فصل: باب السَّلَفِ وَالْمُرَادُ بِهِ السَّلَمُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


باب بَيْعِ الْآجَالِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَصْلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَنْ ذَهَبَ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ أَنَّهُمْ رَوَوْا أَنْ عَالِيَةَ بِنْتِ أَنْفَعَ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أَوْ سَمِعَتْ امْرَأَةَ أَبِي السَّفَرِ تَرْوِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا عَنْ بَيْعٍ بَاعَتْهُ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِكَذَا وَكَذَا إلَى الْعَطَاءِ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ نَقْدًا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت وَبِئْسَ مَا ابْتَعْت، أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَدْ تَكُونُ عَائِشَةُ لَوْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عَنْهَا عَابَتْ عَلَيْهَا بَيْعًا إلَى الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَهَذَا مِمَّا لاَ تُجِيزُهُ، لاَ أَنَّهَا عَابَتْ عَلَيْهَا مَا اشْتَرَتْ مِنْهُ بِنَقْدٍ وَقَدْ بَاعَتْهُ إلَى أَجَلٍ، وَلَوْ اخْتَلَفَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ شَيْئًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِخِلاَفِهِ كَانَ أَصْلُ مَا نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّا نَأْخُذُ بِقَوْلِ الَّذِي مَعَهُ الْقِيَاسُ، وَاَلَّذِي مَعَهُ الْقِيَاسُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَجُمْلَةُ هَذَا أَنَّا لاَ نُثْبِتُ مِثْلَهُ عَلَى عَائِشَةَ مَعَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ لاَ يَبِيعُ إلَّا مَا يَرَاهُ حَلاَلاً، وَلاَ يَبْتَاعُ مِثْلَهُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً بَاعَ شَيْئًا أَوْ ابْتَاعَهُ نَرَاهُ نَحْنُ مُحَرَّمًا، وَهُوَ يَرَاهُ حَلاَلاً لَمْ نَزْعُمْ أَنَّ اللَّهَ يُحْبِطُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْئًا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ الْقِيَاسُ مَعَ قَوْلِ زَيْدٍ‏؟‏ قُلْت أَرَأَيْت الْبَيْعَةَ الْأُولَى أَلَيْسَ قَدْ ثَبَتَ بِهَا عَلَيْهِ الثَّمَنُ تَامًّا‏؟‏ فَإِنْ قَالَ بَلَى، قِيلَ‏:‏ أَفَرَأَيْت الْبَيْعَةَ الثَّانِيَةَ أَهِيَ الْأُولَى‏؟‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لاَ قِيلَ‏:‏ أَفَحَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ بِنَقْدٍ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ إلَى أَجَلٍ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لاَ، إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ، قِيلَ‏:‏ فَمَنْ حَرَّمَهُ مِنْهُ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ كَأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَيْهِ السِّلْعَةُ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا دَيْنًا بِأَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا، قِيلَ إذَا قُلْت‏:‏ كَانَ لِمَا لَيْسَ هُوَ بِكَائِنٍ، لَمْ يَنْبَغِ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْك، أَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَكَانَ بَاعَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ دَيْنًا وَاشْتَرَاهَا بِمِائَةٍ أَوْ بِمِائَتَيْنِ نَقْدًا‏؟‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ جَائِزٌ، قِيلَ‏:‏ فَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ أَخْطَأْت كَانَ ثَمَّ أَوْ هَهُنَا؛ لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ مِائَةَ دِينَارٍ دَيْنًا بِمِائَتَيْ دِينَارٍ نَقْدًا‏.‏ فَإِنْ قُلْت‏:‏ إنَّمَا اشْتَرَيْت مِنْهُ السِّلْعَةَ، قِيلَ فَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ أَوَّلاً وَلاَ تَقُولُ كَانَ لِمَا لَيْسَ هُوَ بِكَائِنٍ، أَرَأَيْت الْبَيْعَةَ الْآخِرَةَ بِالنَّقْدِ لَوْ انْتَقَضَتْ أَلَيْسَ تُرَدُّ السِّلْعَةُ وَيَكُونُ الدَّيْنُ ثَابِتًا كَمَا هُوَ فَتَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ بَيْعَةٌ غَيْرُ تِلْكَ الْبَيْعَةِ‏؟‏ فَإِنْ قُلْت‏:‏ إنَّمَا اتَّهَمْته، قُلْنَا هُوَ أَقَلُّ تُهْمَةً عَلَى مَالِهِ مِنْك، فَلاَ تَرْكَنْ عَلَيْهِ إنْ كَانَ خَطَأً ثُمَّ تُحَرِّمُ عَلَيْهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَلَّ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا وَهَذَا بَيْعٌ وَلَيْسَ بِرِبًا، وَقَدْ رُوِيَ إجَازَةُ الْبَيْعِ إلَى الْعَطَاءِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلاَفُهُ، وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا أَنْ لاَ يُبَاعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَطَاءَ قَدْ يَتَأَخَّرُ وَيَتَقَدَّمُ، وَإِنَّمَا الْآجَالُ مَعْلُومَةٌ بِأَيَّامٍ مَوْقُوتَةٍ أَوْ أَهِلَّةٍ وَأَصْلُهَا فِي الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ‏}‏، وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ‏}‏، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‏}‏، فَقَدْ وَقَّتَ بِالْأَهِلَّةِ كَمَا وَقَّتَ بِالْعِدَّةِ وَلَيْسَ الْعَطَاءُ مِنْ مَوَاقِيتِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ الزَّمَانُ وَيَتَقَدَّمُ وَلَيْسَ تَسْتَأْخِرُ الْأَهِلَّةُ أَبَدًا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ، فَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ فَقَبَضَهَا وَكَانَ الثَّمَنُ إلَى أَجَلٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبْتَاعَهَا مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ بِنَقْدٍ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ أَوْ بِدَيْنٍ كَذَلِكَ أَوْ عَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ سَاوَى الْعَرَضَ مَا شَاءَ أَنْ يُسَاوِيَ، وَلَيْسَتْ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْبَيْعَةِ الْأُولَى بِسَبِيلٍ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْبَيْعَةُ الْأُولَى إنْ كَانَتْ أَمَةً أَنْ يُصِيبَهَا أَوْ يَهَبَهَا أَوْ يُعْتِقَهَا أَوْ يَبِيعَهَا مِمَّنْ شَاءَ غَيْرَ بَيْعِهِ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ نَسِيئَةً‏؟‏ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَمَنْ حَرَّمَهَا عَلَى الَّذِي اشْتَرَاهَا‏؟‏ وَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ‏؟‏ وَهَذَا إنَّمَا تَمَلَّكَهَا مِلْكًا جَدِيدًا بِثَمَنٍ لَهَا لاَ بِالدَّنَانِيرِ الْمُتَأَخِّرَةِ‏؟‏ أَنَّ هَذَا كَانَ ثَمَنًا لِلدَّنَانِيرِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَكَيْفَ إنْ جَازَ هَذَا عَلَى الَّذِي بَاعَهَا لاَ يَجُوزُ عَلَى أَحَدٍ لَوْ اشْتَرَاهَا‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ كُلُّهُ مِثْلُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي شَيْءٍ وَإِذَا بِعْت مِنْهُ صِنْفًا بِصِنْفِهِ، فَلاَ يَصْلُحُ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، إنْ كَانَ كَيْلاً فَكَيْلٌ، وَإِنْ كَانَ وَزْنًا فَوَزْنٌ، كَمَا لاَ تَصْلُحُ الدَّنَانِيرُ بِالدَّنَانِيرِ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَلاَ تَصْلُحُ كَيْلاً بِكَيْلٍ وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ مِنْهُ فَلاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً كَمَا يَصْلُحُ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ مُتَفَاضِلاً‏.‏‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ نَسِيئَةً، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَجَازَ الْفَضْلُ فِي أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ جُزَافًا بِجُزَافٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْجُزَافِ أَنْ يَكُونَ مُتَفَاضِلاً وَالتَّفَاضُلُ لاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ فَكَانَ لِلْآدَمِيِّينَ فِيهِ صَنْعَةٌ يَسْتَخْرِجُونَ بِهَا مِنْ الْأَصْلِ شَيْئًا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمٌ دُونَ اسْمٍ فَلاَ خَيْرَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَثُرَتْ الصَّنْعَةُ فِيهِ، كَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلاً عَمَدَ إلَى دَنَانِيرَ فَجَعَلَهَا طَسْتًا أَوْ قُبَّةً أَوْ حُلِيًّا مَا كَانَ لَمْ تَجُزْ بِالدَّنَانِيرِ أَبَدًا إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَكَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلاً عَمَدَ إلَى تَمْرٍ فَحَشَاهُ فِي شَنٍّ أَوْ جَرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا نَزَعَ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْزِعْهُ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُبَاعَ بِالتَّمْرِ وَزْنًا بِوَزْنٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا الْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ بِالْوَزْنِ قَدْ يَخْتَلِفُ فِي أَصْلِ الْكَيْلِ، فَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ حِنْطَةٌ بِدَقِيقٍ‏.‏‏:‏؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَقَدْ يَخْرُجُ مِنْ الْحِنْطَةِ مِنْ الدَّقِيقِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الدَّقِيقِ الَّذِي بِيعَ بِهَا وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولاً بِمَعْلُومٍ مِنْ صِنْفٍ فِيهِ الرِّبَا، وَكَذَلِكَ حِنْطَةٌ بِسَوِيقٍ‏.‏‏:‏ وَكَذَلِكَ حِنْطَةٌ بِخُبْزٍ، وَكَذَلِكَ حِنْطَةٌ بِفَالُوذَجٍ إنْ كَانَ نَشَا سععه مِنْ حِنْطَةٍ وَكَذَلِكَ دُهْنُ سِمْسِمٍ بِسِمْسِمٍ وَزَيْتٌ بِزَيْتُونٍ لاَ يَصْلُحُ هَذَا لِمَا وَصَفْت، وَكَذَلِكَ لاَ يَصْلُحُ التَّمْرُ الْمَنْثُورُ بِالتَّمْرِ الْمَكْبُوسِ‏.‏‏:‏؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّمْرِ الْكَيْلُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا بِعْت شَيْئًا مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ بِشَيْءٍ مِنْ صِنْفِهِ فَلاَ يَصْلُحُ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَأَنْ يَكُونَ مَا بِعْت مِنْهُ صِنْفًا وَاحِدًا جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا، وَيَكُونُ مَا اشْتَرَيْت مِنْهُ صِنْفًا وَاحِدًا، وَلاَ يُبَالِي أَنْ يَكُونَ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ مِمَّا اشْتَرَيْته بِهِ، وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَأْخُذَ خَمْسِينَ دِينَارًا مَرْوَانِيَّةً وَخَمْسِينَ حَدَبًا بِمِائَةٍ هَاشِمِيَّةً وَلاَ بِمِائَةٍ غَيْرَهَا، وَكَذَلِكَ لاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَأْخُذَ صَاعَ بَرْدِيٍّ وَصَاعَ لَوْنٍ بِصَاعَيْ صَيْحَانِيٍّ وَإِنَّمَا كَرِهْت هَذَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، فَيَكُونُ ثَمَنُ صَاعِ الْبَرْدِيِّ بِثَلاَثَةِ دَنَانِيرَ، وَثَمَنُ صَاعِ اللَّوْنِ دِينَارًا، وَثَمَنُ صَاعِ الصَّيْحَانِيِّ يَسْوَى دِينَارَيْنِ، فَيَكُونُ صَاعُ الْبَرْدِيِّ بِثَلاَثَةِ أَرْبَاعِ صَاعَيْ الصَّيْحَانِيِّ وَذَلِكَ صَاعٌ وَنِصْفٌ وَصَاعُ اللَّوْنِ بِرُبْعِ صَاعَيْ الصَّيْحَانِيِّ وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ صَيْحَانِيٍّ فَيَكُونُ هَذَا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلاً، وَهَكَذَا هَذَا فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَكُلِّ مَا كَانَ فِيهِ الرِّبَا فِي التَّفَاضُلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ يَكُونُ رَطْبًا ثُمَّ يَيْبَسُ فَلاَ يَصْلُحُ مِنْهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ‏:‏ «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ‏؟‏» فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ، فَنَهَى عَنْهُ، فَنَظَرَ فِي الْمُعْتَقَبِ فَكَذَلِكَ نَنْظُرُ فِي الْمُعْتَقَبِ فَلاَ يَجُوزُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَيَبَّسَا اخْتَلَفَ نَقْصُهُمَا فَكَانَتْ فِيهِمَا الزِّيَادَةُ فِي الْمُعْتَقَبِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَأْكُولٍ لاَ يَيْبَسُ إذَا كَانَ مِمَّا يَيْبَسُ فَلاَ خَيْرَ فِي رُطَبٍ مِنْهُ بِرُطَبٍ كَيْلاً بِكَيْلٍ وَلاَ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلاَ عَدَدًا بِعَدَدٍ، وَلاَ خَيْرَ فِي أُتْرُجَّةٍ بِأُتْرُجَّةٍ وَلاَ بِطِّيخَةٍ بِبِطِّيخَةٍ وَزْنًا وَلاَ كَيْلاً وَلاَ عَدَدًا، فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً، وَلاَ بَأْسَ بِأُتْرُجَّةٍ بِبِطِّيخَةٍ وَعَشْرِ بِطِّيخَاتٍ وَكَذَلِكَ مَا سِوَاهُمَا، فَإِذَا كَانَ مِنْ الرُّطَبِ شَيْءٌ لاَ يَيْبَسُ بِنَفْسِهِ أَبَدًا مِثْلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَاللَّبَنِ فَلاَ بَأْسَ بِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، إنْ كَانَ مِمَّا يُوزَنُ فَوَزْنًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ فَكَيْلاً مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تَفَاضُلَ فِيهِ حَتَّى يَخْتَلِفَ الصِّنْفَانِ، وَلاَ خَيْرَ فِي التَّمْرِ بِالتَّمْرِ حَتَّى يَكُونَ يَنْتَهِي يُبْسُهُ، وَإِنْ انْتَهَى يُبْسُهُ إلَّا أَنَّ بَعْضَهُ أَشَدُّ انْتِفَاخًا مِنْ بَعْضٍ فَلاَ يَضُرُّهُ إذَا انْتَهَى يُبْسُهُ كَيْلاً بِكَيْلٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَ مِنْهُ شَيْءٌ مَغِيبٌ مِثْلُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَمَا يَكُونُ مَأْكُولُهُ فِي دَاخِلِهِ فَلاَ خَيْرَ فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ عَدَدًا وَلاَ كَيْلاً وَلاَ وَزْنًا، فَإِذَا اخْتَلَفَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَأْكُولَهُ مَغِيبٌ وَأَنَّ قِشْرَهُ يَخْتَلِفُ فِي الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ فَلاَ يَكُونُ أَبَدًا إلَّا مَجْهُولاً بِمَجْهُولٍ، فَإِذَا كُسِرَ فَخَرَجَ مَأْكُولُهُ فَلاَ بَأْسَ فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَإِنْ كَانَ كَيْلاً فَكَيْلاً، وَإِنْ كَانَ وَزْنًا فَوَزْنًا، وَلاَ يَجُوزُ الْخُبْزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ‏.‏‏:‏ عَدَدًا وَلاَ وَزْنًا وَلاَ كَيْلاً مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ رَطْبًا فَقَدْ يَيْبَسُ فَيَنْقُصُ، وَإِذَا انْتَهَى يُبْسُهُ فَلاَ يُسْتَطَاعُ أَنْ يُكْتَالَ وَأَصْلُهُ الْكَيْلُ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ وَزْنًا؛ لِأَنَّا لاَ نُحِيلُ الْوَزْنَ إلَى الْكَيْلِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ‏:‏ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَصْلُهُ الْوَزْنُ وَالْكَيْلُ بِالْحِجَازِ، فَكُلُّ مَا وُزِنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْلُهُ الْوَزْنُ وَكُلُّ مَا كِيلَ فَأَصْلُهُ الْكَيْلُ، وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْهُ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ رُدَّ إلَى الْأَصْلِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخْلَةِ أَوْ النَّخْلَ بِالْحِنْطَةِ فَتَقَابَضَا فَلاَ بَأْسَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لاَ أَجَلَ فِيهِ، وَإِنِّي أَعُدُّ الْقَبْضَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ قَبْضًا كَمَا أَعُدُّ قَبْضَ الْجُزَافِ قَبْضًا إذَا خَلَّى الْمُشْتَرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لاَ حَائِلَ دُونَهُ فَلاَ بَأْسَ فَإِنْ تَرَكْته أَنَا فَالتَّرْكُ مِنْ قِبَلِي وَلَوْ أُصِيبُ كَانَ عَلَيَّ؛ لِأَنِّي قَابِضٌ لَهُ وَلَوْ أَنِّي اشْتَرَيْته عَلَى أَنْ لاَ أَقْبِضَهُ إلَى غَدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ لِأَنِّي إنَّمَا اشْتَرَيْت الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ، وَهَكَذَا اشْتِرَاؤُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لاَ يَصْلُحُ أَنْ اشْتَرِيهِ بِهِمَا عَلَى أَنْ أَقْبِضَهُ فِي غَدٍ أَوْ بَعْدَ غَدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِي غَدٌ أَوْ بَعْدَ غَدٍ فَلاَ يُوجَدُ، وَلاَ خَيْرَ فِي اللَّبَنِ الْحَلِيبِ بِاللَّبَنِ الْمَضْرُوبِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَضْرُوبِ مَاءً فَهُوَ مَاءٌ وَلَبَنٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ فَأُخْرِجَ زُبْدُهُ لَمْ يَجُزْ بِلَبَنٍ لَمْ يُخْرَجْ زُبْدُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُخْرِجَ مِنْهُ شَيْءٌ هُوَ مِنْ نَفْسِ جَسَدِهِ وَمَنْفَعَتِهِ، وَكَذَلِكَ لاَ خَيْرَ فِي تَمْرٍ قَدْ عُصِرَ وَأُخْرِجَ صَفْوُهُ بِتَمْرٍ لَمْ يُخْرَجْ صَفْوُهُ كَيْلاً بِكَيْلٍ‏.‏‏:‏ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ أُخْرِجَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِذَا لَمْ يُغَيَّرْ عَنْ خِلْقَتِهِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ اللَّبَنُ بِاللَّبَنِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ كَيْلاً بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ يَجُوزُ إذَا خُلِطَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ مَاءٌ بِشَيْءٍ قَدْ خُلِطَ فِيهِ مَاءٌ وَلاَ بِشَيْءٍ لَمْ يُخْلَطْ فِيهِ مَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ وَلَبَنٌ بِلَبَنٍ مَجْهُولٍ، وَالْأَلْبَانُ مُخْتَلِفَةٌ، فَيَجُوزُ لَبَنُ الْغَنَمِ بِلَبَنِ الْغَنَمِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَلَيْسَ لَبَنُ الظِّبَاءِ مِنْهُ، وَلَبَنُ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الْجَوَامِيسِ وَالْعِرَابِ وَلَيْسَ لَبَنُ الْبَقَرِ الْوَحْشِ مِنْهُ، وَيَجُوزُ لَبَنُ الْإِبِلِ بِلَبَنِ الْإِبِلِ الْعِرَابِ وَالْبُخْتِ‏.‏‏:‏ وَكُلُّ هَذَا صِنْفٌ‏:‏ الْغَنَمُ صِنْفٌ، وَالْبَقَرُ صِنْفٌ، وَالْإِبِلُ صِنْفٌ، وَكُلُّ صِنْفٍ غَيْرُ صَاحِبِهِ فَيَجُوزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ وَلاَ يَجُوزُ نَسِيئَةً، وَيَجُوزُ أَنَسِيُّهُ بِوَحْشِيِّهِ مُتَفَاضِلاً وَكَذَلِكَ لُحُومُهُ مُخْتَلِفَةٌ يَجُوزُ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ نَسِيئَةً، وَيَجُوزُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ إذَا اخْتَلَفَ، وَرَطْبٌ بِرَطْبٍ، وَيَابِسٌ، بِيَابِسٍ، فَإِذَا كَانَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مِثْلُ لَحْمِ غَنَمٍ بِلَحْمِ غَنَمٍ لَمْ يَجُزْ رَطْبٌ بِرَطْبٍ وَلاَ رَطْبٌ بِيَابِسٍ، وَجَازَ إذَا يَبِسَ فَانْتَهَى يُبْسُهُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَزْنًا، وَالسَّمْنُ مِثْلُ اللَّبَنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي مُدِّ زُبْدٍ وَمُدِّ لَبَنٍ بِمُدَّيْ زُبْدٍ وَلاَ خَيْرَ فِي جُبْنٍ بِلَبَنٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ اللَّبَنِ جُبْنٌ، إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ اللَّبَنُ وَالْجُبْنُ فَلاَ يَكُونُ بِهِ بَأْسٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أُخْرِجَ زُبْدُ اللَّبَنِ فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ بِزُبْدٍ وَسَمْنٍ؛ لِأَنَّهُ لاَ زُبْدَ فِي اللَّبَنِ وَلاَ سَمْنَ، وَإِذَا لَمْ يُخْرَجْ زُبْدُهُ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ بِسَمْنٍ وَلاَ زُبْدٍ، وَلاَ خَيْرَ فِي الزَّيْتِ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ إذَا كَانَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَ فَلاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً، وَلاَ بَأْسَ بِزَيْتِ الزَّيْتُونِ بِزَيْتِ الْفُجْلِ، وَزَيْتِ الْفُجْلِ بِالشَّيْرَجِ مُتَفَاضِلاً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الْعِنَبِ إلَّا سَوَاءٌ، وَلاَ بَأْسَ بِخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ، وَخَلِّ الْقَصَبِ؛ لِأَنَّ أُصُولَهُ مُخْتَلِفَةٌ، فَلاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ‏.‏ وَإِذَا كَانَ خَلٌّ لاَ يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْمَاءِ مِثْلُ خَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الزَّبِيبِ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمَاءَ يَكْثُرُ وَيَقِلُّ، وَلاَ بَأْسَ بِهِ إذَا اخْتَلَفَ، وَالنَّبِيذُ الَّذِي لاَ يُسْكِرُ مِثْلُ الْخَلِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ بِالشَّاةِ الْحَيَّةِ الَّتِي لاَ لَبَنَ فِيهَا حِينَ تُبَاعُ بِاللَّبَنِ يَدًا بِيَدٍ وَلاَ خَيْرَ فِيهَا إنْ كَانَ فِيهَا لَبَنٌ حِينَ تُبَاعُ بِاللَّبَنِ؛ لِأَنَّ لِلَّبَنِ الَّذِي فِيهَا حِصَّةً مِنْ اللَّبَنِ الْمَوْضُوعِ لاَ تُعْرَفُ، وَإِنْ كَانَتْ مَذْبُوحَةً لاَ لَبَنَ فِيهَا فَلاَ بَأْسَ بِهَا بِلَبَنٍ وَلاَ خَيْرَ فِيهَا مَذْبُوحَةً بِلَبَنٍ إلَى أَجَلٍ وَلاَ بَأْسَ بِهَا قَائِمَةً لاَ لَبَنَ فِيهَا بِلَبَنٍ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ عَرَضٌ بِطَعَامٍ؛ وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ غَيْرُ الطَّعَامِ فَلاَ بَأْسَ بِمَا سَمَّيْتَ مِنْ أَصْنَافِ الْحَيَوَانِ بِأَيِّ طَعَامٍ شِئْت إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ مِنْ الطَّعَامِ وَلاَ مِمَّا فِيهِ رِبًا وَلاَ بَأْسَ بِالشَّاةِ لِلذَّبْحِ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ بِالشَّاةِ بِاللَّبَنِ إذَا كَانَتْ الشَّاةُ لاَ لَبَنَ فِيهَا، مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْعَرَضِ بِالطَّعَامِ، وَالْمَأْكُولُ كُلُّ مَا أَكَلَهُ بَنُو آدَمَ وَتَدَاوَوْا بِهِ حَتَّى الْإِهْلِيلَجِ وَالصَّبِرِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالذَّهَبِ وَكُلُّ مَا لَمْ يَأْكُلْهُ بَنُو آدَمَ وَأَكَلَتْهُ الْبَهَائِمُ فَلاَ بَأْسَ بِبَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ وَإِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إذَا اخْتَلَفَ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ سَوَاءٌ، يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِيهِ، وَيَحْرُمُ فِيهِ مَا يَحْرُمُ فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اخْتَلَفَ أَجْنَاسُ الْحِيتَانِ فَلاَ بَأْسَ بِبَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً وَكَذَلِكَ لَحْمُ الطَّيْرِ إذَا اخْتَلَفَ أَجْنَاسُهَا وَلاَ خَيْرَ فِي اللَّحْمِ الطَّرِيِّ بِالْمَالِحِ وَالْمَطْبُوخِ‏.‏ وَلاَ بِالْيَابِسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلاَ يَجُوزُ الطَّرِيُّ بِالطَّرِيِّ وَلاَ الْيَابِسُ بِالطَّرِيِّ حَتَّى يَكُونَا يَابِسَيْنِ أَوْ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَجْنَاسُهُمَا فَيَجُوزَ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَيْفَ كَانَ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْيَمَامَ مِنْ الْحَمَامِ فَلاَ يَجُوزُ لَحْمُ الْيَمَامِ بِلَحْمِ الْحَمَامِ مُتَفَاضِلاً‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ مِثْلاً بِمِثْلٍ، إذَا انْتَهَى يُبْسُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْحَمَامِ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلاً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يُبَاعُ اللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَانَ مِنْ صِنْفِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ قَالَ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَوَجَدْت جَزُورًا قَدْ جُزِرَتْ فَجُزِّئَتْ أَجْزَاءً كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا بِعَنَاقٍ فَأَرَدْت أَنْ أَبْتَاعَ مِنْهَا جُزْءًا فَقَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَيِّتٍ، فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَأُخْبِرْت عَنْهُ خَيْرًا قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ سَوَاءٌ كَانَ الْحَيَوَانُ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لاَ يُؤْكَلُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ سَوَاءٌ اخْتَلَفَ اللَّحْمُ وَالْحَيَوَانُ أَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ وَلاَ بَأْسَ بِالسَّلَفِ فِي اللَّحْمِ إذَا دَفَعْت مَا سُلِّفْت فِيهِ قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ اللَّحْمِ شَيْئًا وَتُسَمِّي اللَّحْمَ مَا هُوَ وَالسَّمَانَةُ وَالْمَوْضِعُ وَالْأَجَلُ فِيهِ، فَإِنْ تَرَكْت مِنْ هَذَا شَيْئًا لَمْ يَجُزْ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ فِيهِ إلَّا وَاحِدًا فَإِذَا كَانَ الْأَجَلُ فِيهِ وَاحِدًا ثُمَّ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فِي كُلِّ يَوْمٍ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَ تَرَكَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَأْخُذَ مَكَانَ لَحْمِ ضَأْنٍ قَدْ حَلَّ لَحْمَ بَقَرٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ، قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي السَّلَفِ فِي الرُّءُوسِ‏.‏ وَلاَ فِي الْجُلُودِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يُوقَفُ لِلْجُلُودِ عَلَى ذَرْعٍ وَأَنَّ خِلْقَتَهَا تَخْتَلِفُ فَتَتَبَايَنُ فِي الرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ وَأَنَّهَا لاَ تَسْتَوِي عَلَى كَيْلٍ وَلاَ وَزْنٍ، وَلاَ يَجُوزُ السَّلَفُ فِي الرُّءُوسِ؛ لِأَنَّهَا لاَ تَسْتَوِي عَلَى وَزْنٍ وَلاَ تُضْبَطُ بِصِفَةٍ فَتَجُوزُ كَمَا تَجُوزُ الْحَيَوَانَاتُ الْمَعْرُوفَةُ بِالصِّفَةِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُشْتَرَى إلَّا يَدًا بِيَدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ بِالسَّلَفِ فِي الطَّرِيِّ مِنْ الْحِيتَانِ إنْ ضُبِطَ بِوَزْنٍ وَصِفَةٍ مِنْ صِغَرٍ وَكِبَرٍ وَجِنْسٍ مِنْ الْحِيتَانِ مُسَمًّى لاَ يَخْتَلِفُ فِي الْحَالِ الَّتِي يَحِلُّ فِيهَا فَإِنْ أَخْطَأَ مِنْ هَذَا شَيْئًا لَمْ يَجُزْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ بِالسَّلَفِ فِي الْحَيَوَانِ كُلِّهِ فِي الرَّقِيقِ وَالْمَاشِيَةِ وَالطَّيْرِ إذَا كَانَ تُضْبَطُ صِفَتُهُ وَلاَ يَخْتَلِفُ فِي الْحِينِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُسْتَحْيَا أَوْ مِمَّا لاَ يُسْتَحْيَا فَإِذَا حَلَّ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، وَهُوَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ اُبْتِيعَ لَمْ يَجُزْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَلاَ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقِيلَ مِنْ أَصْلِ الْبَيْعِ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ وَلاَ يَجُوزَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الشَّاةَ وَيَسْتَثْنِيَ شَيْئًا مِنْهَا جِلْدًا وَلاَ غَيْرَهُ فِي سَفَرٍ وَلاَ حَضَرٍ وَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ أَجَزْنَاهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ تَبَايَعَا عَلَى هَذَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ أَخَذَ مَا اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ وَفَاتَ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَأَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ اللَّحْمِ يَوْمَ أَخَذَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يُسَلَّفَ رَجُلٌ فِي لَبَنِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا، سَمَّى الْكَيْلَ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ فِي طَعَامِ أَرْضٍ بِعَيْنِهَا، فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَنَمٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا فَلاَ بَأْسَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الطَّعَامُ مِنْ غَيْرِ أَرْضٍ بِعَيْنِهَا فَلاَ بَأْسَ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ فِي لَبَنِ غَنَمٍ بِعَيْنِهَا الشَّهْرَ وَلاَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّفَ فِي ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَلاَ زَرْعٍ بِعَيْنِهِ، وَلاَ يَجُوزُ السَّلَفُ بِالصِّفَةِ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْمَأْمُونِ أَنْ يَنْقَطِعَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ لَبَنُ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا شَهْرًا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَلاَ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ وَلاَ أَكْثَرَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْغَنَمَ يَقِلُّ لَبَنُهَا وَيَكْثُرُ وَيَنْفُذُ وَتَأْتِي عَلَيْهِ الْآفَةُ وَهَذَا بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ قَطُّ وَبَيْعُ مَا إذَا خُلِقَ كَانَ غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى حَدِّهِ بِكَيْلٍ؛ لِأَنَّهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَبِغَيْرِ صِفَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ فَهُوَ حَرَامٌ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَكَذَلِكَ لاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْمَقَاثِي بُطُونًا، وَإِنْ طَابَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ رُئِيَ فَحَلَّ بَيْعُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ فَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْبُطُونِ لَمْ يُرَ، وَقَدْ يَكُونُ قَلِيلاً فَاسِدًا وَلاَ يَكُونُ وَكَثِيرًا جَيِّدًا وَقَلِيلاً مَعِيبًا وَكَثِيرًا بَعْضُهُ أَكْثَرُ مِنْ بَعْضٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَلاَ يَحِلُّ الْبَيْعُ إلَّا عَلَى عَيْنٍ يَرَاهَا صَاحِبُهَا أَوْ بَيْعٌ مَضْمُونٌ عَلَى صَاحِبِهِ بِصِفَةٍ يَأْتِي بِهَا عَلَى الصِّفَةِ وَلاَ يَحِلُّ بَيْعٌ ثَالِثٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَكْتَرِيَ الرَّجُلُ الْبَقَرَةَ وَيَسْتَثْنِيَ حِلاَبَهَا؛ لِأَنَّ هَهُنَا بَيْعًا حَرَامًا وَكِرَاءً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الطَّعَامَ الْحَاضِرَ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ بِالْبَلَدِ وَيَحْمِلَهُ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ، أَمَّا أَحَدُهَا إذَا اسْتَوْفَاهُ بِالْبَلَدِ خَرَجَ الْبَائِعُ مِنْ ضَمَانِهِ وَكَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي حَمْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْبَلَدَ الَّذِي حَمَلَهُ إلَيْهِ لَمْ يَدْرِ، كَمْ حِصَّةُ الْبَيْعِ مِنْ حِصَّةِ الْكِرَاءِ‏؟‏ فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَجْهُولاً وَالْبَيْعُ لاَ يَحِلُّ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ هُوَ مِنْ ضَمَانِ الْحَامِلِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ إيَّاهُ بِالْبَلَدِ الَّذِي شَرَطَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَيْهِ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ بِبَلَدٍ فَاسْتَوْفَاهُ وَلَمْ يَخْرُجْ الْبَائِعُ مِنْ ضَمَانِهِ وَلاَ أَعْلَمُ بَائِعًا يُوَفِّي رَجُلاً بَيْعًا إلَّا خَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ ثُمَّ إنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ ثَانِيَةً، فَبِأَيِّ شَيْءٍ ضَمِنَ بِسَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَصْبٍ فَهُوَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ ضَمِنَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَهَذَا شَيْءٌ وَاحِدٌ بِيعَ مَرَّتَيْنِ وَأُوفِيَ مَرَّتَيْنِ وَالْبَيْعُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لاَ يَكُونُ مَقْبُوضًا مَرَّتَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانَ فِيهِ الرِّبَا فِي الْفَضْلِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ السَّمْنَ أَوْ الزَّيْتَ وَزْنًا بِظُرُوفِهِ، فَإِنْ شُرِطَ الظَّرْفُ فِي الْوَزْنِ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَزْنًا عَلَى أَنْ يُفْرِغَهَا ثُمَّ يَزِنَ الظَّرْفَ فَلاَ بَأْسَ وَسَوَاءٌ الْحَدِيدُ وَالْفَخَّارُ وَالزُّقَاقُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا يَرَاهُ فِي بَيْتٍ أَوْ حُفْرَةٍ أَوْ هُرْيٍ أَوْ طَاقَةٍ فَهُوَ سَوَاءٌ فَإِذَا وُجِدَ أَسْفَلُهُ مُتَغَيِّرًا عَمَّا رَأَى أَعْلاَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِهِ أَوْ تَرْكِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ وَلَيْسَ يَلْزَمُهُ الْعَيْبُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ كَثُرَ ذَلِكَ أَوْ قَلَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا فَإِذَا كَانَ الْحَائِطُ لِلرَّجُلِ وَطَلَعَتْ الثُّرَيَّا وَاشْتَدَّتْ النَّوَاةُ وَاحْمَرَّ بَعْضُهُ أَوْ اصْفَرَّ، حَلَّ بَيْعُهُ عَلَى أَنْ يُتْرَكَ إلَى أَنْ يُجَدَّ وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي الْحَائِطِ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ، وَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِيمَا حَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا حَوْلَهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَائِطُ نَخْلاً كُلُّهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ النَّخْلُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ نَخْلاً وَعِنَبًا أَوْ نَخْلاً وَغَيْرَهُ مِنْ الثَّمَرِ فَبَدَا صَلاَحُ صِنْفٍ مِنْهُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الصِّنْفُ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ وَلاَ يَجُوزُ شِرَاءُ مَا كَانَ الْمُشْتَرَى مِنْهُ تَحْتَ الْأَرْضِ مِثْلُ الْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ شِرَاءُ مَا ظَهَرَ مِنْ وَرَقِهِ؛ لِأَنَّ الْمَغِيبَ مِنْهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَكُونُ وَلاَ يَكُونُ وَيَصْغُرُ وَيَكْبُرُ وَلَيْسَ بِعَيْنٍ تُرَى فَيَجُوزُ شِرَاؤُهَا وَلاَ مَضْمُونٍ بِصِفَةٍ فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ وَلاَ عَيْنٍ غَائِبَةٍ فَإِذَا ظَهَرَتْ لِصَاحِبِهَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَلاَ أَعْلَمُ الْبَيْعَ يَخْرُجُ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلاَثِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ قَائِمًا خَبَرٌ يَثْبُتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَجَازَهُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْحَالِ الَّتِي أَجَازَهُ فِيهَا وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي الْحَالِ الَّتِي تُخَالِفُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَبَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى حَالٍ؛ لِأَنَّهُ مَغِيبٌ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَفْسُدُ وَيَصْلُحُ كَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُ حِنْطَةٍ فِي جِرَابٍ وَلاَ غِرَارَةٍ وَهُمَا كَانَا أَوْلَى أَنْ يَجُوزَا مِنْهُ‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْقَصِيلِ إلَّا عَلَى أَنْ يُقْطَعَ مَكَانَهُ إذَا كَانَ الْقَصِيلُ مِمَّا يُسْتَخْلَفُ، وَإِنْ تَرَكَهُ انْتَقَضَ فِيهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ مِنْهُ مَا لَيْسَ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ الْقَصِيلُ مِمَّا لاَ يَسْتَخْلِفُ وَلاَ يَزِيدُ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا بَيْعُهُ إلَّا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ مَكَانَهُ فَإِنْ قَطَعَهُ أَوْ نَتَفَهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْتِفْهُ فَعَلَيْهِ قَطْعُهُ إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالثَّمَرَةِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى أَصْلَهُ وَمَتَى مَا شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يُقْلِعَهُ عَنْهُ قَلَعَهُ، وَإِنْ تَرَكَهُ رَبُّ الْأَرْضِ حَتَّى تَطِيبَ الثَّمَرُ فَلاَ بَأْسَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ مِنْ الثَّمَرَةِ شَيْءٌ‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا ظَهَرَ الْقُرْطُ أَوْ الْحَبُّ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ مَكَانَهُ فَلاَ بَأْسَ وَإِذَا اشْتَرَطَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهَا مَتَى شَاءَ رَبُّ النَّخْلِ، وَإِنْ تَرَكَهُ رَبُّ النَّخْلِ مُتَطَوِّعًا فَلاَ بَأْسَ وَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَمَتَى أَخَذَهُ بِقَطْعِهَا قَطَعَهَا فَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ فَلاَ خَيْرَ فِي الشِّرَاءِ فَإِنْ قَطَعَ مِنْهَا شَيْئًا فَكَانَ لَهُ مِثْلُ رَدِّ مِثْلِهِ وَلاَ أَعْلَمُ لَهُ مِثْلاً، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ رَدَّ قِيمَتَهُ وَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ وَلاَ خَيْرَ فِي شِرَاءِ التَّمْرِ إلَّا بِنَقْدٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْأَجَلُ الْمَعْلُومُ يَوْمٌ بِعَيْنِهِ مِنْ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ أَوْ هِلاَلِ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَلاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى الْعَطَاءِ وَلاَ إلَى الْحَصَادِ وَلاَ إلَى الْجِدَادِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ‏}‏ فَلاَ تَوْقِيتَ إلَّا بِالْأَهِلَّةِ أَوْ سِنِي الْأَهِلَّةِ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي بَيْعِ قَصِيلِ الزَّرْعِ كَانَ حَبًّا أَوْ قَصِيلاً عَلَى أَنْ يُتْرَكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَبَرٌ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ اشْتَرَى نَخْلاً فِيهَا ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَتْ فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ اشْتَرَطَهَا الْمُبْتَاعُ فَجَائِزٌ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا فِي نَخْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُؤَبَّرْ فَهِيَ لِلْمُبْتَاعِ، وَإِنْ اشْتَرَطَهَا الْبَائِعُ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ النَّخْلِ تَرَكَ لَهُ كَيْنُونَةَ الثَّمَرَةِ فِي نَخْلِهِ حِينَ بَاعَهُ إيَّاهَا إذَا كَانَ اسْتَثْنَى عَلَى أَنْ يَقْطَعَهَا فَإِنْ اسْتَثْنَى عَلَى أَنْ يُقِرَّهَا فَلاَ خَيْرَ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ ثَمَرَةً لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ مُقَرَّةً إلَى وَقْتٍ قَدْ تَأْتِي عَلَيْهَا الْآفَةُ قَبْلَهُ وَلَوْ اسْتَثْنَى بَعْضَهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلنِّصْفِ مَعْلُومًا فَيَسْتَثْنِيَهُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ ثُمَّ إنْ تَرَكَهُ بَعْدُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِثْلُ الْبَيْعِ يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ وَيَفْسُدُ فِيهِ مَا يَفْسُدُ فِيهِ‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا أُبِّرَ مِنْ النَّخْلِ وَاحِدَةٌ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَبَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ فَثَمَرُهَا لِلْمُبْتَاعِ كَمَا إذَا طَابَ مِنْ النَّخْلِ وَاحِدَةٌ يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطِبْ الْبَاقِي مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَطِبْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ وَلاَ شَيْءَ مِثْلُ ثَمَرِ النَّخْلِ أَعْرِفُهُ إلَّا الْكُرْسُفَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِي أَكْمَامِهِ كَمَا يَخْرُجُ الطَّلْعُ فِي أَكْمَامِهِ ثُمَّ يَنْشَقُّ فَإِذَا انْشَقَّ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ كَالنَّخْلِ يُؤَبَّرُ وَإِذَا انْشَقَّ النَّخْلُ وَلَمْ يُؤَبَّرْ فَهِيَ كَالْإِبَارِ؛ لِأَنَّهُمْ يُبَادِرُونَ بِهِ إبَارَتَهُ إنَّمَا يُؤَبَّرُ سَاعَةَ يَنْشَقُّ وَإِلَّا فَسَدَ فَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّمَرِ شَيْءٌ يَطْلُعُ فِي أَكْمَامِهِ ثُمَّ يَنْشَقُّ فَيَصِيرُ فِي انْشِقَاقِهِ فَهُوَ كَالْإِبَارِ فِي النَّخْلِ وَمَا كَانَ مِنْ الثَّمَرِ يَطْلُعُ كَمَا هُوَ لاَ كِمَامَ عَلَيْهِ أَوْ يَطْلُعُ عَلَيْهِ كِمَامٌ ثُمَّ لاَ يَسْقُطُ كِمَامُهُ فَطُلُوعُهُ كَإِبَارِ النَّخْلِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فَإِذَا بَاعَهُ رَجُلٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَالثَّمَرَةُ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَمَنْ بَاعَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ تَحْتَ الْأَرْضِ أَوْ فَوْقَهَا بَلَغَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ فَالزَّرْعُ لِلْبَائِعِ وَالزَّرْعُ غَيْرُ الْأَرْضِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ فَاسْتَثْنَى مِنْهُ مَكِيلَةً، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَةَ قَدْ تَكُونُ نِصْفًا أَوْ ثُلُثًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَشْتَرِ شَيْئًا يَعْرِفُهُ وَلاَ الْبَائِعُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ جُزَافٍ بَاعَهُ شَيْئًا إلَّا مَا لاَ يُدْخِلُهُ فِي الْبَيْعِ وَذَلِكَ مِثْلُ نَخَلاَتٍ يُسْتَثْنَيْنَ بِأَعْيَانِهِنَّ فَيَكُونُ بَاعَهُ مَا سِوَاهُنَّ أَوْ ثُلُثٌ أَوْ رُبْعٌ أَوْ سَهْمٌ مِنْ أَسْهُمِ جُزَافٍ فَيَكُونُ مَا لَمْ يُسْتَثْنَ دَاخِلاً فِي الْبَيْعِ وَمَا اُسْتُثْنِيَ خَارِجًا مِنْهُ فَأَمَّا أَنْ يَبِيعَهُ جُزَافًا لاَ يَدْرِي كَمْ هُوَ وَيَسْتَثْنِي مِنْهُ كَيْلاً مَعْلُومًا فَلاَ خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ حِينَئِذٍ لاَ يَدْرِي مَا بَاعَ وَالْمُشْتَرِي لاَ يَدْرِي مَا اشْتَرَى، وَمِنْ هَذَا أَنْ يَبِيعَهُ الْحَائِطَ فَيَسْتَثْنِيَ مِنْهُ نَخْلَةً أَوْ أَكْثَرَ لاَ يُسَمِّيهَا بِعَيْنِهَا فَيَكُونُ الْخِيَارُ فِي اسْتِثْنَائِهَا إلَيْهِ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهَا حَظًّا مِنْ الْحَائِطِ لاَ يَدْرِي كَمْ هُوَ؛ وَهَكَذَا الْجُزَافُ كُلُّهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ لِرَجُلٍ أَنْ يَبِيعَ رَجُلاً شَيْئًا ثُمَّ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَلاَ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَثْنَى مِنْهُ خَارِجًا مِنْ الْبَيْعِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ صَفْقَةُ الْبَيْعِ كَمَا وَصَفْت، وَإِنْ بَاعَهُ ثَمَرَ حَائِطٍ عَلَى أَنَّ لَهُ مَا سَقَطَ مِنْ النَّخْلِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْهَا قَدْ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ أَرَأَيْت لَوْ سَقَطَتْ كُلُّهَا أَتَكُونُ لَهُ‏؟‏ فَأَيُّ شَيْءٍ بَاعَهُ إنْ كَانَتْ لَهُ‏؟‏ أَوْ رَأَيْت لَوْ سَقَطَ نِصْفُهَا أَيَكُونُ لَهُ النِّصْفُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ‏؟‏ فَلاَ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا كَمَا وَصَفْت‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِ رَجُلٍ وَقَبَضَهُ مِنْهُ وَتَفَرَّقَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ الدَّارَ وَفِيهَا نَخْلٌ قَدْ طَابَ ثَمَرُهُ عَلَى أَنَّ لَهُ الثَّمَرَةَ فَلاَ يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ كِرَاءٌ وَبَيْعٌ وَقَدْ يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ وَيَبْقَى ثَمَرُ الشَّجَرِ الَّذِي اشْتَرَى فَيَكُونُ بِغَيْرِ حِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومًا وَالْبُيُوعُ لاَ تَجُوزُ إلَّا مَعْلُومَةَ الْأَثْمَانِ فَإِنْ قَالَ قَدْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ وَالْعَبْدَيْنِ وَالدَّارَ وَالدَّارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ فَإِذَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمُشْتَرَيَيْنِ انْتَقَضَ فِي الْكُلِّ، وَهُوَ مَمْلُوكُ الرِّقَابِ كُلِّهِ وَالْكِرَاءُ لَيْسَ بِمَمْلُوكِ الرَّقَبَةِ إنَّمَا هُوَ مَمْلُوكُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرًا وَيَكْتَرِيَ دَارًا تَكَارَى الدَّارَ عَلَى حِدَةٍ وَاشْتَرَى الثَّمَرَةَ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ حَلَّ فِي شِرَاءِ الثَّمَرَةِ مَا يَحِلُّ فِي شِرَاءِ الثَّمَرَةِ بِغَيْرِ كِرَاءٍ وَيَحْرُمُ فِيهِ مَا يَحْرُمُ فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ بِبَيْعِ الْحَائِطَيْنِ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ اسْتَوَيَا أَوْ اخْتَلَفَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا ثَمَرٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا تَمْرٌ فَكَانَ التَّمْرُ مُخْتَلِفًا فَلاَ بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ الثَّمَرُ قَدْ طَابَ أَوْ لَمْ يَطِبْ، وَإِنْ كَانَ ثَمَرُهُ وَاحِدًا فَلاَ خَيْرَ فِيهِ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ إذَا بِعْتُك حَائِطًا بِحَائِطٍ وَفِيهِمَا جَمِيعًا ثَمَرٌ فَإِنْ كَانَ الثَّمَرَانِ مُخْتَلِفَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ كَرْمٌ فِيهِ عِنَبٌ أَوْ زَبِيبٌ بِحَائِطِ نَخْلٍ فِيهِ بُسْرٌ أَوْ رُطَبٌ بِعْتُك الْحَائِطَ بِالْحَائِطِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَائِطًا بِمَا فِيهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ الْحَائِطَانِ مُسْتَوِيَيْ الثَّمَرِ مِثْلُ النَّخْلِ وَنَخْلٌ فِيهِمَا الثَّمَرُ فَلاَ يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنِّي بِعْتُك حَائِطًا وَثَمَرًا بِحَائِطٍ وَثَمَرٍ وَالثَّمَرُ بِالثَّمَرِ لاَ يَجُوزُ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ مَعْنَى الْقَصِيلِ عِنْدِي الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ قَدْ سَنْبَلَ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَنْبِلْ وَكَانَ بَقْلاً فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ فَلاَ بَأْسَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى الشَّطْرِ وَخَرَصَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ ابْنُ رَوَاحَةَ وَخَرَصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرَ الْمَدِينَةِ وَأَمَرَ بِخَرْصِ أَعْنَابِ أَهْلِ الطَّائِفِ فَأَخَذَ الْعُشْرَ مِنْهُمْ بِالْخَرْصِ وَالنِّصْفَ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ بِالْخَرْصِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُقْسَمَ ثَمَرُ الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ بِالْخَرْصِ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يُقْسَمَ ثَمَرُ غَيْرِهِمَا بِالْخَرْصِ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَوْضِعَانِ اللَّذَانِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَرْصِ فِيهِمَا وَلَمْ نَعْلَمْهُ أَمَرَ بِالْخَرْصِ فِي غَيْرِهِمَا وَأَنَّهُمَا مُخَالِفَانِ لِمَا سِوَاهُمَا مِنْ الثَّمَرِ بِاسْتِجْمَاعِهِمَا وَأَنَّهُ لاَ حَائِلَ دُونَهُمَا مِنْ وَرَقٍ وَلاَ غَيْرِهِ وَأَنَّ مَعْرِفَةَ خَرْصِهِمَا تَكَادُ أَنْ تَكُونَ بَائِنَةً وَلاَ تُخْطِئُ وَلاَ يُقْسَمُ شَجَرٌ غَيْرُهُمَا بِخَرْصٍ وَلاَ ثَمَرُهُ بَعْدَمَا يُزَايِلُ شَجَرَهُ بِخَرْصٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْحَائِطُ، فِيهِ الثَّمَرُ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ فَأَرَادُوا اقْتِسَامَهُ فَلاَ يَجُوزُ قَسْمُهُ بِالثَّمَرَةِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ إذَا بَدَا صَلاَحُهَا لَمْ يَجُزْ قَسْمُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لِلنَّخْلِ وَالْأَرْضِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ وَلِلثَّمَرَةِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ فَتَقَعُ الثَّمَرَةُ بِالثَّمَرَةِ مَجْهُولَةً لاَ بِخَرْصٍ وَلاَ بَيْعٍ وَلاَ يَجُوزُ قَسْمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا يَقْتَسِمَانِ الْأَصْلَ وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا مُشَاعَةً إنْ كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ أَوْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ غَيْرَ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا بِالْخَرْصِ قَسْمًا مُنْفَرِدًا، وَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَكُونَا يَقْتَسِمَانِ الثَّمَرَةَ مَعَ النَّخْلِ اقْتَسَمَاهَا بِبَيْعٍ مِنْ الْبُيُوعِ فَقَوَّمَا كُلَّ سَهْمٍ بِأَرْضِهِ وَشَجَرِهِ وَثَمَرِهِ ثُمَّ أَخَذَا بِهَذَا الْبَيْعِ لاَ بِقُرْعَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اخْتَلَفَ فَكَانَ نَخْلاً وَكَرْمًا‏.‏‏:‏ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُقْسَمَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَفِيهِمَا ثَمَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَفَاضُلِ الثَّمَرَةِ بِالثَّمَرَةِ تُخَالِفُهَا رِبًا فِي يَدٍ بِيَدٍ، وَمَا جَازَ فِي الْقَسْمِ عَلَى الضَّرُورَةِ جَازَ فِي غَيْرِهَا وَمَا لَمْ يَجُزْ فِي الضَّرُورَةِ لَمْ يَجُزْ فِي غَيْرِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَصْلُحُ السَّلَمُ فِي ثَمَرِ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْفُذُ وَيُخْطِئُ وَلاَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الرُّطَبِ مِنْ الثَّمَرِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي وَقْتِ تَطِيب الثَّمَرَةِ فَإِذَا قَبَضَ بَعْضَهُ وَنَفِدَتْ الثَّمَرَةُ الْمَوْصُوفَةُ قَبْلَ قَبْضِ الْبَاقِي مِنْهَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ كُلَّهُ وَيَرُدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ قِيمَةِ مَا أُخِذَ مِنْهُ، وَقِيلَ يُحْسَبُ عَلَيْهِ مَا أُخِذَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَكَانَ كَرَجُلٍ اشْتَرَى مِائَةَ إرْدَبٍّ فَأَخَذَ مِنْهَا خَمْسِينَ وَهَلَكَتْ خَمْسُونَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْخَمْسِينَ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَأْخُذَ الْخَمْسِينَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَرْجِعَ بِمَا بَقِيَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَنْ يُؤَخِّرَهُ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ رُطَبًا فِي قَابِلٍ بِمِثْلِ صِفَةِ الرُّطَبِ الَّذِي بَقِيَ لَهُ وَمَكِيلَتِهِ كَمَا يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ مِنْ الطَّعَامِ فِي وَقْتٍ لاَ يَجِدُهُ فِيهِ فَيَأْخُذُهُ بَعْدَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنْ الرَّجُلِ لَهُ الْحَائِطُ النَّخْلَةَ أَوْ النَّخْلَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ عَلَى أَنْ يَسْتَجْنِيَهَا مَتَى شَاءَ عَلَى أَنَّ كُلَّ صَاعٍ بِدِينَارٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لاَ بَيْعَ جُزَافٍ فَيَكُونُ مِنْ مُشْتَرِيهِ إذَا قَبَضَهُ، وَلاَ بَيْعَ كَيْلٍ يَقْبِضُهُ صَاحِبُهُ مَكَانَهُ وَقَدْ يُؤَخِّرُهُ فَيَضْمَنُ إذَا قَرُبَ أَنْ يُثْمِرَ، وَهُوَ فَاسِدٌ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا يَسْتَجْنِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ نَخْلَةً بِعَيْنِهَا أَوْ نَخَلاَتٍ بِأَعْيَانِهِنَّ وَيَقْبِضُهُنَّ فَيَكُونُ ضَمَانُهُنَّ مِنْهُ وَيَسْتَجِدُّهُنَّ كَيْفَ شَاءَ وَيَقْطَعُ ثِمَارَهَا مَتَى شَاءَ أَوْ يَشْتَرِيهِنَّ وَتُقْطَعْنَ لَهُ مَكَانَهُ فَلاَ خَيْرَ فِي شِرَاءٍ إلَّا شِرَاءَ عَيْنٍ تُقْبَضُ إذَا اُشْتُرِيَتْ لاَ حَائِلَ دُونَ قَابِضِهَا أَوْ صِفَةً مَضْمُونَةً عَلَى صَاحِبِهَا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَجَلُ الْقَرِيبُ وَالْحَالُّ وَالْبَعِيدُ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَ ذَلِكَ وَلاَ خَيْرَ فِي الشِّرَاءِ إلَّا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ سَاعَةَ يَعْقِدَانِ الْبَيْعَ‏.‏

وَإِذَا أَسْلَفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي رُطَبٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ مَا شَاءَ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ رَأْسِ مَالِهِ وَنِصْفَ سَلَفِهِ فَلاَ بَأْسَ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُقِيلَهُ مِنْ السَّلَفِ كُلِّهِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ السَّلَفَ كُلَّهُ فَلِمَ لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ مِنْ سَلَفِهِ وَالنِّصْفَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ‏؟‏ فَإِنْ قَالُوا كَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ أَجَازَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْقِيَاسِ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ سَلَفِهِ وَيَشْتَرِيَ مِنْهُ بِمَا بَقِيَ طَعَامًا وَلاَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَهُ عَلَيْهِ طَعَامًا وَذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَلَكِنْ يُفَاسِخُهُ الْبَيْعَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ حَالَّةً‏.‏

وَإِذَا سَلَّفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي رُطَبٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَنَفِدَ الرُّطَبُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ هَذَا حَقَّهُ بِتَوَانٍ أَوْ تَرْكٍ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ أَوْ هَرَبَ مِنْ الْبَائِعِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعُوزٌ بِمَالِهِ فِي كُلِّ حَالٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى أَنْ يُمْكِنَ الرُّطَبُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَيَأْخُذُهُ بِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يُسَلَّفَ فِي ثَمَرِ رُطَبٍ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ إذَا اشْتَرَطَ أَنْ يَقْبِضَهُ فِي زَمَانِهِ وَلاَ خَيْرَ أَنْ يُسَلَّفَ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي شَيْءٍ مَأْمُونٍ لاَ يَعُوزُ فِي الْحَالِ الَّتِي اشْتَرَطَ قَبْضَهُ فِيهَا فَإِنْ سَلَّفَهُ فِي شَيْءٍ يَكُونُ فِي حَالٍّ وَلاَ يَكُونُ لَمْ أُجِزْ فِيهِ السَّلَفَ وَكَانَ كَمَنْ سَلَّفَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ وَأَرْضٍ بِعَيْنِهَا فَالسَّلَفُ فِي ذَلِكَ مَفْسُوخٌ، وَإِنْ قَبَضَ سَلَفَهُ رَدَّ عَلَيْهِ مَا قَبَضَ مِنْهُ وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ‏.‏

باب الشَّهَادَةِ فِي الْبُيُوعِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ تَكُونَ الدَّلاَلَةُ عَلَى مَا فِيهِ الْحَظُّ بِالشَّهَادَةِ وَمُبَاحٌ تَرْكُهَا لاَ حَتْمًا يَكُونُ مَنْ تَرَكَهُ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَتْمًا مِنْهُ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ بِتَرْكِهِ وَاَلَّذِي أَخْتَارُ أَنْ لاَ يَدَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْإِشْهَادَ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا أَشْهَدَا لَمْ يَبْقَ فِي أَنْفُسِهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ حَتْمًا فَقَدْ أَدَّيَاهُ، وَإِنْ كَانَ دَلاَلَةً فَقَدْ أَخَذَا بِالْحَظِّ فِيهَا وَكُلُّ مَا نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ مِنْ فَرْضٍ أَوْ دَلاَلَةٍ فَهُوَ بَرَكَةٌ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَ فِيهِ دَلاَلَةٌ كَانَ فِيهِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا إنْ أَرَادَ ظُلْمًا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ فَيُمْنَعُ مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ تَارِكًا لاَ يُمْنَعُ مِنْهُ وَلَوْ نَسِيَ أَوْ وَهِمَ فَجَحَدَ مُنِعَ مِنْ الْمَأْثَمِ عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ وَرَثَتُهُمَا بَعْدَهُمَا، أَوْ لاَ تَرَى أَنَّهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلاً أَنْ يَبِيعَ فَبَاعَ هَذَا رَجُلاً وَبَاعَ وَكِيلُهُ آخَرَ وَلَمْ يُعْرَفْ أَيُّ الْبَيْعَيْنِ أَوَّلُ‏؟‏ لَمْ يُعْطَ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِقَوْلِ الْبَائِعِ وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ فَأُثْبِتَتْ أَيُّهُمَا أَوَّلُ أُعْطِيَ الْأَوَّلُ فَالشَّهَادَةُ سَبَبُ قَطْعِ التَّظَالُمِ وَتُثْبِتُ الْحُقُوقَ وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ ثُمَّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْرُ الَّذِي لاَ يُعْتَاضُ مِنْهُ مَنْ تَرَكَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْلَى بِالآيَةِ الْحَتْمُ بِالشَّهَادَةِ أَمْ الدَّلاَلَةُ‏؟‏ فَإِنَّ الَّذِي يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ التَّوْفِيقَ أَنْ يَكُونَ دَلاَلَةً لاَ حَتْمًا يَخْرُجُ مَنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ فَإِنْ قَالَ مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت‏؟‏ قِيلَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَذَكَرَ أَنَّ الْبَيْعَ حَلاَلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ بَيِّنَةً وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ الدَّيْنِ‏:‏ ‏{‏إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ‏}‏ وَالدَّيْنُ تَبَايُعٌ وَقَدْ أَمَرَ فِيهِ بِالْإِشْهَادِ فَبَيَّنَ الْمَعْنَى الَّذِي أَمَرَ لَهُ بِهِ فَدَلَّ مَا بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدَّيْنِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَمَرَ بِهِ عَلَى النَّظَرِ وَالِاحْتِيَاطِ لاَ عَلَى الْحَتْمِ قُلْت قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ‏}‏ ثُمَّ قَالَ فِي سِيَاقِ الآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي ائْتُمِنَ أَمَانَتَهُ‏}‏ فَلَمَّا أَمَرَ إذَا لَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا بِالرَّهْنِ ثُمَّ أَبَاحَ تَرْكَ الرَّهْنِ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا‏}‏ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ دَلاَلَةٌ عَلَى الْحَضِّ لاَ فَرْضٌ مِنْهُ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَقَدْ حُفِظَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ بَايَعَ أَعْرَابِيًّا فِي فَرَسٍ فَجَحَدَ الْأَعْرَابِيُّ بِأَمْرِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَلَوْ كَانَ حَتْمًا لَمْ يُبَايِعْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلاَ بَيِّنَةٍ وَقَدْ حُفِظَتْ عَنْ عِدَّةٍ لَقِيتهمْ مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِي مِنْ أَنَّهُ لاَ يَعْصِي مَنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ وَأَنَّ الْبَيْعَ لاَزِمٌ، إذَا تَصَادَقَا لاَ يُنْقِضُهُ أَنْ لاَ تَكُونَ بَيِّنَةٌ كَمَا يُنْقَضُ النِّكَاحُ، لِاخْتِلاَفِ حُكْمِهِمَا‏.‏

باب السَّلَفِ وَالْمُرَادُ بِهِ السَّلَمُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْكِتَابِ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْإِشْهَادِ إنْ كَانُوا عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا وَأَنْ يَكُونَ دَلاَلَةً فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ‏}‏ وَالرَّهْنُ غَيْرُ الْكِتَابِ وَالشَّهَادَةِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ‏}‏ دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِالْكِتَابِ ثُمَّ الشُّهُودِ ثُمَّ الرَّهْنِ إرْشَادٌ لاَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ‏}‏ إبَاحَةٌ لاََنْ يَأْمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيَدَعُ الْكِتَابَ وَالشُّهُودَ وَالرَّهْنَ‏.‏

قال‏:‏ وَأُحِبُّ الْكِتَابَ وَالشُّهُودَ، لِأَنَّهُ إرْشَادٌ مِنْ اللَّهِ وَنَظَرٌ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا أَمِينَيْنِ فَقَدْ يَمُوتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلاَ يُعْرَفُ حَقُّ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَتْلَفُ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ وَرَثَتِهِ حَقُّهُ وَتَكُونُ التَّبَاعَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي أَمْرٍ لَمْ يُرِدْهُ، وَقَدْ يَتَغَيَّرُ عَقْلُ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ هَذَا وَالْبَائِعُ وَقَدْ يَغْلَطُ الْمُشْتَرِي فَلاَ يُقِرُّ فَيَدْخُلُ فِي الظُّلْمِ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُ وَيُصِيبُ ذَلِكَ الْبَائِعُ فَيَدَّعِي مَا لَيْسَ لَهُ فَيَكُونُ الْكِتَابُ وَالشَّهَادَةُ قَاطِعًا هَذَا عَنْهُمَا وَعَنْ وَرَثَتِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُهُ مَا وَصَفْت انْبَغَى لِأَهْلِ دِينِ اللَّهِ اخْتِيَارُ مَا نَدَبَهُمْ اللَّهُ إلَيْهِ إرْشَادًا وَمَنْ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ حَزْمًا وَأَمْرًا لَمْ أُحِبَّ تَرْكَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَزْعُمَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ بِمَا وَصَفْتُ مِنْ الآيَةِ بَعْدَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ‏}‏ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَتْمًا عَلَى مَنْ دُعِيَ لِلْكِتَابِ فَإِنْ تَرَكَهُ تَارِكٌ كَانَ عَاصِيًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَمَا وَصَفْنَا فِي كِتَابِ جِمَاعِ الْعِلْمِ عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ الْكُتَّابِ أَنْ لاَ يُعَطِّلُوا كِتَابَ حَقٍّ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَإِذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ كَمَا حَقَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى الْجَنَائِزِ وَيَدْفِنُوهَا فَإِذَا قَامَ بِهَا مَنْ يَكْفِيهَا أَخْرَجَ ذَلِكَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مِنْ الْمَأْثَمِ، وَلَوْ تَرَكَ كُلُّ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْكُتَّابِ خِفْت أَنْ‏.‏ يَأْثَمُوا بَلْ كَأَنِّي لاَ أَرَاهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَأَيُّهُمْ قَامَ بِهِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا‏}‏ يَحْتَمِلُ مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَأْبَى كُلُّ شَاهِدٍ اُبْتُدِئَ فَيُدْعَى لِيَشْهَدَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا عَلَى مَنْ حَضَرَ الْحَقَّ أَنْ يَشْهَدَ مِنْهُمْ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ لِلشَّهَادَةِ فَإِذَا شَهِدُوا أَخْرَجُوا غَيْرَهُمْ مِنْ الْمَأْثَمِ، وَإِنْ تَرَكَ مَنْ حَضَرَ الشَّهَادَةَ خِفْت حَرَجَهُمْ بَلْ لاَ أَشُكُّ فِيهِ وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏ قَالَ فَأَمَّا مَنْ سَبَقَتْ شَهَادَتُهُ بِأَنْ أُشْهِدَ أَوْ عَلِمَ حَقًّا لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ فَلاَ يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ عَنْ تَأْدِيَةِ الشَّهَادَةِ مَتَى طُلِبَتْ مِنْهُ فِي مَوْضِعِ مَقْطَعِ الْحَقِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْقَوْلُ فِي كُلِّ دَيْنٍ سُلِّفَ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا وَصَفْت، وَأُحِبُّ الشَّهَادَةَ فِي كُلِّ حَقٍّ لَزِمَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ نَظَرًا فِي الْمُتَعَقَّبِ لِمَا وَصَفْت وَغَيْرِهِ مِنْ تَغَيُّرِ الْعُقُولِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ‏}‏ دَلاَلَةٌ عَلَى تَثْبِيتِ الْحَجْرِ وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ يَحْتَمِلُ كُلَّ دَيْنٍ وَيَحْتَمِلُ السَّلَفَ خَاصَّةً، وَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ فِي السَّلَفِ‏.‏

أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ‏.‏ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ‏:‏ أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَأَذِنَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي السَّلَفِ قُلْنَا بِهِ فِي كُلِّ دَيْنٍ قِيَاسًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَالسَّلَفُ جَائِزٌ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآثَارِ وَمَا لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلِمْته‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي التَّمْرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَرُبَّمَا قَالَ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ فَقَالَ‏:‏ «مَنْ سَلَّفَ فَلْيُسَلِّفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ حُفِّظْته كَمَا وَصَفْت مِنْ سُفْيَانَ مِرَارًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي مَنْ أُصَدِّقُهُ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ قَالَ كَمَا قُلْت وَقَالَ فِي الْأَجَلِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ‏.‏

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ لاَ نَرَى بِالسَّلَفِ بَأْسًا الْوَرِقُ فِي الْوَرِقِ نَقْدًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُجِيزُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ فِي طَعَامٍ مَوْصُوفٍ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّهْنِ فِي السَّلَفِ فَقَالَ إذَا كَانَ الْبَيْعُ حَلاَلاً فَإِنَّ الرَّهْنَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ فِي السَّلَمِ وَغَيْرِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالسَّلَمُ السَّلَفُ وَبِذَلِكَ أَقُولُ لاَ بَأْسَ فِيهِ بِالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالرَّهْنِ فَأَقَلُّ أَمْرِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَكُونَ إبَاحَةً لَهُ فَالسَّلَمُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلَ فِي شَيْءٍ يَأْخُذُ فِيهِ رَهْنًا أَوْ حَمِيلاً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَجْمَعُ الرَّهْنَ وَالْحَمِيلَ وَيَتَوَثَّقُ مَا قُدِّرَ عَلَيْهِ حَقُّهُ‏.‏

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي ظَفَرٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شَيْئًا إلَى أَجَلٍ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلُهُ‏.‏

قال‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلاَئِلُ، مِنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ أَنْ يُسَلِّفَ إذَا كَانَ مَا يُسَلِّفُ فِيهِ كَيْلاً مَعْلُومًا وَيُحْتَمَلُ مَعْلُومُ الْكَيْلِ وَمَعْلُومُ الصِّفَةِ، وَقَالَ‏:‏ «وَوَزْنٌ مَعْلُومٌ وَأَجَلٌ مَعْلُومٌ»‏.‏ أَوْ‏:‏ «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»‏.‏ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَوَزْنٌ مَعْلُومٌ إذَا أَسْلَفَ فِي كَيْلٍ أَنْ يُسَلِّفَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَإِذَا سَمَّى أَنْ يُسَمِّيَ أَجَلاً مَعْلُومًا، وَإِذَا سَلَّفَ فِي وَزْنٍ أَنْ يُسَلِّفَ فِي وَزْنٍ مَعْلُومٍ، وَإِذَا أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَفَ فِي التَّمْرِ السَّنَتَيْنِ بِكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ كُلِّهِ وَالتَّمْرُ قَدْ يَكُونُ رُطَبًا، وَقَدْ أَجَازَ أَنْ يَكُونَ فِي الرُّطَبِ سَلَفًا مَضْمُونًا فِي غَيْرِ حِينِهِ الَّذِي يَطِيبُ فِيهِ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّفَ سَنَتَيْنِ كَانَ بَعْضُهَا فِي غَيْرِ حِينِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالسَّلَفُ قَدْ يَكُونُ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَلَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكِيمًا عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَأَذِنَ فِي السَّلَفِ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَنْهَى عَمَّا أَمَرَ بِهِ، وَعَلِمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى حَكِيمًا عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ‏.‏

قال‏:‏ وَيَجْتَمِعُ السَّلَفُ وَهُوَ بَيْعُ الصِّفَاتِ وَبَيْعُ الْأَعْيَانِ فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ فِيهِمَا بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ الْجُزَافَ يَحِلُّ فِيمَا رَآهُ صَاحِبُهُ، وَلاَ يَحِلُّ فِي السَّلَفِ إلَّا مَعْلُومٌ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ صِفَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالسَّلَفُ بِالصِّفَةِ وَالْأَجَلِ مَا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حُفِظَتْ عَنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا كَتَبْت مِنْ الْآثَارِ بَعْدَمَا كَتَبْت مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لَيْسَ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا يَزِيدُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُوَّةً، وَلاَ لَوْ خَالَفَهَا وَلَمْ يُحْفَظْ مَعَهَا يُوهِنُهَا بَلْ هِيَ الَّتِي قَطَعَ اللَّهُ بِهَا الْعُذْرَ وَلَكِنَّا رَجَوْنَا الثَّوَابَ فِي إرْشَادِ مَنْ سَمِعَ مَا كَتَبْنَا فَإِنَّ فِيمَا كَتَبْنَا بَعْضَ مَا يَشْرَحُ قُلُوبَهُمْ لِقَبُولِهِ وَلَوْ تَنَحَّتْ عَنْهُمْ الْغَفْلَةُ لَكَانُوا مِثْلَنَا فِي الِاسْتِغْنَاءِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا احْتَاجُوا إذَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ إلَى أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ هُوَ جَائِزٌ فِي السَّلَفِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي السَّلَفِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا مَضْمُونًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَ الطَّعَامِ بِصِفَةٍ إلَى أَجَلٍ كَانَ- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- بَيْعُ الطَّعَامِ بِصِفَةٍ حَالًّا أَجْوَزَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَيْعِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَكُونَ بِصِفَةٍ مَضْمُونًا عَلَى صَاحِبِهِ فَإِذَا ضَمِنَ مُؤَخَّرًا ضَمِنَ مُعَجَّلاً وَكَانَ مُعَجَّلاً أَعْجَلَ مِنْهُ مُؤَخَّرًا، وَالْأَعْجَلُ أُخْرِجَ مِنْ مَعْنَى الْغَرَرِ وَهُوَ مُجَامِعٌ لَهُ فِي أَنَّهُ مَضْمُونٌ لَهُ عَلَى بَائِعِهِ بِصِفَةٍ‏.‏

باب مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَفِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ لاَ يَجُوزُ جِمَاعُ السَّلَفِ حَتَّى يَجْمَعَ خِصَالاً، أَنْ يَدْفَعَ الْمُسَلِّفُ ثَمَنَ مَا سَلَّفَ لِأَنَّ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ سَلَّفَ فَلْيُسَلِّفْ» إنَّمَا قَالَ فَلْيُعْطِ وَلَمْ يَقُلْ لِيُبَايِعَ، وَلاَ يُعْطِي، وَلاَ يَقَعُ اسْمُ التَّسْلِيفِ فِيهِ حَتَّى يُعْطِيَهُ مَا سَلَّفَهُ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ مَنْ سَلَّفَهُ وَأَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّفَهُ فِيمَا يُكَالُ كَيْلاً أَوْ فِيمَا يُوزَنُ وَزْنًا وَمِكْيَالٌ وَمِيزَانٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ، فَأَمَّا مِيزَانٌ يُرِيهِ إيَّاهُ أَوْ مِكْيَالٌ يُرِيهِ فَيُشْتَرَطَانِ عَلَيْهِ فَلاَ يَجُوزُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ أَوْ هَلَكَ لَمْ يُعْلَمْ مَا قَدْرُهُ، وَلاَ يُبَالِي كَانَ مِكْيَالاً قَدْ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ أَوْ لاَ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا، وَإِنْ كَانَ تَمْرًا قَالَ تَمْرٌ صَيْحَانِيٌّ أَوْ بُرْدِيٌّ أَوْ عَجْوَةٌ أَوْ جَنِيبٌ أَوْ صِنْفٌ مِنْ التَّمْرِ مَعْرُوفٌ فَإِنْ كَانَ حِنْطَةً قَالَ شَامِيَّةٌ أَوْ ميسانية أَوْ مِصْرِيَّةٌ أَوْ مَوْصِلِيَّةٌ أَوْ صِنْفًا مِنْ الْحِنْطَةِ مَوْصُوفًا، وَإِنْ كَانَ ذُرَةً قَالَ حَمْرَاءُ أَوْ نَطِيسٌ أَوْ هُمَا أَوْ صِنْفٌ مِنْهَا مَعْرُوفٌ، وَإِنْ كَانَ شَعِيرًا قَالَ مِنْ شَعِيرِ بَلَدِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ يَخْتَلِفُ سَمَّى صِفَتَهُ وَقَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا أَوْ وَسَطًا وَسَمَّى أَجَلاً مَعْلُومًا إنْ كَانَ لِمَا سَلَّفَ أَجَلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجَلٌ كَانَ حَالًّا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُحِبُّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُقَبِّضُهُ فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَانَ مَا سَلَّفَ فِيهِ رَقِيقًا قَالَ عَبْدٌ نُوبِيٌّ خُمَاسِيٌّ أَوْ سُدَاسِيٌّ أَوْ مُحْتَلِمٌ أَوْ وَصَفَهُ بِشِيَتِهِ وَأَسْوَدُ هُوَ أَوْ أَصْفَرُ أَوْ أَسْحَمُ وَقَالَ نَقِيٌّ مِنْ الْعُيُوبِ وَكَذَلِكَ مَا سِوَاهُ مِنْ الرَّقِيقِ بِصِفَةٍ وَسِنٍّ وَلَوْنٍ وَبَرَاءَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَقُولَ إلَّا الْكَيَّ وَالْحُمْرَةَ وَالشُّقْرَةَ وَشِدَّةَ السَّوَادِ وَالْحَمْشَ، وَإِنْ سَلَّفَ فِي بَعِيرٍ قَالَ بَعِيرٌ مِنْ نَعَمِ بَنِي فُلاَنٍ ثَنِيٌّ غَيْرُ مُودَنٍ نَقِيٌّ مِنْ الْعُيُوبِ سَبْطُ الْخَلْقِ أَحْمَرُ مُجْفَرُ الْجَنْبَيْنِ رُبَاعِيٌّ أَوْ بَازِلٌ وَهَكَذَا الدَّوَابُّ يَصِفُهَا بِنِتَاجِهَا وَجِنْسِهَا وَأَلْوَانِهَا وَأَسْنَانِهَا وَأَنْسَابِهَا وَبَرَاءَتِهَا مِنْ الْعُيُوبِ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ عَيْبًا يَتَبَرَّأُ الْبَائِعُ مِنْهُ‏.‏

قال‏:‏ وَيَصِفُ الثِّيَابَ بِالْجِنْسِ‏:‏ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ وَنَسْجِ بَلَدٍ وَذَرْعٍ مِنْ عَرْضٍ وَطُولٍ وَصَفَاقَةٍ وَدِقَّةِ وَجَوْدَةٍ أَوْ رَدَاءَةٍ أَوْ وَسَطٍ وَعَتِيقٍ مِنْ الطَّعَامِ كُلِّهِ أَوْ جَدِيدٍ أَوْ غَيْرِ جَدِيدٍ، وَلاَ عَتِيقٍ وَأَنْ يَصِفَ ذَلِكَ بِحَصَادِ عَامٍ مُسَمًّى أَصَحُّ‏.‏

قال‏:‏ وَهَكَذَا النُّحَاسُ يَصِفُهُ‏:‏ أَبْيَضَ أَوْ شَبَهًا أَوْ أَحْمَرَ‏.‏ وَيَصِفُ الْحَدِيدَ‏:‏ ذَكَرًا أَوْ أَنِيثًا أَوْ بِجِنْسٍ إنْ كَانَ لَهُ وَالرَّصَاصَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأَقَلُّ مَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَفُ مِنْ هَذَا أَنْ يُوصَفَ مَا سَلَّفَ فِيهِ بِصِفَةٍ تَكُونُ مَعْلُومَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إنْ اخْتَلَفَ الْمُسَلِّفُ وَالْمُسَلَّفُ، وَإِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً لاَ يُقَامُ عَلَى حَدِّهَا أَوْ إلَى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ أَوْ ذَرْعٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ أَوْ لَمْ يَدْفَعْ الْمُسَلِّفُ الثَّمَنَ عِنْدَ التَّسْلِيفِ وَقَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ مَقَامِهِمَا فَسَدَ السَّلَفُ، وَإِذَا فَسَدَ رُدَّ إلَى الْمُسَلِّفِ رَأْسُ مَالِهِ‏.‏

قال‏:‏ فَكُلُّ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ صِفَةٌ يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالسِّلْعَةِ الَّتِي سُلِّفَ فِيهَا جَازَ فِيهَا السَّلَفُ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ فِي الرُّطَبِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ لِلنَّخْلِ الثَّمَرُ إذَا اشْتَرَطَ أَجَلاً فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الرُّطَبُ وَكَذَلِكَ الْفَوَاكِهُ الْمَكِيلَةُ الْمَوْصُوفَةُ وَكَذَلِكَ يُسَلِّفُ إلَى سَنَةٍ فِي طَعَامٍ جَدِيدٍ إذَا حَلَّ حَقُّهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْجِدَّةُ فِي الطَّعَامِ وَالثَّمَرِ مِمَّا لاَ يُسْتَغْنَى عَنْ شَرْطِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ جَيِّدًا عَتِيقًا نَاقِصًا بِالْقِدَمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ اُشْتُرِطَ فِي شَيْءٍ مِمَّا سُلِّفَ أَجْوَدُ طَعَامِ كَذَا أَوْ أَرْدَأُ طَعَامِ كَذَا أَوْ اُشْتُرِطَ ذَلِكَ فِي ثِيَابٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ السِّلَعِ كَانَ السَّلَفُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ لاَ يُوقَفُ عَلَى أَجْوَدِهِ، وَلاَ أَدْنَاهُ أَبَدًا وَيُوقَفُ عَلَى جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ؛ لِأَنَّا نَأْخُذُهُ بِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ‏.‏

باب فِي الْآجَالِ فِي السَّلَفِ وَالْبُيُوعِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ سَلَّفَ فَلْيُسَلِّفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآجَالَ لاَ تَحِلُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَصْلُحُ بَيْعٌ إلَى الْعَطَاءِ، وَلاَ حَصَادٍ، وَلاَ جُدَادٍ، وَلاَ عِيدِ النَّصَارَى وَهَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّمَ أَنْ تَكُونَ الْمَوَاقِيتُ بِالْأَهِلَّةِ فِيمَا وَقَّتَ لِأَهْلِ الْإِسْلاَمِ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ‏}‏ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ‏}‏ وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَهِلَّةِ جُمَلَ الْمَوَاقِيتِ وَبِالْأَهِلَّةِ مَوَاقِيتَ الْأَيَّامِ مِنْ الْأَهِلَّةِ وَلَمْ يَجْعَلْ عِلْمًا لِأَهْلِ الْإِسْلاَمِ إلَّا بِهَا فَمَنْ أُعْلِمَ بِغَيْرِهَا فَبِغَيْرِ مَا أَعْلَمَ اللَّهُ أُعْلِمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا مَا كَانَ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ تَكُونَ الْعَلاَمَةُ بِالْحَصَادِ وَالْجُدَادِ فَخِلاَفُهُ وَخِلاَفُهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَجَلٍ مُسَمًّى وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى مَا لاَ يُخْتَلَفُ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ الْحَصَادَ وَالْجُدَادَ يَتَأَخَّرَانِ وَيَتَقَدَّمَانِ بِقَدْرِ عَطَشِ الْأَرْضِ وَرَيِّهَا وَبِقَدْرِ بَرْدِ الْأَرْضِ وَالسَّنَةِ وَحَرِّهَا وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ فِيمَا اسْتَأْخَرَ أَجَلاً إلَّا مَعْلُومًا وَالْعَطَاءُ إلَى السُّلْطَانِ يَتَأَخَّرُ وَيَتَقَدَّمُ وَفِصْحُ النَّصَارَى عِنْدِي يُخَالِفُ حِسَابَ الْإِسْلاَمِ وَمَا أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَقَدْ يَكُونُ عَامًّا فِي شَهْرٍ وَعَامًّا فِي غَيْرِهِ فَلَوْ أَجَزْنَاهُ إلَيْهِ أَجَزْنَاهُ عَلَى أَمْرٍ مَجْهُولٍ فَكُرِّهَ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَأَنَّهُ خِلاَفُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ أَنْ نَتَأَجَّلَ فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا قَوْلُ النَّصَارَى عَلَى حِسَابٍ يَقِيسُونَ فِيهِ أَيَّامًا فَكُنَّا إنَّمَا أُعْلِمْنَا فِي دِينِنَا بِشَهَادَةِ النَّصَارَى الَّذِينَ لاَ نُجِيزُ شَهَادَتَهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ حَلاَلٍ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ قَالَ فِيهِ أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قُلْنَا مَا نَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مَعَ مَا وَصَفْت مِنْ دَلاَئِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وَقَدْ رَوَى فِيهِ رَجُلٌ لاَ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ كُلَّ الثَّبْتِ شَيْئًا‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏.‏ لاَ تَبِيعُوا إلَى الْعَطَاءِ، وَلاَ إلَى الْأَنْدَرِ، وَلاَ إلَى الدِّيَاسِ‏.‏

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ طَعَامًا فَإِنْ أَجَّلْت عَلَى الطَّعَامِ فَطَعَامُك فِي قَابِلٍ سَلَفٌ قَالَ لاَ إلَّا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَهَذَانِ أَجَلاَنِ لاَ يَدْرِي إلَى أَيِّهِمَا يُوَفِّيهِ طَعَامَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى الْعَطَاءِ أَوْ إلَى الْجُدَادِ أَوْ إلَى الْحَصَادِ كَانَ فَاسِدًا وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي إبْطَالَ الشَّرْطِ وَتَعْجِيلَ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَة انْعَقَدَتْ فَاسِدَةً فَلاَ يَكُونُ لَهُ، وَلاَ لَهُمَا إصْلاَحُ جُمْلَةٍ فَاسِدَةٍ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعِ غَيْرِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَالسَّلَفُ بَيْعٌ مَضْمُونٌ بِصِفَةٍ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ إلَى أَجَلٍ جَازَ وَأَنْ يَكُونَ حَالًّا وَكَانَ الْحَالُّ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِصِفَةٍ كَمَا كَانَ الدَّيْنُ مَضْمُونًا بِصِفَةٍ وَالْآخَرُ أَنَّ مَا أَسْرَعَ الْمُشْتَرِي فِي أَخْذِهِ كَانَ الْخُرُوجُ مِنْ الْفَسَادِ بِغَرُورٍ وَعَارِضٍ أَوْلَى مِنْ الْمُؤَجَّلِ‏.‏

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ سَلَّفْته ذَهَبًا فِي طَعَامٍ يُوَفِّيهِ قَبْلَ اللَّيْلِ وَدَفَعْت إلَيْهِ الذَّهَبَ قَبْلَ اللَّيْلِ وَلَيْسَ الطَّعَامُ عِنْدَهُ قَالَ‏:‏ لاَ مِنْ أَجْلِ الشَّفِّ وَقَدْ عَلِمَ كَيْفَ السُّوقُ وَكَمْ السِّعْرُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت لَهُ لاَ يَصْلُحُ السَّلَفُ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَأْخَرِ قَالَ لاَ إلَّا فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَأْخَرِ الَّذِي لاَ يُعْلَمُ كَيْفَ يَكُونُ السُّوقُ إلَيْهِ يَرْبَحُ أَوْ لاَ يَرْبَحُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ بَعْدُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يَعْنِي أَجَازَ السَّلَفَ حَالًّا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَوْلُهُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي قَالَهُ أَوَّلاً وَلَيْسَ فِي عِلْمِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَيْفَ السُّوقُ شَيْءٌ يُفْسِدُ بَيْعًا، وَلاَ فِي عِلْمِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَرَأَيْت لَوْ بَاعَ رَجُلٌ رَجُلاً ذَهَبًا وَهُوَ يَعْرِفُ سُوقَهَا أَوْ سِلْعَةً، وَلاَ يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي، وَلاَ يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ أَكَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا مَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا شَيْءٌ يُفْسِدُ بَيْعًا مَعْلُومًا نَسِيئَةً، وَلاَ حَالًّا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَمَنْ سَلَّفَ إلَى الْجُدَادِ أَوْ الْحَصَادِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا أَعْلَمُ إمَّا إلَّا وَالْجُدَادُ يُسْتَأْخَرُ فِيهِ حَتَّى لَقَدْ رَأَيْته يَجِدُّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ثُمَّ رَأَيْته يَجِدُّ فِي الْمُحَرَّمِ وَمِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ بِالنَّخْلِ فَأَمَّا إذَا اعْتَلَّتْ النَّخْلُ أَوْ اخْتَلَفَتْ بُلْدَانُهَا فَهُوَ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالْبَيْعُ إلَى الصَّدْرِ جَائِزٌ وَالصَّدْرُ يَوْمُ النَّفْرِ مِنْ مِنًى فَإِنْ قَالَ وَهُوَ بِبَلَدٍ غَيْرِ مَكَّةَ إلَى مَخْرَجِ الْحَاجِّ أَوْ إلَى أَنْ يَرْجِعَ الْحَاجُّ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ إلَى فِعْلٍ يُحْدِثُهُ الْآدَمِيُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُعَجِّلُونَ السَّيْرَ وَيُؤَخِّرُونَهُ لِلْعِلَّةِ الَّتِي تَحْدُثُ، وَلاَ إلَى ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ وَجُدَادِهَا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ فِي الشُّهُورِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَمًا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا‏}‏ فَإِنَّمَا يَكُونُ الْجُدَادُ بَعْدَ الْخَرِيفِ وَقَدْ أَدْرَكْت الْخَرِيفَ يَقَعُ مُخْتَلِفًا فِي شُهُورِنَا الَّتِي وَقَّتَ اللَّهُ لَنَا يَقَعُ فِي عَامٍ شَهْرًا ثُمَّ يَعُودُ فِي شَهْرٍ بَعْدَهُ فَلاَ يَكُونُ الْوَقْتُ فِيمَا يُخَالِفُ شُهُورَنَا الَّتِي وَقَّتَ لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ بِمَا يُحْدِثُهُ الْآدَمِيُّونَ، وَلاَ يَكُونُ إلَّا إلَى مَا لاَ عَمَلَ لِلْعِبَادِ فِي تَقْدِيمِهِ، وَلاَ تَأْخِيرِهِ مِمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقْتًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ سَلَّفَهُ إلَى شَهْرِ كَذَا فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ فَإِلَى شَهْرِ كَذَا كَانَ فَاسِدًا حَتَّى يَكُونَ الْأَجَلُ وَاحِدًا مَعْلُومًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ الْأَجَلُ إلَّا مَعَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْلَ تَفَرُّقِهِمَا عَنْ مَوْضِعِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ فَإِنْ تَبَايَعَا وَتَفَرَّقَا عَنْ غَيْرِ أَجَلٍ ثُمَّ أَلْقَيَا فَجَدَّدَا أَجَلاً لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَا بَيْعًا‏.‏

قال‏:‏ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَفَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كَيْلٍ مِنْ طَعَامٍ يُوَفِّيهِ إيَّاهُ فِي شَهْرِ كَذَا فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ كُلُّهُ فَفِي شَهْرِ كَذَا كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ أَجَلاَنِ لاَ أَجَلٌ وَاحِدٌ فَإِنْ قَالَ أُوَفِّيكَهُ فِيمَا بُيِّنَ إنْ دَفَعْته إلَيَّ إلَى مُنْتَهَى رَأْسِ الشَّهْرِ كَانَ هَذَا أَجَلاً غَيْرَ مَحْدُودٍ حَدًّا وَاحِدًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَجَلُك فِيهِ شَهْرُ كَذَا أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، وَلاَ يُسَمِّي أَجَلاً وَاحِدًا فَلاَ يَصْلُحُ حَتَّى يَكُونَ أَجَلاً وَاحِدًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ سَلَّفَهُ إلَى شَهْرِ كَذَا فَإِنْ حَبَسَهُ فَلَهُ كَذَا كَانَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَإِذَا سَلَّفَ فَقَالَ إلَى شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ كَذَا كَانَ جَائِزًا وَالْأَجَلُ حِينَ يَرَى هِلاَلَ شَهْرِ رَمَضَانَ أَبَدًا حَتَّى يَقُولَ إلَى انْسِلاَخِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ مُضِيِّهِ أَوْ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا يَمْضِي مِنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ قَالَ أَبِيعُك إلَى يَوْمِ كَذَا لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنْ قَالَ إلَى الظُّهْرِ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي أَدْنَى الْأَوْقَاتِ وَلَوْ قَالَ إلَى عَقِبِ شَهْرِ كَذَا‏:‏ كَانَ مَجْهُولاً فَاسِدًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ تَبَايَعَا عَنْ غَيْرِ أَجَلٍ ثُمَّ لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَقَامِهِمَا حَتَّى جَدَّدَا أَجَلاً فَالْأَجَلُ لاَزِمٌ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْأَجَلِ عَنْ مَقَامِهِمَا ثُمَّ جَدَّدَا أَجَلاً لَمْ يَجُزْ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ وَإِنَّمَا أَجَزْته أَوَّلاً؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ تَمَّ فَإِذَا تَمَّ بِالتَّفَرُّقِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجَدِّدَاهُ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَايَعَا عَلَى أَجَلٍ ثُمَّ نَقَضَاهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ كَانَ الْأَجَلُ الْآخَرُ، وَإِنْ نَقَضَا الْأَجَلَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بِأَجَلٍ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْقُضَا الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ لاَزِمٌ تَامٌّ عَلَى الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَالْآخَرُ مَوْعِدٌ، إنْ أَحَبَّ الْمُشْتَرِي وَفَّى بِهِ، وَإِنْ أَحَبَّ لَمْ يَفِ بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَهُ مِائَةَ دِينَارٍ فِي عَشْرَةِ أَكْرَارٍ خَمْسَةٌ مِنْهَا فِي وَقْتِ كَذَا وَخَمْسَةٌ فِي وَقْتِ كَذَا لِوَقْتٍ بَعْدَهُ لَمْ يَجُزْ السَّلَفُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْخَمْسَةِ الْأَكْرَارِ الْمُؤَخَّرَةِ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْأَكْرَارِ الْمُقَدَّمَةِ فَتَقَعُ الصَّفْقَةُ لاَ يُعْرَفُ كَمْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخَمْسَتَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ فَوَقَعَ بِهِ مَجْهُولاً وَهُوَ لاَ يَجُوزُ مَجْهُولاً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ ذَهَبٌ فِي ذَهَبٍ، وَلاَ فِضَّةٌ فِي فِضَّةٍ، وَلاَ ذَهَبٌ فِي فِضَّةٍ، وَلاَ فِضَّةٌ فِي ذَهَبٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كُلِّ شَيْءٍ خِلاَفِهِمَا مِنْ نُحَاسٍ وَفُلُوسٍ وَشَبَهٍ وَرَصَاصٍ وَحَدِيدٍ وَمَوْزُونٍ وَمَكِيلٍ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ مَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا أَجَزْت أَنْ يُسْلَمَ فِي الْفُلُوسِ بِخِلاَفِهِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِأَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِثَمَنٍ لِلْأَشْيَاءِ كَمَا تَكُونُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أَثْمَانًا لِلْأَشْيَاءِ الْمُسَلَّفَةِ فَإِنَّ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الزَّكَاةَ وَلَيْسَ فِي الْفُلُوسِ زَكَاةٌ وَإِنَّمَا اُنْظُرْ فِي التِّبْرِ إلَى أَصْلِهِ وَأَصْلِ النُّحَاسِ مِمَّا لاَ رِبَا فِيهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَنْ أَجَازَ السَّلَمَ فِي الْفُلُوسِ‏؟‏ قُلْت غَيْرُ وَاحِدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْقَدَّاحُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ لاَ بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْفُلُوسِ وَقَالَ سَعِيدٌ الْقَدَّاحُ لاَ بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْفُلُوسِ وَاَلَّذِينَ أَجَازُوا السَّلَفَ فِي النُّحَاسِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُجِيزُوهُ فِي الْفُلُوسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ تَجُوزُ فِي الْبُلْدَانِ جَوَازَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ قِيلَ‏:‏ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَبِشَرْطٍ وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ تَجُوزُ بِالْحِجَازِ الَّتِي بِهَا سُنَّتْ السُّنَنُ جَوَازَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَلاَ تَجُوزُ بِهَا الْفُلُوسُ فَإِنْ قَالَ الْحِنْطَةُ لَيْسَتْ بِثَمَنٍ لِمَا اُسْتُهْلِكَ قِيلَ وَكَذَلِكَ الْفُلُوسُ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ قِيمَةَ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِهِ إلَّا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لاَ مِنْ الْفُلُوسِ فَلَوْ كَانَ مَنْ كَرِهَهَا إنَّمَا كَرِهَهَا لِهَذَا انْبَغَى لَهُ أَنْ يَكْرَهَ السَّلَمَ فِي الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ بِالْحِجَازِ وَفِي الذُّرَةِ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ بِالْيَمَنِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إنَّمَا تَكُونُ ثَمَنًا بِشَرْطٍ فَكَذَلِكَ الْفُلُوسُ لاَ تَكُونُ ثَمَنًا إلَّا بِشَرْطٍ أَلاَ تَرَى رَجُلاً لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَانِقٌ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ فُلُوسًا وَإِنَّمَا يُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْفِضَّةَ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ أَهْلَ سُوَيْقَةٍ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ أَجَازُوا بَيْنَهُمْ خَزَفًا مَكَانَ الْفُلُوسِ وَالْخَزَفُ فَخَّارٌ يُجْعَلُ كَالْفُلُوسِ أَفَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُكْرَهُ السَّلَفُ فِي الْخَزَفِ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ أَرَأَيْت الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مَضْرُوبَيْنِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَمْثَلُهُمَا غَيْرُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ لاَ يَحِلُّ الْفَضْلُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لاَ ذَهَبٌ بِدَنَانِيرَ، وَلاَ فِضَّةٌ بِدَرَاهِمَ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَمَا ضُرِبَ مِنْهُمَا وَمَا لَمْ يُضْرَبْ سَوَاءٌ لاَ يَخْتَلِفُ وَمَا كَانَ ضُرِبَ مِنْهُمَا وَلَمْ يُضْرَبْ مِنْهُمَا ثَمَنٌ، وَلاَ غَيْرُ ثَمَنٍ سَوَاءٌ لاَ يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّ الْأَثْمَانَ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لاَ فِضَّةٌ، وَلاَ يَحِلُّ الْفَضْلُ فِي مَضْرُوبِهِ عَلَى غَيْرِ مَضْرُوبِهِ، الرِّبَا فِي مَضْرُوبِهِ وَغَيْرِ مَضْرُوبِهِ سَوَاءٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مَضْرُوبُ الْفُلُوسِ مُخَالِفًا غَيْرَ مَضْرُوبِهَا‏؟‏ وَهَذَا لاَ يَكُونُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ مَا كَانَ فِي الزِّيَادَةِ فِي‏:‏ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ الرِّبَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ شَيْءٌ مِنْهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ، وَلاَ شَيْءٌ مِنْهُ مَعَ غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَحْدَهُ، وَلاَ مَعَ غَيْرِهِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ شَاةٌ فِيهَا لَبَنٌ بِلَبَنٍ إلَى أَجَلٍ حَتَّى يُسْلِمَهَا مُسْتَحْلَبًا بِلاَ لَبَنٍ، وَلاَ سَمْنٍ، وَلاَ زُبْدٍ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ اللَّبَنِ الَّذِي فِي الشَّاةِ بِشَيْءٍ مِنْ اللَّبَنِ الَّذِي إلَى أَجَلٍ لاَ يَدْرِي كَمْ هُوَ لَعَلَّهُ بِأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَاللَّبَنُ لاَ يَجُوزُ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وَهَكَذَا هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَحِلُّ عِنْدِي اسْتِدْلاَلاً بِمَا وَصَفْت مِنْ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ أَنْ يُسَلَّفَ شَيْءٌ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ مِمَّا يُكَالُ فِيمَا يُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ، وَلاَ شَيْءٌ يُوزَنُ فِيمَا يُكَالُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يُسَلَّفَ مُدُّ حِنْطَةٍ فِي رَطْلِ عَسَلٍ، وَلاَ رَطْلُ عَسَلٍ فِي مُدِّ زَبِيبٍ، وَلاَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسًا عَلَى الذَّهَبِ الَّذِي لاَ يَصْلُحُ أَنْ يُسْلَمَ فِي الْفِضَّةِ، وَالْفِضَّةُ الَّتِي لاَ يَصْلُحُ أَنْ تُسْلَمَ فِي الذَّهَبِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنْ لاَ يُسَلَّفَ مَأْكُولٌ مَوْزُونٌ فِي مَكِيلٍ مَأْكُولٍ، وَلاَ مَكِيلٌ مَأْكُولٌ فِي مَوْزُونٍ مَأْكُولٍ، وَلاَ غَيْرُهُ مِمَّا أُكِلَ أَوْ شُرِبَ بِحَالٍ وَذَلِكَ مِثْلُ سَلَفِ الدَّنَانِيرِ فِي الدَّرَاهِمِ، وَلاَ يَصْلُحُ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ نَسِيئَةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ الْعَرْضُ فِي الْعَرْضِ مِثْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْكُولاً، وَلاَ مَشْرُوبًا أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ لاَ بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بِالسِّلْعَةِ إحْدَاهُمَا نَاجِزَةٌ وَالْأُخْرَى دَيْنٌ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَبِيعُ السِّلْعَةَ بِالسِّلْعَةِ كِلْتَاهُمَا دَيْنٌ‏؟‏ فَكَرِهَهُ قَالَ وَبِهَذَا نَقُولُ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ مَا جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً مِنْ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا جَازَ أَنْ يُسَلَّفَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ مَا خَلاَ الذَّهَبَ فِي الْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ فِي الذَّهَبِ وَالْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ‏:‏ فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ مُدُّ حِنْطَةٍ فِي بَعِيرٍ وَبَعِيرٌ فِي بَعِيرَيْنِ وَشَاةٌ فِي شَاتَيْنِ وَسَوَاءٌ اُشْتُرِيَتْ الشَّاةُ وَالْجَدْيُ بِشَاتَيْنِ يُرَادُ بِهِمَا الذَّبْحُ أَوْ لاَ يُرَادُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَبَايَعَانِ حَيَوَانًا لاَ لَحْمًا بِلَحْمٍ، وَلاَ لَحْمًا بِحَيَوَانٍ وَمَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَحْشِيَّةٌ فِي وَحْشِيَّتَيْنِ مَوْصُوفَتَيْنِ مَا خَلاَ مَا وَصَفْت‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا أُكِلَ أَوْ شُرِبَ مِمَّا لاَ يُوزَنُ، وَلاَ يُكَالُ قِيَاسًا عِنْدِي عَلَى مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ قِسْت مَا لاَ يُكَالُ، وَلاَ يُوزَنُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ عَلَى مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مِنْهُمَا‏؟‏ قُلْت وَجَدْت أَصْلَ الْبُيُوعِ شَيْئَيْنِ، شَيْئًا فِي الزِّيَادَةِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ الرِّبَا، وَشَيْئًا لاَ رِبَا فِي الزِّيَادَةِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، فَكَانَ الَّذِي فِي الزِّيَادَةِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، الرِّبَا، ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَهُمَا بَائِنَانِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لاَ يُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا لِمُبَايَنَتِهِمَا مَا قِيسَ عَلَيْهِمَا بِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهُمَا ثَمَنٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وَجَائِزٌ أَنْ يُشْتَرَى بِهِمَا كُلُّ شَيْءٍ عَدَاهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً وَبِحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَتَمْرٍ وَمِلْحٍ وَكَانَ مَأْكُولاً مَكِيلاً مَوْجُودًا فِي السُّنَّةِ تَحْرِيمُ الْفَضْلِ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُ عَلَى الشَّيْءِ مِنْ صِنْفِهِ فَقِسْنَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ عَلَيْهِمَا وَوَجَدْنَا مَا يُبَاعُ غَيْرَ مَكِيلٍ، وَلاَ مَوْزُونٍ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُوزَنُ فَلَمَّا كَانَ الْمَأْكُولُ غَيْرَ الْمَكِيلِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، الْمَوْزُونُ عِنْدَهَا مَأْكُولاً فَجَامَعَ الْمَأْكُولُ الْمَكِيلَ الْمَوْزُونَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَوَجَدْنَا أَهْلَ الْبُلْدَانِ يَخْتَلِفُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزِنُ وَزْنًا وَوَجَدْنَا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْبُلْدَانِ يَزِنُ اللَّحْمَ وَكَثِيرًا لاَ يَزِنُهُ وَوَجَدْنَا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْبُلْدَانِ يَبِيعُونَ الرُّطَبَ جُزَافًا فَكَانَتْ أَفْعَالُهُمْ فِيهِ مُتَبَايِنَةً وَاحْتَمَلَ كُلُّهُ الْوَزْنَ وَالْكَيْلَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكِيلُ مِنْهُ الشَّيْءَ لاَ يَكِيلُهُ غَيْرُهُ وَوَجَدْنَا كُلَّهُ يَحْتَمِلُ الْوَزْنَ وَوَجَدْنَا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَزِنُ اللَّحْمَ وَكَثِيرًا مِنْهُمْ لاَ يَزِنُهُ وَوَجَدْنَا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَبِيعُونَ الرُّطَبَ جُزَافًا وَكَانَتْ أَفْعَالُهُمْ فِيهِ مُتَبَايِنَةً وَاحْتَمَلَ كُلُّهَا الْوَزْنَ أَوْ الْكَيْلَ أَوْ كِلاَهُمَا كَانَ أَنْ يُقَاسَ بِالْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْ يُقَاسَ عَلَى مَا يُبَاعُ عَدَدًا مِنْ‏.‏ غَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّا وَجَدْنَاهَا تُفَارِقُهُ فِيمَا وَصَفْت وَفِي أَنَّهَا لاَ تَجُوزُ إلَّا بِصِفَةٍ وَذَرْعٍ وَجِنْسٍ وَسِنٍّ فِي الْحَيَوَانِ وَصِفَةٍ لاَ يُوجَدُ فِي الْمَأْكُولِ مِثْلُهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَصْلُحُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِنَا هَذَا، رُمَّانَةٌ بِرُمَّانَتَيْنِ عَدَدًا لاَ وَزْنًا، وَلاَ سَفَرْجَلَةٌ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ، وَلاَ بِطِّيخَةٌ بِبِطِّيخَتَيْنِ، وَلاَ يَصْلُحُ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ جِنْسٌ بِمِثْلِهِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ كَمَا نَقُولُ فِي الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ فَلاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً، وَلاَ بَأْسَ بِرُمَّانَةٍ بِسَفَرْجَلَتَيْنِ وَأَكْثَرَ عَدَدًا وَوَزْنًا كَمَا أَلَّا يَكُونَ بَأْسٌ بِمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ وَأَكْثَرَ، وَلاَ مُدُّ حِنْطَةٍ بِتَمْرٍ جُزَافًا أَقَلَّ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الزِّيَادَةِ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ الرِّبَا لَمْ أُبَالِ أَنْ لاَ يَتَكَايَلاَهُ؛ لِأَنِّي إنَّمَا آمُرُهُمَا يَتَكَايَلاَنِهِ إذَا كَانَ لاَ يَحِلُّ إلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ فَأَمَّا إذَا جَازَ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَإِنَّمَا مُنِعَ إلَّا بِكَيْلٍ كَيْ لاَ يَتَفَاضَلَ فَلاَ مَعْنَى فِيهِ- إنْ تُرِكَ الْكَيْلَ- يُحَرِّمُهُ، وَإِذَا بِيعَ مِنْهُ جِنْسٌ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يَصْلُحْ عَدَدًا وَلَمْ يَصْلُحْ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِعِلَلِهِ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ يُسَلِّفُ مَأْكُولاً، وَلاَ مَشْرُوبًا فِي مَأْكُولٍ، وَلاَ مَشْرُوبٍ بِحَالٍ كَمَا لاَ يُسَلِّفُ الْفِضَّةَ فِي الذَّهَبِ، وَلاَ يَصْلُحُ أَنْ يُبَاعَ إلَّا يَدًا بِيَدٍ كَمَا يَصْلُحُ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَصْلُحُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَأْكُولِ أَنْ يُسْلِمَ فِيهِ عَدَدًا؛ لِأَنَّهُ لاَ صِفَةَ لَهُ كَصِفَةِ الْحَيَوَانِ وَذَرْعِ الثِّيَابِ وَالْخَشَبِ، وَلاَ يُسَلِّفُ إلَّا وَزْنًا مَعْلُومًا أَوْ كَيْلاً مَعْلُومًا إنْ صَلَحَ أَنْ يُكَالَ، وَلاَ يُسَلِّفُ فِي جَوْزٍ، وَلاَ بَيْضٍ، وَلاَ رَانِجٍ، وَلاَ غَيْرِهِ عَدَدًا لِاخْتِلاَفِهِ وَأَنَّهُ لاَ حَدَّ لَهُ يُعْرَفُ كَمَا يُعْرَفُ غَيْرُهُ‏.‏

قال‏:‏ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يُسَلَّفَ جُزَافٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَلاَ فِضَّةٍ، وَلاَ طَعَامٍ، وَلاَ ثِيَابٍ، وَلاَ شَيْءٍ، وَلاَ يُسَلَّفُ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ مَوْصُوفًا إنْ كَانَ دِينَارًا فَسِكَّتُهُ وَجَوْدَتُهُ وَوَزْنُهُ، وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا فَكَذَلِكَ وَبِأَنَّهُ وَضَحٌ أَوْ أَسْوَدُ أَوْ مَا يُعْرَفُ بِهِ فَإِنْ كَانَ طَعَامًا قُلْت تَمْرٌ صَيْحَانِيٌّ جَيِّدٌ كَيْلُهُ كَذَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ حِنْطَةً، وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا قُلْت مَرْوِيٌّ طُولُهُ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا رَقِيقٌ صَفِيقٌ جَيِّدٌ، وَإِنْ كَانَ بَعِيرًا قُلْت ثَنِيًّا مُهْرِيًّا أَحْمَرُ سَبْطُ الْخَلْقِ جَسِيمًا أَوْ مَرْبُوعًا تَصِفُ كُلَّ مَا أَسْلَفْته كَمَا تَصِفُ كُلَّ مَا أَسْلَفْت فِيهِ وَبَعَثَ بِهِ عَرَضًا دَيْنًا لاَ يُجْزِئُ فِي رَأْيِي غَيْرُهُ فَإِنْ تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ تَرَكَ فِي السَّلَفِ دَيْنًا خِفْتُ أَنْ لاَ يَجُوزَ وَحَالُ مَا أَسْلَفْته غَيْرُ حَالِ مَا أَسْلَفْت فِيهِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي يُخَالِفُ فِيهِ السَّلَفُ بَيْعَ الْأَعْيَانِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ إبِلاً قَدْ رَآهَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَلَمْ يَصِفَاهَا بِثَمَرِ حَائِطٍ قَدْ بَدَا صَلاَحُهُ وَرَأَيَاهَا وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ مِنْهُمَا فِي الْجُزَافِ وَفِيمَا لَمْ يَصِفَاهُ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الْمَبِيعِ كَالصِّفَةِ فِيمَا أَسْلَفَ فِيهِ وَأَنَّ هَذَا لاَ يَجُوزُ فِي السَّلَفِ أَنْ أَقُولَ أُسَلِّفُك فِي ثَمَرِ نَخْلَةٍ جَيِّدَةٍ مِنْ خَيْرِ النَّخْلِ حِمْلاً أَوْ أَقَلَّهُ أَوْ أَوْسَطَهُ مِنْ قِبَلِ أَنْ حِمْلَ النَّخْلُ يَخْتَلِفُ مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ مِنْ السِّنِينَ فَيَكُونُ فِي سَنَةٍ أَحْمَلَ مِنْهُ فِي الْأُخْرَى مِنْ الْعَطَشِ وَمِنْ شَيْءٍ لاَ يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَكُونُ بَعْضُهَا مُخِفًّا وَبَعْضُهَا مُوقِرًا فَلَمَّا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالِفًا فِي أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْجُزَافَ وَالْعَيْنَ غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ أَكْثَرُ مِنْ الصِّفَةِ وَيَرُدُّونَهُ فِي السَّلَفِ فَفَرَّقُوا بَيْنَ حُكْمِهِمَا وَأَجَازُوا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ أَنْ يَكُونَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي بَيْعِ السَّلَفِ الْمُؤَجَّلِ أَنْ يَكُونَ كَانَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ كَمَا لاَ يَكُونُ الْمَبِيعُ الْمُؤَجَّلُ إلَّا مَعْلُومًا بِمَا يُعْلَمُ بِهِ مِثْلُهُ مِنْ صِفَةٍ وَكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا اُبْتِيعَ بِهِ مَعْرُوفًا بِصِفَةٍ وَكَيْلٍ وَوَزْنٍ فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَعْرُوفًا كَمَا كَانَ الْمَبِيعُ مَعْرُوفًا، وَلاَ يَكُونُ السَّلَمُ مَجْهُولَ الصِّفَةِ وَالْوَزْنِ فِي مَغِيبٍ لَمْ يُرَ فَيَكُونُ مَجْهُولاً بِدَيْنٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ السَّلَفَ إنْ انْتَقَضَ عَرَفَ الْمُسَلِّفُ رَأْسَ مَالِهِ وَيَكُونُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ بِمَعْلُومِ الصِّفَةِ، وَلاَ يَكُونُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ بِمَعْلُومِ الصِّفَةِ عَيْنًا مَجْهُولاً، وَلاَ يَكُونُ مَعْلُومُ الصِّفَةِ عَيْنًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ نَجِدُ خِلاَفَ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مَذْهَبًا مُحْتَمَلاً، وَإِنْ كُنَّا قَدْ اخْتَرْنَا مَا وَصَفْنَا وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنَّ بَيْعَ الْجُزَافِ إنَّمَا جَازَ إذَا عَايَنَهُ الْمُجَازِفُ فَكَانَ عِيَانُ الْمُجَازِفِ مِثْلَ الصِّفَةِ فِيمَا غَابَ أَوْ أَكْثَرَ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُبْتَاعَ ثَمَرُ حَائِطٍ جُزَافًا بِدَيْنٍ، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ إلَّا مَوْصُوفًا إذَا كَانَ غَائِبًا فَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ حَاضِرًا جُزَافًا كَالْمَوْصُوفِ غَائِبًا‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ الْآخَرَ انْبَغَى أَنْ يُجِيزَ السَّلَفَ جُزَافًا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَكُلِّ شَيْءٍ وَيَقُولَ إنْ انْتَقَضَ السَّلَفُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا يَشْتَرِي الدَّارَ بِعَيْنِهَا بِثَمَرِ حَائِطٍ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الثَّمَنِ قَوْلَ الْبَائِعِ وَمَنْ قَالَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي أَنْ لاَ يَجُوزَ فِي السَّلَفِ إلَّا مَا كَانَ مَقْبُوضًا مَوْصُوفًا كَمَا يُوصَفُ مَا سَلَّفَ فِيهِ غَائِبًا قَالَ مَا وَصَفْنَا‏.‏

قال‏:‏ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ الْقَوْلَيْنِ إلَيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَقِيَاسُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَرْت أَنْ لاَ يُسَلَّفَ مِائَةُ دِينَارٍ فِي مِائَةِ صَاعِ حِنْطَةٍ وَمِائَةِ صَاعِ تَمْرٍ مَوْصُوفَيْنِ إلَّا أَنْ يُسَمَّى رَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ وَلَيْسَ ثَمَنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْرُوفًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ سَلَّفَ مِائَتَيْ صَاعِ حِنْطَةٍ مِائَةٌ بَيْنَهُمَا إلَى شَهْرِ كَذَا وَمِائَةٌ إلَى شَهْرٍ مُسَمًّى بَعْدَهُ لَمْ يَجُزْ فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا عَلَى حِدَتِهِ وَأَنَّهُمَا إذَا أُقِيمَا كَانَتْ مِائَةُ صَاعٍ أَقْرَبَ أَجَلاً مِنْ مِائَةِ صَاعٍ أَبْعَدَ أَجَلاً مِنْهَا أَكْثَرَ فِي الْقِيمَةِ وَانْعَقَدَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى مِائَتَيْ صَاعٍ لَيْسَتْ تُعْرَفُ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ أَجَازَهُ غَيْرُنَا وَهُوَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مَا وَصَفْنَا وَأَنَّهُ إنْ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ يَوْمٍ يَتَبَايَعَانِ قَوَّمَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ عَلَى بَائِعِهِ دَفْعُهُ وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ مَا وَجَبَ دَفْعُهُ وَهَذَا لَمْ يَجِبْ دَفْعُهُ فَقَدْ انْعَقَدَتْ الصَّفْقَةُ وَهُوَ غَيْرُهُ مَعْلُومٌ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَنْ تُسْلَفَ أَبَدًا فِي شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلاَ أَكْثَرَ إذَا سَمَّيْتَ رَأْسَ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ وَأَجَلَهُ حَتَّى يَكُونَ صَفْقَةً جَمَعَتْ بُيُوعًا مُخْتَلِفَةً‏.‏

قال‏:‏ فَإِنْ فَعَلَ فَأَسْلَفَ مِائَةَ دِينَارٍ فِي مِائَتَيْ صَاعِ حِنْطَةٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ بِسِتِّينَ دِينَارًا إلَى كَذَا وَأَرْبَعُونَ فِي مِائَةِ صَاعٍ تَحِلُّ فِي شَهْرِ كَذَا جَازَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ صَفْقَةً فَإِنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى بَيْعَتَيْنِ مَعْلُومَتَيْنِ بِثَمَنَيْنِ مَعْلُومَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِبُيُوعِ الْأَعْيَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَوْ ابْتَاعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ مِائَةَ صَاعٍ حِنْطَةً وَمِائَةَ صَاعٍ تَمْرًا وَمِائَةَ صَاعِ جُلْجُلاَنَ وَمِائَةَ صَاعِ بُلْسُنٍ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُ ثَمَنَهُ وَكَانَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ مِنْ الْمِائَةِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فِي كَيْلٍ فَيَأْخُذَ بِالْكَيْلِ وَزْنًا، وَلاَ فِي وَزْنٍ فَيَأْخُذَ بِالْوَزْنِ كَيْلاً؛ لِأَنَّكَ تَأْخُذُ مَا لَيْسَ بِحَقِّك إمَّا أَنْقَصُ مِنْهُ وَإِمَّا أَزْيَدُ لِاخْتِلاَفِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ عِنْدَمَا يَدْخُلُ فِي الْمِكْيَالِ وَثِقَلِهِ فَمَعْنَى الْكَيْلِ مُخَالِفٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى الْوَزْنَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَكَذَا إنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي ثَوْبَيْنِ أَحَدُهَا هَرَوِيٌّ وَالْآخَرُ مَرْوِيٌّ مَوْصُوفَيْنِ لَمْ يَجُزْ السَّلَفُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُسَمَّى رَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ ثَوْبَيْنِ مَرْوِيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لاَ يَسْتَوِيَانِ لَيْسَ هَذَا كَالْحِنْطَةِ صِنْفًا، وَلاَ كَالتَّمْرِ صِنْفًا؛ لِأَنَّ هَذَا لاَ يَتَبَايَنُ وَأَنَّ بَعْضَهُ مِثْلُ بَعْضٍ وَلَكِنْ لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَتَيْنِ سَمْرَاءَ وَمَحْمُولَةٍ مَكِيلَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَ رَأْسَ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَبَايَنَانِ‏.‏

باب جِمَاعِ مَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَفُ وَمَا لاَ يَجُوزُ وَالْكَيْلُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَأَصْلُ مَا بَنَيْتُ عَلَيْهِ فِي السَّلَفِ وَفَرَّقْت بَيْنَهُ دَاخِلٌ فِي نَصِّ السُّنَّةِ وَدَلاَلَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَمَرَ بِالسَّلَفِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ فَمَوْجُودٌ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَا أَذِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَكُونُ عِلْمُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي صِفَتِهِ سَوَاءً‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا وَقَعَ السَّلَفُ عَلَى هَذَا جَازَ، وَإِذَا اخْتَلَفَ عِلْمُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْ كَانَ مِمَّا لاَ يُحَاطُ بِصِفَتِهِ‏:‏ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى مَا أَذِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا تَبَايُعُ النَّاسِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ عَلَى مَعْنَى مَا وَصَفْت بَيِّنٌ أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمِيزَانَ يُؤَدِّي مَا اُبْتِيعَ مَعْلُومًا وَالْمِكْيَالُ مَعْلُومٌ كَذَلِكَ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ وَأَنَّ مَا كِيلَ ثُمَّ مَلاََ الْمِكْيَالَ كُلَّهُ وَلَمْ يَتَجَافَ فِيهِ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ يَمْلاَُ الْمِكْيَالَ وَمِنْ الْمِكْيَالِ شَيْءٌ فَارِغٌ جَازَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُكَالَ مَا يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ حَتَّى يَكُونَ الْمِكْيَالُ يُرَى مُمْتَلِئًا وَبَطْنُهُ غَيْرُ مُمْتَلِئٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمِكْيَالِ مَعْنًى وَهَذَا مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ التَّجَافِيَ يَخْتَلِفُ فِيهَا يَقِلُّ وَيَكْثُرُ فَيَكُونُ مَجْهُولاً عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْبَيْعُ فِي السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولاً عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يَجُزْ بِأَنْ يَجْهَلَهُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَمْ يَجُزْ بِأَنْ يَجْهَلاَهُ مَعًا‏.‏

قال‏:‏ وَمَوْجُودٌ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ نَهَاهُمْ عَنْ السَّلَفِ إلَّا بِكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ كَمَا وَصَفْت قَبْلَ هَذَا وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَلِّفُونَ فِي التَّمْرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالتَّمْرُ يَكُونُ رُطَبًا وَالرُّطَبُ لاَ يَكُونُ فِي السَّنَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا مَوْجُودًا وَإِنَّمَا يُوجَدُ فِي حِينٍ مِنْ السَّنَةِ دُونَ حِينٍ وَإِنَّمَا أَجَزْنَا السَّلَفَ فِي الرُّطَبِ فِي غَيْرِ حِينِهِ إذَا تَشَارَطَا أَخْذَهُ فِي حِينٍ يَكُونُ فِيهِ مَوْجُودًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ السَّلَفَ فِي السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثِ مَوْصُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ أَنْ يَكُونَ إلَّا بِكَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَجَلٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ فِي السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي السَّنَةِ وَالسَّنَتَيْنِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي أَكْثَرِ مُدَّتِهِمَا، وَلاَ يُسَلِّفُ فِي قَبْضَةٍ، وَلاَ مُدٍّ مِنْ رُطَبٍ مِنْ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ إلَى يَوْمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَأْتِي عَلَيْهِ الْآفَةُ، وَلاَ يُوجَدُ فِي يَوْمٍ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ فِي أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَإِنَّمَا السَّلَفُ فِيمَا كَانَ مَأْمُونًا وَسَوَاءٌ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَلَوْ أَجَزْت هَذَا فِي مُدِّ رُطَبٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَائِطٍ بِعَيْنِهِ أَجَزْته فِي أَلْفِ صَاعٍ إذَا كَانَ يُحْمَلُ مِثْلُهَا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي هَذَا‏.‏

باب السَّلَفِ فِي الْكَيْلِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ لاَ دَقَّ، وَلاَ رَذْمَ، وَلاَ زَلْزَلَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مَنْ سَلَّفَ فِي كَيْلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدُقَّ مَا فِي الْمِكْيَالِ، وَلاَ يُزَلْزِلُهُ، وَلاَ يُكْنِفُ بِيَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ فَلَهُ مَا أَخَذَ الْمِكْيَالُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّفَ فِي كَيْلِ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ فِي الْمِكْيَالِ مِثْلُ مَا تَخْتَلِفُ خِلْقَتُهُ وَيَعْظُمُ وَيَصْلُبُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْقَى فِيمَا بُيِّنَ لَك خَوَاءً لاَ شَيْءَ فِيهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لاَ يَدْرِي كَمْ أَعْطِي وَكَمْ أَخَذَ إنَّمَا الْمِكْيَالُ لَيُمْلاَُ وَمَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يُسَلِّفْ فِيهِ إلَّا وَزْنًا، وَلاَ يُبَاعُ أَيْضًا إذَا كَانَ هَكَذَا كَيْلاً بِحَالٍ؛ لِأَنَّ هَذَا إذَا بِيعَ كَيْلاً لَمْ يُسْتَوْفَ الْمِكْيَالُ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِي كَيْلٍ بِمِكْيَالٍ قَدْ عُطِّلَ وَتُرِكَ إذَا كَانَ مَعْرِفَتُهُ عَامَّةً عِنْدَ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ يُوجَدُ عَدْلاَنِ يَعْرِفَانِهِ أَوْ أَرَاهُ مِكْيَالاً فَقَالَ تَكِيلُ لِي بِهِ لَمْ يَجُزْ السَّلَفُ فِيهِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمِيزَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَهْلِكُ، وَلاَ يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَيَخْتَلِفَانِ فِيهِ فَيَفْسُدُ السَّلَفُ فِيهِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَفْسَدَ السَّلَمَ فِي هَذَا وَأَجَازَهُ فِي أَنْ يُسَلَّفَ الشَّيْءُ جُزَافًا وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَلاَ خَبَرَ فِي السَّلَفِ فِي مَكِيلٍ إلَّا مَوْصُوفًا كَمَا وَصَفْنَا فِي صِفَاتِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ‏.‏

باب السَّلَفِ فِي الْحِنْطَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ السَّلَفُ فِي الْبُلْدَانِ كُلِّهَا سَوَاءٌ، قَلَّ طَعَامُ الْبُلْدَانِ أَوْ كَثُرَ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي يُسَلِّفُ فِيهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ لاَ يَخْتَلِفُ، وَوَصَفَ الْحِنْطَةَ فَقَالَ مَحْمُولَةٌ أَوْ مُوَلَّدَةٌ أَوْ بُوزَنْجَانِيَّةٌ وَجَيِّدَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ مِنْ صِرَامِ عَامِهَا أَوْ مِنْ صِرَامِ عَامٍ أَوَّلَ وَيُسَمِّي سَنَتَهُ وَصِفَاتِهِ جَازَ السَّلَفُ، وَإِنْ تَرَكَ مِنْ هَذَا شَيْئًا لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ اخْتِلاَفِهَا وَقِدَمِهَا وَحَدَاثَتِهَا وَصَفَائِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَصِفُ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَقْبِضُهَا فِيهِ وَالْأَجَلَ الَّذِي يَقْبِضُهَا إلَيْهِ فَإِنْ تَرَكَ مِنْ هَذَا شَيْئًا لَمْ يَجُزْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَالَ غَيْرُنَا إنْ تَرَكَ صِفَةَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْبِضُهَا فِيهِ فَلاَ بَأْسَ وَيَقْبِضُهَا حَيْثُ أَسْلَفَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ يُسَلِّفُهُ فِي سَفَرٍ فِي بَلْدَةٍ لَيْسَتْ بِدَارِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلاَ قُرْبُهَا طَعَامٌ فَلَوْ يُكَلَّفُ الْحِمْلَ إلَيْهَا أَضَرَّ بِهِ وَبِاَلَّذِي سَلَّفَهُ وَيُسَلِّفُهُ فِي سَفَرٍ فِي بَحْرٍ‏.‏

قال‏:‏ وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِمْلِهِ مُؤْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يَدَعَ شَرْطَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُوَفِّيهِ إيَّاهُ فِيهِ كَمَا قُلْت فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ لِمَا وَصَفْت، وَإِذَا سَلَّفَ فِي حِنْطَةٍ بِكَيْلٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ إيَّاهَا نَقِيَّةً مِنْ التِّبْنِ وَالْقَصْلِ وَالْمَدَرِ وَالْحَصَى وَالزُّوَانِ وَالشَّعِيرِ وَمَا خَالَطَهَا مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّا لَوْ قَضَيْنَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَفِيهَا مِنْ هَذَا شَيْءٌ كُنَّا لَمْ نُوَفِّهِ مَكِيلَهُ قِسْطَهُ حِينَ خَلَطَهَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ لَهُ مَوْقِعًا مِنْ مِكْيَالٍ فَكَانَ لَوْ أُجْبِرَ عَلَى أَخْذِ هَذَا أُجْبِرَ عَلَى أَخْذِ أَقَلَّ مِنْ طَعَامِهِ بِأَمْرٍ لاَ يَعْرِفُهُ وَمَكِيلَةٍ لَمْ يُسَلَّفْ فِيهَا مِنْ هَذَا لاَ يَعْرِفُهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَأْخُذُ شَيْئًا مِمَّا أَسْلَفَ فِيهِ مُتَعَيَّبًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَسُوسٍ، وَلاَ مَا أَصَابَهُ، وَلاَ غَيَّرَهُ، وَلاَ مِمَّا إذَا رَآهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ قَالُوا هَذَا عَيْبٌ فِيهِ‏.‏

باب السَّلَفِ فِي الذُّرَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَالذُّرَةُ كَالْحِنْطَةِ تُوصَفُ بِجِنْسِهَا وَلَوْنِهَا وَجَوْدَتِهَا وَرَدَاءَتِهَا وَجِدَّتِهَا وَعِتْقِهَا وَصِرَامِ عَامِ كَذَا أَوْ عَامِ كَذَا وَمَكِيلَتِهَا وَأَجَلِهَا فَإِنْ تَرَكَ مِنْ هَذَا شَيْئًا لَمْ يَجُزْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ تُدْفَنُ الذُّرَةُ، وَبَعْضُ الدَّفْنِ عَيْبٌ لَهَا فَمَا كَانَ مِنْهُ لَهَا عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُبْتَاعِ وَكَذَلِكَ كُلُّ عَيْبٍ لَهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ ذُرَةً بَرِيئَةً نَقِيَّةً مِنْ حَشَرِهَا إذَا كَانَ الْحَشَرُ عَلَيْهَا كَمَا كِمَامُ الْحِنْطَةِ عَلَيْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا كَانَ مِنْهَا إلَى الْحُمْرَةِ مَا هُوَ بِالْحُمْرَةِ لَوْنٌ لِأَعْلاَهُ كَلَوْنِ أَعْلَى التُّفَّاحِ وَالْأَرُزِّ وَلَيْسَ بِقِشْرَةٍ عَلَيْهِ تُطْرَحُ عَنْهُ لاَ كَمَا تُطْرَحُ نُخَالَةُ الْحِنْطَةِ بَعْدَ الطَّحْنِ، فَأَمَّا قَبْلَ الطَّحْنِ وَالْهَرْسِ فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى طَرْحِهَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا لاَ يَجُوزُ السَّلَفُ فِي الْحِنْطَةِ فِي أَكْمَامِهَا وَمَا كَانَ مِنْ الذُّرَةِ فِي حَشَرِهَا؛ لِأَنَّ الْحَشَرَ وَالْأَكْمَامَ غِلاَفَانِ فَوْقَ الْقِشْرَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ نَفْسِ الْحَبَّةِ الَّتِي هِيَ إنَّمَا هِيَ لِلْحَبَّةِ كَمَا هِيَ مِنْ خِلْقَتِهَا لاَ تَتَمَيَّزُ مَا كَانَتْ الْحَبَّةُ قَائِمَةً إلَّا بِطَحْنٍ أَوْ هَرْسٍ فَإِذَا طُرِحَتْ بِهَرْسٍ لَمْ يَكُنْ لِلْحَبَّةِ بَقَاءٌ؛ لِأَنَّهَا كَمَالُ خِلْقَتِهَا كَالْجِلْدِ تَكْمُلُ بِهِ الْخِلْقَةُ لاَ يَتَمَيَّزُ مِنْهَا وَالْأَكْمَامُ وَالْحَشَرُ يَتَمَيَّزُ، وَيَبْقَى الْحَبُّ بِحَالِهِ لاَ يَضُرُّ بِهِ طَرْحُ ذَلِكَ عَنْهُ‏.‏

قال‏:‏ فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ بِأَنْ يَقُولَ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقِشْرُ‏:‏ فَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ مِمَّا لَهُ قِشْرٌ لاَ صَلاَحَ لَهُ إذَا رُفِعَ إلَّا بِقِشْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طُرِحَ عَنْهُ قِشْرُهُ ثُمَّ تُرِكَ عُجِّلَ فَسَادُهُ وَالْحَبُّ يُطْرَحُ قِشْرُهُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ خِلْقَتِهِ فَيَبْقَى لاَ يَفْسُدُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْقَوْلُ فِي الشَّعِيرِ كَهُوَ فِي الذُّرَةِ تُطْرَحُ عَنْهُ أَكْمَامُهُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ كَقِشْرِ حَبَّةِ الْحِنْطَةِ الْمَطْرُوحِ عَنْهَا أَكْمَامُهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ بِقِشْرِهِ اللَّازِمِ لِخِلْقَتِهِ كَمَا يَجُوزُ فِي الْحِنْطَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُوصَفُ الشَّعِيرُ كَمَا تُوصَفُ الذُّرَةُ وَالْحِنْطَةُ‏:‏ إذَا اخْتَلَفَ أَجْنَاسُهُ وَيُوصَفُ كُلُّ جِنْسٍ مِنْ الْحَبِّ بِبَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ حَبُّهُ مُخْتَلِفًا فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وُصِفَ بِالدِّقَّةِ وَالْحَدَارَةِ لِاخْتِلاَفِ الدِّقَّةِ وَالْحَدَارَةِ حَتَّى يَكُونَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ إنْ تُرِكَتْ أَفْسَدَتْ السَّلَفَ وَذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الْجَوْدَةِ يَقَعُ عَلَيْهِ وَهُوَ دَقِيقٌ وَيَقَعُ عَلَيْهِ وَهُوَ حَادِرٌ وَيَخْتَلِفُ فِي حَالَيْهِ فَيَكُونُ الدَّقِيقُ أَقَلَّ ثَمَنًا مِنْ الْحَادِرِ‏.‏

باب الْعَلَسِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ الْعَلَسُ صِنْفٌ مِنْ الْحِنْطَةِ يَكُونُ فِيهِ حَبَّتَانِ فِي كِمَامٍ فَيُتْرَكُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَبْقَى لَهُ حَتَّى يُرَادَ اسْتِعْمَالُهُ لِيُؤْكَلَ فَيُلْقَى فِي رَحًى خَفِيفَةٍ فَيُلْقَى عَنْهُ كِمَامُهُ وَيَصِيرُ حَبًّا صَحِيحًا ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْحِنْطَةِ فِي أَكْمَامِهَا لاَ يَجُوزُ السَّلَفُ فِيهِ إلَّا مُلْقًى عَنْهُ كِمَامُهُ بِخَصْلَتَيْنِ اخْتِلاَفِ الْكِمَامِ وَتَغَيُّبِ الْحَبِّ فَلاَ يُعْرَفُ بِصِفَةٍ وَالْقَوْلُ فِي صِفَاتِهِ وَأَجْنَاسِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ وحدارته وَدِقَّتُهُ كَالْقَوْلِ فِي الْحِنْطَةِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ يَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِيهَا وَيُرَدُّ مِنْهُ مَا يُرَدُّ مِنْهَا‏.‏

باب الْقُطْنِيَّةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ كَيْلٌ فِي أَكْمَامِهِ حَتَّى تُطْرَحَ فَيُرَى، وَلاَ يَجُوزُ حَتَّى يُسَمَّى حِمَّصًا أَوْ عَدَسًا أَوْ جُلُبَّانًا أَوْ مَاشًا وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ وُصِفَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُ بِاسْمِهِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ جِنْسُهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَيَجُوزُ فِيهِ مَا جَازَ فِيهَا وَيُرَدُّ مِنْهُ مَا رُدَّ مِنْهَا وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ مِنْ الْحُبُوبِ أَرُزٍّ أَوْ دُخْنٍ أَوْ سُلْتٍ أَوْ غَيْرِهِ يُوصَفُ كَمَا تُوصَفُ الْحِنْطَةُ وَيُطْرَحُ عَنْهُ كِمَامُهُ وَمَا جَازَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ جَازَ فِيهَا وَمَا اُنْتُقِضَ فِيهَا اُنْتُقِضَ فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ الْحُبُوبِ صِنْفٌ بِمَا يَدْخُلُهَا مِمَّا يُفْسِدُهَا أَوْ يَجْبُرُهَا، وَقُشُورُهُ عَلَيْهِ كَقُشُورِ الْحِنْطَةِ عَلَيْهَا يُبَاعُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْقُشُورَ لَيْسَتْ بِأَكْمَامٍ‏.‏

باب السَّلَفِ فِي الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَالْقَوْلُ فِي التَّمْرِ كَالْقَوْلِ فِي الْحُبُوبِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّفَ فِي تَمْرٍ حَتَّى يَصِفَهُ بَرْنِيًّا أَوْ عَجْوَةً أَوْ صَيْحَانِيًّا أَوْ بُرْدِيًّا، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فِي الْبُلْدَانِ فَتَبَايَنَتْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَلِّفَ فِيهَا حَتَّى يَقُولَ مِنْ بُرْدِيِّ بِلاَدِ كَذَا أَوْ مِنْ عَجْوَةِ بِلاَدِ كَذَا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمِّيَ بَلَدًا إلَّا بَلَدًا مِنْ الدُّنْيَا ضَخْمًا وَاسِعًا كَثِيرَ النَّبَاتِ الَّذِي يَسْلَمُ فِيهِ يُؤْمَنُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تَأْتِيَ الْآفَةُ عَلَيْهِ كُلِّهِ فَتَنْقَطِعُ ثَمَرَتُهُ فِي الْجَدِيدِ إنْ اُشْتُرِطَ جَدِيدُهُ أَوْ رُطَبُهُ إذَا سُلِّفَ فِي رُطَبِهِ‏.‏

قال‏:‏ وَيُوصَفُ فِيهِ حَادِرًا أَوْ عَبْلاً وَدَقِيقًا وَجَيِّدًا وَرَدِيئًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ اسْمُ الْجَوْدَةِ عَلَى مَا فِيهِ الدِّقَّةُ وَعَلَى مَا هُوَ أَجْوَدُ مِنْهُ وَيَقَعُ اسْمُ الرَّدَاءَةِ عَلَى الْحَادِرِ فَمَعْنَى رَدَاءَتِهِ غَيْرُ الدِّقَّةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا سَلَّفَ فِي تَمْرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا جَافًّا؛ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ تَمْرًا حَتَّى يَجِفَّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ تَمْرًا مَعِيبًا وَعَلاَمَةُ الْعَيْبِ أَنْ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِهِ فَيَقُولُونَ هَذَا عَيْبٌ فِيهِ، وَلاَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ حَشَفَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا مَعِيبَةٌ وَهِيَ نَقْصٌ مِنْ مَالِهِ، وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مُسْتَحْشَفِهِ وَمَا عَطِشَ وَأَضَرَّ بِهِ الْعَطَشُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ عَيْبٌ فِيهِ وَلَوْ سَلَّفَ فِيهِ رُطَبًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ فِي الرُّطَبِ يُسْرًا، وَلاَ مُذَنِّبًا، وَلاَ يَأْخُذُ إلَّا مَا أَرْطَبَ كُلُّهُ، وَلاَ يَأْخُذُ مِمَّا أَرْطَبَ كُلُّهُ مُشَدَّخًا، وَلاَ قَدِيمًا قَدْ قَارَبَ أَنْ يُثْمِرَ، أَوْ يَتَغَيَّرَ؛ لِأَنَّ هَذَا إمَّا غَيَّرَ الرُّطَبَ وَإِمَّا عَيَّبَ الرُّطَبَ وَهَكَذَا أَصْنَافُ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ كُلِّهِ وَأَصْنَافُ الْعِنَبِ وَكُلُّ مَا أَسْلَمَ فِيهِ رُطَبًا أَوْ يَابِسًا مِنْ الْفَاكِهَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَصْلُحُ السَّلَفُ فِي الطَّعَامِ إلَّا فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَأَمَّا فِي عَدَدٍ فَلاَ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِي التِّينِ يَابِسًا وَفِي الْفِرْسِكِ يَابِسًا وَفِي جَمِيعِ مَا يَيْبَسُ مِنْ الْفَاكِهَةِ يَابِسًا بِكَيْلٍ كَمَا يُسَلِّفُ فِي التَّمْرِ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِيمَا كِيلَ مِنْهُ رُطَبًا كَمَا يُسْلِمُ فِي الرُّطَبِ وَالْقَوْلُ فِي صِفَاتِهِ وَتَسْمِيَتِهِ وَأَجْنَاسِهِ كَالْقَوْلِ فِي الرُّطَبِ سَوَاءٌ لاَ يَخْتَلِفُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ بَعْضُ لَوْنِهِ خَيْرٌ مِنْ بَعْضٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُوصَفَ اللَّوْنُ كَمَا لاَ يَجُوزُ فِي الرَّقِيقِ إلَّا صِفَةُ الْأَلْوَانِ‏.‏

قال‏:‏ وَكُلُّ شَيْءٍ اخْتَلَفَ فِيهِ جِنْسٌ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمَأْكُولَةِ فَتَفَاضَلَ بِالْأَلْوَانِ أَوْ بِالْعِظَمِ لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا أَنْ يُوصَفَ بِلَوْنِهِ وَعِظَمِهِ فَإِنْ تُرِكَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَذَلِكَ أَنَّ اسْمَ الْجَوْدَةِ يَقَعُ عَلَى مَا يَدُقُّ وَيَعْظُمُ مِنْهُ وَيَقَعُ عَلَى أَبْيَضِهِ وَأَسْوَدِهِ وَرُبَّمَا كَانَ أَسْوَدُهُ خَيْرًا مِنْ أَبْيَضِهِ وَأَبْيَضُهُ خَيْرٌ مِنْ أَسْوَدِهِ وَكُلُّ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ يَجْتَمِعُ فِي أَكْثَرِ مَعَانِيهِ وَقَلِيلٌ مَا يُبَايِنُ بِهِ جُمْلَتَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ فِي جِنْسٍ مِنْ التَّمْرِ فَأُعْطِيَ أَجْوَدَ مِنْهُ أَوْ أَرْدَأَ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ لاَ إبْطَالَ لِلشَّرْطِ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا قَضَاءٌ لاَ بَيْعٌ وَلَكِنْ لَوْ أُعْطِيَ مَكَانَ التَّمْرِ حِنْطَةً أَوْ غَيْرَ التَّمْرِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ الصِّنْفِ الَّذِي لَهُ فَهَذَا بَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْ، بَيْعُ التَّمْرِ بِالْحِنْطَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي السَّلَفِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَأْكُولِ عَدَدًا؛ لِأَنَّهُ لاَ يُحَاطُ فِيهِ بِصِفَةٍ كَمَا يُحَاطُ فِي الْحَيَوَانِ بِسِنٍّ وَصِفَةٍ وَكَمَا يُحَاطُ فِي الثِّيَابِ بِذَرْعٍ وَصِفَةٍ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسْلِمَ فِيهِ كُلِّهِ بِصِفَةٍ وَوَزْنٍ فَيَكُونُ الْوَزْنُ فِيهِ يَأْتِي عَلَى مَا يَأْتِي عَلَيْهِ الذَّرْعُ فِي الثَّوْبِ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِي صِنْفٍ مِنْ الْخِرْبِزِ بِعَيْنِهِ وَيُسَمِّي مِنْهُ عِظَامًا أَوْ صِغَارًا أَوْ خِرْبِزَ بَلَدٍ وَزْنَ كَذَا وَكَذَا، فَمَا دَخَلَ الْمِيزَانُ فِيهِ مِنْ عَدَدِ ذَلِكَ لَمْ يُنْظَرْ فِيهِ إلَى الْعَدَدِ إذَا وَقَعَتْ عَلَى مَا يَدْخُلُ الْمِيزَانَ أَقَلُّ الصِّفَةِ وَنُظِرَ إلَى الْوَزْنِ كَمَا لاَ يُنْظَرُ فِي مَوْزُونٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَى عَدَدٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي عِظَامِهِ وَصِغَارِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْعِظَمِ وَأَقَلَّ مَا يَقَعُ اسْمُ صِفَتِهِ ثُمَّ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْهُ مَوْزُونًا وَهَكَذَا السَّفَرْجَلُ وَالْقِثَّاءُ وَالْفِرْسِكُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَبِيعُهُ النَّاسُ عَدَدًا وَجُزَافًا فِي أَوْعِيَتِهِ لاَ يَصْلُحُ السَّلَفُ فِيهِ إلَّا مَوْزُونًا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ فِي الْمِكْيَالِ وَمَا اخْتَلَفَ فِي الْمِكْيَالِ حَتَّى يَبْقَى مِنْ الْمِكْيَالِ شَيْءٌ فَارِغٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ لَمْ يُسَلِّفْ فِيهِ كَيْلاً‏.‏

قال‏:‏ وَإِنْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْنَافُ مَا سَلَّفَ مِنْ قِثَّاءٍ وَخِرْبِزٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا لاَ يُكَالُ سُمِّيَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهِ وَبِصِفَتِهِ لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَالسَّلَفُ فَاسِدٌ وَالْقَوْلُ فِي إفْسَادِهِ وَإِجَازَتِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ كَالْقَوْلِ فِيمَا وَصَفْنَا قَبْلَهُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

باب جِمَاعِ السَّلَفِ فِي الْوَزْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَالْمِيزَانُ مُخَالِفٌ لِلْمِكْيَالِ فِي بَعْضِ مَعَانِيهِ وَالْمِيزَانُ أَقْرَبُ مِنْ الْإِحَاطَةِ‏.‏ وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ الْمِكْيَالِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَجَافَى وَلَمْ يَتَجَافَ فِي الْمِيزَانِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ فِيهِ كُلِّهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ بِوَزْنِهِ وَالْمُتَجَافِي فِي الْمِكْيَالِ يَتَبَايَنُ تَبَايُنًا بَيِّنًا فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا وُزِنَ اخْتِلاَفٌ فِي الْوَزْنِ يُرَدُّ بِهِ السَّلَفُ مِنْ قِبَلِ اخْتِلاَفِهِ فِي الْوَزْنِ كَمَا يَكُونُ فِيمَا وَصَفْنَا مِنْ الْكَيْلِ، وَلاَ يَفْسُدُ شَيْءٌ مِمَّا سَلَّفَ فِيهِ وَزْنًا مَعْلُومًا إلَّا مِنْ قِبَلِ غَيْرِ الْوَزْنِ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِي شَيْءٍ وَزْنًا، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ كَيْلاً، وَلاَ فِي شَيْءٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا إذَا كَانَ مِمَّا لاَ يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ مِثْلُ الزَّيْتِ الَّذِي هُوَ ذَائِبٌ إنْ كَانَ يُبَاعُ بِالْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ بَعْدِهِ وَزْنًا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ فِيهِ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ كَيْلاً فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ فِيهِ وَزْنًا وَمِثْلَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْإِدَامِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ كَانَ يُبَاعُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قُلْنَا اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الَّذِي أَدْرَكْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ بِهِ عَلَيْهِ فَأَمَّا مَا قَلَّ مِنْهُ فَيُبَاعُ كَيْلاً وَالْجُمْلَةُ الْكَثِيرَةُ تُبَاعُ وَزْنًا وَدَلاَلَةُ الْأَخْبَارِ عَلَى مِثْلِ مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه‏:‏ لاَ آكُلُ سَمْنًا مَا دَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ وَتُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ تَكُونَ كَيْلاً، وَلاَ يَفْسُدُ السَّلَفُ الصَّحِيحُ الْعَقْدَ فِي الْوَزْنِ إلَّا مِنْ قِبَلِ الصِّفَةِ فَإِنْ كَانَتْ الصِّفَةُ لاَ تَقَعُ عَلَيْهِ وَكَانَ إذَا اخْتَلَفَ صِفَاتُهُ تَبَايَنَتْ جَوْدَتُهُ وَاخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَمَا كَانَ مَجْهُولاً عِنْدَهُمْ لَمْ يَجُزْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ سَلَّفَ فِي وَزْنٍ ثُمَّ أَرَادَ إعْطَاءَهُ كَيْلاً لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ خَفِيفًا وَيَكُونُ غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ أَثْقَلَ مِنْهُ فَإِذَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ بِالْمِكْيَالِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا سَلَّفَهُ فِيهِ فَكَانَ أَعْطَاهُ الطَّعَامَ الْوَاجِبَ مِنْ الطَّعَامِ الْوَاجِبِ مُتَفَاضِلاً أَوْ مَجْهُولاً وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَعْلُومًا فَإِنْ أَعْطَاهُ حَقَّهُ فَذَلِكَ الَّذِي لاَ يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ حَقَّهُ وَزَادَهُ تَطَوُّعًا مِنْهُ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ كَانَ فِي الْعَقْدِ فَهَذَا نَائِلٌ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ وَأَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ فَهَذَا شَيْءٌ تَطَوَّعَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلاَ بَأْسَ بِهِ، فَأَمَّا أَنْ لاَ يَعْمِدَا تَفَضُّلاً وَيَتَجَازَفَا مَكَانَ الْكَيْلِ يَتَجَازَفَانِ وَزْنًا، فَإِذَا جَازَ هَذَا جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَيْضًا جُزَافًا، وَفَاءً مِنْ كَيْلٍ لاَ عَنْ طِيبِ أَنْفُسٍ مِنْهُمَا عَنْ فَضْلٍ عَرَفَهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ‏.‏

الْوَزْنُ مِنْ الْعَسَلِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ أَقَلُّ مَا يَجُوزُ بِهِ السَّلَفُ فِي الْعَسَلِ أَنْ يُسَلِّفَ الْمُسَلِّفُ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ جَدِيدًا وَيَقُولُ عَسَلُ وَقْتِ كَذَا، لِلْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ فَيَكُونُ يَعْرِفُ يَوْمَ يَقْبِضُهُ جِدَّتَهُ مِنْ قِدَمِهِ وَجِنْسَ كَذَا وَكَذَا مِنْهُ‏.‏

قال‏:‏ وَالصِّفَةُ أَنْ يَقُولَ عَسَلٌ صَافٍ أَبْيَضُ مِنْ عَسَلِ بَلَدِ كَذَا أَوْ رَدِيءٌ‏.‏

قال‏:‏ وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ فِي الْعَسَلِ صَافِيًا جَازَ عِنْدِي مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ عَسَلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ شَمْعًا فِي الْعَسَلِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَسَلاً وَالْعَسَلَ الصَّافِيَ، وَالصَّافِي وَجْهَانِ صَافٍ مِنْ الشَّمْعِ وَصَافٍ فِي اللَّوْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ سَلَّفَ فِي عَسَلٍ صَافٍ فَأَتَى بِعَسَلٍ قَدْ صُفِّيَ بِالنَّارِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ النَّارَ تُغَيِّرُ طَعْمَهُ فَيَنْقُصُ ثَمَنُهُ وَلَكِنْ يُصَفِّيهِ لَهُ بِغَيْرِ نَارٍ فَإِنْ جَاءَهُ بِعَسَلٍ غَيْرِ صَافِي اللَّوْنِ فَذَلِكَ عَيْبٌ فِيهِ فَلاَ يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ إذَا كَانَ عَيْبًا فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ سَلَّفَ فِي عَسَلٍ فَجَاءَهُ بِعَسَلٍ رَقِيقٍ أُرِيَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَسَلِ فَإِنْ قَالُوا هَذِهِ الرِّقَّةُ فِي هَذَا الْجِنْسِ مِنْ هَذَا الْعَسَلِ عَيْبٌ يُنْقِصُ ثَمَنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَإِنْ قَالُوا هَكَذَا يَكُونُ هَذَا الْعَسَلُ وَقَالُوا رَقَّ لِحَرِّ الْبِلاَدِ أَوْ لِعِلَّةٍ غَيْرِ عَيْبٍ فِي نَفْسِ الْعَسَلِ لَزِمَهُ أَخْذُهُ‏.‏

قال‏:‏ وَلَوْ قَالَ عَسَلُ بُرٍّ، أَوْ قَالَ عَسَلُ صَعْتَرٍ أَوْ عَسَلُ صَرْوٍ أَوْ عَسَلُ عُشْرٍ وَوَصَفَ لَوْنَهُ وَبَلَدَهُ فَأَتَاهُ بِاللَّوْنِ وَالْبَلَدِ وَبِغَيْرِ الصِّنْفِ الَّذِي شَرَطَ لَهُ أَدْنَى أَوْ أَرْفَعَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَخْذُهُ إنَّمَا يَرُدُّهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا‏.‏ نُقْصَانٌ عَمَّا سَلَّفَ فِيهِ وَالْآخَرُ أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ مِنْ هَذِهِ قَدْ يَصْلُحُ لِمَا لاَ يَصْلُحُ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ يُجْزِئُ فِيمَا لاَ يُجْزِئُ فِيهِ غَيْرُهُ أَوْ يَجْمَعُهُمَا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ مَا شَرَطَ إذَا اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُمَا‏.‏

قال‏:‏ وَمَا وَصَفْتُ مِنْ عَسَلِ بُرٍّ وَصَعْتَرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْعَسَلِ فِي الْعَسَلِ كَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي السَّمْنِ لاَ تُجْزِئُ إلَّا صِفَتُهُ فِي السَّلَفِ وَإِلَّا فَسَدَ السَّلَفُ أَلاَ تَرَى أَنِّي لَوْ أَسْلَمْت فِي سَمْنٍ وَوَصَفْته وَلَمْ أَصِفْ جِنْسَهُ فَسَدَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ سَمْنَ الْمِعْزَى مُخَالِفٌ سَمْنَ الضَّأْنِ، وَأَنَّ سَمْنَ الْغَنَمِ كُلِّهَا مُخَالِفٌ الْبَقَرَ وَالْجَوَامِيسَ فَإِذَا لَمْ تَقَعْ الصِّفَةُ عَلَى الْجِنْسِ مِمَّا يَخْتَلِفُ فَسَدَ السَّلَفُ كَمَا يَفْسُدُ لَوْ سَلَّفْته فِي حِنْطَةٍ وَلَمْ أُسَمِّ جِنْسَهَا فَأَقُولُ مِصْرِيَّةً أَوْ يَمَانِيَّةً أَوْ شَامِيَّةً وَهَكَذَا لَوْ تَرَكَ أَنْ يَصِفَهُ الْعَسَلَ بِلَوْنِهِ فَسَدَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَثْمَانَهَا تَتَفَاضَلُ عَلَى جَوْدَةِ الْأَلْوَانِ وَمَوْقِعِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ يَتَبَايَنُ بِهَا وَهَكَذَا لَوْ تَرَكَ صِفَةَ بَلَدِهِ فَسَدَ لِاخْتِلاَفِ أَعْمَالِ الْبُلْدَانِ كَاخْتِلاَفِ طَعَامِ الْبُلْدَانِ وَكَاخْتِلاَفِ ثِيَابِ الْبُلْدَانِ مِنْ مَرْوِيٍّ وَهَرَوِيٍّ وَرَازِيٍّ وَبَغْدَادِيٍّ وَهَكَذَا لَوْ تَرَكَ أَنْ يَقُولَ عَسَلٌ حَدِيثٌ مِنْ عَسَلِ وَقْتِ كَذَا مِنْ قِبَلِ اخْتِلاَفِ مَا قَدُمَ مِنْ الْعَسَلِ وَحَدُثَ، وَإِذَا قَالَ عَسَلُ وَقْتِ كَذَا فَكَانَ ذَلِكَ الْعَسَلُ يَكُونُ فِي رَجَبٍ وَسُمِّيَ أَجَلُهُ رَمَضَانَ فَقَدْ عَرَفَ كَمْ مَرَّ عَلَيْهِ وَهَذَا هَكَذَا فِي كُلِّ مَنْ يَخْتَلِفُ فِيهِ قَدِيمُهُ وَجَدِيدُهُ مِنْ سَمْنٍ أَوْ حِنْطَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ مَا كَانَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ عَيْبٌ فِي جِنْسِ مَا سُلِّفَ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ السَّلَفُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا خَالَفَ الصِّفَةَ الْمَشْرُوطَةَ مِنْهُ فَلَوْ شَرَطَ عَسَلاً مِنْ عَسَلِ الصَّرْو وَعَسَلِ بَلَدِ كَذَا فَأَتَى بِالصِّفَةِ فِي اللَّوْنِ وَعَسَلِ الْبَلَدِ فَقِيلَ لَيْسَ هَذَا صَرْوًا خَالِصًا وَهَذَا صَرْوٌ وَغَيْرُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا يَكُونُ سَمْنُ بَقَرٍ لَوْ خَلَطَهُ بِسَمْنِ الْغَنَمِ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ سَلَّفَ وَاحِدًا مِنْ السَّمْنَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك فِي كَذَا وَكَذَا رَطْلاً مِنْ عَسَلٍ أَوْ فِي مِكْيَالِ عَسَلٍ بِشَمْعِهِ كَانَ فَاسِدًا لِكَثْرَةِ الشَّمْعِ وَقِلَّتِهِ وَثِقَلِهِ وَخِفَّتِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أُسْلِمُ إلَيْك فِي شَهْدٍ بِوَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ مَا فِيهِ مِنْ الْعَسَلِ وَالشَّمْعِ‏.‏

باب السَّلَفِ فِي السَّمْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَالسَّمْنُ كَمَا وَصَفْت مِنْ الْعَسَلِ وَكُلُّ مَأْكُولٍ كَانَ فِي مَعْنَاهُ كَمَا وَصَفْت مِنْهُ وَيَقُولُ فِي السَّمْنِ سَمْنُ مَاعِزٍ أَوْ سَمْنُ ضَأْنٍ أَوْ سَمْنُ بَقَرٍ، وَإِنْ كَانَ سَمْنُ الْجَوَامِيسِ يُخَالِفُهَا قَالَ‏:‏ سَمْنُ جَوَامِيسَ لاَ يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ يَخْتَلِفُ سَمْنُ الْجِنْسِ مِنْهُ قَالَ سَمْنُ غَنَمٍ كَذَا وَكَذَا كَمَا يُقَالُ بِمَكَّةَ‏:‏ سَمْنُ ضَأْنٍ نَجْدِيَّةٍ وَسَمْنُ ضَأْنٍ تِهَامِيَّةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يَتَبَايَنَانِ فِي اللَّوْنِ وَالصِّفَةِ وَالطَّعْمِ وَالثَّمَنِ‏.‏

قال‏:‏ وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْعَسَلِ قَبْلَهُ، فَمَا كَانَ عَيْبًا وَخَارِجًا مِنْ صِفَةِ السَّلَفِ لَمْ يَلْزَمْ السَّلَفُ، وَالْقَدِيمُ مِنْ السَّمْنِ يَتَبَيَّنُ مِنْ الْقَدِيمِ مِنْ الْعَسَلِ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ تَغَيُّرًا مِنْهُ، وَالسَّمْنُ مِنْهُ مَا يُدَخِّنُ وَمِنْهُ مَا لاَ يُدَخِّنُ، فَلاَ يَلْزَمُ الْمُدَخِّنُ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِيهِ‏.‏

السَّلَفُ فِي الزَّيْتِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَالزَّيْتُ إذَا اخْتَلَفَ لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا أَنْ يُوصَفَ بِصِفَتِهِ وَجِنْسِهِ، وَإِنْ كَانَ قِدَمُهُ يُغَيِّرُهُ وَصَفَهُ بِالْجِدَّةِ أَوْ سُمِّيَ عَصِيرَ عَامِ كَذَا حَتَّى يَكُونَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ مَا يَعْرِفُهُ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ، وَالْقَوْلُ فِي عُيُوبِهِ وَاخْتِلاَفِهِ كَالْقَوْلِ فِي عُيُوبِ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ‏.‏

قال‏:‏ وَالْآدَامُ كُلُّهَا الَّتِي هِيَ أَوْدَاكُ السَّلِيطِ وَغَيْرِهِ إنْ اخْتَلَفَ، نَسَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَى جِنْسِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ عَتِيقُهَا وَحَدِيثُهَا نُسِبَ إلَى‏.‏ الْحَدَاثَةِ وَالْعِتْقِ فَإِنْ بَايَنَتْ الْعَسَلَ وَالسَّمْنَ فِي هَذَا فَكَانَتْ لاَ يُقَلِّبُهَا الزَّمَانُ، وَلاَ تُغَيَّرُ قُلْت عَصِيرُ سَنَةِ كَذَا وَكَذَا لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ فِي عُيُوبِهَا كَالْقَوْلِ فِي عُيُوبِ مَا قَبْلَهَا كُلُّ مَا نَسَبَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ إلَى الْعَيْبِ فِي جِنْسٍ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْ مُشْتَرِيَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ هُوَ مُتَطَوِّعًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ أُسْلِمُ إلَيْك فِي أَجْوَدِ مَا يَكُونُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُوقَفُ عَلَى حَدِّ أَجْوَدِ مَا يَكُونُ مِنْهُ أَبَدًا فَأَمَّا أَرْدَأُ مَا يَكُونُ مِنْهُ فَأَكْرَهُهُ، وَلاَ يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنْ أَعْطَى خَيْرًا مِنْ أَرْدَأِ مَا يَكُونُ مِنْهُ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِالْفَضْلِ وَغَيْرُ خَارِجٍ مِنْ صِفَةِ الرَّدَاءَةِ كُلُّهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَمَا اُشْتُرِيَ مِنْ الْآدَامِ كَيْلاً اُكْتِيلَ وَمَا اُشْتُرِيَ وَزْنًا بِظُرُوفِهِ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ بِالْوَزْنِ فِي الظُّرُوفِ لِاخْتِلاَفِ الظُّرُوفِ وَأَنَّهُ لاَ يُوقَفُ عَلَى حَدِّ وَزْنِهَا فَلَوْ اشْتَرَى جُزَافًا وَقَدْ شَرَطَ وَزْنًا فَلَمْ يَأْخُذْ مَا عَرَفَ مِنْ الْوَزْنِ الْمُشْتَرَى إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا، الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، بَعْدَ وَزْنِ الزَّيْتِ فِي الظُّرُوفِ بِأَنْ يَدَعَ مَا يَبْقَى لَهُ مِنْ الزَّيْتِ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا وَأَرَادَ اللَّازِمَ لَهُمَا وُزِنَتْ الظُّرُوفُ قَبْلَ أَنْ يُصَبَّ فِيهَا الْإِدَامُ ثُمَّ وُزِنَتْ بِمَا يُصَبُّ فِيهَا ثُمَّ يُطْرَحُ وَزْنُ الظُّرُوفِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَيْتٌ وُزِنَ ثُمَّ فُرِّغَتْ وُزِنَتْ الظُّرُوفُ ثُمَّ أُلْقِيَ مِنْ الزَّيْتِ وَمَا أُسْلِفَ فِيهِ مِنْ الْإِدَامِ فَهُوَ لَهُ صَافٍ مِنْ الرُّبِّ وَالْعَكَرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا خَالَفَ الصَّفَاءَ‏.‏

السَّلَفُ فِي الزُّبْدِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ السَّلَفُ فِي الزُّبْدِ كَهُوَ فِي السَّمْنِ يُسَمَّى زُبْدَ مَاعِزٍ أَوْ زُبْدَ ضَأْنٍ أَوْ زُبْدَ بَقَرٍ وَيَقُولُ نَجْدِيٌّ أَوْ تِهَامِيٌّ لاَ يُجْزِئُ غَيْرُهُ وَيَشْرِطُهُ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا وَيَشْرِطُهُ زُبْدَ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ فِي غَدِهِ بِتِهَامَةَ حَتَّى يَحْمُضَ وَيَتَغَيَّرُ فِي الْحَرِّ وَيَتَغَيَّرُ فِي الْبَرْدِ تَغَيُّرًا دُونَ ذَلِكَ وَبِنَجْدٍ يُؤْكَلُ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ زُبْدَ يَوْمِهِ كَزُبْدِ غَدِهِ، فَإِنْ تَرَكَ مِنْ هَذَا شَيْئًا لَمْ يَجُزْ السَّلَفُ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْمُسَلِّفِ أَنْ يُعْطِيَهُ زُبْدًا نَجِيخًا وَذَلِكَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِزُبْدِ يَوْمِهِ إنَّمَا هُوَ زُبْدٌ تَغَيَّرَ فَأُعِيدَ فِي سِقَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ مُخِضَ لِيَذْهَبَ تَغَيُّرُهُ فَيَكُونُ عَيْبًا فِي الزُّبْدِ؛ لِأَنَّهُ جَدَّدَهُ وَهُوَ غَيْرُ جَدِيدٍ وَمِنْ أَنَّ الزُّبْدَ يَرِقُّ عَنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ وَيَتَغَيَّرُ طَعْمُهُ وَالْقَوْلُ فِيمَا عَرَفَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ عَيْبًا أَنَّهُ يُرَدُّ بِهِ كَالْقَوْلِ فِيمَا وَصَفْنَا قَبْلَهُ‏.‏

السَّلَفُ فِي اللَّبَنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَيَجُوزُ السَّلَفُ فِي اللَّبَنِ كَمَا يَجُوزُ فِي الزُّبْدِ وَيَفْسُدُ كَمَا يَفْسُدُ فِي الزُّبْدِ بِتَرَكَ أَنْ يَقُولَ مَاعِزٌ أَوْ ضَأْنٌ أَوْ بَقَرٌ، وَإِنْ كَانَ إبِلاً أَنْ يَقُولَ لَبَنُ غَوَادٍ أَوْ أَوْرَاكٍ أَوْ خَمِيصَةٍ وَيَقُولَ فِي هَذَا كُلِّهِ لَبَنُ الرَّاعِيَةِ وَالْمُعْلَفَةِ لِاخْتِلاَفِ أَلْبَانِ الرَّوَاعِي وَالْمُعْلَفَةِ وَتَفَاضُلِهَا فِي الطَّعْمِ وَالصِّحَّةِ وَالثَّمَنِ فَأَيُّ هَذَا سَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ مَعَهُ السَّلَمُ وَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ حَلِيبًا أَوْ يَقُولَ لَبَنَ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ فِي غَدِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْحَلِيبُ مَا يُحْلَبُ مِنْ سَاعَتِهِ وَكَانَ مُنْتَهَى حَدِّ صِفَةِ الْحَلِيبِ أَنْ تَقِلَّ حَلاَوَتُهُ فَذَلِكَ حِينَ يَنْتَقِلُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ اسْمِ الْحَلِيبِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا أَسْلَفَ فِيهِ بِكَيْلٍ‏:‏ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَكِيلَهُ بِرَغْوَتِهِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ فِي كَيْلِهِ وَلَيْسَتْ بِلَبَنٍ تَبْقَى بَقَاءَ اللَّبَنِ وَلَكِنْ إذَا سَلَّفَ فِيهِ وَزْنًا‏:‏ فَلاَ بَأْسَ عِنْدِي أَنْ يَزِنَهُ بِرَغْوَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لاَ تَزِيدُ فِي وَزْنِهِ فَإِنْ زَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا تَزِيدُ فِي وَزْنِهِ فَلاَ يَزِنُهُ حَتَّى تَسْكُنَ كَمَا لاَ يَكِيلُهُ حَتَّى تَسْكُنَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يُسَلِّفَ فِي لَبَنٍ مَخِيضٍ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ مَخِيضًا إلَّا بِإِخْرَاجِ زُبْدِهِ وَزُبْدُهُ لاَ يَخْرُجُ إلَّا بِالْمَاءِ، وَلاَ يَعْرِفُ الْمُشْتَرِي كَمْ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لِخَفَاءِ الْمَاءِ فِي اللَّبَنِ وَقَدْ يَجْهَلُ ذَلِكَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ يَصُبُّ فِيهِ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَيَزِيدُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَالْمَاءُ غَيْرُ اللَّبَنِ فَلاَ يَكُونُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُسَلِّفَ فِي مُدِّ لَبَنٍ فَيُعْطِي تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْمُدِّ لَبَنًا وَعُشْرَهُ مَاءً؛ لِأَنَّهُ لاَ يُمَيِّزُ بَيْنَ مَائِهِ حِينَئِذٍ وَلَبَنِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ مَجْهُولاً كَانَ أَفْسَدَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي كَمْ أَعْطَى مِنْ لَبَنٍ وَمَاءٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يُسَلِّفَ فِي لَبَنٍ وَيَقُولَ حَامِضٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسَمَّى حَامِضًا بَعْدَ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَأَيَّامٍ وَزِيَادَةُ حُمُوضَتِهِ زِيَادَةُ نَقْصٍ فِيهِ لَيْسَ كَالْحُلْوِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ حُلْوٌ فَيَأْخُذُ لَهُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَلاَوَةِ مَعَ صِفَةِ غَيْرِهَا وَمَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَلاَوَةِ زِيَادَةَ خَيْرٍ لِلْمُشْتَرِي وَتَطَوُّعٍ مِنْ الْبَائِعِ، وَزِيَادَةُ حُمُوضَةِ اللَّبَنِ كَمَا وَصَفْت نَقْصٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِذَا شَرَطَ لَبَنَ يَوْمٍ أَوْ لَبَنَ يَوْمَيْنِ فَإِنَّمَا يَعْنِي مَا حُلِبَ مِنْ يَوْمِهِ وَمَا حُلِبَ مِنْ يَوْمَيْنِ فَيَشْتَرِطُ غَيْرَ حَامِضٍ وَفِي لَبَنِ الْإِبِلِ غَيْرُ قَارِصٍ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ لاَ يُمْكِنُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَحْمُضَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلاَ خَيْرَ فِي السَّلَفِ فِيهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ لاَ يُوقَفُ عَلَى حَدِّ الْحُمُوضَةِ، وَلاَ حَدِّ قَارِصٍ فَيُقَالُ هَذَا أَوَّلُ وَقْتٍ حَمُضَ فِيهِ أَوْ قَرَصَ فَيَلْزَمُهُ إيَّاهُ وَزِيَادَةُ الْحُمُوضَةِ فِيهِ نَقْصٌ لِلْمُشْتَرِي كَمَا وَصَفْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهُ‏.‏

وَلاَ خَيْرَ فِي بَيْعِ اللَّبَنِ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ فِيهَا حَلْبَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لاَ يُدْرَى كَمْ هُوَ، وَلاَ كَيْفَ هُوَ، وَلاَ هُوَ بَيْعُ عَيْنٍ تَرَى، وَلاَ شَيْءٌ مَضْمُونٌ عَلَى صَاحِبِهِ بِصِفَةٍ وَكَيْلٍ وَهَذَا خَارِجٌ مِمَّا يَجُوزُ فِي بُيُوعِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ مُوسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ بَيْعَ الصُّوفِ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ وَاللَّبَنِ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ إلَّا بِكَيْلٍ‏.‏