كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال الزركشي‏:‏ ما كان مجتمعاً في المصطفى صلى اللّه عليه وسلم من الأخلاق والمعجزات صار متفرقاً في أمته بدليل أنه كان معصوماً وأمته إجماعها معصوم وقد أكمل اللّه عليهم النعمة وجعلهم شهداء على الأمم قبلهم وحكم أنهم خير أمة أخرجت للناس فلا فضل يوازي فضلهم وهم الآخرون السابقون يوم القيامة أكثر أهل الجنة وإن كانوا في الأمم كالشامة‏.‏

- ‏(‏الحاكم في‏)‏ كتاب ‏(‏الكنى‏)‏ والألقاب ‏(‏عن أنس‏)‏ قال ابن الجوزي‏:‏ قال النسائي هذا حديث منكر اهـ ورواه عنه الطبراني في الأوسط وزاد تدخل قبورها بذنوبها وتخرج من قبورها لا ذنوب عليها يمحص عنها باستغفار المؤمنين لها اهـ قال الهيثمي‏:‏ فيه شيخ الطبراني أحمد بن طاهر بن حرملة كذاب‏.‏

1622 - ‏(‏أمتي هذه‏)‏ أي الموجودين الآن كما عليه ابن رسلان وهم قرنه ويحتمل إرادة أمة الإجابة ‏(‏أمة مرحومة‏)‏ أي جماعة مخصوصة بمزيد الرحمة وإتمام النعمة موسومة بذلك في الكتب المتقدمة ‏(‏ليس عليها عذاب في الآخرة‏)‏ بمعنى أن من عذب منهم لا يحس بألم النار لأنهم إذا دخلوها أميتوا فيها وزعم أن المراد لا عذاب عليها في عموم الأعضاء لكون أعضاء الوضوء لا تمسها النار تكلف مستغنى عنه ‏(‏إنما عذابها في الدنيا الفتن‏)‏ التي منها استيفاء الحد ممن يفعل موجبه وتعجيل العقوبة على الذنب في الدنيا أي الحروب والهرج فيهما بينهم ‏(‏والزلازل‏)‏ جمع زلزلة وأصلها تحرك الأرض واضطرابها من احتباس البخار فيها لغلظه أو لتكاثف وجه الأرض ثم استعملت في الشدائد والأهوال‏.‏ قال الومخشري‏:‏ تقول العرب جاء بالإبل يزلزلها يسوقها بعنف وأصابته زلازل الدهر شدائده انتهى‏.‏ ‏(‏والقتل والبلايا‏)‏ لأن شأن الأمم السابقة يجري على طريق العدل وأساس الربوبية وشأن هذه الأمة يجري على منهج الفضل والألوهية فمن ثم ظهرت في بني إسرائيل النياحة والرهبانية وعليهم في شريعتهم الأغلال والآصار وظهرت في هذه الأمة السماحة والصديقية ففك عنهم الأغلال ووضع عنهم الآصار‏.‏

- ‏(‏د طب ك هب عن أبي موسى‏)‏ الأشعري قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال الصدر المناوي رضي اللّه عنه وفيه نظر فإن في سند أبي داود والحاكم وغيرهما المسعودي عبد الرحمن ‏[‏ص 186‏]‏ ابن عبد اللّه الهذلي استشهد به البخاري قال ابن حبان اختلط حديثه فاستحق الترك وقال العقيلي تغير فاضطرب حديثه‏.‏

1623 - ‏(‏أمثل ما تداويتم به‏)‏ أي أنفعه وأفضله ‏(‏الحجامة‏)‏ لمن احتمل ذلك سناً ولاق به قطراً ومرضاً ‏(‏والقسط‏)‏ بضم القاف بخور معروف وهو فارسي معرب ‏(‏البحري‏)‏ بالنسبة لمن يليق به ذلك ويختلف باختلاف البلدان والأزمان والأشخاص فهذا جواب وقع لسؤال سائل فأجيب بما يلائم حاله واحترز بالبحري وهو مكي أبيض عن الهندي وغيره وهو أسود والأول هو الأجود قال بعض الأطباء‏:‏ القسط ثلاثة أنواع مكي وهو عربي أبيض وشامي وهندي وهو أسود وأجودها الأبيض وهو حار في الثالثة يابس في الثانية ينفع للرعشة واسترخاء العصب وعرق النسا ويلين الطبع ويخرج حب القرع ويجلو الكلف لطوفاً بعسل وينفع نهش الهوام والهندي أشد حرارة ولا ينافي تقييده هنا بالبحري وصفه للأسود وهو الهندي في خبر آخر لأنه كان يذكر لكل إنسان ما يوافق فحيث وصف الهندي كان الدواء يحتاج لمعالجته بما تشتد حرارته أو البحري كان دون ذلك‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ الإمام المشهور في الموطأ ‏(‏حم ق ت ن عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

1624 - ‏(‏امرؤ القيس‏)‏ سليمان بن حجر الملك الضليل عظيم شعراء الجاهلية ‏(‏صاحب لواء الشعر‏)‏ أي حامل راية شعراء الجاهلية والمشركين‏.‏ قال دعبل‏:‏ ولا يقود الناس إلا أميرهم ورئيسهم ‏(‏إلى النار‏)‏ لأنه زعيمهم وعظيمهم في الدنيا فيكون قائدهم في العقبى‏.‏ قال ابن سلام‏:‏ ليس لكونه قال ما لم يقولوا ولكنه سبق إلى أشياء ابتدعها فاتبعوه عليها واقتدوا به فيها وأخرج ابن عساكر أنه ذكر امرؤ القيس للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ذلك رجل مذكور في الدنيا منسي في الآخرة يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ سبق امرؤ القيس العرب إلى أشياء ابتدعها فاستحسنوها وتبعهم فيها الشعراء منها استباق صحبه والبكاء على الديار ورقة التشبيب وقرب المآخذ وتشبيه النساء بالظباء البيض والخيل بالعقبان والعصي وقيد الأوابد وأجاد في التشبيه وفصل بين التشبيب والمعنى هذا لواء الشهرة في الذم وتقبيح الشعر كما أن ثم ألوية للعز والمجد والإفضال كما يجيء أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بيده لواء الحمد فثم ألوية خزي وفضيحة قال الزبير بن بكار‏:‏ قيل لحسان بن ثابت من أشعر الناس قال النابغة قال ثم من قال حسبك بي مناضلاً قيل فأين أنت عن امرؤ القيس قال لنا إنما أنا في ذكر الأنس‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ وكذا البزّار كلاهما من حديث هشيم عن أبي الجهم عن الزهري عن أبي سلمة ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيثمي فيه أبو الجهم شيخ هشيم بن بشير ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏ اهـ‏.‏ وأقول أبو الجهم ضعيف جداً قال الذهبي في الضعفاء أبو الجهم عن الزهري قال أبو زرعة واهي الحديث‏.‏

1625 - ‏(‏امرؤ القيس‏)‏ بن حجر بضم الحاء بن الحارث الكندي الشاعر الجاهلي المشهور وهو أول من قصد القصائد ‏(‏قائد الشعراء إلى النار‏)‏ أي جاذبهم إلى جهنم ‏(‏لأنه أول من أحكم قوافيها‏)‏ أي أتقنها وأوضح معانيها ولخصها وكشف عنها وجانب التعويص والتعقيد، قيل كان إذا قيل أسرع وإذا مدح رفع وإذا هجا وضع قال التبريزي‏:‏ وأشعر المَرَاقِسَة امرؤ القيس الزائد وهو أول من تكلم في نقد الشعر وقال العسكري في التصحيف أئمة الشعراء سبعة امرؤ القيس هذا ثم النابغة ثم زهير ثم الأعشى ثم جرير ثم الفرزدق ثم الأخطل وسئل كثير من أشعر الناس قال الملك الضليل قيل ثم من قال الغلام القتيل طرفة قيل ثم من قال الشيخ أبو عقيل يعني نفسه وقال ابن عبد البر‏:‏ افتتح الشعر بامرىء القيس وختم بذي الرّمة وقيل لبعضهم من أشعر الناس قال امرؤ القيس إذا ركب والأعشى إذا طرب وزهير ‏[‏ص 187‏]‏ إذا رغب والنابغة إذا رهب وأول شعر قاله امرؤ القيس إنه راهق ولم يقل شعراً فقال أبوه هذا ليس با بني إذ لو كان كذلك لقال شعراً فقال لاثنين من جماعته خذاه واذهبا به إلى مكان كذا فاذبحاه فمضيا به حتى وصلا المحل المعين فشرعا ليذبحاه فبكى وقال‏:‏

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوا بين الدخول فحومل

فرجعا به إلى أبيه وقالا هذا أشعر من على وجه الأرض قد وقف واستوقف وبكى واستبكى ونعى الحبيب والمنزل في نصف بيت فقام إليه واعتنقه وقبله وقال أنت ابني حقاً وآخر شعر قاله امرؤ القيس إنه وصل إلى جبل عسيب وهو يجود بنفسه فنزل إلى قبر فأخبر بأنها بنت ملك فقال‏:‏

أجارتنا إن المزار قريب * وإني مقيم ما أقام عسيب

أجارتنا إنا غريبان ههنا * وكل غريب للغريب نسيب

قال في الزاهر أنشد عمر هذين فأعجب بهما وقال وددت أنها عشرة وإني علي بذلك كذا وكذا، وفي الأوائل للمؤلف وغيره أن أول من نطق بالشعر آدم لما قتل ابنه أخاه وأول من قصد القصائد امرؤ القيس وقيل عبد الأحوص وقيل مهلهل وقيل الأفوه الأودي وقيل غير ذلك ويجمع بينهما بأنه بالنسبة للقائل وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل‏.‏ فقال‏:‏

يتمنى المرء في الصيف الشتاء * حتى إذا جاء الشتاء أنكره

فهو لا يرضى بحال واحد * قتل الإنسان ما أكفره

وقال‏:‏

اقتربت الساعة وانشق القمر * من غزال صاد قلبي ونفر

وقال‏:‏

إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها

تقوم الأنام على رسلها * ليوم الحساب ترى حالها

يحاسبها ملك عادل * فإما عليها وإما لها

- ‏(‏أبو عروية في‏)‏ كتاب ‏(‏الأوائل‏)‏ له ‏(‏وابن عساكر‏)‏ في تاريخه من حديث الحسين بن فهم عن يحيى بن أكثم ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال يحيى‏:‏ قال لي المأمون‏:‏ أريد أن أحدث فقلنا‏:‏ من أولى بهذا منك فصعد المنبر فأول حديث حدثنا هذا ثم نزل فقلنا‏:‏ كيف رأيت مجلسنا قلت‏:‏ أجل مجلس يفقه الخاصة والعامة قال‏:‏ وحياتك ما رأيتم له حلاوة إنما المجلس لأصحاب الحلقات والمحابر اهـ‏.‏ والحسين بن فهم أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال‏:‏ قال الحاكم ليس بقوي ويحيى بن أكثم قال الأزدي يتكلمون فيه وقال ابن الجنيد‏:‏ كانوا لا يشكون أنه يسرق الحديث‏.‏

قال القرطبي‏:‏ هذا الحديث وما قبله يدل على أن من كان إماماً دراساً في أمر ما هو معروف به فله لواء يعرف به خيراً كان أو شراً فللأولياء الصالحين ألوية تنويه وإكرام وإفضال كما أن للظالمين فضيحة وخزي ونكال‏.‏

1626 - ‏(‏امرأة ولود‏)‏ أي تزوج امرأة كثيرة الولادة غير حسناء كما يدل عليه تقييده بالحسن في مقابله وتعرف البكر بأقاربها ‏(‏أحب إلى اللّه تعالى‏)‏ أي أفضل عنده ‏(‏من‏)‏ تزوج ‏(‏امرأة حسناء لا تلد‏)‏ لعقمها ‏(‏إني مكاثر بكم‏)‏ تعليل للترغيب في نكاح الولود وإن لم تكن جميلة وتجنب العقيم وإن كانت في نهاية الجمال ‏(‏الأمم‏)‏ السالفة ‏(‏يوم القيامة‏)‏ أي أغاليهم بكم كثيرة وهذا حث عظيم على الحرص على تكثير الأولاد وفي ضمنه نهى عن العزل وتوبيخ على فعله وأنه ينبغي للإنسان رعاية المقاصد الشرعية وإيثارها على الشهوات النفسانية‏.‏

- ‏(‏ابن قانع‏)‏ في معجم الصحابة من طريق محمد بن سوقة ميمون بن أبي شبيب ‏(‏عن حرملة بن النعمان‏)‏‏.‏

‏[‏ص 188‏]‏ 1627- ‏(‏أمر النساء‏)‏ في التزويج أي ولاية العقد ‏(‏إلى آبائهن‏)‏ أي الأب وأبيه وإن علا ‏(‏ورضاهن السكوت‏)‏ أي رضى البكر البالغ منهن سكوتها إذا زوجها الأب أو الجد بولاية الإجبار حيث لم يقترن السكوت بنحو بكاء وفي غير ذلك لا بد من إذنها بالنطق‏.‏

- ‏(‏طب خط عن أبي موسى‏)‏ الأشعري وفيه علي بن عاصم قال الذهبي قال النسائي متروك وضعفه جمع‏.‏

1628 - ‏(‏أمراً‏)‏ سوغ الابتداء به تنوينه المفيد للتعظيم أي عظيم والخبر قوله ‏(‏بين أمرين‏)‏ أي بين طرفي الإفراط والتفريط كما قال تعالى ‏{‏ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك‏}‏ الآية ‏(‏وخير الأمور أوساطها‏)‏ أي الذي لا ترجيح لأحد جانبيه على الآخر لأن الوسط العدل الذي نسبته الجوانب كلها إليه سواء فهو خيار الشيء والعدل هو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط والآفات إنما تطرق إلى الافراط والأوساط محمية بأطرافها قال‏:‏

كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت * بها الحوادث حتى أصبحت طرفا

ومالك الوسط محفوظ الغلط ومتى زاغ عن الوسط حصل الجور الموقع في الضلال عن القصد‏.‏ قيل‏:‏ دخل عمر بن عبد العزيز على عبد الملك فتكلم فأحسن فقال ابنه‏:‏ هو كلام أعد لهذا المقام ثم دخل بعد أيام فسأله عبد الملك عن نفقته فقال‏:‏ الحسنة بين السيئتين يريد الآية فقال عبد الملك لابنه‏:‏ أهذا مما أعده آنفاً‏.‏

- ‏(‏حب عن عامر بن الحارث بلاغاً‏)‏ أي قال بلغنا ذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورواه البيهقي في السنن عنه أيضاً وقال الذهبي في المهذب هو منقطع أيضاً وعمرو بن الحارث في التابعين والصحابة كثير فكان ينبغي تمييزه‏.‏

1629- ‏(‏أمر الدم‏)‏ أي أسله واستخرجه قال القاضي إمرار الدم إسالته وإجراؤه بشدة وهلى هذا فقوله أمر بكسر الميم وشدة الراء من أمر أي أجرى وقول الخطابي هو غلظ والصواب سكون الميم وخفة الراء من أمرى يمري وهو الغلظ لأن أصله أمرر براءين كما هو رواية ابن داود وقال شراحه أي اجعله يمر أي يذهب وحينئذ فمن شدد أدغم فلا غلط ‏(‏بما شئت‏)‏ مخصوص بما استثناه في حديث رافع بقوله ليس السن والظفر ذكره البيضاوي ‏(‏واذكر اسم اللّه عز وجل‏)‏ أي على الذبح ندباً بأن تقول بسم اللّه فقط ويزيد في الأضحية واللّه أكبر اللّهم هذا منك وإليك فتقبل مني، وترك التسمية عمداً مكروه والذبيحة حلال‏.‏

- ‏(‏حم د ه ك عن عدي بن حاتم‏)‏ قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه إنا نصيد فلا نجد سكيناً إلا الظرازة وشقة العصا فذكره والظرازة جمع ظرز الحجر الصلب محدداً وشقة العصا ما شق منها وهو محدد‏.‏

1630 - ‏(‏أمرت‏)‏ أي أمرني اللّه إذ لا آمر سواه وحذف الفاعل تعظيماً وتفخيماً ‏(‏أن‏)‏ أي بأن ‏(‏أقاتل‏)‏ وحذف الجار من أن غير عزيز ‏(‏الناس‏)‏ أي بمقاتلة الناس وهذا عام خص منه من أقر بالجزية ‏(‏حتى‏)‏ أي إلى أن ‏(‏يشهدوا‏)‏ ويقروا ويبينوا أن ‏(‏لا إله إلا اللّه‏)‏ استثناء من كثرة متوهمة وجودها محال إذ مفهوم الإله كلي ‏(‏وأني رسول اللّه‏)‏ غاية لقتالهم فكلمة التوحيد هي التي خلق الحق الخلق لها وهي العبارة الدالة على الإسلام فكل من تلفظ بها مع الإقرار بالرسالة المحمدية فمسلم وظاهره بل صريحه أن قائلها مسلم وإن قلد بالمعنى الآتي في مبحث الإيمان‏.‏ قال النووي رضي اللّه عنه وهو مذهب المحققين واشتراط معرفة أدلة المتكلمين خطأ وفي رواية للشيخين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ‏(‏فإذا‏)‏ آثرها على إن مع أن المقام لها لأن فعلهم متوقع لأنه علم إصابة بعضهم فغلبهم لشرفهم أو تفاؤلاً نحو غفر اللّه لك ‏(‏قالوها‏)‏ أي كلمة الشهادتين والتزموا أحكامها ‏(‏عصموا‏)‏ حفظوا ‏(‏مني دماءهم وأموالهم‏)‏ أي منعوها إذ العصمة المنعة والاعتصام ‏[‏ص 189‏]‏ الاستمساك افتعال منه فلا يحل سفك دمائهم ولا أخذ أموالهم وهي كلما صح إيراد نحو البيع عليه وأريد به هنا ما هو أعم ليشمل الاختصاص ‏(‏إلا بحقها‏)‏ أي الدماء والأموال يعني هي معصومة إلا عن حق يجب فيها كقود وردة وحدّ ترك صلاة وزكاة بتأويل باطل وحق آدمي فالباء بمعنى عن أو من أي فقد عصموها إلا عن حقها أو من حقها أو إلا بحق كلمة التوحيد وحقها ما تبعها من الأفعال والأقوال الواجبة التي لا يتم الإسلام إلا بها فالمتلفظ بكلمة التوحيد يطالب بهذه الفروض بعد ففائدة النص عليه دفع توهم أن قضية جعل غايته المقاتلة وجود ما ذكر أن من شهد عصم دمه وإن جحد الأحكام وقول أبي حنيفة إن تارك الصلاة كسلاً لا يقتل لظاهر هذا الحديث ولخبر لا يحل دم امرىء مسلم ولأنها أمانة بينه وبين اللّه ولأنها عبادة تقضى وتؤدى كصوم وزكاة وحج ولأن الاختلاف شبهة تدرأ بها الحدود ورد الأول بقوله في الحديث إلا بحقها والصلاة من حقها والثاني أن خلف الخارج بالثلاث أمراً آخر والثالث بالنقص بالعفة فإنها أمانة ويرجم بتركها وترك الصلاة أعظم والرابع بأن استيفاء الصوم وكل عبادة ممكن بخلاف الصلاة كالإيمان ولأنه يقتل بفعل منهي عنه كزنا المحصن فيقتل بترك ما أمر به ولأن كسل الاستهانة يبيح القتال ولأن الصلاة والإيمان يشتركان في الاسم والمعنى فكما يقتل بترك الإيمان يقتل بترك الصلاة والخامس بأنه لا شبهة للقاطع وإن سلم فضعيفة ومثلها مطروح لا يسقط استحقاق القتل عنه إذ لم يعد بالاستتابة ومن قتله قبلها عذر ثم دليلنا النص المزبور فإنه يدل على أنه كافر واستحق عقوبة الكافر فالأول منتف فتعين الثاني والجمع أولى وتاركها كسلاً بالنسبة إلى تاركها جحوداً غير معصوم بالنسبة إلى فاعلها ثم الحكم عليهم بما ذكر إنما هو باعتبار الظاهر أما باعتبار الباطن فأمرهم ليس إلى الخلق بل ‏(‏حسابهم على اللّه‏)‏ فيما يسرونه من كفر ومعصية يعني إذا قالوها بلسانهم وباشروا الأفعال بجوارحهم قنعت منهم به ولم أفتش عن قلوبهم وعلى بمعنى اللام فما أوهمه العلاوة من الوجوب غير مراد ولئن سلم فهو للتشبيه أي هو كالواجب في تحقق الوقوع فالعصمة متعلقة بأمرين كلمة التوحيد وحقها أي حق الدماء والأموال على التقديرين والحكم إذا تعلق بوجوده شرطان لا يقع دون استكمال وقوعهما وصدره بلفظ الأمر إيذاناً بأن الفعل إذا أمر به من جهة اللّه لا يمكن مخالفته فيكون آكد من فعل مبتدأ من الإنسان‏.‏ قال الرافعي‏:‏ وبين الشافعي أن الحديث نخرجه عام ويراد به الخاص والقصد به أهل الأوثان وهو أصل من أصول الإسلام ‏(‏تتمة‏)‏ ذكر الفخر الرازي عن بعضهم هنا أنه تعالى جعل العذاب عذابين أحدهما السيف من يد المسلمين والثاني عذاب الآخرة فالسيف في غلاف يرى والنار في غلاف لا ترى فقال لرسوله من أخرج لسانه من الغلاف المرئي وهو الفم فقال لا إله إلا اللّه أدخلنا السيف في الغمد الذي يرى ومن أخرج لسان القلب من الغلاف الذي لا يرى وهو السر فقال لا إله إلا اللّه أدخلنا سيف عذاب الآخرة في غمد الرحمة حتى يكون واحد الواحد لا ظلم ولا جور‏.‏

- ‏(‏ق 4 عن أبي هريرة‏)‏ قال‏:‏ لما توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي اللّه عنه وكفر من كفر من العرب قال عمر لأبي بكر رضي اللّه تعالى عنهما كيف تقاتل الناس وقد قال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أمرت إلخ فقال أبو بكر رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ واللّه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال واللّه لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لقاتلتهم على منعه ‏(‏وهو متواتر‏)‏ لأنه رواه خمسة عشر صحابياً‏.‏

1631 - ‏(‏أمرت‏)‏ أمراً ندبياً ‏(‏بالوتر‏)‏ أي بصلاته بعد فعل العشاء وقبل الفجر ‏(‏والأضحى‏)‏ أي بصلاة الضحى وبالتضحية ‏(‏ولم يعزم‏)‏ كل منهما ‏(‏على‏)‏ أي لم يفرض ولم يوجب علي وعزائم اللّه تعالى فرائضه التي أوجبها يقال عزمت عليك أي ‏[‏ص 190‏]‏ أمرتك أمراً جداً فهذا الحديث يعارضه ما يأتي من رواية البيهقي وغيره مرفوعاً ثلاث هن علي فريضة-ويؤخذ منه أن الواجب عليه أقل الضحى لا أكثره وقياسه في الوتر كذلك ووجوب هذه الثلاثة عليه صلى اللّه عليه وسلم، صححه الفيخان وغيرهما وهو خصوصية له صلى اللّه عليه وسلم- ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى وكلا الخبرين ضعيف والشافعي رضي اللّه تعالى عنه وجمهور أصحابه على الوجوب لكن ذهب بعضهم إلى عدمه تمسكاً بأن الخصائص لا تثبت إلا بحديث صحيح‏.‏

- ‏(‏قط عن أنس‏)‏ قضية تصرف المؤلف أن مخرجه الدارقطني خرجه وسلمه والأمر بخلافه بل تعقبه ببيان علته فقال هو من رواية بقية وقد تقدم تدليسه وتليينه عن عبد اللّه بن محرز وضعفه غير واحد وقال منكر الحديث وقال ابن أبي شبيبة متروك انتهى وقال الذهبي إسناده واه‏.‏

1632 - ‏(‏أمرت بيوم الأضحى عيداً‏)‏ قال الطيبي‏:‏ عيداً منصوب بفعل مقدر تفسيره ما بعده أي اجعله عيداً وقال ابن رسلان‏:‏ فيه حذف تقديره بالأضحية في يوم الأضحى إذ لا يصح الكلام إلا به إذ أمرت يتعلق الأمر فيه بالأضحية لا باليوم وفهم التقدير من إضافة يوم إليه انتهى‏.‏ والمراد الأمر الندبي ‏(‏جعله اللّه لهذه الأمة‏)‏ تمامه كما في أبي داود فقال رجل‏:‏ أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى أفأضحي بها‏؟‏ قال‏:‏ لا ولكن تأخذ من شعرك وتقص من شاربك وتحلق عانتك فتلك تمام أضحيتك عند اللّه وفيه أن عيد الأضحى من خصائصنا وكذا الفطر، كذا قيل، وقد تمسك بظاهر الحديث قوم منهم داود كابن سيرين فذهبوا إلى اختصاص النحر باليوم العاشر دون ما بعده‏.‏

- ‏(‏حم د ن ك عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص وصححه ابن حبان وغيره‏.‏

1633 - ‏(‏أمرت‏)‏ على لسان جبريل بالإلهام أو الرؤيا ‏(‏بالسواك‏)‏ بكسر السين الفعل ويطلق على العود ونحوه ‏(‏حتى خشيت أن يكتب علي‏)‏ أي يفرض وفيه حجة لمن ذهب إلى عدم وجوب السواك عليه قال الزين العراقي‏:‏ والخصائص لا تثبت إلا بدليل صحيح‏.‏

- ‏(‏حم عن وائلة‏)‏ بن الأسقع قال في شرح التقريب سنده حسن وقال المنذري والهيثمي فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة مدلس وقد عنعنه‏.‏

1634 - ‏(‏أمرت‏)‏ أي أمرني اللّه قال القاضي‏:‏ إذا قال الرسول أمرت فهم أن اللّه تعالى أمره وإذا قاله الصحابي فهم أن الرسول أمره فإن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم أن الرئيس أمره ‏(‏بالسواك حتى خفت على أسناني‏)‏ أراد ما يعم الأضراس، واعلم أن لفظ رواية الطبراني في الكبير والأوسط فقد أمرت إلخ ولم أر فيه أمرت مجرداً فإن كان فيه غير مظنته وإلا فإثبات المصنف له في هذا الحرف وهم‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ قال الهيثمي فيه عطاء بن السائب وفيه كلام‏.‏

1635 - ‏(‏أمرت بالنعلين‏)‏ أي بلبسهما خشية تقذر الرجلين ‏(‏والخاتم‏)‏ أي بلبسه في الإصبع وباتخاذه للختم فيه فلبس النعلين مأمور به ندباً خشية تنجس القدمين أو تقذيرهما وكذا الخاتم ولو لغير ذي سلطان خلافاً لبعض الأعيان‏.‏

- ‏(‏الشيرازي في‏)‏ كتاب ‏(‏الألقاب خد خط‏)‏ في ترجمة وكيع بن سفيان ‏(‏والضياء‏)‏ المقدسي في المختارة وكذا الطبراني الكبير والأوسط ‏(‏عن أنس‏)‏ قال الخطيب وتبعه ابن الجوزي ولم يروه عن يونس بن زيد إلا عمر بن هارون وعمر تركه أحمد وابن مهدي وقال ابن حبان يروي عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخاً لم يرهم انتهى‏.‏ وقال الهيثمي‏:‏ فيه ‏[‏ص 191‏]‏ عمرو بن هارون البلخي وهو ضعيف وفي الضعفاء للذهبي عمرو تركوه وكذبه ابن معين انتهى وقضية صنيع المصنف أن ابن عدي والخطيب خرجاه وسكتا عليه وهو غير صواب فأما الخطيب فقد سمعت ما قال وأما ابن عدي فخرجه وقال هو باطل فإنه أورده في ترجمة ابن الأزهر وقال إنه باطل فاقتصار المصنف على عزوه تلبيس فاحش‏.‏

1636 - ‏(‏أمرت أن‏)‏ بضم الهمزة مبنياً للمفعول أي أمرني اللّه بأن ‏(‏أبشر خديجة‏)‏ بنت خويلد زوجته ‏(‏ببيت في الجنة‏)‏ أعدّ لها ‏(‏ومن قصب‏)‏ بفتح القاف والصاد يعني قصب اللؤلؤ هكذا جاء مفسراً في رواية الطبراني في الأوسط وله فيه أيضاً من القصب المنظومة بالدر واللؤلؤ والياقوت انتهى وقال هنا أيضاً من قصب ولم يقل من لؤلؤ لمناسبة القصب لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها إلى الإيمان‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وفي القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه كما وقع لغيرها انتهى ‏(‏لا صخب فيه‏)‏ أي لا اضطراب ولا ضجة ولا صياح إذ ما من بيت يجتمع فيه أهله إلا فيه صياح وجلبة وقال بعضهم يجوز كون قوله لا صخب أي هو مخصوص فيها بلا مشارك إذ لا يكاد المشترك يسلم من التنازع المؤدي للصخب ‏(‏ولا نصب‏)‏ أي لا تعب أي لا يكون لها ثم تشاغل يشغلها عن لذائذ الجنة ولا تعب ينغصها ذكره القاضي أو المراد أن ذلك ليس ثواب أعمالها بل زيادة بعد الجزاء على أعمالها، ‏(‏فإن قيل‏)‏ كيف لم يبشرها إلا ببيت وأدنى أهل الجنة له فيها مسيرة ألف عام ‏(‏فالجواب‏)‏ أن البيت عبارة عن القصر وتسمية الكل باسم الجزء معلوم في لسانهم فلما كانت خديجة رضي اللّه عنها أول من بنى بيتاً في الإسلام ولم يكن على ظهر الأرض بيت إسلام إلا بيتها عبر بلفظ البيت للمناسبة أو أنها بشرت ببيت زائد على ما أعد لها، وخص القصب لحيازتها قصب السبق فجاء على معنى المقابلة‏.‏

- ‏(‏حم حب ك عن عبد اللّه بن جعفر‏)‏ قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وقال الهيثمي‏:‏ أحمد رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع‏.‏

1637 - ‏(‏أمرت‏)‏ بالبناء للمفعول والآمر هو اللّه تعالى قال القاضي‏:‏ عرف ذلك بالعرف والأمر للوجوب في أحد قولي الشافعي وأحمد رضي اللّه عنهما والثاني أنه للندب لأن المعطوف على اسجد مندوب اتفاقاً ولأنه عليه السلام اقتصر على الجبهة في قصة رفاعة انتهى وبقوله عرفاً سقط النزاع فيه يخلوه من صيغة أفعل ‏(‏أن أسجد على سبعة أعظم‏)‏ سمي كل واحد عظماً نظراً للجملة وإن اشتمل كل على عظام فهو من تسمية الكل باسم البعض وفي رواية على سبعة أعضاء وفي أخرى آراب جمع إرب بكسر فسكون وهو العضو ثم أبدل من ذلك قوله ‏(‏على الجبهة‏)‏ فعلى الثانية بدل من الأولى التي في حكم الطرح أو الأولى متعلقة بنحو حاصلاً أي أسجد على الجبهة حال كون السجود على سبعة أعضاء ذكره الكرماني دافعاً به ما عساه يقال كيف يكون حرفاً واحداً بمعنى واحد متعلق بفعل واحد مكرراً قال الشافعية‏:‏ ويكفي جزء منها ويجب كشفه ‏(‏واليدين‏)‏ أي باطن الكفين لئلا يدخل تحت المنهي من افتراش السبع ويدل له رواية مسلم بلفظ الكفين ‏(‏والركبتين وأطراف‏)‏ أصابع ‏(‏القدمين‏)‏ بأن يجعل قدميه قائمتين على بطن أصابعهما وعقبيه مرتفعتين ليستقبل بظهور قدميه القبلة فلو أخل المصلي بواحدة من السبعة بطلت صلاته قطعاً في الجبهة وعلى الأصح في البقية عند الشافعية وهو مذهب أحمد ويكفي وضع جزء من كل منها ‏(‏ولا نكفت‏)‏ بكسر الفاء وبالنصب أي لا نضم ‏[‏ص 192‏]‏ ولا نجمع فهو بمعنى ولا نكف ومنه ‏{‏ألم نجعل الأرض كفاتاً‏}‏ ‏(‏الثياب‏)‏ عند الركوع والسجود في الصلاة ‏(‏ولا الشعر‏)‏ الذي للرأس، والأمر بعدم كفهما للندب وإن كان الأمر بالسجود على السبعة للوجوب فالأمر مستعمل في معنييه وهو جائز عند الشافعي رضي اللّه عنه قال الطيبي‏:‏ جمع الحديث بعضاً من الفرض والسنة والأدب تلويحاً إلى إرادة الكل‏.‏

جاء في حكمة النهي عن كف الشعر أن غرزة الشعر يقعد فيها الشيطان حالة الصلاة ففي سنن أبي داود بإسناد قال ابن حجر جيد أن أبا رافع رأى الحسن بن علي يصلي وقد غرز ضفيرته في قفاه فخلعها وقال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول ذلك مقعد الشيطان ولا يجب كشف غير الجبهة بل يكره كشف الركبتين لما يحذر من كشف العورة وأما عدم وجوب كشف القدمين فلدليل لطيف وهو أن الشارع وقت المسح على الخف بمدة تقع فيها الصلاة بالخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي لنقض الطهارة فتبطل الصلاة ذكره ابن دقيق العيد قال في الفتح وفيه نظر‏.‏

- ‏(‏ق د ن ه عن ابن عباس‏)‏ ورواه عند أيضاً أحمد وغيره‏.‏

1638 - ‏(‏أمرت بالوتر وركعتي الضحى ولم تكتبا‏)‏ أي تفرضا وفي نسخة ولم يكتب بمثناة تحت بغير ألف أي ذلك وفيه أن ذلك من خصائصه على أمته‏.‏

- ‏(‏حم عن ابن عباس‏)‏ قال في المطامح‏:‏ فيه جابر الجعفي كذاب وقال الذهبي واه قال ابن حجر لكن له متابع آخر من رواية وضاح بن يحيى عن مندل عن يحيى بن سعيد عن عكرمة قال ابن حبان وضاح لا يجتمع به يروي أحاديث كلها معمولة ومندل ضعيف‏.‏

1639 - ‏(‏أمرت بقرية‏)‏ أي أمرني اللّه بالهجرة إليها إن كان قاله بمكة أو باستيطانها إن كان قاله بالمدينة ذكره السمهودي ‏(‏تأكل القرى‏)‏ أي تغلبها في الفضل حتى يكون فضل غيرها بالنسبة إليها كالعدم لاضمحلالها في جنب عظيم فضلها كأنها تستقري القرى تجمعها إليها أو الحرب بأن يظهر أهلها على غيرهم من القرى فيفنون ما فيها فيأكلونه تسلطاً عليها وافتتاحها بأيدي أهلها فاستعير الأكل لافتتاح البلاد وسلب الأموال وجلبها إليه ‏(‏يقولون يثرب‏)‏ أي تسميها الناس بذلك باسم رجل من العمالقة نزلها أو غيره وبه كانت تسمى قبل الإسلام ‏(‏وهي‏)‏ أي والحال أن اسمها اللائق إنما هو ‏(‏المدينة‏)‏ إذ هم كانوا يقولون ذلك والاسم المناسب الحقيق بأن تدعى به هو المدينة فإنها تليق أن تتخذ دار إقامة وأما يثرب فمكروه بما يؤول إليه التثريب‏.‏ والتثريب الفساد والتوبيخ والملامة قال النووي رضي اللّه تعالى عنه فيكره تسميتها به وكان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره القبيح وتسميتها في القرآن بيثرب إنما هو حكاية قول المنافقين والذين في قلوبهم مرض وهي ‏(‏تنفي الناس‏)‏ أي شرارهم وهمجهم يدل عليه التشبيه بقوله ‏(‏كما ينفي الكير‏)‏ فإنه ينفي ‏(‏خبث الحديد‏)‏ رديئه والكور بضم الكاف موقد النار من حانوت نحو حداد والكير بالكسر زقه الذي ينفخ فيه والمراد ما بني من طين والخبث يفتحتين ما تبرزه النار من الجواهر المعدنية وبضم فسكون الشيء الخبيث جعل مثل المدينة وساكنيها مثل الكير ما يوقد عليه في النار فيميز به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب كما كان في زمن عمر رضي اللّه عنه حيث أخرج أهل الكتاب وأظهر العدل والاحتساب فزعم عياض أن ذا مختص بزمنه غير صواب قيل وفيه أنها أفضل من مكة ورجح واعترض‏.‏

- ‏(‏ق‏)‏ في الحج ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أيضاً النسائي‏.‏

1640 - ‏(‏أمرت الرسل‏)‏ الظاهر أن المراد به ما يشمل الأنبياء ‏(‏أن لا تأكل إلا طيباً‏)‏ أي حلالاً متيقن الحل فلا تأكل ‏[‏ص 193‏]‏ حراماً ولا ما فيه شبهة وإن جاز الثاني لغيرهم لأنهم لسمو مقامهم يشدد عليهم وحسنات الأبرار سيئات المقربين وهذا ناظر إلى قوله تعالى ‏{‏يا أيها الرسل كلوا من الطيبات‏}‏ ‏(‏ولا تعمل إلا صالحاً‏)‏ فلا يفعلون غير صالح من كبيرة ولا صغيرة عمداً أو سهواً قبل النبوة أو بعدها لعصمتهم، قال حكيم لآخر‏:‏ أوصني‏.‏ قال‏:‏ اعمل صالحاً وكل طيباً‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الأطعمة ‏(‏عن أم عبد اللّه بنت أوس‏)‏ الأنصاري ‏(‏أخت شداد بن أوس‏)‏ قالت‏:‏ بعثت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم بقدح لبن عند فطره فرد عليها الرسول صلى اللّه عليه وسلم أنى لك هذا قالت من شاة لي، قال أنى لك الشاة قالت اشتريتها من مالي فشرب فذكره قال الحاكم صحيح فرده الذهبي بأن أبا بكر بن أبي مريم راويه واه انتهى ورواه أيضاً الطبراني باللفظ المزبور وفيه أيضاً ابن أبي مريم‏.‏

1641 - ‏(‏أمرنا‏)‏ بالبناء للمفعول أي أنا وأمتي ‏(‏بإسباغ الوضوء‏)‏ أي بإكماله على ما شرع فيه من السنن لا إتمام فروضه فإنه غير مخصوص بهم فإن إتمامه على غيرهم أيضاً على ما عليه التعويل وما تقرر من أن المأمور هو وأمته هو ما قرره جمع لكن الأوجه أن المراد الأنبياء كما أفصح به في خبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي‏.‏ قال المؤلف في الخصائص‏:‏ لم يكن الوضوء إلا للأنبياء دون أممهم‏.‏

- ‏(‏الدارمي‏)‏ في مسنده ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ وفي الباب غيره أيضاً‏.‏

1642 - ‏(‏أمرنا بالتسبيح في أدبار الصلوات‏)‏ أي أعقاب الصلوات المفروضة بحيث ينسب إليها عرفاً والأمر هنا للندب ‏(‏ثلاثاً وثلاثين تسبيحة‏)‏ أي قول سبحان اللّه ‏(‏وثلاثاً وثلاثين تحميدة‏)‏ أي قول الحمد للّه ‏(‏وأربعاً وثلاثين تكبيرة‏)‏ أي قول اللّه أكبر، بدأ بالتسبيح لتضمنه نفي النقائص عنه تعالى ثم بالتحميد لتضمنه إثبات الكمال له ثم بالتكبير لإفادته أنه أكبر من كل شيء وإفراد كل من الثلاثة أولى من جمعها وثواب العدد المذكور يحصل وإن زاد عليه على الأصح المنصور-فيه زيادة على المشروع وقد قال صلى اللّه عليه وسلم من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد-

- ‏(‏طب عن أبي الدرداء‏)‏ وإسناده حسن وقال صحيح‏.‏

1643 - ‏(‏أمرني جبريل‏)‏ أي عن اللّه تعالى ‏(‏أن‏)‏ أي بأن ‏(‏أكبر‏)‏ أي أن أقدم الأكبر في السن في مناولة السواك وترجم له البخاري ‏"‏باب دفع السواك إلى الأكبر‏"‏ وذكر فيه فقيل لي كبر قال شراحه قائل ذلك جبريل عليه السلام وقوله كبر أي قدم الأكبر في السن ورواه في الغيلانيات بلفظ أمرني جبريل أن أقدم الأكابر وخرجه أحمد والبيهقي بلفظ رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستن فأعطاه أكبر القوم ثم قال إن جبريل أمرني أن أكبر وروى أبو داود بإسناد قال النووي صحيح وابن العراقي رد على من نازع الراجح صحته عن عائشة رضي اللّه عنها أوحي اللّه إلي في فضل السواك أن أكبر وبذلك يعلم أن حمل التكبير على قول اللّه أكبر في العيدين غير قويم وفيه أن السن من الأوصاف التي يقدم بها فيستدل به في أبواب كثيرة من الفقه سيما في مورد النص وهو الإرفاق بالسواك ثم يطرد في جميع وجوه الإكرام كركوب وأكل وشرب وانتعال وطيب ومحله ما إذا لم يعارض فضيلة السن أرجح منها وإلا قدم الأرجح كإمامة الصلاة والإمامة العظمى وولاية النكاح وإعطاء الأيمن في الشرب ولا منافاة بين ذلك والحديث لأنه لم يدل على أن السن يقدم به على كل شيء بل إنه شيء يحصل به التقديم قال الحكيم‏:‏ السواك من حق الأسنان‏.‏ ‏[‏ص 194‏]‏ لأنه يشد اللثة ويذهب الحفر فأكبرهم سناً أقدمهم خروج أسنان ومن كان أقدم فهو أحق‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏حل‏)‏ من حديث نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن نافع ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ظاهره أن المؤلف لم يره مخرجاً لأشهر من هذين وهو عجب فقد خرجه الطبراني في الأوسط باللفظ المذكور‏.‏

1644 - ‏(‏امسحوا‏)‏ جوازاً ‏(‏على الخفين‏)‏ في الوضوء حضراً وسفراً ولو بلا حجة ولم ينسخ ذلك حتى مات وقد بلغت أحاديث المسح التواتر حتى قال الكمال بن الهمام قال أبو حنيفة رضي اللّه تعالى عنه ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار وعنه أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر قال ابن تيمية‏:‏ ولم يكن النبي صلى اللّه عليه وسلم يتكلف ضد حاله التي هو عليها بل إن كانت رجلاه في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما وإلا غسل قدميه ولم يلبس الخف قال وهذا أعدل الأقوال في مسألة الأفضل من المسح والغسل ‏(‏والخمار‏)‏ أي وامسحوا على الخمار أي العمامة كما في النهاية قال‏:‏ لأن الرجل يغطي بها رأسه كما أن المرأة تغطيه بخمارها وذلك إذا اعتم عمة العرب فأدارها تحت الحنك فلا يمكنه نزعها كل وقت فتصير كالخفين لكن لا بد من مسح بعض الرأس ثم يكمل عليها‏.‏