فصل: وفاة أبي ذر الغفاري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عثمان بن عفان **


 الفصل الرابع‏:‏ وفاة كبار الصحابة

توفي بين سنة 32 هـ وسنة 34 هـ عدد من كبار الصحابة رضوان اللَّه عليهم، فرأيت أن أقدم للقراء نبذة عن تاريخ كل منهم لأنهم توافوا في حياة عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ‏.‏ أما أبو ذر فقد سبق أن ذكرت سيرته عند تسييره إلى الربذة‏.‏

  وفاة أبي ذر الغفاري

‏[‏سبقت ترجمته‏]‏ ‏(‏سنة 32 هـ/ 653 م‏)‏‏:‏

لما حضرت أبا ذر الوفاة في سنة ثمان في ذي الحجة من إمارة عثمان قال لابنته‏:‏

‏"‏استشرفي يا بنية، فانظري هل ترين أحدًا‏؟‏ قالت‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فما جاءت ساعتي بعد‏.‏ ثم أمرها فذبحت شاة، ثم طبختها‏.‏ ثم قال‏:‏ إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم إن أبا ذر يقسم عليكم أن لا تركبوا حتى تأكلوا‏.‏ فلما نضجت قدرها، قال لها‏:‏ انظري هل ترين أحدًا‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، هؤلاء ركب مقبلون‏.‏ قال‏:‏ استقبلي بي الكعبة‏.‏ ففعلت وقال‏:‏ ‏"‏بسم اللَّه وباللَّه وعلى ملَّة رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏)‏‏.‏ ثم خرجت ابنته فتلقتهم وقالت‏:‏ رحمكم اللَّه اشهدوا أبا ذر فادفنوه قالوا‏:‏ وأين هو‏؟‏ فأشارت إليه وقد مات‏.‏ قالوا‏:‏ ونعمة عين، لقد أكرمنا اللَّه بذلك‏.‏ وإذا ركب من أهل الكوفة فيهم ابن مسعود فمالوا إليه وابن مسعود يبكي ويقول‏:‏ صدق رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ‏(‏يموت وحده ويبعث وحده‏)‏‏.‏

فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه‏.‏ فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت‏:‏ إن أبا ذر يقرأ عليكم السلام وأقسم عليكم أن لا تركبوا حتى تأكلوا‏.‏ ففعلوا، وحملوهم حتى أقدموهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله وقال‏:‏ يرحم اللَّه أبا ذر ويغفر لرافع بن خديج ‏[‏هو رافع بن خديج بن رافع الأنصاري الأوسي الحارثي، صحابي، عريق قومه بالمدينة، شهد أحد والخندق ولد سنة 12 ق‏.‏ هـ، وتوفي في المدينة متأثرًا بجراحه سنة 74 هـ‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ تهذيب التهذيب ج 3/ص 229، الإصابة ج 2/ص 186‏.‏‏]‏ سكوته‏.‏ وفي رواية أخرى أنه قال‏:‏ يرحم اللَّه أبا ذر ويغفر له نزوله الربذة‏.‏

  وفاة عبد الرحمن بن عوف

‏[‏سبقت ترجمته‏]‏ ‏(‏سنة 32 هـ/ 653 م‏)‏‏:‏ ‏[‏ص 112‏]‏

وفي هذه السنة توفي عبد الرحمن بن عوف، وأمه الشفاء بنت عوف‏.‏ ولد بعد الفيل بعشر سنين، وأسلم قبل أن يدخل رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ دار الأرقم‏.‏ وكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام‏.‏ وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر‏.‏ وكان من المهاجرين الأولين‏.‏ هاجر إلى الحبشة، وإلى المدينة، وآخى رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بينه وبين سعد بن الربيع كما ذكر في كتاب ‏"‏محمد رسول اللَّه‏"‏، وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏ وبعثه رسول اللَّه إلى دومة الجندل، وعمَّمه بيده وسدلها بين كتفيه وقال‏:‏ إن فتح اللَّه عليك فتزوج ابنة ملكهم، أو قال شريفهم، وكان الأصبغ بن ثعلبة بن ضمضم الكلبي شريفهم فتزوج ابنته تماضر بنت الأصبغ فولدت له أبا سلمة بن عبد الرحمن، وكان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب لهم‏:‏ الشورى الذين جعل عمر بن الخطاب الخلافة فيهم‏.‏

وصلى رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ خلفه في سفره‏.‏ وجرح يوم أُحد إحدى وعشرين جراحة في رجله فكان يعرج منها‏.‏ وسقطت ثنيتاه فكان أهتم‏.‏ وكان كثير الإنفاق في سيبل اللَّه عز وجل‏.‏ أعتق في يوم ثلاثين عبدًا‏.‏

ولما آخى رسول اللَّه بينه وبين سعد بن الربيع ‏[‏هو سعد بن الربيع بن عمرو، من بني الحارث بن الخزرج، صحابي من كبارهم، كان أحد النقباء يوم العقبة، وشهد موقعة بدر، واستشهد يوم أحد سنة 3 هـ‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ صفة الصفوة ج 1/ص 191، الإصابة ترجمة 3147‏]‏ قال له سعد‏:‏ إن لي مالًا فهو بيني وبينك شطران‏.‏ ولي امرأتان فانظر أيتهما أحببت حتى أخالعها فإذا حلت فتزوجها‏.‏ فقال‏:‏ لا حاجة لي في أهلك ومالك، بارك اللَّه لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق ‏"‏لأنه كان من كبار التجار‏"‏ فاشترى، وباع، وربح‏.‏

وقال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏عبد الرحمن بن عوف أمين في السماء أمين في الأرض‏)‏ ‏[‏رواه أحمد في ‏(‏م 1/ص 193‏)‏ بمعناه‏]‏‏.‏

ولما توفي عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ قال عبد الرحمن بن عوف لأصحاب الشورى الذين جعلوا عمر الخلافة فيهم‏:‏ من يخرج نفسه منها ويختار للمسلمين‏؟‏ فلم يجيبوه إلى ذلك‏.‏ فقال‏:‏ أنا أخرج نفسي من الخلافة، وأختار للمسلمين‏.‏ فأجابوه إلى ذلك، وأخذ مواثيقهم عليه فاختار عثمان فبايعه ـ كما ذكرنا في كتابنا الفاروق ـ ‏[‏ص 113‏]‏‏.‏

وكان عظيم التجارة مجدودًا فيها‏.‏ كثير المال‏.‏ قيل‏:‏ إنه دخل على أم سلمة فقال‏:‏ يا أمة قد خفت أن تهلكني كثرة مالي‏.‏ قالت‏:‏ يا بني أنفق‏.‏

ولما كثر ماله قدم له ذات يوم راحلة تحمل البر، وتحمل الدقيق والطعام، فلما دخلت المدينة سمع لأهل المدينة رَجة، فقالت عائشة‏:‏ ما هذه الرجة‏؟‏ فقيل لها عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف، سبعمائة بعير تحمل البر والدقيق‏.‏ فقالت عائشة‏:‏ سمعت النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏يدخل عبد الرحمن بن عوف الجنة حبوًا‏)‏ ‏[‏رواه ابن كثير في البداية والنهاية ‏(‏7‏:‏ 164‏(‏‏]‏‏.‏ فلما بلغ ذلك عبد الرحمن قال‏:‏ يا أمة إني أشهدك أنها بأحمالها وأحلاسها وأقتابها في سبيل اللَّه عز وجل‏.‏

وتصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بشطر ماله‏.‏ أربعة آلاف‏.‏ ثم تصدق بأربعين ألفًا‏.‏ ثم تصدق بأربعين ألف دينار‏.‏ ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل اللَّه، ثم حمل على خمسمائة راحلة في سبيل اللَّه‏.‏ وكان عامة ماله من التجارة‏.‏

فهل يقتدي به في زماننا هذا كبار الأغنياء الذين يكنزون الذهب والفضة، والأوراق المالية، ويمتلكون الضياع الواسعة، والعمارات الشاهقة، فيبذلون جزءًا منها في سبيل اللَّه، وإعانة الفقراء الذين ضاقت مذاهبهم، وساءت حالهم، ولا يجدون لهم معينًا‏؟‏ اللَّهم لقد فسد الزمان‏.‏ وفسدت القلوب، وزاد الجشع والطمع‏.‏ وانمحت عاطفة الخير وصار كل إنسان لا يفكر إلا في نفسه ولذَّاته وشهواته‏.‏ لذلك اتسعت مسافة الخلف بين الأغنياء والفقراء، وحقد كلٌ على أخيه في الإنسانية، وكثرت حوادث التعدي، وشعر الفقير بالحيف، ونقم على النظم الحالية، وتفككت روابط الأسر والصداقة، وفشا الربا‏.‏ وهذه حالة محزنة، لطف اللَّه بعباده‏.‏

كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن‏:‏ تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها‏!‏‏.‏ فبلغ ذلك النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فقال‏:‏ ‏(‏دعوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه‏)‏ ‏[‏رواه ابن كثير في البداية والنهاية ‏(‏7‏:‏ 164‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ وهذا إنما كان بينهما لما سيَّر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بعد فتح مكة فقَتل فيهم خالدٌ خطأ‏.‏ فودى رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ القتلى وأعطاهم ثمن ما أخذ منهم، وكان بنو جذيمة قد قتلوا في الجاهلية ‏[‏ص 114‏]‏ عوف بن عوف والد عبد الرحمن بن عوف وقتلوا الفاكه بن المغيرة عم خالد‏.‏ فقال له عبد الرحمن‏:‏ إنما قتلتهم لأنهم قتلوا عمك‏.‏ وقال له خالد‏:‏ إنما قتلوا أباك وأغلظ في القول‏.‏ فقال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ما قال‏.‏

توفي عبد الرحمن سنة 32 هـ وهو ابن 75 سنة، وأوصى بخمسين ألف دينار في سبيل اللَّه‏.‏ وأوصى لمن بقي ممن شهد بدرًا لكل 400 دينار، وكانوا مائة فأخذوها، وأخذ عثمان فيمن أخذ وأوصى بألف فرس في سبيل اللَّه‏.‏

ولما مات قال علي بن أبي طالب‏:‏ اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوَها وسبقت رَنْقها ‏[‏رَنْقَها‏:‏ كدرها‏.‏ ‏[‏القاموس المحيط، مادة‏:‏ رنق‏]‏‏.‏

وكان سعد بن أبي وقاص فيمن حمل جنازته وهو يقول‏:‏ واجبلاه وخلف مالًا عظيمًا من ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت يدي الرجال منه‏.‏ وترك ألف بعير ومائة فرس وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع‏.‏

وترك أربع نسوة‏.‏ أخرجت امرأة من إرثها بثمانين ألفًا يعني صولحت وكان طويلًا أبيض مشربًا بحمرة‏.‏ حسن الوجه‏.‏ رقيق البشرة‏.‏ أهدب الأشفار‏.‏ أقنى‏.‏ له جمة‏.‏ ضخم الكفين‏.‏ غليظ الأصابع ‏(‏علامة الغنى‏)‏‏.‏ لا يغير لحيته ولا رأسه‏.‏

  وفاة العباس بن عبد المطلب

‏[‏هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو الفضل، القرشي، المكي، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام، جد الخلفاء العباسيين، قال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ في وصفه‏:‏ ‏(‏أجود قريش كفًا وأوصلها، هذا بقية آبائي‏)‏، وهو عمه، كان محسنًا لقومه، سديد الرأي، واسع العقل، مولعًا بإعتاق العبيد، كانت له سقاية الحج وعمارة المسجد الحرام أي لا يدع أحدًا يسبُّ أحدًا في المسجد ولا يقول فيه هجرًا‏.‏ أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه، أقام بمكة يكتب إلى رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أخبار المشركين، ثم هاجر إلى المدينة وشهد وقعة حنين فكان ممن ثبت حين انهزم الناس، شهد فتح مكة وعمي في آخر عمره، وكان إذا مرَّ بعمر في أيام خلافته ترجَّل عمر إجلالًا له، وكذلك عثمان عمَّر طويلًا، ولد سنة 51 ق‏.‏ هـ وتوفي سنة 32 هـ‏.‏ أحصي ولده في عام 200 هـ فبلغوا 33000‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ أسد الغابة ج 3/ص 164، تهذيب الكمال ج 2/ص 658، تهذيب التهذيب ج 5/ص 122، تقريب التهذيب ج 1/ص 397، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 35‏]‏ ‏(‏سنة 32 هـ/ 653 م‏)‏‏:‏

توفي في هذه السنة أيضًا العباس بن عبد المطلب كما ذكره الطبري ‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 629 وفيه‏:‏ أنه مات وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وكان أسنّ من رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بثلاث سنين‏"‏‏.‏‏]‏ وهو عمِّ رسول ‏[‏ص 115‏]‏ اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وصنو أبيه‏.‏ يكنى أبا الفضل بابنه الفضل، وأمه نتيلة بنت خباب، وهي أول عربية كست البيت الحرير والديباج وأصناف الكسوة‏.‏ وسببه أن العباس ضاع وهو صغير فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت فوجدته، ففعلت‏.‏ وكان أسن من رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بسنتين‏.‏ وقيل‏:‏ بثلاث سنين‏.‏

وكان العباس في الجاهلية رئيسًا في قريش‏.‏ وإليه كانت عمارة المسجد الحرام، والسقاية في الجاهلية‏.‏ أما السقاية فمعروفة‏.‏ وأما عمارة المسجد الحرام فإنه كان لا يدع أحدًا يسب في المسجد الحرام، ولا يقول فيه هجرًا لا يستطيعون لذلك امتناعًا‏.‏ لأن ملأ قريش كانوا قد اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك‏.‏ فكانوا له أعوانًا عليه‏.‏

وشهد مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بيعة العقبة لما بايعه الأنصار ليشدد له العقد، وكان حينئذٍ مشركًا‏.‏ وكان ممن خرج مع المشركين يوم بدر مكرَهًا‏.‏ وأسر يومئذٍ فيمن أسر‏.‏ وكان قد شد وثاقه فسهر النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ تلك الليلة ولم ينم، فقال له بعض أصحابه‏:‏ ما يسهرك يا نبي اللَّه‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏أسهر لأنين العباس‏"‏‏.‏ فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه‏.‏ فقال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ما لي لا أسمع أنين العباس‏؟‏‏)‏ فقال الرجل‏:‏ أنا أرخيت من وثاقه‏.‏ فقال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏فافعل ذلك بالأسرى كلهم‏)‏ ‏[‏رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ‏(‏4‏:‏ 7‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ ‏(‏وهذا هو العدل‏)‏ وفدى يوم بدر نفسه، وابني أخويه‏:‏ عقيل بن أبي طالب ‏[‏هو عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو زيد، أخو علي ـ رضي اللَّه عنه ـ وجعفر، المتوفى سنة 60 هـ‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ تهذيب الكمال ج 2/ص 947، تهذيب التهذيب ج 7/ص 254، تقريب التهذيب ج 2/ص 29، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 238، الكاشف ج 2/ص 275، تاريخ البخاري الكبير ج 7/ص 50، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 145، الجرح والتعديل ج 6/ص 218، الثقات ج 3/ص 259، أسد الغابة ج 4/ص 64، الإصابة ج 4/ص 531، الاستيعاب ج 3 4، ترجمة ص 1078، طبقات ابن سعد ج 4/ص 10، وج 8/ص 15، سير أعلام النبلاء ج 1/ص 218، وج 3/ص 99، أسماء الصحابة الرواة ترجمة ص 273‏.‏

‏]‏ ونوفل بن الحارث ‏[‏هو نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، القرشي، صحابي كان من أغنياء قريش وأجوادهم وشجعانهم، أخرجه قومه يوم بدر لقتال المسلمين، وهو كاره، فأسر ثم أسلم، وكان أسنّ من أسلم من بني هاشم، ورجع إلى مكة، ثم هاجر إلى رسول اللَّه أيام الخندق، شهد فتح مكة وحضر حنينًا والطائف، ثبت مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ يوم حنين، فكان عن يمينه تبرع في هذه الوقعة بثلاثة آلاف رمح، عاش إلى خلافة عمر بن الخطاب، توفي سنة 15 هـ‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ طبقات ابن سعد ج 4/ص 30، الإصابة ترجمة 8828، أسد الغابة ج 5/ص 46، ذيل المذيل ص 8‏.‏‏]‏ ‏[‏ص 116‏]‏‏.‏

ثم هاجر إلى النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وشهد معه فتح مكة وانقطعت الهجرة وشهد حنينًا، وثبت مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ لما انهزم الناس بحنين‏.‏

وكان رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ يعظمه ويكرمه بعد إسلامه وكان وصولًا لأرحام قريش‏.‏ محسنًا إليهم‏.‏ ذا رأي سديد، وعقل غزير‏.‏

قال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏أيها الناس من آذى عمي فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في كتاب الزكاة، باب‏:‏ 11، وأبو داود في كتاب الزكاة، باب‏:‏ في تعجيل الزكاة، والترمذي في كتاب المناقب، باب‏:‏ 28، وأحمد في ‏(‏م 1/ص 94‏)‏‏]‏‏.‏

وعن العباس قال‏:‏ أتيت رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ فقلت‏:‏ علمني يا رسول اللَّه شيئًا أدعو به‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏يا عباس، يا عم رسول اللَّه، سل اللَّه العافية في الدنيا والآخرة‏)‏ ‏[‏رواه المتقي الهندي في كنز العمال ‏(‏3302‏)‏، والكحال في الأحكام النبوية في الصناعة الطبية ‏(‏1‏:‏ 1128‏)‏، والذهبي في الطب النبوي ‏(‏7‏)‏ ‏]‏‏.‏

واستسقى عمر بن الخطاب بالعباس ـ رضي اللَّه عنهما ـ عام الرمادة لما اشتد القحط، فسقاهم اللَّه تعالى به، وأخصبت الأرض، فقال عمر‏:‏ هذا واللَّه الوسيلة إلى اللَّه والمكان منه‏.‏ لكن دائرة المعارف الإسلامية قالت ‏[‏دائرة المعارف الإسلامية ‏(‏م 1/ص 10، النسخة الإنكليزية‏)‏‏.‏

‏[‏إن هذه القصة خرافة وضعها العباسيون‏.‏ وهذا تعنّت وتشكيك‏.‏ لأن حسان بن ثابت ‏[‏هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو، أبو عبد الرحمن، الأنصاري، الخزرجي، شاعر الرسول ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، المتوفى سنة 54 هـ، وله من العمر 120 سنة، عاش 60 سنة من عمره في الجاهلية و 60 سنة في الإسلام، مخضرم، كانت له ناصية يسدلها بين عينيه، وكان يضرب بلسانه روثة أنفه من طوله، كان شديد الهجاء، فحل الشعراء، قال المبرد في الكامل في التاريخ والأدب‏:‏ ‏"‏أعرق قوم كانوا في الشعر آل حسان‏"‏‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ تهذيب ابن عساكر ج 4/ص 360، معاهد التنصيص ج 1/ص 163، خزانة البغدادي ج 1/ص 363، ذيل المذيل ص 25، الأغاني ج 4/ص 25، شرح الشواهد 11، ابن سلام 211، الشعر والشعراء 110، حُسن الصحابة 13، نكت الهميان 125، تهذيب الكمال ج 1/ص 300، تهذيب التهذيب ج 2/ص 440، تقريب التهذيب ج 1/ص 180، خلاصة تهذيب الكمال ج 1/ص 281، الكاشف ج 1/ص 305، تاريخ البخاري الكبير ج 3/ص 107، الجرح والتعديل ج 3/ص 112، أسد الغابة ج 2/ص 103‏.‏‏]‏ ذكر استسقاء عمر بالعباس في شعره‏.‏ فلو كان ذلك خرافة لما ذكره حسان ‏[‏ص 117‏]‏ بالمرة‏.‏ ولا يخفى أن حسان قال ذلك الشعر زمن عمر بن الخطاب وإليك قوله‏:‏

سأل الإمام وقد تتابع جدبنا *** فسقى الغمام بغرة العباس

عم النبي وصنو والده الذي *** ورث النبي بذاك دون الناس

أحيا الإله به البلاد فأصبحت *** مخضرة الأجناب بعد الياس

وعن أنس بن مالك‏.‏ أنهم كانوا إذا قحطوا على عهد عمر خرج بالعباس فاستسقى به وقال‏:‏ ‏(‏اللَّهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا عليه السلام إذا قحطنا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا عليه السلام فاسقنا‏)‏‏.‏

وعن موسى بن عمر قال‏:‏ أصاب الناس قحط، فخرج عمر ابن الخطاب فأخذ يستسقي بيد العباس، فاستقبل به القبلة‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏هذا عم نبيك عليه السلام جئنا نتوسل به إليك فاسقنا، فما رجعوا حتى سقوا‏.‏

وعن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه قال‏:‏ رأيت عمر آخذًا بيد العباس فقام به فقال‏:‏ اللَّهم إنا نستشفع بعم رسولك ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إليك ‏[‏ابن سعد، الطبقات الكبرى ج 4/ص 19، طبعة ليدن سنة 1322 هـ/1908 م‏]‏‏.‏

فليست قصة الاستسقاء خرافة كما زعمت دائرة المعارف الإسلامية فقد رواها جمع من الصحابة‏.‏ ولما سقى الناس طفقوا يتمسحون بالعباس ويقولون هنيئًا لك ساقي الحرمين‏.‏ وكان الصحابة يعرفون للعباس فضله، ويقدمونه، ويشاورونه، ويأخذون برأيه، وكان له من الولد عشرة ذكور سوى الإناث‏.‏

توفي العباس بالمدينة، وصلى عليه عثمان، ودفن بالبقيع، وهو ابن ثمان وثمانين سنة‏.‏ وكان طويلًا، جميلًا، أبيض‏.‏

 وفاة عبد اللَّه بن مسعود

‏[‏ابن كثير، البداية والنهاية ج 7/ص 162‏]‏‏.‏

وممن توفي في هذه السنة عبد اللَّه بن مسعود بن غافل، وأمه أم عبد بنت عبدُود بن سوداء‏.‏ أسلمت أيضًا وهاجرت‏.‏ فهو صحابي ابن صحابية‏.‏ أسلم قديمًا قبل عمر بن الخطاب حين أسلم سعيد بن زيد ‏[‏هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، أبو الأعور هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، المتوفى سنة 50 هـ‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ تهذيب التهذيب ج 4/ص 185، تقريب التهذيب ج 1/ص 170، الجرح والتعديل ج 4/ص 110، أسماء الصحابة الرواة ترجمة 64، طبقات ابن سعد ج 3/ص 64، صفة الصفوة ج 1/ص 83، حلية الأولياء ج 1/ص 80، الرياض النضرة ج 1/ص 115، صورة من حياة الصحابة، الأعلام ج 3/ص 94‏.‏‏]‏ وزوجته فاطمة بنت الخطاب ‏[‏هي فاطمة بنت الخطاب بن نُفيل القرشية، صحابية من السابقات إلى الإسلام، أسلمت قبل أخيها عمر، وأخفت إسلامها عنه، فدخل عليها فسمعها تتلو آيات من القرآن، فضربها وشجَّها، والخبر معروف من إسلام عمر، كانت زوجة لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ ابن سعد ج 8/ص 195، السيرة النبوية ج 1/ص 271، جمهرة الأنساب 143، الإصابة باب النساء ترجمة 837‏.‏‏]‏ ‏[‏ص 118‏]‏‏.‏

قال ابن مسعود يذكر سبب إسلامه‏:‏

‏"‏كنت غلامًا يافعًا في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها، فأتى النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ومعه أبو بكر‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏يا غلام هل معك من لبن‏؟‏‏"‏ فقلت‏:‏ نعم، ولكني مؤتمن‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ائتني بشاة لم ينز عليها الفحل‏"‏‏.‏ فأتيته بعناق أو جذعة‏.‏ فاعتقلها رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فجعل يمسح الضرع ويدعو حتى أنزلت، فأتاه أبو بكر بصحفة، فاحتلب فيها‏.‏ ثم قال لأبي بكر‏:‏ ‏"‏اشرب‏"‏‏.‏ فشرب أبو بكر، ثم شرب النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بعده‏.‏ ثم قال للضرع‏:‏ ‏"‏أقلص‏"‏‏.‏ فقلص، فعاد كما كان‏.‏ ثم أتيته فقلت‏:‏ يا رسول اللَّه علِّمني من هذا الكلام أو من هذا القرآن‏.‏ فمسح رأسي وقال‏:‏ ‏"‏إنك غلام معلم‏"‏ ‏[‏رواه الطبراني في المعجم الكبير ‏(‏9‏:‏ 77‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ قال‏:‏ فلقد أخذت منه سبعين سورة ما نازعني فيها بشر‏"‏‏.‏

وهو أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏

اجتمع يومًا أصحاب رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ فقالوا‏:‏ واللَّه ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط‏!‏‏.‏ فمن رجل يسمعهم‏؟‏ فقال عبد اللَّه بن مسعود‏:‏ أنا‏.‏ فقالوا‏:‏ إنا نخشاهم عليك‏.‏ إنما نريد رجلًا له عشيرة تمنعه من القوم إن أرادوه‏.‏ فقال‏:‏ دعوني فإن اللَّه سيمنعني‏.‏ فغدا عبد اللَّه حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها، فقال رافعًا صوته‏:‏ ‏(‏بسم اللَّه الرحمن الرحيم الرحمن ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَّمَ القُرْآنَ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 1 ،2‏]‏‏)‏ فاستقبلها، فقرأ بها، فتأملوا‏.‏ فجعلوا يقولون‏:‏ ما يقول ابن أم عبد‏!‏‏؟‏ ثم قالوا‏:‏ إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد فقاموا، فجعلوا يضربون في وجهه‏.‏ وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء اللَّه أن يبلغ‏.‏ ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه‏.‏ فقالوا‏:‏ هذا الذي خشينا عليك‏.‏ فقال‏:‏ ما كان أعداء اللَّه قط أهون عليَّ منهم الآن‏.‏ ولئن شئتم غاديتهم بمثلها غدًا‏.‏ قالوا‏:‏ حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون‏.‏

ولما أسلم عبد اللَّه أخذه رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إليه، وكان يخدمه فكان يدخل عليه ويلبسه نعله، ويمشي معه وأمامه ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام‏.‏ وهاجر الهجرتين جميعًا إلى الحبشة، وإلى المدينة، وصلى إلى القبلتين، وشهد بدرًا، وأُحدًا، والخندق، وبيعة الرضوان، وسائر المشاهد مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وشهد اليرموك بعد النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ‏[‏ص 119‏]‏‏.‏ وهو الذي أجهز على أبي جهل، وشهد له رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بالجنة‏.‏ وسيَّره عمر بن الخطاب ـ رضي اللَّه عنه ـ إلى الكوفة وكتب إلى أهلها‏:‏ ‏(‏إني قد بعثت عمار بن ياسر أميرًا، وعبد اللَّه بن مسعود معلمًا ووزيرًا، وهما من النجباء من أصحاب رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ من أهل بدر فاقتدوا بهما، وأطيعوا، واسمعوا قولهما‏.‏ وقد آثرتكم بعبد اللَّه على نفسي‏)‏‏.‏ وليس بعد ذلك ثناء وتقدير‏.‏

ولما مرض عبد اللَّه عاده عثمان بن عفان فقال‏:‏ ما تشتكي‏؟‏ قال‏:‏ ذنوبي‏.‏ قال‏:‏ فما تشتهي‏؟‏ قال‏:‏ رحمة اللَّه‏.‏ قال‏:‏ ألا آمر لك بطبيب‏؟‏ قال‏:‏ الطبيب أمرضني‏.‏ قال‏:‏ ألا آمر لك بعطاء‏؟‏ قال‏:‏ لا حاجة لي فيه‏.‏ قال‏:‏ يكون لبناتك‏.‏ قال‏:‏ أتخشى على بناتي الفقر‏؟‏ إني أمرت بناتي أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، إني سمعت رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدًا‏)‏ ‏[‏رواه السيوطي في الدر المنثور ‏(‏6‏:‏ 153‏)‏، والفتني في تذكرة الموضوعات ‏(‏78‏)‏ ‏]‏‏.‏

وفي أسد الغابة وتهذيب اللغات والأسماء أنه توفي سنة 32 هـ‏.‏ وكان عمره يوم توفي بضعًا وستين سنة‏.‏ وكان يعرف بصاحب سواد رسول اللَّه ‏[‏صاحب سواد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ أي صاحب سرَّه‏.‏

‏[‏وسواكه ونعله‏.‏ وكان عبد اللَّه يلبس رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ نعليه، ثم يمشي أمامه بالعصا، حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه فأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا، فإذا أراد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أن يقوم ألبسه نعليه، ثم مشى بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة قبل رسول اللَّه‏.‏ وكان يصوم الاثنين والخميس‏.‏ وكان رجلًا نحيفًا قصيرًا‏.‏ دقيق الساقين‏.‏ وكان من كبار الصحابة، وساداتهم، وفقهائهم، ومقدميهم في القرآن، والفقه، والفتوى، وأصحاب الخلق، والأتباع في العلم‏.‏ مات بالمدينة، ودفن بالبقيع عند قبر عثمان بن مظعون كما أوصى وهو ابن بضع وستين سنة‏.‏ وقيل‏:‏ إنه ترك تسعين ألف درهم‏.‏

  وفاة عبد اللَّه بن زيد بن عبد ربه

‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 629، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 29‏.‏‏]‏ الذي أُري الأذان ‏(‏سنة 32 هـ/ 653 م‏)‏‏:‏

شهد عبد اللَّه العقبة، وبدرًا، والمشاهد كلها مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وهو الذي أُري الأذان في النوم، فأمر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بلالًا أن يؤذن على ما رآه عبد اللَّه‏.‏ وكانت رؤياه في السنة الأولى بعد ما بنى رسول اللَّه مسجده ‏[‏ص 120‏]‏‏.‏

قال عبد اللَّه‏:‏ لما أصبحنا أتيت رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ فأخبرته بالرؤيا فقال‏:‏ ‏"‏هذه رؤيا حق‏.‏ فقم مع بلال فإنه أندى صوتًا منك، فألق عليه ما قيل لك وليناد بذلك‏"‏، فلما سمع عمر بن الخطاب نداء بلال بالصلاة خرج إلى رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وهو يجر رداءه وهو يقول‏:‏ يا رسول اللَّه، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي قال، فقال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏فللَّه الحمد فذاك أثبت‏)‏ ‏[‏رواه أبو داود في كتاب الصلاة، باب‏:‏ كيف الأذان، والترمذي في كتاب المواقيت، باب‏:‏ 25، وابن ماجه في كتاب الأذان، باب‏:‏ بدء الأذان، والدارمي في كتاب الصلاة، باب‏:‏ في بدء الأذان وأحمد في ‏(‏م 4/ص 43‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

 وفاة أبي الدرداء الأنصاري

‏[‏ورد في ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 24، أن الصحابي أبو الدرداء قد توفي في العام 31 هـ‏.‏‏]‏ ‏(‏سنة 32 هـ/ 653 م‏)‏‏:‏

اسمه عويمر بن مالك، وقيل اسمه عامر بن مالك، وعويمر لقب‏.‏ تأخر إسلامه قليلًا‏.‏ كان آخر أهل داره إسلامًا، وحسن إسلامه، وكان فقيهًا، عاقلًا، حكيمًا‏.‏ آخى رسول اللَّه بينه وبين سلمان الفارسي‏.‏ وقال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏عويمر حكيم أمتي‏)‏ ‏[‏رواه ابن حجر في المطالب العالية ‏(‏4112‏)‏، والمتقي الهندي في كنز العمال ‏(‏33132‏)‏، والألباني في السلسلة الضعيفة ‏(‏2‏:‏ 150‏)‏‏.‏

‏[‏شهد ما بعد أحد من المشاهد‏.‏

مر أبو الدرداء يومًا على رجل أصاب ذنبًا وكانوا يسبونه‏.‏ فقال‏:‏ أرأيتم لو وجدتموه في قَلِيب ‏[‏قَلِيب‏:‏ بئر قديمة‏.‏ ‏[‏القاموس المحيط، مادة‏:‏ قلب‏]‏‏.‏‏]‏ ألم تكونوا مستخرجيه‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا اللَّه الذي عافاكم‏.‏ قالوا‏:‏ أفلا تبغضه‏.‏ قال‏:‏ إنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي‏.‏

ولما نزل به الموت بكى فقالت له أم الدرداء‏:‏ وأنت تبكي يا صاحب رسول اللَّه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ وما لي لا أبكي ولا أدري علام أهجم من ذنوبي‏.‏ ودعا ابنه بلالًا فقال‏:‏ ويحك يا بلال، اعمل للساعة، اعمل لمثل مصرع أبيك، واذكر به مصرعك وساعتك فكأن قد‏.‏ ثم قبض‏.‏

وكان أبو الدرداء مقرئ أهل دمشق وقاضيهم‏.‏ يهابه معاوية، ويتأدب معه‏.‏

  وفاة المقداد بن الأسود الكندي

‏[‏هو المقداد بن عمرو، ويعرف بابن الأسود، الكندي، الحضرمي، أبو معبد، صحابي من الأبطال ولد سنة 37 ق‏.‏ هـ، هو أحد السبعة الذين كانوا أول من أظهر الإسلام، وهو أول من قاتل على فرس في سبيل اللَّه، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏إن اللَّه أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم‏:‏ علي، والمقداد، وأبو ذر، وسلمان‏)‏، كان في الجاهلية من سكان حضرموت، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة البهراني الكندي، توفي سنة 33 هـ‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ الإصابة ترجمة 8185، التهذيب ج 10/ص 285، صفة الصفوة ج 1/ص 167، حلية الأولياء ج 1/ص 172، ذيل المذيل 10، السالمي ج 1/ص 160، مجمع الزوائد ج 9/ص 306، الجرح والتعديل ج 4/ص 426‏.‏‏]‏ ‏(‏سنة 32 هـ/ 654 م‏)‏‏:‏ ‏[‏ص 121‏]‏

هو قديم الإسلام من السابقين وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم عاد إلى مكة فلم يقدر على الهجرة إلى المدينة لما هاجر إليها رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏

عن ابن إسحاق قال‏:‏ أتى رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ لما سار إلى بدر الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا غيرهم فاستشار رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ الناس فقال أبو بكر فأحسن‏.‏ وقال عمر فأحسن‏.‏ ثم قام المقداد فقال‏:‏ يا رسول اللَّه امض لما أمرت به فنحن معك‏.‏ واللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى‏:‏ ‏(‏اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقول‏:‏ ‏(‏اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق نبيًا لو سرت بنا إلى بَرْكِ الغِماد ‏[‏الغماد‏:‏ بكسر الغين، وقال ابن دريد بالضم والكسر أشهر، موضع وراء مكة، بخمس ليالٍ مما يلي البحر، وقيل‏:‏ بلد باليمن‏]‏ لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ خيرًا ودعا له‏)‏‏.‏ قيل‏:‏ لم يكن ببدر صاحب فرس غير المقداد، وشهد المشاهد كلها مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏ وشهد فتح مصر‏.‏

وكانت وفاته بالمدينة، ومات بأرض له بالجرف، وحمل إلى المدينة، ودفن بالبقيع، وأوصى إلى الزبير بن العوام، وصلى عليه عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ‏.‏

وكان عمره سبعين سنة، وكان رجلًا ضخمًا، طويلًا، آدم، ذا بطن، كثير شعر الرأس، يصفر لحيته، وهي حسنة، وليست بالعظيمة ولا بالخفيفة، أعين، مقرون الحاجبين، أقنى‏.‏

وبعد أن توفي المقداد جعل عثمان يثني عليه فقال الزبير‏:‏

لاَ أُلفْيَنَّكَ بعد الموت تندبني *** وفي حياتي ما زوّدتني زادي

  وفاة أبي طلحة الأنصاري

‏[‏ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 24 أورد ابن الأثير في الهامش رقم ‏(‏2‏)‏ أن وفاته كانت سنة 31 هـ‏.‏ واسمه ‏"‏زيد بن سهيل الأنصاري النّجّاري‏"‏‏.‏‏]‏ ‏(‏سنة 34 هـ/ 655 م‏)‏‏:‏ ‏[‏ص 122‏]‏‏.‏

اسمه زيد بن سهل الأنصاري النجّاري ‏[‏هو زيد بن سهل بن الأسود النّجّاري، الأنصاري، صحابي من الشجعان الرماة المعدودين في الجاهلية والإسلام، مولده في المدينة سنة 36 ق‏.‏ هـ، ولما ظهر الإسلام كان من كبار أنصاره، فشهد العقبة، وبدرًا، وأُحدًا، والخندق، وسائر المشاهد، كان جهير الصوت، وفي الحديث‏:‏ ‏"‏صوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل‏"‏، كان ردف رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ يوم خيبر‏.‏ توفي بالمدينة سنة 34 هـ، وقيل‏:‏ ركب البحر غازيًا فمات فيه‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ طبقات ابن سعد ج 3/ص 64، تهذيب ابن عساكر ج 6/ص 4، صفة الصفوة ج 1/ص 190‏.‏‏]‏، شهد بدرًا، وآخى رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، شهد المشاهد كلها مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏ وكان من الرماة المذكورين من الصحابة، وهو من الشجعان، وله يوم أُحد مقام مشهود‏.‏ كان بقي مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بنفسه يرمي بين يديه ويتطاول بصدره ليقي رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏ ويقول‏:‏ ‏"‏نحري دون نحرك ونفسي دون نفسك‏"‏‏.‏ وكان رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏"‏صوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل‏"‏ ‏[‏رواه أحمد في ‏(‏م 3/ص 261‏)‏، وفيه‏:‏ ‏"‏خير من فئة‏"‏‏.‏‏]‏‏.‏ وقتل يوم حنين عشرين رجلًا وأخذ أسلابهم‏.‏ وكان أكثر الأنصار مالًا‏.‏

توفي بالمدينة وهو ابن سبعين سنة، وصلى عليه عثمان بن عفان‏.‏ وكان لا يخصب وكان آدم مربوعًا‏.‏

  وفاة عبادة بن الصامت الأنصاري

‏[‏ابن الأثير الكامل في التاريخ ج 3/ص 45‏]‏ ‏(‏سنة 34 هـ/ 655 م‏)‏‏:‏

اسمه غنم بن عوف ‏[‏عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي، شهد العقبة الأولى والثانية، وكان نقيبًا على قوافل بني عوف بن الخزرج، وآخى رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بينه وبين أبي مرئد الغنوي، وشهد بدرًا، وأُحدًا، والمشاهد كلها مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، واستعمله على بعض الصدقات، وكان يعلم أهل الصفة القرآن، ولما فتح المسلمون الشام، أرسله عمر بن الخطاب، وأرسل معه معاذ بن جبل، وأبا الدرداء ليعلموا الناس القرآن ويفقهوهم في الدين، وأقام عبادة بحمص وكان طويلًا جسيمًا جميلًا‏]‏‏.‏ شهد العقبة الأولى والثانية‏.‏ وآخى رسول اللَّه بينه وبين أبي مرثد الغنوي ‏[‏هو مرثد بن كنَّاز بن الحصين بن يربوع الغنوي، صحابي ابن صحابي، من أمراء السرايا، آخى رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بينه وبين عبادة بن الصامت، شهد بدرًا، وأُحدًا، كان يحمل الأسرى، ووجَّهه النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أميرًا على سرية إلى مكة، فاستشهد يوم الرجيع سنة 4 هـ‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ تهذيب التهذيب ج 10/ص 82،إمتاع الأسماع ج 1/ص 174، الإصابة ترجمة 7880، الاستيعاب ج 3/ص 410‏]‏‏.‏ وشهد بدرًا، وأُحدًا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏ واستعمله رسول ‏[‏ص 123‏]‏ اللَّه على بعض الصدقات وقال له‏:‏ ‏"‏اتق اللَّه‏.‏ لا تأتي يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء أو شاة لها ثؤاج‏"‏ ‏[‏رواه البيهقي في السنن الكبرى ‏(‏4‏:‏ 158‏)‏، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ‏(‏7‏:‏ 213‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فوالذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين‏"‏‏.‏ وهو من الذين جمعوا القرآن زمن رسول اللَّه‏.‏ وكان عبادة يعلم أهل الصفة القرآن‏.‏ ولما فتح المسلمون الشام أرسله عمر بن الخطاب، وأرسل معه معاذ بن جبل ‏[‏هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس ولد سنة 20 قبل الهجرة وتوفي سنة 18 هـ، الأنصاري، الخزرجي، أبو عبد الرحمن، صحابي جليل، كان أعلم الأمة بالحلال والحرام، هو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ طبقات ابن سعد ج 3/ص 250، أُسد الغابة ج 4/ص 300، الإصابة ترجمة 8039، حلية الأولياء ج 1/ص 170، مجمع الزوائد ج 9/ص 188، غاية النهاية ج 2/ص 287، صفة الصفوة ج 1/ص 111، المحبّر ص 125‏.‏‏]‏ وأبا الدرداء، ليعلموا الناس القرآن بالشام ويفقهوهم في الدين‏.‏ وأقام عبادة بحمص، وأقام أبو الدرداء بدمشق، ومضى معاذ إلى فلسطين، ثم صار عبادة بعد إلى فلسطين‏.‏ وكان معاوية خالفه في شيء أنكره عبادة فأغلظ له معاوية في القول فقال عبادة‏:‏ لا أساكنك بأرض واحدة أبدًا ورحل إلى المدينة‏.‏ فقال عمر‏:‏ ما أقدمك‏؟‏ فأخبره، فقال‏:‏ ارجع إلى مكانك لا يفتح اللَّه أرضًا لست فيها أنت ولا أمثالك‏.‏ وكتب إلى معاوية‏:‏ لا إمرة لك عليه‏.‏

وبايع عبادة رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ على أن لا يخاف في اللَّه لومة لائم‏.‏ فقام في الشام خطيبًا فقال‏:‏ ‏"‏يا أيها الناس‏.‏ إنكم قد أحدثتم بيوعًا لا أدري ما هي‏.‏ ألا إن الفضة بالفضة وزنًا بوزن، تبرها وعينها‏.‏ والذهب بالذهب وزنًا بوزن تبره وعينه‏.‏ ألا ولا بأس ببيع الذهب بالفضة يدًا بيد والفضة أكثر ولا يصلح نسيئة‏.‏ ألا وإن الحنطة بالحنطة مدْيًا بمدى‏.‏ والشعير بالشعير مديًا بمدي ‏[‏المدي‏:‏ بالضم مكيال تسعة عشر صاعًا، وهو غير المد يسع، والجمع‏:‏ أمداء‏]‏‏.‏ ألا ولا بأس ببيع الحنطة بالشعير والشعير أكثرهما يدًا بيد، ولا يصلح نسيئة، والتمر بالتمر مديًا بمدي، والملح بالملح مديًا بمدي، ومن زاد أو ازداد فقد أربى‏"‏‏.‏

وعبادة أحد النقباء‏.‏ بدري كبير، وكان طويلًا جسيمًا جميلًا من كبار زاد العلماء‏.‏ توفي بالرملة‏.‏ وقيل‏:‏ توفي ببيت المقدس وهو ابن اثنتين وسبعين سنة‏.‏