ وَقَالَ فِي ‏(‏ كِتَابِ فَرْضِ الزَّكَاةِ ‏)‏ الْفَقِيرُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا حِرْفَةَ ‏:‏ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا ‏;‏ زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ ‏,‏ سَائِلًا كَانَ أَوْ مُتَعَفِّفًا ‏.‏ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَهُ مَالٌ ‏,‏ أَوْ حِرْفَةٌ ‏:‏ ‏[‏ لَا ‏]‏ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ ‏:‏ سَائِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا ‏:‏ الْمُتَوَلُّونَ لِقَبْضِهَا مِنْ أَهْلِهَا ‏:‏ مِنْ السَّعَادَةِ ‏,‏ وَمَنْ أَعَانَهُمْ مِنْ عَرِيفٍ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِمَعُونَتِهِ سَوَاءً كَانُوا أَغْنِيَاءَ ‏,‏ أَوْ فُقَرَاءَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ‏:‏ مَنْ وَلَّاهُ الْوَلِيُّ ‏:‏ قَبَضَهَا وَقَسَمَهَا ‏.‏ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ ‏:‏ يَأْخُذُ مِنْ الصَّدَقَةِ ‏,‏ ‏[‏ بِقَدْرِ ‏]‏ غَنَائِهِ ‏:‏ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ ‏[‏ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ‏;‏ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عَلَى مَعْنَى الْإِجَارَةِ ‏.‏ ‏]‏ ‏.‏ وَأَطَالَ الشَّافِعِيُّ الْكَلَامَ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَقَالَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ ‏:‏ وَلِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ ‏:‏ سَهْمٌ ‏.‏ وَاَلَّذِي أَحْفَظُ فِيهِ مِنْ مُتَقَدِّمِ الْخَبَرِ ‏:‏ أَنْ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ‏(‏ رضي الله عنه ‏)‏ أَحْسَبُهُ قَالَ بِثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ ‏,‏ فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ ‏(‏ رضي الله عنه ‏)‏ مِنْهَا ‏:‏ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ‏,‏ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَجَاءَهُ بِزُهَاءِ أَلْفِ رَجُلٍ وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ فِي إعْطَائِهِ إيَّاهَا مِنْ أَيْنَ أَعْطَاهُ إيَّاهَا ‏؟‏ غَيْرُ أَنَّ الَّذِي يَكَادُ يَعْرِفُ الْقَلْبُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَخْبَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهَا ‏,‏ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ‏.‏ فَإِمَّا زَادَهُ ‏:‏ لِيُرَغِّبَهُ فِيمَا صَنَعَ ‏,‏ وَإِمَّا أَعْطَاهُ ‏:‏ لِيَتَأَلَّفَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِمَّنْ لَا يَثِقُ مِنْهُ ‏,‏ بِمِثْلِ مَا يَثِقُ بِهِ مِنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ فَأَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ وَلَنْ تَنْزِلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏.‏ ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ النَّازِلَةِ قَالَ ‏:‏ وَالرِّقَابُ ‏:‏ الْمُكَاتَبُونَ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَالْغَارِمُونَ ‏:‏ صِنْفَانِ ‏:‏ ‏(‏ صِنْفٌ ‏)‏ ‏:‏ دَانُوا فِي مَصْلَحَتِهِمْ ‏,‏ أَوْ مَعْرُوفٍ وَغَيْرِ مَعْصِيَةٍ ‏,‏ ثُمَّ عَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ ذَلِكَ ‏:‏ فِي الْعَرْضِ وَالنَّقْدِ فَيُعْطَوْنَ فِي غُرْمِهِمْ ‏:‏ لِعَجْزِهِمْ ‏.‏ ‏(‏ وَصِنْفٌ ‏)‏ ‏:‏ دَانُوا فِي حِمَالَاتٍ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ ‏,‏ وَمَعْرُوفٍ وَلَهُمْ عُرُوضٌ ‏:‏ تَحْمِلُ حَمَالَاتِهِمْ أَوْ عَامَّتَهَا وَإِنْ بِيعَتْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرُوا فَيُعْطَى هَؤُلَاءِ ‏:‏ ‏[‏ مَا يُوَفِّرُ عُرُوضَهُمْ ‏,‏ كَمَا يُعْطَى أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنْ الْغَارِمِينَ ‏]‏ حَتَّى يَقْضُوا غُرْمَهُمْ قَالَ ‏:‏ وَسَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ ‏:‏ يُعْطَى مِنْهُ ‏,‏ مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ ‏:‏ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ ‏,‏ فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا قَالَ وَابْنُ السَّبِيلِ ‏:‏ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ ‏:‏ الَّذِينَ يُرِيدُونَ السَّفَرَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ‏,‏ فَيَعْجَزُونَ عَنْ بُلُوغِ سَفَرِهِمْ ‏,‏ إلَّا بِمَعُونَةٍ عَلَى سَفَرِهِمْ ‏.‏ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ‏:‏ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ‏:‏ هُوَ ‏:‏ لِمَنْ مَرَّ بِمَوْضِعِ الْمُصَّدِّقِ مِمَّنْ يَعْجِزُ عَنْ بُلُوغٍ حَيْثُ يُرِيدُ ‏,‏ إلَّا بِمَعُونَةٍ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَهَذَا مَذْهَبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏ وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ فِي غَيْرِ رِوَايَتِنَا إنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ‏.‏

‏(‏ أَنْبَأَنِي ‏)‏ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَكَانَ مِمَّا خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ قَوْلُهُ ‏:‏ ‏{‏ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ‏}‏ ‏.‏ وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏‏{‏ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ‏}‏ ‏,‏ فَحَرَّمَ نِكَاحَ نِسَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْعَالَمِينَ ‏,‏ وَلَيْسَ هَكَذَا نِسَاءُ أَحَدٍ غَيْرِهِ ‏.‏ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ‏}‏ فَأَبَانَهُنَّ بِهِ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ‏.‏ وَقَوْلُهُ ‏:‏ ‏{‏ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ‏}‏ ‏;‏ مِثْلُ مَا وَصَفْتُ مِنْ اتِّسَاعِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَنَّ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ تَجْمَعُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً وَمِمَّا وَصَفْتُ ‏:‏ مِنْ ‏[‏ أَنَّ ‏]‏ اللَّهَ أَحْكَمَ كَثِيرًا مِنْ ‏,‏ فَرَائِضِهِ بِوَحْيِهِ وَسَنَّ شَرَائِعَ وَاخْتِلَافَهَا ‏,‏ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ وَفِي فِعْلِهِ ‏.‏ فَقَوْلُهُ ‏:‏ ‏{‏ أُمَّهَاتُهُمْ ‏}‏ ‏;‏ يَعْنِي ‏:‏ فِي مَعْنًى دُونَ مَعْنًى ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ نِكَاحُهُنَّ بِحَالٍ ‏,‏ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ بَنَاتٍ ‏:‏ لَوْ كُنَّ لَهُنَّ ‏;‏ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ بَنَاتِ أُمَّهَاتِهِمْ ‏:‏ اللَّاتِي وَلَدْنَهُمْ ‏,‏ ‏[‏ أَ ‏]‏ و أَرْضَعْنَهُمْ ‏.‏ وَذَكَرَ الْحُجَّةَ فِي هَذَا ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ وَقَدْ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ فِي النَّازِلَةِ يَنْزِلُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ مِنْ أُنْزِلَتْ فِيهِ ‏;‏ كَالْعَامَّةِ فِي الظَّاهِرِ ‏:‏ وَهِيَ يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ وَالْمَعْنَى دُونَ مَا سِوَاهُ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمَرْأَةِ ‏:‏ تَرُبُّ أَمْرَهُمْ ‏.‏ أُمُّنَا وَأُمُّ الْعِيَالِ وَتَقُولُ كَذَلِكَ لِلرَّجُلِ ‏:‏ ‏[‏ يَتَوَلَّى ‏]‏ أَنْ يَقُوتَهُمْ أُمُّ الْعِيَالِ ‏;‏ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعَ الْأُمِّ الَّتِي تَرُبُّ ‏[‏ أَمْرَ ‏]‏ الْعِيَالِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ تَأَبَّطَ شَرًّا وَهُوَ يَذْكُرُ غَزَاةً غَزَاهَا ‏:‏ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلِيَ قُوتَهُمْ وَأُمُّ عِيَالٍ قَدْ شَهِدْت تَقُوتُهُمْ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْبَيْتِ ‏,‏ وَبَيْتَيْنِ أَخَوَيْنِ مَعَهُ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قُلْتُ ‏:‏ الرَّجُلُ يُسَمَّى أُمًّا ‏,‏ وَقَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ لِلنَّاقَةِ ‏,‏ وَالْبَقَرَةِ ‏,‏ وَالشَّاةِ وَالْأَرْضِ ‏:‏ هَذِهِ أُمُّ عِيَالِنَا ‏;‏ عَلَى مَعْنَى ‏:‏ الَّتِي تَقُوتُ عِيَالَنَا ‏.‏ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ‏}‏ ‏.‏ يَعْنِي أَنَّ اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ ‏;‏ الْوَارِثَاتُ ‏[‏ وَ ‏]‏ الْمَوْرُوثَاتُ ‏,‏ الْمُحَرَّمَاتُ بِأَنْفُسِهِنَّ وَالْمُحَرَّمُ بِهِنَّ غَيْرُهُنَّ ‏:‏ اللَّائِي لَمْ يَكُنَّ قَطُّ إلَّا أُمَّهَاتٍ ‏.‏ لَيْسَ ‏:‏ اللَّائِي يُحْدِثْنَ رَضَاعًا لِلْمَوْلُودِ ‏,‏ فِيكُنَّ بِهِ أُمَّهَاتٍ ‏[‏ وَقَدْ كُنَّ قَبْلَ إرْضَاعِهِ ‏,‏ غَيْرَ أُمَّهَاتٍ لَهُ ‏]‏ ‏,‏ وَلَا أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ‏[‏ عَامَّةً ‏:‏ يَحْرُمْنَ بِحُرْمَةٍ أَحْدَثْنَهَا أَوْ يُحْدِثُهَا الرَّجُلُ أَوْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ‏]‏ حَرُمْنَ بِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ وَفِي هَذَا ‏:‏ دَلَالَةٌ عَلَى أَشْبَاهٍ لَهُ فِي الْقُرْآنِ ‏,‏ جَهِلَهَا مَنْ قَصُرَ عِلْمُهُ بِاللِّسَانِ وَالْفِقْهِ ‏.‏ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَذَكَرَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا ‏}‏ ‏.‏ وَالْحَصُورُ ‏:‏ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ ‏,‏ ‏[‏ وَلَمْ يَنْدُبْهُ إلَى النِّكَاحِ ‏]‏ ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ حَتْمٌ لَازِمٌ لِأَوْلِيَاءِ الْأَيَامَى ‏,‏ وَالْحَرَائِرُ ‏:‏ الْبَوَالِغُ إذَا أَرَدْنَ النِّكَاحَ ‏,‏ وَدُعُوا إلَى رَضِيٍّ مِنْ الْأَزْوَاجِ ‏.‏ أَنْ يُزَوِّجُوهُنَّ ‏;‏ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ‏}‏ فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ بِأَنَّ مُبْتَدَأَ الْآيَةِ عَلَى ذِكْرِ الْأَزْوَاجِ ‏.‏ فَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ ‏:‏ ‏[‏ عَلَى ‏]‏ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْعَضَلِ الْأَوْلِيَاءَ ‏;‏ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ ‏,‏ فَبَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الْأَجَلَ فَهُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْهَا ‏,‏ فَكَيْفَ يَعْضُلُهَا مَنْ لَا سَبِيلَ وَلَا شِرْكَ لَهُ ‏[‏ فِي أَنْ يَعْضُلَهَا ‏]‏ فِي بَعْضِهَا ‏؟‏ ‏,‏ ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ ‏:‏ قَدْ يَحْتَمِلُ إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ ‏;‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ يَقُولُ لِلْأَزْوَاجِ ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏ يَعْنِي إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى وَأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُ ‏;‏ لِأَنَّهَا إذَا قَارَبَتْ بُلُوغَ أَجَلِهَا ‏,‏ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ فَقَدْ حَظَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَلَيْهَا أَنْ تَنْكِحَ ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ‏}‏ ‏,‏ فَلَا يَأْمُرُ بِأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ النِّكَاحِ ‏;‏ مَنْ قَدْ مَنَعَهَا مِنْهُ ‏.‏ إنَّمَا يَأْمُرُ بِأَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِمَّا أَبَاحَ لَهَا ‏,‏ مَنْ هُوَ بِسَبَبٍ ‏[‏ مِنْ ‏]‏ مَنْعِهَا ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَقَدْ حَفِظَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا ‏,‏ فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ‏,‏ ثُمَّ ‏:‏ طَلَبَ نِكَاحَهَا وَطَلَبَتْهُ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ زَوَّجْتُكَ دُونَ غَيْرِكَ أُخْتِي ‏,‏ ثُمَّ ‏:‏ طَلَّقْتهَا ‏,‏ لَا أُنْكِحُكَ أَبَدًا ‏.‏ فَنَزَلَتْ ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَهَذِهِ الْآيَةُ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ دَلَالَةً عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تُنْكِحَ نَفْسَهَا وَفِيهَا ‏:‏ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ مَعَ الْمُزَوَّجِ وَالْمُزَوَّجَةِ قَالَ الشَّيْخُ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ هَذَا الَّذِي نَقَلْتُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ فِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ إلَى هَا هُنَا ‏.‏ بَعْضُهُ فِي مَسْمُوعٍ لِي ‏:‏ قِرَاءَةً عَلَى شَيْخِنَا وَبَعْضُهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ فِي النَّقْلِ فَرَوَيْت الْجَمِيعَ بِالْإِجَازَةِ ‏,‏ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ ‏.‏ وَاحْتَجَّ ‏(‏ أَيْضًا ‏)‏ فِي اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ‏}‏ وَبِقَوْلِهِ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ فِي الْإِمَاءِ ‏:‏ ‏{‏ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ‏}‏ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ‏}‏ قَالَ ‏:‏ وَدَلَّتْ أَحْكَامُ اللَّهِ ‏,‏ ثُمَّ رَسُولِهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ عَلَى أَنْ لَا مِلْكَ لِلْأَوْلِيَاءِ ‏[‏ آبَاءً كَانُوا أَوْ غَيْرُهُمْ ‏;‏ ‏]‏ عَلَى أَيَامَاهُمْ وَأَيَامَاهُمْ ‏:‏ الثَّيِّبَاتُ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ‏}‏ وَقَالَ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ فِي الْمُعْتَدَّاتِ ‏:‏ ‏{‏ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ ‏}‏ الْآيَةُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ ‏{‏ الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا ‏,‏ وَإِذْنُهَا ‏:‏ صُمَاتُهَا ‏}‏ ‏[‏ مَعَ مَا ‏]‏ سِوَى ذَلِكَ وَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَمَالِيكَ لِمَنْ مَلَكَهُمْ ‏,‏ ‏[‏ وَأَنَّهُمْ ‏]‏ لَا يَمْلِكُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ‏[‏ شَيْئًا ‏]‏ ‏.‏ وَلَمْ أَعْلَمْ دَلِيلًا عَلَى إيجَابِ ‏[‏ إنْكَاحِ ‏]‏ صَالِحِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ ‏,‏ كَمَا وَجَدْتُ الدَّلَالَةَ عَلَى إنْكَاحِ الْحَرَائِرِ إلَّا مُطْلَقًا ‏.‏ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُنْكَحَ ‏[‏ مَنْ بَلَغَ ‏]‏ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ ‏,‏ ثُمَّ صَالِحُوهُمْ خَاصَّةً وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَيْهِ ‏;‏ لِأَنَّ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةٌ أَنْ تَكُونَ أُرِيدَ بِهَا ‏:‏ الدَّلَالَةُ لَا الْإِيجَابُ ‏.‏ وَذَهَبَ فِي الْقَدِيمِ ‏:‏ إلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ ‏:‏ إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ‏}‏ ‏;‏ بِأَنْ قَالَ ‏:‏ إنَّمَا هَذَا عِنْدَنَا عَبْدٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ مَثَلًا ‏;‏ فَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَقَدْ يَزْعُمُ أَنَّ الْعَبْدَ يَقْدِرُ عَلَى أَشْيَاءَ ‏(‏ مِنْهَا ‏)‏ مَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ ‏:‏ مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي تُتْلِفُهُ ‏[‏ أَ ‏]‏ و تَنْقُصُهُ ‏.‏ ‏(‏ وَمِنْهَا ‏)‏ مَا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ‏:‏ جَازَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِقْرَارُهُ فَإِنْ اعْتَلَّ بِالْإِذْنِ فَالشِّرَى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَيْضًا فَكَيْفَ يَمْلِكُ بِأَحَدٍ الْإِذْنَيْنِ وَلَا يَمْلِكُ بِالْآخَرِ ‏؟‏ ‏,‏ ‏.‏ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا ‏,‏ فِي الْجَدِيدِ ‏,‏ وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَذَكَرَ قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ‏}‏ ‏.‏ ‏[‏ ثُمَّ قَالَ ‏]‏ ‏:‏ فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏[‏ عَلَى ‏]‏ أَنَّ مَا أَبَاحَ مِنْ الْفُرُوجِ فَإِنَّمَا أَبَاحَهُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ ‏:‏ النِّكَاحُ أَوْ مَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ ‏,‏ فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ مَالِكًا بِحَالٍ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فِي آخَرِينَ قَالُوا ‏:‏ نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا الشَّافِعِيُّ ‏:‏ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ‏,‏ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ‏}‏ ‏.‏ إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ‏;‏ نَسَخَهَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ‏}‏ ‏;‏ فَهِيَ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ‏:‏ فَهَذَا ‏:‏ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَعَلَيْهِ دَلَائِلُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ‏.‏ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ سَائِرَ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي ‏(‏ الْمَبْسُوطِ ‏)‏ ‏,‏ وَفِي كِتَابِ ‏:‏ ‏(‏ الْمَعْرِفَةِ ‏)‏ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بْن أَبِي عَمْرو نا أَبُو الْعَبَّاسِ ‏,‏ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ‏}‏ ‏.‏ فَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا ‏:‏ الْأَحْرَارُ ‏.‏ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ‏}‏ ‏[‏ لِأَنَّهُ ‏]‏ لَا يَمْلِكُ إلَّا الْأَحْرَارَ ‏.‏ وقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ‏}‏ ‏,‏ فَإِنَّمَا يَعُولُ مَنْ لَهُ الْمَالُ وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ ‏.‏ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ تَلَا الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ ‏[‏ ثُمَّ ‏]‏ قَالَ ‏:‏ فَأَسْمَى اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ النِّكَاحَ ‏,‏ اسْمَيْنِ ‏:‏ النِّكَاحَ وَالتَّزْوِيجَ ‏.‏ وَذَكَرَ آيَةَ الْهِبَةِ وَقَالَ ‏:‏ فَأَبَانَ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ الْهِبَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَالْهِبَةُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ تُجْمَعُ أَنْ يَنْعَقِدَ لَهُ ‏[‏ عَلَيْهَا ‏]‏ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ‏;‏ بِأَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لَهُ بِلَا مَهْرٍ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ ‏,‏ إلَّا بِاسْمِ ‏:‏ النِّكَاحِ ‏,‏ ‏[‏ أَ ‏]‏ و التَّزْوِيجِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ‏}‏ دُونَ أَدْعِيَائِكُمْ الَّذِينَ تُسَمُّونَهُمْ أَبْنَاءَكُمْ ‏.‏ وَاحْتَجَّ ‏[‏ فِي ‏]‏ كُلٍّ بِمَا هُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ ‏:‏ ‏(‏ الْمَعْرِفَةِ ‏)‏ ‏;‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ وَحَرَّمْنَا بِالرَّضَاعِ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ ‏:‏ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَبِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَنَّهُ ‏{‏ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ ‏.‏ ‏}‏ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ‏}‏ وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ‏}‏ ‏.‏ كَانَ أَكْبَرُ وَلَدِ الرَّجُلِ يَخْلُفُ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ وَكَانَ الرَّجُلُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ‏.‏ فَنَهَى اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ‏:‏ يَجْمَعُ فِي عُمْرِهِ بَيْنَ أُخْتَيْنِ ‏,‏ أَوْ يَنْكِحَ مَا نَكَحَ أَبَاهُ ‏;‏ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ‏,‏ قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِتَحْرِيمِهِ ‏.‏ لَيْسَ أَنَّهُ أَقَرَّ فِي أَيْدِيهِمْ ‏,‏ مَا كَانُوا قَدْ جَمَعُوا بَيْنَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ‏.‏ ‏[‏ كَمَا أَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ عَلَى نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ ‏:‏ الَّذِي لَا يَحِلُّ فِي الْإِسْلَامِ بِحَالٍ ‏]‏ ‏.‏

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ‏,‏ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَتْ ‏,‏ أَوْ طَلَّقَهَا ‏[‏ فَأَبَانَهَا ‏]‏ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ عَقْدُ نِكَاحِ أُمِّهَا ‏:‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ قَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ‏}‏ ‏.‏ زَادَ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ ‏:‏ لِأَنَّ الْأُمَّ مُبْهَمَةُ التَّحْرِيمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ ‏;‏ إنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ وَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ‏}‏ ‏.‏ بِأَنَّ ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ ‏:‏ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ‏,‏ ‏[‏ حَتَّى يُفَارِقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةِ طَلَاقٍ أَوْ ‏,‏ فَسْخِ نِكَاحٍ ‏.‏ ‏]‏ إلَّا السَّبَايَا ‏:‏ ‏[‏ فَإِنَّهُنَّ مُفَارِقَاتٌ لَهُنَّ بِالْكِتَابِ ‏,‏ وَالسُّنَّةِ ‏,‏ وَالْإِجْمَاعِ ‏.‏ ‏]‏ ‏.‏ وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ بِحَدِيثِ ‏{‏ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ أَصَبْنَا سَبَايَا ‏:‏ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي الشِّرْكِ ‏,‏ فَكَرِهْنَا أَنْ نَطَأَهُنَّ ‏,‏ فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ ‏;‏ فَنَزَلَ ‏:‏ ‏{‏ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ‏}‏ ‏}‏ احْتَجَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ ‏:‏ ‏(‏ الْمَعْرِفَةِ ‏)‏ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ‏}‏ فَاعْرِضُوا عَلَيْهِنَّ الْإِيمَانُ ‏,‏ فَإِنْ قَبِلْنَ ‏,‏ وَأَقْرَرْنَ ‏[‏ بِهِ ‏]‏ ‏:‏ فَقَدْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ‏.‏ وَكَذَلِكَ عِلْمُ بَنِي آدَمَ الظَّاهِرُ ‏;‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ‏}‏ يَعْنِي ‏:‏ بِسَرَائِرِهِنَّ فِي إيمَانِهِنَّ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُهَاجِرَةٍ ‏[‏ مِنْ ‏]‏ أَهْلِ مَكَّةَ ‏,‏ فَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ ‏:‏ ابْنَةَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَأَهْلُ مَكَّةَ ‏:‏ أَهْلُ أَوْثَانٍ ‏.‏ وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ‏}‏ ‏;‏ قَدْ نَزَلَتْ فِي مُهَاجِرِ أَهْلِ مَكَّةَ مُؤْمِنًا ‏,‏ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْهُدْنَةِ ‏.‏

وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إنَّهَا نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ ‏:‏ الَّذِينَ هُمْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ ‏;‏ فَحَرَّمَ ‏:‏ نِكَاحَ نِسَائِهِمْ ‏,‏ كَمَا حَرَّمَ أَنْ يَنْكِحَ رِجَالُهُمْ الْمُؤْمِنَاتِ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَهَذِهِ الْآيَةُ ثَابِتَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ ‏.‏ وَقَدْ قِيلَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ ‏,‏ ثُمَّ نَزَلَتْ الرُّخْصَةُ ‏[‏ بَعْدَهَا ‏]‏ ‏:‏ فِي إحْلَالِ نِكَاحِ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً ‏,‏ كَمَا جَاءَتْ فِي إحْلَالِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ‏}‏ قَالَ ‏:‏ فَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ أُبِيحَ ‏[‏ فِيهِ ‏]‏ نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏.‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ‏}‏ ‏[‏ إلَى قَوْلِهِ ‏]‏ ‏:‏ ‏{‏ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ‏}‏ الْآيَةُ قَالَ فَفِي ‏[‏ هَذِهِ ‏]‏ الْآيَةِ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا ‏:‏ الْأَحْرَارُ ‏;‏ دُونَ الْمَمَالِيكِ ‏;‏ لِأَنَّهُمْ الْوَاجِدُونَ لِلطَّوْلِ ‏,‏ الْمَالِكُونَ لِلْمَالِ وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ مَالًا بِحَالٍ ‏.‏ وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا بِأَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِصَدَاقِ أَمَةٍ ‏,‏ طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَبِأَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ ‏,‏ وَالْعَنَتُ ‏:‏ الزِّنَا ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَفِي إبَاحَةِ اللَّهِ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى مَا شَرَطَ ‏:‏ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا وَخَافَ الْعَنَتَ ‏.‏ دَلَالَةٌ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ ‏,‏ وَعَلَى أَنَّ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا يَحْلِلْنَ إلَّا ‏:‏ لِمَنْ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ ‏,‏ مَعَ إيمَانِهِنَّ ‏.‏ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي الْحُجَّةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ ‏.‏ يَعْنِي ‏:‏ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ‏}‏ ‏,‏ فَالْمُسْلِمَاتُ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ بِالْقُرْآنِ بِكُلِّ حَالٍ وَعَلَى مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ ‏:‏ لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِيهِ ‏.‏ عَلِمْتُهُ ‏.‏ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ‏}‏ مَعْنَاهُ بِمَا أَحَلَّهُ ‏[‏ اللَّهُ ‏]‏ لَنَا مِنْ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ فِي كِتَابِهِ لَا أَنَّهُ أَبَاحَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ‏}

قَالَ الشَّافِعِيُّ بُلُوغُ الْكِتَابِ أَجَلَهُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ فِي التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ ‏:‏ فِي الْعِدَّةِ ‏,‏ فَبَيَّنَ أَنَّهُ حَظَرَ التَّصْرِيحَ فِيهَا ‏.‏ قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ‏}‏ يَعْنِي ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ جِمَاعًا ‏;‏ ‏{‏ إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ‏}‏ حَسَنًا لَا فُحْشَ فِيهِ ‏.‏ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ رَضِيتُك ‏;‏ إنَّ عِنْدِي لَجِمَاعًا يُرْضِي مَنْ جُومِعَهُ ‏.‏ وَكَانَ هَذَا وَإِنْ كَانَ تَعْرِيضًا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ ‏:‏ لِقُبْحِهِ وَمَا عَرَّضَ بِهِ مِمَّا سِوَى هَذَا مِمَّا تَفْهَمُ الْمَرْأَةُ بِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا ‏.‏ فَجَائِزٌ لَهُ ‏,‏ وَكَذَلِكَ ‏:‏ التَّعْرِيضُ بِالْإِجَابَةِ ‏[‏ لَهُ ‏]‏ ‏,‏ جَائِزٌ لَهَا ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ بِالتَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ فِيهَا ‏:‏ الْعِدَّةُ مِنْ وَفَاةِ الزَّوْجِ وَلَا يَبِينُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ ‏:‏ الَّذِي لَا يَمْلِكُ فِيهِ الْمُطَلِّقُ ‏,‏ الرَّجْعَةَ وَاحْتَجَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ السِّرَّ ‏:‏ الْجِمَاعُ ‏.‏ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ ‏[‏ ثُمَّ قَالَ ‏]‏ ‏:‏ فَإِذَا أَبَاحَ التَّعْرِيضَ ‏:‏ وَالتَّعْرِيضُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏,‏ جَائِزٌ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ‏.‏ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ السِّرَّ سِرُّ التَّعْرِيضِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْنًى غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى ‏:‏ الْجِمَاعُ ‏.‏ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي كَبِرْتُ وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي كَذَبْتِ لَقَدْ أُصْبِيَ عَلَى الْمَرْءِ عِرْسَهُ وَأَمْنَعُ عِرْسِي أَنْ يُزَنَّ بِهَا الْخَالِي وَقَالَ جَرِيرٌ يَرْثِي امْرَأَتَهُ ‏:‏ كَانَتْ إذَا هَجَرَ الْخَلِيلُ فِرَاشَهَا خُزِنَ الْحَدِيثُ وَعَفَّتْ الْأَسْرَارَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ حَدِيثَهَا مَخْزُونٌ ‏,‏ فَخَزْنُ الْحَدِيثِ ‏:‏ ‏[‏ أَنْ ‏]‏ لَا يُبَاحَ بِهِ سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً فَإِذَا وَصَفَهَا بِهَذَا ‏:‏ فَلَا مَعْنَى لِلْعَفَافِ غَيْرَ الْأَسْرَارِ ‏;‏ ‏[‏ وَ ‏]‏ الْأَسْرَارُ ‏:‏ الْجِمَاعُ ‏.‏ وَهَذَا ‏:‏ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏,‏ فَذَكَرَهُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ‏}‏ ‏.‏ يَعْنِي ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ الطَّهَارَةُ الَّتِي تَحِلُّ بِهَا الصَّلَاةُ لَهَا ‏:‏ ‏[‏ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ ‏]‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ وَتَحْرِيمُ اللَّهِ ‏(‏ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏)‏ إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي الْمَحِيضِ لِأَذَى الْحَيْضِ ‏.‏ كَالدَّلَالَةِ عَلَى ‏:‏ ‏[‏ أَنَّ ‏]‏ إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ مُحَرَّمٌ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ‏}‏ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَبَيَّنَ أَنَّ مَوْضِعَ الْحَرْثِ مَوْضِعُ الْوَلَدِ ‏,‏ وَأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَبَاحَ الْإِتْيَانَ فِيهِ ‏,‏ إلَّا فِي وَقْتِ الْحَيْضِ ‏.‏ وَ ‏{‏ أَنَّى شِئْتُمْ ‏}‏ مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَإِبَاحَةُ الْإِتْيَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَرْثِ ‏,‏ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ‏:‏ تَحْرِيمَ إتْيَانٍ ‏[‏ فِي ‏]‏ غَيْرِهِ وَالْإِتْيَانُ فِي الدُّبُرِ ‏:‏ حَتَّى يَبْلُغَ مِنْهُ مَبْلَغَ الْإِتْيَانِ فِي الْقُبُلِ مُحَرَّمٌ ‏:‏ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ ‏,‏ ثُمَّ السُّنَّةِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ‏:‏ إجَازَةً عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْهُ ‏)‏ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ‏}‏ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ‏{‏ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ‏}‏ ‏.‏ فَكَانَ بَيِّنًا فِي ذِكْرِ حِفْظِهِمْ لِفُرُوجِهِمْ ‏,‏ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ‏,‏ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ تَحْرِيمُ مَا سِوَى الْأَزْوَاجِ وَمَا مَلَكَتْ الْأَيْمَانُ وَبَيَّنَ أَنَّ الْأَزْوَاجَ وَمِلْكَ الْيَمِينِ مِنْ الْآدَمِيَّاتِ ‏;‏ دُونَ الْبَهَائِمِ ‏.‏ ثُمَّ أَكَّدَهَا ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ‏}‏ فَلَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِالذَّكَرِ ‏,‏ إلَّا فِي زَوْجَةٍ ‏,‏ أَوْ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْنَاءُ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

وَ ‏[‏ قَالَ ‏]‏ فِي قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ‏}‏ مَعْنَاهُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ لِيَصْبِرُوا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ ‏.‏ وَهُوَ ‏:‏ كَقَوْلِهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي مَالِ الْيَتِيمِ ‏:‏ ‏{‏ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ‏}‏ لِيَكُفَّ عَنْ أَكْلِهِ بِسَلَفٍ ‏,‏ أَوْ غَيْرِهِ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَكَانَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ‏}‏ ‏.‏ بَيَانُ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا ‏:‏ الرِّجَالُ لَا ‏:‏ النِّسَاءُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ ‏[‏ لِلْمَرْأَةِ ‏]‏ ‏:‏ أَنْ تَكُونَ مُتَسَرِّيَةً بِمَا مَلَكَتْ يَمِينُهَا ‏;‏ لِأَنَّهَا مُتَسَرَّاةٌ أَوْ مَنْكُوحَةٌ لَا نَاكِحَةٌ إلَّا بِمَعْنَى أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ‏}‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ‏}‏ ‏.‏ وَذَكَرَ سَائِرَ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الصَّدَاقِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ الْأَزْوَاجَ بِأَنْ يُؤْتُوا النِّسَاءَ أُجُورَهُنَّ وَصَدُقَاتِهِنَّ وَالْأَجْرُ ‏[‏ هُوَ ‏]‏ ‏:‏ الصَّدَاقُ وَالصَّدَاقُ هُوَ ‏:‏ الْأَجْرُ وَالْمَهْرُ وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ ‏:‏ تُسَمَّى بِعِدَّةِ أَسْمَاءٍ فَيَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِصَدَاقٍ ‏,‏ مَنْ فَرَضَهُ دُونَ مَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ ‏:‏ دَخَلَ ‏,‏ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ ‏.‏ لِأَنَّهُ حَقٌّ أَلْزَمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ ‏,‏ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَبْسُ شَيْءٍ مِنْهُ ‏,‏ إلَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ ‏[‏ لَهُ ‏]‏ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ ‏.‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ‏}‏ ‏.‏ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ وَيَحْتَمِلُ ‏:‏ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لَا يَلْزَمُ أَبَدًا ‏,‏ إلَّا بِأَنْ يُلْزِمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ ‏,‏ أَوْ يَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا ‏.‏ فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعَانِي الثَّلَاثَ ‏,‏ كَانَ أَوْلَاهَا أَنْ يُقَالَ بِهِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ مِنْ كِتَابٍ ‏,‏ أَوْ سُنَّةٍ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ ‏.‏ فَاسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ‏}‏ ‏.‏ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ ‏[‏ يَصِحُّ ‏]‏ بِغَيْرِ ‏,‏ فَرِيضَةِ صَدَاقٍ ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى مَنْ عَقَدَ نِكَاحَهُ ‏.‏ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ ‏:‏ وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ‏(‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏)‏ أَنَّ عَلَى النَّاكِحِ الْوَاطِئِ ‏,‏ صَدَاقًا بِفَرْضِ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي الْإِمَاءِ أَنْ يُنْكَحْنَ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَيُؤْتَيْنَ أُجُورَهُنَّ وَالْأَجْرُ ‏:‏ الصَّدَاقُ ‏.‏ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ‏}‏ ‏[‏ خَالِصَةً بِهِبَةٍ وَلَا مَهْرَ ‏,‏ فَأَعْلَمَ أَنَّهَا لِلنَّبِيِّ ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ ‏.‏ ‏]‏ ‏.‏ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُرِيدُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ النِّكَاحَ وَالْمَسِيسَ بِغَيْرِ مَهْرٍ ‏,‏ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ أَنْ يَنْكِحَ ‏,‏ فَيَمَسَّ إلَّا لَزِمَهُ مَهْرٌ مَعَ دَلَالَةِ الْآيِ قَبْلَهُ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ ‏}‏ يَعْنِي ‏:‏ النِّسَاءُ ‏.‏ ‏[‏ وَفِي قَوْلِهِ ‏]‏ ‏:‏ ‏{‏ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ‏}‏ يَعْنِي ‏:‏ الزَّوْجُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَعْفُو مَنْ لَهُ مَا يَعْفُوهُ ‏.‏ وَرَوَاهُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ‏:‏ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏(‏ رضي الله عنه ‏)‏ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَشُرَيْحٌ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ ‏:‏ وَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى ‏,‏ يَقُولُ ‏:‏ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ‏:‏ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ ‏,‏ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ ‏,‏ فَعَفَوْهُ جَائِزٌ ‏.‏

‏(‏ وَأَنَا ‏)‏ أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ ‏,‏ أَنَا الرَّبِيعُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏ فَقَالَ عَامَّةُ مَنْ لَقِيتُ مِنْ أَصْحَابِنَا ‏:‏ الْمُتْعَةُ ‏[‏ هِيَ ‏]‏ ‏:‏ لِلَّتِي ‏[‏ لَمْ ‏]‏ يُدْخَلْ بِهَا ‏[‏ قَطُّ ‏]‏ وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ ‏,‏ وَطَلُقَتْ وَلِلْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا ‏:‏ الْمَفْرُوضِ لَهَا ‏;‏ بِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ ‏.‏ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ ‏(‏ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِيمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ فَاسِدٍ ‏)‏ ‏:‏ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا ‏,‏ وَلَا مُتْعَةَ ‏[‏ لَهَا ‏]‏ فِي قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ لَا مُتْعَةَ لِلَّتِي فُرِضَ لَهَا إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ وَلَهَا الْمُتْعَةُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَرُوِيَ الْقَوْلُ الثَّانِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا إسْنَادَهُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ ‏:‏ ‏(‏ الْمَعْرِفَةِ ‏)‏ وَحَمَلَ الْمَسِيسَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ‏}‏ عَلَى الْوَطْءِ ‏.‏ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ وَهُوَ بِتَمَامِهِ ‏,‏ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ ‏:‏ ‏(‏ الْمَعْرِفَةِ ‏)‏ ‏(‏ وَالْمَبْسُوطِ ‏)‏ ‏;‏ مَعَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ‏,‏ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ‏}‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ‏}‏ قَالَ ‏:‏ وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ إتْيَانُ ذَلِكَ بِمَا يَحْسُنُ لَكَ ثَوَابُهُ وَكَفُّ الْمَكْرُوهِ ‏.‏ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ‏(‏ فِيمَا هُوَ لِي بِالْإِجَازَةِ ‏;‏ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ‏)‏ ‏:‏ وَفَرَضَ اللَّهُ أَنْ يُؤَدِّيَ كُلَّ مَا عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ إعْفَاءُ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي طَلَبِهِ ‏,‏ وَأَدَاؤُهُ إلَيْهِ بِطِيبِ النَّفْسِ لَا بِضَرُورَتِهِ إلَى طَلَبِهِ وَلَا ‏:‏ تَأْدِيَتِهِ بِإِظْهَارِ الْكَرَاهِيَةِ لِتَأْدِيَتِهِ وَأَيُّهُمَا تَرَكَ فَظُلْمٌ ‏;‏ لِأَنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ‏,‏ وَمَطْلُهُ تَأْخِيرُ الْحَقِّ ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ‏}‏ ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏[‏ أَيْ ‏]‏ ‏:‏ فَمَا لَهُنَّ مِثْلُ مَا عَلَيْهِنَّ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ‏.‏ وَفِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ‏:‏ وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ‏:‏ كَفُّ الْمَكْرُوهِ وَإِعْفَاءُ صَاحِبِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي طَلَبِهِ ‏,‏ لَا بِإِظْهَارِ الْكَرَاهِيَةِ فِي تَأْدِيَتِهِ فَأَيُّهُمَا مَطَلَ بِتَأْخِيرِهِ فَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ‏.‏ وَهَذَا مِمَّا كَتَبَ إلَيَّ أَبُو نُعَيْمٍ الْإسْفَرايِينِيّ أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ‏,‏ فَذَكَرَهُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بْن أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ‏}‏ ‏.‏

أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ بِنْتَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ ‏,‏ كَانَتْ عِنْدَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ‏,‏ فَكَرِهَ مِنْهَا أَمْرًا ‏;‏ إمَّا كِبْرًا أَوْ غَيْرُهُ فَأَرَادَ طَلَاقَهَا ‏,‏ فَقَالَتْ ‏:‏ لَا تُطَلِّقْنِي ‏,‏ وَأَمْسِكْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا بَدَا لَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ‏}‏ أَنْ تَعْدِلُوا بِمَا فِي الْقُلُوبِ ‏;‏ لِأَنَّكُمْ لَا تَمْلِكُونَ مَا فِي الْقُلُوبِ ‏:‏ حَتَّى يَكُونَ مُسْتَوِيًا ‏.‏ وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ كَمَا قَالُوا وَقَدْ تَجَاوَزَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ‏,‏ عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسَهَا مَا لَمْ تَقُلْ أَوْ تَعْمَلْ وَجَعَلَ الْمَأْثَمَ إنَّمَا هُوَ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ‏.‏ وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ ‏,‏ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ‏}‏ إنْ تُجُوِّزَ لَكُمْ عَمَّا فِي الْقُلُوبُ فَتَتَّبِعُوا أَهْوَاءَهَا ‏,‏ فَتَخْرُجُوا إلَى الْأَثَرَةِ بِالْفِعْلِ ‏:‏ ‏{‏ فَتَذْرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ‏}‏ ‏.‏ وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدِي كَمَا قَالُوا ‏.‏ وَعَنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ‏:‏ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ ‏{‏ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ‏}‏ لَا تُتْبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ أَفْعَالَكُمْ فَيَصِيرَ الْمَيْلُ بِالْفِعْلِ الَّذِي لَيْسَ لَكُمْ ‏:‏ ‏{‏ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ‏}‏ ‏.‏ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا عِنْدِي بِمَا قَالُوا ‏;‏ لِأَنَّ اللَّهَ ‏(‏ تَعَالَى ‏)‏ تَجَاوَزَ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ وَكَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْأَفْعَالَ وَالْأَقَاوِيلَ وَإِذَا مَالَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَذَلِكَ كُلُّ الْمَيْلِ ‏.‏

‏(‏ أَنْبَأَنِي ‏)‏ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ‏(‏ إجَازَةً ‏)‏ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ ‏(‏ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ ‏)‏ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏{‏ وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ‏}‏ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ ‏[‏ قَوْلُهُ ‏]‏ ‏:‏ ‏{‏ وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ‏}‏ يَحْتَمِلُ إذَا رَأَى الدَّلَالَاتِ فِي أَفْعَالِ الْمَرْأَةِ وَأَقَاوِيلِهَا عَلَى النُّشُوزِ وَكَانَ لِلْخَوْفِ مَوْضِعٌ أَنْ يَعِظَهَا ‏,‏ فَإِنْ أَبْدَتْ نُشُوزًا هَجَرَهَا ‏,‏ فَإِنْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ ضَرَبَهَا وَذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ الْعِظَةَ مُبَاحَةٌ قَبْلَ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ إذَا رُئِيَتْ أَسْبَابُهُ وَأَنْ لَا مُؤْنَةَ فِيهَا عَلَيْهَا تَضُرُّ بِهَا وَإِنَّ الْعِظَةَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ ‏[‏ مِنْ الْمَرْءِ ‏]‏ لِأَخِيهِ فَكَيْفَ لِامْرَأَتِهِ ‏؟‏ ‏,‏ ‏.‏ وَالْهَجْرُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ ‏;‏ لِأَنَّ الْهَجْرَةُ مُحَرَّمَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ‏,‏ فَوْقَ ثَلَاثٍ ‏.‏ وَالضَّرْبُ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَيَانِ الْفِعْلِ ‏[‏ فَالْآيَةُ فِي الْعِظَةِ ‏,‏ وَالْهَجْرَةِ وَالضَّرْبِ عَلَى بَيَانِ الْفِعْلِ ‏]‏ ‏:‏ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَالَاتِ الْمَرْأَةِ فِي اخْتِلَافِ مَا تُعَاتَبُ فِيهِ وَتُعَاقَبُ مِنْ الْعِظَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالضَّرْبِ مُخْتَلِفَةٌ فَإِذَا اخْتَلَفَ ‏;‏ فَلَا يُشْبِهُ مَعْنَاهَا إلَّا مَا وَصَفْت ‏.‏ وَقَدْ يَحْتَمِلُ قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ‏}‏ إذَا نَشَزْنَ ‏,‏ فَخِفْتُمْ لَجَاجَتَهُنَّ فِي النُّشُوزِ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ جَمْعُ الْعِظَةِ ‏,‏ وَالْهَجْرَةِ وَالضَّرْبِ ‏.‏ وَبِإِسْنَادِهِ ‏,‏ قَالَ ‏[‏ قَالَ ‏]‏ ‏:‏ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إنْ يُرِيدَا إصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ‏}‏ الْآيَةُ ‏.‏ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ مِنْ خَوْفِ الشِّقَاقِ الَّذِي إذَا بَلَغَاهُ أَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَاَلَّذِي يُشْبِهُ ظَاهِرَ الْآيَةِ ‏,‏ فَمَا عَمَّ الزَّوْجَيْنِ ‏[‏ مَعًا حَتَّى يَشْتَبِهَ فِيهِ حَالَاهُمَا مِنْ الْإِبَايَةِ ‏.‏ ‏]‏ ‏[‏ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْتُ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ أَذِنَ فِي نُشُوزِ الزَّوْجِ ‏]‏ بِأَنْ يَصْطَلِحَا ‏,‏ وَأَذِنَ فِي نُشُوزِ الْمَرْأَةِ بِالضَّرْبِ وَأَذِنَ فِي خَوْفِهِمَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ ‏[‏ اللَّهِ ‏]‏ بِالْخُلْعِ ‏.‏ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ ‏:‏ فَلَمَّا أَمَرَ فِيمَنْ خِفْنَا الشِّقَاقَ بَيْنَهُ بِالْحَكَمَيْنِ ‏;‏ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا ‏[‏ غَيْرُ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ غَيْرِهِمَا ‏]‏ أَنْ يَشْتَبِهَ حَالَاهُمَا فِي الشِّقَاقِ ‏,‏ فَلَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ ‏:‏ الصُّلْحَ وَلَا الْفُرْقَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلَا الْفِدْيَةَ وَيَصِيرَانِ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ‏.‏ إلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَلَا يَحْسُنُ وَيَتَمَادَيَانِ فِيمَا لَيْسَ لَهُمَا ‏,‏ فَلَا يُعْطِيَانِ حَقًّا وَلَا يَتَطَوَّعَانِ ‏[‏ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا ‏,‏ بِأَمْرٍ يَصِيرَانِ بِهِ فِي مَعْنَى الْأَزْوَاجِ غَيْرِهِمَا ‏]‏ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا بَعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ‏.‏ وَلَا يَبْعَثُهُمَا إلَّا مَأْمُونِينَ ‏,‏ وَبِرِضَا الزَّوْجَيْنِ ‏.‏ وَيُوَكِّلُهُمَا الزَّوْجَانِ بِأَنْ يُجَمِّعَا ‏,‏ أَوْ يُفَرِّقَا إذَا رَأَيَا ذَلِكَ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ ‏:‏ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ ‏:‏ يُجْبِرُهُمَا السُّلْطَانُ عَلَى الْحَكَمَيْنِ ‏;‏ كَانَ مَذْهَبًا ‏.‏

وَبِإِسْنَادِهِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ‏}‏ يُقَالُ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ ‏:‏ نَزَلَتْ فِي الرَّجُلِ يَكْرَهُ الْمَرْأَةَ ‏,‏ فَيَمْنَعُهَا ‏:‏ كَرَاهِيَةً لَهَا حَقَّ اللَّهِ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ‏:‏ فِي عِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَحْبِسُهَا مَانِعًا حَقَّهَا لِيَرِثَهَا ‏;‏ عَنْ ‏[‏ غَيْرِ ‏]‏ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا ‏,‏ بِإِمْسَاكِهِ إيَّاهَا عَلَى الْمَنْعِ فَحَرَّمَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَحَرَّمَ عَلَى الْأَزْوَاجِ ‏:‏ أَنْ يَعْضُلُوا النِّسَاءَ لِيَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا أُوتِينَ وَاسْتَثْنَى ‏:‏ ‏{‏ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ‏}‏ ‏[‏ وَإِذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ‏]‏ وَهِيَ ‏:‏ الزِّنَا ‏.‏ فَأَعْطَيْنَ بَعْضَ مَا أُوتِينَ ‏:‏ لِيُفَارِقْنَ حَلَّ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ ‏.‏ وَلَمْ يَكُنْ مَعْصِيَتُهُنَّ الزَّوْجَ فِيمَا يَجِبُ لَهُ بِغَيْرِ ‏,‏ فَاحِشَةٍ ‏:‏ أَوْلَى أَنْ يُحِلَّ مَا أَعْطَيْنَ مِنْ أَنْ يَعْصِينَ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ وَالزَّوْجَ ‏,‏ بِالزِّنَا ‏.‏ قَالَ ‏:‏ وَأَمَرَ اللَّهُ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ فِي اللَّائِي ‏:‏ يَكْرَهُهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ أَنْ يُعَاشَرْنَ بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ ‏:‏ تَأْدِيَةُ الْحَقِّ وَإِجْمَالُ الْعِشْرَةِ

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ‏}‏ فَأَبَاحَ عِشْرَتَهُنَّ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ بِالْمَعْرُوفِ ‏,‏ وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ ‏(‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏)‏ قَدْ يَجْعَلُ فِي الْكُرْهِ خَيْرًا كَثِيرًا ‏.‏ وَالْخَيْرُ الْكَثِيرُ ‏:‏ الْأَجْرُ فِي الصَّبْرِ وَتَأْدِيَةُ الْحَقِّ إلَى مَنْ يَكْرَهُ ‏,‏ أَوْ التَّطَوُّلُ عَلَيْهِ وَقَدْ يَغْتَبِطُ ‏:‏ وَهُوَ كَارِهٌ لَهَا بِأَخْلَاقِهَا وَدِينِهَا ‏,‏ وَكَفَاءَتِهَا وَبَذْلِهَا وَمِيرَاثٍ إنْ كَانَ لَهَا وَتُصْرَفُ حَالَاتُهُ إلَى الْكَرَاهِيَةِ لَهَا ‏,‏ بَعْدَ الْغِبْطَةِ ‏[‏ بِهَا ‏]‏ ‏.‏ وَذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هُوَ ‏:‏ لِي مَسْمُوعٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ‏.‏ وَقَالَ فِيهِ ‏:‏ وَقِيلَ ‏:‏ إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نُسِخَتْ وَفِي مَعْنَى ‏:‏ ‏{‏ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ‏}‏ نُسِخَتْ بِآيَةِ الْحُدُودِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى امْرَأَةٍ ‏,‏ حَبْسٌ يُمْنَعُ ‏[‏ بِهِ ‏]‏ حَقُّ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَكَانَ عَلَيْهَا الْحَدُّ ‏.‏ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ ‏:‏ نَسْخَ الْحَبْسِ عَلَى مَنْعِ حَقِّهَا إذَا أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ‏}‏ فَكَانَ فِي ‏[‏ هَذِهِ ‏]‏ الْآيَةِ إبَاحَةُ أَكْلِهِ إذَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إذَا لَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ ‏.‏ ‏[‏ قَدْ ‏]‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ‏}‏ وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي ‏[‏ كَتَبْنَا ‏]‏ قَبْلَهَا ‏.‏ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الِاسْتِبْدَالَ بِزَوْجَتِهِ وَلَمْ تُرِدْ هِيَ فُرْقَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا بِأَنْ يَسْتَكْرِهَهَا عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يُطَلِّقَهَا ‏:‏ لِتُعْطِيهِ فِدْيَةً مِنْهُ ‏,‏ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ ‏(‏ رحمه الله ‏)‏ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ‏}‏ ‏.‏ فَقِيلَ ‏(‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏)‏ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ تَكْرَهُ الرَّجُلَ ‏:‏ حَتَّى تَخَافَ أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ بِأَدَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ أَوْ أَكْثَرِهِ إلَيْهِ ‏.‏ وَيَكُونُ الزَّوْجُ غَيْرَ مَانِعٍ لَهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرَهُ ‏.‏ فَإِذَا كَانَ هَذَا ‏:‏ حَلَّتْ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ وَإِذَا لَمْ يُقِمْ أَحَدُهُمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَيْسَا مَعًا مُقِيمِينَ حُدُودَ اللَّهِ ‏.‏ وَقِيلَ ‏:‏ وَ ‏[‏ هَكَذَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ‏.‏ ‏]‏ ‏}‏ إذَا حَلَّ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ ‏[‏ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَرْأَةِ ‏]‏ ‏,‏ وَالْمَرْأَةُ فِي كُلِّ حَالٍ ‏:‏ ‏[‏ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْ مِنْ مَالِهَا ‏.‏ وَإِذَا حَلَّ لَهُ ‏]‏ وَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ ‏.‏ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ ‏,‏ ثُمَّ قَالَ ‏:‏ وَقِيلَ أَنْ تَمْتَنِعَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ ‏,‏ فَتَخَافُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الْحَقَّ إذَا مَنَعَتْهُ حَقًّا فَتَحِلُّ الْفِدْيَةُ وَجِمَاعُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ‏:‏ الْمَانِعَةُ لِبَعْضِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ ‏,‏ الْمُفْتَدِيَةُ ‏:‏ تَحَرُّجًا مِنْ أَنْ لَا تُؤَدِّيَ حَقَّهُ ‏,‏ أَوْ كَرَاهِيَةً لَهُ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا ‏:‏ حَلَّتْ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ ‏.‏