فصل: بَابُ بَيْعِ النَّخْلِ وَفِيهِ ثَمَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَرٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ بَيْعِ النَّخْلِ وَفِيهِ ثَمَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَمَرٌ:

قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا وَنَخْلًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْأَرْضُ تُسَاوِي أَلْفًا وَالنَّخْلُ يُسَاوِي أَلْفًا فَأَثْمَرَ النَّخِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ كُلُّ مَرَّةٍ تُسَاوِي الثَّمَرَةُ أَلْفًا فَأَكَلَهُ الْبَائِعُ كُلَّهُ ثُمَّ جَاءَ الْمُشْتَرِي يَطْلُبُ بَيْعَهُ فَالْأَصْلُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الثِّمَارَ الْحَادِثَةَ زِيَادَةٌ فِي الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ هُوَ زِيَادَةٌ فِي النَّخْلِ خَاصَّةً؛ وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الثِّمَارَ يُخْرِجُهُ النَّخِيلُ دُونَ الْأَرْضِ فَيَكُونُ زِيَادَةً فِيهِمَا يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ أَوَّلًا ثُمَّ حِصَّةُ النَّخِيلِ تُقْسَمُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الثِّمَارِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهَا فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ مَا أَصَابَ الَّتِي وَلَدَتْ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدِهَا يَوْمَ يَقْبِضُ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْوَلَدَ انْفَصَلَ عَنْهَا فَتَكُونُ زِيَادَةً فِيهَا خَاصَّةً؛ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ النَّخِيلَ فِي هَذَا الْبَيْعِ بِيعَ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَالْبَيْعُ لَا يَقَعُ لَهُ فَتَكُونُ الثِّمَارُ الْحَادِثَةُ زِيَادَةً فِي الْأَصْلِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَلَدَتْ ابْنَةً قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ كَبُرَتْ الِابْنَةُ وَوَلَدَتْ وَلَدًا فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ الثَّانِي زِيَادَةً فِي الْجَارِيَةِ حَتَّى يُقْسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الْوَلَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الِابْنَةَ تَابِعَةٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ وَلَدُهَا تَبَعًا لَهَا فَهَذَا مِثْلُهُ وَالثِّمَارُ فِي الصُّورَةِ يُخْرِجُهَا النَّخِيلُ وَفِي الْمَعْنَى زِيَادَةٌ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ النَّخِيلَ تَتَشَرَّبُ بِعُرُوقِهَا مِنْ الْأَرْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ تَزْدَادُ الثِّمَارُ جَوْدَةً فَعَرَفْنَا أَنَّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الْأَصْلُ هُوَ الْأَرْضُ لِلثِّمَارِ وَلِلنَّخِيلِ جَمِيعًا فَلِهَذَا يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْكُلِّ قِسْمَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ قِيمَةُ الثِّمَارِ حِينَ أَكَلَهَا الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ ذَلِكَ صَارَتْ مَقْصُودَةً فَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ إنَّمَا تَصِيرُ لَهَا خَاصَّةً مِنْ الثَّمَنِ إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَبَضَهَا يَعْتَبِرُ فِي الِانْقِسَامِ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ إذَا أَكَلَهَا الْبَائِعُ فَإِنْ كَانَتْ أَثْمَرَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَكَلَهَا الْبَائِعُ وَقِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ انْقَسَمَ الثَّمَنُ أَثْلَاثًا: ثُلُثُهُ بِإِزَاءِ الْأَرْضِ وَثُلُثُهُ بِإِزَاءِ النَّخِيلِ وَثُلُثُهُ بِإِزَاءِ الثِّمَارِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّةُ الثِّمَارِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرَ يُقْسَمُ الثَّمَنُ أَوَّلًا عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَالنَّخِيلِ نِصْفَيْنِ ثُمَّ حِصَّةُ النَّخِيلِ تُقْسَمُ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الثِّمَارِ نِصْفَيْنِ فَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي رُبْعُ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ أَثْمَرَتْ النَّخِيلُ مَرَّتَيْنِ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْقِيَمَ لَمَّا اسْتَوَتْ فَحِصَّةُ مَا تَنَاوَلَ الْبَائِعُ مِنْ الثِّمَارِ نِصْفُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَأْخُذُ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْأَرْضِ وَالنِّصْفُ الَّذِي يُقَابِلُهُ النَّخِيلُ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ يَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِتَنَاوُلِ الْبَائِعِ الثِّمَارَ مَرَّتَيْنِ وَثُلُثُ النِّصْفِ حِصَّةُ النَّخِيلِ يَتَقَرَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي مَعَ حِصَّةِ الْأَرْضِ فَيَأْخُذُهَا بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ أَثْمَرَتْ مَرَّاتٍ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ بِخُمُسَيْ الثَّمَنِ وَسَقَطَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ حِصَّةً لِثَمَنِ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ بِخَمْسَةِ أَثْمَانِ الثَّمَنِ نِصْفُ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْأَرْضِ وَرُبْعُ النِّصْفِ الْآخَرِ حِصَّةُ النَّخِيلِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَإِنْ أَثْمَرَتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ بِثُلُثِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ: حِصَّةُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ سَهْمَانِ وَهُوَ الثُّلُثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَأْخُذُهُمَا بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ نِصْفُ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْأَرْضِ وَخُمُسُ النِّصْفِ الْآخَرِ حِصَّةُ النَّخْلِ فَذَلِكَ سِتَّةُ أَجْزَاءٍ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ.
وَإِنْ أَثْمَرَتْ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ عِنْدَهُمَا سُبُعَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى الْأَسْبَاعِ عِنْدَهُمَا فَيُسْقِطُ حِصَّةَ الثِّمَارِ خَمْسَةَ أَسْبَاعِ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِسَبْعَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْأَرْضِ نِصْفُ الثَّمَنِ وَحِصَّةُ النَّخْلِ سُدُسُ النِّصْفِ الْبَاقِي وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ فِيهِمَا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا فِي الْوَلَدِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَلَدِ فِي الشَّاةِ وَبَيْنَ الثِّمَارِ؛ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَّا صَارَتْ مَقْصُودَةً تَتَنَاوَلُ الْبَائِعَ ثَبَتَ وَكَانَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَالْتَحَقَتْ بِالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ.
وَلَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فَأَتْلَفَهَا الْبَائِعُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فِيمَا بَقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الثِّمَارِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْقَبْضِ رَضِيَ بِأَخْذِ الْأَرْضِ وَالنَّخِيلِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَهُوَ بِأَخْذِهِمَا بِبَعْضِ الثَّمَنِ أَرْضَى، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لِتَمَكُّنِ الْخَلَلِ فِي رِضَى الْمُشْتَرِي، فَإِذَا عَلِمْنَا تَمَامَ الرِّضَا هُنَا فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَوْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْبَائِعِ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَأَنْ يُلْزِمَ الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ عِنْدَ إتْلَافِ الْبَائِعِ كَانَ أَوْلَى بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْبَائِعِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ بِصُنْعِ الْبَائِعِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِهَلَاكِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا بِهَلَاكِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ.
فَإِنْ كَانَ فِي النَّخْلِ ثَمَرَةٌ تُسَاوِي أَلْفًا يَوْمَ اشْتَرَى الْأَرْضَ وَالنَّخْلَ وَقَدْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا فَإِنَّ الثِّمَارَ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ الْفَضْلَ فَهُوَ وَالْمَوْضُوعَةُ فِي الْأَرْضِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ النَّخِيلِ فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَرْضِ كَالْبِنَاءِ فَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، فَإِذَا أَكَلَهَا الْبَائِعُ ثُمَّ أَثْمَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِرَارًا فَأَكَلَهُ الْبَائِعُ فَالْأَصْلُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ ثُلُثَ الثَّمَنِ يَسْقُطُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَكْلِ الْبَائِعِ الثِّمَارَ الْمَوْجُودَةِ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِزِيَادَةٍ فِي الثِّمَارِ الْمَوْجُودَةِ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ إلَّا بِالذِّكْرِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ أَوَّلًا عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّخْلِ وَقِيمَةِ الثِّمَارِ الْمَوْجُودَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ.
وَقَدْ اسْتَوَتْ الْقِيَمُ فَتُقَسَّمُ أَثْلَاثًا وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ حِصَّةُ الثِّمَارِ الْمَوْجُودَةِ وَأَمَّا ثُلُثَا الثَّمَنِ حِصَّةُ الْأَرْضِ وَالنَّخِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَبِمَنْزِلَةِ جَمِيعِ الثَّمَنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي حُكْمِ الِانْقِسَامِ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ مَا أَكَلَ الْبَائِعُ مِنْ الثِّمَارِ الْحَادِثَةِ عَلَى نَحْوِ مَا خَرَّجْنَا فِي الْمَسْأَلَة الْأُولَى قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَأْكُلْهَا الْبَائِعُ وَلَكِنْ أَصَابَتْهَا آفَةٌ مِنْ السَّمَاءِ فَذَهَبَتْ لَهَا وَنَقَصَتْ تِلْكَ النَّخْلَ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ الْحَادِثَةَ لَمَّا فَاتَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَصَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فَنَفَى النُّقْصَانَ الْمُتَمَكِّنَ فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ النَّخْلُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ وَهُوَ لَازِمٌ لَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ الْحَادِثَةَ لَمَّا هَلَكَتْ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ صَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَأَمَّا الثِّمَارُ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَسَوَاءٌ هَلَكَتْ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ أَوْ تَنَاوَلَهَا الْبَائِعُ سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالْعَقْدِ وَقَدْ فَاتَ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِهَلَاكِهَا فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهَا وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ سَوَاءٌ هَلَكَتْ مِنْ صُنْعِ أَحَدٍ أَوْ تَنَاوَلَهَا الْبَائِعُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ فَهَلَكَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ جِنَايَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ:

قَالَ رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَبْدَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ تَغَيَّرَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَتَعَيَّبَ بِصُنْعِهِ فَتَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّمَامِ بِفَوَاتِ النِّصْفِ فَإِنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَذَلِكَ مُثْبِتٌ الْخِيَارَ لَهُ فَإِنْ اخْتَارَ فَسْخَ الْعَقْدِ سَقَطَ عَنْهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَ الْأَقْطَعِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الثَّمَنِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَغْرَمُ الْبَائِعُ الْقِيمَةَ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْقَاطِعُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ الْيَدَ لِلْبَائِعِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَبِهَذَا لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ كَالْمَرْهُونِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَضَمَانُ الثَّمَنِ مَعَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ لَا يَلْتَقِيَانِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ عَلَى الْبَائِعِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْبَائِعِ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي ضَمَانِ مِلْكِ الْبَائِعِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ كَانَ هَلَاكُهُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْمَمْلُوكِ لَهُ حَقِيقَةً فِي الْمَبِيعِ مِنْ وُجُوبِ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ كَمَا لَوْ كَانَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ كَانَ الْبَائِعُ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ.
فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ سَقَطَ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةُ مَا أَتْلَفَهُ بِجِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ فَيُقَابِلُهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ فَاتَ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ فِيهِ بِاسْتِهْلَاكِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْعَبْدِ شَلَّتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِتَغَيُّرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ فَعَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ هُنَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالشَّافِعِيُّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا عَلَى الْبَائِعِ ضَمَانُ نِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفُوتَ جُزْءٌ مِنْهُ بِفِعْلِ الضَّامِنِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَقَاسَ بِمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ كَانَ الْجَوَابُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ الطَّرَفُ مِنْ الْعَبِيدِ وَصْفٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْعَقْدِ وَاسْمُ الْعَبْدِ لَا يَتَغَيَّرُ بِفَوَاتِهِ وَبَقَائِهِ وَالْبَيْعُ يُلَاقِي الْعَيْنَ وَالثَّمَنُ يَكُونُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ دُونَ الْوَصْفِ، فَإِذَا كَانَ الْفَائِتُ وَصْفًا قُلْنَا إنْ فَاتَ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ فَقَدْ فَاتَ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ فَاتَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ فَقَدْ صَارَ مَقْصُودًا بِالْجِنْسِ وَفَسْخُ الْعَقْدِ فِيهِ فَيُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِ الْعَبْدَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُنَاكَ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ مَقْصُودًا يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْوَصْفَ لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ فَلَا يُفْرَدُ بِضَمَانِ الْعَقْدِ أَيْضًا.
وَالثَّابِتُ بِبَقَاءِ يَدِ الْبَائِعِ ضَمَانُ الْعَقْدِ فَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْوَصْفِ إذَا فَاتَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالتَّنَاوُلِ، وَالْوَصْفِ يُفْرَدُ بِالتَّنَاوُلِ فَيُفْرَدُ أَيْضًا بِضَمَانِ التَّنَاوُلِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي جَنَى عَلَيْهِ فَسُقُوطُ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ هُنَا بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ الْبَائِعِ إيَّاهُ وَحَبْسِهِ إيَّاهُ وَالْوَصْفُ يُفْرَدُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَطَعَ الْعَبْدُ يَدَ نَفْسِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ شَلَّتْ يَدُهُ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِنَفْسِهِ هَدَرٌ وَإِنْ قَطَعَ أَجْنَبِيٌّ يَدَ الْعَبْدِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْعَقْدِ فَعَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَاتَّبَعَ الْقَاطِعَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَاطِعِ عَلَى مِلْكِهِ وَالْقِيمَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ تَقُومُ مَقَامَ الْفَائِتِ فَبِاعْتِبَارِهَا يَبْقَى جَمِيعُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى الْجَانِي لَيْسَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بَلْ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَبْقَى عَلَيْهِ وَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجَانِي هُوَ الْبَائِعَ فَإِنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ فَسْخِ الْعَقْدِ بِالرَّدِّ فَلَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُ الْقِيمَةِ فِي الذِّمَّةِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْ الْقَاطِعِ نِصْفَ الْقِيمَةِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ هَذَا رِبْحٌ حَصَلَ فِي ضَمَانِ غَيْرِهِ لَا عَلَى ضَمَانِهِ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ.
وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْقَتْلِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ لَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ وَقِيمَتُهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي إمْضَاءَ الْعَقْدِ وَأَخَذَ الْقِيمَةِ مِنْ الْقَاتِلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى ضَمَانِهِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ مُشَابَهَةٌ بِالْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْتَفَادُ بِهِ مِلْكُ التَّصَرُّفِ وَمُبَادَلَةُ الْأَلْفِ بِالْأَلْفَيْنِ رِبًا فَقَبَضَ الْأَلْفَيْنِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بِمُقَابَلَةِ الْأَلْفِ يَتَمَكَّنُ مِنْ شُبْهَةِ الرِّبَا فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرِّبَا عِنْدَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ لَا يَتَمَكَّنُ بِاعْتِبَارِهِ الرِّبَا وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يُعْطِي الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الْعَبْدِ لَا بِمُقَابَلَةِ الْقِيمَةِ وَإِنَّمَا اسْتَوْفَى فِي الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قُتِلَ بَعْدَ قَبْضِهِ وَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي فَسْخَ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَتْبَعُ الْجَانِيَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْفَسَخَ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَصْلِ فَيَبْقَى جِنَايَةُ الْقَاطِعِ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَيَتَصَدَّقُ أَيْضًا بِمَا زَادَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةَ حَصَلَ لَا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ يُجْعَلُ كَالْحَاصِلِ عَلَى مِلْكِهِ وَتَأْثِيرُ الْمِلْكِ فِي سَلَامَةِ الرِّبْحِ أَكْثَرُ مِنْ تَأْثِيرِ الضَّمَانِ، فَإِذَا كَانَ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ الْحَاصِلِ عَلَى مِلْكِهِ دُونَ ضَمَانٍ فَلَأَنْ يَلْزَمَهُ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ الْحَاصِلِ لَا عَلَى مِلْكِهِ أَوْلَى.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ نِصْفَهُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَفِي الْإِتْلَافِ قَبْضٌ وَزِيَادَةٌ وَغَيْرُ مَا بَقِيَ بِفِعْلِهِ وَالْمُشْتَرِي بِصُنْعٍ مُعَيَّنٍ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَصِيرُ قَابِضًا يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ تَخَلَّى بِهِ كَانَ قَابِضًا لَهُ وَبِقَطْعِ يَدِهِ يَكُونُ مُتَخَلِّيًا بِمَا بَقِيَ مِنْهُ وَزِيَادَةٌ فَإِنْ هَلَكَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ مِنْ الْقَطْعِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ وَبِالْقَبْضِ يَتَحَوَّلُ الْمَبِيعُ إلَى ضَمَانِهِ، فَإِذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَهُ الْبَائِعُ كَانَ هَالِكًا فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ سَوَاءٌ هَلَكَ بِسِرَايَةِ الْقَطْعِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مَنَعَهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْقَطْعِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ إذَا اتَّصَلَتْ بِهِ السِّرَايَةُ فَهُوَ قَتْلٌ حُكْمًا وَمَنْعُ الْبَائِعِ إيَّاهُ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ عَنْ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَنْعَ لَا يَتَبَدَّلُ الْمَالِكُ، وَالْمُسْتَحِقُّ إنَّمَا يُفَوِّتُ يَدَ الْمُشْتَرِي وَإِذَا كَانَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ يَثْبُتُ بِدُونِ يَدِهِ فَلَأَنْ يَبْقَى بِدُونِ يَدِهِ أَوْلَى وَإِنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ الْقَطْعِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا مَنَعَ الْبَاقِيَ بِالثَّمَنِ فَقَدْ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ بِحَقٍّ فَاسِخًا لِقَبْضِ الْمُشْتَرِي فِيهِ.
وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَاسْتَرَدَّهُ الْبَائِعُ وَحَبَسَهُ بِالثَّمَنِ انْتَقَضَ بِهِ حُكْمُ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ إذَا صَارَ قَابِضًا لِمَا بَقِيَ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ وَإِذَا انْفَسَخَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيهِ كَانَ هَالِكًا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ فَسَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ النِّصْفُ فَأَمَّا نِصْفُ الثَّمَنِ فَقَدْ تَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَطْعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الِاسْتِرْدَادُ فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ.
فَإِنْ قَطَعَ الْبَائِعُ أَوَّلًا يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ بَرِئَ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَالْعَبْدُ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِقَطْعِ الْيَدِ فَوَّتَ نِصْفَهُ فَسَقَطَ نِصْفُ الثَّمَنِ وَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَلَمَّا قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ فَقَدْ صَارَ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ قَابِضٌ لِجَمِيعِ مَا بَقِيَ مُتْلِفٌ لِبَعْضِهِ، وَمُجَرَّدُ قَبْضِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يُسْقِطُ خِيَارَهُ فَقَبْضُهُ مَعَ الْإِتْلَافِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَهُ أَوَّلًا ثُمَّ قَطَعَ الْبَائِعُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَبَرِئَ مِنْهُمَا كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَبْدَ وَأَعْطَى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ بِقَطْعِ الْيَدِ تَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ ثُمَّ الْبَائِعُ بِقَطْعِ الرِّجْلِ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُفَوِّتًا قَبْضَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي مُتْلِفًا لِنِصْفِ مَا بَقِيَ فَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ رُبْعُ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ الْمَقْصُودُ عَلَيْهِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ بِفِعْلِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُ.
فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الثَّمَنِ بِقَطْعِ الْيَدِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مَا بَقِيَ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الثَّمَنِ بِقَطْعِ الْيَدِ وَرُبْعُهُ بِمُقَابَلَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي نَقَدَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ حَتَّى قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ وَقَطَعَ الْبَائِعُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَبَرِئَ مِنْهُمَا فَالْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ بِإِتْلَافِ النِّصْفِ بِقَطْعِ الْيَدِ ثُمَّ بِقَطْعِ الْبَائِعِ رِجْلَهُ لَا يَنْتَقِضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ سُلِّمَ لِلْبَائِعِ وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ حَقُّ نَقْضِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ قَطْعُهُ الرِّجَلَ نَاقِضًا قَبْضَ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَائِعِ.
هُنَاكَ لَمْ يَسْتَوْفِ الثَّمَنَ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضَ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ وَإِذَا بَقِيَ حُكْمُ قَبْضِ الْمُشْتَرِي كَانَ الْبَائِعُ فِي قَطْعِ الرِّجْلِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ قَطْعِ الْيَدِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ لِبَقَاءِ حُكْمِ قَبْضِهِ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا تَغَيَّرَ لِعَدَمِ تَمَامِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي.
قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَوَّلًا قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ فَالْعَبْدُ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ بِقَطْعِ الْبَائِعِ يَدَهُ يَسْقُطُ نِصْفُ الثَّمَنِ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّ خِيَارَهُ يَسْقُطُ بِقَطْعِهِ رِجْلَهُ فَكَانَ الْعَبْدُ لَازِمًا لَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَاهُ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِقَطْعِ الْيَدِ صَارَ مُتْلِفًا نِصْفَهُ ثُمَّ الْمُشْتَرِي بِقَطْعِ رِجْلِهِ صَارَ مُتْلِفًا نِصْفَ مَا بَقِيَ وَهُوَ الرُّبْعُ تَلِفَ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَتَيْنِ فَنِصْفُهُ يَكُونُ هَالِكًا بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ السِّرَايَةُ فِي الْحُكْمِ بِأَصْلِ الْجِنَايَةِ وَحُكْمُ أَصْلِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ سُقُوطُ الثَّمَنِ بِحِصَّةِ مَا تَلِفَ بِهِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ سِرَايَةِ جِنَايَتِهِ وَحُكْمُ أَصْلِ جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي تَقَرُّرُ الثَّمَنِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى حِسَابٍ، تُقْسَمُ رُبْعُهُ نِصْفَيْنِ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ فَقَدْ تَلِفَ بِأَصْلِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ أَرْبَعَةً وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سَهْمٌ فَلِهَذَا سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي خَمْسَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَتَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي سَهْمَانِ وَبِالسِّرَايَةِ سَهْمٌ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ، فَإِنْ قِيلَ فَأَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُكُمْ إنَّ الْمُشْتَرِيَ بِجِنَايَةٍ يَصِيرُ قَابِضًا لِمَا أَتْلَفَ وَلِمَا بَقِيَ مِنْهُ قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فِيمَا بَقِيَ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَيَكُونُ مُسْتَرِدًّا لِمَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ سِرَايَةِ جِنَايَتِهِ فَوْقَ تَأْثِيرِ حَبْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ حَبَسَهُ بَعْدَ جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي انْتَقَضَ بِهِ قَبْضُ الْمُشْتَرِي إلَّا فِيمَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي فَلَأَنْ يَنْتَقِضَ حُكْمُ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فِيمَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ كَانَ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَهُ أَوَّلًا ثُمَّ قَطَعَ الْبَائِعُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي خَمْسَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَبَطَلَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي النِّصْفُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سَهْمٌ فَيَلْزَمُهُ خَمْسَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَتَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ سَهْمَانِ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سَهْمٌ فَكَمَا انْتَقَضَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيمَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ يُنْقَضُ فِيمَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ فَلِهَذَا سَقَطَ عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْبَادِئَ بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ بِقَطْعِ الْيَدِ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَنْتَقِضْ قَبْضُهُ فِي شَيْءٍ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْبَائِعِ فِي نَقْضِ قَبْضِهِ بَعْدَ وُصُولِ الثَّمَنِ إلَيْهِ.
فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَعَلَى الْبَائِعِ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ قِيمَتِهِ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِأَصْلِ جِنَايَتِهِ نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَهُوَ رُبْعُ الْعَبْدِ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ رُبْعُ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ جَمِيعِ الْعَبْدِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَالْبَائِعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْبَادِئَ بِالْقَطْعِ رَدَّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفَ الثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَاهُ؛ لِأَنَّهُ بِقَطْعِ الْيَدِ أَتْلَفَ نِصْفَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لَهُ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ نِصْفِ الثَّمَنِ ثُمَّ الْمُشْتَرِي بِقَطْعِ الرِّجْلِ صَارَ قَابِضًا جَمِيعَ مَا بَقِيَ قَبْضًا تَامًّا فَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ نِصْفُ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّ نِصْفَ مَا بَقِيَ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي وَالنِّصْفُ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَتَيْنِ فَمَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَعَلَى الْبَائِعِ حِصَّةُ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ بِسِرَايَةِ الْجِنَايَةِ كَالتَّالِفِ بِأَصْلِ الْجِنَايَةِ، وَلَوْ تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ بَعْدَمَا تَمَّ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيهِ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ مَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ فَلِهَذَا أَلْزَمَهُ ثُمُنَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ قِيلَ قَدْ قُلْتُمْ: إنَّ لِلْقَبْضِ مُشَابَهَةً بِالْعَقْدِ وَإِذَا كَانَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ يَنْقَطِعُ حُكْمُ السِّرَايَةِ فَإِنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِ نَفْسِهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَكَذَلِكَ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ جِنَايَةِ الْبَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْقَطِعَ حُكْمُ السِّرَايَةِ قُلْنَا عَيْبُ الْمَبِيعِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ السِّرَايَةِ وَلَكِنَّ تَبَدُّلَ الْمُسْتَحِقِّ سَبَبٌ لِلْبَيْعِ وَهُوَ الْقَاطِعُ لِلسِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ هُوَ الْمَالِكُ وَقَدْ انْتَقَلَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْقَبْضِ وَبِهِ لَا يَتَبَدَّلُ الْمَالِكُ وَالْمُسْتَحِقُّ فَإِنْ قِيلَ مَعْنَى التَّبَدُّلِ هُنَا يَحْصُلُ حُكْمًا أَيْضًا فَإِنَّ مَا تَلِفَ بِأَصْلِ الْجِنَايَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَتْلَفُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَمَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ يَتْلَفُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي.
وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِالْمُوجِبِ فَإِنَّ بِاعْتِبَارِ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَبِاعْتِبَارِ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ يُوجِبُ الْقِيمَةَ عَلَى الْبَائِعِ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ بَلْ الْعَبْدُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ صَارَ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي فَجِنَايَةُ الْبَائِعِ تُصَادِفُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ سَبَبٌ لِضَمَانِ الْمُتْلِفِ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ قَبْضَ الْمُشْتَرِي يَفُوتُ فِيمَا تَلِفَ بِأَصْلِ جِنَايَتِهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ فَوَاتِ قَبْضِهِ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ فِيهِ فَيَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِذَلِكَ فَأَمَّا مَا تَلِفَ بِسِرَايَةٍ فَلَمْ يَفُتْ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيهِ فَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْحُكْمِ لِأَجْلِ فَوْتِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ حُكْمَ السِّرَايَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ أَصْلِ الْعَقْدِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الَّذِي يُرَدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ سِرَايَةِ الْقِصَاصِ أَنَّ الْقَطْعَ مَعَ السِّرَايَةِ لَا يَكُونُ قَتْلًا مِنْ أَصْلِهِ إذَا كَانَ حُكْمُ أَصْلِ الْفِعْلِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ السِّرَايَةِ بِدَلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي حِينَ اشْتَرَاهُ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعِ يَدَهُ ثُمَّ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ جِنَايَةِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ بَطَلَ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ بِقَطْعِ الْبَائِعِ يَدَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْقَبْضِ صَارَ رَاضِيًا بِمَا بَقِيَ مِنْهُ وَذَلِكَ قَاطِعٌ لِحُكْمِ سِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ فَلِهَذَا كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ مُشَابَهٌ بِالْعَقْدِ.
وَلَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ قَطْعِ الْبَائِعِ يَدَهُ انْقَطَعَ بِهِ حُكْمُ السِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ رَاضِيًا بِقَبْضِهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ فَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا يُشْبِهُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي هَذَا الْوَجْهِ قَبْضَهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ بِعَيْبٍ يُحْدِثُهُ فِيهِ وَكُلُّ شَيْءٍ يُحْدِثُهُ مِنْ جِنَايَةِ الْبَائِعِ بَعْدَمَا يُحْدِثُ الْمُشْتَرِي فِيهِ جِنَايَةً، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ بَطَلَ عَنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ بِحِسَابِ مَا هَلَكَ مِنْهُ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَعَلَى الْبَائِعِ فِيهِ الْقِيمَةُ وَإِذَا كَانَ الْقَبْضُ بَعْدَ جِنَايَةِ الْبَائِعِ بِأَخْذِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا هَلَكَ مِنْ جِنَايَةٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقِيمَةِ وَلَا يَبْطُلُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِالْجِنَايَةِ حُكْمِيٌّ فَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا تَلِفَ بِهِ وَلَا تَنْقَطِعُ السِّرَايَةُ الَّتِي انْعَقَدَ سَبَبُهَا بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ فَأَمَّا الْقَبْضُ بِالْأَخْذِ فَحَتَّى يَظْهَرَ فِي جَمِيعِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ وَلَهُ مُشَابَهَةٌ بِالْعَقْدِ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حُكْمُ سِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ وَهَذَا لِأَنَّ بِالْقَبْضِ حِسًّا يُجْعَلُ رَاضِيًا بِمَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ جِنَايَةِ الْبَائِعِ وَبِالْجِنَايَةِ لَا يَكُونُ رَاضِيًا بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيمَا بَقِيَ بَلْ هُوَ مُتْلِفٌ فَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ سِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ فِيمَا يَتْلَفُ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ ضَرُورَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ ثُمَّ غَصْبَهُ مِنْهُ غَاصِبٌ فَمَاتَ فِي يَدِهِ مِنْ جِنَايَةِ الْمَوْلَى كَانَ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ، وَلَوْ لَمْ يَغْصِبْهُ وَلَكِنَّهُ جَنَى عَلَيْهِ فَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ كَانَ عَلَى الْجَانِي ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ الْمَالِكِ فِيهِ يَتَّضِحُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَبْضِ حِسًّا وَبَيْنَ الْقَبْضِ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ فَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ حَتَّى قَبَضَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فَقَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَأْخُذْهُ حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَ مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ فَقَدْ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ لَمْ يَسْقُطْ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَالسِّرَايَةُ إذَا اتَّصَلَتْ بِالْجِنَايَةِ كَانَتْ قَتْلًا مِنْ أَصْلِهِ فَكَأَنَّ الْبَائِعَ قَتَلَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَيَصِيرُ مُسْتَرَدًّا لَهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهِ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَإِذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ قَطْعِهِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا صَارَ مُسْتَرِدًّا لِنِصْفِهِ بِقَطْعِ الْيَدِ فَإِنَّمَا انْتَقَضَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ النِّصْفِ وَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ هَالِكًا فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ إذَا قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ هَلَكَ لَا مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ وَلَمْ يُحْدِثْ الْبَائِعُ فِيهِ مَنْعًا فَعَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ وَيُجْعَلُ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِإِتْلَافِ نِصْفِهِ وَهُنَا لَمْ يُجْعَلْ الْبَائِعُ مُسْتَرِدًّا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ بِإِتْلَافِ نِصْفِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا بِقَطْعِ الْيَدِ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِ مَا بَقِيَ مِنْهُ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ التَّخَلِّي بِهِ وَالْمُشْتَرِي بِالتَّخْلِيَةِ يَصِيرُ قَابِضًا فَبِالْجِنَايَةِ أَيْضًا يَصِيرُ قَابِضًا وَالْبَائِعُ بِالتَّخَلِّي بِالْمَبِيعِ لَا يَصِيرُ مُسْتَرِدًّا فَكَذَلِكَ بِالْجِنَايَةِ لَا يَصِيرُ مُسْتَرِدًّا لِمَا بَقِيَ مِنْهُ.
وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَالْمِلْكُ مُمْكِنٌ لَهُ مِنْ الْقَبْضِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَابِضًا لِلْبَعْضِ بِالْإِتْلَافِ وَلِمَا بَقِيَ مِنْهُ بِالتَّخَلِّي بِهِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ فَأَمَّا الْبَائِعُ فَلَيْسَ بِمَالِكٍ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَحْبِسَهُ فَكَذَلِكَ اسْتِرْدَادُهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِيمَا ظَهَرَ فِيهِ عَمَلُهُ بِيَدِهِ وَذَلِكَ فِيمَا يَتْلَفُ بِجِنَايَتِهِ أَوْ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ.
وَإِذَا اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ حَتَّى أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِيهِ عَيْبًا يُنْقِصُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَطْعِهِ يَدَهُ فِي أَنَّهُ بَصِيرٌ قَابِضًا لِجَمِيعِهِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ إنْ تَلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا أَحَدَثَ فِيهِ وَقَبَضَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ بِمَا أَحَدَثَ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَالِكٌ لِلْعَبْدِ وَالْمِلْكُ مُطْلَقٌ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ وَالتَّصَرُّفِ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى زَوَّجَهَا رَجُلًا كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ تَثْبُتُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَالْمِلْكُ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَالتَّزْوِيجُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لَا يَمْتَنِعُ صِحَّتُهَا لِأَجْلِ الْغَرَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَزْوِيجَ الْآبِقَةِ وَالرَّضِيعَةِ يَجُوزُ فَكَانَ التَّزْوِيجُ نَظِيرَ الْعِتْقِ وَإِعْتَاقُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ تَزْوِيجُهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ مِنْ الرَّاهِنِ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ كَمَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ ثُمَّ فِي الْقِيَاسِ يَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا بِنَفْسِ التَّزْوِيجِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ عَيْبٌ فِيهَا وَالْمُشْتَرِي إذَا عَيَّبَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا أَوْ يُجْعَلُ التَّزْوِيجُ كَالْإِعْتَاقِ أَوْ التَّدْبِيرِ فَكَمَا يَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ بِالتَّزْوِيجِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَا يَكُونُ قَابِضًا لَهَا بِنَفْسِ التَّزْوِيجِ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ فَهِيَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ مِنْ الْمُشْتَرِي فِعْلٌ بِهَا وَإِنَّمَا التَّزْوِيجُ عَيْبٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ تَقِلُّ رَغَائِبُ النَّاسِ فِيهَا وَيُنْتَقَصُ لِأَجْلِهِ الثَّمَنُ فَهُوَ فِي مَعْنَى نُقْصَانِ السِّعْرِ أَوْ التَّزْوِيجِ لَمَّا كَانَ عَيْبًا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَهُوَ نَظِيرُ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ.
وَالْمُشْتَرِي لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا بِدَيْنٍ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لَهَا بِخِلَافِ الْعَيْبِ الْحِسِّيِّ فَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ فِعْلٍ يَتَّصِلُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِعَيْنِهَا وَهُوَ إتْلَافٌ لِجُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَأَمَّا أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا لِمَا بَقِيَ بِالتَّخَلِّي بِهَا أَوْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ قَابِضًا لِمَا أَتْلَفَ أَنْ يَكُونَ قَابِضًا لِمَا بَقِيَ مِنْهُ وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَاسْتِرْدَادِ الْبَائِعِ فَالْبَائِعُ يَمْلِكُ اسْتِرْدَادَ الْبَعْضِ لِيَحْبِسَهُ بِالثَّمَنِ دُونَ الْقَبْضِ فَلَا يُجْعَلُ بِتَفْوِيتِ الْبَعْضِ مُسْتَرِدًّا لِمَا بَقِيَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَإِتْلَافٌ لِلْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَلَاءُ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا وَالتَّدْبِيرُ نَظِيرُ الْعِتْقِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَلَاءِ وَثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ لِلْمُدَبَّرَةِ فَإِنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مَاتَتْ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي إنْ نَقَصَهَا الْوَطْءُ أَوْ لَمْ يَنْقُصْهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا وَطِئَهَا بِتَسْلِيطِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي وَطِئَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَتْ فَعَلَيْهِ جَمِيعُ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ بِالْوَطْءِ قَدْ تَخَلَّى بِهَا وَالْوَطْءُ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِ جُزْءٍ مِنْهَا فَكَذَلِكَ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ بِتَسْلِيطِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مَنَعَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ وَطْءِ الْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجِ إيَّاهَا وَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ شَيْئًا ثُمَّ مَاتَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ وَلَا مِنْ الْعُقْرِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهَا بِحَبْسِهِ إيَّاهَا بِالثَّمَنِ وَمَنْعِ الْمُشْتَرِي مِنْهَا وَلَمْ يُتْلِفْ بِالْوَطْءِ شَيْئًا مِنْ مَالِيَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ بِالْوَطْءِ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَذَلِكَ جُزْءٌ لَيْسَ بِمَالٍ وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ مَالٌ فَلِهَذَا لَا يَتَقَرَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا فِي مِلْكِهِ وَوَطْءُ الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ.
وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ كَانَ الْوَطْءُ نَقَصَهَا لَمْ يُنْظَرْ إلَى الْعُقْرِ وَلَكِنْ يُنْظَرُ إلَى مَا يُنْقِصُهَا الْوَطْءُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ جُزْءٌ مِنْ مَالِيَّتِهَا بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي فَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ حِصَّةُ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ فَقَأَ الْمُشْتَرِي عَيْنَهَا ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا الْبَائِعُ فَهَلَكَتْ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَكَارَةَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا بِالْبَيْعِ إذَا اشْتَرَطَ فَبِوَطْءِ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَتْ بِكْرًا يَفُوتُ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِيَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ مَالٌ يُقَابِلُهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ وَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْوَاطِئَ لَمْ يَنْظُرْ إلَى الْعُقْرِ وَلَكِنَّهُ يَنْظُرُ إلَى النُّقْصَانِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُصْهَا شَيْئًا أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ نَقَصَهَا شَيْئًا حَطَّ عَنْهُ حِصَّةَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَهَا بِمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْعُقْرِ وَالْقِيمَةِ فَيَسْقُطُ حِصَّةُ الْعُقْرِ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ نَقَصَهَا الْوَطْءُ يُنْظَرُ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ الْعُقْرِ وَمِنْ النُّقْصَانِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ وَعَلَى قِيمَتِهَا وَيَبْطُلُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّةُ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُهَا بِحِصَّةِ الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا بِالْعُقْرِ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي فَوَطْءُ الْبَائِعِ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَالْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ حَدٍّ أَوْ عُقْرٍ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ.
وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْعُقْرِ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِهِ بِالثَّمَنِ فَيُعْتَبَرُ الْعُقْرُ لِإِسْقَاطِ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ فَكَمَا أَنَّ جِنَايَةَ الْبَائِعِ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ تُعْتَبَرُ فِي إسْقَاطِ حِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ لَا فِي إيجَابِ الضَّمَانِ فَكَذَلِكَ وَطْؤُهُ إيَّاهَا إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَالْمُمْكِنُ هُنَا اعْتِبَارُ مَعْنَى نُقْصَانِ الْبَكَارَةِ وَالْعُقْرِ بِسَبَبِ الْوَطْءِ وَلَكِنْ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ فَعَلٍ وَاحِدٍ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ وَيُعْتَبَرُ الِانْقِسَامُ عَلَى الْقِيمَةِ وَعَلَى الْأَكْثَرِ مِنْهُمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: الْجَارِيَةُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ ضَمَانِ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ أَرْشٌ وَلَا بِالْوَطْءِ عُقْرٌ يُسْتَوْفَى مِنْهُ فَكَمَا أَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا لَوْ حَصَلَ فِي حَالِ قِيَامِ مِلْكِهِ فِيهَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْعُقْرِ أَصْلًا فَكَذَلِكَ إذَا حَصَلَ فِي ضَمَانِ مِلْكِهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ كَمَا قَالَ وَلَكِنَّهُ جُزْءٌ لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنُ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّتِهَا، وَالثَّمَنُ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِهِ وَبِهِ فَارَقَ الْجِنَايَةَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ نُقْصَانًا فِي الْمَالِيَّةِ نَقُولُ: إنَّهُ يَسْقُطُ بِحِصَّةِ ذَلِكَ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ فِي حُكْمِ الْوَطْءِ إنَّمَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ هِيَ كَالْمَمْلُوكَةِ لِلْبَائِعِ فِي حُكْمِ ضَمَانِ الْوَطْءِ وَلِهَذَا لَا يُحْتَسَبُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ مِنْ اسْتِبْرَاءِ الْمُشْتَرِي وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ قَبَضَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَوَطْءُ الْبَائِعِ إيَّاهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ وَطْئِهِ إيَّاهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا خِيَارٌ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَنَقَصَهَا الْوَطْءُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ ذَهَبَتْ الْبَكَارَةُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ هُوَ ثَمَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ وَالْمَنْفَعَةُ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِتْلَافُ الْبَائِعِ جَزْءًا مِمَّا هُوَ ثَمَرَةٌ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ نُقْصَانٌ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ كَإِتْلَافِ وَلَدِ الشَّاةِ وَثَمَرَةِ الْأَشْجَارِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ نُقْصَانًا فِي الْعَيْنِ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لِأَجْلِهِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ فَأَتْلَفَ الْبَائِعُ وَلَدَهَا وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ بِكْرًا تَخْرِيجًا هُوَ أَلْطَفُ مِنْ هَذَا فَقَالَ يَنْظُرُ إلَى نُقْصَانِ الْبَكَارَةِ مِنْ الثَّمَنِ أَوَّلًا عَلَى نُقْصَانِ الْبَكَارَةِ وَعَلَى قِيمَتِهَا فَيُسْقِطُ نُقْصَانَ الْبَكَارَةِ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَتِهَا وَعَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْعُقْرِ فَسَقَطَ حِصَّةُ الْعُقْرِ مِنْ الثَّمَنِ وَبَيَانُهُ إذَا اشْتَرَاهَا بِمِائَةٍ وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ وَنُقْصَانُ الْبَكَارَةِ عِشْرُونَ وَالْعُقْرُ أَرْبَعُونَ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْبَكَارَةِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا عَلَى قِيمَتِهَا وَهِيَ ثَمَانُونَ وَعَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْعُقْرِ وَهُوَ عِشْرُونَ فَيَقْسِمُ أَخْمَاسًا بِأَنْ يُجْعَلَ كُلُّ عِشْرِينَ سَهْمًا فَيَسْقُطُ عَنْهُ خُمُسُ مَا بَقِيَ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَإِنَّمَا يَأْخُذُهَا بِمَا بَقِيَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي وَأَجْنَبِيٌّ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَعَلَى الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثُ ثُمُنِ الثَّمَنِ حِصَّةُ جِنَايَتِهِ وَجِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ وَيُبْطِلُ عَنْهُ جِنَايَةُ الْبَائِعِ أَرْبَعَةَ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِقَطْعِ الْيَدِ أَتْلَفَ نِصْفَهُ وَالْمُشْتَرِي مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِقَطْعِ الرِّجْلِ أَتْلَفَ نِصْفَ مَا بَقِيَ ثُمَّ مَا بَقِيَ وَهُوَ الرُّبُعُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ ثُلُثِهِ فَيَكُونُ ثُلُثُ ذَلِكَ الرُّبُعُ هَالِكًا بِجِنَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَأَصْلُ السِّهَامِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ ثُمَّ انْكَسَرَ بِالْأَثْلَاثِ فَيَضْرِبُ ثَمَانِيَةً فِي ثَلَاثَةٍ فَيَكُونُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ انْكَسَرَ بِالْأَنْصَافِ؛ لِأَنَّ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي وَالْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُمَا فَتُضْعَفُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لِلْكَسْرِ بِالْأَنْصَافِ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ التَّالِفُ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ أَرْبَعَةٌ فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَثْمَانِ الْعَبْدِ وَثُلُثَا ثُمُنِهِ؛ لِأَنَّ سِهَامَ الْعَبْدِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ كُلُّ ثُمُنٍ سِتَّةٌ فَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَرْبَعَةُ أَثْمَانٍ وَأَرْبَعَةٌ ثُلُثَا الثَّمَنِ وَجِنَايَتُهُ مُوجِبَةٌ سُقُوطَ الثُّمُنِ فَلِهَذَا سَقَطَ أَرْبَعَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثَا الثَّمَنِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثُ الثَّمَنِ حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَحِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ فَيَبْقَى الْبَيْعُ فِيمَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ تَبَعًا لِبَدَلِهِ وَالتَّالِفُ بِجِنَايَتِهِمَا وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِمَا فِي الْحَاصِلِ عِشْرُونَ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْعَبْدِ وَثُلُثُ ثُمُنِهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ ثُمُنِهَا؛ لِأَنَّ التَّالِفَ بِجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْعِشْرُونَ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَذَلِكَ ثُمُنُ الْعَبْدِ وَثُلُثَا ثُمُنِهِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ ثُمُنِ الْقِيمَةِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَلَى حِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِجِنَايَتِهِ يَصِيرُ قَابِضًا وَجِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ اقْتَرَنَتْ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي وَوُجُوبِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ ذَلِكَ رِبْحًا عَلَى مِلْكِهِ وَضَمَانِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ وَالْأَجْنَبِيُّ هُمَا اللَّذَانِ قَطَعَا الْيَدَ أَوَّلًا ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّخْرِيجِ يَرْتَفِعُ سِهَامُ الْعَبْدِ إلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْفَائِتُ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِمَا ثَمَانِيَةٌ وَذَلِكَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَيَكُونُ الْفَائِتُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتَّةَ عَشَرَ وَبِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي اثْنَيْ عَشَرَ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ أَرْبَعَةً فَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ فَأَمَّا مَا تَلِفَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَيَسْقُطُ ثَمَنُهُ عَنْ الْمُشْتَرِي وَذَلِكَ ثُمُنَا الثَّمَنِ وَثُلُثَا ثُمُنِهِ كُلُّ ثُمُنٍ سِتَّةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ قِيمَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي أَمَّا حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ فَغَيْرُ مُشْكِلٍ، وَكَذَلِكَ حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَدَلَهُ وَهُوَ الْقِيمَةُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ يُقَرِّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَمْسَةَ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثَ ثُمُنِ الثَّمَنِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ ثُمُنِ الْقِيمَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى طَرَفِ الْمَمْلُوكِ إذَا اتَّصَلَتْ بِالنَّفْسِ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ وَكَمَا أَنَّ بَدَلَ النَّفْسِ كُلَّهُ يَكُونُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ بَدَلِ النَّفْسِ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَذَلِكَ ثُمُنَا الْقِيمَةِ وَثُلُثَا ثُمُنِهَا يُؤْخَذُ مِنْ عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُ ذَلِكَ، فَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقَابِلُ مِقْدَارَ رُبْعِ الْقِيمَةِ بِرُبُعِ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الرُّبُعِ وَجَبَ بِأَصْلِ جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَهَذَا رِبْحٌ حَصَلَ لَا فِي ضَمَانِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ بِالْفَضْلِ وَأَمَّا ثُلُثَا ثُمُنِ الْقِيمَةِ فَهُوَ سَالِمٌ لِلْمُشْتَرِي لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لَهُ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ رِبْحٌ حَصَلَ فِي ضَمَانِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى قَطَعَ أَجْنَبِيٌّ يَدَهُ ثُمَّ قَبَضَهُ عَلَى ذَلِكَ وَرَضِيَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ مِنْ جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَإِذَا قَبَضَهَا وَفِيهَا فَضْلٌ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَالْيَدُ قُطِعَتْ قَبْلَ دُخُولِ الْعَبْدِ فِي ضَمَانِهِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ الْفَضْلِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ كَانَتْ بَعْدَ دُخُولِ الْعَبْدِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ.
قَالَ: وَلَوْ قَطَعَ الْمُشْتَرِي وَأَجْنَبِيٌّ يَدَهُ مَعًا ثُمَّ قَطَعَ الْبَائِعُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْبَائِعِ بَعْدَ جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ انْتَقَصَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِيمَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَصَارَ ذَلِكَ كَجِنَايَتِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَذَلِكَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي لِلتَّغَيُّرِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَكُونُ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُ فَلِهَذَا يُخَيَّرُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ فَإِنْ اخْتَارَ الْبَيْعَ فَعَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسَةُ أَثْمَانِهِ وَثُلُثُ ثُمُنِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ ثُمُنَا الثَّمَنِ وَثُلُثَا ثُمُنِهِ حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا عَلَى التَّخْرِيجِ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّالِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ اثْنَا عَشَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ أَرْبَعَةٌ فَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ وَهُوَ ثُمُنَا الْعَبْدِ وَثُلُثَا ثُمُنِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ ثُمُنِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ بِجِنَايَتِهِمَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِمَا ثَمَانِيَةٌ فَيَكُونُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ نِصْفُ ذَلِكَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ ثُمُنِ الْقِيمَةِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْأَجْنَبِيِّ كَانَتْ مَعَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِجِنَايَتِهِ يَصِيرُ قَابِضًا وَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي نَقْضَ الْبَيْعِ لَزِمَهُ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَسِرَايَة جِنَايَتِهِ وَذَلِكَ ثُمُنَا الثَّمَنِ وَثُلُثَا ثُمُنِ الثَّمَنِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ فِيهِ وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ ثُمُنِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ جِنَايَةَ الْأَجْنَبِيِّ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ حِينَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فَمَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ يُقَابِلُ ذَلِكَ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى مِلْكِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ لَمْ تَكُنْ عَلَى مِلْكِهِ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلَيْنِ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَنْقُدْهُمَا الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ أَحَدُ الْبَائِعَانِ يَدَ الْعَبْدِ ثُمَّ قَطَعَ الْآخَرُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ فَقَأَ الْمُشْتَرِي إحْدَى عَيْنَيْهِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي يَدِ الْبَائِعَيْنِ فَالْمُشْتَرِي مُخْتَارٌ لِلْبَيْعِ بِجِنَايَتِهِ بَعْدَ جِنَايَةِ الْبَائِعَيْنِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُمَا أَوْجَبَتْ الْخِيَارَ لَهُ وَلَكِنَّ جِنَايَتَهُ بَعْدَ جِنَايَتِهِمَا تَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُ وَالْإِسْقَاطِ لِخِيَارِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ لِلْقَاطِعِ الْأَوَّلِ ثُمُنُ الثَّمَنِ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ ثُمُنِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاطِعِ الثَّانِي ثُمُنَا الثَّمَنِ وَخَمْسَةَ أَسْدَاسِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ الْأَوَّلَ بِجِنَايَتِهِ أَتْلَفَ النِّصْفَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْقَاطِعُ الثَّانِي بِجِنَايَتِهِ أَتْلَفَ نِصْفَ مَا بَقِيَ وَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ ثُمَّ الْمُشْتَرِي بِفَقْءِ الْعَيْنِ أَتْلَفَ نِصْفَ مَا بَقِيَ وَهُوَ سِتَّةٌ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ سِتَّةٌ تَلِفَ بِثَلَاثِ جِنَايَاتٍ فَيَكُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ ذَلِكَ فَكَانَ حَاصِلُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ نِصْفُ ذَلِكَ مِمَّا بَاعَ هُوَ وَنِصْفٌ مِمَّا بَاعَ شَرِيكُهُ فَفِي حِصَّةِ مَا بَاعَ هُوَ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَكُلُّ ثُمُنٍ سِتَّةٌ فَالثَّلَاثَةَ عَشَرَ تَكُونُ ثُمُنَ الثَّمَنِ وَسُدُسَ الثَّمَنِ وَقَدْ كَانَ لِلْقَاطِعِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ، فَإِذَا سَقَطَ ثُمُنَاهُ وَسُدُسُ ثُمُنِهِ بَقِيَ لَهُ ثُمُنُ الثَّمَنِ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ ثُمُنِهِ فَلِهَذَا يَغْرَمُ الْمُشْتَرِي لَهُ ذَلِكَ وَالتَّالِفُ بِجِنَايَةِ الْقَاطِعِ الثَّانِي وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نِصْفُ ذَلِكَ مِمَّا بَاعَهُ هُوَ فَيَسْقُطُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَنِصْفُهُ فِيمَا بَاعَ شَرِيكُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَعَرَفْنَا أَنَّ السَّاقِطَ مِنْ حَقِّهِ ثُمُنُ الثَّمَنِ وَسُدُسُ ثُمُنِ الثَّمَنِ بَقِيَ لَهُ ثُمُنَا الثَّمَنِ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ ثُمُنِ الثَّمَنِ فَيَغْرَمُ لَهُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ بِثُمُنَيْ الْقِيمَةِ وَسُدُسِ ثُمُنِ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَهْمًا حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ مِمَّا بَاعَهُ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ الثَّانِي ثُمُنُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَسُدُسُ ثُمُنِ قِيمَةِ حِصَّةِ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ مِمَّا بَاعَهُ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ بَدَلِ النَّفْسِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ التَّأْجِيلِ يُعْتَبَرُ الْجَمِيعُ بَدَلَ النَّفْسِ وَيَتَصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِمَا زَادَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى مَا غَرِمَ مِنْ الثَّمَنِ، الْأَفْضَلُ سُدُسُ ثُمُنِ قِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى مَا كَانَ بِمُقَابَلَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَطِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِأَصْلِ جِنَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعِينَ إنَّمَا وَجَبَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْفَضْلِ فِيهِ، وَأَمَّا مَا تَلِفَ بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّمَا تَلِفَ بَعْدَ مَا صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لَهُ فَيَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ.
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْآخَرُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِيَيْنِ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ تَلِفَ بِفِعْلِهِمَا وَذَلِكَ قَبْضٌ مِنْهُمَا وَزِيَادَةٌ وَيَرْجِعُ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ عَلَى الْقَاطِعِ الثَّانِي بِثُمُنِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ ثُمُنِ قِيمَتِهِ وَيَرْجِعُ الْقَاطِعُ الثَّانِي عَلَى الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ بِثُمُنِ قِيمَتِهِ وَنِصْفٌ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ الْأَوَّلَ بِجِنَايَتِهِ أَتْلَفَ النِّصْفَ وَالْقَاطِعَ الثَّانِيَ أَتْلَفَ نِصْفَ مَا بَقِيَ ثُمَّ تَلِفَ مَا بَقِيَ بِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِمَا فَيَكُونُ نِصْفُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَحَاصِلُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سِتَّةٌ فَذَلِكَ ثَلَاثُونَ نِصْفُ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَرَاهُ هُوَ وَنِصْفُهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ صَاحِبُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ ثُمُنَاهُ وَنِصْفُ ثُمُنِهِ فَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ ثُمُنَا الْقِيمَةِ وَنِصْفُ ثُمُنِهَا وَالتَّالِفُ بِجِنَايَةِ الْقَاطِعِ الثَّانِي وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نِصْفُهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ تِسْعَةٌ وَذَلِكَ ثُمُنٌ وَنِصْفُ ثُمُنٍ فَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ الثَّانِي ثُمُنُ الْقِيمَةِ وَنِصْفُ ثُمُنِ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ فَقَأَ عَيْنَهُ بَعْدَ جِنَايَتِهِمَا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلِلْمُشْتَرِيَيْنِ الْخِيَارُ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْبَائِعِ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَهَا مِنْهُمَا مَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا فَإِنْ اخْتَارَ أَنْقَضَ الْبَيْعِ فَلِلْبَائِعِ عَلَى الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ ثُمُنَا الثَّمَنِ وَسُدُسُ ثُمُنِهِ وَعَلَى الثَّانِي ثُمُنُ الثَّمَنِ وَسُدُسُ ثُمُنِهِ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ بِجِنَايَةِ الْقَاطِعِ الْأَوَّلِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سَهْمَانِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ جِنَايَةِ الْبَائِعِ فَذَلِكَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ نِصْفُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ هُوَ فَيُقَرَّرُ عَلَيْهِ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ.
وَذَلِكَ ثُمُنَا الثَّمَنِ وَسُدُسُ ثُمُنِهِ وَنِصْفُ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ فَقَدْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ بِفَسْخِهِ فَيَغْرَمُ لِلْبَائِعِ ثُمُنَ الْقِيمَةِ وَسُدُسَ ثُمُنِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا اشْتَرَى شَرِيكُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالتَّالِفُ بِجِنَايَةِ الْقَاطِعِ الثَّانِي اثْنَا عَشَرَ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سَهْمَانِ نِصْفُ ذَلِكَ وَهُوَ سَبْعَةٌ مِمَّا اشْتَرَاهُ فَلَزِمَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ ثُمُنُ الثَّمَنِ وَسُدُسُ ثُمُنِ الثَّمَنِ وَنِصْفُهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ بِفَسْخِهِ وَيَغْرَمُ لِلْبَائِعِ حِصَّةً مِنْ الْقِيمَةِ، وَذَلِكَ ثُمُنُ الْقِيمَةِ وَسُدُسُ ثُمُنِهَا، فَإِنْ اخْتَارَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثُ ثُمُنِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ مِنْ الثَّمَنِ مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ وَالتَّالِفُ بِجِنَايَتِهِ سِتَّةٌ وَبِسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ سَهْمَانِ فَذَلِكَ ثُمُنٌ وَثُلُثُ ثُمُنٍ وَالْبَاقِي عَلَيْهِمَا مِنْ الثَّمَنِ سِتَّةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثَا ثُمُنٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الثَّمَنِ وَثُلُثُ ثُمُنِهِ وَيَرْجِعُ الْقَاطِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِثُمُنَيْ الْقِيمَةِ وَسُدُسِ ثُمُنِهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّالِفَ بِفِعْلِهِ مِمَّا اشْتَرَاهُ الْقَاطِعُ الثَّانِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ ذَلِكَ ثُمُنَا الْقِيمَةِ وَسُدُسُ ثُمُنِهَا؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِ الثَّانِي مِمَّا اشْتَرَاهُ الْأَوَّلُ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ وَذَلِكَ ثُمُنٌ وَسُدُسُ ثُمُنٍ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَهُمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ فِيهِ مَعَ اخْتِلَافِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَنْقُدْهُ الثَّمَنَ حَتَّى قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْمُشْتَرِي يَدَهُ الْأُخْرَى أَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ الَّتِي فِي جَانِبِ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَدْ بَطَلَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقَطْعِ الْبَائِعِ يَدَ الْعَبْدِ نِصْفُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى مَا نَقَصَ الْعَبْدُ مِنْ جِنَايَةِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ فِي قَطْعِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ وَهُوَ مَا إذَا قَطَعَ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ هُنَاكَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفَوِّتٍ لِجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَلِهَذَا يُجْعَلُ التَّالِفُ بِفِعْلِهِ نِصْفَ مَا بَقِيَ وَهُنَا فِعْلُهُ اسْتِهْلَاكٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ إنْ قَطَعَ الْيَدَ الْأُخْرَى فَقَدْ فَوَّتَ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ، وَتَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ يَكُونُ اسْتِهْلَاكًا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ فِي السَّرِقَةِ وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُ مَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنْ قَطَعَ الرِّجْلَ الَّتِي مِنْ جَانِبِ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فَقَدْ فَوَّتَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْشِيَ بِعَصًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ الرِّجْلَ مِنْ خِلَافٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا اسْتِهْلَاكٌ وَأَنَّ النُّقْصَانَ فِيهِ أَكْثَرُ فَلِهَذَا اعْتَبَرْنَا النُّقْصَانَ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْجِنَايَةُ نَقَصَتْهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ مَا بَقِيَ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ قَطْعِ الْيَدِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَتَرَاجَعَتْ قِيمَتُهُ بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقَدْ تَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ نِصْفِ الثَّمَنِ ثُمَّ الْبَاقِي وَهُوَ خُمُسُ النِّصْفِ تَلِفَ بِجِنَايَتِهِمَا فَيَكُونُ نِصْفُ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَصَارَ حَاصِلُ مَا عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ أَرْبَعَةَ أَعْشَارِ الثَّمَنِ وَنِصْفَ عُشْرِ الثَّمَنِ وَسَقَطَ عَنْهُ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَسِرَايَةِ جِنَايَتِهِ خَمْسَةُ أَعْشَارٍ وَنِصْفُ عُشْرٍ.
قَالَ: فَإِنْ بَدَأَ الْمُشْتَرِي فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَطَعَ الْبَائِعُ رِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يُحْدِثْ الْبَائِعُ فِيهِ مَنْعًا فَعَلَى الْمُشْتَرِي ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ بِقَطْعِ الْيَدِ صَارَ قَابِضًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ ثُمَّ إنَّمَا يَنْتَقِضُ حُكْمُ قَبْضِهِ فِيمَا تَلِفَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ خَاصَّةً وَالتَّالِفُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَهُوَ رُبُعُ الْعَبْدِ فَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي رُبُعُ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ نِصْفُ الثَّمَنِ حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ وَرُبُعُ الثَّمَنِ حِصَّةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي بَقِيَ فِيهِ وَقَدْ تَلِفَ لَا بِسِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ فَيَتَقَرَّرُ ثَمَنُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَبْدُ وَبَرِئَ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ قَبْضِهِ انْتَقَضَ فِيمَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ وَذَلِكَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَكَانَ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ، نِصْفُ الثَّمَنِ حِصَّةُ مَا تَلِفَ بِقَطْعِهِ الْيَدَ، وَرُبُعُ الثَّمَنِ حِصَّةُ الْبَاقِي مِنْ الْعَبْدِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَأَعْطَى نِصْفَ الثَّمَنِ حِصَّةَ مَا تَلِفَ بِقَطْعِهِ الْيَدَ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَخْذَهُ فَمَنَعَهُ الْبَائِعُ حَتَّى يُعْطِيَهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ فَمَاتَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِهِمَا فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا نِصْفُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ قَبْضِهِ انْتَقَضَ فِيمَا بَقِيَ حِينَ مَنَعَهُ الْبَائِعُ فَإِنَّمَا تَلِفَ مَا بَقِيَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ إلَّا حِصَّةُ الْيَدِ وَذَلِكَ نِصْفُ الثَّمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.