فصل: بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ فِي الْأُخْتَيْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ فِي الْأُخْتَيْنِ:

قَالَ: وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ أَمَةً ثُمَّ اشْتَرَى أُخْتَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَ الثَّانِيَةَ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} وَكَانَ فِي هَذَا الْفَصْلِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَكَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: أَحَلَّتْهَا آيَةٌ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} فَكَانَ يَتَوَقَّفُ فِيهِ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُرَجِّحُ آيَةَ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَطْئًا فَهُوَ نَصٌّ خَاصٌّ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا فَالنِّكَاحُ سَبَبٌ مَشْرُوعٌ لِلْوَطْءِ فَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَطْئًا وَأَخَذْنَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ احْتِيَاطًا لِتَغْلِيبِ الْحُرْمَةِ عَلَى الْحِلِّ وَالْإِبَاحَةِ وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فِي شَيْءٍ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ».
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْأُولَى حَتَّى اشْتَرَى الثَّانِيَةَ أَوْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَبِوَطْءِ إحْدَاهُمَا لَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِمَا هُوَ الْمُحَرَّمُ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطْئًا فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْأُخْرَى صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا، فَإِنْ وَطِئَهُمَا جَمِيعًا أَوْ قَبَّلَهُمَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجَيْهِمَا بِشَهْوَةٍ فَقَدْ أَسَاءَ بِارْتِكَابِ الْجَمْعِ الْمُحَرَّمِ فَكَمَا يُحَرَّمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي دَوَاعِي الْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ مِنْ جُمْلَةِ الدَّوَاعِي كَالنِّكَاحِ وَلِهَذَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَمَا تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ ثُمَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ إحْدَاهُمَا بِبَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ تَبَرُّعٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا، وَالْآخِرَةُ مَوْطُوءَتُهُ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ مَوْطُوءَتَهُ عَلَى الْخُصُوصِ لَمْ يَكُنْ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا بِالْمِلْكِ حَتَّى يُحَرِّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ بَعْدَمَا وَطِئَهُمَا فَإِنْ زَوَّجَ إحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَطَأَ الْبَاقِيَةَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ صَارَتْ فِرَاشًا لِلزَّوْجِ وَثُبُوتُ الْفِرَاشِ الصَّحِيحِ لِلزَّوْجِ يَنْعَدِمُ أَثَرُ وَطْءِ الْمَوْلَى حُكْمًا وَلِهَذَا لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى وَإِنْ ادَّعَاهُ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُخْرَى مِنْ سَاعَتِهِ فَهُنَا أَيْضًا لَهُ أَنْ يُجَامِعَ الْأُخْرَى غَيْرَ أَنِّي لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا حَتَّى تَحِيضَ أُخْتُهَا حَيْضَةً لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ»، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَ الَّتِي تَزَوَّجَ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَنْبَغِي لِرَجُلَيْنِ يُؤْمِنَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ» فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يَنْبَغِ لِلْمَوْلَى أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُزَوِّجَ إحْدَاهُمَا أَوْ يَبِيعَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ يَسْقُطُ عَنْهَا بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعَادَ الْحُكْمُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ التَّزْوِيجِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ إحْدَاهُمَا وَسَلَّمَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا عَلَى نَفْسِهِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهَذَا لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي مِلْكِهِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَوْطُوءَتُهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ كَحَالِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ فِي الْمَنْعِ.
قَالَ وَإِذَا ارْتَدَّتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ فِي مِلْكِهِ بَعْدُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا حِلٌّ لِغَيْرِهِ وَحُرْمَتُهَا عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ كَحُرْمَتِهَا بِالْحَيْضِ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ وَالتَّدْبِيرُ فَمُبَاشَرَتُهُ فِي إحْدَاهُمَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى بِاعْتِبَارِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَحِقَ إحْدَاهُمَا دَيْنٌ أَوْ جِنَايَةٌ فَإِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ تُدْفَعْ أَوْ تُبَعْ، فَإِذَا دُفِعَتْ أَوْ بِيعَتْ فِي الدَّيْنِ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ وَحَلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى عِنْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: وَلَوْ كَاتَبَ إحْدَاهُمَا أَوْ أَعْتَقَ بَعْضَهُمَا فَقَضَى عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ أَوْ لَمْ يَقْضِ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى أَمَّا فِي مُعْتَقَةِ الْبَعْضِ فَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْهَا بِقَدْرِ مَا أَعْتَقَ وَزَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ بَعْضِهَا فِي حُكْمِ الْحُرْمَةِ كَزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ جَمِيعِهَا وَفِي الْكِتَابَةِ الْجَوَابُ مُشْكِلٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهَا بِالْكِتَابَةِ لَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ بَعْدَ الْعَجْزِ وَلَمْ يَحِلَّ فَرْجُهَا لِغَيْرِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى وَلَكِنْ قَالَ مِلْكُ الْمَوْلَى يَزُولُ بِالْكِتَابَةِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ بِوَطْئِهَا وَجَعَلَ وَطْأَهُ إيَّاهَا وَطْئًا فِي غَيْرِ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَنْفَكَّ عَنْ عُقُوبَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ وَقَدْ سَقَطَتْ الْعُقُوبَةُ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ فَيُجْعَلُ زَوَالُ مِلْكِ الْحِلِّ عَنْهَا بِالْكِتَابَةِ كَزَوَالِهِ بِتَزْوِيجِهَا أَوْ بَيْعِ بَعْضِهَا فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ إحْدَاهُمَا أَوْ وَهَبَ شِقْصًا مِنْهَا وَسَلَّمَ فَهُوَ وَالْبَيْعُ سَوَاءٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَسَرَهَا الْعَدُوُّ وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ، وَلَوْ أَبَقَتْ إلَيْهِمْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ الْبَاقِيَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا الْآبِقَ بِالْأَخْذِ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا أَخَذُوهَا مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ فَيَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى.
قَالَ: وَلَوْ زَوَّجَ إحْدَاهُمَا نِكَاحًا فَاسِدًا فَوَطِئَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَى الَّتِي زَوَّجَهَا وَالْعِدَّةُ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ فِي حُرْمَتِهَا بِهَا عَلَى الْمَوْلَى فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْرَبَ الْأُخْتَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا فِرَاشٌ فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَإِنْ بَاعَ إحْدَاهُمَا بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهَا بِالْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِفَسَادِ الْبَيْعِ وَبِخُرُوجِ إحْدَاهُمَا عَنْ مِلْكِهِ يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهَا بِالْقَبْضِ فَإِنْ تَرَادَّا الْبَيْعَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ، فَإِنْ بَاعَ الَّتِي لَمْ يَبِعْ لَمْ يَقْرَبْ الَّتِي رُدَّتْ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ لِخُرُوجِهَا عَنْ يَدِهِ وَمِلْكِهِ بِالتَّسْلِيمِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
قَالَ: وَإِذَا تَزَوَّجَ أُخْتَ جَارِيَتِهِ الَّتِي وَطِئَهَا لَمْ يَقْرَبْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يَمْلِكَ فَرْجَ أَمَتِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الَّتِي تَزَوَّجَهَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ بِنَفْسِ النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ فَكَانَتْ كَالْمَوْطُوءَةِ حُكْمًا فَلِهَذَا لَا يَقْرَبُ أَمَتَهُ وَلَا يَقْرَبُ الْمَنْكُوحَةَ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُخْتَهَا بِالْمِلْكِ فَيَصِيرُ بِهَذَا الْفِعْلِ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا وَذَلِكَ حَرَامٌ وَقَالَ مَالِكٌ لَهُ أَنْ يَطَأَ أَمَتَهُ كَمَا كَانَ يَطَؤُهَا قَبْلَ النِّكَاحِ وَجَعَلَ نِكَاحَهُ أُخْتَهَا بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ أُخْتَهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهَا بِنَفْسِ الشِّرَاءِ مَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَلَوْ اشْتَرَى أُخْتَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ مَا صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ أَوْ لَمْ يَطَأْهَا؛ لِأَنَّ بِالنِّكَاحِ صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ وَالْتَحَقَتْ بِالْمَوْطُوءَةِ.
وَلَوْ اشْتَرَى عَمَّةَ أَمَتِهِ الَّتِي وَطِئَهَا أَوْ خَالَتَهَا أَوْ بِنْتَ أُخْتِهَا أَوْ بِنْتَ أَخِيهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ فِي النِّكَاحِ حَرَامٌ فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا وَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْ زَوْجٍ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ يَوْمٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ اسْتِبْرَاءٌ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فَتَعْمَلُ عَمَلَ أَصْلِ النِّكَاحِ فِي الْمَنْعِ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً عِنْدَ الْقَبْضِ بِالشِّرَاءِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهَا اسْتِبْرَاءٌ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَوَلَدَتْ بَعْدَمَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاءٌ آخَرُ فَكَذَلِكَ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِغَيْرِ وَلَدٍ.
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ وَقَبَضَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَقَدْ كَانَ الْبَائِعُ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَمْ يَنْبَغِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَرَبَهَا أَدَّى إلَى اجْتِمَاعِ الرَّجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ هُنَا الِاسْتِبْرَاءُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمَوْلَى وَطِئَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ فَكَذَلِكَ حَالُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ طَلَاقِ الزَّوْجِ مِثْلُهُ وَقِيلَ بَلْ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي الِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ حَيْضَةً بَعْدَ وَطْءِ الْبَائِعِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَبَهَا الْمُشْتَرِي وَلَا يَسْتَبْرِئُهَا فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَنْعَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِكَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ رَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَا لِوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ الطَّلَاقِ.
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ جَارِيَةً وَقَبَضَهَا فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ عَتَقَ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي حُكْمِ مِلْكِ التَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَبِالشِّرَاءِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ وَبِالْحَيْضَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي يَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَبَيَّنُ لَهُ فَرَاغُ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ فَيَحْتَسِبُ بِهَا مِنْ اسْتِبْرَائِهِ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَاهُ إذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ يَعْنِي أَنَّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْمُعْتَبَرُ مِلْكُ الْمُكَاتَبِ فِيهَا قَبْلَ الْعَجْزِ لَا مِلْكُ الْمَوْلَى فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَطَأْهَا الْمَوْلَى حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا مَلَكَهَا بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِ التَّصَرُّفِ وَالْمُكَاتَبُ هُوَ الْمُسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْعَجْزِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى التَّصَرُّفَ بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ فَيَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرَاةَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا حَاضَتْ ثُمَّ قَبَضَهَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَالِكًا رَقَبَتَهَا فَهَذَا أَوْلَى فَإِنْ كَانَتْ أُمَّ الْمُكَاتَبِ أَوْ ابْنَتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ فَهُوَ مَمْلُوكُ الْمَوْلَى حَتَّى يَنْفُذَ عِتْقُهُ فِيهِ كَمَا يَنْفُذُ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَكَمَا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ إذَا عَجَزَتْ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ مَتَى صَارَتْ مُكَاتَبَةً مَعَهُ، وَلَوْ كَانَتْ أُخْتَ الْمُكَاتَبِ أَوْ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكَاتَبَتْ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَكَاتَبُ مَا سِوَى الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ فَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِيهَا الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ الْعَجْزِ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيَّةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ فِيهَا عِنْدَهُ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا.
قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى النَّصْرَانِيُّ جَارِيَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِنْ تَرَكِ الِاسْتِبْرَاءِ مَعْنَاهُ أَنَّ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَالْكَافِرُ لَا يُخَاطَبُ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ كَالْعِبَادَاتِ، فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا وَقَبْلَ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً فَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ أَوَانَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ مِنْ بَعْدُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةً حِينَ قَبَضَهَا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ حِينِ يَقْبِضُهَا إلَى أَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً، فَإِذَا أَسْلَمَ وَقَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِبْرَاءِ يُجْعَلُ ذَلِكَ لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ لِهَذَا الْمَعْنَى فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ إسْلَامِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الِاسْتِبْرَاءِ مَا قَبْلَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَبْرِئُ رَحِمَهَا مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ لَا مِنْ مَاءِ نَفْسِهِ وَبَعْدَ الْوَطْءِ لَوْ اسْتَبْرَأَهَا إنَّمَا يَسْتَبْرِئُهَا مِنْ مَاءِ نَفْسِهِ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مَجُوسِيَّةً فَحَاضَتْ عِنْدَهُ حَيْضَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَيْضَةَ وُجِدَتْ بَعْدَ تَمَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا فَيَجْتَزِئُ بِهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مُحْرِمَةً فَحَاضَتْ فِي إحْرَامِهَا ثُمَّ حَلَّتْ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً هِيَ أُخْتُ الْبَائِعِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ لَهُ فِيهَا مِلْكُ الْحِلِّ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ.
قَالَ: وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى رَدَّهَا بِخِيَارٍ أَوْ عَيْبٍ فَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ ضَمَانِ مِلْكِهِ حِين عَادَتْ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابٌ آخَرُ مِنْ الْخِيَارِ:

قَالَ وَإِذَا رَأَى رَجُلٌ عِنْد رَجُلٍ جَارِيَةً فَسَاوَمَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَشْتَرِهَا ثُمَّ رَآهَا بَعْدَ ذَلِكَ مُتَنَقِّبَةً فَاشْتَرَاهَا بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا تِلْكَ الْجَارِيَةُ وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا مَنْطِقٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا كَشَفَتْ نِقَابَهَا وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ السَّابِقَةَ لَمْ تُفِدْ لَهُ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا تِلْكَ الْجَارِيَةُ وَثُبُوتُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِلْجَهْلِ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا لِيَسْقُطَ خِيَارُهُ بِرُؤْيَةٍ تُفِيدُهُ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَمَا لَمْ يُفِدْهُ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ أَرَأَيْتَ لَوْ رَآهَا عِنْدَهُ ثُمَّ رَآهَا مُتَنَقِّبَةً عِنْدَ آخَرَ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا تِلْكَ الْجَارِيَةُ فَاشْتَرَاهَا أَمَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا كَشَفَتْ نِقَابَهَا فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهَا مِنْ الْأَوَّلِ.
قَالَ: وَلَوْ نَظَرَ إلَى جِرَابٍ هَرَوِيٍّ فَقَلَبَهُ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْجِرَابِ قَطَعَ مِنْهُ ثَوْبًا ثُمَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَطَعَ مِنْهُ ثَوْبًا وَلَمْ يُرِهِ إيَّاهُ ثَانِيَةً حَتَّى اشْتَرَاهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ عَدَدٌ مُتَفَاوِتٌ وَلِذَا لَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَوْبٍ مِنْ الْجِرَابِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا قَطَعَ مِنْهُ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ أَيْضًا مَعْلُومَ الْوَصْفِ عِنْدَهُ فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى الْجِرَابَ إلَّا ثَوْبًا مِنْهَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ مَا قَطَعَ الْبَائِعُ مِنْهَا بَعْدَ رُؤْيَتِهِ فَلَعَلَّهُ قَطَعَ أَجْوَدَهَا وَالْمُشْتَرِي يَظُنُّ أَنَّهُ قَطَعَ أَرْدَأَهَا فَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ.
قَالَ: وَلَوْ عَرَضَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ فَلَمْ يَشْتَرِهِمَا ثُمَّ لَفَّ أَحَدَهُمَا فِي مِنْدِيلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَلَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيَّهُمَا هُوَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لَا تُفِيدُهُ الْعِلْمَ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْمُشْتَرِيَ يَظُنُّ أَنَّهُ أَجْوَدُهُمَا وَهُوَ أَرْدَؤُهُمَا، وَلَوْ أَتَاهُ بِالثَّوْبَيْنِ جَمِيعًا وَقَدْ لَفَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مِنْدِيلٍ فَقَالَ: هَذَانِ الثَّوْبَانِ اللَّذَانِ قَدْ عَرَضْتُ عَلَيْكَ أَمْسِ فَقَالَ: أَخَذْتُ هَذَا لِأَحَدِهِمَا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَهَذَا بِعَشَرَةٍ فِي صَفْقَتَيْنِ أَوْ صَفْقَةٍ وَلَمْ يَرَهُمَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَأَوْجَبَهُمَا لَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ بَيْنَهُمَا فِي الثَّمَنِ فَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ لَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَوْصَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا أَجْوَدُهُمَا وَاَلَّذِي اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ أَرْدَؤُهُمَا وَالْحَالُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَرُبَّمَا يَهْلِكُ أَحَدُهُمَا أَوْ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا يَحْتَاجُ إلَى رَدِّهِ فَلَا يَنْدَفِعُ الْغَبْنُ عَنْهُ مَا لَمْ يَعْرِفْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ، وَلَوْ قَالَ قَدْ أَخَذْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَشَرَةٍ أَوْ عِشْرِينَ جَازَ ذَلِكَ وَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَفْصِلْ أَحَدُهُمَا فِي الثَّمَنِ وَقَدْ كَانَا مَعْلُومَيْ الْوَصْفِ عِنْدَهُ بِالرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلِأَجْلِهِ لَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيهِمَا.
قَالَ رَجُلٌ اشْتَرَى ثَوْبًا وَلَمْ يَرَهُ حَتَّى رَهْنَهُ أَوْ أَجَرَهُ يَوْمًا أَوْ بَاعَهُ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقًّا لَازِمًا وَذَلِكَ بِعَجْزِهِ عَنْ الرَّدِّ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لَازِمٌ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ وَاكْتِسَابُهُ مَا يُعْجِزُهُ عَنْ الرَّدِّ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ حُكْمًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَدَبَّرَهُ أَوْ بَاعَهُ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فَنُقِضَ الْبَيْعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ زَوَالَ مِلْكِهِ وَالْبَيْعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يُعْجِزُهُ عَنْ الرَّدِّ فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِهَذَا الْبَيْعِ وَقِيلَ تِلْكَ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَقْوَى فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ مِنْ الْعَرْضِ عَلَى الْمَبِيعِ، وَلَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْمَبِيعِ سَقَطَ خِيَارُهُ، فَإِذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْلَى وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْبَيْعَ تَصَرُّفٌ مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ، فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يُعْجِزُهُ عَنْ الرَّدِّ وَلَا يَكُونُ إسْقَاطًا لِخِيَارِهِ حُكْمًا وَلَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إسْقَاطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ بِالْقَوْلِ قَصْدًا وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَكَذَلِكَ إيجَابُ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ.
قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لَمْ يَرَهُ فَكَاتَبَهُ ثُمَّ عَجَزَ فَرَآهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْخِيَارِ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الِاكْتِسَابِ لَازِمٌ فِي جَانِبِ الْمَوْلَى وَهُوَ يُعْجِزُهُ عَنْ الرَّدِّ بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَمُبَاشَرَتُهُ تَتَضَمَّنُ سُقُوطَ خِيَارِهِ حُكْمًا فَخِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَوْ حُمَّ الْعَبْدُ ثُمَّ ذَهَبَتْ الْحُمَّى عَنْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْحُمَّى عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ عَيْبٍ حَادِثٍ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِخِيَارِهِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ عَنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ رِضَى الْبَائِعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ، فَإِذَا أَقْلَعَتْ الْحُمَّى عَنْهُ فَقَدْ زَالَ مَعْنَى الضَّرَرِ فَكَانَ هُوَ عَلَى خِيَارِهِ فِي الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ عَجْزَهُ عَنْ الرَّدِّ هُنَاكَ لِإِيجَابِهِ حَقًّا لَازِمًا لِلْغَيْرِ فِيهِ وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ حُكْمًا، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَقْضِ الْبَيْعِ فِي الثَّلَاثَةِ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ وَالْعَبْدُ مَحْمُومٌ وَلَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ ثُمَّ ذَهَبَتْ الْحُمَّى قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يُحْدِثْ رَدًّا حَتَّى مَضَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِذَلِكَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ نَقْضَهُ الْبَيْعَ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ ثُبُوتُ حُكْمِهِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمَّى قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ فَقَدْ انْعَدَمَ مَعْنَى الضَّرَرِ فَتَمَّ الْبَيْعُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ أَيْضًا فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْحُمَّى حِينَ ذَهَبَتْ مَعَ بَقَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ تَجْعَلُ الْمُشْتَرِيَ كَالْمُجَدِّدِ لِلْفَسْخِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ مُصِرٌّ عَلَى الْفَسْخِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ كَأَنَّهُ جَدَّدَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ.
وَلَوْ تَمَادَتْ بِهِ الْحُمَّى عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَيْسَ لَهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ وَلَا بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ ذَهَبَتْ وَالْمَانِعُ قَائِمٌ فَبَطَلَ حُكْمُ الرَّدِّ لِاسْتِغْرَاقِ الْمَانِعِ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ وَلِأَنَّهُ حِينَ أَقْلَعَتْ الْحُمَّى عَنْهُ يَصِيرُ كَالْمُجَدِّدِ لِلْفَسْخِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الرَّدَّ بِهِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَلَوْ خَاصَمَهُ فِي الثَّلَاثَةِ إلَى الْقَاضِي فَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي وَأَبَى الْبَائِعُ أَنْ يَقْبَلَهُ وَهُوَ مَحْمُومٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجِيزُ الْبَيْعَ وَيُبْطِلُ الرَّدَّ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ حَادِثٍ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا كَانَ تَمَكُّنُهُ مِنْ الرَّدِّ بِحُكْمِ الْخِيَارِ لَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْبَائِعِ، فَإِذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْبَائِعِ أَبْطَلَ الْقَاضِي رَدَّهُ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنْ صَحَّ الْعَقْدُ فِي الثَّلَاثِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ إلْزَامَ الْقَاضِي إيَّاهُ أَقْوَى مِنْ الْتِزَامِهِ إسْقَاطَ الْخِيَارِ، وَلَوْ أَسْقَطَ خِيَارَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا أَلْزَمَهُ الْقَاضِي كَانَ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِبُطْلَانِ رَدِّهِ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ حُكْمًا وَذَلِكَ حَاصِلٌ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّ الْمَوْهُوبَةَ لَهُ إذَا بَنَى فِي الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فَأَبْطَلَ الْقَاضِي رُجُوعَهُ ثُمَّ رَفَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِنَاءَهُ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ لَا يَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ حَتَّى لَوْ أَسْقَطَهُ بِنَفْسِهِ كَانَ إسْقَاطُهُ بَاطِلًا فَالْقَاضِي إنَّمَا يَمْنَعُ رُجُوعَهُ بِقَضَائِهِ لِأَجْلِ الْبِنَاءِ لَا أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ.
فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَهُنَا الْقَاضِي مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ مُحْتَمِلٌ لِلسُّقُوطِ فَبَعْدَمَا سَقَطَ خِيَارُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يُمْكِنُ مِنْ الرَّدِّ بِحُكْمِهِ قَالَ، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى رَدِّهِ فِي الثَّلَاثَةِ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ حُمَّ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ أَقْلَعَتْ عَنْهُ الْحُمَّى وَعَادَ إلَى الصِّحَّةِ فِي الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَهُوَ لَازِمٌ لِلْبَائِعِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَهُوَ صَحِيحٌ فَعَادَ فَسْخُهُ إلَى ذَلِكَ الْبَائِعِ ثُمَّ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ، فَإِذَا أَقْلَعَتْ الْحُمَّى فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْعَيْبُ وَسَقَطَ مَا كَانَ مِنْ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ كَمَا لَوْ حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي كَانَ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَلَوْ خَاصَمَهُ وَالْحُمَّى بِهِ فَأَبْطَلَ الْقَاضِي الرَّدَّ وَأَلْزَمَهُ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَسْخَ بَطَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ إذَا أَبْطَلَهُ الْقَاضِي لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ.
قَالَ: وَلَوْ جُرِحَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي جُرْحًا لَهُ أَرْشٌ أَوْ جَرَحَهُ هُوَ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَمَّا إذَا جَرَحَهَا هُوَ فَلِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ اكْتِسَابٌ مِنْهُ لِلسَّبَبِ الْمُسْقِطِ لِخِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ رَدِّهَا كَمَا قَبَضَهَا وَإِنْ جَرَحَهَا غَيْرُهُ فَلِمَا حَدَثَ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَهُوَ الْأَرْشُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا هُوَ فَإِقْدَامُهُ عَلَى الْوَطْءِ يَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهَا وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ فَمَاتَ وَلَدُهَا أَوْ لَمْ يَمُتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَمَّا إذَا بَقِيَ الْوَلَدُ فَلِلزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَلِلنُّقْصَانِ الْحَادِثِ فِي يَدِهِ بِالْوِلَادَةِ، وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةً أَوْ شَاةً فَوَلَدَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَلَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِلزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ وَلَدَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ حَابِسٌ لِلزِّيَادَةِ فَكَأَنَّهَا قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ وَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ غَيْرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَبَقَاءُ قِيمَتِهِ فِي يَدِهِ كَبَقَاءِ عَيْنِهِ، وَلَوْ مَاتَ مَوْتًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمَّا هَلَكَتْ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ صَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَالْوِلَادَةُ لَا تَكُونُ عَيْبًا فِيهَا فَإِنَّ الْوِلَادَةَ فِي الْبَهَائِمِ لَا تَكُونُ نُقْصَانًا فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا.
قَالَ: وَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَ جَرَحَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ قَتَلَهَا وَجَبَ الْبَيْعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَعَلَى الْبَائِعِ الْقِيمَةُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ أَمَّا فِي الْقَتْلِ فَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَجَزَ عَنْ رَدِّهَا بَعْدَمَا قُتِلَتْ وَقَدْ صَارَ الْبَائِعُ مِنْهَا كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ آخَرُ يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَتُهَا فَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَهَا الْبَائِعُ وَأَمَّا إذَا جَرَحَهَا الْبَائِعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِهِ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي كِتَابِ الشُّرْبِ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ جَمِيعًا وَجْهَ قَوْلِهِ إنَّ الْخِيَارَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لَا يَمْلِكُ اكْتِسَابَ سَبَبِ إسْقَاطِ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْإِبْقَاءِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إنَّمَا يَمْنَعُ الرَّدَّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَاضٍ بِفِعْلِهِ وَلِأَنَّهُ يُجْعَلُ مُسْتَرَدًّا لِذَلِكَ الْجُزْءِ لِجِنَايَتِهِ وَلِمَا بَقِيَ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ فَيَعُودُ إلَيْهِ حُكْمًا كَمَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجَانِي غَيْرَهُ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا: إنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ وَهُوَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ فِيهَا كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ، وَلَوْ كَانَ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا آخَرَ فَوَجَدَ الْأَرْشَ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ رَدِّهَا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ هُوَ الْبَائِعَ وَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فَالْأَجْنَبِيُّ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ خِيَارِهِ وَالْبَائِعُ إنَّمَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ الْحَادِثِ بِجِنَايَتِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، وَلَوْ جَعَلَ جِنَايَتَهُ اسْتِرْدَادًا فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ لَكَانَ قَتْلُهُ اسْتِرْدَادًا فِي الْكُلِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ هُوَ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ، وَلَوْ اسْتَوْدَعَهَا الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بَعْدَمَا قَبَضَهَا فَمَاتَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَرْضَى الْمُشْتَرِي فَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ هِيَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْمُشْتَرِي أَمَانَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهَلَاكُهَا فِي يَدِ الْأَمِينِ كَهَلَاكِهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ كَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ عِنْدَهُمَا لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقِيَاسِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ وَالْمَبِيعُ خَارِجٌ مِنْ مِلْكِهِ فَإِيدَاعُ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ كَإِيدَاعِهِ أَجْنَبِيًّا آخَرَ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَهْلَكُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ مِلْكَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَسْلِيمُهُ إيَّاهَا إلَى الْبَائِعِ لَا يَكُونُ إيدَاعًا فِيهِ مِلْكُ نَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ فَسْخٌ لِلْقَبْضِ فَكَأَنَّهَا هَلَكَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي فَيَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ.