فصل: الخبر عن نفزاوة وبطونهم وتصاريف أحوالهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


نفزاوة

 الخبر عن نفزاوة وبطونهم وتصاريف أحوالهم

وهم بنو يطوفت بن نفزاو بن لوا الأكبر بن زحيك وبطونهم كثيرة مثل غساسة ومرنيسة وزهيلة وسوماتة وزاتيمة وولهاصة ومجرة‏.‏ وورسيف ومن بطونهم مكلاتة ويقال إن مكلاتة من عرب اليمن وقع إلى يطوفت صغيراً فتبناه وليس من البربر‏.‏ ولمكلاتة بطون متعدد مثل بني ورياغل وكزناية وبني يصلتين وبني ديمار وريحون وبني سراين‏.‏ ويقال أن غساسة منهم هكذا عند نسابة البربر مثل‏:‏ سابق المطماطي وغيره‏.‏ ومن بطون ولهاصة ورتدين بن داحية بن ولهاصة وورفجومة بن تيدغاس بن ولهاص‏.‏ ومن بطون ورفجومة زكولة رجالة لذاك بن ورفجوم إلى بطون أخرى كثيرة‏.‏ وكان ورفجومة هؤلاء أوسم بطون نفزاوة وأشدهم بأساً وقوة‏.‏ ولما انحرف عبد الرحمن بن حبيب عن طاعة أبي جعفر المنصور وقتله أخواه عبد الوارث وإلياس وطالبهما ابنه حبيب بالثار فلحق عبد الوارث بورفجومة ونزل على أميرهم عاصم بن جميل بأوراس وكان كاهناً فأجاره وقام بدعوة أبي جعفر المنصور واجتمعت إليه نفزاوة‏.‏ وكان من رجالاتهم عبد الملك بن أبي الجعد ويزيد بن سكوم وكانوا يدينون بدين الأباضية من الخوارج وزحفوا إلى القيروان سنة أربعين ومائة‏.‏ وفر عنها حبيب بن عبد الرحمن ودخلها عبد الملك بن أبي الجعد وقتل حبيباً‏.‏ واستولت نفزاوة على القيروان وقتلوا من كان بها من قريش وسائر العرب وربطوا دوابهم بالمسجد وعظمت حوادثهم‏.‏ ونكر ذلك عليهم الأباضية من برابرة طرابلس وتولى كبرها زناتة وهوارة فاجتمعوا إلى الخطاب بن السمح ورجالات العرب واستولوا على طرابلس ثم على القيروان سنة إحدى وأربعين وقتلوا عبد الملك بن أبي الجعد وأثخنوا في قومه من نفزاوة وورفجومة‏.‏ ثم رجعوا إلى طرابلس بعد أن استعمل أبو الخطاب على القيروان عبد الرحمن بن رستم‏.‏ واضطرم المغرب ناراً وعظمت فتنة ورفجومة هؤلاء إلى أن قدم محمد بن الأشعث سنة ست وأربعين من قبل المنصور فأثخن في البربر وأطفأ نار هذه الفتنة كما قدمناه‏.‏ ولما اختط عمر بن حفص مدينة طبنة سنة إحدى وخمسين أنزل ورفجومة هؤلاء بها بما كانوا شيعاً له وعظم غناؤهم فيها عندما حاصره بها ابن ثم انتقضوا بعد مهلك عمر على يزيد بن حاتم عند قدومه على إفريقية سنة سبع وخمسين وولوا عليهم أبا زرجونة منهم وسرح إليهم يزيد العساكر مع ابنه وقومه فأثخنوا فيهم‏.‏ ثم انتقضت نفزاوة على أبيه داود ودعوا إلى دين الأباضية وولوا عليهم صالح بن نصر منهم فرجعت العساكر إليهم متراسلة وقتلوهم أبرح قتل‏.‏ وعليها كان ركود ريح الخوارج بإفريقية ذعار البربر‏.‏ وافترق بنو ورفجوم بعد ذلك وانقرض أمرهم وصاروا أوزاعاً في الفبائل‏.‏ وكان رجالة منهم بطناً متسعاً‏.‏ وكان منهم رجالات مذكورون في أول العبيديين وبني أمية بالأندلس منهم الرجالي أحد الكتاب بقرطبة‏.‏ وبقي منهم لهذا العهد فرق بمرماجة‏.‏ وهناك قرية ببسيطها تنسب إليهم‏.‏ وأما سائر ولهاصة من ورفجومة وغيرهم فهم لهذا العهد أوزاع لذلك أشهرهم قبيلة بساحل تلمسان اندرجوا في كومية وعدوا منهم بالنسب والخلط‏.‏ وكان منهم في أواسط هذه المائة الثامنة ابن عبد الملك استقل برياستهم وتملك بدعوى السلطان بعد استيلاء بني عبد الواد على تلمسان ونواحيها وتغلب على سلطانهم لذلك العهد كما نذكره عثمان بن عبد الرحمن وسجنه بالمطبق بتلمسان ثم قتله‏.‏ ومن أشهر قبائل ولهاصة أيضاً قبيلة أخرى ببسيط بونة يركبون الخيل ويأخذون مذاهب العرب في زيهم ولغتهم وسائر شعارهم كما هو شأن هوارة‏.‏ وهم في عذاد القبائل الغارمة ورئاستهم في بني عريف منهم وهي لهذا العهد في ولد حازم بن شداد بن حزام بن نصر بن مالك بن عريف‏.‏ وكانت قبلهم لعسكر بن بطنان منهم‏.‏ هذه أخبار ولهاصة فيما علمناه‏.‏ وأما بقايا بطون نفزاؤ فمنهم زاتيمة وبقية منهم لهذا العهد بساحل برشك ومنهم غساسة‏.‏ وبقية منهم لهذا العهد بساحل بطوية حيث القرية التي هناك حاضرة البحر ومرسى لأساطيل المغرب وهي مشهورة باسمهم‏.‏ وأما زهيلة فبقيتهم لهذا العهد بنواحي بادس مندرجون في غمارة وكان منهم لعهد مشيختنا أبو يعقوب البادسي أكبر الأولياء وأخرهم بالمغرب‏.‏ وأما مرنيسة فلا يسلم لهم موطن ومن أعقابهم أوزاع بين أحياء العرب لإفريقية‏.‏ وأما سوماتة فمنهم بقية في نواحي القيروان‏:‏ كان منهم منذر بن سعيد القاضي بقرطبة لعهد الناصر والله أعلم‏.‏ وأما بقايا بطون نفزاوة فلا يعرف لهم لهذا العهد حي ولا موطن إلا القرى الظاهرة المقدرة السير المنسوبة إليهم ببلاد قسطيلة‏.‏ وبها معاهدون من الفرنجة أوطنوهم على الجزية واعتقاد الذمة عند عهد الفتح وأعقابهم بها لهذا العهد‏.‏ وقد نزل معهم كثير من بني سليم من الشريد وزغبة وأوطنوها وتملكوا بها العقار والضياع‏.‏ وكان أمر هذه القرى راجعاً إلى عامل توزر أيام استبداد الخلافة‏.‏ فلما تقلص ظل الدولة عنهم وحدثت للعصبة في الأمضار استبدت كل قرية بأمرها وصار مقدم توزر يحاول دخولهم في إيالته‏.‏ فمنهم من يعطيه ذلك ومنهم من يأباه حتى أظلتهم دولة مولانا السلطان أبي العباس وأدرجوا كلهم في طاعته واندرجوا في حبله والله ولي الأمور ولا رب غيره‏.‏ لواتة الخبر عن لواتة من البرابرة البتر وتصاريف أحوالهم وهو بطن عظيم متسع من بطون البربر البتر ينتسبون إلى لوا الأصغر بن لوا الأكبر بن زحيك ولوا الأصغر هو نفزاو كما قلناه‏.‏ ولوا اسم أبيهم والبربر إذا أرادوا العموم في الجمع زادوا الألف والتاء فصار لوات فلما عربته العرب حملوه على الأفراد وألحقوا به هاء الجمع‏.‏ وذكر ابن حزم أن نسابة البربر يزعمرن أن سدراتة ولواتة ومزاتة من القبط وليس ذلك بصحيح وابن حزم لم يطلع على كتب علماء البربر في ذلك‏.‏ وفي لواتة بطون كثيرة وفيهم قبائل كثيرة مثل سدراتة بن نيطط بن لوا ومثل عزوزة بن ماصلت بن لوا‏.‏ وعد سابق وأصحابه في بني ماصلت بطوناً أخرى غير عزوزة وهم‏:‏ أكورة وجرمانة ومغانة ومثل بني زائد بن لوا وأكثر بطونهم مزاتة‏.‏ ونسابة البربر يعدون في مزاتة بطوناً كثيرة مثل‏:‏ بلايان وقرنة ومجيجة ودكمة وحمرة ومدونة‏.‏ وكان لواتة هؤلاء ظواعن في مواطنهم بنواحي برقة كما ذكره المسعودي وكان لهم في فتنة أبى يزيد آثار‏.‏ وكان منهم بجبل أوراس أمة عظيمة ظاهروا أبا يزيد مع بني كملان على أمره‏.‏ ولم يزالوا بأوراس لهذا العهد مع من به من قبائل هوارة وكتامة ويدهم العالية عليهم تناهز خيالتهم ألفاً وتجاوز رجالاتهم العدة‏.‏ وتستكفي بهم الدولة في جباية من تحت أيديهم جبل أوراس من القبائل الغارمة فيحسنون الغناء والكفاية‏.‏ وكانت البعوث مضروبة عليهم ينفرون بها في معسكر السلطان‏.‏ فلما تقلص ظل الدولة عنهم صار بنو سعادة منهم في أقطاع أولاد محمد من الدواودة فاستعملوهم في مثل ما كانت الدولة تستعملهم فيه فأصاروهم خولاً للجباية وعسكراً للاستنفار وأصبحوأ من جملة رعاياهم‏.‏ وقد كان بقي جانب منهم لم تستوفه الإقطاعات وهم بنو زنجان وبنو باديس فاستضافهم منصور بن مزني إلى عمله‏.‏ فلما استبد مزني عن الدولة واستقلوا بالزاب صاروا يبعدونهم بالجبلية بعض السنين ويعسكرون عليهم لذلك بأفاريق الأعراب‏.‏ وهم لهذا العهد معتصمون بجبلهم لا يجاوزونه إلى البسيط خوفاً من عادية الأعراب‏.‏ ولبني باديس منهم أتاوات على بلد نقاوس المختطة في سفح الجبل بما تغلبوا على ضواحيها‏.‏ فإذا انحدر الأعراب ألى مشاتيهم اقتضوا منها أتاواتهم وخفارتهم‏.‏ وإذا أقبلوا إلى مصايفهم رجع لواتة إلى معاقلهم الممتنعة على الأعراب‏.‏ وكان من لواتة هؤلاء أمة عظيمة بضواحي تاهرت إلى ناحية القبلة وكانوا ظواعن هنالك على وادي ميناس ما بين جبل يعود من جهة الشرق وإلى وارصلف من جهة الغرب‏.‏ يقال إن بعض أمراء القيروان نقلهم معه في غزوة وأنزلهم هنالك‏.‏ ولما انتقض حميد بن يصل صاحب تاهرت على المنصور ثالث خلفاء الشيعة ظاهروه على خلافه وجاوروه في مذاهب ضلاله إلى أن غلبه المنصور‏.‏ وأجاز حميد إلى الأندلس سنة ست وثلاثين وزحف المنصور يريد لواتة فهربوا أمامه إلى الرمال ورجع عنهم ونزل إلى وادي ميناس ثم انصرف إلى القيروان‏.‏ وذكر ابن الرقيق‏:‏ إن المنصور وقف هنالك على أثر من آثار الأقدمين بالقصور التي على الجبال الثلاثة مبنية بالحجر المنحوت يبدو للناظر على البعد كأنها أسنمة قبور ورأى كتاباً في حجر فسره له أبو سليمان السردغوس‏:‏ خالف أهل هذا البلد على الملك فأخرجني إليهم ففتح لي عليهم وبنيت هذا البناء لأذكر به هكذا ذكر ابن الرقيق‏.‏ وكان بنو وجديجن من قبائل زناتة بمواطنهم من منداس جيراناً للواتة هؤلاء والتخم بينهما وادي ميناس وتاهرت‏.‏ وحدثت بينهما فتنة بسبب امرأة أنكحها بنو وجديجن في لواتة فعيروها بالفقر فكتبت بذلك إلى قومها ورئيسهم يومئذ عنان فتذامروا واستمدوا من وراءهم من زناتة فأمدوهم بعلي بن محمد اليفرني‏.‏ وزحفت مطماطة من الجانب الآخر في مظاهرتهم وعليهم غزانة أميرهم وزحفوا جميعاً إلى لواتة فكانت بينهم وقائع وحروب هلك في بعضها علاق وأزاحوا عن الجانب الغربي السرسو وألجؤهم إلى الجبل الذي في قبلة تاهرت المسمى لهذا العهد كركيرة وكان به قوم من مغراوة فغدروا بهم وتظاهروا جميعاً عليهم إلى أن أخرجوهم عن آخر مواطنهم في جهة الشرق بجبل يعود فنزلوا من ورائه الجبل المسمى لهذا العهد دارك‏.‏ وانتشرت عمائرها بتلوله وما وراءه إلى الجبال المطلة على متيجة وهم لهذا لعهد في عداد القبائل الغارمة‏.‏ وجبل دارك في أقطاع ولد يعقوب بن موسى مشيخة العطاف من زغبة ومن لواتة أيضاً بطون بالجبال المعروفة بهم قبلة قابس وصفاقس ومنهم بنو مكي رؤساء قابس لهذا العهد‏.‏ ومنهم أيضاً بواحات مصر فيما ذكره المسعودي أمة عظيمة بالجيزة التي بينها وبين مصر‏.‏ وكان لما قرب من هذه القصور شيخهم هنالك بدر بن سالم وانتقض على الترك وسرحوا إليه العساكر فاستلحموا كثيراً من قومه وفر إلى ناحية برقة وهو الآن في جوار العرب بها‏.‏ ومن زناتة هؤلاء أحياء بنواحي تادلا قرب مراكش من الغرب الأقصى ولهم هنالك كثرة‏.‏ ويزعم كثير من الناس أنهم بنواحي جابر من عرب جشم واختلطوا بهم وصاروا في عدادهم‏.‏ ومنهم أوزاع مفترقون بمصر وقرى الصعيد شاوية وفلاحين ومنهم أيضاً بضواحي بجاية قبيلة يعرفون بلواتة ينزلون بسيط تاكرارت من أعمالها ويعتمرونها فدناً لمزارعهم ومسارح لأنعامهم‏.‏ ومشيختهم لهذا العهد في ولد راجح بن صواب منهم وعليهم للسلطان جباية مفروضة وبعث مضروب‏.‏ هؤلاء المعروفون من بطون لواتة ولهم شعرب أخرى كثيرة اندرجوا في البطون وتوزعوا بني فاتن الخبر عن بني فاتن من ضريسة إحدى بطون البرابرة البتر وتصاريف أحوالهم وهم بطون مطغرة ولماية وصدينة وكومية ومديونة ومغيلة ومطمامة وملزوزة ومكناسة ودونة وكلهم من ولد فاتن بن تمصيت بن ضريس بن زحيك بن مادغيس الأبتر ولهم ظهور من البرابر وأخبار نسردها بطناً بطناً إلى آخرها‏.‏ مطغرة‏:‏ وهم من أوفر هذه الشعوب‏.‏ وكانوا خصاصين آهلين‏.‏ وكان جمهورهم بالمغرب منذ عهد الإسلام ونوبة الفتح وشؤون الردة وحروبها وكان لهم فيها مقامات‏.‏ ولما استوسق الإسلام في البربر أجازوا إلى فتح الأندلس وأجازت منهم أمم واستقروا هنالك‏.‏ ولما سرى دين الخارجية في البربر أخذ مطغرة هؤلاء برأي الصفرية‏.‏ وكان شيخهم ميسرة ويعرف بالحفير مقدماً فيه‏.‏ ولما ولي عبيد الله بن الحبحاب على إفريقية من قبل هشام بن عبد الملك وأمره أن يمضي إليها من مصر فقدمها سنة أربع عشرة واستعمل عمر بن عبد الله المرادي على طنجة والمغرب الأقصى وابنه إسمعيل على السوس وما وراءه‏.‏ واتصل أمر ولايتهم وساءت سيرتهم في البربر ونقموا عليهم أحوالهم وما كانوا يطالبونهم به من الوصائف البربريات والأفرية العسلية الألوان وأنواع طرف المغرب فكانوا يتغالبون في جمعهم ذلك وانتحاله‏.‏ حتى كانت الصرمة من الغنم تستهلك بالذبح لاتخاذ الجلود العسلية من سخالها ولا يوجد فيها مع ذلك إلا الواحد وما قرب منه‏.‏ فكثر عيثهم بذلك في أموال البربر وجورهم عليهم امتعض لذلك ميسرة الحفيد زعيم مطغرة وحمل البرابرة على الفتك بعمر بن عبد الله عامل طنجة فقتلوه سنة خمس وعشرين‏.‏ وولى ميسرة مكانه عبد الأعلى بن خدع الإفريقي الرومي الأصل كان من موالي العرب وأهل خارجيتهم وكان يرى رأي الصفرية فولاه ميسرة على طنجة وتقدم إلى السوس فقتله عامله إسمعيل بن عبد الله واضطرم المغرب ناراً‏.‏ وانتقض أمره على خلفاء الممشرق فلم يراجع طاعتهم بعد‏.‏ وزحف ابن الحبحاب إليه من القيروان في العساكر وعلى مقدمته خالد بن أبي حبيب الفهري فلقيهم ميسرة في جموع البرابرة فهزم المقدمة واستلحمهم وقتل خالد‏.‏ وتسامع البربر بالأندلس بهذا الخبر فثاروا بعاملهم عقبة بن الحجاج السلولي وعزلوه وولوا عبد الملك بن قطن الفهري وبلغ الخبر بذلك إلى هشام بن عبد الملك فسرح كلثوم بن عياض المري في اثني عشر ألفاً من جنود الشام وولاه على إفريقية وأدال به من عبيد الله بن الحبحاب‏.‏ وزحف كلثوم إلى البرابرة سنة ثلاث وعشرين حتى انتهت مقدمته إلى وادي سبو من أعمال طنجة فلقيه البرابرة هنالك مع ميسرة وقد فحصوا عن أوساط رؤوسهم ونادوا بشعار وكان كيدهم في لقائهم إياه أن ملأوا الشنان بالحجارة وربطوها بأذناب الخيل تنادي بها فتقعقع الحجارة في شنانها ومرت بمصاف العساكر من العرب فنفرت خيولهم واختل مصافهم وانجرت عليهم الهزيمة فافترقوا وذهب بلج مع الطلائع من أهل الشام إلى سبتة كما ذكرناه في أخبارهم‏.‏ ورجع إلى القيروان أهل مصل وإفريقية وظهرت الخوارج في كل جهة واقتطع المغرب عن طاعة الخلفاء إلى أن هلك ميسرة وقام برئاسة مطغرة من بعده يحيى بن حارث منهم‏.‏ وكان حليفاً لمحمد بن خزر ومغراوة‏.‏ ثم كان من بعد ذلك ظهور إدريس بالمغرب فقدم بها البرابرة وتولى كبرها أوربة منهم كما ذكرناه‏.‏ وكان على مطغرة يومئذ شيخهم بهلول بن عبد الواحد فانحرف مالك عن إدريس إلى طاعة هرون الرشيد بمداخلة إبراهيم بن الأغلب عامل القيروان فصالحه إدريس وأنبأه بالسلم‏.‏ ثم ركد ريح مطغرة من بعد ذلك وافترق جمعهم وجرت الدول عليهم أذيالها واندرجوا في عمال البربر الغارمين لهذا العهد بتلول المغرب وصحرائه‏.‏ فمنهم ما بين فاس وتلمسان أمم يتصلون بكومية ويدخلون حلفهم واندرجوا من لدن الدعوة الموحدية منهم ورئاستهم لولد خليفة‏.‏ كان شيخهم على عهد الموحدين وبنى لهم حصناً بمواطنهم على ساحل البحر يسمى تاونت‏.‏ ولما انقرضت دولة بني عبد المؤمن واستولى بنو مرين على المغرب قام هرون بن موسى بن خليفة بدعوة يعقوب بن عبد الحق سلطانهم وتغلب على ندرومة‏.‏ وزحف إليه يغراسن بن زيان فاسترجع ندرومة من يده وغلبه على تاونت‏.‏ ثم زحف يعقوب بن عبد الله إليهم وأخذها من أيديهم وشحنها بالأقوات واستعمل هرون ورجع إلى المغرب فحدثت هرون نفسه بالاستبداد فدعا لنفسه معتصماً بذلك الحصن خمس سنين‏.‏ ثم حاصره يغمراسن واستنزله على صلح سنة اثنتين وسبعين وستمائة‏.‏ ولحق هرون بيعقوب بن عبد الحق‏.‏ ثم أجاز إلى الجهاد بإذنه واستشهد هنالك‏.‏ وقام بأمر مطغرة من بعده أخوه تاشفين إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعمائة‏.‏ واتصلت رياستهم على عقبه لهذا العهد‏.‏ ومن قبائل مطغرة أمة بجبل قبلة فاس معروف بهم‏.‏ ومنهم أيضاً قبائل كثيرون بنواحي سجلماسة وأكثر أهلها منهم‏.‏ وربما حدثت بها عصبية من جراهم‏.‏ ومن قبائل مطغرة أيضاً بصحراء المغرب كثيرون نزلوا بقصورها واغترسوا شجرة النخل على طريقة العرب‏.‏ فمنهم بنوات قبلة سجلماسة إلى تمنطيت آخر عملها قوم كثيرون موطنون مع غيرهم من أصناف البربر‏.‏ ومنهم في قبلة تلمسان وعلى ستة مراحل منها وهي قصور متقاربة بعضها من بعض ائتلف منها مصر كبير مستبحر بالعمران البدوي معدود في آحاد الأمصار بالصحراء ضاح من ظل الملك والدول لبعده في القفر‏.‏ ورياسته في بني سيد الملوك منهم‏.‏ وفي شرقيها وعلى مراحل منها قرى أخرى متتابعة على سمتها متصاعدة قليلاً إلى الجوف آخرها على مرحلة من قبلة جبل راشد‏.‏ وهي في مجالات بني عامر من زغبة وأوطانهم من القفر وقد تملكوها لحط أثقالهم وقضاء حاجاتهم حتى نسبت إليهم في الشهرة‏.‏ وفي جهة الشرق عن هذه القصور وعلى خمس مراحل منها دامعة متوغلة في القفر تعرف بقليعة‏.‏ والآن يعتمرها رهط من مطغرة هؤلاء‏.‏ وينتهي إليها ظواعن عن الملثمين من أهل الصحراء بعض السنين إذا لفحهم الهجير يستبردون في تلولها لتوغلها فني ناحيتهم‏.‏ ومن مطغرة هؤلاء أوزاع في أعمال المغرب الأوسط وإفريقية ولله الخلق جميعاً‏.‏ لماية وهم بطون فاتن بن تمصيت كما ذكرناه إخوة مطغرة ولهم بطون كثيرة عد منها سابق وأصحابه بنوزكوفا ومزيزة ومليزة بنو مدينين كلهم من لماية‏.‏ وكانوا ظواعن بإفريقية والمغرب وكان جمهورهم بالمغرب الأوسط موطنين بتخومة مما يلي الصحراء‏.‏ ولما سرى دين الخارجية في البربر أخذوا برأي الأباضية ودانوا به وانتحلوه وانتحله جيرانهم من مواطنهم تلك من لواتة وهوارة‏.‏ وكانوا بأرض السرسو قبلة منداس وزواغة وكانوا في ناحية الغرب عنهم‏.‏ وكانت مطماطة ومكناسة وزناتة جميعاً في ناحية الجوف والشرق فكانوا جميعاً على دين الخارجية وعلى رأي الأباضية منهم‏.‏ وكان عبد الرحمن بن رستم من مسلمة الفتح وهو من ولد رستم أمير الفرس بالقادسية‏.‏ وقدم إلى إفريقية مع طوالع الفتح فكان بها‏.‏ وأخذ بدين الخارجية والأباضية منهم‏.‏ وكان شيعة لليمنية وحليفاً لهم‏.‏ ولما تحزب الأباضية بناحية طرابلس منكرين على ورفجومة فعلهم في القيروان كما مر واجتمعوا إلى أبي الخطاب عبد الأعلى بن السمح المغافري إمام الإباضية فملكوا طرابلس‏.‏ ثم ملكوا القيروان وقتلوا واليها من ورفجومة عبد الملك بن أبي الجعد وأثخنوا في ورفجومة وسائر نفراوة سنة إحدى وأربعين‏.‏ ورجع أبو الخطاب والأباضية الذين معه من زناتة وهوارة وغيرهم بعد أن استخلف على القيروان عبد الرحمن بن رستم‏.‏ وبلغ الخبر بفتنة ورفجومة هذه واضطراب الخوارج من البربر بإفريقية والمغرب وتسلفهم على الكرسي للإمارة بالقيروان إلى المنصور أبي جعفر فسرح محمد بن الأشعث الخزاعي في العساكر إلى إفريقية وقلده حرب الخوارج بها فقدمها سنة أربع وأربعين‏.‏ ولقيهم أبو الخطاب في جموعه قريباً من طرابلس فأوقع به ابن الأشعث وبقومه‏.‏ وقتل أبو الخطاب وطار الخبر بذلك إلى عبد الرحمن بن رستم بمكان إمارته في القيروان فاحتمل أهله وولده ولحق بأباضية المغرب الأوسط من البرابرة الذين ذكرناهم‏.‏ ونزل على لماية لقديم حلف بينه وبينهم فاجتمعوا إليه وبايعوا له بالخلافة وائتمروا في بناء مدينة ينصبون بها كرسي إمارتهم فشرعوا في بناء مدينة تاهرت في سفح جبل في كزول السياح على تلول منداس واختطوها على وادي ميناس النابعة منه عيون بالقبلة ويمر بها وبالبطحاء إلى أن يصب في وادي شلف‏.‏ فأسسها عبد الرحمن بن رستم واختطها سنة أربع وأربعين ومائة فتمدنت واتسعت خطتها إلى أن هلك عبد الرحمن وولي ابنه عبد الوهاب من بعده وكان رأس الإباضية‏.‏ وزحف سنة ست وتسعين مع هوارة إلى طرابلس وبها عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب من قبل أبيه فحاصره في جموع الأباضية من البربر إلى أن هلك إبراهيم بن الأغلب واستقدم عبد الله بن الأغلب لأمارته بالقيروان فصالح عبد الوهاب على أن تكون الضاحية لهم‏.‏ وانصرف إلى نفوسة ولحق عبد الله بالقيروان وولى عبد الوهاب ابنه ميموناً وكان رأس الأباضية والصفرية والواصلية‏.‏ وكان يسلم عليه بالخلافة‏.‏ وكان أتباعه من الواصلية وحدهم ثلاثين ألفاً من ظواعن ساكنين بالخيام‏.‏ ولم يزل الملك في بني رستم هؤلاء بتاهرت وحاربهم جيرانهم من مغراوة وبني يفرن على الدخول في طاعة الأدارسة لما ملكوا تلمسان وأخذت بها زناتة من لدن ثلاث وسبعين ومائة فامتنعوا عليهم سائر أيامهم إلى أن كان استيلاء أبي عبد الله الشيعي على وبث دعوة عبيد الله في أقطار المغربين فانقرض أمرهم بظهور هذه الدولة وعقد عروبة بن يوسف الكتامي فاتح المغرب للشيعة على تاهرت لأبي حميد دواس بن صولان اللهيصي في غزاته إلى المغرب سنة ثمان وتسعين فأثخن في برابرتها الأباضية من لماية وازداجة ولواتة ومكناسة ومطماطة وحملهم على دين الرافضة وفسخ بها دين الخارجية حتى استحكم في عقائدهم‏.‏ ثم وليها أيام إسمعيل المنصور بصلاصن بن حبوس‏.‏ ثم نزع إلى دعوة الأموية وراء البحر ولحق بالخير بن محمد بن خزر صاحب دعوتهم في زناتة‏.‏ واستعمل المنصور بعده على تاهرت ميسوراً الخصي مولاه وأحمد بن الزجالي من صنائعه فزحف إليها حميد والخير وانهزم ميسور واقتحموا تاهرت عنوة وتقبضوا على أحمد الزجالي وميسور إلى أن أطلقوهما بعد حين‏.‏ ولم تزل تاهرت هذه ثغراً لأعمال الشيعة وصنهاجة سائر أيامهم وتغلبت عليهما زناتة مراراً ونازلتها عساكر بني أمية زاحفة في أثر زيري بن عطية أمير المغرب من مغراوة أيام أجاز المظفر بن أبي عامر من العدوة إلى حربه‏.‏ ولم يزل الشأن هذا إلى أن انقرض أمر تلك الدول وصار أمر المغرب إلى لمتونة‏.‏ ثم صار إلى دولة الموحدين من بعدهم وملكوا المغربين‏.‏ وخرج عليهم بنوغانية بناحية قابس ولم يزل يحيى منهم يجلب على ثغور الموحدين ويشن الغارات على بسائط إفريقية والمغرب الأوسط‏.‏ وتكرر دخوله إليها عنوة مرة بعد أخرى إلى أن احتمل سكانها وخلا جوها وعفا رسمها لما يناهز عشرون من المائة السابعة والأرض لله‏.‏ وأما قبائل لماية فانقرضوا وهلكوا بهلاك مصرهم الذي اختطوه وحازوه وملكوه سنة الله في عباده‏.‏ وبقيت فرق منهم أوزاعاً في القبائل ومنهم جربة الذين سميت بهم الجزيرة البحرية تجاه ساحل قابس وهم بها لهذا العهد‏.‏ وقد كان النصرانية من أهل صقلية ملكوها على من بها من المسلمين وهي قبائل لماية وكتامة مثل‏:‏ جربة وسدويكس ووضعوا عليهم الجزيه وشيدوا على ساحل البحر بها معقلاً لإمارتهم سموه القشتيل‏.‏ وطال تمرس العساكر به من حضرة الدولة الحفصية بتونس حتى كان افتتاحها أعوام ثمان وثلاثين من المائة الثامنة في دولة مولانا السلطان أبي بكر وعلى يد مخلوف بن الكماد من صنائعه‏.‏ واستقرت بها الدعوة الإسلامية إلى هذا العهد‏.‏ إلا أن القبائل الذين بها من البربر لم يزالوا يدينون بدين الخارجية ويتدارسون مذاهبهم وبينهم مجلدات تشتمل على تآليف لأئمتهم في قواعد ديانتهم وأصول عقائدهم وفروع مذاهبهم يتناقلونها ويعكفون على دراستها وقراءتها والله خلقكم وما تعملون‏.‏ مطماطة وهم إخوة مطغرة ولماية من ولد فاتن بن تمصيت الذين مر ذكرهم وهم شعوب كثيرة‏.‏ وعن سابق المطماطي وأصحابه من النسابة أن اسم مطماط مصكاب ومطماط لقب له وأن شعوبهم من لوا بن مطماط‏.‏ وأنه كان له ولد آخر اسمه ورنشيط ولم يذكروا له عقباً قالوا‏:‏ وكان للوا أربعة من الولد‏:‏ ورماكسن ويلاغف ووريكول ويليصن‏.‏ ولم يعقب بليصن وأعقب الثلاثة الباقون ومنهم افترقت شعوب مطماطة كلها‏.‏ فأما ورماس فمنه مصمود ويونس ويفرين وأما وريكول فكان له من الولد كلثام ومسيدة وفيدن ولم يعقب مسيدة ولا فيدن‏.‏ وكان لكلثام عصفراصن وسليايان فمن سليايان ووريغني ووصدى وقسطايان وعمرو ويقال لهؤلاء الخمسة بنو مصطلودة سموا بأمهم‏.‏ وكان لعصفراصن يرهاض ويصراصن‏.‏ فمن يصراصن ورتجين ووريكول وجليدا وسكوم ويقال لهم بني تليفكتان سموا بأمهم‏.‏ وكان ليزهاض يليت ويصلاسن‏.‏ فمن يليت ورسفلاسن وسكن ومحمد ومكديل ودكوال‏.‏ ومن يصلاسن فان يولين ويتماسن وماركسن ومسافر وفلوسن ووريجيد ونافع وعبد الله وغرزاي‏.‏ وأما يلاغف بن لوا بن مطماط فكان له من الولد دهيا وثابتة فمن ثابتة ماجرسن وريغ وعجلان ويفام وقرة‏.‏ وكان لدهيا ورتجى ومجلين‏.‏ فمن ورتجى مقرين وتور وسكم وعمجميس‏.‏ ومن مجلين ماكور وأشكول وكيلان ومذكون وقطارة وأبورة‏.‏ شعوب مطماطة كما ذكر نسابة البربر سابق وأصحابه وهم مفرقون في المواطن‏.‏ فمنهم من نواحي فاس من قبلتها في جبل هنالك معروف بهم ما بين فاس وصفروى‏.‏ ومنهم بجهات قابس والبلد المختط على العين الحامية من جهة غربها منسوب إليهم‏.‏ ولهذا العهد يقال حمة مطماطة ويأتي ذكرها في الدولة الحفصية‏.‏ وممالك إفريقية وبقاياهم أوزاع من القبائل وكانت مواطن جمهورهم بتلول منداس عند جبل وانشريس وجبل كزول من نواحي تاهرت‏.‏ وكان لهم بتلك المواطن أخريات دولة صنهاجة استفحال وصولة‏.‏ وفي فتنة حماد بن بلكين مع باديس بن المنصور مقامات وآثار‏.‏ وكان كبيرهم يومئذ عزانة وكانت له مع البرابرة المجاورين له من لواتة وغيرهم حروب وأيام‏.‏ ولما هلك عزانة قام بأمره في مطماطة ابنه زيري فمكث فيهم أياماً ثم غلبت صنهاجة على أمره فأجاز البحر إلى العدوة ونزل على المنصور بن أبي عامر فاصطنعه ونظمه في طبقة الأمراء من البربر الذين كانوا في جملته واستظهره على أمره فكان من أوجه رجالهم وأعظمهم قدراً لديه إلى أن هلك وأجراه ابنه المظفر من بعده وأخوه عبد الرحمن الناصر على سنن أبيهما في ترفيع مكانه وإخلاص ولايته وكان عند ثورة محمد بن هشام بن عبد الجبار غائباً مع أبي عامر في غزاة النعمان مع من كان معه من أمراء البربر وعرفائهم‏.‏ فلما رأوا انتقاض أمره وسوء تدبيره لحقوا بمحمد بن هشام المهدي فكانوا معه إلى أن كانت الفتنة البربرية بالأندلس إلى أن هلك هنالك ولا أدري أي السنين كان مهلكه وأجاز إلى الأندلس وهلك زيري هنالك لا أدري أي السنين كان مهلكه‏.‏ وأجاز الأندلس أيضاً من رجالتهم كهلان بن أبي لوا بن يصلاصن ونزل على الناصر وهو من أهل العلم بأنساب البربر‏.‏ وكان من مشاهيرهم أيضاً النسابة سابق بن سليمان بن حراث بن مولات بن دوفاس وهو كبير نسابة البربر ممن علمناه‏.‏ وكان منهم أيضاً عبد الله بن إدريس كاتب الخراج لعبيد الله المهدي في آخرين يطول ذكرهم‏.‏ وهذا ما تلقيناه من أخباز مطماطة‏.‏ وأما موطن منداس فزعم بعض الإخباريين من البربر ووقفت على كتابه في ذلك أنه سمي بمنداس بن مغر بن أوريغ بن كبوري بن المثني وهو هوار وكأنه والله أعلم يشير إلى أداس بن زحيك الذي يقال أنه ربيب هوار كما يأتي في ذكرهم إلا أنه اختلط عليه الأمر‏.‏ وكان لمنداس من الولد‏:‏ شراوة وكلثوم وتكم‏.‏ قال‏:‏ ولما استفحل أمر مطماطة وكان شيخهم لهذا العهد إرهاص بن عصفراصن فأخرج منداس من الوطن وغلبه على أمره واعتمر بنوه موطن منداس ولم يزالوا به كلامه وبقية هؤلاء القوم لهذا العهد بجبل وادشنيش لحقوا به لما غلبهم بنوتوجين من زناتة على منداس وصاروا في عداد قبائل الغارمة والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏ وهم إخوة مطامطة ولماية كما قلناه وإخوتهم ملزوزة معدودون منهم‏.‏ وكذلك دونة وكشاتة ولهم افتراق في الوطن‏.‏ وكان منهم جمهوران‏:‏ أحدهما بالمغرب الأوسط عند مصب شلف في البحر من ضواحي مازونة المصر لهذا العهد‏.‏ ومن ساحلهم أجاز عبد الرجمن الداخل إلى الأندلس ونزل بالمنكب فكان منهم أبو قرة المغيلي الدائن بدين الصفرية من الخوارج ملك أربعين سنة‏.‏ وكانت بينه وبين أمراء العرب بالقيروان لأول دولة بني العباس حروب ونازل طبنة‏.‏ وقد قيل إن أبا قرة هذا من بني مطماطة وهذا عندي صحيح فلذلك أخرت ذكر أخباره إلى أخبار بني يفرن من زناتة‏.‏ وكان منهم أيضاً أبو حسان ثار بإفريقية لأول الإسلام وأبو حاتم يعقوب بن لبيب بن مرين بن يطوفت من ملزوز الثائر مع أبي قرة سنة خمسين ومائة‏.‏ وتغلب على القيروان فيما ذكر خالد بن خراش وخليفة بن خياط من علمائهم‏.‏ وذكروا من رؤسائهم أيضاً موسى بن خليد ومليح بن علوان وحسان بن زروال الداخل مع عبد الرحمن‏.‏ وكان منهم أيضاً دلول بن حماد أميراً عليهم في سلطان يعلى بن محمد اليفرني وهو الذي اختط بلد إيكري على اثني عشر ميلاً من البحر وهي لهذا العهد خراب لم يبق منها إلا الأطلال ماثلة‏.‏ ولم يبق من مغيلة بذلك الوطن جمع ولا حي‏.‏ وكان جمهورهم الآخر بالمغرب الأقصى وهم الذين تولوا مع أوربة وصدينة القيام بدعوة إدريس بن عبد الله لما لحق بالمغرب وأجازه وحملوا قبائل البربر على طاعته والدخول في أمره‏.‏ ولم يزالوا على ذلك إلى أن اضمحلت دولة الأدارسة وبقاياهم لهذا العهد بمواطنهم ما بين فاس وصفروي ومكناسة والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏