فصل: 172- باب استحباب الدعاء في السفر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.171- باب تكبير المسافر إِذَا صعد الثنايا وشبهها، وتسبيحه إِذَا هبط الأودية ونحوها، والنهي عن المبالغة برفع الصوتِ بالتكبير ونحوه:

975- عن جابر رضي الله عنه قال: كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا. رواه البخاري.
976- وعن ابن عمرَ رضي اللهُ عنهما قَالَ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وجيُوشُهُ إِذَا عَلَوا الثَّنَايَا كَبَّرُوا، وَإِذَا هَبَطُوا سَبَّحُوا. رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
قال المهلب: تكبيره صلى الله عليه وسلم عند الارتفاع استشعار لكبرياء الله عز وجل، وعندما يقع عليه العين من عظيم خلقه أنه أكبر من كل شيء، وتسبيحه في بطون الأودية مستنبط من قصة يونس، فإن بتسبيحه في بطن الحوت نجّاه الله من الظلمات. فسبح النبي صلى الله عليه وسلم في بطون الأودية لينجيه الله منها.
977- وعنه قَالَ: كَانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم إِذَا قَفَلَ مِنَ الحَجِّ أَوْ العُمْرَةِ، كُلَّمَا أوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: «لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية لمسلم: إِذَا قَفَلَ مِنَ الجيُوشِ والسَّرَايَا أَو الحَجِّ أَو العُمْرَةِ.
قَوْلهُ: «أوْفَى» أيْ: ارْتَفَعَ، وَقَوْلُه: «فَدْفَدٍ» هُوَ بفتح الفائَينِ بينهما دال مهملة ساكِنة، وَآخِره دال أخرى وَهُوَ: «الغَليظُ المُرْتَفِعُ مِنَ الأرضِ».
قوله: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له»، أي هو المتفرد في إلهيَّته وربوبيته، ولا يشبه أحد.
وفي الحديث: استحباب هذا الذكر لكل قادم من سفر.
978- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلًا قَالَ: يَا رسول الله، إنّي أُريدُ أنْ أُسَافِرَ فَأوْصِني، قَالَ: «عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ، وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كلِّ شَرَفٍ». فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ البُعْدَ، وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
قوله: «اللهم فاطوِ له البعد»، هذا الذي رأيته في (جامع الترمذي) بغير ياء. قال في " مجمع البحار "، أي: يسِّر له السير بمنح القوة لمركوبه، وأن لا يرى ما يتعبه.
979- وعن أَبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: كنّا مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا أشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا وَارتَفَعَتْ أصْوَاتُنَا، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ، فَإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمَّ وَلا غَائِبًا، إنَّهُ مَعَكُمْ، إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ». متفقٌ عَلَيْهِ.
«ارْبَعُوا» بفتحِ الباءِ الموحدةِ أيْ: ارْفُقُوا بِأَنْفُسِكُمْ.
في هذا الحديث: النهي عن المبالغة في رفع الصوت بالذكر، لأنه سبحانه أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وهو السميع البصير العليم الخبير. وأما الجهر بالذكر من غير مبالغة فهو مطلوب إذا أمن الرياء ولم يؤذ به نحو نائم أو مصلٍّ. قال الله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110].

.172- باب استحباب الدعاء في السفر:

980- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَات لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ». رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
وليس في رواية أَبي داود: «عَلَى وَلَدِهِ».
في هذا الحديث: استحباب إكثار الدعاء في السفر، لأنه مظنة الإجابة.
وفيه: النهي عن الظلم والعقوق.

.173- باب مَا يدعو إِذَا خاف ناسًا أَوْ غيرهم:

981- عن أَبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ: «اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ». رواه أَبُو داود والنسائي بإسنادٍ صحيحٍ.
في هذا الحديث: أن من اعتصم بالله تعالى ولجأ إليه كفاه كيد الأَعادي والحساد.
قال الله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137].

.174- باب مَا يقول إِذَا نزل منْزلًا:

982- عن خولة بنتِ حَكِيمٍ رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: استحباب التعوذ بصفات الله تعالى إذا نزل منزلًا في سفر، أو حضر. وأن من قال ذلك عصم من كل شر.
983- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا سَافَرَ فَأقْبَلَ اللَّيْلُ، قال: «يَا أرْضُ، رَبِّي وَرَبُّكِ اللهُ، أعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيكِ، وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ، وَشَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ، أعُوذُ بالله مِنْ شَرِّ أسَدٍ وَأسْوَدٍ، وَمِنَ الحَيَّةِ وَالعَقْرَبِ، وَمِنْ سَاكِنِ البَلَدِ، وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ». رواه أَبُو داود.
وَ «الأَسْوَدُ»: الشَّخْصُ، قَالَ الخَطَّابِيُّ: وَ«سَاكِنُ البَلَدِ»: هُمُ الجِنُّ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الأرْضِ. قَالَ: وَالبَلَد مِنَ الأرْضِ: مَا كَانَ مَأْوَى الحَيَوانِ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بِنَاءٌ وَمَنَازلُ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أنَّ المُرَادَ: «بِالوَالِدِ» إبليسُ: «وَمَا وَلَدَ»: الشَّيَاطِينُ.
قوله: «وأعوذ بك من أسد وأسود». قيل: إنما أراد الاستعاذة لعظم شر ما بعدها بالنسبة لما قبلها. وقيل: الأسود الحية العظيمة وهي أخبث الحيات.

.175- باب استحباب تعجيل المسافر الرجوع إِلَى أهله إِذَا قضى حاجته:

984- عن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ، يَمْنَعُ أحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإذَا قَضَى أحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ، فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أهْلِهِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
«نَهْمَتهُ»: مَقْصُودهُ.
قوله: «يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه».
قال النووي: أن يمنعه كمالها لما فيه من المشقة، والتعب، ومقاساة الحر والبرد ومفارقة الأهل والوطن، وخشونة العيش. والمقصود من الحديث: الحث على استحباب الرجوع للأهل بعد قضاء الوطر.

.176- باب استحباب القدوم عَلَى أهله نهارًا، وكراهته في الليل لغير حاجة:

985- عن جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أطال أحَدُكُمُ الغَيْبَةَ فَلا يَطْرُقَنَّ أهْلَهُ لَيْلًا».
وفي روايةٍ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أهْلَهُ لَيْلًا. متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: كراهة القدوم ليلًا إذا لم يُعلمهم بوصوله لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة.
وقال البخاري: باب لا يطرق أهله ليلًا إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخونهم، أو يلتمس عثراتهم.
986- وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يَطْرُقُ أهْلَهُ لَيْلًا، وَكَانَ يَأتِيهمْ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً. متفقٌ عَلَيْهِ.
«الطُّرُوقُ»: المَجيءُ فِي اللَّيْلِ.
مقتضى قوله: «إذا أطال أحدكم الغيبة»، توهم عدم كراهة الطروق ليلًا مع قصر السفر ومقتضى الحديث التعميم.
قال الشارح: ويمكن الجمع بأنه إن كان بحيث لا يتعب الزوجة وتتوقع امرأته إتيانه مدة غيبته لقصرها، فلا بأس بالطروق ليلًا وإلا فهو كالطويل.

.177- باب مَا يقول إِذَا رجع وإذا رأى بلدته:

فِيهِ حَدِيثُ ابنِ عمرَ السَّابِقُ في باب تكبيرِ المسافِر إِذَا صَعِدَ الثَّنَايَا.
987- وعن أنس رضي الله عنه قال: أقْبَلْنَا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كُنَّا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: «آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا المَدِينَةَ. رواه مسلم.
الآيب: الراجع، أي: نحن آيبون، قال الله تعالى: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25].
وقوله: «تائبون» فيه إشارة إلى التقصير في العبادة، وقاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع وتعليمًا لأمته.
قوله: فيه حديث ابن عمر السابق. ولفظه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الحج أو العمرة كلما أوفى على ثنية، أو فدفد كبر ثلاثًا، ثم قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون، ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده».